حوار مع لورانس داريل
سلسلة فن القص 23
حوار جين أندروسكي وجوليان ميتشل
ت: أمير زكي
أبريل 2012
***
الحوار تم في بيت داريل في ميدي. هو كوخ ريفي بأربع غرف أضاف إليهم حجرة حمام بمرحاض. هو يكتب في غرفة بلا نوافذ، يمكنك أن تلاحظ أعماله بلغات مختلفة لا يفهمها موضوعة بالمكتبة. غرفة الجلوس، حيث تم الحوار، فيها مدفأة كبيرة ونافذة فرنسية ترى منها شرفة نفذها داريل بنفسه. من الشرفة يمكنك أن ترى مشهد لقرية صغيرة يعيش داريل في نهاياتها. إنه مكان مقفر صخري، ممتليء بأشجار الزيتون الساقطة التي تهدمت في الأعوام الفاسدة الماضية.
لورانس داريل رجل قصير، ولكنك لا تأخذ إحساس منه أنه صغير الحجم. يرتدي الجينز، قميص ترتان، جاكيت بحري أخضر، هو يبدو وكأنه ضابط تجاري صغير نجح في أن يختفي بالأموال. هو ذو شخصية طليقة ومتقلبة، يتحدث بسرعة وبطاقة كبيرة. هو هدية بالنسبة للمحاور، يحوّل الأسئلة الغبية تماما إلى أسئلة ذكية بشكل واضح عن طريق افتراض أن المحاور عنى شيئا آخر. وعلى الرغم من أنه كان متشككا من جهاز التسجيل إلا أنه وافق على استخدامه. كان يدخن بكثافة سجائر جلواز الزرقاء. في أوقات بدا مثل لورانس أوليفييه، في أوقات أخرى وجهه احتوى على كل عنف المصارع المحترف.
الحوار تم تسجيله في 23 أبريل عام 1959، في عيد ميلاد وليام شكسبير وشخصية سكوبي من رباعية داريل. بدأ بعد الغداء واستمر إلى المساء، بدأ بعرض حياة داريل المبكرة، ودراسته بكانتربري، وفشله في الالتحاق بكامبريدج.
المحاورة
ماذا فعلت بعدما رفضتك كامبريدج؟
لورانس داريل
حسنا، لوقت ما كان لديّ نقود قليلة، عشت في لندن. عزفت على البيانو في ملهي – من ضمن كل الأماكن كان الملهى بلو بيتر في ممر سان مارتين – قبل أن يأتي لنا البوليس. عملت كوكيل عقارات في ليتونستون وكان عليّ أن أجمع الإيجارات، وتم عضي بعنف من الكلاب. جربت كل شيء، حتى البوليس الجامايكي. أنا ملت للكتابة بسبب هذه السخافة المطلقة بأنني أريد أن أكتب، التي كانت لديّ دائما. كنت أكتب عدة أشياء ولكني لم أستطع أن أنشر أي شيء – كان هذا سيئا جدا. أعتقد أن الكُتّاب الآن يتعلمون الكثير بشكل أسرع. أعني أني لم أستطع أن أكتب في سنهم هذا بقدر ما ارتحلت.
المحاورة
هل كتبت أي شيء قبل "زمار المحبين المخادع"؟
لورانس داريل
أوه، نعم، من سن الثامنة كنت أكتب بشكل جنوني.
المحاورة
إلى متى ظللت في لندن حتى قررت أن تتركها؟
لورانس داريل
من وجهة نظر والديّ، وظائف مكاتب المستعمرات أو الجيش كانت هي المحترمة؛ كان حلمهما هو أن يرياني كموظف في الخدمة المدنية الهندية. الحمد لله أنني هربت من ذلك، ولكني بشجاعة بذلت جهدي في محاولة كل ذلك. أعتقد أنني سقطت في كم امتحانات خلال ثلاث سنوات أكثر من أي أحد في مثل وزني وطولي وحجمي وديانتي. ولكن أبواي بغير حكمة كانا يرسلان لي كميات كبيرة من النقود، ولم يكونا يعرفان أنني أصرفها جميعا على الملاهي الليلية والعربات السريعة وأعيش بالضبط أسلوب حياة مرتادي النوادي السذج، هل ترين؟ أعتقد أن أول لمحة حصلت عليها من أوروبا كانت عندما ذهبت لتجمع قراءة من أجل امتحان نهائي متعلق بشيء ما – أعتقد أن هذا كان متعلقا بكامبريدج مرة أخرى، تلك التي حاولت الالتحاق بها 8 مرات، أعتقد. الرياضيات – ثلاثة، إثنين، واحد، صفر – دائما هذه الأشياء اللعينة. ذهبت إلى سويسرا، كما ترين، تلك التي أعطتني لمحة من أوروبا في طريقي، وذهبت إلى جلسة قراءة كانت تدار عن طريق أكاديمي عجوز وأصم تماما وبدلا من القراءة شاهدت فجأة لوزان، وفيفي، والبحيرات هناك، وفي طريق العودة استطعت أن أقضي ثلاثة أيام في باريس، هذا الذي حولني إلى أوروبا تماما. وبعد ذلك طلب أن أكون متعلما فشل وتلاشى، وذهب فورا إلى باريس.
المحاورة
هل وقتها هو الذي قابلت فيه هنري ميلر؟
لورانس داريل
أوه، لا، هذا كان في فترة أخرى. ذهبت إلى باريس لفترة قصيرة، وبعدها عدت وأقنعت عائلتي التي كانت تموت من أمراض الصدر، أنه من الضروري أن نخرج من إنجلترا لنشم الهواء ونرى أماكن ومناظر جديدة. وقتها أقنعتهم أن اليونان فكرة جيدة، إذ كان أخي قد حكى عنها في كتابه عن اليونان. بالتالي ذهبت، وتبعوني جميعا السنة التالية، وبدأت هذه الفترة الرائعة في كورفو، التي استمرت لـ.. كم؟ أعتقد ستة أو سبع سنوات؟ - بالضبط حتى اندلاع الحرب. في ذلك الوقت تزوجت، وتعرفين، جربت كل شيء.
المحاورة
يبدو أن كتابتك تطورت بشكل كبير عندما ذهبت إلى كورفو. على سبيل المثال فـ"ربيع الذعر" هي أفضل كثيرا من "زمار المحبين المخادع"؟
لورانس داريل
نعم، ولكنه يظل كتابا سيئا جدا. هناك فجوة موجودة فيه، كما تعرفان. "ربيع الذعر" الذي أعتقد أنني كتبته هناك في الحقيقة. استخدمت كل المادة الملونة التي أستطيع أن أستخرجها من كورفو، لا شك في ذلك.
المحاورة
ومن هذه الفترة لم تُقِم أبدا في إنجلترا، أليس كذلك؟
لورانس داريل
نعم، لم يحدث في الحقيقة. لم أعد أقيم في إنجلترا. يكون لديّ ستة أشهر غريبة كل فترة، أعني تلك المدة التي أستمتع فيها بإنجلترا. تلك تعطيك الوقت التي ترى فيه أصدقاءك، تحصل فيه على كل الوجبات المجانية التي تستطيع الحصول عليها، وكل شخص يكون سعيد برؤيتك وبالحديث معك وهكذا. ولكن عليّ أن أعترف أنني كنت أوروبيا منذ كنت في الثامنة عشر من عمري، وأعتقد إنه تشوه وطني خطير بأننا لم نعد أوروبيين. كنا نتحدث اليوم على الغداء عن كينجسلي أميس[i]. كنت أفكر في توجه رفض العيش بالخارج أو ما شابه – هذا الذي يشير إلى نوع من الموقف غير الوطني في حالتي – ولكن كما تريان، أبطالي وأبطال جيلي، لورانس، نورمان دوجلاس، ألدينجتون، إليون، جريفز – كان طموحهم دوما أن يكونوا أوروبيين. هذا لا يرضي إنجليزيتهم بأي شكل، ولكن أصبح من المعروف أن لمسة من النار الأوروبية ضرورية، كما كانت، لتلهب نوع الجزء الكئيب المغفل الأصم الذي يصبحه المرء، بعيشه في حضر غير مقيد. الأشياء كانت ستصبح مختلفة تماما إن كان لديّ دخل شخصي كبير جدا، بأن أكون عضوا في الطبقة العليا، ويكون لدي بيتا ساحرا بالريف وشقة بالمدينة والقدرة على العيش أربعة شهور في السنة بأوروبا: بالطبع كنت سأقيم ساعتها في لندن. ولكن عندما تكون فقيرا وعليك أن تعيش في فنادق رخيصة وووسط كل قذارة ساوث كين أو بيزووتر أو ووبرن بليس، وتكون فرصتك الوحيدة لرؤية أوروبا هي لفترات قصيرة من آن لآخر، عليك أن تأخذ قرارك الحاسم بأن تعيش في أوروبا وتزور إنجلترا، أو أن تعيش في إنجلترا وتزور أوروبا.
