الكتب العشرة الأبرز في فرنسا 2014.. باقـــــــة تشويق أدبي تصهر قضايا المجتمع / محمد مخلوف
كتب نوعية، تصب في مجالات معرفية وفكرية عدة، كانت سيدة الصدارة في قوائم المؤلفات الأكثر مبيعاً في فرنسا، خلال العام الفائت 2014. وبرزت في الخصوص، مضامين مؤلفات تحاكي وتمس جوانب عيش المجتمع، في قوالب تشويق أدبي رفيع، كان فرسانها كتاب وصحافيون مرموقون ومعروفون في الساحة الصحافية والفكرية في البلاد.
وهكذا فإن قائمة موضوعات المعالجة والتناول، تطرقت إلى شتى القضايا، ولم تقتصر على مجال واحد. فتطرقت بذا، إلى حقول الاقتصاد والعلوم المجتمع.. وكذا الحروب والأماسي والأعمال الخيرية، وذلك في خلطة تشويق ساحر وقوالب وصيغ تناول، جاذبة وممتعة. والكتب العشرة الأبرز في الخصوص هي:
مقبرة «بير لاشيز»
كتاب «بير لاشيز» الذي لقي اهتماماً كبيراً لدى القرّاء الفرنسيين، في عام 2014 هو عن «مقبرة». وبير لاشيز هو اسم أشهر مقبرة في العاصمة الفرنسية باريس، وربما أحد أشهر المقابر في العالم. ومن اللافت للانتباه هو أن هذه المقبرة يؤمّها الكثير من الزائرين يومياً، وكأن الأمر يتعلّق بحديقة أو بمنتجع سياحي.
وتعترف مؤلفة هذا العمل الروائية ناتالي ريمس، التي اشتركت فيه مع المصوّر نيكولا ويتزمان، منذ المقدّمة أنه كانت لديها منذ الرابعة من عمرها «علاقة خاصّة» مع مقبرة «بير لاشيز»، حيث رددت لنفسها «سأموت أيضاً. كنت قد أكملت عامي الرابع فقط». وتعترف بعد ذلك: «غداً التنزّه في المقابر حاجة بالنسبة لي ونوعاً من الطقوس التي كنت أقوم بها كل أسبوع. وبالتحديد كل يوم جمعة في نهاية النهار، عندما كانت تميل الشمس نحو الغروب».
والموتى هم أحد مواضيع الاهتمام في هذا الكتاب. ولكن بالتحديد من باب ما يبعثونه من أفكار لدى الأحياء. هذا خاصّة أن مقبرة «بير لاشيز» في باريس تضمّ رفاة الكثير من مشاهير الأدب والسياسة والموسيقى والسينما، بدءاً من مارسيل بروست وحتى النجم السينمائي ايف مونتان، ومروراً بـ: الموسيقي شوبان والسينمائي كلود شابرول والمغنية ماريا كالاس واديث بياف والكاتب هونورية دو بلزاك.
إضافة إلى: الشاعر ابولينير والكثير من المشاهير غير هؤلاء، الذين لا متسع لذكر أسمائهم التي تعد من بين «سكّان» هذه القرية الكبيرة. وفي جميع الحالات، تترافق الرؤية في هذا العمل، من خلال صور قبور هؤلاء وغيرهم، التي يقدّمها المصوّر مع النصوص التي تكتبها المؤلفة.
تصويب «الغريب»
ومن بين الكتب التي أثارت ضجّة كبيرة في فرنسا، أيضاً، العمل الذي قدّمه الروائي والصحافي الجزائري كامل داوود، الذي يعمل ويعيش في الجزائر. وكانت روايته قد وصلت إلى الدور النهائي للاقتراع عليها من قبل أعضاء لجنة تحكيم جائزة الغونكور الفرنسية، أي الجائزة الأدبية الأكثر أهميّة في فرنسا، والتي كان قد فاز بها سابقاً، كاتبان من أصول عربية، هما أمين معلوف والطاهر بن جللون.
