الكتاب يتحدث عن مرض القلق داخلي المنشأ أي أن القلق ليس عرض أو أضطراب مؤقت بل مرض له دواء ، لذلك في الكتاب يتحدث عن المرض و كيفية علاجه بالدواء و بعض الأساليب النفسية مثل العلاج النفسي و السلوكي
المؤلف أجاد توضيح الأعراض و قياسها بشكل محترف مع وضعها في شكل قصصي مُفصل الاعراض بطريقة توضحك تفاصيل الأعراض بشكل واضح جداً لأنه دكتور متخصص في هذا المرض في الأصل
و يتكلم في أثناء الكتاب عن القلق خارج المنشأ و كيف نعالجه
مقتطفات من الكتاب
13الصراع
كانت ماريا كسيرة الفؤاد.أجهشت بالبكاء دون تماسك وهي تدفن رأسها في الوسادة كي تكتم بكاءها .وأحست أنها مهملة قد أساء الناس فهمها .وقد حاول الناس مد العون ولكنها كانت تعرف أنهم يحسبونها مجرد فتاة متقلبة محطمة القلب .وكان في الأمر شيء من ذلك بالطبع , ذلك بالطبع ,ولكن الضيق بالنسبة لها كان أعمق في الأساس .فقد ألم بجسمها شيء خطير في بعض الأحيان لم تكن تفهمه أو تسيطر عليه ,ومع ذلك أنحى الكل عليها بالملائمة .كانت تعلم أن هذا الشيء يختلف عن أي شيء سبق أن خبرته من قبل ,ولكن الذين تحدثت اليهم قالوا انها استجابة سوية.وقد خيل اليهم أنهم فهموا هذا الشيء .لكنها كانت تعلم أنهم ما فهموا شيئا.كانت هي وآدم يتلاقيان منذ ستة أشهر .وقد بدأت علاقتهما دافئة ودية ثم تطورت الى حب عميق .وأحست بانجذاب قوي نحوه , واطمئنان الى قوته .وخففت ثقته بنفسه من تشككها في ذاتها .وبدا لها أنه نموذج أو مثال للسواء الذي كانت ترغب فيه لنفسها.وقد أصبحت مشكلتها أكثر غموضا
كلما زادت منه اقترابا.وفي اليوم السابق تداعى كل شيء حين اقترح آدم أن يذهبا الى مطعم طيب في يوم عيد ميلادها .وانتابتها رعدة باردة من الفكرة ,وأدركت أنها سوف تقضي الساعات الأربع والعشرين القادمة في خوف من هذه الفكرة.لكنها كانت تدرك أيضا أنها تخيب أمل آدم فيها لو أنها رفضت ,فقد سبق أن اشتكى من ندرة خروجهما معا.ولذلك قررت أن تشجع الفكرة .واذ كانت الساعة تقترب ,تزايد احساس ماريا بالقلق .ولم تستطع أن تفكر في المطعم دون الشعور بخفة في الدماغ ,وبازدياد العرق ,وبشيء من انقطاع النفس .وكانت أحسن الموائد تقع الى جوار نافذة مطلة على منظر فسيح في الفضاء يشرف على الجبال المنحدرة نحو المدينة .ترى ما الذي يحدث لو أنها فقد سيطرتها وقفزت من النافذة ؟وقد جعلنها فكرة السقوط بغير نهاية في الهاوية تحس بالدوار .وكانت هذه الموائد أبعد ما تكون من أبواب الخروج. وكان الطعام طيبا والمشهد رائعا جدا ,ولكن المكان كان غاصا بالناس دائما .ترى ماذا يحدث لو أ، الاغماء أصابها أمام هؤلاء الناس جميعا ؟قد يستدعون الاسعاف ,وعندئذ تصبح محور انتباه الجميع .واستبعدت الفكرة من ذهنها مئات المرات واحست بالراحة لهذا القرار ولكن رغبتها في أن لا تخيب أمل آدم انتصرت أخيرا وقررت أن تبذل جهدا خاصا في الإستجابة له في هذه المرة ,ولو أنه لن يدرك أبدا كيف احتاج الأمر منها الى ذلك القدر من الشجاعة .وأحضر لها آدم أربعا وعشرين وردة صفراء في عيد ميلادها ,وردة لكل سنة.وأعانها ذلك على أن تنسى مؤقتا كيف كانت خائفة طوال اليوم .ولكن المسافة من مدخل المطعم الى المائدة بدت لها بعيدة على نحة غير معهود ,وقد رغبت عدة مرات في الإستدارة والجري .ولاح لها أن الجميع يتطلعون اليها عند دخولها ويتفرسون فيها وان كانت تعلم أن الأمر ليس كذلك .وبدا كأن خفقات قلبها قد جذبت اليها انتباههم جميعا .وأدارت مقعدها بحيث نجعل ظهرها الى النافذة ؟ فقد كان النظر الى الخارج يصيبها بدوار فظيع .لكنها أحست بمزيد من فقدان السيطرة على ذاتها عندما واجهت الغرفة المزدحمة ,فقد كان هناك جمع غفير من الناس ,فهل كان هناك قدر كاف من الهواء؟ وجعل تنفسها يزداد كثيرا سريعا.وأصبح كل ما حولها غريب منفصلا غير حقيقي . وأحست برهة وكأنها تنظر من خلال الطرف الخطأ للمنظار المقرب عبر غرفة مليئة بالضباب.
