يحاول القصيبي وضع يده على المفتاح الذي يسهل قراءة الآيات القرآنية الأربع من سورة الشعراء التي أتت على ذكر الشعراء الذين يتبعهم الغاوون وفق مضمونها. ملقياً الضوء عما إذا كانت الآيات الكريمة تجسد عداءً جلياً للشعر والشعراء جميعاً أم أنها تتحدث عن شعراء بعينهم.
مقتطفات من الكتاب
مدخل
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
(والشعراء يتبعهم الغاون * ألم تر أنهم في كل واد يهيمون * وأنهم يقولون ما لا يفعلون * إلا الذين ءامنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون)
منذ أن أنزلت هذه الآيات الكريمة من سورة الشعراء والى يومنا هذا , لا أظن أن شاعرا عربيا واحدا لم يسمع من الآخرين , على سبيل الغمز واللمز غالبا , أنه يقول ما لا يفعل . ولا أحسب أن شاعرا عربيا واحدا لم يقل للآخرين بدوره , على سبيل العذر والتبرير غالبا , إنه يقول ما لا يفعل . فإذا صحت هذه الملاحظة , وليس هناك من وسيلة للتثبت من صحتها , كان معناها أن ثمة تفاهما غير مكتوب بين الشعراء وغير الشعراء على أنه يحق للشعراء , دون غيرهم من البشر , أن يكذبوا . ولا اعتراض لدي على مثل هذا التفاهم , إن وجد . اعتراضي أن يستند تفاهم كهذا الى آيات من كتاب الله الحميد , فليس في الكتاب الحميد ما يجيز لأحد , شاعرا كان أو ناثرا , أن يكذب .
يروى أن سيدنا عمر بن الخطاب استعمل شاعرا , اسمه النعمان بن فضلة , على ميسان من نواحي البصرة . وما إن استقر صاحبنا في مكان عمله حتى أرسل رسالتين شعريتين استفزازيتين إحداهما الى زوجته , وهذه أمرها يهون , والأخرى الى رئيسه , أمير المؤمنين , وهذه أمرها أصعب , يصف مشهدا شبيها بما يدور في المحلات التي يطلق عليها هذه الأيام اسم " علب الليل " :
فمن مبلغ الحسناء أن حليلها بميسان يسقى في زجاج وخنتم
إذا شئت غنتني دهاقين قرية ورقاصة تجذو على كل منسم
فإن كنت ندماني فبالأكبر اسقني ولا تسقني بالأصغر المتثلم
لعل أمير المؤمنين يسوؤه تنادمنا بالجوسق المتهدم
ولا يسجل لنا التاريخ ما فعلت الحسناء بعد استلام رسالة حليلها , إن كانت قد فعلت شيئا , ولكنه يسجل لنا ما فعل أمير المؤمنين الذي ساءه ما سمع , فقد استدعى العامل الشاعر وعزله من عمله . وتضيف الرواية انه درأ عنه الحد لاعتذاره بالآية الكريمة التي تصف الشعراء بأنهم يقولون ما لا يفعلون .
كما يروى أن الفرزدق انشد سليمان بن عبد الملك قوله :
فبتن بجانبي مصرعات وبت أفض أغلاق الختام
فقال له الخليفة " قد وجب عليك الحد ! " فرد الشاعر : " يا أمير المؤمنين ! قد درأ الله عني الحد بقوله (وأنهم يقولون ما لا يفعلون) " .
ويروي الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله : "إن العلماء اختلفوا إذا اعترف الشاعر في شعره بما يستوجب حدا , على قولين :
أحدهما : انه يقام عله الحد لأنه أقر به , والإقرار تثبت به الحدود .
وثانيهما : أنه لا يحد بإقراره في الشعر لأن كذب الشاعر في شعره أمر معروف معتاد واقع لا نزاع عليه " .
ويضيف أنه يؤدي رأي الفقهاء الذين يدرأون الحد عن الشعراء . ويبدو أن كفة هذا الرأي هي التي رجحت إذ إننا لم نسمع بحدود أقيمت على الشعراء بناء على أشياء وردت في شعرهم .
ولي تعليق بسيط على قصة الشاعرين مع سيدنا عمر ومع سليمان بن عبد الملك . لقد تبجح عامل ميسان , وهو بلغة اليوم موظف عام , علنا بأنه يعمل ما يسوء رئيسه .