هذا هو العمل الروائي الأوّل للمؤلّف ويحمل عنوان «مورسو، تحقيق مضاد» الصادر قبل أشهر. وإذا لم يفز بجائزة الغونكور فإنه فاز بـ «جائزة فرانسوا مورياك» و«جائزة القارات الخمس» الأدبيتين المعروفتين أيضاً على الصعيد الفرنسي. وعرف مكانه لأسابيع طويلة في عداد قائمة الكتب الأكثر انتشاراً.
وموضوع الرواية هو في واقع الأمر، تاريخ الجزائر الحديث وإرثها الاستعماري. كذلك تطرح الرواية في أحد أبعادها، النقاش الذي لم يتوقف أبداً حول الروائي البير كامو، الذي يعتبره الكثير من الجزائريين جزءاً من التراث الثقافي الجزائري، حيث وُلد وعاش حتى شبابه في الجزائر، بينما لا ترى به فرنسا سوى كاتب فرنسي بامتياز.
ذلك كلّه من خلال الشخصيّة الأولى «مورسو» الذي تجري الإشارة إليه في عنوان الرواية. إن مورسو هو «بطل» رواية «الغريب»، أحد أكثر الروايات شهرة في القرن العشرين، للروائي الفرنسي الكبير البير كامو والتي دارت أحداثها في الجزائر.
«صنف مميّز»
جان دورميسون هو أحد أشهر الكتّاب الفرنسيين المعاصرين وعضو الأكاديمية الفرنسية منذ سنوات عدة. وكل عمل من أعماله هو بمثابة حدث أدبي مهم في فرنسا. وكتابه الأخير «مثل أغنية للأمل» هو في عداد الكتب التي احتلت مكانها في واجهة الكتب الأكثر انتشاراً في فرنسا لعام 2014. ولا شك أنه كتاب «صنف مميّز» في مجال الكتب التي تلقى انتشاراً جماهيرياً كبيراً، بناءً على مكانة مؤلفيها.
إنه كتاب زاخر بالتأمّلات الشخصية حول الحياة ومعنى الوجود والحكمة الإلهية. وهو كتاب شخصي يأتي في سياق الأعمال الأخيرة التي قدّمها الكاتب الكبير وهو يقترب من عامه التسعين، والتي كان آخرها «ذات يوم سأرحل قبل أن أقول كل شيء». وفي جميع الحالات، تتميّز كتابة جان دورميسون بأسلوب أدبي رفيع، وبثقافة عالية مما يعطيه مكانة خاصّة لدى القارئ الفرنسي عموماً.
وفي هذا الكتاب الأخير «مثل أغنية للأمل» يذهب في الاتجاه نفسه، ليقول بعض ما لديه من حكمة يبدو أن الكثير من الفرنسيين يحتاجون إلى من يذكّرهم فيها، ذلك كما تدلّ أعداد النسخ التي بيعت من هذا الكتاب. ويكتب جان دورمسون في جملة له من هذا العمل، تلخص رؤيته لمسيرة حياته: «لست آسفاً سوى لشيء واحد، هو أنني لم أفعل أفضل مما فعلت في السبيل الذي كنت قد اخترته لنفسي».
إنه حديث عن المواضيع التي كان دورميسون قد تعرّض لها في جميع أعماله الروائية ونصوصه الأدبية والفلسفية، منذ سنوات الشباب وحتى خريف العمر. أحاديث عن الكون والإنسان والصدفة والألم والشر، وغير ذلك من المسائل التي شغلت باستمرار اهتمام البشر، في كل الأمكنة والأزمنة.
«عاصمة الرياضيات»
عرفت العلوم أيضاً طريقها إلى قوائم الكتب الأكثر انتشاراً في فرنسا خلال عام 2014. وذلك من خلال كتاب «بيت الرياضيات»، لمؤلفه الرئيسي سيدريك فيلاني، بالاشتراك مع فانسان مونكورجي وجان فيليب أوزان. ففي هذا الكتاب يشرح فيللاني وزميلاه حلمهم في أن تصبح مدينة باريس «عاصمة الرياضيات».
