‏إظهار الرسائل ذات التسميات السداسي الخامس. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات السداسي الخامس. إظهار كافة الرسائل

الاثنين، 31 ديسمبر 2012

من أجل سوسيولوجيا حضرية في خدمة سياسات المدينة




2 في الحاجة إلى سوسيولوجيا المدينة:
ولأن الرهان العالمي والكوني، يبدأ من أسفل درجات سلم أو هرم الحكامة، ألا وهو الرهان المحلي والجهوي، فالوطني. فإننا ملزمون، الآن هنا، بإنتاج معرفة سوسيولوجية جديدة حول مجالاتنا الترابية المحلية والمتحولة، أقصد مدننا المغربية بالدرجة الأولى. لأنها هي مجالات إعتمال أو إشتغال الإجتماعي في علاقاته، المتشعبة والمتداخلة، بإستراتيجيات السلطة والثروة، أي بأساليب التخطيط والتدبير السياسي، وأدوات الإنتاج والإستهلاك الإقتصادي. وفي هذا الإطار، ينبغي العمل على إنتاج مقاربات مونوغرافية تشخيصية، ترابية وظيفية وتشاركية، لقرانا ومدننا ولبلدياتنا وجماعاتنا الحضرية، مقاربات تنبني على منهجية تركيبية تجمع بين رصد ووصف أو مسح معطيات الواقع الترابي، في إمتداداته الجغرافية والسكانية، والعمرانية والبيئية، والسوسيوإقتصادية والثقافية، وبين تحليل مختلف العلاقات والمتغيرات الموجودة بين معطيات المجال الترابي المدروس، في أفق طرح تصورات أو بدائل أو إعداد إستراتيجيات ومخططات مستقبلية للتأهيل والتنمية المحلية الشاملة. مونوغرافيات سوسيولوجية شبيهة من حيث المنهجية وخطة العمل بتلك التي أنتجتها السوسيولوجيا الكونوليالية الفرنسية منها والأنجلوساكسونية لمعرفة مجتمعنا المغربي، ببواديه ومدنه، وبقبائله وثقافته وأعرافه وطقوسه و..وإن كان الهدف ليس هو الإستعمار والتحكم في البلاد والعباد، كما كان بالأمس، بقدر ما هو، بالنسبة إلينا اليوم، معرفة تحولات وتوجهات مجتمعاتنا المحلية، من أجل مأسسة سلطة حكيمة بطرق ديمقراطية وسليمة، تعرف جيدا ما تريده وتحتاجه المكونات البشرية والفئات الديمغرافية، لأية وحدة من وحداتنا الترابية المحلية والجهوية. سلطة بيروقراطية، ليس بالمعنى القدحي للكلمة، بل بمعناها العقلاني والقانوني كما يطرحها ماكس فيبر. سلطة تحكم بالمعرفة وبالعلم، لا بالجهل والظلم، سلطة تحكم بالمشاركة والإلتقائية، لا بالتسلط والإنغلاق والمزاجية والإستبدادية. سلطة منصتة لتفاعلات المجتمع ولإهتمامات وهمهمات جميع الفئات، سلطة طيعة غير ممانعة، سلطة سامعة للسلطة الرابعة، منفتحة ومحاورة لمنظمات وهيئات المجتمع المدني والسياسي معا، وبعبارة جامعة ومانعة، سلطة جديدة بأساليب متجددة، قادرة على بلورة حكامة جيدة، تستهدف تجسيد تعاقدات وشراكات ديمقراطية وبراغماتية بين الدولة والجهات والجماعات، عبر سياسات تشاورية ومشاريع تنموية مندمجة، تراعي الإشراك الواسع للساكنة ولكل الفعاليات السوسيو إقتصادية والعلمية والمعرفية، بغية سبر أفكار ومبادرات وآراء وملاحظات الخصوصيات المحلية، وتوحيد تصوراتها ومقترحاتها تجاه ضرورة تأهيل مجالاتنا الترابية، والرفع من مؤهلاتها البشرية والديمقراطية ومن نجاعتها وتنافسيتها الإقتصادية، مما يخلق فرصا أكبر للعيش الكريم وجودة الحياة، وللتضامن الإجتماعي والإنسجام الثقافي.
وفق هذا المنظور النقدي، ينبغي توجيه إهتمام البحث السوسيولوجي، اليوم وغدا، نحو (بؤر الإجتماعي) داخل مدننا وجماعاتنا وأحيائنا، وفق مقاربات تتغيا تسليط الضوء على الجزيئات السوسيولوجية الصغيرة داخل مختلف الفئات العمرية والديمغرافية، والشرائح الإجتماعية والمهنية، والمنظمات والهيئات المدنية والسياسية، من أجل رصد وقياس مختلف عوامل الدينامية والثبات والتغير داخلها، وفي علاقاتها وتأثيراتها في محيطها المجتمعي عامة. فلا شك أننا في حاجة ماسة اليوم لمعرفة عميقة بمكونات وخصوصيات إيكولوجياتنا الحضرية/Ecologie Urbaine، إذا ما نحن إستعرنا مفهوم روبرت بارك/ROBERT PARK مؤسس مدرسة شيكاغو في علم الإجتماع الحضري، وذلك بدراسة المدينة كنسق إيكولوجي يتكون من عدد كبير من الوحدات المتنافسة من أجل أمكنة وإمكانات محددة أو محدودة، كالأرض والماء والشغل والسكن والصحة والتربية... وبرصد وتحليل عوامل التبعية والتداخل بين الساكنة الحضرية وبيئاتها الإجتماعية، من خلال التساؤل عن ما هي خصائص أشكالنا المعمارية وأنماطنا السكنية وأحيائنا السكانية؟، وما هي درجة تقسيم العمل داخل المدينة، حسب طبيعة الوظائف أو المهن والحرف المزاولة بداخلها وضواحيها؟، وما علاقة كل ذلك، بتاريخ تشكل المورفولوجيا المجالية و البنيات أو الطبقات أو التشكيلات الإجتماعية والتركيبات السوسيومهنية لهذه المدينة؟. هذا على المستوى الشمولي أو الإجمالي، أما على المستوى الخاص والجزئي، فيمكن توجيه أسئلة البحوث والدراسات نحو مسوحات سوسيولوجية ومقاربات إثنوغرافية وأنثروبولوجية، تهتم أساسا بملاحظة التجمعات السكنية والديناميات السكانية أو البشرية، ورصد تحولاتها عبر الزمان والمكان، أسئلة وقضايا من قبيل: ما هو الموقع الجغرافي للمدينة، وماهو تاريخها ومتغيرات ظهورها ونشأتها وتطورها ونمائها كتجمع بشري؟، وما هي مكوناتها السلالية والبشرية، وجماعاتها وشبكاتها الإجتماعية؟، وما هي درجة كثافتها السكانية؟، وما هي بنياتها التحتية، وتجهيزاتها ومؤسساتها ومرافقها، ودرجة الولوج إلى الخدمات الأساسية بها؟، وهل توجد بها مناطق سكنية هامشية تضم سكنى غير مهيكلة وأحياء صفيحية؟، وهل هناك نواة للمدينة تفرعت عنها مناطق سكنية في شكل دوائر هندسية متداخلة من المركز إلى الهامش( نموذج بورغس/T.W.BERGES ))، وهل هناك أحياء سكنية متباينة ومنفصلة عن بعضها البعض، أو قطاعات سكنية غير متساوية من حيث المؤسسات والتجهيزات والإمكانيات المتوفرة؟، أي (التحليل السياسي للمكان أو المجال من منظور ريكس ومور/REX and MOORE). ثم من هم المهاجرون أوالوافدون الجدد على المدينة؟ من أين ولماذا يأتون، وأين وكيف يستقرون؟. وهل هذه المدينة تعرف إنتقالات في سكانها، إما داخلها من أحياء لأخرى، أو خارجها نحو مدن أو مجالات أو بلدان أخرى؟، أي ما هي طبيعة العلاقة بين الحركية الإجتماعية(الإنتقال من وضع إلى آخر في السلم الإجتماعي) والحركية المجالية( الإنتقال من حي سكني إلى آخر)؟. وما هي طبيعة الشبكات الإجتماعية والعلاقات بين السكان القدامى والنازحين الجدد؟ وما علاقة كل ذلك بصعود أو نزول مؤشرات الإندماج الإجتماعي والتجانس الثقافي؟، أو ما هو نمط الحياة أو أسلوب العيش بالمدينة/ المنظور الثقافي حسب لويس وورث/ L. WIRHT ، وهل هناك صراع بين الأجيال العمرية أو الأعمار السوسيو لوجية المكونة لها (بين الشيوخ والشباب)؟، وهل هناك تناقضات أو وضعيات تعمق التناقض داخلها بين الثقافات الأصلية والوافدة أو بين الثقافة التقليدية والثقافة الحضرية /العصرية؟، وماهي مظاهر الإندماج والإقصاء أو الإستبعاد والإحتجاج، والبطالة والأمية والتهميش والفقر، والقلق والإنحراف والجريمة والإنتحار، والمرض، داخل المدينة؟، وما هي عوامل إنتشارها وإجراءات زوالها؟، وما هي درجات التفاعل والترابط بين الأفراد والجماعات داخلها وخارجها، وما هي مكانة الأسرة أو العائلة والمدرسة في كل ذلك؟، ثم ما هو دور وحجم شبكات التواصل ووسائل الإعلام والمنظمات المدنية والسياسية في تأطير السكان داخل المدينة؟، ومامدى أهمية ومكانة النخب السياسية والإدارية المحلية، في التخطيط والتحديث وإتخاذ القرارات الحاسمة في تغيير وتنمية المدينة؟، (حسب طرح بالتزل وبيتر هال/BALTZEL et PETER HALL )؛ إضافة إلى دور هذه النخب في صناعة التوافقات الإضطرارية المبنية على الحوار والتسامح وقبول التنوع الإختلاف/Cosmopolytisme حسب طرح لويس وورث . ومامدى فعالية الشركات الإنتاجية والصناعية، وشبكة المواصلات والمقاولات الخدماتية داخل النسيج الحضري للمدينة؟.وما هي درجة إندماج أو تبعية مختلف بنياتها وشبكاتها وهياكلها الإدارية والسياسية والإقتصادية للمركز أو لقطب أو لميتروبول إقتصادي كبير قريب منها( جهوي أو وطني أوعالمي)/ حسب الأطروحة العالمثالثية لكل من ميلتون سانتوس ومانيال كلاستر/M. M.SANTOS et M. CASTELS ، مما قد يسمح برصد إزدواجية أو إنتقائية على مستوى المجال الحضري المدروس، إزدواجية مركبة تتوزع بين قطاع علوي مهيكل /الشبكة العليا، مندمج في إقتصاد الميتروبول، يعتمد على الرأسمال القوي، حيث المؤسسات الإقتصادية الكبرى، كالأبناك وشركات الإنتاج والتصدير والنقل والمواصلات..؛ وقطاع سفلي غير مهيكل/الشبكة السفلى، مرتبط فقط بالقطاع العلوي، حيث تسود أساليب إنتاجية وخدماتية صغيرة وغير مهيكلة تعتمد على التقسيط والوساطة والباعة الجائلين.. (الطبقات المأجورة الدنيا والمتوسطة) وهوما يجعله يوفر فرصا أكبر للشغل، بينما يجني القطاع العلوي أرباحا هائلة( الطبقات الرأسمالية والتجارية العليا).
وبالتالي، فلإنتاج معرفة سوسيولوجية عميقة بالمجتمع الحضري أو المديني، ينبغي فهم الإيكولوجيا الداخلية للتجمعات السكنية في علاقاتها بأربع سيرورات أساسية هي:أولا: التاريخ السياسي للتشكيلة الإجتماعية التي تندرج فيها المدينة أو النظام الحضري المدروس، إضافة إلى درجة إستقلالية الفئة السياسية البيروقراطية في علاقتها بالمصالح الخارجية. ثانيا: نمط المجتمع القروي الذي تنمو فيه سيرورة التمدن، ذلك أن الأشكال المجالية ستكون مختلفة، حسب ما إذا كانت البنية القروية فيودالية أو قبلية، وحسب ما إذا كان تفككها قويا أو ضعيفا، وأيضا حسب ما إذا كان تطابق المصالح بين الجماعات المهيمنة حضريا أم قرويا. ثالثا: نمط علاقة التبعية القائمة، وخصوصا التمفصل الملموس لثلاثة أنماط من الهيمنة: النمط المعياري، والنمط التجاري، والنمط الصناعي. رابعا: التأثير المستقل للتصنيع في المجتمع التابع. مثلا في حالة وجود صناعة محلية،هل هناك تأثيرات خصوصية للنمط الصناعي على نمط السكن والإقامة، وعلى الوسط السوسيوثقافي (صراع بين البورجوازية والعمال)؟.(أنظر:M.CASTELS/Urbanisation,développement et dépendance/In :La question Urbaine.P :69 ).