المحاورة
تظل مع ذلك العديد من مظاهر إنجلترا العنيفة المضادة للبرجوازية في أشيائك الأولى.
لورانس داريل
أعتقد معظم ذلك سببه أبطالي في تلك المرحلة – لورانس كما قلت وألدينجتون وهكذا – ولكنه أكثر من كونه شيء عصري. أعتقد أن إنجلترا كما قلت العيش فيها كأننا لسنا جزءا من أوروبا يجعلنا نعيش ضد التيار الذي ينمو في فنانينا، هل تريان؟ يبدو أن هناك شيء سيكولوجي متنامي يتعلق بذلك، ولا أعرف لم هو كذلك. يمكنك أن تري ذلك منعكسا حتى بطرق بدائية تماما مثل أعمال السوق الآن – السوق الأوروبية المشتركة. هذا سيكولوجي تماما، الإحساس بأننا أعلى بغباء لمشاركة مجموعة الأوروبيين هؤلاء أو أي شيء يفعلونه. وأعتقد أن هذا هو سبب إنه من المهم جدا للفنانين الشباب بأن يعرفوا أكثر وأكثر عن أوروبا. بالنسبة لي، فقد التحقت بالسوق المشتركة كما كانت. ولكن هل تعلمان، هذا لا يناسب أصول الشخص أو مواقفه من الأشياء. أعني أنني أكتب، أكتب من أجل إنجلترا – وطالما كتبت باللغة الإنجليزية فأنا مضطر للكتابة لإنجلترا.
المحاورة
أنت تظهر احتراما كبيرا لإنجلترا في العديد من أعمالك – على سبيل المثال أشعار "جينرال أنسيبونك".
لورانس داريل
نعم، بالتأكيد، عليكما ألا تنسيا أنني ابن مرتبك لـ"مهندس فاشل من جامعة بينارس الاستعمارية". وإلى مدى ما، فأن تكون استعماريا يكون لديك هذه الأحلام الرومانتيكية عن "الوطن". أقصد شيئا كروي كامبل[ii]الذي هو مثال آخر للطفل المرتبك من مستعمرة أخرى.
المحاورة
لم تجد صعوبة في الكتابة في إنجلترا، أليس كذلك؟
لورانس داريل
لا، أعتقد أنها من أكثر الأماكن الخلاقة. إنها مكان خلاق بعنف. أعتقد أن الشيء الوحيد الخاطيء هو الطريقة التي نعيش بها فيه.
المحاورة
هل يمكن أن توجز الخطأ في الطريقة التي نعيش بها فيها؟
لورانس داريل
الأشياء التي يذكرها المرء فورا تكون تافهة – إنها البنية من نوع طاولة اللعب الضخمة التي تحتوي على الكوابح والأعراف والقوانين الصارمة، الدفاعات السخيفة ضد المشاعر حقا. هذا هو الذي نبلغه. بالطبع هناك عوامل تخفف ذلك عندما يتجاهل المرء الأشياء ويتحدث بسهولة وسخرية. عندما تضع الكاتب على الكرسي المقدس، الله يعلم ما الذي ممكن أن تتوقع أن يخرج من فمه، أنت تعرفين، ربما يتحدث عن الأحوال الاقتصادية. ربما يكون الأمر فقط أن إنجلترا مزدحمة جدا ليمكن العيش فيها ببهجة.
المحاورة
بشكل متوسطي؟
لورانس داريل
لا، ليس بالضرورة بشكل متوسطي. واحد من الكتاب الذين أعيد قراءتهم كل عامين أو ثلاثة هو سورتيس[iii]، وأنا تمنيت كثيرا أن تصير إنجلترا إنجلترا سورتيس – فظة، ويسيرة ومبهجة، ليس فقط بالشكل الجمالي أو المثقف أو الساحر على أي مستوى، ولكن شيء يتعلق بالجذور الفظة المتعلقة بالطعام والجنس، والعيش الجيد. حديثي عن ذلك لا يعني العيش الكريم أو تهذيب القيم، لأن ذلك هو فقط الواجهة. إن الشيء الخاطيء يقبع في الجذور.
المحاورة
هل هو الموقف الكلي تجاه العيش في إنجلترا هو الخاطيء إذن؟
لورانس داريل
المرء يقول ذلك، ولكن ما أريد قوله إن هذا خاطيء بالنسبة لي فقط. ولا أرغب في تصحيحه. أنا لست مُبشّرا. أنا لن أعرف إن سألتيني غدا كيف سأتصور صياغة الوطن الإنجليزي ليكون شيئا أقرب إلى رغبة قلبي. أنا أحاول ببساطة أن أشرح لكِ كيف أن المرء يشعر دوما بأنه يتيم إنجليزي، ككاتب، كفنان؛ والمرء يذهب إلى أوروبا لأنه مثل الطائر الأبله، عليه أن يضع بيضه في عش آخر. هنا في فرنسا وفي إيطاليا وفي اليونان، يكون لديك أعشاش أكثر ضيافة كما ترين، حيث يكون هناك القليل من القيل والقال عن الكتابة وعن الفنانين، ولكنها تقدم إطارات ملائمة ورائعة بداخلها العمل يمكنه أن ينُجز. هنا يشعر المرء أنه في مستوى يرى من خلاله الجبن الجيد والرديء – الموقف من الفن بالنسبة للفرنسي هو موقف من شيء هام ومرغوب إن استطعنا القول. إنه شيء واقعي هنا كما تريان. بالطبع هم يعاملون جبن الكامامبير بنفس الاحترام الذي عاملوا به بيكاسو عندما جاء إلى أرلو؛ إنهما على نفس المستوى لديهم؛ ولكن في إنجلترا كل الناس قلقين على العلو الأخلاقي والسقوط الأخلاقي، ولا يبدو أنهم يتجاوزون هذه المشكلة، ببساطة لأنهم منفصلون عن الفنانين. إنها الثقافة التي تفصل كما تريان، وتحوّل الفنانين إلى شيء أقرب إلى اللاجئين. إنها ليست مشكلة الإقامة. حتى الفنان المقيم في بلده يحارب من أجل الوصول. دوما تعرف أن الناس لا يدركون أنه جيد مثل الجبن الشيدر، هو صنف مختلف بالنسبة له.
المحاورة
من هو الذي يمكنك أن تقول عنه أول إنجليزي شعر بهذا على وجه الخصوص؟
لورانس داريل
الأمر يرجع لماض طويل. المجموعة الأخيرة كانت الرومانتيكيين. ماذا عن شيلي وكيتس وبيرون وصحبتهم؟ كلهم احتاجوا أوروبا. والآن هذا القرار الشرير المتعلق ببعض الشباب – أنا أشفق عليهم شخصيا – كينجسلي أميس وجون وين، الإثنان كاتبان مثيران للإعجاب – أغلقوا على أنفسهم كل سنوات الحرب في إنجلترا، التي انكشفت فيها أوروبا كلها، ومع نهاية الحرب لم تعن لهم اوروبا أي شيء.
