بين سحر الرواية وشعوذتها!
ظبية خميس
لا يمر أسبوع دون أن أكون قد غرقت فى قراءة رواية ما.مخزونى ذلك الذى لا أستغنى عنه,وفى رأيى أن بين كل ألف رواية اليوم يمكن أن تجد رواية واحدة تسحرك فعلا والباقى مجرد شعوذة تجارية رائجة.
قرأت ثلاثة أعمال روائية مؤخرا:اثنان منهما محسوبتان على العالمية والثالثة محلية.ألأولى نفرتنى وأشعرتنى بمستوى التدنى الأدبى الذى وصلت إليه القوائم التجارية لبيع الكتب وقد كانت لباولو كويلهو بعنوان يمكن ترجمته زنى أو خطيئة.سرد أقل من عادى لعالم ممل عن امرأة مملة وعلاقات أكثر مللا باسلوب يفتقر تماما للجملة الأدبية.أما الرواية المحلية فقد كانت بعنوان الكاتبة لأميمة عز الدين وتدور أيضا حولالعلاقات والحب والخيبات بأسلوب شبه ساذج ومتكرر.
وعوضنى عن الجهد الفاشل فى استساغة ماقد سبق أن غرقت فى رواية هاروكى موراكامى الأخيرة والتى يمكن ترجمة عنوانها تسكورو تازاكى عديم اللون.
وهاروكى موراكامى الكاتب اليابانى ينتمى إلى سلالة رائعة من روائيى وكتاب اليابان مثل ميشيما وكاوباتا وغيرهم من أولئك الذين وضعوا بصماتهم على الأدب العالمى الذى وصلنا.لديهم لغة أدبية رائعة وراقية وعوالم صادمة تتجلى على مراحل وكتابة ثرية عن النفس الإنسانية من واقع مجتمعهم اليابانى.وقد شغفت بكتابة موراكامى منذ قرأته لأول مرة مترجما إلى الإنجليزية وفرحت بتعدد ترجماته إلى اللغة العربية.وهو كاتب خاص له عوالم شبه سحرية يعشق المةسيقى والجاز والعزلة والكتابة بعمق عن هامش شبه غيبى وشبه ضبابى ينقل فيه القارىء إلى مستويات نادرة من الوعى والمشاعر.ومن أهم أعماله التى تحول بعضها إلى أفلام سينمائية:الغابةالنرويجية,كافكا على الشاطىء,كتاب الركض,بعد الظلام,أرقص أرقص أرقص,جنوب الحدود وغرب الشمس,وغيرها.
فى روايته الجديدة يكتب عن تسكورا تازاكى عديم اللون,ويأخذنا إلى عالم حساس عنالصداقة وانكسارها وتأثير ذلك على نفس بطل الرواية الذى يعيش حياة عادية من ناحية وحياة ناقصة فى ظلام نفسه بسبب ما قد حدث فى سنوات صباه وأول شبابه من تعثر صداقة كانت تجمعه بأربعة آخرين فى فترة درؤاسته الثانوية .يبحث فى الماضى وأسباب ذلك الإنهيار ويكتشف مفاجآت لا تخطر على باله ويدخل فى عوالم غير مرئية تتمدد فيها شخصيته الروحية والشبحية نحو عوالم لا تخطر على عقله الواعى.
وما يشد القارىء فى الرواية هى الكتابة نفسها والصور الأدبية وذلك الإغواء الذى يأخذك إلى عوالم تبدو معقدة وبسيطة فى الوقت نفسه لكنك تشعر بأنك تقرأ عملا أدبيا بحق وترى خيالا يأخذك إلى عوالم جديدة وغريبة عليك.
لا أعرف سر رواج الرواية ولا ذلك العدد المهول ممن يكتبونها اليوم بحثا عن الرواجالتجارى غالبا قبل الرواج الأدبى ذلك أن الأدب قد تحول إلى تجارة مربحة للناشرين عالميا وعبر الترجمات وقوائم الأفضل مبيعا وهكذا.غير أن الحق يقال أن هناك الكثير من الأدب الروائى الردىء عالميا وعربيا أيضا.
تمتلىء مكتبتى بكتب اشتريت بعضها وجاءتنى كإهداءات فى بعضها الآخر لروايات لا تقرأ فى غالبها.أنتهى من قراءتها سريعا أو أتصفحها وأشعر بالامتعاض من كثيرمنها.وكأنما هناك معمل ينتج بذورا مصنعة سريعة النمو بشكل غير طبيعى فتأتى النتيجة فجة رغم أننى أرى بعض العناوين على قائمة أفضل المبيعات فى الصحف.
وللأسف يقع بعض من قد قدموا تجارب روائية مميزة فى المطب نفسه ذلك أن نجاح أحد أعمالهم أغراهم بالكتابة سنويا والنشر فجارت أعمالهم التالية على الأولى وجاءت محبطة ومخيبة للآمال.اما صغار الكتاب فيقدمون تجارب روائية بلا خبرة حياتية ولا لغة متقنة ولا اسلوب أدبى متميز مستسهلين النشر والتسويق لانفسهم على الإنترنت وفى سوق الجوائز المتنامى.
الفرق كبير بين حبة مانجو ناضجة تماما وفى موسمها ,وبين ثمرة أخرى فجة بلا طعم وبلا موسم لكنها لونت وروج لها وحاول الناس التهامها فغصوا بها.
مصدر الاهرام .