14الصراع
وأدارت ماريا مقعدها لتواجه آدم ,وكان عليها أن تتحمل الاحساس حتى ينقضي .فذاك ما أوصت به الكتب ,اذ كان فحواها:"تستطيع أن تتعلم العيش مع الاحساس " , "تحمله أطول فترة تطيقها " , "لاتهرب " , "دعه يتخطاك" , "لسوف ينقضي " , "فكر في الأفكار الايجابية " , "تنفس بالطريقة الصحيحة " , "ثابر على اختيار المواقف التي تخيفك حتى تتغلب على المشكلة".وكانت قد جربت الوسائل كلها .كانت تقدر أن بعض الناس لابد من أنهم وجدوها مفيدة نافعة ,ولكنها لم تجدها كذلك .الظاهر أن الأساتذة الذين كتبوا تلك الكتب لم يكونوا معها على وفاق في موجة التفكير ,وأنهم غارقون في النظريات الى حد يجعلهم لا يدركون جوهر الخبرة الحقيقية .وأخيرا اجتذبت انتباهها قائمة الطعام .وطلبت قدرا مضاعفا من الويسكي الصافي الخالص .ولاحت الصدمة على آدم والمضيفة ,ولكنها كانت مهيئة لقبول استهجانهما في سبيل التخفيف الذي قد يحدثه الشراب .ولم تكن هي في حقيقة الأمر تستطيب المشروبات الكحولية ,ولكنها كانت تساعد في تبديد تلك المشاعر الغريبة ,وكان هذا هو المهم. واختار آدم نبيذا طيبا .وأكلت وشربت في استمتاع ,وأحس آدم بالابتهاج الواضح عند استمتاعها. وكان ذلك أفضل ما أحست به طوال اليوم . ثم حدثت الواقعة :وبدأ قلبها يدق بسرعة أكبر .وظنت ماريا أولا أن الأمر يرجع الى روعة المناسبة ,أو لعل هناك شيئا في التوابل .ثم بلغ من تزايد سرعة قلبها أنها أحست بالضربات في صدرها .وظنت أن آدم لابد قد لاحظ ,ثم أحست بشعور السخونة ,وكان فمها مليئا ,ولم تستطع أن تتنفس بطريقة صحيحة ,وضاق حلقها وأحست كأنها تختنق .ونضحت على جبينها حبات من العرق وتصاعد من جوفها شعور باندفاع شيء نحو صدرها ,ثم أعقبه شعور بشيء يغوص في أعماق جوفها .وأصبح كل شيئ منفصلا وأحست بالدوار وخفة الدماغ ,ثم بشعور الهلع –ذلك الهلع العقلي .ولم يكن ثمة وقت للتفسير اذ كان زمام الأمر يفلت بعيدا ,وأخبرت ماريا آدم أن عليها الخروج بسرعة والبقاء في الخارج .ولم تكن تطيق الانتظار حتى ترى ما يحدث . وبينما كانت تنهض أخذت يدها ترتعش بجلاء.
