لقد بلغ التصوف الإسلامي ذروته الدينية على أيدي رجال عظام سبقا الحلاج مثل ذي النون , المحاسبي , والجنيد . ففي مائة وخمسين عاماً و وعلى وجه التحديد , في الفترة الواقعة بين عام 750 وعام 900 , حصل تطور يسترعي الانتباه , فقد جرى استيعاب وهضم للتدين التقشفي المبكر وما صاحبه من احتقار صارم وغير مثمر للحياة واستكمل بحب إلهي متوهج يهز النفس ويغمرها بالغبطة وعمق بالكشف عن الطريق التي ينبغي على النفس البشرية أن تسلكها حتى تتحد بالله وتتساوى معه , من خلال تحولها إلى صورته , هذا هو التطور الذي جمع ودون على يد الغزالي في كتابه العظيم .
مقتطفات من الكتاب
مقدمة المؤلف
في ربيع عام 922 و على وجه التحديد في يوم 26 اذار ( مارس ) أي في احد تلك الايام التي كانت روما تقيم فيها الاحتفالات بمناسبة وفاة إله الخصوبة عطي ( Attis ) و العالم المسيحي يستعيد خلالها ذكرى مأساة المسيح و الامه في القدس ، صلب في بغداد المتصوف الهيمان الحسين بن منصور الحلاج و كانت التهمة الموجهة اليه هي ادعاؤه الالوهية و نشره اراء مفادها أن الذات الاليهة قادرة على أن تحل في الانسان و تتحد به و ادعاؤه بأنه قادر على خلق المعجزات التي تثبت الوهيته بما كان يصطنع من حيل و خدع و شعوذات .
و لم يتعقد القضاة الذين بالغوا في تحري حقيقة التهمة الموجهة اليه مبالغة الرجال الذين يرون في اقامة القضاء العادل جزءا من نزاعتهم و شرفهم بإمكانية ادانته بالاستناد إلى التهم المسهبة المنسوبة اليه لا سيما و أن الحلاج نفسه كان قد اعلن براءته مما ينسب اليه من اراء . و لكن لما كان الحكم بأعدامه امرا مقضيا قبل أن تجتمع المحكمة لذا قرر الحكم عليه بسبب بعض الاراء التي سمح لنفسه ببثها و التي تبطل اركان الاسلام و شعائره . فقد ادعى أن بإمكان المسلم الافطار في شهر رمضان إذا ما صام ثلاثة ايام و ثلاث ليال متتابعة صياما تاما و فطر في اليوم الرابع بشيء من الخضار و بإمكانه الاستغناء عن الحج إلى مكة و ما يتصل به من جهد مرهق و سفر مكلف بالطواف حول داره .
و تم تنفيذ حكم الاعدام حسب مقتضيات الذوق الشرقي القاضي بأن يتجرع المرء حدثا مثل هذا تجزع منه النفوس و تضطرب له المشاعر بجرعات صغيرة . فجلد بادئ الامر بالسوط ثم قطعت يداه و رجلاه و بعد ذلك صلب على خشبة و ترك معلقا يومين حتى حز رأسه و لم يأبه الحلاج بمصيره المحتوم على ما يبدو فالرواية تقول أن عيناه اغرورقتا و هو يقاد إلى ساحة الاعدان بالدمع من كثرة الضحك و لم يقل و هو يصلب سوى (( يا معين الفناء ... اعني على الفناء .. الهي انك تتودد إلى من يؤذيك فكيف لا تتودد إلى من يؤذى فيك .. حسب الواحد افراد الواحد له ... )) .
لقد نال هذا الحدث المأسوي بعد ما يقرب من الف عام خاتمة جديرة بالملاحظة و الاعتبار . فقد توجهت إلى الشهيد الصوفي انظار المستشرق الفرنسي لوي ماسينيون و اهتماماته الشخصية بحيث بدا و كأنه يبعث من جديد فراح ماسينيون يفتش في كل مكتبات اوربا على الفي بحث من الشرق و الغرب ليكتب بعد هذا تاريخه : فكانت الحصيلة عملا جبارا مدهشا يشتمل على تسعمائة صفحة تسلط الضوء على حياة هذا الصوفي المسلم ابتداء من حياته الاولى و مصادره العلمية . و النتيجة التي انتهى المؤلف اليها هي أن الحلاج ثمرة التصوف الاسلامي و قمته و انه فاق الكل من حيث عمق فكرته و ندرة جرأته و حرارة ورعه و صدق تقواه .
و إذا كان تقييم منزلة بعض الافراد في مثل هذه المجالات امرا لا مناص منه فما من شك في أن مثل هذا التقييم سيكون تعبيرا عن موقف شخصي و ليس عن موقف موضوعي . فهل كان اوريجين اكثر اهمية كشخصية دينية من مؤلف انجيل يوحنا ؟ و هل ينبغي للمرء أن يضع في قائمة القديسين ، تاولر بصفة صوفيا قبل زوسو أو خوان ده لاكروس أو كاترين الزينية ؟
فهرس
مقدمة المترجم
مقدمة المؤلف
الفصل الأول : التصوف و المسيحية
الفصل الثاني : الزهد
الفصل الثالث : الوحدة و المجتمع – العابد و العالم
الفصل الرابع : الحياة الباطنية
الفصل الخامس : الله الواحد الاحد
الفصل السادس : التوكل على الله و الحب الالهي
المصادر
بيانات الكتاب
تأليف: تور اندرية
ترجمة: عدنان عباس على
الناشر: منشورات الجمل
عدد الصفحات: 252 صفحة
الحجم: 3 ميجا بايت