مقتطفات من الكتاب
محمد علي في معيار التاريخلا خلاف بين المؤرخين على أن مصر الحديثة ولدت مع مطلع القرن التاسع عشر , ولكنهم يختلفون حول مسببات هذه الولادة ..
وهذا القول فيه نظر .. ذلك أن مدة إقامة الحملة في مصر لم تتجاوز ثلاث سنوات وبضع شهور , وهي فترة قصيرة لا تكفي لبناء نهضة أو حتى إرسال قواعد الحداثة في مجتمع شرقي يخضع لمؤثرات تقليدية قوية , ثم إن مناخ التوتر الذي ساد أيام الحملة لم يمكنها من زرع أفكارها الحضارية , فالمؤثرات الحضارية لا تبدأ عملها إلا بعد أن تكف الحروب وتهدأ المعارك , وهو ما لم يحدث للفرنسيين , فمنذ وطأت أقدامهم أرض مصر , لاقوا مقاومة عنيفة شملت العاصمة وامتدت الى الدلتا والصعيد , الأمر الذي جعل بقاء الفرنسيين في مصر عذابا مقيتا لم يحتملوه , فرحلوا الى بلادهم تاركين في نفوس المصريين أسوأ الذكريات .
إلا أن هذا التقويم لأثر الحملة الفرنسية , لا يمنعنا من الاعتراف بالانجاز الثقافي الذي تحقق على أيدي الفرنسيين في أمرين هامين :
أولهما تأليف كتاب ( وصف مصر ) الذي وضع فيه علماء الحملة خلاصة بحوثهم عن كافة الأوضاع في مصر , فكان هذا الكتاب – ولا يزال – نقطة البداية لكل من يتصدى للكتابة عن مصر في تاريخها الوسيط والحديث , وهو ما يراه عميد مؤرخي مصر الحديثة محمد شفيق غربال , وما دعاه للقول بأن هذا المؤلف العظيم يظل مرجعا هاما بما يحتويه من معلومات وبحوث , برغم أن الكشوف الأثرية والبحوث التاريخية قد غيرت أو عدلت مما كتبه علماء الحملة .
أما الأثر الثقافي الثاني للحملة الفرنسية فهو فك أسرار اللغة المصرية القديمة بعد اكتشاف حجر رشيد , مما أتاح للعالم كله أن يعرف تاريخ مصر منذ عصرها الفرعوني بعد أن كان لغزا مغلقا على المصريين أنفسهم , وبفضل هذا الجهد الذي بذله " شمبليون" انجلت أمام العلماء والباحثين في الجامعات الأوروبية معالم التاريخ المصري , وعرف العالم موقع الريادة للحضارة المصرية التي تمثل حجر الأساس في البناء الحضاري العالمي . باستثناء هذين العملين الجليلين , لم تخلف الحملة الفرنسية أثرا كبيرا من الحياة المصرية سواء في المجال الثقافي أو السياسي أو الاجتماعي , فالطبعة العربية الني جاء بها " مينو" ضمن مخلفات الجيش ولم تعرف مصر المطبعة إلا في سنة 1828م . وهي المطبعة "الأمريكية " التي جلبها محمد علي لطبع الوقائع المصرية , وأما " الدواوين " التي اصطنعها بونابرت بقصد تغيير شكل العلاقة بين السلطة الفرنسية الحاكمة , والشعب , فإن المصريين لم يتقبلوا هذا الدواء الإفرنجي من حاكم أجنبي لا يمكن أن يضمر لهم المصلحة ,برغم الشعارات الزائفة عن كونه مسلما يحي الإسلام والمسلمين .
بيانات الكتاب
الاسم : محمد علي وأولادهتأليف : جمال بدوى
الناشر : الهيئة المصرية العامة للكتاب
عدد الصفحات : 269 صفحة
الحجم : 8 ميجا بايت
تحميل كتاب محمد علي وأولاده