15مرض القلق
وأصبحت رجلاها وكأنهما من المطاط ,واشتد إحساسها بعدم الثبات كما لو كانت تشرف على السقوط ,حتى الأرض مادت بها تحت قدميها ,وترنحت في سيرها نحو دورة المياه .ولابد أن من رآها ظن أنها مخمورة .واستمر الاحساس ,فمضت الى الخارج لتستنشق الهواء.وأراد آدم منها أن تعود , ولكنها لم تملك أن تفعل ذلك .وكان صمته عند العودة بالسيارة الى البيت لا يحتمل .وعندما عادت الى شقتها فيما بعد حاولت ماريا أن تعتذر وتشرح الأمر بأن حالتها من القلق تسير من سيئ الى أسوأ.وأن حالة القلق هذه كادت تصيبها بالعجز ,وأنها لم تعد تملك التصرف ,وأن الحالة تجعلها تحس بالعزلة عن الناس بل جعلت من العسير عليها أن تذهب الى العمل.لكن آدم لم يستطع أن يفهم أو لم يرد أن يفهم ,فقد مل الاستماع الى حكاية قلقها .ما بالها لا تتمالك نفسها وتحاول التغلب عليها؟ انها ليست- على كل الأحوال-الإنسان الوحيد الذي أحس يوما بالقلق ,فقد كانت له خبرات متشابهة –كما قال- ولكنه عرف كيف يتناولها مباشرة ,وهذا هو كل ما يتطلبه الأمر.وحاولت ماريا أن تخبره بأن قلقها مختلف ,وأنه ليس من نوع القلق السوي . فقد سبق أن عرفت القلق السوي قبل أن يبدأ هذا الأمر .كان الشعور مختلفا وحينذاك كان هناك على الدوام سبب وجيه للشعور بالقلق ,أما الآن والنوبات تاتي بغير إنذار ,وبغير سبب على الإطلاق ,بل انها تأتي وهي تستمتع كما حدث الليلة ,وهي لا تستطيع أبدا ان تتوقع متى تدهمها النوبات . وقالت انها تشعر بالقلق وكأنه نوع من المرض ,وان كان الأطباء قد عجزو عن كشف أي اختلال بها .ولم يثمر هذا .فقد أصر آدم على أنها لم تكن تحاول بجد .وأنه ظل شديد الإحتمال فترة أطول مما ينبغي .وقال أنه احتمل في البداية مخاوفها العصبية من المرض ثم كان يسري عنها بالدعابة حين كانت تعتمد عليه في كل أمورها البسيطة .مابالها لا تذهب الى أي مكان دون مصاحبته ؟وما بالها الآن وقد اصطحبتها الى مكان لطيف ,أفسدت كل شيء بالمزيد من قلقها الأحمق؟ ثم توجت الأمر كله فتظاهرت أن قلقها من نوع خاص .لقد تحمل ما فيه الكفاية .وأني يكون له علاقة بانسان يخنقه على هذا النحو
16الصراع
ثم تساءل –طعنة قاصمة-كيف يمكن أن تتوقع أبدا أن يكون لها أطفال ترعاهم وتربيهم اذا استمرت على هذا اللغو؟وأصبحت ماريا محطمة اذ لم يجد لديه وسيلة أفضل لإيذائها .لقد حاولت بجد شديد طوال اليوم وأخفقت تماما .وأخذت في البكاء وأحست بالذنب ,فلم يفهم مشكلتها أحد حتى آدم .وعندئذ عجزت عن التوقف عن البكاء وبدا كأنه أبوابا قد انفتحت امام شهور من التوتر المخزون .وبهدوء طلبت من آدم أن ينصرف .فقد سببت له من المشاكل ما يكفي وأخبرها أن تستدعيه بعد أن تستجمع أمرها ان استطاعت يوما ,وألا تفعل قبل ذلك ,ثم انصرف غاضبا.لكنه بعد أن عجز عن النوم فيما بعد أخذ يزيد من التفكير فيما كانت قد قالته .لعله كان مخطئا .فربما كانت مصابة بحالة لم يسمع عنها من قبل .ربما كان هناك أمر يمكن ان يتخذ بشأنها .وربما كانت من ناحية أخرى عصابية مهوشة ,بحيث يجعله بقاؤه معها رفيقا لها في شقاوتها وتعاستها .وذهب الى النوم في تلك الليلة مختلط التفكير لا يستقر على قرار.قصة آدم وماريا قائمة على أحداث وقعت مرات عديدة وسوف تتكرر دون ريب .وهي تلخص علة طائفة من الناس يسيء فهمهم عالم الناس الأسوياء.ان آدم وماريا شخصان يقفان على طرفي نقيض من آرائهما حول احدى الخبرات الانسانية المركزية.ألا وهي القلق .فآدم لا يفهم ما تخبره ماريا عن القلق وان كانت ماريا تفهم خبراته ,ونجده لايحتمل تصرفات ماريا ,لأنه لا يفهمها ,بل انه ليعتدي عليها بطرق خفية ,ويعدها غير لائقة ,وهو لا يقبل قواعد حياتها ولكنه يتوقع منها أن تحيا حسب قواعده .وكلاهما لا يستطيع أن يعبر الفجوة بينهما لإدراك مشاعر ماريا وخبراتها .وهذا هو جوهر الصراع بينهما . والكتاب الذي بين أيدينا يدور حول الناس أمثال ماريا –شكواهم أو علتهم وانغماسهم في الرعب وخبراتهم الغريبة-.وهو يدور أيضا حول بداية تحرر هؤلاء الناس ,ورحلتهم الى الحرية.