ذلك بعد أن كان المؤلف الرئيسي قد حاز عام 2010 على ميدالية «فيلد» الشهيرة للرياضيات التي تعتبر بمثابة «جائزة نوبل» في هذا الميدان من العلوم. وفي ذلك اليوم تولّد لديه حلم تنظيم معرض للرياضيات في باريس في أفق عام 2018. وهذا الحلم هو موضوع الكتاب الذي أثار اهتمام شريحة مهمّة من القرّاء الفرنسيين.
وذلك المعرض ينبغي أن يتحوّل إلى متحف «يشارك فيه المجتمع كلّه من أولئك الذين لديهم رغبة الفضول للتعرّف على الرياضيات والأطفال والشباب، وجميع من يريدون التعرّف على طبيعة علوم الرياضيات وأثرها في الثقافة وفي الحياة اليومية».
ومن النقاط التي يجري التركيز عليها، أن الرياضيات عرفت تأثيراً متعاظماً بفضل ثورة المعلوماتية وثمرات الثورة الرقمية، حيث غدا العقل الرياضي يجتاح كل نواحي الحياة. فهذا ما يحسّ فيه الناس، ولكن لا تزال الرياضيات تثير بعض «الخوف» لديهم.
«تهديد انفجار مجتمعي»
صحافية التحقيقات في صحيفة «لوموند» الباريسية.. وصاحبة العديد من الكتب الناجحة، فلورانس أوبيناس، قدّمت في عام 2014 عملاً جديداً تحت عنوان «في فرنسا»، عرف بدوره نجاحاً كبيراً على صعيد الانتشار.
وهو كتاب عن فرنسا الموجودة في «الظل»، فرنسا «المناطق الظليلة» التي لا تعرف عنها غالبية الفرنسيين سوى الشيء اليسير. وعن العديد من الدوائر التي تبقى آليات عملها نوعاً من «العالم المستور» بالنسبة لعامّة الناس، مثل: «مصلحة توزيع البيوت السكنية ذات الإيجار المنخفض» و«ماذا يدور في الاجتماعات الدورية بين المعلّمين والمدرّسين وأهالي التلامذة والطلبة؟».
بعد واحد ويقظة مرهقة
عرف عام 2014 احتلال كتاب الاقتصادي الفرنسي توماس بيكيتي، الذي يحمل عنوان «رأسمالية القرن الحادي والعشرين»، المترجم من اللغة الفرنسية إلى اللغة الإنجليزية، المراتب الأولى لأسابيع عدة في قوائم الكتب الأكثر انتشاراً في الولايات المتحدة الأميركية. وبالمقابل عرف كتاب الأستاذ في جامعة كولومبيا الأميركية جوناتان كراري..
الذي يحمل عنوان «24/7 .. الرأسمالية وهجوم النعاس» المترجم من الإنجليزية إلى الفرنسية، المصير نفسه، في فرنسا، حيث هناك نوع من الإجماع على أنه أحد أهم الكتب التي شهدها عام 2014.
يشرح المؤلف في هذا الكتاب أن الإيقاع الذي تعمل فيه الأسواق المالية العالمية، على مدى 24 ساعة في اليوم من أصل 24 ساعة. و7 أيام في الأسبوع من أصل سبعة أيام ــ كما تعني الأرقام الموجودة في عنوان الكتاب ــ، هو ليس بصدد «استعمار» العقول فحسب، ولكن أيضاً استعمار الزمن الذي نعيشه و«سرقة أوقات الراحة».