المحاورة
هل تعتقد أن الحرب جعلت الأمور أسوأ؟
لورانس داريل
أوه، نعم. وأيضا القيود المالية المتعلقة بالسفر لأوروبا. أعني الشيء المتعلق بتكاليف الارتحال البشعة. العقدة الكاملة المتعلقة بـ"ابقوا بعيدا عن أوروبا". والتي هي مثيرة للحزن. أنا لن أشط إن قلت أننا تسببنا في الحربين العالميتين بلا مبالاتنا تجاه أوروبا، ولكن بالتأكيد فهتلر لم يكن ليأخذ ستة أعوام من التدمير إن كنا قد تدخلنا مبكرا في الحلبة وساعدنا أوروبا على التخلص منه. وربما نفس الأمر متحقق في مسألة 1914. الأوروبيون نفسهم يروننا كأناس مستعدين دوما في أي لحظة للابتعاد والانسحاب. أنا لا أتحدث ببساطة عن السياسة الآن، ولكني أتكلم أيضا عن الفن.
المحاورة
هل تعتقد أن الكاتب الشاب في إنجلترا الآن عليه أن يسافر وينضم للأوروبيين؟
لورانس داريل
حسنا، رغم كل شيء فمن الممكن أن تكتب "مرتفعات ووذرينج" بدون أن تترك إنجلترا، باستثناء عطلة نهاية الأسبوع في بروكسل. في الحقيقة أنا أكتب جيدا جدا في إنجلترا، ولكن أشعر دائما بالغيظ لأن الحانات مغلقة. هذا مجرد ملمح تافه لنوعية العقبات اللا متناهية التي توضع في طريق الناس.
المحاورة
ما هي أفضل ظروف للكتابة بالنسبة لك؟
لورانس داريل
أنا لم تكن لديّ أبدا ظروفا مريحة للكتابة. هذه المرة الأخيرة التي جئت فيها إلى فرنسا كان لدي أربعمائة جنيه، إلى جانب العديد من الديون المعلقة كأجور المدرسة وخلافه؛ كنت أنتظر 15 عاما من أجل رباعية الروايات لكتابتها ولأكون مستعدا، حتى جاءت لي الإشارة التي تقول إن هذا الشيء اللعين موجود وأنا بحاجة فقط لأكتبه، قد كانت هذه هي أسوأ فترة في حياتي، لم يكن لديّ عمل، المال قليل، وحرفيا لم يكن لديّ خيار – أنا توقعت أنني سأترك فرنسا وأعيش على تمويل الآخرين لشهرين، ولكن أشكر الله فالأمريكان والألمان أنقذاني.
المحاورة
هل تخطط للذهاب إلى أمريكا؟
لورانس داريل
أنا لم أضع خططا. تعرفين إنني كنت مرتحلا لمدة 15 أو 16 عاما – مع القلق الكبير بأن أتعرض لإطلاق النار في قبرص، أن يتم إلقاء قنبلة عليّ أو تمزيقي من قبل الماركسيين في يوغوسلافيا، الآن ولأول مرة في حياتي أكون مشتاقا لسقف صغير. أن تصير مستقرا هو أمر مجدد للطاقة ويجعل من المؤلم أن تذهب إلى المدينة لتشاهد فيلما. أنا لم أشاهد فيلما من 18 شهرا الآن، مع أني لا أبتعد سوى 18 دقيقة من السينما. لذلك فبينما أريد من جانب أن أذهب إلى أمريكا، فأنا أشعر من جانب آخر أنها خبرة عليّ أن أحفظها إلى نهاية الخمسينيات من عمري. خبرات القارات تكون أكبر من خبرات البلاد الصغيرة. وطالما أن كلا من أمريكا وروسيا وما بينهما سيحدد شكل مستقبلنا، فالمرء مضطر كرحالة أثناء زيارة هذه البلاد أن يتوقف عن الارتحال ويبدأ التفكير. هذا يختلف عن زيارة إيطاليا، التي يمكن أن نقول إنها اللذة الخالصة. ولكن أن تذهب إلى أمريكا أو روسيا يعني الذهاب إلى ملعب عالمي تماما، لأنه عليك أن تخرج بنوع من الحكم على مستقبل الإنسانية كلها عن طريق البلدين. إلى جانب ذلك، فإن ذهبت إلى أمريكا سأقع فورا في حب الفتيات الأمريكيات – هذا الذي سيؤثر على رؤيتي. لذلك فعليّ أن أذهب إلى هناك بعدما أفرّغ كل مشاعري. لا، ولكنكما تدركان ما أعني. أريد أن أذهب إلى هناك وأنا غير متحيز بقدر الإمكان. الرحلات الرسمية إلى أمريكا تحت رعاية من يطلبون محاضرت وهكذا ليست الطريقة التي أريد أن تجري بها الأمور. أنا أُفضّل أن أقابل شخصا مثل هنري ميلر بشكل سري على الساحل في عربة بالية وأمضي في أمريكا كشخص مجهول، كمهاجر.
المحاورة
كيف تكتب، حقا؟
لورانس داريل
على آلة كاتبة.
المحاورة
هل أنت مثل دارلي في بالتزار، الذي يجد أن الكتابة صعبة، يقول في مرة "أحب أن أكتب ببطء، مع ألم ملحوظ... محاط بالروح التي عند كل الكتاب... مثل السفينة داخل الزجاجة التي تسبح للا مكان". هل هذا ما تشعر به فعلا؟
لورانس داريل
أوه، لا، حسنا، دعيني أخبرك. في السنوات الثلاث الأخيرة، ووسط المشاكل المالية اللعينة، كتبت كتاب "ليمون مر" في ستة أسابيع، وأرسلته بمسودة واحدة مصححة. نشر كما هو. "جوستين" عملت فيه وهناك قذف قنابل، ولكنه أخذ أربعة شهور – الحقيقة عام، لأن الفترة الوسيطة التي تركتها كان بسبب العمل في قبرص. أنهيته في قبرص بالضبط قبل سفري. كتبت "بالتزار" في ستة أسابيع في سوميير، وأنهيت "كليا" كله في سبعة أسابيع، هل ترين الجمال في هذا؟ فعندما يكون المرء محموما وقلقا بسبب المال، يجد أن الأمر يتحول إلى طلب للكتابة من أجل العيش، لم لا تجلس جيدا وتفعل ذلك. الآن لا واحدة من هذه المسودات تغيرت، باستثناء "ماونت أوليف"، البناء يعطينى عدة مشكلات، أنا أترك زخرفة هنا أو تزيين هناك، ولكن بخلاف هذا، هذه الأشياء اللعينة تخرج من الدار إلى المطبعة، بخلاف مشاكل الطباعة.
المحاورة
في الحقيقة أنت تجد الكتابة عملية سهلة.
لورانس داريل
نعم، أنا فقط أتمنى ألا أفعل شيئا آخر غيرها.
المحاورة
النثر يبدو أنك تعمل عليه كثيرا، هل تكتبه بسهولة؟
لورانس داريل
هذا مثير للاهتمام، ربما أحتاج لقليل من إزعاجات المال والأشياء لأجعل الأمور أكثر وضوحا – وأقل غزارة. أنا أشعر دوما بأنني أكتب زيادة عن اللزوم. أنا واع بحقيقة أن تلك واحدة من صعوباتي الأساسية. يأتي التشكك عندما لا تكون متأكدا من هدفك. عندما لا تعرف ما الذي تعمل عليه، أن تعمل في كل شيء لتتأكد. وهذا يؤدي لزيادة الكتابة. على سبيل المثال فالعديد من أشعاري في الفترة المتوسطة كانت متضخمة جدا.
المحاورة
هل تأخذ وقتا أطول في كتابة الأشعار عن النثر؟
لورانس داريل
نعم – باستثناء القصائد المحظوظة، التي تبدأ على ظهر ظرف عندما لا تكون جاهزا لذلك. الأمر أشبه بكسر بيضة على رابطة عنقك. يُكتبون مباشرة، ولكني أخشى أن يكون ذلك نادرا جدا – خُمس مجموع الأشعار. أما البقية – فأكتبهم بخط يدي – وأراجعهم أكثر من مرة.
المحاورة
من المستحيل أن تكتب قصيدة على الآلة الكاتبة، أليس كذلك؟
لورانس داريل
حسنا، فالاستثناء الرائع الوحيد لهذه القاعدة كان جورج باركر[iv]، الذي كان يؤلف دائما على آلة كاتبة. في لندن كان معتادا على أن يتسلل ويستعير آلتي، وكنت أعتقد أنه يكتب خطابات لأسرته، ولكن لا، هو كان يؤلف.