الأحد، 30 ديسمبر 2012

بيير بورديو وإعادة الانتاج في حقل التربية

كتبهـا : mustapha ezzahide 
 تشهد العلوم الإجتماعية ولادة جديدة بمعنى أنها تشق طريقها نحو التخلي عن الأطر والنظريات و الأنماط والتفاسير وتتجه نحو التساؤل عن معارفها وتعمل على تطوير موضوعاتها وأدوات استدلالها وشروط إنتاجها فعلم الإجتماع الجديد يعمل على التحرر من النظريات الكبرى والأسماء الكبيرة ,دوركهايم ,فيبر,أوكست كونت,سان سيمون ,كارل ماركس ,إذن فهو يبحث عن التحرر من الأنساق المغلقة والمناهج الأحادية 1 وبالتالي فالعلوم الاجتماعية تشهد ميلاد موضوع جديد ليس بالضبط هو المجتمع إنما هو حقل العلاقات بين الفاعلين الإجتماعيين معناه أن الفاعل حل محل المجتمع فالفاعل هو مسرح العلوم الإجتماعية والسؤال المستمر لما شكل مفهوما يقينيا وتابتا تم إخضاعه للمساءلة والمستبعد من البناء الإجتماعي تم إعادت طرحه للنقاش هنا نجد الثورة الكوبيرنيكية التي أعدتها سوسيولوجية بيير بورديو في حقل السوسيولوجيا بإعادة هيكلة وإغناء هدا الحقل بمفاهيم جديدة "مفهوم الحقل" "إعادة الإنتاج""الهابيتوس"الرأسمال الثقافي""الرأسمال الرمزي""سوق الخيرات الرمزية""
يتبنى بورديو منهجا علميا جديدا ومختلفا يشكل الحذر الإبيستيمولوجي بناءه الأساسي حيت يقول"أن التحليل الدقيق لمنطق الممارسة والمعنى العلمي هو وحده الذي يسمح من الانفلات من الأخطاء المتكررة دوما في علوم الإنسان خصوصا حين تختار إحدى النزعتين (النزعة الذاتية,النزعة الموضوعية)"2
في مقالنا لا ندعي الإحاطة والاستحضار لكل ما أنتجه بيير بورديو ولكن سنحاول الاقتراب من إحدى المفاهيم التي شكلت نواة نظريته في حقل سوسيولوجيا التربية وهو لاتكافؤ الفرص وإعادة الإنتاج ومن هنا نطرح مجموعة من التساؤلات ما سوسيولوجية التربية عند بيير بورديو؟ كيف يرتبط مفهوم لاتكافؤ الفرص بإعادة الإنتاج ؟وما هي أهم المفاهيم المرتبطة بنظريته في التربية؟وما العلاقة الرابطة بين الرأسمال الثقافي والرمزي ولاتكافؤ الفرص؟كيف تتداخل هاته المفاهيم في إعادة إنتاج نفس الحظوظ ونفس الشرعية ونفس التعسفات ؟كيف يكون حقل التربية مجالا لنقل الشرعية وفي نفس الآن مجالا لممارسة التعسف الثقافي ؟
العالم الإجتماعي بناء تتوزعه مجموعة من الحقول ،حقل التربية،حقل السياسة ,حقل الدين,حقل الإقتصاد,حقل الثقافة"يقسم بيير بورديو العالم الإجتماعي إلى مجموعة حقول مغلقة وذات نسبية وخصوصية محددة من أجل تسهيل الدراسة وجعلها أكتر دقة ,ولفهم آليات كل حقل ووظائفه وطرق إشتغاله قبل إطلاق حكم ما على المجتمع ككل "3 فالحقول متعددة بتعدد المصالح وتضاربها في فضاءات من أجل انتزاع الشرعية وآمتلاك السلطة والهيمنة وممارسة التعسف بطريقة يضمنها القانون نسبيا. فحقل التربية بآعتباره: رهان لتضارب المصالح وتنازع السلط من أجل إعادة إنتاج المجتمع، فهو في حد ذاته يعيد إنتاج لا تكافؤ الفرص ,فبيير بورديو لا يفصل إلا نسبيا بين الحقل المدرسي(التربوي) والحقل السياسي ف"يربط بيير بورديو المدرسة كمكان لإقرار التدابير السياسية لطبقة المهيمنة ,ذلك أن المدرسة تمثل أداة لإنتاج وإعادة إنتاج نفس التدابير الثقافية التي تحدد تصنيفيا بتراتبية العلاقات الإجتماعية فلا يمكن إذن أن نفترض الحياد المطلق لأنظمة التعليم إن الحديث عن العلاقة بين المدرسة والطبقات المهيمنة ,يذهب بنا إلى ربط المدرسة بمصلحة تلك الطبقات في إعادة إنتاج بنية العلاقات داخل الطبقات, ودور السوسيولوجي في نضره هو التحليل بين الفاعلين داخل كل من الحقلين, المدرسي والسياسي, بمعنى: أن المدرسة أداة في يد الدولة والتي تخدم الأهداف الخفية والمصالح الطبقية "4 
حين حاول بيير بورديو مع باسرون "فحص مسألة الطبقة الإجتماعية والإنتقاء الإجتماعي وحاول دراسة العلاقة الدينامية بين العمل التربوي وتعريفه أي أن: التربية بالمعنى الأوسع الذي يشمل أكتر من عملية التربية النظامية في المدارس وبين معاودة الجماعات التي تؤلف الطبقات الإجتماعية "5
وعلى خلاف دوركهايم الذي يرى في التربية المركز المتميز لرصد الإجماع والحفاظ على تماسك المجتمع من خلال تعريفه لتربية بأنها "هي الفعل الذي يمارسه جيل الراشدين على أولئك الدين لم ينضجوا بعد في الحياة الإجتماعية والغرض منها أن نثير وننمي لدى الطفل عدد معين من الحالات الجسدية الفعلية والأخلاقية التي يتطلبها منه المجتمع بمجموعه والبنية الخاصة التي أعد لها"6 
غير أن"مقاربة بيير بورديو لظاهرة التربوية تدخل في إطار السوسيولوجيا النقدية للتربية ,هدا الإتجاه الذي تشكل مند الستينات بسبب محاولات تفسير اللامساواة التربوية"7 فلمقاربة لاتكافؤ الفرص في الحقل التربوي وإعادة إنتاج نفس الحظوظ آنطلق بيير بورديو من مفهوم الرأسمال الثقافي حيت فرض هذا الأخير"نفسه بداية بأعمال بورديو كفرضية ضرورية للإلمام بانعدام المساواة المدرسية للأطفال القادمين من مختلف الطبقات الإجتماعية وذلك بربط النجاح المدرسي بالرأسمال الثقافي بين الطبقات والفئات الإجتماعية"8
هذا الرأسمال الثقافي الذي يؤدي تباين امتلاكه إلى لا تكافؤ الفرص في التعليم وإعادة الإنتاج يوجد مجسدا حسب بورديو في" ثلاث أشكال :
1. الحالة الملتحمة أو المجسدة 
l’état incorporé
حيث يرتبط بالذات العضوية ومن كونها تفترض الإلتحام أو الإدماج ويتطلب هدا الأخير ليستثمر بكيفية شخصية من طرف المستثمر, بمعنى أساسي أن مقاييس الرأسمال الثقافي يرتبط بمقياس أساسي هو الإدماج ولكن شريطة ألا يقلص هدا الوقت في مدة التمدرس وأن تأخذ بعين الإعتبار التربية العائلية الأولى التي لها قيمة إيجابية أو سلبية وبالتالي يشكل الرأسمال الثقافي كيانا وخاصية وجزء لا يتجزأ من الشخص أي تطبعا 
habitus 
2. الحالة المموضعة أو المشيئة 
l’état objectivé
يوجد على شكل أمتعة أو سلع ثقافية كاللوحات والكتب والموسوعات والقواميس ووسائل وآلات "إن هذا الرأسمال الثقافي المموضع يتميز بكونه ينقل من ماديته "9 
3. الحالة المؤسساتية 
l’état institutionnalisé 
يوجد هذا الرأسمال على شكل طقوس وألقاب مدرسية كالشواهد والمباريات والإمتحانات ...."لكون مفهوم الرأسمال الثقافي يقوم على عملية نقل من المجال الإقتصادي إلى المجال السوسيولوجي فإن مفهوم التطبع 
habitus كما يبدوا لنا يتميز بخصوبة أكبر في المجال الذي يهمنا ويرجع الفضل إلى بيير بوردي والدي أعاد الإعتبار لمفهوم حاضر عند أرسطو وطوماس الأكويني "10
1. كتركيب
لم نلم بكل الترابطات والتقاطعات بين الحقل التربوي كحقل لاستثمار رأسمال ثقافي ورمزي وبين لا تكافؤ الفرص وإعادة الإنتاج ,بل كل ما سعينا إليه وهو الاقتراب بلقطة فلاش من إسهام بورديو في حقل سوسيولوجية التربية من زاوية ضيقة جدا (وهي لاتكافؤ الفرص وإعادة الإنتاج في المدرسة ) ووعينا منا بقصور هده المقالة فنحن واعين في نفس الآن أنها ستكون موجها للذي يطلع لأول مرة على بيير بورديو وبالتالي نركز في تكتيف أهم النقط التي تطرقنا إليها
 إسهام بيير بورديو في حقل التربية يندرج في إطار السوسيولوجيا النقدية للتربية والممارسة التربوية
ü 
 التربية كحقل ثقافي هي نقل لآستثمارات ورهانات وتجاذبات وتقاطعات مع الحقل السياسي,والحقل التربوي أداة إيديولوجية من أدواة الدولة وهنا يبدو التأثر بالطرح الماركسي خاصة مع ألتوسير الذي ناقش في كتابه الأجهزة الأيديولوجية للدولة
ü
 حقل التربية بتناقضاته تجسيد للبناء الإجتماعي ككل بطبقاته الإجتماعية وبرهاناتهم وبقواعدهم وآستراتيجياتهم بحيث هناك مهيمن ومهيمن عليه,متعسف مالك لنموذج تربوي مثالي (الدولة)ومتعسف عليه (طبقة إجتماعية )ورهاناتهم الإجتماعية المتناقضة أحيانا وغالبا مع رهانات الدولة كرأسمال ثقافي وسياسي ورمزي مهيمن
ü 

