عندما تقرأ المرأة،
منذ مدة أخذت أطالع و أقرأ عن لوحات فنية من العصر الفيكتوري و أواخر القرن التاسع عشر و بدايات القرن العشرين حيث الثورة الصناعية الأولى في العالم و التي تبعتها ثورة في الفكر و الفن ..التجديد والحداثة أخذت قطباً صاخباً، و الحفاظ على أصالة حياة المجتمعات الكلاسيكية و ثقافتهم من خلال رصدها في الفن و الأدب. ركَّزت في مطالعتي على اللوحات التي كان موضوعها الكِتاب و القراءة لدى المرأة. كانت القراءة تسلية و تعلُّم و حضارة في الوقت نفسه، الناس فقيرهم و غنيّهم أوْلوا الكتاب قداسة لم تندثر حتى اليوم في بريطانيا و أمريكا.. الأرياف و القرى و المدن. بمختلف طبقات المجتمع و أفراده. هذه خمش لوحات أحببت الاحتفاظ بها في تدوينة لأنها أيقظت في ذاكرتي ذكريات قديمة و عديدة من طفولتي موضوعها المشترك هو تبجيل القراءة في الشدة و الرخاء.
1
لوحة “كتب محرمة” – للفنان الإنجليزي الكسندر مارك روسي 1897
تظهر في اللوحة سبع نساء إحداهن تراقب ما يفعلن من قراءة كتب كان ممنوع عليهن قراءتها. إذ كُن النساء في العصر الفكتوري ممنوعات من حقوق عديدة ضيقت على الموهوبات منهن الكتابة في الأدب بحرية. معاناة الكاتبات ظهرَت جلياً في تجربة الأخوات برونتي الروائية. في اللوحة يرصد الكسندر روسي شغف كل امرأة من النساء الست، أو كما أراهن..الفتيات، بكتاب تقرأ فيه. فيما تظهر الفتاتين في يسار اللوحة مستمعات و مستمتعات بما تقرأه الفتاتين على اليمين بصوت مسموع. تميزت اللوحة بواقعيتها الدقيقة، حيث الزي التقليدي للنساء البريطانيات في ذلك العصر و الستارة المزينة بنقوش فنية تغطي باب الغرفة بكامله مما يعطي انطباعاً عن سمة البيوت لبعض الطبقات المخملية و ما فوق الفقيرة المهتمة بالفن و الجَمال.
2
لوحة “ساعة تسلية ” – للفنانة الأمريكية اليزابيث نورس. 1860-1938 ، لقبها النقاد برسَّامة أمريكا الأولى.
يمكن القول عن اللوحة أنها الحياة في أمريكا كما تشاهدها النساء بعين الفن. شقيقتين من الطبقة الفقيرة، ترتديان ثوبين جميلين مما يعكس سمة التذوق الفني في المجتمع في القرن العشرين الذي رسمت فيه اللوحة. تتسلى الطفلة الصغيرة بالدمى الخشبية، بينما تأخذ الفتاة الكبيرة قسطاً من الراحة في كتاب. و يبدو من ملامح وجهها الانسجام في ما تقرأ. لم أجد تأريخاً محدداً للَّوحة. لكنها تفيض عذوبة و حباً للقراءة.
3
لوحة ” أخبار من سيفاستوبول” – للفنان الإنجليزي الفيكتوري تشارلز الثاني Charles West Cope – 1875 .
المأساوية تفضي إلى الوعي الإنساني في هذه اللوحات. في الحقيقة لم أعرف أوكرانيا في حياتي سوى كبلدٍ منكوب. لست أشعر بالشفقة على الشعب الأوكراني قدر ما أشعر باللوعة. أفكر كيف يقيِّم الشخص منهم أي لحظة فرح عابرة تحدث في حياته. هل يذعر منها؟ العقل يقول أن المرء مهما عاش مع المصائب يظل يذعر منها عند حدوثها و كأنها تقع لأول مرة. في اللوحة زوجة و أم . منخرطة في دراسة خريطة سيباستوبول المحاصرة وهي من مدن شبه جزيرة القرم. يظهر في اللوحة أنها استلمت رسالة تخبرها بقتل زوجها أو إصابته في الحرب، أو وقوعه أسيراً لدى المقاتلين الروس. طفلتها التي لا تفقه شيئاً تحزن عليها فتجفف لها دموعها و كأنها تحاول مواساتها. بينما تظهر الأم نفسها و هي تحاول التماسك و تجفيف دموعها من أجل ابنتها أو لأن الأمر وقع. يظهر في الحائط جزء من لوحة في رصد مؤثر لحياة الأوكرانيين البسطاء الذين لم تمنعهم معاناتهم من الحفاظ على الإحساس بالجَمال و الاحتياج إليه.
4
لوحة ” قراءة” للرسام الفرنسي هنري لاباسك من رواد الحركة الفنية مابعد الانطباعية. 1927
أعجبني في هذه اللوحة الانطباع المتقن الذي وصلني كما أراد الفنان. امرأة بكامل اناقتها تقرأ كتاباً في المنزل. وهذا كل شيء! بالإمكان أن أفهم بوضوح علاقة التقدير والاحترام التي يوليها القارئ للكتاب من خلال أناقته أثناء القراءة، طريقة جلوسه و مكان القراءة. ليس الجميع يفعل هذا لكن في العصور القديمة كان الناس حريصون بالفعل على احترام الوقت الذي يقرأون فيه.
5
لوحة ” بورتريه لفتاة ” ويليام تشارلز بن. 1921
هذه لوحة ملائكية. لست أقول أن جمال الطفلة لم يلعب دوراً في كمال اللوحة، لكن جمال الكتاب المتوافق طردياً مع بياض الثوب الحريري هو الدهشة و لهذا حفظت اسم هذا الفنان الذي لم اقرأ الكثير عن سيرته بعد.
مقتبس من مدونة شهار . كل الحقوق محفوظة .