المحاورة
هل كتبت الكثير بدون أن تضع اسمك أو باستخدام أسماء مستعارة؟
لورانس داريل
لقد كتبت مئات بل آلاف الكلمات كمقالات صحفية. هذا كله دُفِن من فترات بعيدة. بعضها مُوقّع باسمي، بعضها مُوقّع بالحروف الأولى. في القاهرة كنت أكتب عمودا ساخرا. وبعدها كتبت آلاف الكلمات كمراسلات لمكاتب الخارجية – وهي وظيفة أصعب كثيرا من أي مراسل أجنبي لأنني كنت الشخص الذي ينتظره أربعمائة مراسل في موقف ينتظر التصريح السياسي في ثانية وبلا خطأ. بالطبع أن تقوم بمثل هذا التصريح فأنت بحاجة إلى سياسة، وفي معظم الأماكن التي عملت بها لم يكن لدينا سياسة. معظم الوقت كنت أبيع الهواء، وأعتمد على فهلوتي. أو كما قال سير هنري ووتون[v]"أن أكذب بالخارج من أجل بلدي". ولكني أعني أنه تدريب لا يُقارَن، وعن طريق خداع عدد متنوع من الصحفيين تعلمت معظم حيل المهنة – معظمها حيل رخيصة إن كنت لا تمانعي، كلها حيل بسيطة وسهلة التعلم. ولكن واحد من دروس الكتابة التي تتعلمها تحت ضغط عالم الصحافة هو أنك تتعلم الإيجاز، هذا لا يقدر بثمن، وتتعلم أيضا أن تعمل حتى موعد محدد. وطالما هناك موعد محدد فعليك أن تقوم بعملك وعليك أن تكون لديك الإرادة لعمله. إذن فأنت تعمله. بالطبع عنصر الحظ يكون كبيرا جدا. ربما كتبت هذه الأشياء ولم أجد ناشرا، أو ربما لم أكتب جيدا جدا لأبيعها.. عليّ أن أعترف من أعماق قلبي أنه كان بإمكاني كتابة كتبا أفضل من الرباعية ولا تكون لديّ القدرة لأبيع ثلاثمائة نسخة. عنصر الحظ يكون مختلطا بكل شيء.
المحاورة
هل تعتبر أي من أعمالك تجارية؟
لورانس داريل
عليّ أن أضع العديد من العناصر التجارية في عملي. دعيني أقول ذلك: إن ظل المرء مخلصا وأمينا تماما تجاه شكل ما – حتى لو كنت أكتب هراء "أنتروبوس"[vi]، مع احترام بي. جي. وودهاوس[vii]. أعني أن كل شكل يتم استغلاله والتعامل معه لا يكون أمرا مخجلا. لذلك فالكتابة التجارية هي فكرة عن أن الشخص الذي يكتب لا يكون جادا وهو على الآلة الكاتبة أو شيء من هذا القبيل – أنا لا أستطيع القول إنني أقوم بذلك. أعني أنني أضع الكثير من الجهد على قصة بائسة من "أنتروبوس" ربما ستُكتب أو لا، كما أضع الجهد في الفصل التالي من الكتاب الذي أعمل عليه.
المحاورة
لم نشرت "ربيع الذعر" تحت اسم مستعار؟
لورانس داريل
التوزيع السيء البشع لكتابي الأول. كان أمرا بشعا حتى أنني عندما انتقلت من دار نشر كاسيل إلى فيبر، فيبر حاولت أن تنظف ماضيّ وتبدأ معي باسم جديد. شعروا بغبطة عندما رأوا "الكتاب الأسود" ليقولوا أنني كاتب جيد بما يكفي لاستحق أن أكتب اسمي الحقيقي، ثم سمحوا لي بأن أستعيده.
المحاورة
هل تعتبر "الكتاب الأسود" مهما في تطوير "رباعية الإسكندرية"؟
لورانس داريل
فقط عن طريق كونه مهما من أجل تطوري، كما تعرفين، تطوري الداخلي. إنه نجاحي الأول. أنا لا أعتبره كتابا جيدا. في الحقيقة أنا أجفل عنه قليلا، وهناك أجزاء فيه أعتقد أنها فاحشة قليلا ولم أكن لأكتبها الآن.. ولكني، كيف أقول ذلك؟، تحولت تماما بعد هذا الكتاب. السيد إليوت كان طيبا بما يكفي ليحتفي جدا بالكتاب، ولكن ما كان يحتفي به ليس الكتاب – الذي كان أقرب للتطفل على الأدب أكثر منه إسهاما فيه – ولكن كيف أن صبي في الرابعة والعشرين استطاع أن يتعامل مع هذا النوع من الذروة الخاصة ليكتب كتابا أصلا، وهذا كان الشيء الحقيقي وليس الكتاب نفسه، ليس الأوراق نفسها وما بداخلها. إنه كان فعل الظهور وأن تسمع فجأة صوتك الخاص، كأنك تعاد ولادتك، كأنك تكسر بيضة فجأة. وهذا كان الأمر بالنسبة لي. لقد كسرت القشرة في هذا الكتاب وكانت هناك حمم بالداخل وكان عليّ أن أجد طريقة لأتعامل مع الحمم بطريقة لا تسقط فيها على كل شيء وتحرق كل شيء، كان عليّ أن أهذبها. كانت هذه هي المشكلة في السنوات العشر التالية. الشعر تحول لأن يكون عشيقة لا تقدر بثمن. لأن الشعر شكل، والتودد وإغراء الشكل هو كل شيء. يمكنك أن تملك كل أدوات العالم، ولكن ما تريده في النهاية هو شيء مثل – لا أعرف – عقدة مشنقة... شيء دقيق جدا، من أجل صيد الغزال الصعب. أو، لا سأعطيكما شيئا موازيا لذلك. أن تكتب قصيدة هو أن تحاول أن تصطاد سحلية بدون أن يسقط ذيلها. هل تعرفين ذلك؟ في الهند عندما كنت طفلا كان لديهما سحالي خضراء كبيرة هناك، ولو صرخت فيها أو أطلقت عليها الرصاص تسقط أذيالهم. لم يكن هناك سوى صبي واحد في المدرسة الذي كان يعرف أن يصطاد السحالي بدون إصابات. لا أحد يعرف بالضبط كيف كان يفعل ذلك. كانت لديه طريقة خاصة ناعمة في أن يذهب إليها ويحضرها وذيولها لم تسقط. هذا يحضرني كأفضل مثال يمكنني أن أعطيه لكما. أن تحاول أن تصطاد القصيدة بدون أن يسقط ذيلها.
المحاورة
لورانس داريل
(يصمت) أنا أعاني من غثيان فظيع تجاه كتبي، غثيان جسماني محض. هذا يبدو غبيا، ولكن في الحقيقة أنا أكتب بسرعة شديدة، و.. أنت تتجاوز مقاومتك الداخلية كمن يتجاوز العديد من النواقل عندما تلعب في زر الاتصال بالراديو. في الوقت الذي تعمل فيه على المسودة، يكون هناك غثيان جسماني حقيقي هذا الذي أشير إليه. عندما تعود إليّ المراجعة يكون علي أن آخذ أسبرين قبل أن أجبر نفسي على قراءتها. أحيانا عندما يتم طلب أن أصحح أو أراجع نسخة، أسأل أحدهم أن يفعل ذلك من أجلي. أنا لا أعرف لماذا. أنا فقط لديّ غثيان تجاه ذلك. ربما عندما أفعل يوما ما شيئا أحبه حقا، لن أكون بحاجة لأسبرين ساعتها.
