اليهود يستنزفون دماء البشر، يستعملونها في تحضير الفطير المقدس!" كلام لا يصدقه عقل! لكن الوقائع تثبته.
لقد كان مقتل البادري توما في دمشق عام 1840م من قبل اليهود للحصول على دم مسيحي لفطير الفصح حادثاً مروعاً أذهل العالم وشغل الناس...
وجرى التحقيق بحضور قناصل دول أوروبا.. وثبتت الجريمة ومن ذلك التاريخ تخيف أمهات دمشق أطفالهن من "حارة اليهود".
حادثة كهذه لا تشكل جريمة فقط، شناعتها أكثر من الوصف، خطرها غير محدود.. إنها تظهر نفسية شعب عقائده تعطيه مبرراً لجرائمه، فعليك السلام يا عيسى بن مريم وأنت تقرر: "أنتم من أب هو إبليس وشهوات أبيكم تبتغون أن تعملوها، هو من البدء قتال الناس ولم يثبت على الحق لأنه لا حق فيه".
مقتطفات من الكتاب
مقدمة
نحن في دمشق في أوائل عام 1840 م بعد أن احتلت قوات محمد علي باشا الشام بقيادة ولده ابراهيم باشا ذلك القائد المحنك و هاهي دمشق تخضع للحكم المصري وواليها من قبل الجيش المنتصر هو الرجل اليقظ شريف باشا .
وليس في دمشق كلها من لا يعرف تلك الحارة الشهيرة المميزة حارة اليهود فاذا سرت في هذه الحارة وقعت عيناك على رجال اليهود ونسائهم وأطفالهم وعلى بيوتهم المتلاصقة المزدوجة : الأبواب تبدو صغيرة قليلة الارتفاع لا يكاد المرء يدخلها الا منحنيا ولا تتسع لأكثر من واحد وكأنها أبواب الدهاليز الغامضة والباب يقودك الى ممر ملتو كالأفعى يقضي الى باحة واسعة تنتشر فيها الأغنام والطيور والأرانب وبعض الحشائش وقد تجد أشجارا مثمرة كالتين والعنب ومن آن لآخر ترى حانوتا لبيع الخبز والمأكولات وآخر يتلألأ فيه بريق الذهب والجواهر وثالثا يكتظ بأنواع الأقمشة والمنسوجات ذات الألوان الزاهية وقد تجد بالقرب منه خانا كبيرا لبيع الأخشاب وهناك قرب النهاية تجد " كنيس الافرنج " الذي يتردد عليه اليهود لتأدية شعائر دينهم في حرية تامة والى جوار الكنيس يقبع محل " سليمان الحلاق " الذي يتردد عليه كثير من الزبائن اليهود وغير اليهود وسليمان ذرب اللسان حلو النكتة يقلد الأوروبيية في طريقة قص الشعر وتنظيم الخصلات وتنميق السوالف وسليمان مشهور أيضا بعملية " فصد الدم " بارع في تأديتها فكثيرا ما تراه يغلق دكانه ويحمل حقيبته ويذهب الى أحد البيوت لاجراء فصد الدم لبعض المرضى وسليمان يهمه بالدرجة الأولى ألا يخرج من أي بيت خاوي الوفاض ومن ثم تراه يؤكد لكل مريض أن فصد الدم ضروري له حتى ولو كان هذا المريض مصابا بفقر الدم والهزال أو كان يعاني من اسهال حاد .
ان سليمان يحب المال ويحب منظر الدماء أيضا والفصد يحقق له الهدفين معا وسليمان سمح الوجه باسم دائما لا تكاد تعبيرات وجهه تشف عما يعتمل في داخله .
وفي حارة اليهود بدمشق تقيم أسرة " هراري " ذات الثراء الفاحش والتجارات الواسعة والصيت الذائع .
ان منزل " داود هراري " يعرفه الجميع فهو بناء جديد يوحي بالعظمة والغنى والنفوذ نوافذه الزجاجية ذات الستائر الحريرية تجذب اليه الأنظار وطلاؤه الناصع البياض يوحي بالاعجاب والمتعة حتى النسوة اللاتي تظهر وجوههن من النوافذ أو فرجات الأبواب يتمتعن بجمال فائق .وأصواتهن الرخوة الناعمة تثير خيال المراهقين وتحرك الدماء بعنف في عروق الرجال ومن أشهر الرجال الذين يقيمون في حارة اليهود الحاخام " موسى أبو العافية " والحاخام " موسى سلانيكلي " انهما كثيرا ما يبدوان في الحارة وهما ذاهبان الى االكنيس أو عائدان منه يحوطهما الوقار والهدوء والغموض وهي من لزوميات رجل الدين اليهودي ...
وفي حارة اليهود تبدو أشياء مسلية بل ومضحكون في بعض الأحيان .
ان عشرات من الشبان " الشوام " وبعض عساكر محمد علي يمضون في حارة اليهود يوزعون نظراتهم يمينا وشمالا ويحاصرون النسوة السائرات في الطريق بعيونهم النهمة الجائعة ويطلقون كلمات الغزل الساذجة بصوت خفيض في أغلب الأحيان ونادرا ما يقولونها بصوت مرتفع والخجل يوشي وجوههم التي تفيض حيوية فالشائع عندهم أن النساء اليهوديات لا يكترثن كثيرا بالآداب المرعية ولا مانع لديهن من أن تنصب في آذانهن كلمات الاطراء والثناء على جمالهن وعديد من الأقاصيص والحكايات يرويها المراهقون عنهن ويبالغون في تفاصيلها .
بيانات الكتاب
تأليف : نجيب الكيلاني
الناشر : دار النفائس
عدد الصفحات : 100 صفحة
الحجم : 1 ميجا بايت