المترجمون الخونة
بقلم: مهند سعد
تقف أمام مجموعة من الكتب، تحاول أن تتجاوز عجزك عن معرفة اللغة الأصلية محدّقًا في اسم المترجم مليّا، يدور في داخلك السؤال الأهم، هل هذا مترجم جيد؟ وما يزيد من صعوبة المهمة هي المفاضلة بين ترجمتين لنفس الكتاب لا تعرف أي منهما. ومن هذه الحيرة وهذا السؤال جاء هذا المقال.
هل الترجمة هي مجرد تغيير لغة الكلمات؟ هل ما يحتاجه المترجم فقط هو إتقان اللغة المنقول عنها العمل الأدبي؟ لماذا نترجم الأدب؟
ترجمة الأدب هي محاولة للإطلاع على ذلك الأدب، وتكمن صعوبة هذه الترجمة أنها تعتمد بصورة كبيرة على التذوق والتماهي مع خيال المبدع لتكون صورة الترجمة والمادة الأدبية إبداعية غير حرفية. ومن هذا الباب تصبح الترجمة الأدبية علمًا وفنًّا ومهارة، وهنا فإننا نبحث عن المترجم الذي يملك هذه المقومات.
يقول المترجم السوري “رامي يونس” أمارجي: ما يعنيني في المقام الأوَّل حيالَ التَّرجمة إذا ما كان هذا النَّص سينمِّي الدَّهشة لدى القارئ، على حدِّ تعبير بول فاليري، أم لا؛ ولكنّي لا أؤمن بفكرة أنَّ المترجم، هو الذي يختار النَّص، بل أعتقد، وبقوَّة، بأنَّ النَّص هو الذي يختاره.
والمترجم يختار النص حين يشعر بالتعلّق بهذا النص ويشعر أنه يتملّكه ويملكه، يقول الشاعر والمترجم د. ماجد الحيدر (مالي وما لك أيها القاموس! إن هذه القصيدة قصيدتي وسأكتبها كما أشاء) ويقول صالح علماني ” أعيش الرواية كما لو أنني أكتبها”.
أعتقد أنني لا أضيف جديداً إن قلت أن الشروط التي يجب أن تتوفر كما يعددها سائر الباحثين في هذا الأمر ثلاثة وهي : التمكن من اللغة المصدر التي ينقل عنها العمل، والتمكن من اللغة الهدف التي ينقل إليها العل، والتمكن من المادة التي هي موضوع الكتاب أو البحث الذي تنقله إلى اللغة الهدف.
ولنبدأ بذكر بعض أشهر المترجمين العرب حسب اللغات التي ترجموا عنها:
سامي الدروبي: أحد أفضل مترجمي دوستوفيسكي للعربية مع أنه لا يجيد الروسية. ومن المتفق عليه أن الدبلوماسي، الأديب والمترجم السوري الراحل، الدكتور سامي الدروبي هو من أفضل الذين ترجموا الأدب الروسي إلى اللغة العربية حيث قدّم لنا ترجمة كاملة لأعمال دوستوفيسكي والتي يزيد عدد صفحاتها عن أحد عشر ألف صفحة.
ن.حاسبيني: لا أغفل في هذا الموقع أن أذكر أن هذا المترجم/ـة قدّم ترجمة رائعة “للأخوة كرامزوف”.
أبو بكر يوسف: يقول هذا المترجم المصري بعد أول قصيدة ترجمها لتشيخوف ” لا يا أبو بكر تشيكوف يستحق مترجم أفضل” وبقي يطوّر من أداوته في الترجمة فإن كُنتَ من عشّاق تشيخوف فلك أن تلجأ لهذا المترجم دون خوف.
منير بعلبكي: الملقّب بـ”شيخ المترجمين المعاصرين” ومن منا لم ينهل من(مورده) أيام الدراسة وبعد التخرج؟!. يقدم لنا هذا المترجم الكلاسيكيات الخالدة بأفضل ما يمكن أن يقدم مترجم لكتاب من الكتب، فمن تشارلز ديكنز لتشارلي وأيميلي برونتي وفيكتور هيوجو.
جبرا ابراهيم جبرا: يقدم الكاتب والمترجم الفلسطيني كل خبراته في ترجمات ومقدمات للكتب التي تسيطر عليه ومنها “الصخب والعنف” والعديد من أعمال شكسبير.
ويبرع د.عفيف دمشقية في أن يجعل أدب أمين معلوف وكأنه أدبه هو وكتاباته هو.
وهنا يتفرّد المترجم صالح علماني الذي له أكثر من تسعين عمل مترجم عن الإسبانية وهي محصلة جهودة الدؤوبة خلال أكثر من ثلاثين عاما ًمن ترجمة أدب امريكيا اللاتينية، والأدب الإسباني عموماً. علماني بدوره كمترجم كان قد أخذ على عاتقه ترجمة مجمل الأعمال الإبداعية الأدبية المكتوبة باللغة الإسبانية لمبدعي أمريكا اللاتينية، وهو الذي قام وبجدية مسؤولة وعالية بترجمة أعمال ماركيز ومارغو يوسا وايزابيل الليندي وبورخس وخوسيه سارماغو وإدواردو غاليانو وباقي السلالة المبدعة التي أنتجت الاعمال العظيمة باللغة الإسبانية.
الدكتور خليل الشيخ الحاصل على شهادة الدكتوراه في الأدب المقارن من جامعة فريدريش ﭬـيلهلم في ألمانيا هو من القلائل الذين قدموا ترجمات متقنة لأدب فرانز كافكا. أبو العيد دودو: مدَّ هذا المترجم جسرا ًبين الثقافتين العربية والألمانية بترجماته للعديد من القصص التراثية الألمانية وما كتبه الرحالة الألمان عن المجتمع الجزائري.
يفتقر الأدب الياباني إلى مترجم يكون كالمرجع في هذا المجال ولهذا سيبقى المكان شاغرا حتى يأتي ذلك المترجم الذي يستطيع أن يمسك ناصية الترجمة في هذا الأدب.
يقول المثل الإيطالي الشهير”المترجمون خونة” يقصد به أن المترجم عاجز عن البقاء مخلصاً للنص الأصلي. يقول علماني “الأسلوب هو المترجم” معولاً على الدقة في التقاط النبض الأصلي للنص، والحدس في اكتشاف المعنى الدقيق للجملة، أمر أصبح ضرورة مع لهجات محلية تتطلب معرفة خاصة بمقاصد الكتّاب.
في الختام يجب أن لا ننسى أن الترجمة هي “نقل الدهشة”. ومن هنا أخبرنا إن كان هنالك مترجم استحق دهشتك.