المحاورة
في الوقت الذي تنهي فيه شيئا تريد أن تنتقل للآخر؟
لورانس داريل
الحقيقة، نعم، هذا نوع من الجسد المتقرح، هل ترين، وأي شيء تضعينه مكان التقرح هو شيء تغطين بها ما أخذ منه. إنه مثل الاعتداء على هذا الشيء اللعين مرة وإلى الأبد. إن ظهر بشكل جيد فأنت محظوظ. لو فشلت فأي نوع من المغالبة لن يجدي. هذا ما أشعر به. أعرف أن هذه طريقة خاطئة، لأن بعض الناس يستطيعون مع الصبر أن يعيدوا بناء وتزيين الأشياء، ولكني لا أستطيع. أنا أكتب بسرعة كبيرة، وأرمي.
المحاورة
هل رميت الكثير؟
لورانس داريل
المئات من الكتب. لا، أنا لا أبالغ. لا، أعني المئات من الفقرات. ما أفعله هو أن أحاول وأكتب قطعة من عشر آلاف كلمة، وإن لم تتم، أقوم بذلك مرة أخرى.
المحاورة
كم من الوقت تأخذه لتكتب عشر آلاف كلمة؟
لورانس داريل
عشر آلاف؟ صفحتان يساويا ألف، عشرون صفحة... أوه، يومان. هذا يختلف بالطبع وفقا للظروف المتنوعة، ولكن عموما، عندما يكون المرء في حال جيدة يستطيع أن يملأ هذا الكم.
المحاورة
هل كتبت أي قصص قصيرة؟
لورانس داريل
كتبت، ثلاث أو أربع مرات، ولكن الحجم يقلقني.هناك شيئان يشعرانني بعدم الراحة والانزعاج... كأنهما قدم خشبية. الأولى هي أن القصة القصيرة التي تقع في حوالي أربع آلاف كلمة، والأخرى هي المقال في التايمز. يمكنني بسهولة أن أعطيهم خمسة آلاف أو ثمانية آلاف كلمة، ولكني مجبر على أن أقوم بألف. لذلك فما أفعله هو أن أكتب كثيرا، أعطيهم ثمانية آلاف، وأجعلهم يقتطعون منها إلى الحجم المطلوب. بالنسبة للقصة القصيرة فكما قلت أنا كتبت العديد منها، ولكني لم أشعر بالسعادة مع هذا الشكل. إما أتخيل أنه تستحق أربعين صفحة أخرى، مما يجعلها رواية كبيرة أو قصيرة، وإما أعتقد أنها تستحق صفحتين فقط.. بطريقة أسرع وانهها كما تعرفان، أنا معجب بالشكل، ولكنه ليس سهلا بالنسبة لي.
المحاورة
قلت أنه كان لديك 15 عاما لتنتظر ظهور الرباعية. قلت إنه كان لديك إشارات أنها قادمة، هل يمكنك أن تشرح هذا قليلا؟
لورانس داريل
حسنا، هذا ببساطة نوع من حس النذير أنه في يوم ما المرء سيستطيع أن يضع ذراعه كله على مكسب بعينه. ولكن المرء عليه أن يصبر وينتظر حتى يتشكل الأمر، ولا يحصده في المرحلة النيئة المبكرة قبل أن ينضج بشكل جيد، وتدميره بالتصرف فيه قبل أوانه. هذا يشرح لم كنت ألتحق بالخدمات الخارجية لمدة طويلة – أحافظ على العمل الآلي جار عن طريق كتابة أشياء أخرى ولكني أنتظر بصبر، والآن فجأة شعرت أن هذه هي اللحظة لأطرق إذن وأتمنى على الأقل أن يصيب الطرق.
المحاورة
يبدو أنك تستخدم نفس المادة، وغالبا نفس الشخصيات مرارا وتكرارا، في رواياتك، وفي أشعارك وفي كتب الرحلات. أحد نقادك قال: "داريل لا يصنع أي تمييز دقيق في كتاباته بين الأشخاص الحقيقيين والخياليين". هل توافق على ذلك؟
لورانس داريل
نعم، بالتأكيد.
المحاورة
هل هذه الشخصيات تظهر كشخصيات أدبية أم كأشخاص واقعيين؟
لورانس داريل
لا، هم شخصيات أدبية على ما أعتقد. إنهم ليسوا أشخاصا واقعيين. هناك لمحة من السيرة الذاتية. جل السيرة الذاتية تكون موجودة في الأماكن والمشاهد والأجواء. لا أعتقد أنه من المفهوم إلى أي مدى محدد يمر الفنانون بالتجارب، كما تعرفين. الناس يتخيلون أن لديهم معرفة بدون حدود. في الحقيقة فأعتقد أن نظرهم قصير مثل الخلدان، وإن اعتمدت على قدراتك الحقيقية فسيكون من المدهش قلة ما تعرفه عن الحياة. هذا يبدو متناقضا، ولكني أعتقد أنه حقيقي. أعتقد أن تضخيم المواهب يُضخّم النقائص أيضا. أحد الأشياء التي لديّ بشدة هي نقص الرؤية. على سبيل المثال فأنا لا أتذكر أي من الأزهار البرية التي أكتب عنها بابتهاج في الجزر اليونانية، عليّ أن أبحث عنها. وديلان توماس قال لي مرة أن الشعراء يعرفون فقط نوعان من الطيور عندما يرونها؛ أحدهما أبو الحناء والآخر النورس، أما الباقين فعليهم أن يبحثوا عنهم أيضا. لذلك فأنا لست وحيدا في نقيصة البصر. عليّ أن أتحقق من انطباعاتي طوال الوقت.
المحاورة
على الرغم من ذلك فأنا أعرف أيضا أنك رسام؟
لورانس داريل
نعم، ولكني غير محترف.
المحاورة
حسنا، ولكن يبدو لنا دائما أن لديك مخيلة بصرية. حتى لو لم تتذكر الأشياء بدقة، فعل الأقل أن تتخيلها بشكل خصب.
لورانس داريل
أعتقد أن هذه هي الميزة المخادعة التي أملكها. الرجل الذي كان يحللني فلكيا لتوه أخبرني بأنه بعيدا عن تهربي وشرودي وعدم فهمي ذلك الذي أنا عليه وأنا أشعر به تماما، فانا مخادع عظيم. ربما يكون هذا هو سبب أن النقاد غير الطيبين يتمسكون دوما بتعبيرات مثل "يديه خفيفتين" أو "حاوي"، وتلك بالضبط هي الكلمات التي استخدمها الرجل. ولكن لحسن الحظ فالذنب ليس ذنبي. أنا أجمع كما يحدث مع الأسماك، ذلك العالم الذي أنتمي إليه. بكلمات أخرى، هو قال بوضوح أن مواليد برج الحوت هم مجموعة من الكذابين، وعندما تضيف لذلك خلفية أيرلندية، فيكون لديك كذاب من الوزن الثقيل.
المحاورة
ألا يمكن أن تقول أن هذا يصدق ربما على كل الفنانين، كلهم يكذبون طوال الوقت؟
لورانس داريل
نعم، هم يفبركون على ما أعتقد، إنهم جميعا أنانيون في الأصل كما أفترض. الكتابة عموما هي شكل من التضخم الذاتي، أليس كذلك؟
المحاورة
هل تلقي اهتماما لما يقوله النقاد؟
لورانس داريل
لا. لأن هذا يجعلني أتوقف عن الكتابة. هذا لن يبدو منطقيا بالنسبة لكِ، ولكني اكتشفت مؤخرا صفات المقاومة الفرويدية للاعترافات من أي نوع، والتي هي ممثلة بشكل جيدا جدا في كل توقفات الكتابة التي يمر بها المرء - خلال نوبات الدوار والغثيان وغيرها التي اختبرها كل الفنانين والتي هي مثال مكرر في كل الأعمال الخلاقة. كلها ببساطة أشكال للأنانية. والأنانية يمكنها أن تتضخم ببساطة عن طريق مقال نقدي جيد، أو مقال نقدي سيء عن العمل، ويمكنك أن تحصل على توقف عن الكتابة رائع ومتقن وسيكلفك يومين من العمل. وعندما يكون عليك أن تحصل على المال من العمل، فأنت لا تستطيع تحمل ذلك. لذلك أنا لا أقرأ المقالات النقدية إلا لو تم إرسالها لي. غالبا هي تُرسل إلى وكيلي لأنها تساعد في بيع الحقوق الأجنبية. وهي تبدو طنّانة، ولكني أعتقد حقا أن لها تأثيرا سيئا على المرء، فحتى النقد الجيد يجعلك خجلانا إلى حد ما. في الحقيقة أعتقد أن أفضل نظام هو أن تستيقظ مبكرا، وتشتم نفسك قليلا أمام مرآة الحلاقة، وتتظاهر أنك قاطع أخشاب، هذا الذي يعنيه كل الأشياء الملعونة التي تقوم بها - إن كنتما تدركان ما أعني - كل هذا الذنب اليونجي المتعلق بأهمية رسالة المرء، ومثل هذه الأشياء – حسنا، يكون لديك ذات رائعة منتفخة في طريقك تخبرك أنك ذكي جدا وأنك غالبا خائف من كتابة هذا، هذا الشيء الرائع. ولكن في لحظة أخرى، من أين تأتي إليك الشيكات من أجل الغاز والنور والكهرباء للشهر القادم؟ أنت لا تستطيع تحمل ذلك.