الهوامش
• 1 الكتابة والسلطة والحداثة محمد شقرون ,كتاب الجيب منشورات الزمن,العدد 14 الصفحة10_9 
• 2 مرجع سابق الصفحة 18 
• 3هاشم صالح حوار مع بيير بورديو مجلة الفكر العربي المعاصر العدد 37 ص 67
• 4 سوسيولوجيا بيير بورديو بحث لنيل الإجازة في علم الإجتماع,تحت إشراف الأستاد الحسن المجاهيد السنة الجامعية 2003_2002 جامعة القاضي عياض كلية الاداب والعلوم الإنسانية
• 5 محاضرات الاستادة يمينة ميري أمام طلبة علم الإجتماع ,السنة الجامعية 2009_2010 
• 6 محاضرات الأستادة خديجة الزاهي أمام طلبة علم الإجتماع السنة الجامعية 2009_2010 
• 7 الكتابة والسلطة والحداثة محمد شقرون كتاب الجيب منشورات الزمن العدد 14 الصفحة 24 
• 8 مرجع سابق الصفحة 26
• 9 مرجع سابق 27
 تشهد العلوم الإجتماعية ولادة جديدة بمعنى أنها تشق طريقها نحو التخلي عن الأطر والنظريات و الأنماط والتفاسير وتتجه نحو التساؤل عن معارفها وتعمل على تطوير موضوعاتها وأدوات استدلالها وشروط إنتاجها فعلم الإجتماع الجديد يعمل على التحرر من النظريات الكبرى والأسماء الكبيرة ,دوركهايم ,فيبر,أوكست كونت,سان سيمون ,كارل ماركس ,إذن فهو يبحث عن التحرر من الأنساق المغلقة والمناهج الأحادية 1 وبالتالي فالعلوم الاجتماعية تشهد ميلاد موضوع جديد ليس بالضبط هو المجتمع إنما هو حقل العلاقات بين الفاعلين الإجتماعيين معناه أن الفاعل حل محل المجتمع فالفاعل هو مسرح العلوم الإجتماعية والسؤال المستمر لما شكل مفهوما يقينيا وتابتا تم إخضاعه للمساءلة والمستبعد من البناء الإجتماعي تم إعادت طرحه للنقاش هنا نجد الثورة الكوبيرنيكية التي أعدتها سوسيولوجية بيير بورديو في حقل السوسيولوجيا بإعادة هيكلة وإغناء هدا الحقل بمفاهيم جديدة "مفهوم الحقل" "إعادة الإنتاج""الهابيتوس"الرأسمال الثقافي""الرأسمال الرمزي""سوق الخيرات الرمزية""
يتبنى بورديو منهجا علميا جديدا ومختلفا يشكل الحذر الإبيستيمولوجي بناءه الأساسي حيت يقول"أن التحليل الدقيق لمنطق الممارسة والمعنى العلمي هو وحده الذي يسمح من الانفلات من الأخطاء المتكررة دوما في علوم الإنسان خصوصا حين تختار إحدى النزعتين (النزعة الذاتية,النزعة الموضوعية)"2
في مقالنا لا ندعي الإحاطة والاستحضار لكل ما أنتجه بيير بورديو ولكن سنحاول الاقتراب من إحدى المفاهيم التي شكلت نواة نظريته في حقل سوسيولوجيا التربية وهو لاتكافؤ الفرص وإعادة الإنتاج ومن هنا نطرح مجموعة من التساؤلات ما سوسيولوجية التربية عند بيير بورديو؟ كيف يرتبط مفهوم لاتكافؤ الفرص بإعادة الإنتاج ؟وما هي أهم المفاهيم المرتبطة بنظريته في التربية؟وما العلاقة الرابطة بين الرأسمال الثقافي والرمزي ولاتكافؤ الفرص؟كيف تتداخل هاته المفاهيم في إعادة إنتاج نفس الحظوظ ونفس الشرعية ونفس التعسفات ؟كيف يكون حقل التربية مجالا لنقل الشرعية وفي نفس الآن مجالا لممارسة التعسف الثقافي ؟
العالم الإجتماعي بناء تتوزعه مجموعة من الحقول ،حقل التربية،حقل السياسة ,حقل الدين,حقل الإقتصاد,حقل الثقافة"يقسم بيير بورديو العالم الإجتماعي إلى مجموعة حقول مغلقة وذات نسبية وخصوصية محددة من أجل تسهيل الدراسة وجعلها أكتر دقة ,ولفهم آليات كل حقل ووظائفه وطرق إشتغاله قبل إطلاق حكم ما على المجتمع ككل "3 فالحقول متعددة بتعدد المصالح وتضاربها في فضاءات من أجل انتزاع الشرعية وآمتلاك السلطة والهيمنة وممارسة التعسف بطريقة يضمنها القانون نسبيا. فحقل التربية بآعتباره: رهان لتضارب المصالح وتنازع السلط من أجل إعادة إنتاج المجتمع، فهو في حد ذاته يعيد إنتاج لا تكافؤ الفرص ,فبيير بورديو لا يفصل إلا نسبيا بين الحقل المدرسي(التربوي) والحقل السياسي ف"يربط بيير بورديو المدرسة كمكان لإقرار التدابير السياسية لطبقة المهيمنة ,ذلك أن المدرسة تمثل أداة لإنتاج وإعادة إنتاج نفس التدابير الثقافية التي تحدد تصنيفيا بتراتبية العلاقات الإجتماعية فلا يمكن إذن أن نفترض الحياد المطلق لأنظمة التعليم إن الحديث عن العلاقة بين المدرسة والطبقات المهيمنة ,يذهب بنا إلى ربط المدرسة بمصلحة تلك الطبقات في إعادة إنتاج بنية العلاقات داخل الطبقات, ودور السوسيولوجي في نضره هو التحليل بين الفاعلين داخل كل من الحقلين, المدرسي والسياسي, بمعنى: أن المدرسة أداة في يد الدولة والتي تخدم الأهداف الخفية والمصالح الطبقية "4 
حين حاول بيير بورديو مع باسرون "فحص مسألة الطبقة الإجتماعية والإنتقاء الإجتماعي وحاول دراسة العلاقة الدينامية بين العمل التربوي وتعريفه أي أن: التربية بالمعنى الأوسع الذي يشمل أكتر من عملية التربية النظامية في المدارس وبين معاودة الجماعات التي تؤلف الطبقات الإجتماعية "5
وعلى خلاف دوركهايم الذي يرى في التربية المركز المتميز لرصد الإجماع والحفاظ على تماسك المجتمع من خلال تعريفه لتربية بأنها "هي الفعل الذي يمارسه جيل الراشدين على أولئك الدين لم ينضجوا بعد في الحياة الإجتماعية والغرض منها أن نثير وننمي لدى الطفل عدد معين من الحالات الجسدية الفعلية والأخلاقية التي يتطلبها منه المجتمع بمجموعه والبنية الخاصة التي أعد لها"6 
غير أن"مقاربة بيير بورديو لظاهرة التربوية تدخل في إطار السوسيولوجيا النقدية للتربية ,هدا الإتجاه الذي تشكل مند الستينات بسبب محاولات تفسير اللامساواة التربوية"7 فلمقاربة لاتكافؤ الفرص في الحقل التربوي وإعادة إنتاج نفس الحظوظ آنطلق بيير بورديو من مفهوم الرأسمال الثقافي حيت فرض هذا الأخير"نفسه بداية بأعمال بورديو كفرضية ضرورية للإلمام بانعدام المساواة المدرسية للأطفال القادمين من مختلف الطبقات الإجتماعية وذلك بربط النجاح المدرسي بالرأسمال الثقافي بين الطبقات والفئات الإجتماعية"8
هذا الرأسمال الثقافي الذي يؤدي تباين امتلاكه إلى لا تكافؤ الفرص في التعليم وإعادة الإنتاج يوجد مجسدا حسب بورديو في" ثلاث أشكال :
1. الحالة الملتحمة أو المجسدة 
l’état incorporé
حيث يرتبط بالذات العضوية ومن كونها تفترض الإلتحام أو الإدماج ويتطلب هدا الأخير ليستثمر بكيفية شخصية من طرف المستثمر, بمعنى أساسي أن مقاييس الرأسمال الثقافي يرتبط بمقياس أساسي هو الإدماج ولكن شريطة ألا يقلص هدا الوقت في مدة التمدرس وأن تأخذ بعين الإعتبار التربية العائلية الأولى التي لها قيمة إيجابية أو سلبية وبالتالي يشكل الرأسمال الثقافي كيانا وخاصية وجزء لا يتجزأ من الشخص أي تطبعا 
habitus 
2. الحالة المموضعة أو المشيئة 
l’état objectivé
يوجد على شكل أمتعة أو سلع ثقافية كاللوحات والكتب والموسوعات والقواميس ووسائل وآلات "إن هذا الرأسمال الثقافي المموضع يتميز بكونه ينقل من ماديته "9 
3. الحالة المؤسساتية 
l’état institutionnalisé 
يوجد هذا الرأسمال على شكل طقوس وألقاب مدرسية كالشواهد والمباريات والإمتحانات ...."لكون مفهوم الرأسمال الثقافي يقوم على عملية نقل من المجال الإقتصادي إلى المجال السوسيولوجي فإن مفهوم التطبع 
habitus كما يبدوا لنا يتميز بخصوبة أكبر في المجال الذي يهمنا ويرجع الفضل إلى بيير بوردي والدي أعاد الإعتبار لمفهوم حاضر عند أرسطو وطوماس الأكويني "10
1. كتركيب
لم نلم بكل الترابطات والتقاطعات بين الحقل التربوي كحقل لاستثمار رأسمال ثقافي ورمزي وبين لا تكافؤ الفرص وإعادة الإنتاج ,بل كل ما سعينا إليه وهو الاقتراب بلقطة فلاش من إسهام بورديو في حقل سوسيولوجية التربية من زاوية ضيقة جدا (وهي لاتكافؤ الفرص وإعادة الإنتاج في المدرسة ) ووعينا منا بقصور هده المقالة فنحن واعين في نفس الآن أنها ستكون موجها للذي يطلع لأول مرة على بيير بورديو وبالتالي نركز في تكتيف أهم النقط التي تطرقنا إليها
 إسهام بيير بورديو في حقل التربية يندرج في إطار السوسيولوجيا النقدية للتربية والممارسة التربوية
ü 
 التربية كحقل ثقافي هي نقل لآستثمارات ورهانات وتجاذبات وتقاطعات مع الحقل السياسي,والحقل التربوي أداة إيديولوجية من أدواة الدولة وهنا يبدو التأثر بالطرح الماركسي خاصة مع ألتوسير الذي ناقش في كتابه الأجهزة الأيديولوجية للدولة
ü
 حقل التربية بتناقضاته تجسيد للبناء الإجتماعي ككل بطبقاته الإجتماعية وبرهاناتهم وبقواعدهم وآستراتيجياتهم بحيث هناك مهيمن ومهيمن عليه,متعسف مالك لنموذج تربوي مثالي (الدولة)ومتعسف عليه (طبقة إجتماعية )ورهاناتهم الإجتماعية المتناقضة أحيانا وغالبا مع رهانات الدولة كرأسمال ثقافي وسياسي ورمزي مهيمن
ü 

