هل سرقة الكتب حلال ؟
مقال مقتبس عن منصة رفي للكتب
"سرقة الكتب حلال" هو مثل شائع أو مقولة تتردد بين الأصدقاء لتبرير عدم إرجاع الكتاب الذي يستعيرونه من صديق ما بهدف القراءة فقط لكنهم لا يجدون حرجاً في الاحتفاظ به في مكتبتهم الخاصة.. إذ يحكي أحد القراء حادثة طريفة وقعت له فيقول: أعارني صديق كتاب فلاحظت انه يضع داخله ملاحظة تقول: "أتمنى أن تستمتع بقراءة القراءة ، ومن فضلك أعده عندما تنتهي منه". فعلق صديقي قائلا: وضعت هذه الملاحظة منذ أن استعرت بنفسي هذا الكتاب ولم أرجعه!
قد تكون هذه السرقات المحببة المبررة بين الأصدقاء مقبولة، ولكن ماذا عن سرقة الكتب من المكتبات العامة ومحلات بيع الكتب، هل نستطيع تبريرها بنفس تلك الروح الرياضية وبأن الرغبة بامتلاك كتاب أحببناه لا تقاوم وأن الكتاب لمن يقرأه وأن السرقة من أجل القراءة جنحة يجب أن لا يعاقب عليها القانون تماما كسرقة الجائع لرغيف الخبز؟!
في كتابه الرائع "تاريخ القراءة" حيث خصص فصلاً كاملاً عن سرقة الكتب، يتساءل ألبرتو مانغويل عن سبب احتفاظنا بكميات كبيرة من الكتب حتى بعد الانتهاء من قراءتها فيقول: "لماذا أجمع هذا الكم الهائل من الكتب التي أعرف تمام المعرفة بأنني لن أعيد قراءتها مطلقاً. أما الجواب فأعرفه أيضاً: بعد كل مرة أنفصل فيها عن أحد الكتب أشعر بعد بضعة أيام بحاجة ماسة إليه. أو أنني لا أعرف كتاباً إلا ويحتوي على جملة شيقة واحدة على الأقل". ويبدو أن هذا ما حاولت الروائية جامايكا كنكيد تبريره عندما اعترفت بارتكابها جنحة مشابهة: كانت تسرق كتباً من مكتبة طفولتها في آنتيغوا قائلة إن غايتها لم تكن السرقة: "كان الحال كذلك.. ما كنت أنتهي من قراءة أحد الكتب حتى كنت لا أستطيع الانفصال عنه."
وحسب رأي الكاتب الاجتماعي من القرن السابع عشر تالمان دي ريو، لم تكن سرقة الكتب جريمة يعاقب عليها إن لم يقم السارق ببيع الكتب.. لكن الحال لم تعد كذلك في عصر النهضة حيث صدرت عدة مراسيم تحرم سرقة الكتب، وعُلق في مكتبة دير سان بدرو في برشلونه تحذير جاء فيه: "من يسرق كتباً، أو يحتفظ بكتب كان قد استعارها، عسى أن يتحول الكتاب الموجود في يده إلى أفعى رقطاء، وعسى أن يصاب بشلل ارتجافي قاهر وأن تشل جميع أطرافه، عسى أن يصرخ عالياً طالباً الرحمة وعسى ألا تنقطع آلامه إلى أن يتحول إلى رمة متفسخة، وأن تعشعش الديدان في أحشائه مثل دود الموتى الذي لا يفنى. وعندما يمثل أمام يوم الدين لتلتهمه نار جهنم إلى الأبد". فهل استطاعت هذه اللعنات أن تمنع القراء من سرقة كتاب يشتهونه؟
قد نتفاجئ عندما نعلم أن نسبة سرقة الكتب ارتفعت بمعدل كتاب واحد كل ساعة، وأن 40% فقط من الكتب التي يتم قراءتها يُدفع ثمنها، و28% من الكتب التي تباع تكون حديثة أما الباقي فيتشاركه القراء فيما بينهم أو يستعيرونه أو يسرقونه وفقاً لإحصائيات باعة الكتب في أوستن بولاية تكساس.. والطريف بالأمر أن أكثر عنوان يتم سرقته هو "الكتاب المقدس" إذ يقول صاحب إحدى المكتبات: يبدو أن اللصوص لم يقرؤا بعد النص الذي يقول "لا تسرق" أو ربما يعتقدون أنهم ليسوا مضطرين لدفع ثمنه فكلمة الله للجميع.. مع العلم أن البعض يقوم بسرقة هذا الكتاب حتى من المكتبات التي تقدمه مجاناً لو طلبته منها!
أما بقية السرقات فتركز على الإصدارات الحديثة ولا سيما تلك التي يرفقها الناشرون بتوصية، إذ يبدو أن بعض القراء يعتبرونها توصية بسرقة الكتاب! لهذا يضع الباعة في مكتبة سانت مارك شرق مانهاتن الكتب الأكثر عرضة للسرقة خلف الكاونتر لحمايتها، وأحياناً يعرف أصحاب المكتبة أن كاتب ما لم يعد محبباً بين القراء عندما تسرق كتبه ثم تعاد إلى نفس الرف!
