" لقد أصبحت متع المجتمعات المدنية متعًا سلبية أساسًا مثل التردد على دور السينما، ومشاهدة مباريات كرة القدم والاستماع إلى الراديو إلى غير ذلك. وهذا ناجم من أن العمل يستنفد طاقتهم الايجابية تمامًا، ولو كان لديهم فراغ أكبر لاستمتعوا بلذات يشتركون فيها اشتراكًا ايجابيًا."
مقدمة
برتراند راسل الأديب
يعرف القارئ لأعمال برتراند راسل أنها تجمع عادة بين جمال الأسلوب وبساطة التعبير ووضوح الفكرة فضلا عن أنه أسلوب يتحلى بالنكتة الذكية والدعابة الطلية التي تجعل الابتسامة تكاد ألا تفارق شفتي القارئ أبدا .
وفي مقال كتبه برتراند راسل بعنوان " كيف أكتب " منشور في كتابه " صور من الذاكرة ومقالات أخرى " ( 1956 ) يلقى هذا الكاتب المبدع غير قليل من الضوء على محاولاته الأولى في الكتابة , وما طرأ على أسلوبه النثري من تطور .
يقول راسل في هذا المقال انه – قبل أن يبلغ الحادية والعشرين من عمره – كان ينظر الى أسلوب " جون " ستيوارت ميل " في الكتابة على أنه مثل يحتذى ويستحق محاكاة تركيب عباراته وطريقته في تطوير الموضوع الذي يعالجه ولكن اعجابه بأسلوب " جون ستيوارت ميل " على أية حال , لم يحل دون رغبته في استحداث أسلوب نثري مستمد من علوم الرياضة , يجمع بين أقصى درجات الوضوح والايجاز معا .
فقد أظهر راسل منذ مطلع حياته ككاتب حرصا فائقا على التعبير عن أفكاره بجلاء شديد , مستخدما في ذلك أقل عدد ممكن من الألفاظ وليس من شك في أن هذا ما حدا به الى أن يقول هازلا أنه تأثر بأسلوب " بيديكر " الناشر الألماني في القرن التاسع عشر الذي اشتهرت داره باصدار سلسلة من الدلائل والكتب المرشدة أكثر من تأثره بأي نموذج من النماذج المعروفة في عالم الأدب ورغم أنه لا ينبغي أن يفوتنا أن نذكر أن أسلوب راسل النثري قد يشبه سلسلة " بيديكر " المرشدة في بساطتها ووضوحها ,ولكن أنى لهذه السلسلة العارية من الجمال أن تتضمن – ولو قدرا ضئيلا للغاية – من فيض الحسن الغامر الذي تتميز به كتاباته .
وعندما بلغ راسل الحادية والعشرين من عمره , وقع لبعض الوقت تحت تأثير الكاتب " لوجان بيرسال سميث " الذي تزوج راسل أخته فيما بعد .
كان اهتمام " لوجان بيرسال سميث " الأدبي ينصب انصبابا تاما على العناية بالشكل دون أن يأبه بالمضمون أو يقيم له وزنا مستلهما في ذلك " فلوبير " و " والتر باتر " اللذين أوليا الصياغة كل اهتمامهما ونصحه " سميث " باعادة كتابة ما يسطره قلمه سعيا منه وراء التجويد حتى يبلغ به مرتبة الاتقان وأراد راسل أن ينفذ هذه النصيحة بأمانة دون جدوى فقد أدرك بالممارسة أن اعادة كتابة أي شيء لا تزيد من جماله بل أنها تدمر ما كان يتحلى به من مميزات وأن المسودة الأولى تفوق في سائر الحالات المسودات التالية في جودتها وحسن صياغتها الأمر الذي دعاه الى نبذ النصيحة التي أزجاها اليه " لوجان بيرسال سميث " وساعده التخلي عن اعادة كتابة ما يكتبه على توفير جانب كبير من الوقت الذي كان يضيع منه هباء منثورا في محاولة التجويد ويصرح راسل في يومنا الراهن أنه لا يقدم على اعادة صياغة أي شيء يكتبه الا اذا اكتشف أنه قد ارتكب خطأ فاحشا يتصل بالمادة التي يتناولها وليس في أسلوب صياغتها .
ويذكر راسل أن القلق الشديد كان ينتابه في أول عهده بالكتابة بسبب حرصه البالغ على جودة ما يكتب , وكان هذا القلق سببا في اخفاقه في بادئ الأمر في التعبير عن نفسه بطريقة تبعث على الرضا .