الهوامش
• 1 الكتابة والسلطة والحداثة محمد شقرون ,كتاب الجيب منشورات الزمن,العدد 14 الصفحة10_9 
• 2 مرجع سابق الصفحة 18 
• 3هاشم صالح حوار مع بيير بورديو مجلة الفكر العربي المعاصر العدد 37 ص 67
• 4 سوسيولوجيا بيير بورديو بحث لنيل الإجازة في علم الإجتماع,تحت إشراف الأستاد الحسن المجاهيد السنة الجامعية 2003_2002 جامعة القاضي عياض كلية الاداب والعلوم الإنسانية
• 5 محاضرات الاستادة يمينة ميري أمام طلبة علم الإجتماع ,السنة الجامعية 2009_2010 
• 6 محاضرات الأستادة خديجة الزاهي أمام طلبة علم الإجتماع السنة الجامعية 2009_2010 
• 7 الكتابة والسلطة والحداثة محمد شقرون كتاب الجيب منشورات الزمن العدد 14 الصفحة 24 
• 8 مرجع سابق الصفحة 26
• 9 مرجع سابق 27

إعادة الإنتاج - بيار بورديو و جان كلود باسرون

إعادة الإنتاج - بيار بورديو و جان كلود باسرون

يقدم هذا الكتاب الحصيلة النظرية لبحوث كان كتاب الورثة عام 1964 هو الحلقة الأولى منها. 
يحاول بورديو انطلاقاً من أعمال إمبيريقية عن العائد البيداغوجي 
وعن الاستعمال الثقِف أو المجتمعي الدارج للغة وللثقافة الجامعيتين
وعن الآثار الاقتصادية والرمزية للامتحان والشهادة بناء نظرية عامة لأفعال العنف الرمزي
وللشروط الاجتماعية لتورية هذا العنف.

إن المدرسة تنتج أوهاماً آثارها أبعد من أن تكون وهمية هكذا
فإن وهم اللاتبعية والحياد المدرسيين، إنما هو مبدأ للمساهمة
الأكثر نوعية التي تدلي بها المدرسة لإعادة إنتاج النظام القائم. وبالتالي
فإن محاولة إماطة اللثام عن القوانين التي تعيد المدرسة 
وفقها إنتاج بنية توزيع رأس المال الثقافي تعني ليس فقط أن نوفر وسائل فهم التناقضات التي تمس اليوم أنساق التقليد فهماً كاملاً
بل أيضاً أن نسهم في بناء نظرية للممارسة التي بتشكيلها للأعوان باعتبارهم نتاجات للبنى
يعيدون إنتاج البنى، فإنها تفلت والحال من ذاتوية الحرية الخلاقة 
كما من موضوعانية الجامعة البنيوية.








4shared.com /office/Ghu_JDPc/__-__.html





http://www.mediafire.com/download.php?7toy75klznz0qff





الثلاثاء، 27 نوفمبر 2012

فاطمة المرنيسي تفك لغز الحريم الأوروبي

فاطمة المرنيسي

تفك لغز الحريم الأوروبي


هل ثمة حريم أوروبي؟ أليس الحريم مفهوماً شرقياً؟ كيف تهاجر التصورات من الواقع إلى المتخيل, وكيف تصوغ مرايا التاريخ انعكاسات صور الآخر وتتجذر فيها حتى تغدو العدوى شاملة؟ تلك هي بعض الأسئلة التي يطرحها كتاب "الحريم الأوروبي" الذي صدر قبلاً في باريس وأصدرته دار الفنيك في طبعته المغربية قبل أسابيع في الدار البيضاء, في انتظار ترجمته إلى اللغة العربية.

الكتاب عبارة عن حكاية استطلاع وتحقيق تقوم به الكاتبة المغربية بعد أن أحست خلال جولاتها في مختلف بلدان العالم أن العلاقة مع الصحافيين الغربيين تنطوي على شيء غامض وملتبس يتعلق بتصور دفين عن الحريم يحملونه في ثنايا متخيلهم. وهو يدعوهم تارة إلى الابتسام وأخرى إلى المداورة, وينم خصوصاً عن تصور معين للحريم يختلف جذرياً عن واقع الحريم الشرقي, العربي والإسلامي. لذا تقرر فاطمة المرنيسي أن تقوم برحلة متعددة: أن تقدم كتبها للآخرين وتحاورهم في القضايا التي تطرحها, وأن تقوم بتحقيق عن هذا التصور الغريب الذي يحمله الأوروبيون عن الحريم, وأن تمارس رحلة حجاجية عن التصور "الحقيقي" للحريم من خلال التاريخ الشرقي, بل أن تقوم مرة أخرى برحلة في الذات والذاكرة الشخصية.

يبدأ الكتاب في شكل رواية سيرية, تستعيد فيه فاطمة المرنيسي أمها وكيف علمتها أن السفر والترحال معرفة للآخر. وتدخل مباشرة في تتبع هذا التصور من جذوره, وتتابع الحكاية التي قادتها إلى طريق التحقيق في الأمر. وبهذا المعنى يجد القارئ نفسه أمام حكاية مؤطرة لفعل استكشافي على طريقة بورخيس, تقدم لنا فيه المؤلفة الموضوع ومسارات إنجازه وتدخلنا من خلال ذلك إلى طريقة تفكيرها وقلقها وترددها وتساؤلاتها بل وإلى الطريقة العينية التي تمارس بها التحليل والتفكيك والسؤال والتركيب.

من الصورة إلى التصور

حين أصدرت فاطمة المرنيسي كتابها الأول "الجنس والإيديولوجيا والإسلام" في الثمانينات, كانت ترتسم معالم كتابة من نوع خاص, تمارس مقاربات علم الاجتماع والأنثربولوجيا الثقافية, والتحليل السياسي والدراسة التاريخية التراثية. وكأن هذا الكتاب حين أفرد مقاربة خاصة للتاريخ الثقافي العربي, كان يبني للكاتبة مساراً لن تحيد عنه أبداً, حتى إن كتاباتها اللاحقة ستغدو أشبه بالحفريات في تاريخ الثقافة والمجتمعين العربيين والإسلاميين. وسواء تعلق الأمر بـ"الحريم السياسي" أو "سلطانات منسيات", أو "هل أنتم محصنون ضد الجديد؟" أم الكتاب الجديد, ففاطمة المرنيسي تبني حجاجها على أصول التصور التاريخية لتصوغ تصوراً معاصراً يكاد يكون حياً عن وضعية النساء في مجتمعاتنا المعاصرة. لذلك لا يجد المرء عند قراءتها أي انفصام بين حديثها عن المجتمع العربي المعاصر وعن التاريخ, سواء عبر المقارنة الساخرة أحياناً أو عبر استحضار التجربة الشخصية باعتبارها أيضاً تاريخاً حديثاً.

هكذا غدا هذا الانغراس في التاريخ الثقافي والاجتماعي لديها ضرباً من الثابت الذي تسعى من خلاله إلى الكشف عن مواطن الخلل في التصورات, وسعياً حثيثاً إلى تأكيد ما قال به صلاح الدين المنجد منذ أواخر الخمسينات من أن حرية الخطاب وحرية المرأة وحرية الجسد والسلطة المزدوجة كانت مكونات راسخة في المجتمعات العربية القديمة ولم نعد نجد لها أثراً في الواقع العربي المعاصر. ولذلك أيضاً تختار فاطمة المرنيسي مفهوماً من أعقد المفاهيم وأكثرها التباساً وتركيباً (الحريم) وهو لا يتمتع بالتداول في الأوساط الثقافية العربية لتعيد تحيينه وتجعله موطن صراعها من أجل قيم جديدة للمرأة العربية.

إن هذا الاختيار ينم عن الرغبة في امتلاك هذا المفهوم في تعددية معانيه وشحناته الإيديولوجية والرمزية وجعله حلبة حقيقية للبحث والسؤال والتفكيك. وهو مغامرة فريدة تروم ممارسة ذاك التفكيك في قلب مفهوم يعتبر في ذهنية العرب مفهوماً عجائبياً غربياً بامتياز. لذلك حين تبدأ المرنيسي "روايتها" "نساء على أجنحة الحلم" (1998) هكذا: "ولدت في حريم بفاس..." تكون موقعت نفسها في قلب المفهوم بصيغته الجديدة التي تسعى هنا إلى رسم ملامحها التعارضية مع الحريم الاستيهامي الغربي. فانطلاقاً من هذه المعرفة الشخصية والبحثية للحريم العربي والشرقي تسعى الى تحديد ملامح الحريم الغربي, وتتبع خطاه في التصور الثقافي الغربي, لتضعه أمام مأزقه الخاص, باعتباره تصوراً سطحياً يلزم تقويض دعائمه.

