"حين بلغت سن الحادية عشرة كسرت خنزيرى وذهبت إلى بائعات الهوى.
كان خنزيرى هذا حصالة صغيرة من الخزف اللامع لونها لون القىء، بها فتحة تسمح بدخول النقود ولا تسمح بخروجها، اختارها لى والدى هكذا باتجاه واحد، لأنها كانت تماثل فلسفته فى الحياة القائلة: بأن النقود جعلت للحفظ وليس للإنفاق".
***
"- لماذا يقولون إنك العربى الوحيد فى الشارع إن لم تكن عربيا؟
- لأن عربى يا مومو تعنى فى عالم البقالة (مفتوح من الثامنة صباحا إلى منتصف الليل حتى فى أيام الآحاد)".
- لأن عربى يا مومو تعنى فى عالم البقالة (مفتوح من الثامنة صباحا إلى منتصف الليل حتى فى أيام الآحاد)".
***
"بوبول كان هو نقيض العدم الذى كنت أساويه، كان والدى يقذف فى وجهى دائما بذكرى شقيقى الأكبر بوبول كلما أخطأت فى شىء: "بوبول كان دائما متفوقا فى المدرسة، بوبول كان يحب الرياضيات، لم يكن يلوث حوض الاستحمام، بوبول لم يكن يتبول على جانبى مقعد المرحاض، بوبول كان يحب كثيرا قراءة الكتب التى يحبها بابا".
لم تكن تلك الحقائق أسوأ من حقيقة أخرى هى أن أمى تركت البيت مع بوبول بعد ولادتى بفترة وجيزة، صحيح أن العيش مع ذكرى أليمة صعب على الإنسان، لكن العيش إلى جوار بوبول، المثال الحى للكمال فى كل شىء، كان أكبر بكثير مما أستطيع تحمله".
***
"- مسيو إبراهيم، حين قلت إن الابتسام هو إحدى خصائص الأغنياء كنت أريد القول إنه من خصائص السعداء.
- وهذا هو خطأك، إن الابتسام هو الذى يجعل المرء سعيدا".
***
"- إننى أنا الملام، لو كنت مثل بوبول لكان أسهل على أبى أن يحبنى".
***
"- إنه لجنون يا مسيو إبراهيم أن تبدو واجهات محلات الأغنياء بهذا الفقر، إنها ليس بها شىء.
- ذلك هو الترف يا مومو، الواجهة ليس بها شىء، السعر هو الذى به كل شىء".
***
"القواميس لا تشرح جيدا إلا الكلمات التى نعرفها بالفعل".
***
"- بابا، هل تؤمن بالله؟
نظر إلىّ ثم قال ببطء:
- لقد بدأت تصبح رجلا، على ما أرى.
لم أفهم ما هى العلاقة، وللحظة تساءلت إن كان أحد قد أخبره أننى أذهب لزيارة فتيات شارع "بارادى" لكنه أضاف:
- لا أنا لم أصل قط إلى الإيمان بالله.
- لم تصل قط؟ لماذا؟ هل المسألة بحاجة إلى جهد؟
نظر إلى الظلام المخيم على الشقة من حوله.
- أن تؤمن بأن كل ذلك له معنى، نعم لا بد من بذل جهد كبير.
- لكننا فى النهاية يهود يا بابا، أنا وأنت.
- نعم.
- وأن تكون يهوديا لا علاقة له بالله؟
- بالنسبة لى لم تعد له علاقة، أن تكون يهوديا هو بكل بساطة أن تحمل الذكريات، الذكريات السيئة".
***
"- ماذا يعنى بالنسبة إليك يا مومو أن تكون يهوديا؟
- لا أعرف، بالنسبة لأبى يعنى ذلك أن تكون مكتئبا طوال اليوم، بالنسبة لى هو مجرد شىء يمنعنى من أن أصبح شيئا آخر".
***
"أنت لا تملك إلا زوجا واحدا من الأقدام، عليك أن تعتنى به، إذا آلمك الحذاء فلتغيره لأن قدميك ليس بإمكانك تغييرهما".
***
"كان من المستبعد تماما أن أعترف بأن والدى قد هجرنى.. بأننى قد هجرت مرتين، مرة حين هجرتنى أمى بمجرد أن ولدتنى، ومرة ثانية حين هجرنى أبى بمجرد أن بلغت سن المراهقة، إذا عُرف عنى ذلك فلن يمنحنى أحد أية فرصة، ما هو ذلك الشىء الفظيع الذى كان بى؟ ما هو ذلك الشىء الذى يجعل حب الناس لى مستحيلا؟"
***
"حين نريد أن نتعلم شيئا فليس علينا بكتاب، وإنما علينا أن نتحدث إلى إنسان، أنا لا أؤمن بالكتب".
***
"حدثته عن ميريام، حدثته عنها بقدر ما تحاشيت الحديث عن والدى، فبعد أن قبلتنى ميريام فى بلاط خاطبى ودها، بدأت تلفظنى وكأنى مرشح غير مناسب.
- لا عليك، قال مسيو إبراهيم، إن حبك لها ملك لك، أنت الذى تملكه حتى لو هى رفضته، فهى لن تستطيع تغييره، كل ما فى الأمر أنها لن تستمتع به، إن ما تعطيه يا مومو يظل لك طوال العمر، أم ما تبقى عليه فهو ضائع إلى الأبد".
***
"فى (الصالون) أخذ المفتش يدى وقال لى فى لطف: يا بنى إن لدينا خبرا سيئا لك، والدك توفى.
لست أدرى ما الذى أدهشنى أكثر؟ وفاة والدى أم الطريقة المهذبة التى خاطبنى بها الشرطى؟
ارتميت على الفور فى المقعد الذى كان يجلس فيه أبى.
- لقد ألقى بنفسه تحت القطار بالقرب من مارسيليا.
هذا أيضا كان غريبا أن يذهب ليفعل ذلك فى مارسيليا، القطارات توجد فى كل مكان، وأكثرها توجد فى باريس، من المؤكد أننى لن أفهم والدى أبدا".
***
"- لا يا مومو لا تأخذ "الأوتوروت" السريع، فالطريق السريع يقول لك امض فليس هناك ما يمكن أن تراه، إنه من أجل الأغبياء الذين يريدون أن يذهبوا بأسرع ما يمكن من نقطة إلى أخرى، أما نحن فنصنع المثلثات والمربعات كما فى الهندسة، إننا فى رحلة، ابحث لى عن طرق صغيرة جميلة تريك كل ما يستحق أن يُرى".
***
"- إنك كثير الحركة يا مومو، إذا كنت تريد أن يكون لك أصدقاء فيجب ألا تتحرك.
- مسيو إبراهيم، هل تجدنى وسيما؟
- إنك وسيم جدا يا مومو.
- لا ليس هذا ما أقصده.. هل تجد أننى وسيم بالقدر الذى يمكن أن يعجب الفتيات.. دون أن أدفع؟
- بعد بضع سنوات سيدفعن هن لك.
- ومع ذلك.. فى الوقت الحالى.. السوق راكد.
- بالطبع يا مومو، أرأيت كيف تتصرف؟ إنك تنظر لهن كأنك تقول: "أرأيتن كم أنا وسيم"، لذا بالتأكيد سيضحكن منك، عليك أن تنظر لهن وكأنك تقول "إننى لم أر فى حياتى من هى أجمل منك"، فالرجال العاديون مثلى ومثلك- وليس مثل آلان ديلون أو مارلون براندو – وسامتهم هى ما يجدونه فى المرأة".
مسيو إبراهيم وزهور القرآن
إريك إيمانويل شميت
ت: محمد سلماوى