بيانات الكتاب
الاسم : مرض القلق
تأليف : دافيد شيهان
الترجمة : عزت شعلان
الناشر : المجلس الوطني للثقافة والآداب بالكويت
عدد الصفحات : 236 صفحة
الحجم : 1 ميجا بايت
تحميل كتاب مرض القلق
المؤلف أجاد توضيح الأعراض و قياسها بشكل محترف مع وضعها في شكل قصصي مُفصل الاعراض بطريقة توضحك تفاصيل الأعراض بشكل واضح جداً لأنه دكتور متخصص في هذا المرض في الأصل
و يتكلم في أثناء الكتاب عن القلق خارج المنشأ و كيف نعالجه
مقتطفات من الكتاب
كانت ماريا كسيرة الفؤاد.أجهشت بالبكاء دون تماسك وهي تدفن رأسها في الوسادة كي تكتم بكاءها .وأحست أنها مهملة قد أساء الناس فهمها .وقد حاول الناس مد العون ولكنها كانت تعرف أنهم يحسبونها مجرد فتاة متقلبة محطمة القلب .وكان في الأمر شيء من ذلك بالطبع , ذلك بالطبع ,ولكن الضيق بالنسبة لها كان أعمق في الأساس .فقد ألم بجسمها شيء خطير في بعض الأحيان لم تكن تفهمه أو تسيطر عليه ,ومع ذلك أنحى الكل عليها بالملائمة .كانت تعلم أن هذا الشيء يختلف عن أي شيء سبق أن خبرته من قبل ,ولكن الذين تحدثت اليهم قالوا انها استجابة سوية.وقد خيل اليهم أنهم فهموا هذا الشيء .لكنها كانت تعلم أنهم ما فهموا شيئا.كانت هي وآدم يتلاقيان منذ ستة أشهر .وقد بدأت علاقتهما دافئة ودية ثم تطورت الى حب عميق .وأحست بانجذاب قوي نحوه , واطمئنان الى قوته .وخففت ثقته بنفسه من تشككها في ذاتها .وبدا لها أنه نموذج أو مثال للسواء الذي كانت ترغب فيه لنفسها.وقد أصبحت مشكلتها أكثر غموضا
كلما زادت منه اقترابا.وفي اليوم السابق تداعى كل شيء حين اقترح آدم أن يذهبا الى مطعم طيب في يوم عيد ميلادها .وانتابتها رعدة باردة من الفكرة ,وأدركت أنها سوف تقضي الساعات الأربع والعشرين القادمة في خوف من هذه الفكرة.لكنها كانت تدرك أيضا أنها تخيب أمل آدم فيها لو أنها رفضت ,فقد سبق أن اشتكى من ندرة خروجهما معا.ولذلك قررت أن تشجع الفكرة .واذ كانت الساعة تقترب ,تزايد احساس ماريا بالقلق .ولم تستطع أن تفكر في المطعم دون الشعور بخفة في الدماغ ,وبازدياد العرق ,وبشيء من انقطاع النفس .وكانت أحسن الموائد تقع الى جوار نافذة مطلة على منظر فسيح في الفضاء يشرف على الجبال المنحدرة نحو المدينة .ترى ما الذي يحدث لو أنها فقد سيطرتها وقفزت من النافذة ؟وقد جعلنها فكرة السقوط بغير نهاية في الهاوية تحس بالدوار .وكانت هذه الموائد أبعد ما تكون من أبواب الخروج. وكان الطعام طيبا والمشهد رائعا جدا ,ولكن المكان كان غاصا بالناس دائما .ترى ماذا يحدث لو أ، الاغماء أصابها أمام هؤلاء الناس جميعا ؟قد يستدعون الاسعاف ,وعندئذ تصبح محور انتباه الجميع .واستبعدت الفكرة من ذهنها مئات المرات واحست بالراحة لهذا القرار ولكن رغبتها في أن لا تخيب أمل آدم انتصرت أخيرا وقررت أن تبذل جهدا خاصا في الإستجابة له في هذه المرة ,ولو أنه لن يدرك أبدا كيف احتاج الأمر منها الى ذلك القدر من الشجاعة .