أقيم في بيتي
أبدا، بأحد ما اقتديت
ولقد سخرت، فوق ذلك، من كل معلم
ما سخر من ذاته أولا.
***
في الجنة
"الخير والشر انحياز الإله"
يقول الثعبان ويسرع هاربا.
***
عن العلماء
بينما كنت نائما، إذ بشاة تقلقل تاج اللبلاب الذي يزيّن رأسي، قالت وهي تقلقل: "ما عاد زرادشت عالما".
قالت ذلك وذهبت في ازدراء وتعال. أعلمني صبي بذلك.
أحب أن أكون مستلقيا حيث الأطفال يلعبون قرب الجدار المتداعي، تحت أكمة الأشواك والخشخاش الأحمر.
ما زلت عالما في نظر الأطفال، وأيضا في نظر الأشواك والخشخاش الأحمر.
إنهم أبرياء حتى في إيذائهم.
لكنني ما عدت كذلك في نظر النعاج: ذاك حظي: فليبارك!
لأن هذه هي الحقيقة: تركت بيت العلماء وأطبقت الباب ورائي.
طويلا جلست روحي جائعة على مائدتهم، لست، مثلهم، مروَّضا على البحث عن المعرفة كمن يكسّر الجوز.
أعشق الحرية والهواء على الأرض البليلة؛ وأفضِّل النوم على جلود البقر، على النوم على أمجادهم وألقابهم.
متقد جدا بأفكاري ومحترق جدا بها: غالبا ما يقطع ذلك عليّ أنفاسي، لذلك عليّ الذهاب إلى الفضاء الأرحب، بعيدا عن كل الغرف المُغبرة.
لكنهم يتفيّئون الظلال الندية: إنهم لا يريدون، إجمالا، أن يكونوا إلا مجرد متفرجين ويحذرون جيدا الجلوس حيث الشمس تُحرق بلهيبها درجات السلم.
أمثال الذين يقفون في الشارع وينظرون فاغرين أفواههم إلى المارة: هكذا هم ينظرون وينظرون فاغري الأفواه إلى الأفكار التي أدركها غيرهم.
تلمسهم فيرسلون بالغبار عن غير قصد كما أكياس الطحين: فمن سيظن أن غبارهم يأتي من القمح ومن بهجة حقول الصيف المذهبة؟
وإذا بدوا في هيئة الحكماء، فإنني أقشعرّ من أمثالهم الصغيرة ومن حقائقهم الصغيرة: لحكمتهم، غالبا، رائحة المستنقعات، ولطالما استمعت إلى نقيق الضفادع في كلاهم ذاك.
إنهم مهرة، أصابعهم لبقة: ما قدرة بساطتي إلى جانب تعقيدهم! أصابعهم تتوافق في النظم والعقد والنسج: هكذا ينسجون للعقل جوارب!
إنهم حركات جيدة في صناعة الساعات: يكفي أن نُتقن ضبط رقّاصها، حتى تعلن عن الوقت بنزاهة مُسمِعة إيانا غوغاء خافتة.
كالطواحين يعملون وكالمدقات – وكيفي أن نرمي إليهم بالقمح! – إنهم على وفاق في طحن القمح وجعله غبارا أبيض.
يتبادلون مراقبة أصابعهم ويتبارزون في ذلك. ماهرون في الرداءات الصغيرة، يتربصون بمن علمهم يعرج – كما العناكب يتربصون.
طالما رأيتهم يحضّرون سمومهم في حذر؛ وعلى الدوام ساترين أصابعهم بقفازات من بلور.
أيضا يعرفون اللعب بالنرد المزيف، ولقد رأيتهم يلعبون بالكثير من الحماس حتى أنهم كانوا مكسيين عرقا.
لا مشترك بيني وبينهم، وما يقززني أكثر من ريائهم ونرودهم المزيفة: فضائلهم.
عندما كنت بينهم، كنت فوقهم أقيم، لذلك حقدوا عليّ.
لا يقبلون أن يمشي أحد فوق رؤوسهم: هكذا وضعوا أخشابا وأتربة وقذرات بين رؤؤسهم وبيني.
هكذا خنقوا صوت أقدامي؛ وإلى الآن لمّا يزل أكثرهم علما أقلهم استماعا إليّ.
لقد وضعوا بيني وبينهم كل الأخطاء وصنوف الضعف الإنساني: - في بيوتهم يسمون هذا "سقفا مزيفا".
ولكن على الرغم من ذلك فأنا أمشي بأفكاري فوق رؤوسهم، وحتى لو أردت السير فوق عيوبي، فسأظل فوقهم وفوق رؤوسهم.
لأن الناس غير متساوين: هكذا تقول العدالة.
وما أريده، لن يكون لهم حق إرادته.
هكذا تكلم زرادشت.
***
سعادتي
منذ صرت من البحث متعبا
تعلمت أن أجد.