ومنذ بداية الكتاب نستشعر هذه اللعبة السوسيولوجية التي تنطلق من فرضية موضوعة سلفاً لتسعى إلى توكيدها أو بلورتها في شكل أكثر واقعية: "يبدو أن حريم الغربيين ضرب من المكان المجوني حيث ينجح الرجال في خلق معجزة مستحيلة في الشرق, تتمثل في التمتع الجنسي من غير حواجز بالنساء اللواتي حولوهن إلى جاريات! فالنساء في الحريم لا يسعين إلى الانتقام من كونهن عرضة للاعتداء, والحط من كرامتهن إلى موقع الأسيرات.

وفي حريم الشرق يتوقع الرجال مقاومة هوجاء من النساء اللواتي مارسوا عليهن الإكراه والإخضاع. إنهم يتوقعون أن تقوم هؤلاء بتفجير المشروع الأصلي لمتعتهن وهو كان موضوعاً له. ففرحة الصحافيين الذين قابلتهم لا يمكن أن تتجلى إلا إذا هم حرموا النساء المحجوزات من عقولهن, وإلا إذا جعلوا منهن كائنات عاجزات عن تحليل وضعيتهن".

ولأن هؤلاء الصحافيين يمتلكون تصوراً عن الحريم مستقى من الصور التي صاغها فنانوهم والأفلام التي أنتجها سينمائيوهم, فإن الاختلاف بين هذا التصور والحريم التاريخي الذي تجليه فاطمة المرنيسي هو ما يشكل شعلة الكتاب ومدار أسئلته. فالحريم التاريخي يتشكل من نساء لهن تصور وسلطة وعقل وخطاب. ويكفي في هذا الإطار, إضافة إلى ما ذكرته الكاتبة عن "السلطانات المنسيات" الرجوع إلى أقدم مؤلف عن الذكاء الخطابي للمرأة "بلاغات النساء لابن طيفور" حيث يبرز في وقت مبكر "العقل النسوي" في أبلغ صوره. فإضافة إلى امتلاك سلطة الكلام, تعيد المرنيسي إلى الأذهان الفارق الجوهري بين المفهومين الشرقي والغربي للحريم, المتمثل في الأساس في سلطة النساء وقدرتهن على مقاومة هيمنة الرجل والأخلاق الذكورية (فوكو) التي يبني عليها تلك الهيمنة.

وفي مسار هذا الاستكشاف, تسائل الكاتبة "ألف ليلة وليلة" كما هي "أصلاً" ثم كما يتم تصورها في الغرب, لتنتقل إلى طرح السؤال الجوهري: الجمال أم العقل, مناقشةً التصور الكانطي للمرأة باعتباره ان الجمال والعقل لا يجتمعان, ومحللةً نص إدغار ألان بو "الحكاية الثانية بعد الألف" ونص الفرنسي تيوفيل غوتيي "الليلة الثانية بعد الألف", وكلاهما يعمدان إلى قتل شهرزاد, الأول لأنها تعرف أكثر من اللازم, والثاني لأنها لم تكن تحوز ما يكفي من المعارف. ثم تعطف على الإرث الفني للغرب في تصويره للجاريات الشرقيات, سواء تعلق الأمر بإنغريس في بدايات القرن التاسع عشر أو بماتيس في بدايات القرن العشرين. وتعلق المؤلفة على هذه التصاوير الاستيهامية للحريم الشرقي: "لم أخطئ الأمر. فالابتسامات النشوى التي ترتسم على ملامح الغربيين وهم يسمعون كلمة "الحريم" بدأت تفصح عن معناها. فبما أن الفنان (الغربي) يتحكم في صورة الجمال, فإن حريمه مكان أمين حيث لا تستطيع النساء الخاضعات التمرد. ولأنهن عاريات وصامتات فقد خلقن عاريات وصامتات, وسيظللن كذلك مغلقات كما هن في زمن السيد" (ص132). فالعلاقة بين الرجل والأنثى, لدى الكاتبة, لا يمكن أن تكون مبنية على إلغاء العقل والحساسية المشتركة والإخضاع والقهر, لأن ذلك سيكون خطراً على تلك العلاقة نفسها, التي قد تنتهي إلى عنف من نوع آخر.

ومن حكاية شيرين الراكضة نحو الحبيب إلى نور جاه الملكة الهندية التي كانت تصطاد الوحوش, تركز فاطمة المرنيسي على الصورة والتصور اللذين يجعلان من المرأة الشرقية كياناً نداً للرجل وسلطة موازية تتمكن عبرها من فرض وجودها القيمي والعياني في الصورة والتصور أيضاً. بيد أن المرنيسي لم يكن لها أن تنهي الكتاب فقط بتفكيك التصور المغلوط للغربي عن مفهوم الحريم, من خلال الرجوع الى المنمنمات الشرقية أو التشكيل الغربي, إذ انها تواجه مباشرة الطريقة التي بها يصوغ المجتمع والرجل الغربيان النموذج الجمالي الجسدي والمظهري للمرأة الغربية. "إن العنف الذي يتسربل به الحريم الغربي ليس ظاهراً بقوة, لأن ذلك العنف مغلف بالاختيار الجمالي" وتضيف: "يملي الرجل الغربي على المرأة القواعد التي تنتظم مظهرها الجسدي. فهو يتحكم في صناعة الموضة واللباس وسواه. فالغرب هو فعلاً المنطقة الوحيدة في العالم التي يكون فيها اللباس الأنثوي صناعة ذكورية في الأساس". ولأن السُّنن الجسدية في الغرب تحتم معيارياً على المرأة ألا يتجاوز نطاقها 38 سنتمتراً, فإن فاطمة المرنيسي تختتم كتابها بحمدها الله حين صعدت الطائرة لأنها سترحل عن عالم حريم القوام الرشيق الذي لا يتعدى نطاقه 38 سنتمتراً. فالمرأة الغربية, حين تحولت موضوعاً لنظرة الساهرين على قوامها وجمالها, فهي تحولت إلى عبدة... للحريم... الغربي هذه المرة.


فريد الزاهي - الحياة - 16.02.2004

الأحد، 18 نوفمبر 2012

تقرير حول زيارة دراسية ميدانية لجمعية تاركة "بتارودانت"