المحاورة
يا لها من نظرة شديدة البراجماتية للكتابة.
لورانس داريل
أنا مجبر على ذلك، فكما ترين أنا أكتب لأعيش.
المحاورة
هل أنت واع بأي تأثيرات ملحوظة على كتاباتك؟
لورانس داريل
هل تعلمين، أنا لست متأكدا جدا من الكلمة، لأنني أنسخ ما يعجبني. أنا أسرق. عندما تقولين "تأثيرات" فهذا يوحي بتغلغل لأعمال شخص آخر في أعمالك، بشكل نصف واع. ولكني لا أقرأ فقط للمتعة، ولكن كرجل عامل، وعندما أجد تأثيرا جيدا أدرسه، وأحاول إعادة إنتاجه. لذلك فأنا ربما أكبر لص يمكن تخيله. أنا أسرق من الناس، أعني من الكبار. في الحقيقة، فرواية "ربيع الذعر" التي تقولان إنها عمل رفيع، تبدو لي عملا بشعا، لأنها كانت تجميعا، كما تريان، خمس صفحات من هكسلي، ثلاث من ألدينجتون، إثنان من روبرت جريفز، وهكذا – الحقيقة كل الكتاب المعجب بهم. ولكنهم لم يؤثروا فيّ. كنت أسرق المؤثرات، كنت أتعلم اللعبة. مثل الممثل الذي يدرس ممثلا كبيرا ليتعلم تأثير المكياج، أو المشية الخرقاء الخاصة على الدور، هو لا يفكر في نفسه. هو لا يعتبر كذلك متأثرا بشكل خاص بالممثل، ولكنها طريقة للعمل مدين بها لنفسه لأنه التقطها.
المحاورة
يقال إن شعرك متأثر بشكل ملحوظ بأودين[viii]؟
لورانس داريل
حسنا، مرة أخرى، أنا أسرق، بالطبع هو أستاذ عظيم في التأثيرات الدارجة التي لم يجرؤ أحد قبله في أن يستخدمها.
المحاورة
هل تطور أسلوب كتابتك بوعي أم أنه يتطور بشكل تلقائي؟
لورانس داريل
لا أعتقد أن أي أحد يستطيع، كما تعرفين، أن يطور أسلوبه بوعي، على سبيل المثال، فسومرست موم الكبير كان يكتب بجدية صفحة من سويفت كل يوم عندما كان يحاول أن يتعلم المهنة، من أجل أن يجلب لنفسه حسا أسلوبيا كما كان. هذا صدمني كشيء لا يمكن أن أفعله. لا، حينما تقولين "بوعي" أعتقد أنك على خطأ، أعني أنه مثل "هل تحلم بوعي؟" المرء لا يدري شيئا عن هذه العمليات على الإطلاق. أعتقد أن الكتابة نفسها تجعلك تنمو، وأنت تنمي الكتابة، وفي النهاية تحصل على حسا زئبقيا يجعلك تستخدم كل شيء سرقته بحس شخصي مختلف وهو يخصك، وبالتالي يكون لديك القدرة على رد الدين بفائدة قليلة، وهذا هو الشيء الشريف الوحيد الذي على الكاتب فعله – على الأقل كاتب لص مثلي.
المحاورة
قلت إنك معجب بنورمان دوجلاس[ix]؟
لورانس داريل
أنا معجب به لأنه أوروبي.
المحاورة
ولكن من ناحية الأسلوب؟
لورانس داريل
كرجل وكفنان. كانت شخصيته ككاتب هي التي أعجبت بها كثيرا. كما ترين هو لما يكن مدعيا، بل إنه كان الأسلوبي الأعظم في العصر الفضي... وفي أيامنا يكون من النادر جدا أن تجد أسلوبيا جيدا بدون أن يكون مدعيا. الدقة والانضباط والأمر المتعلق بالتهذيب الأسلوبي مرتبطين جدا بدوجلاس ولا يحتوي على مشاعر؛ هو لم يكن يحاول أن يتكبر أو شيء كهذا. هو مثال سعيد للزواج المتقن بين الأسلوب والرجل. أنا لم أقابله قط، ولكني متأكد من أن صوته عندما يتكلم هو بالضبط كصوته في الكتابة. هذا الأسلوب السهل غير الرسمي الروماني من العصر الفضي هو شيء يجب أن يكون الجميع قادرين على الاستمتاع به وتقديره. هو لن يمتعك لو كنت تتعامل مع مدى أوسع مثل "الحرب والسلام" أو دوستويفسكي، أو حتى نوعية الأشياء التي كان يفعلها هنري ميلر. لن تكون مكافئة بما يكفي لهذه الأشياء. إنها أشياء مكتملة ودقيقة. إنها مثل موسيقى الغرفة. ولكن الأسلوبيين علموني الاقتصاد هذا الذي كنت أحتاجه بشدة. وأن أتطور بشكل تلقائي، أنا ربما دوما أتعلم من الكتاب الذين لم أحاكيهم بالفعل. إنهم يعلموني كما علمتني المقالات الصحفية بأن أضع أهم حقيقة في الجملة الأولى – طريقة بسيطة. يمكنك أن تتعلم من ليتون ستارشي[x]على سبيل المثال أن تكتب شيئا متوازنا ومحددا، وقصيرا بقدر الإمكان. إنه التكثيف الذي أحببته فيهم.
المحاورة
هل تعتبر الرباعية هي عملك الأعظم؟
لورانس داريل
هي هكذا بالنسبة لي إن أردنا أن نتكلم، إنها أعلى درجة من السلم الذي أستطيع أن أتسلقه في هذه اللحظة، كما تعرفين، وهذا يكلفني مجهودا كبيرا للكتابة. أنا فخور بشكل خاص لأنني كنت قادرا على الكتابة تحت هذه الصعوبات، إنها تعطيني لذة أكثر لهذا السبب. وحتى إن كنت غالبا لن أقرأها مرة أخرى. أنا لا أعرف عن أهميتها النسبية. أكثر شيء مثير بالنسبة لي تجاهها هو الشكل، أما الأفكار فهي ليست أفكاري.
المحاورة
قلت في بداية "بالتزار" أن "الموضوع الرئيسي في الكتاب هو البحث في الحب الحديث".
لورانس داريل
نعم.
المحاورة
جوستين وبالتزار يحملان ذلك، ولكن هناك تغيير كبير في الزاوية في "ماونت أوليف".
لورانس داريل
إنه ببساطة تغير من الذاتي إلى الموضوعي. "ماونت أوليف" هي حكاية الشيء من سارد غير مرئي، مواجه لشخص متورط في المشهد.
المحاورة
ناقد قال، "الرواية تدور بشكل شبه خفي عن الفن، الموضوع العظيم للفنانين المحدثين"، ما رأيك في ذلك؟
لورانس داريل
موضوع الفن هو موضوع الحياة نفسها، الفاصل المصطنع بين الفنانين والبشر هو بالضبط ما نعاني منه. الفنان هو فقط شخص يكشف ويبحث ويحفر في الأماكن التي يستطيع دخولها عادة الأشخاص العاديين في أي مكان، ويعرضها كنوع من الفزاعات ليظهر للناس كيف يمكن أن يفعلوا بأنفسهم.
