التقنية السردية في الرواية الكويتية رواية في حضرة العنقاء والخل الوفي نموذجا
سعاد العنزي
من أهم الأسئلة المحيطة بالأدب هو التساؤل عن أدبية الأدب المتجلية بأشكال ومفاهيم عدة منها تقنيات النوع الأدبي، أي كيفية تقديم الأديب عمله بنائيا سواء أكان ذلك في السرد أم في الشعر، فالبحث عن التقنية التي يعرض من خلالها النص الأدبي يعد بحثا مشروعا ما دام الذي يميز النص الأدبي عن غيره من النصوص هو الشكل وطريقة تقديم النص، والشعرية ولن أقول التخييل، لأن التخييل هذا يجمع بين الأدب والفلسفة كما أكد أولي مارتن سكيليس في كتابه « الفلسفة والأدب» على ذلك.
قدم شيخ الرواية الكويتية إسماعيل فهد إسماعيل في روايته الأخيرة «في حضرة العنقاء والخل الوفي» أحداث روايته متوسلا ضمير المخاطب في تقديم الصوت السردي عبر ضمير المخاطب وهو الضمير الذي لم يتم استيعابه جيدا في الرواية العربية ويعتبر من أصعب الضمائر استخداما في الخطاب السردي، لأنه قد يحيل إلى استثارة انتباه القارئ بطريقة سلبية عندما يكون محتوى الخطاب هو لوم المخاطب. فعندما استخدمه طالب الرفاعي في مجموعة «الكرسي» أحال إلى قضية المحاسبة على الفساد والانحراف الأخلاقي والإداري في الوطن العربي، وهو هنا قد يكون قارئ المجموعة واحد من شرائح المخاطبين المتهمين في المشاركة في الفساد. إلا أن هذا لم يكن هو الحال في رواية إسماعيل فهد إسماعيل لأنه قدم ضميرا صعب الهضم بشكل سردي متناغم جدا مع قصدية السارد في توجيه خطابه للمسرود له ابنة السارد في وسيط سردي مناسب للحال وهو رسالة يكتبها الأب منسي ابن أبيه لابنته زينب. وهو المحروم منها لأسباب عدة تصب جوهريا في اختلافه كونه من فئة البدون . بهذه الرسالة يشرح السارد ويسترجع تفاصيل حياته الماضية عبر تقنية التتابع السردي للأحداث كما هي متسلسة تسلسا زمنيا يعرض بها بداية أزمة البدون حتى تطوراتها الخطيرة بعد غزو العراق للكويت. ونلاحظ هنا إن الصوت السردي جمع طريقتين في السرد مختلفتين؛ الأولى تقديم الحكاية عبر ضمير المخاطب وهو نوع من التجديد بينما استخدم التتابع السردي التقليدي في تقديم الحكاية تبعا لتدرجها الزمني. وهو ما أراه عائدا إلى حاجة السارد لتقديم مبرراته للمسرود له ابنته التي بحاجة ماسة لفهم مبررات وجودها الإشكالي بين أم كويتية وأب منسي ليس له جذور ولا أصول وهو واضح من اسمه الساخر واللاذع معا لتصور السردية الكويتية الرسمية لأصول البدون.
أما عن سبب استخدام الرسالة في عملية السرد فهو بوجهة نظري يعود لعدة أسباب:
إن السارد وهو من فئة البدون (غير محددي الجنسية) فاقد لشرعية وجوده في مفهوم المواطنة القار في الفكر المؤسساتي الكويتي، ويتعرض لمسح لوجوده الإنساني والاجتماعي بحاجة ماسة لتوثيق تاريخه الذي يمسحه قمع الواقع السياسي ومرو الزمن. فبمرور الزمن يكبر ويشيخ وهو معرض للمسح من الذاكرة المؤقتة وبعيدة المدى إذا لم تكن لديه وسيلة دفاعية للبقاء حيا ولو بالذاكرة الجمعية للجماعة كأن يترك رسالة توثيقية لحياة هذا ال (المنسي). لذا كان الحفاظ على تفاصيل الحياة في الماضي يحيل إلى تحرير كتابي يحفظ هذه الذاكرة حتى وإن كانت رسالة شخصية لإبنة قد تجتهد وتحفظ هذه الذاكرة أو تنساها.