بقلم: سعيد لطفي
اشراف: عبد الرحيم عنبي


 عرف الوسط القروي المغربي مجموعة من التحولات السوسيواقتصادية والبيومجالية ، تحولات أفرزت بدورها مجموعة من التحديات التي أصبحت تعصف وتهدد العالم القروي بالاندثار ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر ؛التهميش الإقصاء، الفقر، الجفاف، الفيضانات،مما أدى إلى تنامي ظاهرة الهجرة القروية.
وتعد منطقة "تاركة" دائرة اغرم إقليم تارودانت نموذج عرف منذ نهاية الثمانينات وبداية التسعينات نزوح مكثف للساكنة نحو المدن المجاورة ما ترجم إلى مشاكل من بينها؛تراجع مزاولة النشاط الفلاحي والرعوي الذي أثر سلبا على الأراضي ونظام السقي والعلاقات الاجتماعية التقليدية التي تؤطر تدبير المجال.
من هنا نتساءل ما هي المداخل الممكنة للحد ولو نسبيا مما تعرضت له منطقة "تاركة" ؟ ووفق أية مقاربة؟.
يعتبر العمل الجمعوي من بين المداخل الأساسية للتنمية المحلية، إذ أصبحت الدولة بدورها تراهن عليه من أجل الخروج من التنمية المعطوبة التي يعرفها العالم القروي.
ومن هنا سنحاول استنطاق نموذج يراهن على العمل الجمعوي المتمثل في جمعية "تاركة للتنمية والمحافظة على البيئة"؛ فما هي مجالات تدخل هذه الجمعية؟ وما هي أهم منجزاتها ووفق أية مقاربة تشتغل؟.
قبل التطرق إلى مجالات ومنجزات الجمعية يستدعي منا الأمر تأطيرا منهجيا ألا وهو معرفة وضعية المنطقة قبل تأسيس الجمعية وفي هذا الإطار سنكتفي بالاشتغال بمحورين اثنين :
الأول: التنظيم الاجتماعي والماء.
ثانيا:"تاركة" والفلاحة المحلية.
منطقة "تاركة" قبل تأسيس الجمعية:
التنظيم الاجتماعي والماء:
يعتمد سكان دوار "تاركة" على موارد مائية نادرة جدا بفعل توالي سنوات الجفاف على المنطقة، ومن بينها مياه العيون التي توجد بعيدا عن الدوار وتقدر المسافة الفاصلة بين العين والقرية 1000 متر ويشكل الماء بهذه المنطقة أهم ركائز التنظيم الاجتماعي والمجالي كما يشكل كذلك الهم الأسمى لدى الساكنة.
للمحافظة وتدبير هذا المورد الأساسي لمنطقة "تاركة" نهج سكانها طرق تقليدية لتوزيع مياه السقي الذي يتم حسب نسبة المساهمة في حفر السواقي والتنقيب على المياه.
يتم تقسيمه بواسطة تقنية تقليدية دقيقة تدعى "أسقول" وهي عبارة عن عصا طويلة يبلغ طولها 3متر تقريبا، بواسطتها يتم قياس كمية المياه وتقسيمها للفلاحين حسب الحصص.
يتم كذلك اعتماد تقنية أخرى يصطلح عليها "أزمز" والتي يلعب فيها الظل الدور الأساسي لتحديد توقيت الحصص.
بالإضافة إلى هذه التقنيات يتم تكثيف جهود "أجماعة" لتعبئة العيون وتصريفها نحو الأراضي الزراعية مثلا بناء سدود تحويلية وتقليدية وتنقية السواقي.
النشاط الفلاحي:
نظرا لندرة الموارد المائية، تراهن فلاحة "تاركة" على المناخ وتقلباته، إذ يغلب عليها الطابع البوري وبالتالي يتضح لنا طبيعة ونوعية المزروعات التي هي حسب أحد سكان المنطقة؛ منتوج الشعير، اللوز، الزيتون، شجرة إيك، الخروب والصبار...
يتم تدبير الفلاحة وفق آليات وأساليب تقليدية؛ كالاستغلال الجماعي للأرض وهذا الأخير تتمخض عنه أشكال وأنواع من التضامن والتعاون الاجتماعي منها بالخصوص "التويزة" كمناسبة لإبراز مدى تضامنهم خصوصا في مواسيم؛ الحرث، الجني والحصاد....
بمنطق "التويزة" يتم إصلاح الأراضي الفلاحية التي هي عبارة عن مدرجات للحفاظ على التربة والحد من انجرافها.
لكن توالي سنوات الجفاف على المنطقة أفرز عدة ظواهر لها انعكاسات سلبية على الوسط ومنها بالتحديد الهجرة باعتبارها المؤشر الأساس الذي أثر على المنطقة وسكانها؛ عن طريق تراجع الاهتمام بالأراضي ما أدى إلى إتلاف التربة وتصحرها.
إذن كل ما قدمناه بمثابة صورة لمنطقة "تاركة" ما أفضى إلى ضرورة تأسيس جمعية ذات منطق جمعوي تشاركي .
إذ كيف يمكننا قراءة العمل الجمعوي لجمعية "تاركة لتنمية والمحافظة على البيئة" في علاقتها بالتنمية المحلية الشاملة؟ وكيف يمكن تقييم المنجزات التي تلامس الكثير من المناحي الاجتماعية؟ ووفق أية مقاربة تم ذلك؟ ومنهم الشركاء الفاعلون في هذه المبادرة الجمعوية؟.
كل هذه التساؤلات تمتلك جانبا من المشروعية،بحكم راهنيتها في الإنطراح باعتبارها مدخل أساسي للبحث السوسيولوجي. لكن نتساءل في البدء عما نقصده بالعمل الجمعوي بالتحديد.
إن العمل الجمعوي في تحديداته القانونية والسيكواجتماعية، يعتبر كخطاب يعمل في مجتمع معين بشرط وجود أفراد وجماعات تجتمع من أجل مخطط إنجازي يهدف إلى إحداث تغيرات في القيم والمواقف والعادات والممارسات والتقاليد.
إذن العمل الجمعوي حقل متميز من حقول الممارسة الثقافية والاجتماعية، ومجال للممارسة التربوية، وهو كذلك مجال أو أرضية خصبة تنتعش فيه روح تحمل المسؤولية بشكل جماعي ويتم فيها الدفع بالشباب نحو تحرير وإبراز قدراتهم وطاقاتهم الإبداعية.
نقترح هنا نموذج جمعية "تاركة للتنمية والمحافظة على البيئة"التي جمعت عدة مقاربات وتلبية حاجيات شرائح مجتمعها لربط العلاقة بين العمل الجمعوي والتنمية المحلية وصولا إلى درجة عليا من الفعالية والامتياز.
جمعية تاركة من الحاجة إلى الماء إلى مسلسل المشاريع التنموية:
جمعية "تاركة":
قبل الدخول في أهم منجزات الجمعية وشركائها وأهم المقاربات التي اعتمدتها في بلورة المشاريع. يستدعي منا الأمر ولو منهجيا التعريف بالجمعية وأهم أهدافها:
جمعية"تاركة للتنمية والمحافظة على البيئة" تأسست يوم 21 غشت 2001 بدوار "تيكمي ن تركة" ويكمن الهدف من تأسيسها هو تحسين وضعية السكان والحد من الهجرة القروية، وللوصول لهذه الغاية سطرت الجمعية ثلاثة مبادئ أساسية تشكل الأرضية التي ستعمل عليها الجمعية وهي: الالتزام،التطوع والاشتراك.
منجزات الجمعية:
انطلاقا من الملاحظة المباشرة والمقابلة مع رئيس وأعضاء الجمعية لنا أنها تهتم بشتى شرائح المجتمع انطلاقا من الشباب مرورا بتحسين وضعية المرأة وإشراكها في التنمية المحلية وصولا إلى تلبية حاجيات المسنين.
ما يهمنا بالتحديد في أهم منجزات الجمعية في المنطقة كل ما يتعلق بمجال الفلاحة والماء.
الماء والتنظيم الاجتماعي:
     في هذا الإطار قامت الجمعية بترميم وتجهيز مصادر الماء؛ فبعد أن كان سكان دوار "تيكمي ن تركة" يقومون بجلب الماء من منطقة "تسكويت" البعيدة عن الدوار بما يقارب 1000متر كما أسلفنا الذكر. فبفعل الإمكانيات المتواضعة والمحدودة للجمعية استطاعت في هذا المستوى أن تلبي حاجيات الساكنة؛ وذلك بإنشاء ساقية وسط الدوار وتجهيزها بالمعدات اللازمة والضرورية.
وهكذا تكون الجمعية قد حدّتْ من مجموعة من المشاكل التي تتخبط فيها الساكنة خاصة الأطفال والنساء وذلك في جلب الماء.
ولتحقيق هذا المنجز قامت الجمعية ببناء سد تحويلي بمواد عصرية (الحديد، الإسمنت...) وتبليط السواقي وقنوات الماء؛ للحد ولو نسبيا من إتلاف الكميات الكبيرة من الماء وتبخره.
وبهذا يكون قد حافظت الجمعية على الماء كمورد أساسي للساكنة وبالتالي العودة مجددا لمزاولة النشاط الفلاحي.
أما فيما يخص آليات وتقنيات التدبير المياه فبالرغم مما أنفقته الجمعية في هذا المشروع فالاستفادة منه تكون مجانية وبدون مقابل.
إنعكاسات المشروع على الساكنة:
تحسين وضعية المرأة واستفادتها من وقت الفراغ واستغلاله في مزاولة أنشطة أخرى كمحاربة الأمية والمشاركة في العمل الجمعوي وتربية الأطفال.
ارتفاع معدل التمدرس خاصة لدى الفتيات حيث نجد
أكبر من 50 بالمائة من اللواتي ينقطعن عن الدراسة في وقت مبكر يكون لأسباب جلب المياه.
إنعكاسات إيجابية حول نظافة الجسم والمكان.
الفلاحة:
فبعد إنجاز مشروع الماء ازداد اهتمام الساكنة بالنشاط الفلاحي بتأطير من الجمعية؛ وفي هذا الصدد أنجزت الجمعية مجموعة من المشاريع:
خلق مستنبت في إطار الشراكة مع الجماعة المحلية والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية لغرس شجيرات صغيرة وتسويقها.
غرس 50 هكتار من الصبار. 
تحديث عمليات التشجير خاصة شجر اللوز، الزيتون والخروب...

بناء معصرة تقليدية للزيتون.
تأسيس تعاونية "تاركة" لتثمين منتوج الصبار.
تأسيس تعاونية نسوية لتربية الماشية.
إصلاح وترميم المدرجات الفلاحية وتزويدها بالسواقي.
بناء وتجهيز صهريجين لإحداث قطب ومدار سقوي جديد.
فيما يخص نوعية المزروعات نجد:
الأشجار ( اللوز، الزيتون، الخروب، إيك...).
الخضروات (البطاطس، الطماطم، البصل،الفول...).
زراعة الصبار، الشعير، الفصة...
الشركاء:
    الجماعة المحلية.
    جمعية أمودو تارودانت.
    المديرية الإقليمية للفلاحة أكادير.
Association Agrotech AGADIR.
Action d’urgence internationale France.
Lycée Agricole d’Yssingeaux ROMAN.
خاتمـــــــة :
من خلال ما أشرنا إليه من منجزات ومشاريع تنموية، تبقى جمعية "تاركة للتنمية والمحافظة على البيئة" أحد أقطاب النسيج الجمعوي الناجح في الجنوب، فمن منطق ندرة المياه التي كانت الحاجة الأساسية والملحة للساكنة، للدخول في غمار التنمية، عرفت الجمعية نفس طويل من خلا الإقدام على مبادرات التكوين والتواصل،وكذا مشاركتها في ملتقيات محلية.
لنصل أخيرا إلى درس الدرس؛ الذي أوصلتنا إليه هذه التجربة الميدانية الجمعية.

وهو بالضبط الحاجة إلى السوسيولوجيا في زماننا هذا أي نعم ما أحوجنا إلى السوسيولوجيا لفهم وتفسير كل الحالات التي تعتري العمل الجمعوي، والاقتراب أكثر مما يحتمل فيه من ظواهر وقضايا اجتماعية.