المحاورة
لديك العديد من الكتاب في كتبك – برسواردن، دارلي، آرنوتي، بالتزار، كاتب ماونت أوليف – هذا الذي يظهر اهتماما خاصا بنظرة الفنان للأشياء.
لورانس داريل
أن أتفهم ما تعنيه ولكني أعتقد إنه يأتي من الفصل المصطنع بين الفنانين كشيء مختلف كيفيا عن الناس العاديين.
المحاورة
كيف تشعر حيال كون اسم بروست يذكر من قبل النقد في تحليلهم لرباعية الإسكندرية؟
لورانس داريل
هذا يطريني بشدة. ولكني لا أعتقد أنني فعلت شيئا يجعل المقارنة قائمة. ولكن المقارنة ببروست تثير اهتمامي من منظور آخر. هو يبدو أنه يكتب عن منعطفات خاصة، وكوزمولوجية خاصة، وأحد الأشياء التي أود أن أفعلها هو هذا: يبدو لي أن في كل عصر نحن جميعا نحاول.. نحن جميعا كفنانين، نحارب ككتيبة عسكرية على جبهة خارجية. الأفراد والشخصيات العابرة تكون أشياء عَرَضية بالنسبة للهجوم الكبير وما نفعله نحن الفنانين هو محاولة لنجتمع في نوع من الاستعارة الكوزمولوجية في فترة الزمن التي نعيشها. عندما يقوم الفنان بذلك بشكل كامل ومرضي فهو يخلق أزمة الشكل. الفنانون يتبعونه فورا ويصبحون غير راضين على الأشكال الموجودة ويحاولون خلق أو اتباع الأشكال الجديدة. بروست على ما أعتقد في عمله يمثل العالم البرجسوني – العالم في زمنه – وبعدها تجد انهيارا كبيرا في الشكل. الفنانون الكبار الذين تبعوه، جويس، لورانس، وفيرجينيا وولف، بدأو يبحثون بشكل حاد عن شكل جديد... أعني جويس ذهب إلى المدى الذي ذهب إليه هوميروس – هذا مثير للسخرية، لم هوميروس؟ على أي حال أن تجد الأشكال تصبح نفسانية. "يقظة فينيجان" تبدأ وتنتهي بنفس الكلمات. دوائر الكلمات تصبح مستحوذة، وفي جويس بالطبع يوجد نفس التأكيد على الزمن وبالنسبة للأدب فهذا يوقف هذه الموضوعات: إن كان لديك وقت كثير في التعامل مع الأعمال الفنية فهذا يوقف هذه العملية – هذا هو التركيز في أعمال جويس. بالنسبة لوولف والبقية فهم يظهرون صورة ضخمة للحدث، والتي هي بالطبع الخلود البرجسوني.
الآن، أنا أواجه مع ذلك المبدأ الآينشتايني، وأحاول أن أرى إن كنت أستطيع تطبيق الزمن الآينشتايني بدلا من الزمن البرجسوني. صديق رياضي قال لي إني مجنون، معتوه، لأنه لا يمكن أن أصنع لا متناه من الكلمات. بالطبع هذا يبدو مجنونا، أليس كذلك؟ أعني أنه لا يمكن تطبيق فرضية رياضية في الرواية. على جانب آخر، هل الأمر جنوني جدا؟ كما أرى أن الفنانين الذين يعبرون عن الكتيبة الضخمة التي تتضمن الرسم والكلمات والموسيقى يتجهون نحو التفسير الكوزومولوجي، فأنا أراهم مرتبطين تماما بالعلماء الأنقياء. الأفكار هي بالنسبة لي أشياء بيولوجية. الآن صديقي الرياضي يقول إن مبدأ آينشتاين بربط الزمن بالمادة هو رياضي تماما، ولا يمكن التعبير عنه بأي شكل آخر؛ وإن حاولت فأنا سأتعدى على المبدأ. هذا بالنسبة لي أشبه بانعكاس سخط كيتس على نيوتون لأنه شرح قوس قزح. وإلى جانب ذلك أنا لا أدعي أن ما أفعله هو لا تناهي بالفعل. ما أقوله هو أن إسقاط ميركاتور ليس كرة ولكنه يعطيك انطباع جيد بما هي عليه الكرة. إنه يخدم غرضه، وهكذا أفكر في فكرة المتصل الخاصة بي. ربما يكون هذا أن أتعدى على أرضية مقدسة وربما أرى الأمر كله بمجموعة خاطئة من المصطلحات، ولكنها الآن تبدو منطقية. لو كانت الرباعية كما يميل ويشكو البعض أنها للأغبياء، فذلك لأنني أريد تنويرهم من زوايا عديدة. أنا أحاول أن أقدم لهم سردا مجسما بشخصيات مجسمة، وهذا إن لم يكن يعني أي شيء لأي شخص، فهو على الأقل من الممكن أن يثير اهتمام مهندسي الراديو.
المحاورة
هل يمكن أن تشرح كيف وُظّفت هذه الأفكار في الرباعية؟
لورانس داريل
حسنا، دعيني أفكر. دعيني أشرح ذلك لك بهذه الطريقة: الأفكار التي خلف هذا الموضوع، التي لا تعيق متعة قراءته، هي كذلك باختصار؛ الميتافيزيقا الشرقية والغربية تتقابلان في نقطة بشكل مثير للاهتمام، هذا لا يبدو معقولا بطريقة ما، ولكن مع ذلك فالمهندسين الرئيسيين لهذا التقابل كانا آينشتاين وفرويد. آينشتاين هاجم العالم الفيكتوري المادي القديم – بكلمات أخرى وجهة النظر المادية – وفرويد هاجم فكرة الأنا المستقرة وبالتالي بدأت الشخصية تظهر. هذه هي فكرة المتصل الزمكاني التي قدمت فكرة جديدة عن ما يمكن أن يكون عليه الواقع، هل ترين؟ حسنا، هذه الرواية هي رقصة رباعية الأبعاد، قصيدة نسبية. بالطبع، فمثاليا، المجلدات الأربعة من المفترض أن تُقرأ معا، كما قلت في ملاحظاتي في النهاية؛ ولكن طالما تنقصنا النظرة رباعية الأبعاد، فعلى القاريء أن يتخيلها، ويضيف بعد الزمان إلى الأبعاد الأخرى، ويضع كل ذلك بشكل واضح في عقله. على الرغم أنه في الحقيقة هذا لا يمكن أن يكون صحيحا، بنفس طريقة إسقاط ميركاتور الذي يمثل الكرة؛ هو متصل ولكنه ليس كذلك إن فهمتِ ما أعني. وهذا في الحقيقة نوع واحد من تمثيل المتصل الممكن. ولكن الأفكار التي تبعت ذلك، والتي، كما آمل، هي "مرئية" بطريقة ما في بناء الأشياء كما هي، ستكون قبل كل شيء هي الأنا بسلسلة أقنعتها، تلك التي بدأ فرويد شرحها، فقدان الشخصية depersonalization الذي تعدى تعريفه الحدود عن طريق يونج وجروداك وصحبتهما إلى آخرهم – أين كان هذا سوى في الميتافزيقا الهندوسية؟ بكلمات أخرى، الموقف اللاشخصاني تجاه الإنسان هو موقف شرقي تماما؛ هذا هو التقابل الذي يتم الآن في علم النفس. ومعه نظرية عدم التحدد indeterminacy الرائعة – التي عرفت أنه لا يمكن تمثيلها إلا بشكل رياضي – إنه بالضبط نفس الشيء في الفيزياء الزمكانية، كما يمكن أن نقول. بكلمات أخرى أنا أرى أن الميتافزيقا الشرقية والغربية تتآلفان معا. ورغم ذلك فأنا لست أحاول أن أكتب أطروحة – إنما أكتب مجموعة من الروايات المسلية سواء رأيتها عميقة أو ضحلة، ولكنها في النهاية عمل مخلص – ومع أن هذا يبدو نوعا من الخلط، إلا أنه ليس كالخلط في حساء. وأنا ما زلت في الظلام مثلي مثل القاريء، ورغم أنني أقوم بعمل هذه الأشياء بإخلاص شديد، إلا أنني لا أعرف ما النتائج التي سأصل لها، وما زلت لا أعرف. ربما أصل لحطام كما ترين؟ ولكنها أفكار أحب أن أشير إليها، بدون كتابة أطروحة عنها، أو أشير إليها بشكل واضح.