وأحضر لها آدم أربعا وعشرين وردة صفراء في عيد ميلادها ,وردة لكل سنة.وأعانها ذلك على أن تنسى مؤقتا كيف كانت خائفة طوال اليوم .ولكن المسافة من مدخل المطعم الى المائدة بدت لها بعيدة على نحة غير معهود ,وقد رغبت عدة مرات في الإستدارة والجري .ولاح لها أن الجميع يتطلعون اليها عند دخولها ويتفرسون فيها وان كانت تعلم أن الأمر ليس كذلك .وبدا كأن خفقات قلبها قد جذبت اليها انتباههم جميعا .وأدارت مقعدها بحيث نجعل ظهرها الى النافذة ؟ فقد كان النظر الى الخارج يصيبها بدوار فظيع .لكنها أحست بمزيد من فقدان السيطرة على ذاتها عندما واجهت الغرفة المزدحمة ,فقد كان هناك جمع غفير من الناس ,فهل كان هناك قدر كاف من الهواء؟ وجعل تنفسها يزداد كثيرا سريعا.وأصبح كل ما حولها غريب منفصلا غير حقيقي . وأحست برهة وكأنها تنظر من خلال الطرف الخطأ للمنظار المقرب عبر غرفة مليئة بالضباب.
14الصراع
وأدارت ماريا مقعدها لتواجه آدم ,وكان عليها أن تتحمل الاحساس حتى ينقضي .فذاك ما أوصت به الكتب ,اذ كان فحواها:"تستطيع أن تتعلم العيش مع الاحساس " , "تحمله أطول فترة تطيقها " , "لاتهرب " , "دعه يتخطاك" , "لسوف ينقضي " , "فكر في الأفكار الايجابية " , "تنفس بالطريقة الصحيحة " , "ثابر على اختيار المواقف التي تخيفك حتى تتغلب على المشكلة".وكانت قد جربت الوسائل كلها .كانت تقدر أن بعض الناس لابد من أنهم وجدوها مفيدة نافعة ,ولكنها لم تجدها كذلك .الظاهر أن الأساتذة الذين كتبوا تلك الكتب لم يكونوا معها على وفاق في موجة التفكير ,وأنهم غارقون في النظريات الى حد يجعلهم لا يدركون جوهر الخبرة الحقيقية .وأخيرا اجتذبت انتباهها قائمة الطعام .وطلبت قدرا مضاعفا من الويسكي الصافي الخالص .ولاحت الصدمة على آدم والمضيفة ,ولكنها كانت مهيئة لقبول استهجانهما في سبيل التخفيف الذي قد يحدثه الشراب .ولم تكن هي في حقيقة الأمر تستطيب المشروبات الكحولية ,ولكنها كانت تساعد في تبديد تلك المشاعر الغريبة ,وكان هذا هو المهم. واختار آدم نبيذا طيبا .وأكلت وشربت في استمتاع ,وأحس آدم بالابتهاج الواضح عند استمتاعها. وكان ذلك أفضل ما أحست به طوال اليوم . ثم حدثت الواقعة :وبدأ قلبها يدق بسرعة أكبر .وظنت ماريا أولا أن الأمر يرجع الى روعة المناسبة ,أو لعل هناك شيئا في التوابل .ثم بلغ من تزايد سرعة قلبها أنها أحست بالضربات في صدرها .وظنت أن آدم لابد قد لاحظ ,ثم أحست بشعور السخونة ,وكان فمها مليئا ,ولم تستطع أن تتنفس بطريقة صحيحة ,وضاق حلقها وأحست كأنها تختنق .ونضحت على جبينها حبات من العرق وتصاعد من جوفها شعور باندفاع شيء نحو صدرها ,ثم أعقبه شعور بشيء يغوص في أعماق جوفها .وأصبح كل شيئ منفصلا وأحست بالدوار وخفة الدماغ ,ثم بشعور الهلع –ذلك الهلع العقلي .ولم يكن ثمة وقت للتفسير اذ كان زمام الأمر يفلت بعيدا ,وأخبرت ماريا آدم أن عليها الخروج بسرعة والبقاء في الخارج .ولم تكن تطيق الانتظار حتى ترى ما يحدث . وبينما كانت تنهض أخذت يدها ترتعش بجلاء.