مقاربة النوع الاجتماعي في علاقته بالتنمية

بقلم: سعيد لطفي
اشراف: ابراهيم لاباري

في البدء:
   كيف نقرأ  مقاربة النوع الاجتماعي في علاقته بالتنمية؟ كيف يمكن ان نؤسس لخطاب النوع الاجتماعي حول التنمية؟ ووفق اي مقاربة يمكن تفعيل التنمية؟
كل هذه التساؤلات تمتلك جانبا من المشروعية بحكم راهينيتها في الانطرح باعتبارها مدخل اساسي لعرضنا، لهذا ننشغل باكتشاف العلاقات الممكنة بين النوع الاجتماعي والتنمية وذلك ان دراسة هذه العلاقات تساهم في توسيع دوائر النقاش العلمي حول مقاربة النوع الاجتماعي ، كما انها تساهم في فتح افاق ومسارات جديدة في اسئلة الاشتغال، ولهذا فان اي دراسة في هذا الباب من شانها ان تقود  نحو اختيار تصورات جديدة للتعاطي مع التنمية في علاقته بالنوع الاجتماعي ومن شانها ايضا ان  تفيد في تجاوز القصور الذي قد تعتري التنمية بالمغرب
لكن لنتساءل في البدء عما نقصده بالنوع الاجتماعي ونتساءل بالتحديد عن السياق التاريخي لظهور مقاربة النوع الاجتماعي على المستوى الدولي وكذا على المستوى الوطني؟ ماهي اسس مقاربة النوع الاجتماعي؟ ماهي الادوات والمفاهيم الاساسية التي تعتمدها مقاربة النوع؟
ربما يكون من الاجدى دوما طرح مثل هذه التساولات لتقريب النوع الاجتماعي، وربما يفرض بقوة على المهتم بالتنمية سواء كان اهتمام علمي او عملي، ان يعيد طرح هذه التساؤلات وعلى اكثر من صعيد من اجل الفهم والتفسير، فالمدخل المحتمل للاشتغال على النوع الاجتماعي في علاقته بالتنمية معرفيا يكون بدءا عبر التحديد المفاهيمي الذي ينبغي ان يكون اجرائيا بالاساس.
ü  تحديد المفاهيم الاساسية :
·      مفهوم النوع الاجتماعي:
يعتبر مفهوم النوع من المفاهيم الجديدة التي برزت بصورة واضحة في الثمانينات من القرن الماضي، وقدم هذا المفهوم بواسطة العلوم الإجتماعية من خلال دراسة الواقع الاجتماعي والسياسي ، كمحاولة لتحليل العلاقات و الأدوار والمعوقات لكل من الرجل والمرأة .
ويقابل مفهوم النوع  مفهوم الجنس . والفرق بين الأثنين أن مفهوم الجنس يرتبط بالمميزات البيولوجية المحددة التي تميز الرجل عن المرأة ، والتي لا يمكن أن تتغير حتى أن تغيرت الثقافات أو تغير الزمان والمكان .
ورغم إن مفهوم النوع هو إشارة للمرأة والرجل إلا أنه أستخدم لدراسة وضع المرأة بشكل خاص أو كمدخل لموضوع ( المرأة في التنمية ) .
أن الدور الذي يقوم به أي من النوعين هو نتاج سلوك مكتسب، وعلي هذا السلوك تتحدد العلاقات و الأدوار التي يقوم بها كل من الذكر والأنثى، ولا شك أن دور كل نوع يتأثر بالبيئة الاجتماعية و الثقافية و الجغرافية والاقتصادية والسياسية.
نعتمد مفهوم الجندر أو النوع الاجتماعي في هذا السياق على اعتباره نسق يحدده المجتمع من تفاعل ادوار وعلاقات بين النساء والرجال النوع الاجتماعي، Sexe social وعلى خلاف الجنسSexe biologique الذي يتم تحديده بناء على الجوانب البيولوجية للإنسان المتضمنة للصفات الفيزيولوجية والتي تفرق ما بين الذكر والأنثى من خلال الكر وموسومات والصفات التشريحية، الإنجابية والهرمونية، فان الجندر يتضمن تلك الصفات الاجتماعية والحضارية المرتبطة بالرجال والنساء في اطار محتوى اجتماعي زمني محدد.
     مفهوم التنمية:
  تنطوي التنمية في أبلغ صورها على "إحداث نوع من التغيير في المجتمع الذي تتوجه إليه، وبالطبع فهذا التغيير من الممكن أن يكون ماديا يسعى إلى رفع المستوى الاقتصادي و التكنولوجي لذات المجتمع ، و قد يكون معنويا يستهدف تغيير اتجاهات الناس و تقاليدهم و ميولهم"[1]، فالأمر يتعلق إذن بعمليات هادفة محدودة في الزمان و المكان تراهن على التغيير الإيجابي طبعا ، إن التنمية في مختلف أشكالها و تصوراتها تستهدف أبعادا مفتوحة على ما هو لوجيستيكي أو ما هو معنوي تقود ختاما نحو تغيير  السياسات و الممارسات و المواقف .
لكن تعريف التنمية يظل مرتبطا دوما بالخلفية العلمية و الاستراتيجيات النظرية ، فعلماء الاقتصاد مثلا يعرفونها بأنها الزيادة السريعة في مستوى الإنتاج الاقتصادي عبر الرفع من مؤشرات الناتج الداخلي الخام ، في حين يلح علماء الاجتماع على أنها تغيير اجتماعي يستهدف الممارسات و المواقف بشكل أساس ، و هذا ما يسير على دربه المتخصصون في التربية السكانية . إنه لا يوجد تعريف موحد للتنمية ، إنها ترتبط بالتصنيع في كثير من الدول ، و ترمز إلى تحقيق الاستقلال في أخرى ، بل يذهب الساسة مثلا وصفها بعملية تمدين تتضمن إقامة المؤسسات الاجتماعية و السياسية ، بينما يميل آل الاقتصاد إلى معادلة التنمية بالنمو الاقتصادي[2]، و هذا الاختلاف الذي يبصم مفهوم التنمية هو الذي سيدفع بعدئذ إلى عمليه استدماج مفاهيمي تلح على أن التنمية هي كل متداخل و منسجم ، و أنه تكون ناجعة و فعالة عندما تتوجه في تعاطيها مع الأسئلة المجتمعية إلى كل الفعاليات المعبرة عن الإنسان و المجتمع، عبر مختلف النواحي الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية و الثقافية والبيئية… ذلك أن الاقتصار على البعد الاقتصادي في تعريف التنمية يظل قاصرا عن تقديم التعريف  المحتمل للتنمية، و لهذا فالتنمية لن تكون غير تحسين لشروط الحياة  بتغييرها في الاتجاه الذي يكرس الرفاه المجتمعي .
ü   السياق التاريخي لظهور مقاربة النوع:
      مقاربة النوع الاجتماعي،جاءت كنتيجة للنضالات التي خاضتها الحركات النسوية منذ القرن التاسع عشر، وتراكم حقل معرفي لدراسات وكتابات فكرية وفلسفية حول وضع ومكانة وادوار المرأة في المجتمع.
ويمكن تتبع هذه الإرهاصات الأولى وتطور الخطاب حول النوع من خلال مستويين:    
1-   على المستوى الدولي:
1.1        الحركات النسوية:
   برز مصطلح النسوية سنة 1895 كتعبير عن تيار ثقافي واجتماعي جديد في أوربا (في فرنسا بشكل خاض يعمل من اجل تحقيق حقوق الحرية والمساواة للمرأة).
مثلا:Annmaria Mozzoni  مفكرة ايطالية من أبراز الداعيات إلى تحرر  النساء عبر العمل والمشاركة السياسية.
أ‌-               تميزت هذه الموجة الأولى من الحركة النسوية بكونها حركة اجتماعية وسياسية أي لم تكن ذات مضمون فكري أو ثقافي بالرغم من توفر بعض الأعمال المهمة في هذا الإطار، ككتاب John Stuart Mill الذي أصدره سنه 1869 بعنوان "خضوع النساء ‘’de l’assujettissement des femmes ‘’1869. الذي أكد فيه " انه لا وجود لعبد بلغت عبوديته أشدها أكثر من المرأة" كما دافع عن حقوق متساوية بين الجنسين.
كما تميزت هذه الموجة الأولى من الفكر النسوي  بطمس الخصائص الأنثوية المميزة في مقابل تبني النموذج الذكوري كنموذج حصاري للإنسان (محاكاة الرجال في الملبس وغيره).
ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى وخلو المعامل من الرجال من اجل الحرب خرجت النساء إلى العمل، وابتداء من 1920 حققت الحركة النسوية في أوربا العديد من أهدافها الاجتماعية والسياسية خصوصا الحق في المواطنة (في أوربا الحديثة فان النساء لم يملكن حقوق المواطنة كحق التصويت إلا في سنة 1928 في بريطانيا و1944 في فرنسا، و1945 في ايطاليا).
وبفعل عوامل المثاقفة، امتدت أثار الفكر النسوي إلى العالم العربي، وتميز هذا الأخير بكون بعض المثقفين من الرجال العرب هم من رفعوا شعارات النضال النسوي، وذلك لسببين:
-                  النساء العربيات في هذه الحقبة من التاريخ كن سجينات المجتمع التقليدي الوصاية والأمية... باستثناء هدى الشعرواي في مصر ونصيرة زين الدين في لبنان.
-                  قضية المرأة كانت تندرج ضمن إشكالية الإصلاح التي شغلت بال المفكرين والمتنورين لرواد فكر النهضة، الذين وضعوا موضوع أمثال رفاعة الطهطاوي، قسم أمين، هدى الشعراوي، نظيرة زين الدين في المشرق، وفي المغرب العربي مصطفى كمال، علال الفاسي والطاهر الحداد.
ب - في المقابل تميزت الموجة الثانية من الفكر النسوي بنضجها الفكري والمعرفي إذ تجاوزت المطالبة بالمساواة مع الرجال والاقتداء بالنموذج الذكوري إلى مرحلة البحث عن إطار نظري أعمق واشمل يكون حاملا لإيديولوجيتها، وهو ما تحقق مع كتاب سيون دوبوفوار " الجنس الثاني" الصادر سنة 1949، فلقد شكل هذا الكتاب وفلسفته المبنية على أساس "المرأة لاتولد امرأة بل تصبح امرأة" مشكلا مرجعا ذا راهنية مستمرة،حيث أمد الفكر النسوي بأدوات منهجية وتحليلية فكرية كانت في حاجة إليها من اجل الحجاج والمطالبة بالحقوق، إلى حد اتحاد الموقف الراديكالي الذي عرفته الحركة في الستينيات ثورة طلاب فرنسا ماي 1968، حيث تجسد تأثير كتاب دوبوفوار على الطالبات والنساء، خصوصا في مسالة الخصوبة ووسائل منع الحمل، فراحت النساء في هذه الفترة ترددن، تأثرا بدوفوار دائما: 
  « Un enfant quand je veux ,si  je veux »وباختصار، فان الموجة الثانية من الحركة النسوية تميزت بكونها اعادة اكتشاف الذات الانثوية بعيدا عن محاكاة الرجل، اي الليبرالية الانثوية، والتحرر من النموذج الحضاري للانسان/الرجل (خاصة بامريكا).
ج- اما المرحلة الثالثة من الفكر النسوي فتميزت بكونها فلسفة نقدية لما بعد الحداثة تحمل قيم العدل والمساواة وتكافؤ الفرص والمحافظة على البيئة وتحرير الشعوب، تميزت كذلك ببروز واضح لخبرات المراة وامكانياتها العلمية والمعرفية والثقافية وهي نهاية مرحلة يلخصها بيير بورديو في كتابه 1998  la domination masculine: " ان التغير الاكبر الذي حدث هو ان الهيمنة الذكورية لم تعد بالأمر البديهي المفروغ منه ولاشك ان ذلك راجع الى العمل النقدي الكبير للحركة النسائية".
2.1 على مستوى الخطابات الرسمية الدولية:
أدى النضال النسوي في أوربا وأمريكا إلى دخول الخطاب حول المرأة والمساواة في الخطابات والمحافل الدولية: ( فمثلا أدت مظاهرة اللجنة الوطنية للمرأة التابعة للحزب الاشتراكي الأمريكي فبراير سنة 1909 إلى إقرار يوم 8 مارس من كل سنة كيوم المرأة، الشيء الذي تبنته نساء أوربا منذ 1910 بمناسبة انعقاد المؤتمر الدولي الثاني للنساء الاشتراكيات في كوبنهاكن ثم سيتم تدويل هذه المناسبة فيما بعد كمناسبة للدعوة إلى تحسين أوضاع المرأة. )
-                  الإقرار بمبدأ المساواة بين الرجال والنساء في ميثاق الأمم المتحدة 1945 وفي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان سنة 1948، واتفاقية المساواة في الأجور 1951، وميثاق الحقوق السياسية للمرأة 1952.
-                  اعتبار سنة 1975 سنة دولية للمرأة وأعقب ذلك إعلان العشرية 1971-1981 " عقدا دوليا للمرأة" الذي تبنى العناوين الرئيسية التالية:المساواة، التنمية، السلام إلى جانب مواضيع أخرى مثل الصحة، التعليم والعمل.
وفي خضم هذا العقد، وبالضبط سنة 1975 صدرت بكوبنهاكن اتفاقية القضاء على أشكال التمييز ضد المرأة المعرفة اختصار ب: CEDAW وهي جامعة- أي الاتفاقية- لكل حقوق المرأة.
حيث دعت في بندها الأول إلى: "نزع أي تفرقة أو إقصاء أو تقيد ليتم على أساس الجنس ويكون من آثاره أو أغراضه إعاقة أو إحباط الاعتراف للمرأة وبحقوق الإنسان والحريات الأساسية في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية أو في أي ميدان أخر، أو إعاقة أو إحباط تمتعها بهذه الحقوق أو مماستها، بصرف النظر عن حالتها الزوجية وعلى أساس المساواة بينها وبين الرجل".
وفي سنة 1995، وخلال انعقاد مؤتمر بكين في شتنبر1995، من طرف FNUAP  سيتم الحديث عن مقاربة النوع، وتعريفه حيث اعلنت الامينة العامة للمؤتمر في خطابها التوجيهي عن تحول جدري في مقاربات الحركة النسائية من خلال قولها: "...فلم نعد نؤكد على المشاكل التي تعاني منها المرأة، بل اصبحنا ننظر للمشاكل الدولية من زاوية خصوصيات الجنس اي النوع، وعليه يجب ان ينصب اهتمامنا على الكيفية التي تجعل المشاكل الدولية تطال النساء، وكيف يكون باستطاعتهن المساهمة في حل تلك المشكل".
وهكذا جاءت مقاربة النوع لسد فراغات وثغرات وسياسات دولية مقاربات سابقة اهمها:
-         Les femmes dans le développement                       
-     Femmes et développment   
-         Genre et développement                                 
2-                    في المغرب:
يجمع كل من عبد الصمد الديالمي في مقاله Famille, femme et sexualité au maroc :1912-1996.
وعائشة بلعربي Le mouvement associatif feminin
وهما مقالان مدرجان بمجلة prologues/عدد9/ ماي 1997
يتفقان على ان النضال والخطاب حول المراة ابتداء منذ عهد الحماية في المغرب مع الحركة الوطنية من اجل الاستقلال والتاثر الكبير بايديولوجية حركة النهضة بالدول العربية الداعية الى تعليم المراة واشراكها في الشان العام.
على ان فترة الاستقلال لم تسمح بوجود تنظيم نسائي مستقل ومنظم نظرا لوجود مشاكل سيلسية واقتصادية كان المغرب لم يحسم معها بعد.
الا انه ومنذ الثمانينات، نضج الخطاب النسوي ليتجه نحو النوع بالمغرب وتمحور حول المطالب التالية:
-     المساواة بين الجنسين.
-     مراجعة المدونة Code et statut personnel
-     اشراك المراة في الحقل السياسي.
-     تطبيق المواثيق والاتفاقيات الدولية بدون تحفظ(CEDAW)
-     اشراك المراة في التنمية، هنا برزت مقاربة النوع من اجل تدارك فشل سياسات السابقة حول المراة والتنمية.
ومن اهم الكتابات حول النوع بالمغرب:
* خلود السباعي: الجسد الانثوي وهوية الجندر
* زينب معادي: الجسد الانثوي وحلم التنمية
 بالاضافة الى كتابات ومقالات سوسيلوجية لكل من فاطمة المرنيسي، غيثة بالخياط، عائشة بلعربي، نعيمة الشيخاوي...
ü          مقاربة النوع والتنمية:
1-        ماهي اسس مقاربة النوع الاجتماعي؟
 تقوم مقاربة النوع الاجتماعي على فرضية مؤداها في كل مجتمع تكون المزايا والمصالح غير موزعة بالتساوي، بمعنى ان الموارد والمنافع التي تقدمها مشاريع التنمية تعود عادة بالنفع على الرجال اكثر من النساء، كما تتاثر بمتغيرات اجتماعية اخرى من قبيل الدين، والطبقة الاجتماعية والعرق والفئة الاثنية... وغيرها.
وفي هذا السياق، يحدد الاستاذ ابراهيم لاباري مجموعة من الاسس النظرية والمنهجية في الاشتغال وفق مقاربة النوع الاجتماعي:
1-         تفكيك ماهو مبني ثقافيا وليس  الاكتفاء  بوصفه في اطار مقاربة النوع الاجتماعي [3]
2-          مقاربة النوع الاجتماعي لاتكتمل مفاهيهيا اذا لم تتطرق الى ضرورة المساواة بين الجنسين.
3-          بعد التفكيك والفهم تقوم باعادة بناء ماهو اجتماعي على اسس المساواة والانصاف ( اي التمييز الايجابي) Reconstruction.
4-         ننطلق في الاشتغال على النوع الاجتماعي من معرفة الموقع الاجتماعي للرجال والنساء،داخل النظم والبنيات الاجتماعية...
وعليه يحدد ابراهيم لاباري خصائص مقاربة النوع الاجتماعي في ما يلي:
-     التفكيك( تفكيك الاختلاف والتمييز بين المراة والرجل)[4]
-     هدم هذا البناء الاجتماعي للاختلاف والتمييز بين النساء والرجال.
-     تحليل كيفي للاوضاع والسياقات الاجتماعية.
-     تحليل مقارن بهدف الفهم واعادة بناء العلاقات بين الرجال والنساء على اساس المساواة والانصاف.
-     في اطار نظام اجتماعي شامل وجديد، وهذا يعني الاشتغال وفق مفهوم " جندري" يعتمد بمبداين اساسين: الهدم Déconstruire  واعادة البناء Reconstruire ويمكن تحديد مراحل واوجه هذا المفهوم في النقط التالية:
-         Désacraliser
-         Historiser
-         Constextualiser