المحاورة
ألا تعتقد أنك بنشرك "جوستين" في البداية تعطي انطباعا خاطئا عن السلسلة كلها؟
لورانس داريل
بشكل مثالي فلو لم أكن بحاجة إلى المال لكتبت الأربعة وربطتهم ببعض بشكل جيد، لأن تظل هناك العديد من التناقضات كان من الممكن تجاوزها لو تم جمع هذا الشيء. ولكن نقص المال جعلني أكتبهم الرواية بعد الأخرى. هناك أيضا شيء آخر عليّ أن أعترف لكِ بها: عندما كنت أعاني مع هذه الفكرة لم أكن أعرف إن كانت ممكنة، ممكنة إنسانيا لأفعلها. أنا لم أكن أعرف إن كنت أسير في الاتجاه الخاطيء، وكنت مستعدا لترك السلسلة كلها كفاشل في أي لحظة، لو شعرت أنني لا أستطيع إنجازها، أو إن شعرت أنها ستخرج بشكل خاطيء، هذا كان سيشبه الإجهاض. أنا ببساطة اقتربت من جوانب المكان الثلاثة، ثم جانب الزمن كالطباخ الذي يطهي وصفة من الكتاب وهو يقول: "دعنا نطهي لحم الضأن". لم تكن لديّ فكرة ما هذا الضأن الذي سأخرج به. ولا زلت لا أدري، والمرء لا يدري حتى تتاح للنقاد الفرصة للنظر إلى الكتب الأربعة وتمزيقها إربا. ولكن أحيانا عليك أن تأخذ تلك الفرص العظيمة عندما ترى شعاع الضوء الذي يشير إليك على وجه الخصوص.
المحاورة
إلى أي مدى تعمل على الحبكة في البداية في رواياتك؟
لورانس داريل
القليل من الحبكة المقصودة كما هي. أنا لديّ كمية محددة من المعلومات، ولكن الخطر الكبير في هذا النوع من الأشياء هو العمل الميكانيكي على الشكل، وأن يكون لديك شكل واضح في ذهنك. أنا أردت أن تكون الكتب حية بقدر المستطاع. لذلك كنت مستعدا في أي لحظة ان أرمي كل المعلومات من على المنضدة وأجعلها تعيش حياتها الخاص كما ترين. ورغم ذلك يمكنني أن أتكلم عن ثلث العمل الماضي على أنه صناعة حبكة. الأمر مثل دفع عدة أوتاد على الأرض؛ ليس لديك فكرة عن الطريقة التي تسير عليها الأمور، فتجري 50 ياردة، ثم تدفع بوتد للأمام ليظهر لك تقريبا طريقك، هذا الذي يعطيك الوجهة. ولكنه يكون مختلفا جدا عن المخطط له لأول وهلة.
المحاورة
إلى أين ستذهب من "كليا"، أو بشكل أعم، من رباعية الإسكندرية؟
لورانس داريل
ليست لديّ أية فكرة واضحة عما سأفعله، ولكن مهما كان ما سأفعله فهذا يعتمد على محاولة كسر الأشكال. كما ترين أنا لديّ شعور بأن الأشكال معلقة في الهواء على طريقة شيلي. ولكن إن سقط هذا الشيء اللعين إلى أسفل كفقاعات الصابون واستَقَر في رأسي سأكون ممتنا جدا. إن نجحت مع الشكل فكل شيء سينجح.
المحاورة
أنا أعرف أنك أيضا تفكر في رواية هزلية؟
لورانس داريل
لديّ فكرة عن واحدة. أنا أرى بعض الشخصيات المسلية في الظل، ولكن إن أقدمت على الكتاب، فأنا لا أريد أن أقدم عليه بإطار ذهني مقيد، هذا الذي يمكن أن يجعله تهكميا، هل تدركي ما أعني من الكلمة، أعني هذ القصد المدرسي والسيادي بأن تكون طريفا، هذا الذي أريد تجنبه وكأنه وباء. ولكن إحدى المشكلات هي أنه ليس من المسموح جدا بالنسبة لي أن أكون فظا كما أريد. كما ترين، أنا لا أعتقد أن الرواية الهزلية تكون جيدة إلا لو كانت فظة مثلما هي ساخرة. فمع الفظاظة العظيمة فقط يمكن الوصول للتماسك الحقيقي، ومن خلال الخشونة يمكنك أن تصل للطف. على سبيل المثال إن تخليت عن الخشونة نهائيا، فسيكون من المدهش كم ستصبح كلمات الحب التي تكتبها ضعيفة. لن يرضيني على الإطلاق أن أكتب كتابا لطيفا مثير للابتسام وأن يقوم على سرعة البديهة، رغم أنه بالطبع هناك علامات مدهشة في هذا النوع. كتاب إيفلين وو "المحبوب" هو علامة بارزة سيكون سويفت فخورا إن كتبها لو كان يعيش في عصرنا. ولكني أريد أن أظل بالقرب من رابيليه[xi]؛ أريد أن أكون خشنا وطريفا بطريقة فظة. مثل اليعاقبة[xii]. أنا لا أعرف إن كان هذا مسموحا، إنا كان هذا سيتم، وإن كانت النتائج مروعة وتعبر عن الذوق السيء بدون وجود ميزات تعويضية. عليّ أن أواجه كل هذه المشكلات. ولكن مرة أخرى فبالنسبة لي هذه مشكلات الشكل. الشيء المثير هو أن تنفذ بداخل شكل أو إطار. إلا أن هذا المشروع هو ما أنفذه هذا الشتاء. وأنا أيضا أود أن أكتب مسرحية أخرى. أنا قدري أن أكون مسرحيا بطريقة ما. مسرحيتي الوحيدة كانت فوضوية تماما. إنها أخذت 15 عاما لتجد أناسا يتعاملون معها وينفذونها على المسرح. الآن ولأول مرة سيعطيني الألمان الفرصة لأرى كيف ستتم. لو لم تكن لديك هذه الخبرة لا يمكن أن تكون مسرحيا. من الممكن أن أكون قرفانا جدا بطريقة أنني لن أكتب نصا آخر، ولكن من جهة أخرى فمن الممكن أن أكون مشتاقا جدا لأرى شخصا يمثلها، بالتالي من الممكن أن أقع بعنف في حب المسرحية كشكل وأقوم بكتابة مسرحيات أخرى أفضل.
المحاورة
أنت ذكرت الشكل مرة أخرى. هذا هو اهتمامك الأساسي، أليس كذلك، الفن؟
لورانس داريل
نعم، أعتقد ذلك، أكثر من معظم الناس. ربما يكون سبب ذلك أنني ليس لدي شخصية بنفس القدر لأستخدمها. اهتمامي بالشكل ربما يكون – أنا أتحدث بجد الآن، وليس بتواضع – ميل إلى الموهبة المتوسطة. فعلى المرء أن يواجه هذه الأشياء. لا يهم كثيرا إن كنت عظيما أو متوسطا أو ضعيفا، ولكن الأهمية الأساسية هي أن المرء يجد مستواه الخاص بحيث يقوم بأفضل ما يستطيع بالقوى التي أعطيت له. إنه من العبث أن تصارع على أشياء بعيدة عن متناولك، مثلما هو غير أخلاقي بأن تكون كسولا تجاه المميزات التي تمتلكها، كما ترين، أنا لست مهتما أساسا بالفنان، أنا أستخدمه لأحاول أن أكون شخصا سعيدا، هذا الذي يكون صعبا عليّ بشكل أكبر. أنا أجد الفن سهلا، وأجد الحياة صعبة.
[xii] أصحاب أسلوب أدبي ومسرحي ساخر ظهر في حكم الملك جيمس الأول في القرنين السادس عشر والسابع عشر بإنجلترا