ويقدّم المؤلف على مدى فصول الكتاب، كيفيات كون أن الثورة الرقمية التي اجتاحت حياة البشر اليوم وغدت إحدى الأدوات الرئيسية في عمل الرأسمالية المالية، لم تترك مساحة للعيش. وهكذا غدا من المألوف أن «يستيقظ» الكثير من البشر في الليل من أجل الاطلاع على ما وصلهم من رسائل إلكترونية، بمختلف وسائل الاتصال الرقمية. وبهذا المعنى..
فإن الكتاب هو عن «الإنسان الاقتصادي» المعاصر الذي غدا ذا بعد واحد.. وعليه أن يظل «مستيقظاً» و«متيقظاً» طيلة اليوم وطيلة أيام الأسبوع. ذلك بحيث إن العالم يبدو حالياً، بمثابة مجمّع تجاري ــ سوبر ماركت ــ لا يعرف فيه البشر النوم. كما يشرح المؤلف أن ما كان منتظراً من التقدّم التقني والتكنولوجي، في ما يتعلّق بتوفير وقت أكبر للراحة، بدا أنه أنتج عكس ذلك تماماً، في ظل «اقتصاد السوق والرأسمالية المالية».
13 وجبة أدبية
13 كاتباً فرنسياً من بين الأكثر شهرة، يقدم كل منهم قصّة قصيرة حول موضوع واحد هو «وجبة الطعام» أو ما يدور حولها. وذلك في كتاب جماعي بيعت منه عشرات آلاف النسخ، وأصبح، سريعاً، في عداد قوائم الكتب الأكثر انتشاراً في فرنسا خلال العام 2014، التي تنظّمها العديد من الدوريات والمطبوعات المعنية بالأدب والثقافة، وعلى رأسها مكتبة «فناك»، أكبر مؤسسات بيع الكتب في فرنسا.
والكتاب له غاية محددة، هي خدمة المؤسسة الخيرية التي كان وراء قيامها، الممثل الهزلي الفرنسي الشهير كولوش، الذي توفي منذ سنوات عدة، في حادث سير (درّاجة نارية). لكن المؤسسة ظلّت قائمة ولا تزال تعمل، بفضل آلاف المتطوعين. والمؤسسة المقصودة تحمل تسمية «مطاعم القلب»، ومهمتها الرئيسية: تقديم وجبات الطعام للفقراء مجاناً..
والذين تتكاثر أعدادهم، خاصّة في فصل البرد. والفكرة الرئيسية من وراء هذا الكتاب، الذي يساهم فيه أصحاب الأسماء الأكثر شهرة في فرنسا، أن شراء كل نسخة منه تعني تقديم ثلاث وجبات غذائية لمن يحتاجونها. ثمن الكتاب زهيد بالنسبة لأسعار الكتب، حيث حدده من قبل الناشر بـ 5 يورو فقط. وجرى إنتاجه عبر الاتفاق بين الكتاّب الـ 13 ودار نشر «بوكيت» بمناسبة الذكرى الثلاثين لتأسيس «مطاعم القلب».
«مجهول» و«تيه طفولة»
تعرف أعمال الروائي الفرنسي باتريك موديانو، بشكل عام، نجاحاً كبيراً لدى جمهور القرّاء الفرنسيين. وبالتالي، من الطبيعي أن تقفز روايته الأخيرة الصادرة عام 2014، التي تحمل عنوان «كي لا تضيع في الحي»، إلى صدارة قائمة الكتب الأكثر انتشاراً في فرنسا، ذلك بعد فوزه بجائزة نوبل للأدب هذا العام.
وفي هذا العمل الروائي، يعود المؤلف إلى سنوات الطفولة كي يستعيد منها ما بقي، وليثبت بطريقته أن زمن الطفولة لا يمكن تجاوزه أبداً، حيث تبقى آثاره ماثلة وفاعلة في النفس الإنسانية. هكذا يتعرّض بطل الرواية «جان داراغان» لهجوم سنوات الماضي البعيد، ليجد نفسه أسيرها.