بيانات الكتاب
الاسم : من هم الشعراء الذين يتبعهم الغاوون
تأليف : غازي عبد الرحمن القصيبي
الناشر : دار الساقي
عدد الصفحات : 92 صفحة
الحجم : 1 ميجا بايت
تحميل كتاب من هم الشعراء الذين يتبعهم الغاوون
مقتطفات من الكتاب
مدخل
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
منذ أن أنزلت هذه الآيات الكريمة من سورة الشعراء والى يومنا هذا , لا أظن أن شاعرا عربيا واحدا لم يسمع من الآخرين , على سبيل الغمز واللمز غالبا , أنه يقول ما لا يفعل . ولا أحسب أن شاعرا عربيا واحدا لم يقل للآخرين بدوره , على سبيل العذر والتبرير غالبا , إنه يقول ما لا يفعل . فإذا صحت هذه الملاحظة , وليس هناك من وسيلة للتثبت من صحتها , كان معناها أن ثمة تفاهما غير مكتوب بين الشعراء وغير الشعراء على أنه يحق للشعراء , دون غيرهم من البشر , أن يكذبوا . ولا اعتراض لدي على مثل هذا التفاهم , إن وجد . اعتراضي أن يستند تفاهم كهذا الى آيات من كتاب الله الحميد , فليس في الكتاب الحميد ما يجيز لأحد , شاعرا كان أو ناثرا , أن يكذب .
يروى أن سيدنا عمر بن الخطاب استعمل شاعرا , اسمه النعمان بن فضلة , على ميسان من نواحي البصرة . وما إن استقر صاحبنا في مكان عمله حتى أرسل رسالتين شعريتين استفزازيتين إحداهما الى زوجته , وهذه أمرها يهون , والأخرى الى رئيسه , أمير المؤمنين , وهذه أمرها أصعب , يصف مشهدا شبيها بما يدور في المحلات التي يطلق عليها هذه الأيام اسم " علب الليل " :
فمن مبلغ الحسناء أن حليلها بميسان يسقى في زجاج وخنتم
إذا شئت غنتني دهاقين قرية ورقاصة تجذو على كل منسم
فإن كنت ندماني فبالأكبر اسقني ولا تسقني بالأصغر المتثلم
لعل أمير المؤمنين يسوؤه تنادمنا بالجوسق المتهدم
ولا يسجل لنا التاريخ ما فعلت الحسناء بعد استلام رسالة حليلها , إن كانت قد فعلت شيئا , ولكنه يسجل لنا ما فعل أمير المؤمنين الذي ساءه ما سمع , فقد استدعى العامل الشاعر وعزله من عمله . وتضيف الرواية انه درأ عنه الحد لاعتذاره بالآية الكريمة التي تصف الشعراء بأنهم يقولون ما لا يفعلون .
كما يروى أن الفرزدق انشد سليمان بن عبد الملك قوله :
فبتن بجانبي مصرعات وبت أفض أغلاق الختام
فقال له الخليفة " قد وجب عليك الحد ! " فرد الشاعر : " يا أمير المؤمنين ! قد درأ الله عني الحد بقوله (وأنهم يقولون ما لا يفعلون) " .
ويروي الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله : "إن العلماء اختلفوا إذا اعترف الشاعر في شعره بما يستوجب حدا , على قولين :
وثانيهما : أنه لا يحد بإقراره في الشعر لأن كذب الشاعر في شعره أمر معروف معتاد واقع لا نزاع عليه " .
ويضيف أنه يؤدي رأي الفقهاء الذين يدرأون الحد عن الشعراء . ويبدو أن كفة هذا الرأي هي التي رجحت إذ إننا لم نسمع بحدود أقيمت على الشعراء بناء على أشياء وردت في شعرهم .
ولي تعليق بسيط على قصة الشاعرين مع سيدنا عمر ومع سليمان بن عبد الملك . لقد تبجح عامل ميسان , وهو بلغة اليوم موظف عام , علنا بأنه يعمل ما يسوء رئيسه .
بيانات الكتاب
الاسم : من هم الشعراء الذين يتبعهم الغاوون
تأليف : غازي عبد الرحمن القصيبي
الناشر : دار الساقي
عدد الصفحات : 92 صفحة
الحجم : 1 ميجا بايت
تحميل كتاب من هم الشعراء الذين يتبعهم الغاوون