     وعيله، فان تطبيق مقاربة النوع في السياسات الاجتماعية وفي اليساسات التنموية بشكل خاص، من شانه ان يترجم عمليا في الحد من اللامساواة بين الجنسين عن طريق اشراك المعنيين في برامج التنمية، رجالا ونساءا، وفي جميع مراحلها: التخطيط، التنفيذ، والتقويم، وخصوصا في اقتسام الموارد والمنافع، وعلى هذا النحو، يتحول مفهوم النوع تدريجيا من اداة للتحليل الى اداة معيارية، يعني عن طريقها يمكن قياس مدى نجاعة المشاريع التنموية واهدافها ومدخلاتها ومخرجاتها في تحقيق النفع لكل من الفئات الاجتماعية خاصة رجل/امراة اي مراقبة مدى تحقيق العدالة الاجتماعية في تقاسم المنافع.
2    ماهي الادوات والمفاهيم الاساسية التي تعتمدها مقاربة النوع؟
1-      تقسيم العمل وفقا النوع الاجتماعي
وهو ما نطلق عليه عادة اسم التقسيم الجنسي للعمل، او بالاحرى تقسيم العمل طبقا للنوع الاجتماعي، اي ادوار الجنسين المؤسسة اجتماعيا والمهم هنا هو ملاحظة انواع العمل التي يقوم بها الرجال والنساء كل على حدا والتعرف على كمية الوقت الذي يقضيه كل من الرجال والنساء عند قيامهم بهذا العمل او ذاك.
2-     ادوار النوع الاجتماعي:
لتمييز هذه الادوار ،قامت كارولين موزر سنة 1985 بتصنيف الادوار التي يقوم بها الرجال والنساء في ثلاثة انماط وهي:
·       ادوار الانتلج:الاعمال الماجورة للنساء والرجال (فلاحة...)
·       ادوار اعادة الانتاج:ويقوم على رعاية قوة العمل الحالية( الزوج والابناء العاملين) او قوة العمل المستقبلية هذا الدور لايعتبر عملا حقيقيا غير ماجور وغير معترف به مثلا: ( جلب الماء، رعاية الابناء ، جلب الحطب...)
·       ادوار خدمة الجماعة: تطوعي وغير ماجور، الرعاية الصحية مثلا...
3-     الولوج الى الموارد والتمكن منها
مثلا اراضي الجموع تشتغل فيها النساء دون ان يمتلكنها، حيث يظل ارثها حكرا على الابناء الذكور، وتقتصر الاستفادة من غلالها فقط.
هناك نموذج اخر، فمثلا تحصل المراة على مال عن طريق قرض لتمويل مشروع صغير تقوم به، لكنها لاتستفيد من مردوديته،بل الزوج.
4-     العوامل المؤثرة  Facteurs D’influence
وهي العوامل التي تؤتر في العناصر السابقة التي اشرنا اليها( الادوار، التمكن من الموراد..) من قبيل النظام السياسيي، الاعراف الثقافية، نظام التعليم، القوانين القائمة، الظروف التاريخية و الاقتصادية، الدين ، العرق واللون، الاعلام... مثلا: في كتاب زينب معادي: الجسد الانثوي وحلم التنمية، تبين كيف ان العوامل الثقافية والعادات المرتبطة بالجسد تؤثر سلبا على مشاريع تنمية المراة القروية.
5-     الحالة والوضعية Conditions et situation
مستوى تحليلي لكيفية عيش النساء ووضعيتهن في جماعتهن التي ينتمين اليها،مثلا: احصائيات حول معدل الامية داخل صفوف النساء،نسب استهلاك الاراضي، نسبة العمل...
6-     الحاجات العملية والحاجات الاستراتيجية:
Besoins pratiques et besoins stratéqiques
·       الحاجات العملية: غداء سكن صحة، تعليم..
·       الحاجات الاستراتيجية: لاتتحقق الا على المدى البعيد، تتعلق بنقص الموارد وغياب التعليم ، العنف.
7-     امكانيات التغير les possibilités de transformation
وتعني تيسير التحول وجعله تحولا سلسا، يتضمن التحول المواقف، العقليات، التمثلات الاجتماعية، وكذا الاوضاع والمواقف بكل من الرجال والنساء.
       خاتـمة:
 تهدف مقاربة النوع تحقيق تحوا اجتماعي مبنى على اساس المساواة والعدالة الاجتماعية، ويقتضي ذلك، اشراك جميع المعنيين رجالا ونساءا في سيرورة التنمية بمفهومها الحديث،
  اي جعل الصحة والتعليم والمشاركة الاقتصادية والسياسية وغيرها من محاور للتنمية الاساسية متاحة للمراة والرجل على حد سواء بحيث يتم تمكين جيمع افراد المجتمع في المساهمة في تنمية مجتمعهم بما يعظم من استثمار الموراد البشرية المتاحة، ومراعاة احتياجات مختلف فئات المجتمع في الخطط وبالتالي تفهم افضل للادوار التييؤديها الرجال والنساء ومن تم ردم الهوة بين مختلف الفئات والطبقات وتحقيق العدالة الاجتماعية.
المراجع 

[1]  شاكر إبراهيم ، الإعلام و التنمية ، نفس المرجع السابق .ص.133.
[2] فريديريك هاريسون، الموارد البشرية و التنمية ، ترجمة سعيد عبد العزيز ، معهد التخطيط القومي ، القاهرة ، 1984.ص.68.
[3]  ابراهيم لاباري: محاضرات  السداسي السادس،مسلك علم الاجتماع،مجزوءة النوع الاجتماعي، كلية الاداب والعلوم الانسانية،جامعة ابن زهر، اكادير،2011
[4]  الوافي العربي:مقاربة النوع والتنمية المعرفة للجميع العدد 35.
      5  بيير بورديو : الهيمنة الذكورية.