"كل مقال من هذه المجموعة يمثل مغامرة كتابة مظروفة ومختلفة إلى حد ما. ومع ذلك فإن ما يجمع بينها هو تناولها ثنائية المذكر والمؤنث في الثقافة العربية، من خلال بعض مظاهر عملية البناء الثقافي لهذه الثنائية المركزية، وبعض عمليات إعادة بنائها في العصر الحديث، وما يصحب البناء وإعادة البناء من أنظمة تبريرية وآليات تفكير تحول علاقات الهيمنة التاريخية إلى بديهيات ومسلمات غير قابلة للنقاش.
مقتطفات من الكتاب
كل مقال من هذه المجموعة يمثل مغامرة كتابة مظروفة و مختلفة إلى حد ما . و مع ذلك فإن ما يجمع بينها هو تناولها ثنائية المذكر و المؤنث في الثقافة العربية من خلال بعض مظاهر عملية البناء الثقافي لهذه الثنائية المركزية و بعض عمليات اعادة البناء من انظمة تبريرية و اليات تفكير تحول علاقات الهيمنة التاريخية إلى بديهيات و مسلمات غير قابلة للنقاش . و تعتمد هذه الابحاث في كشف علاقات السلطة و التراتب المتعلقة بالمذكر و المؤنث على مفاهيم من قبيل (( العنف الرمزي )) و (( الهيمنة الذكورية )) وجدناها مجدية في طرح قضايا سياسية محسومة اهما قضايا التمييز و العنف و حجاب النساء بمختلف مظاهره القديمة و الحديثة . و تعتمد هذه الابحاث ايضا مفهوم المركزية – القضيبية – العقلية لوجاهته في عملية تفكيك ثنائية المذكر و المؤنث و وجاهته في تنزيلها في مختلف الحقول الفكرية التي يتم فيها تصريفها و منها النقد و البلاغة و الكتابة و النشاط الشعرية ... و وجاهته خاصة في ربط هذه الثنائية بنظام انتاج الحقيقة نفسه و هو نظام يفوق المعنى على اللفظ و الصورة على المادة في الوقت نفسه الذي يفوق الذكورة و الفحولة على الانوثة و على ما يعد انثويا .
هذه الحقول السياسية و الثقافية و الفكرية التي تتضح فيها الهيمنة الذكورية سياسيا و المركزية القضيبية العقلية معرفيا هذه الحقول كما ورثناها عن السلف و كما اعادت بنائها المنظومات الاصولية في انكارها الحداثة هي ما عبرنا عنه ببنيان الفحولة . انها صروح عديدة و قلاع لا مرئية لا يكفي التنديد بها بل لا بد من النظر في كيفية بنائها للوعي بالمسلمات التي تنبني عليها و التي لم يمكن التسليم بها الا بفضل جهاز تبريري يذر الرماد في الاعين و يضفي طابع البداهة على علاقات الهيمنة و اللامساواة .
و لا يوجد بنيان الا و هو غير مرصوص أي عرضة للشروخ و الثغرات . و قد حالونا الانتباه إلى هذه الشروخ و الثغرات بقدر انتباهنا للنظام الفحولي العابر للامكنة و الازمنة فأشرنا مثلا إلى الثغرة التي تمثلها اشكالية الجنس الثالث و الثغرة التي تمثلها المقاومة النسائية للهيمنة الذكورية و الشروخ التي تمثلها البدايات في امكانياتها المفتوحة و كما يترك لنا اثارها ارشيف النصوص و قد اهملتخ الثقافة الرسمية البانية لترسانة الاحكام و القيم .
الا أن هذه الابحاث اذ تحاول أن تكون ابحاثا و تحاول أن ترقى إلى المستوى العالمي النظري الي تطرح من خلاله اليوم قضية المذكر و المؤنث و قضايا الاتجاهات الجنسية و الهويات الجندرية في ما يعرف اليوم بـ (( ما بعد النسوية )) فإنها تظل مشدودة إلى قضبان التمييز و العنف المخصوصين في العالم العربي فتتخلى أحيانا عن الهم التنظيري إلى ما يقتضيه الالتزام من فصح و تذكير و شكوى . جاذبية هذه الثقافة التي ننتمي اليها تجعلنا نواجه خصوما بدائيين يشككون في ابسط افكار المساواة و الحرية بدل أن ندخل في حوار على مستوى عالمي مع المشتركين معنا في الهم التنظيري . هؤلاء الخصوم البدائيون هم بالاساس المدافعون عن الشريعة الاسلامية و المؤيدون لاحكامها و الفاعلون السياسيون الذين يعلون من الانتماء و الهوية على حساب التحرر الفردي و على حساب الحقوق الانسانية الاساسية . ربما كانت هذه الابحاث ملتزمة على نحو (( المعرفة الملتزمة )) التي دعا اليها بورديو في مقال له نشر إثر وفاته عبر فيه عن نفوره من البرودة الاكاديمية و الحياد العلمي الكاذب . الا أن هذا الالتزام ربما وضع حدا من طاقة البحث الاستكشافية و النظرية اذا كان طاغيا و غلب الشكوى و المطالبة بالانصاف على الاستقراء و المفهمة .
بيانات الكتاب
الاسم : بنيان الفحولةتأليف : رجاء بن سلامة
الناشر : بترا للطباعة والنشر والتوزيع
عدد الصفحات :175 صفحة
الحجم : 5 ميجا بايت