وهناك حديث طويل بين سنوات الفترة المتأخرة من سن الشباب، بل وسنوات بوّابات الشيخوخة، وبين ذكريات سنوات الطفولة. ولا يخفى في هذا السياق، الشبه الكبير بين «جان داراغان» والمؤلف نفسه، إذ يتشاركان في الكثير من السمات..
وليس أقلّها الرغبة في الابتعاد عن الأضواء وعن صخب الحياة العامّة. والحديث ــ الحوار كله انطلاقاً من حدث بسيط، عابر، يتمثّل في اتصال هاتفي من «مجهول»، يخبر المعني أنه عثر على مفكرته التي تحتوي على أرقام الهواتف التي سجّلها عليها.
صوتان يتقاطعان
من المعروف أن العمل الروائي الذي ينال جائزة الغونكور، الجائزة الأدبية الأكثر أهمية في فرنسا، يكون من بين الأكثر انتشاراً في العام. ورواية «لا تبك» لمؤلفتها الروائية الفرنسة «ليدي سالفير» الفائزة بالجائزة هذا العام 2014، لا تشذّ عن هذه القاعدة. وكانت الرواية قد حازت على عدد من الجوائز الأدبية الأخرى. كما عرفت أعمال المؤلفة الترجمة إلى حوالي 20 لغة عالمية.
الرواية هي عن الحرب الأهلية الأسبانية. وتعود المؤلفة إلى تلك الحرب من خلال صوتين يتقاطعان ويتمازجان أحياناً. صوتان أنثويان: صوت «برنانوس»، الشاهدة المباشرة على الحرب الأهلية الأسبانية خلال سنوات 1936 ــ 1936. ويجري تقديمها على أنها كانت بالأحرى، قريبة من اليمين المتطرّف الأسباني.
وهذا الصوت يشجب بقوّة، أعمال العنف التي اقترفها معسكر القوميون الأسبان الذي كان يقوده الجنرال فرانكو صاحب انقلاب عام 1936. أولئك المتمرّدون كانوا يقتلون ضحاياهم من دون تمييز، وفقط برغبة «تنقية» الأمّة من أولئك الذين كانوا بمثابة كائنات غريبة عنها، وحيث كانوا يقتلون «بمباركة الكنيسة». إذ كان الضحايا هم من «الفقراء السيئين»، إي من أنصار الجمهورية.
أما الصوت الآخر القوي فهو لـ «مونتس»، والدة الشخصية الروائية «ليدي» التي تنقل الأحداث كما روتها لها أمّها. ومونتس تنتمي بالتحديد إلى أولئك «الفقراء السيئين». إنها محت من ذاكرتها كل شيء سوى ذكرى تلك الأيام البهيجة التي أعلن الجمهوريون فيها، أنهم انتفضوا من أجل الحريّة. ولا تتردد صاحبة الصوت في القول إن تلك الأيام «البهيجة» تبقى هي الأهم في حياتها كلّها.
صوتان ورؤيتان لا تزال لهما أصداء تتردد حتى اليوم في أسبانيا، كما في مختلف مناطق العالم. وصوتان تقدّم المؤلفة من خلالهما، نزعات النفس الإنسانية من العنف المتطرّف حتى الحد الأقصى من التسامح.
كان مورسو في رواية ألبير كامو «الغريب»، قد قتل عربياً على شاطئ تيبازا غرب مدينة الجزائر، عندما أطلق عليه النار، من دون سبب، فقط لأن السكين في يده كانت قد عكست أشعة الشمس التي «ضربت» مورسو فأحسّ أن توازن النهار قد اختل. ولم يكن منه إلا أن أطلق النار على العربي الذي لم يعطه البير كامو أي اسم. وبعد سبعين سنة من مرور ذلك الحادث ــ أي يوم صدور الرواية ــ يبدأ أخو القتيل :
«هارون» العجوز اليوم، بـ«تحقيق مضاد» مع رواية الكاتب الجزائري كامل داوود في «مورسو، تحقيق مضاد». ويعيد هارون لأخيه القتيل، قيمته الإنسانية، حيث يعطيه اسماً بعد أن اكتفى كامو في رواية «الغريب» بتوصيفه بـ «العربي».