وقد أصدرت مكتبة "بارنز ونوبل" سنة 1999 قائمة بأسماء المؤلفين اللذين تتم سرقة كتبهم باستمرار فشملت القائمة أسماء: مارتن أميس، بول أوستر، جورج باتاي، ويليام بوروز، إيتالو كالفينو، رايموند تشاندلر، ميشال فوكو، داشيل هاميت، جاك كيرواك، جانيت وينترسون وعلى رأس القائمة طبعاً: تشارلز بوكوفسكي.
يحكي ألبرتو مانغويل في كتابه "تاريخ القراءة" قصة أكبر سارق للكتب على مر العصور والأزمان، إنه دوق ليبري الذي ينتمي لعائلة نبيلة من توسكانا في عام 1803. درس الحقوق والرياضيات فنبغ فيها ومنح كرسي الرياضيات في جامعة بيزا وهو لا يزال في العشرين، إلا أنه لم يكن محبا للعلم فقط وإنما عاشقا للكتب.. كان يشعر أن حيازة كتاب ثمين وتقليب صفحاته بهدوء لا يحق لكل من هب ودب أن يمسها، فكان يلبس عباءة فضفاضة يخبئ فيها كنوزه التي يقتنصها أثناء تجوله في مكتبات فرنسا العامة بحكم منصبه ومعارفه، لم يكن يسرق كتبا بكاملها فحسب بل يسرق صفحات مفردة أيضا ويقوم بعرضها أو بيعها أحيانا. وقد حكم عليه غيابياً بالسجن عشر سنوات ونزعت عنه جميع مناصبه العامة..
يعترف تشارلز لام أحد معاصري الدوق ليبري مبرراً ضعف صديقه أمام الكتب: "يصبح الكتاب أفضل على القراءة، عندما يكون ملكنا، ويصبح معروفاً من قبلنا مدة طويلة، فإننا نعرف كل دقائقه وثناياه وخباياه ونستطيع تقفي آثار الوسخ عليه وقطع الخبز بالزبدة التي تناولناها عند قراءته".
أما جان جينيه المؤلف الفرنسي وسارق الكتب الشهير الذي سجن ثلاثة أشهر لأنه سرق أحد مؤلفات بروست قال للقاضي الذي يحاكمه: "لو لم أكن لصاً لبقيت على جهل ولأصبحت كل روائع الأدب الجميلة غريبة عني. فقد سرقت أول كتاب في حياتي كي أتعلم منه الأبجدية. ثم توالت سرقاتي". واعترف جينيه للقاضي بأنه شعر فيما بعد بالندم على أنه كان يعيد بيع الكتب التي يقوم بسرقتها. ولكنه عدل عن هذه السياسة وشعر بارتياح أكبر عندما ترك دون أن يحس به أحد الكتب المسروقة بعد الانتهاء من قراءتها في بعض المكتبات الصغيرة المنتشرة على ضفاف نهر السين.
وعندما سرق طبعة نادرة من قصيدة فرلين حكم عليه بالسجن المؤبد لولا وقوف جان كوكتو بجانبه ووصفه له أمام القاضي بأنه "أعظم كاتب في العصر الحديث" وقد كلف جان كوكتو محامياً ضليعاً في الجرائم الأدبية ليتولى الدفاع عنه قائلاً له:"أضع جينيه وديعة بين يديك فهو يسرق من أجل تغذية جسده وعقله. إنه رامبو جديد. ولا أحد يستطيع أن يدين رامبو مهما فعل". وعندما سأل القاضي المتهم جان جينيه: "ماذا ستقول لو أن شخصاً سرق كتبك؟" فأجابه جينيه: "سوف أشعر بالفخر". ثم سأله القاضي إن كان يعرف ثمن الكتاب الذي سرقه فرد عليه قائلاً: "إنني لم أعرف ثمن الكتاب ولكني كنت بكل تأكيد على علم بقيمته".
في رواية لماركوس سوزاك، الروائي الاسترالي، بعنوان "لصة الكتب" يروي قصة فتاة تعيش في ألمانيا النازية في فترة الحرب العالمية الثانية، وتجد وسط الدمار والحرب والقتل والتهجير والرعب حيث الراوي الوحيد للقصة هو الموت، في سرقة الكتب وقراءتها فسحة من الأمل والأمان والهدوء، فبعد أن كانت تسرق الكتب لتبيعها قررت تعلم القراءة وبدأت تقرأ الكتب المسروقة لجيرانها وأصدقاءها أثناء الغارات الجوية فنشأت علاقة حب بينها وبين الكتب..
صدر الكتاب سنة 2005 وحصل على عدة جوائز وتصدر قائمة نيويورك تايمز لقائمة أفضل المبيعات لمدة 230 أسبوع كما تم اقتباسه كفيلم سينمائي.
قائمة بارنز ونوبل للمؤلفين الاكثر سرقة