15مرض القلق
وأصبحت رجلاها وكأنهما من المطاط ,واشتد إحساسها بعدم الثبات كما لو كانت تشرف على السقوط ,حتى الأرض مادت بها تحت قدميها ,وترنحت في سيرها نحو دورة المياه .ولابد أن من رآها ظن أنها مخمورة .واستمر الاحساس ,فمضت الى الخارج لتستنشق الهواء.وأراد آدم منها أن تعود , ولكنها لم تملك أن تفعل ذلك .وكان صمته عند العودة بالسيارة الى البيت لا يحتمل .وعندما عادت الى شقتها فيما بعد حاولت ماريا أن تعتذر وتشرح الأمر بأن حالتها من القلق تسير من سيئ الى أسوأ.وأن حالة القلق هذه كادت تصيبها بالعجز ,وأنها لم تعد تملك التصرف ,وأن الحالة تجعلها تحس بالعزلة عن الناس بل جعلت من العسير عليها أن تذهب الى العمل.لكن آدم لم يستطع أن يفهم أو لم يرد أن يفهم ,فقد مل الاستماع الى حكاية قلقها .ما بالها لا تتمالك نفسها وتحاول التغلب عليها؟ انها ليست- على كل الأحوال-الإنسان الوحيد الذي أحس يوما بالقلق ,فقد كانت له خبرات متشابهة –كما قال- ولكنه عرف كيف يتناولها مباشرة ,وهذا هو كل ما يتطلبه الأمر.وحاولت ماريا أن تخبره بأن قلقها مختلف ,وأنه ليس من نوع القلق السوي . فقد سبق أن عرفت القلق السوي قبل أن يبدأ هذا الأمر .كان الشعور مختلفا وحينذاك كان هناك على الدوام سبب وجيه للشعور بالقلق ,أما الآن والنوبات تاتي بغير إنذار ,وبغير سبب على الإطلاق ,بل انها تأتي وهي تستمتع كما حدث الليلة ,وهي لا تستطيع أبدا ان تتوقع متى تدهمها النوبات . وقالت انها تشعر بالقلق وكأنه نوع من المرض ,وان كان الأطباء قد عجزو عن كشف أي اختلال بها .ولم يثمر هذا .فقد أصر آدم على أنها لم تكن تحاول بجد .وأنه ظل شديد الإحتمال فترة أطول مما ينبغي .وقال أنه احتمل في البداية مخاوفها العصبية من المرض ثم كان يسري عنها بالدعابة حين كانت تعتمد عليه في كل أمورها البسيطة .مابالها لا تذهب الى أي مكان دون مصاحبته ؟وما بالها الآن وقد اصطحبتها الى مكان لطيف ,أفسدت كل شيء بالمزيد من قلقها الأحمق؟ ثم توجت الأمر كله فتظاهرت أن قلقها من نوع خاص .لقد تحمل ما فيه الكفاية .وأني يكون له علاقة بانسان يخنقه على هذا النحو
16الصراع
بيانات الكتاب
الاسم : مرض القلق
تأليف : دافيد شيهان
الترجمة : عزت شعلان
الناشر : المجلس الوطني للثقافة والآداب بالكويت
عدد الصفحات : 236 صفحة
الحجم : 1 ميجا بايت
تحميل كتاب مرض القلق