مظاهر الحياة في «حديقة الظلال»
لا يكتفي الكتاب الذي تناول موضوع مقبرة «بير لاشيز»، بالحديث عن الموتى والقبور، في تلك المقبرة الشهيرة. ولكنه يتضمن توصيفاً جميلاً ومصوّراً لما تحتويه أيضاً من أشجار باسقة، يصل عددها إلى 5300 شجرة، من بينها المئات التي تتجاوز أعمارها المائة سنة. والحديث عن الكثير من الحياة في تلك «الحديقة من الظلال»، كما يقول العنوان الفرعي للكتاب، الذي أثار اهتمام الفرنسيين. ففيه تاريخهم وبقايا من أحبوهم.
تحقيقات تضيء واقعاً معقداً يهدد بالانفجار في المجتمع الفرنسي
يمثل كتاب الصحافية في «لوموند» فلورانس أوبيناس، في العموم، تحقيقات عن ضواحي المدن الكبرى التي تسكنها غالبية من ذوي الأصول الأجنبية، وتعرف معدّلات عالية من البطالة.. وعن البؤس والفقر والفقراء وجيل الشباب ممن يعيشون على هامش المجتمع الفرنسي. وباختصار، توصف المؤلفة «فرنسا مأزومة» في كتابها، وبأنها تواجه العديد من المشكلات التي تهدد بالانفجار باستمرار.
ومن هنا، لم يكن من الغريب أن يهتم الفرنسيون بهذا الكتاب الذي يطرح عليهم الكثير من الأسئلة، ويتطلّب الإجابات عليها، من دون تأخير. أسئلة حول واقع اليوم وأيضاً، وخاصّة، حول أفق المستقبل ومصير الأجيال المقبلة.
تحليل عقود أربعة
احتلّ كتاب الصحافي والكاتب السياسي الفرنسي اريك زيمور، الذي يحمل عنوان «الانتحار الفرنسي»، رأس قائمة قوائم الكتب الأكثر في فرنسا، منذ صدوره في مطلع شهر أكتوبر الماضي، ولا يزال حتى اليوم في صدارتها.
ويجري المؤلف في هذا الكتاب عملية تحليل للعقود الأربعة الأخيرة من المسار الفرنسي، وبالتحديد اعتباراً من مظاهرات شهر مايو عام 1968 المعروفة بـ «ثورة الطلبة»، وحتى عام 2007. وهو يعتبر تلك الأحداث بمثابة منعطف كبير باتجاه «فوضوي» على صعيد الدولة.
موديانو يفتح ثغرة في جدار الزمن في ذكريات وإسقاطات ذكية
«حدث بسيط مثل لدغة حشرة تبدو خفيفة الوقع في البداية»، كما يكتب المؤلّف باتريك موديانو، سيد نوبل 2014، في روايته «كي لا تضيع في الحي». ولكن الأمر يغدو أكثر جدّية عندما يذكّر المتحّدث في الهاتف بصوت آخر، يعود من ذكريات الماضي البعيد، بحيث تغدو تلك الذكريات هي الواقع الرئيسي في عالم اليوم. هكذا كان ذلك الاتصال الهاتفي من مجهول بمثابة «ثغرة في جدار الزمن ــ الماضي».
ويغدو الحديث في الرواية بين الماضي والحاضر، بين ما كان البشر قد ألفوه وأحاط بهم، وبين الواقع الذي وصلوا إليه. وتبرز في هذا «الجدل» مسألة حقيقة الذكريات وعن ما إذا كانت تعكس الواقع أم أن الذكريات تغدو مجرّد «خيالات»، فيها الكثير من الانتقائية. وبالنتيجة، تغدو ذكريات الطفولة وسيلة لـ «التيه» في دروب لا أحد يعرف إلى أين تؤدّي.
عن جريدة البيان