مما يحيط هذه التقنية السردية من أسئلة هو مدى قدم أوحداثتها، تجريبيتها أم تقليديتها. ومن القضايا الهامة أيضا هو مدى قدرة الأديب على التجديد والتجريب. فهو كما يقول عنه د. بو شوشة بن جمعة: « التجريب المستمر هو ما يهب الكتابة شرعيتها وتبريرها»، ولكن بشريطة أن يكون هذا التجريب مدفوعا بسببية منطقية تبين جمالية الابتكار للمتلقي. إلى جانب هذا، ثمة قضية أخرى تشغلني أنا شخصيا وهي لماذا تستخدم هذه التقنية السردية دون غيرها، وليس كيف وحسب. لم استخدمها الأديب بهذا السياق ولم يستخدمها في عمل آخر؟ وكيف ترابطت عضويا مع الموضوع المطروح في النص السردي؟ هل هناك توافق منطقي بين النص السردي تقنية وموضوعا؟ وهل يعي كل أديب أهمية الربط بينهما أم ان اختيار التقنية يكون خبط عشواء وفقا لأطروحة الأدباء الرائجة هذه الأيام بكثرة مثيرة بنفوسنا الملل: (إن النص يكتب نفسه، وإني لا أفكر فيما أكتب) وكثير من طروحات التداعي الحر للنص التي تحرك سؤال النقد عن وجود التصور المسبق والتخطيط المنطقي المعد والمسبق لبناء نص مثل أي شيء آخر يبنى بعيدا عن إلهام الجن لأدبائنا في وادي عبقر الرمزي.
في هذا المقاربة سأبحث في آليات تقديم الرواية الكويتية المعاصرة ،باحثة عن التجديد والتقليد في الرواية الكويتية، وسأحاول ربط المضمون الموضاعاتي للنص بالتقنية السردية للنص، للتأصيل لفكرة التخطيط البنائي المسبق للنص. فإذا كان بناء العمل الأدبي هندسة فهل هو هندسة جسد من دون الاهتمام بالروح ، الفكرة ، المعنى المقدم في هذا القالب اللغوي؟ سأعرض اليوم لكل من رواية إسماعيل فهد إسماعيل.
في هذا المقاربة سأبحث في آليات تقديم الرواية الكويتية المعاصرة ،باحثة عن التجديد والتقليد في الرواية الكويتية، وسأحاول ربط المضمون الموضاعاتي للنص بالتقنية السردية للنص، للتأصيل لفكرة التخطيط البنائي المسبق للنص. فإذا كان بناء العمل الأدبي هندسة فهل هو هندسة جسد من دون الاهتمام بالروح ، الفكرة ، المعنى المقدم في هذا القالب اللغوي؟ سأعرض اليوم لكل من رواية إسماعيل فهد إسماعيل.