الاسم : في مدح الكسل
تأليف : برتراند راسل
الترجمة : رمسيس عوض
الناشر : المركز القومى للترجمة
عدد الصفحات :138 صفحة
الحجم : 3 ميجا بايت
مقتطفات من الكتاب
برتراند راسل الأديب
يعرف القارئ لأعمال برتراند راسل أنها تجمع عادة بين جمال الأسلوب وبساطة التعبير ووضوح الفكرة فضلا عن أنه أسلوب يتحلى بالنكتة الذكية والدعابة الطلية التي تجعل الابتسامة تكاد ألا تفارق شفتي القارئ أبدا .
وفي مقال كتبه برتراند راسل بعنوان " كيف أكتب " منشور في كتابه " صور من الذاكرة ومقالات أخرى " ( 1956 ) يلقى هذا الكاتب المبدع غير قليل من الضوء على محاولاته الأولى في الكتابة , وما طرأ على أسلوبه النثري من تطور .
يقول راسل في هذا المقال انه – قبل أن يبلغ الحادية والعشرين من عمره – كان ينظر الى أسلوب " جون " ستيوارت ميل " في الكتابة على أنه مثل يحتذى ويستحق محاكاة تركيب عباراته وطريقته في تطوير الموضوع الذي يعالجه ولكن اعجابه بأسلوب " جون ستيوارت ميل " على أية حال , لم يحل دون رغبته في استحداث أسلوب نثري مستمد من علوم الرياضة , يجمع بين أقصى درجات الوضوح والايجاز معا .
فقد أظهر راسل منذ مطلع حياته ككاتب حرصا فائقا على التعبير عن أفكاره بجلاء شديد , مستخدما في ذلك أقل عدد ممكن من الألفاظ وليس من شك في أن هذا ما حدا به الى أن يقول هازلا أنه تأثر بأسلوب " بيديكر " الناشر الألماني في القرن التاسع عشر الذي اشتهرت داره باصدار سلسلة من الدلائل والكتب المرشدة أكثر من تأثره بأي نموذج من النماذج المعروفة في عالم الأدب ورغم أنه لا ينبغي أن يفوتنا أن نذكر أن أسلوب راسل النثري قد يشبه سلسلة " بيديكر " المرشدة في بساطتها ووضوحها ,ولكن أنى لهذه السلسلة العارية من الجمال أن تتضمن – ولو قدرا ضئيلا للغاية – من فيض الحسن الغامر الذي تتميز به كتاباته .
وعندما بلغ راسل الحادية والعشرين من عمره , وقع لبعض الوقت تحت تأثير الكاتب " لوجان بيرسال سميث " الذي تزوج راسل أخته فيما بعد .
كان اهتمام " لوجان بيرسال سميث " الأدبي ينصب انصبابا تاما على العناية بالشكل دون أن يأبه بالمضمون أو يقيم له وزنا مستلهما في ذلك " فلوبير " و " والتر باتر " اللذين أوليا الصياغة كل اهتمامهما ونصحه " سميث " باعادة كتابة ما يسطره قلمه سعيا منه وراء التجويد حتى يبلغ به مرتبة الاتقان وأراد راسل أن ينفذ هذه النصيحة بأمانة دون جدوى فقد أدرك بالممارسة أن اعادة كتابة أي شيء لا تزيد من جماله بل أنها تدمر ما كان يتحلى به من مميزات وأن المسودة الأولى تفوق في سائر الحالات المسودات التالية في جودتها وحسن صياغتها الأمر الذي دعاه الى نبذ النصيحة التي أزجاها اليه " لوجان بيرسال سميث " وساعده التخلي عن اعادة كتابة ما يكتبه على توفير جانب كبير من الوقت الذي كان يضيع منه هباء منثورا في محاولة التجويد ويصرح راسل في يومنا الراهن أنه لا يقدم على اعادة صياغة أي شيء يكتبه الا اذا اكتشف أنه قد ارتكب خطأ فاحشا يتصل بالمادة التي يتناولها وليس في أسلوب صياغتها .
ويذكر راسل أن القلق الشديد كان ينتابه في أول عهده بالكتابة بسبب حرصه البالغ على جودة ما يكتب , وكان هذا القلق سببا في اخفاقه في بادئ الأمر في التعبير عن نفسه بطريقة تبعث على الرضا .
بيانات الكتاب
تأليف : برتراند راسل
الترجمة : رمسيس عوض
الناشر : المركز القومى للترجمة
عدد الصفحات :138 صفحة
الحجم : 3 ميجا بايت