منذ أن وقفت لي ريح بالضد
صرت أبحر مع كل الرياح.
***
حوار
أ: هل كنت مريضا؟ هل شُفيت؟
ولكن من كان طبيبي؟
كيف استطعت نسيان هذا!
ب: الآن فقط، أظنك شفيت.
لأن من ينسى، في صحة جيدة يكون.
***
تعال معي – تعال معك
هيأتي ولغتي تجذبانك،
أتقتفي أثري، أتريد أن تتبعني؟
اتبع ذاتك بأمانة: -
ورويدا رويدا ستتبعني!
***
ورودي
نعم! سعادتي تريد أن تُسعِد!
كل سعادة ترغب أن تُسعِد!
هل تريدون قطف ورودي؟
وجب عليكم الانحناء والاختفاء
وسط العوسج والصخور
وغالبا لعق الأصابع!
سعادتي ساخرة!
سعادتي خؤونة!
هل تريدون قطف ورودي؟
***
قول مأثور يقول
صارم وطيّع، غليظ ولطيف،
مألوف وغريب، قذر وصاف
موعد المجانين والعقلاء:
أكون، أريد أن أكون هذا كله،
في الآن ذاته ثعبانا وخنزيرا ويمامة.
***
المقدام
عداوة بسيطة أفضل
من صداقة الخشب المعاد إلصاقه.
***
صدأ
لا بد أيضا من الصدأ: السلاح الحاد لا يكفي
وإلا ظلوا يقولون عنك: "ما زال جِدُّ صغيرا"!
***
نحو الأعالي
"كيف أرتقي الجبال أفضل؟"
إصعد دوما
دون أن تَشغل ذاتك، بذلك.
***
حكمة الرجل العنيف
لا تطلب شيئا أبدا! ما جدوى التأوّه!
بل خُذ، أرجوك، وعلى الدوام.
***
الخاضع
أ: يقف ويستمع: مَن الذي استطاع أن يخدعه؟
ما الذي سمعه يطنّ في أذنيه؟
ما الذي استطاع هدّه إلى هذه الدرجة؟
ب: ككل الذين حملوا أغلالا،
ضجة الأغلال أنّى كان تتبعه.
***
نصيحة
أطامح إلى المجد أنت؟
إليك إذن بالنصيحة:
كن حرا، وفي الوقت المناسب،
تنازل عن المجد!
***
إلى قارئي
فكُّ جيّد ومعدة جيدة –
هذا ما أرجوه لك!
وحين تكون هضمت كتابي، حينها
تكون على اتفاق معي!
***
"المعرفة لأجل المعرفة" – ذاك هو الشرك الأخير الذي تنصبه الأخلاق، ونحن مرة أخرى واقعون تماما في أحابيله.
***
الذي يحتقر ذاته يفرط أيضا في تمجيد احتقاره لذاته.
***
الغريزة – عندما البيت يحترق، نحن ننسى حتى العشاء.
- نعم، لكننا نستدرك الأمر بعد ذلك، على الرماد.
***
مستاء يتكلم: "تمنيت صَدِّي، فما سمعت غير المديح".
***
توفر الموهبة لا يكفي؛ وجب أيضا توفر الإذن من قبلكم – أليس الأمر كذلك أيها الأصحاب؟
***
فكرة الانتحار تعزية قوية، إنها تساعد على تمضية أكثر من ليلة رديئة.
***
نكف عن محبة معارفنا حالما نُبلِّغها.
***
أن تتكلم كثيرا عن نفسك، فذلك يمكن أن يكون أيضا وسيلة للتخفي.
***
غرور الآخر لا يصدم ذائقتنا إلا عندما يصدم غرورنا الخاص.
***
"هو لا يعجبني" – ولماذا؟ "لأنه يتجاوزني" هل أجبتم أبدا هذا الجواب؟
***
أنتم جميعا يا من تغرقون، أتظنون أني جاهل بما تتمنون؟ أن تتعلقوا بسباح قوي، الذي أنا ذاته.
أتظنون أني راغب في أن أجعل الأشياء أكثر سهولة للراقي، وأن أدله على دروب أكثر إمتاعا؟ وجب لذلك أن يندثر على الدوام أكبر عدد من جنسكم، وأن أرغب في تعلم السخرية منكم أكثر.
بإمكانكم أيضا أن تقودوا أقوى البشر إلى الهاوية: بكل العماء وكل التبلد، هكذا تتعلقون بمنقذ!
تعلمت رؤية أشد الآلام ولست غاضبا من رؤيتكم تولولون.
وما همني بؤسكم! ولتكن خطيئتي أني أشفقت عليكم!
***
من يقدر
على إعطائك قدر حقك؟
إذن خذ حقك بيديك!
ديوان نيتشه
فريدريك نيتشه
ت: محمد بن صالح
منشورات الجمل