قدم شيخ الرواية الكويتية إسماعيل فهد إسماعيل في روايته الأخيرة «في حضرة العنقاء والخل الوفي» أحداث روايته متوسلا ضمير المخاطب في تقديم الصوت السردي عبر ضمير المخاطب وهو الضمير الذي لم يتم استيعابه جيدا في الرواية العربية ويعتبر من أصعب الضمائر استخداما في الخطاب السردي، لأنه قد يحيل إلى استثارة انتباه القارئ بطريقة سلبية عندما يكون محتوى الخطاب هو لوم المخاطب. فعندما استخدمه طالب الرفاعي في مجموعة «الكرسي» أحال إلى قضية المحاسبة على الفساد والانحراف الأخلاقي والإداري في الوطن العربي، وهو هنا قد يكون قارئ المجموعة واحد من شرائح المخاطبين المتهمين في المشاركة في الفساد. إلا أن هذا لم يكن هو الحال في رواية إسماعيل فهد إسماعيل لأنه قدم ضميرا صعب الهضم بشكل سردي متناغم جدا مع قصدية السارد في توجيه خطابه للمسرود له ابنة السارد في وسيط سردي مناسب للحال وهو رسالة يكتبها الأب منسي ابن أبيه لابنته زينب. وهو المحروم منها لأسباب عدة تصب جوهريا في اختلافه كونه من فئة البدون . بهذه الرسالة يشرح السارد ويسترجع تفاصيل حياته الماضية عبر تقنية التتابع السردي للأحداث كما هي متسلسة تسلسا زمنيا يعرض بها بداية أزمة البدون حتى تطوراتها الخطيرة بعد غزو العراق للكويت. ونلاحظ هنا إن الصوت السردي جمع طريقتين في السرد مختلفتين؛ الأولى تقديم الحكاية عبر ضمير المخاطب وهو نوع من التجديد بينما استخدم التتابع السردي التقليدي في تقديم الحكاية تبعا لتدرجها الزمني. وهو ما أراه عائدا إلى حاجة السارد لتقديم مبرراته للمسرود له ابنته التي بحاجة ماسة لفهم مبررات وجودها الإشكالي بين أم كويتية وأب منسي ليس له جذور ولا أصول وهو واضح من اسمه الساخر واللاذع معا لتصور السردية الكويتية الرسمية لأصول البدون.
أما عن سبب استخدام الرسالة في عملية السرد فهو بوجهة نظري يعود لعدة أسباب:
إن السارد وهو من فئة البدون (غير محددي الجنسية) فاقد لشرعية وجوده في مفهوم المواطنة القار في الفكر المؤسساتي الكويتي، ويتعرض لمسح لوجوده الإنساني والاجتماعي بحاجة ماسة لتوثيق تاريخه الذي يمسحه قمع الواقع السياسي ومرو الزمن. فبمرور الزمن يكبر ويشيخ وهو معرض للمسح من الذاكرة المؤقتة وبعيدة المدى إذا لم تكن لديه وسيلة دفاعية للبقاء حيا ولو بالذاكرة الجمعية للجماعة كأن يترك رسالة توثيقية لحياة هذا ال (المنسي). لذا كان الحفاظ على تفاصيل الحياة في الماضي يحيل إلى تحرير كتابي يحفظ هذه الذاكرة حتى وإن كانت رسالة شخصية لإبنة قد تجتهد وتحفظ هذه الذاكرة أو تنساها.
هذه الرسالة هي نوع من التوثيق الذاتي غير الرسمي لحكاية الأب، فلم كانت رسالة ولم تكن كتابا للسيرة الذاتية في الرواية؟! برأيي إن السارد وهو ينتمي لسؤال الضحية والجانب الضعيف غير القادر على تسجيل تاريخه الرسمي؛ لذا فإن صيغة الرسالة الشخصية أتت بوصفها الشكل التعبيري المناسب لحالة مواطنة غير معترف بها. فهل يحق للثانوي، كما تتساءل سبيفاك، أن يحرر تاريخ معاناته الشخصية بصوت مسموع و خط مقروء على مستوى جماهيري واسع المدى؟ برأيي هذه رمزية اختيار الرسالة بوصفها وسيلة لتقديم حكاية رجل مقموع تلاعبت قوى متسلطة في قمعه ومحيه لولا وجود الرفاق الصالحين بمعيته لكانت حتى هذه الرسالة مستحيلة الوجود.
ناقدة وكاتبة كويتية
سعاد العنزي
* نشر في القدس العربي : ٩/٧/٢٠١٤
المصدر: http://goo.gl/o8TKqw
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تحميل الرواية :