‏إظهار الرسائل ذات التسميات ترجمة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات ترجمة. إظهار كافة الرسائل

الخميس، 13 نوفمبر 2014

ماذا لو أُحرقت كتب كافكا؟!! / احمد الليثي


ماذا لو أُحرقت كتب كافكا؟!!




ترجمة: أحمد محمد الليثي عن جريدة الجارديان البريطانية فى 14 أكتوبر 2014



يمكننا أن نعتبر أن طبعة "بنجوين" للنشر من المسخ وقصص أخرى تحتوى على الأعمال التى وافق "كافكا" على نشرها خلال حياته, وتتضمن "فى مستوطنة العقاب" و "المحاكمة" وقصص قصيرة اخرى بعنوان "التأمل" و"طبيب القرية .. قصائد نثرية قصيرة لأبى", وبالطبع "المسخ", هذه الأعمال هى التى أراد لها "كافكا" أن ترى النور, لا يمكنك ان تجادل ان هذه الاعمال هى التى شكلت محاولة "كافكا" للخلود.


وفى الحقيقة, فإننا لن نعرف أبداً نوايا "كافكا" الحقيقية, فمن المعروف إنه طلب من صديقه, وكاتب سيرته الذاتية بعد ذلك "ماكس برود" أن يحرق مخطوطاته غير المنشورة, ولكن, وعلى العكس من ذلك, فبرود قد نشر كل هذه الاعمال, فهل كان "برود" يعصى أمنيات صديقه الأخيرة؟, أم أن "كافكا" قد أعطى له هذه المخطوطات لأنه يعلم أن "برود" لن يعمل على حرقهم؟, كما أدعى "برود" أخيراً أن "كافكا" لم يقل أبداً إنه سيحرقهم, وماذا كنا سنفعل لو أن "كافكا" قد قرر إعطاء المخطوطات لشخص أخر, والذى قرر أن يودع هذه المخطوطات النيران, كتب كاملة تمت كتابتها حول هذه الاسئلة, فمن المستحيل أن تقرأ تلك القصص بدون التفكير فى القضايا التى تمس تراث "كافكا" ومكانه فى المستقبل.


-تخيل العالم لو أن "برود" قد نفذ أمنيات صديقه, كنا سنجد تعريف أخر للكفكاوية, أو كما قال "ميتشل هوفمان" فى تقديمه لطبعة "بنجوين", ربما لم نكن سنسمع عن كافكا على الإطلاق.


-"هوفمان" يعتقد إنه لمن المشكوك فيه أن نسمع عن "كافكا" بدون "المحاكمة" و "القلعة" و "أمريكا", وبعد كل شىء, وعلى قدر محاولته التى ذهبت به إلى الخلود, فإن "المسخ" و "فى مستوطنة العقاب" من رواياته الأكثر تأثيراً, ولكنها تظل رائعة عند قرائتها ضمن هذه المجموعة.


-المجموعة الاولى التى جُمعت فى طبعة "بنجوين" والتى نُشرت لأول مرة فى عام 1913 تحت عنوان "التأمل", كان من الممكن أن تسقط من ذاكرة إنتاج كافكا لولا أن الروايات قد أعطت لهذه الطبعة ثقلاً كبيراً.


-بالطبع لو أننا تجاهلنا هذه الاعمال لفقدنا بعض المتعة, خاصة الفقرة الاخيرة غير المتوقعة من المسافر, والتى تأتى بعد وصف إمرأة تُشاهد فى الترام, "تسائلت فى التو كيف أن هذه السيدة لم تُدهش فى نفسها لهذا الموقف, كيف إنها لم تنبس ببنت شفة, وكيف إنها لم تنطق حرفاً واحداً". هذه هى اللحظة التى كنت مفتتناً بها تحت أى ظرف.


-وفى الحقيقة, لم أستطع أن أحدد هل إستمتعت بهذه القصص لما أعرفه عن كافكا أصلا أم لا؟, ولكنها كانت مفاجأة سارة وغير متوقعة أن أجد مؤلف "المحاكمة" يكتب بخفة (برفق) عن رفضه من قبل إمرأة, أو عن قدرته على الإنطلاق فى الهواء مثل رجل هندى أحمر يمتطى حصاناً.


-الطريقة الأخرى لمعرفة كاتب هذه الأعمال ليس فقط أن تعرف كيف تقرأ هذه الأعمال, واحد من أهم وأول الأشياء التى يجب أن تعرفها عن "فرانز كافكا" إنك لا يجب أن تأخذ أعماله على وجهها الظاهر, وهو بالتأكيد جيد وحسن, ولكن ما يجب عليك فعله هو إنك يجب أن تقرأ هذه الأعمال منفردة من خلال تراثه الكبير


-من المستحيل – أيضاً- أن تقرأ أعمال "كافكا" بمعزل عن المستقبل, تخيل كيف إنك لن تقرأ أعمال مثل "المسخ" و "فى مستوطنة العقاب" التى نُشرت عامى 1913 و 1914 قبل الحرب العالمية الاولى, ناهيك عن الثانية.


-على الأقل عند قراءتى لهذين العملين الكلاسيكيين, كان لدى قلق بسيط على أحكامى الجزئية, فلم أر العلامات التى تُبشر بعظمة المستقبل, وأيضاً لم أر الإشارات المظلمة الاتية, والأسئلة التى تثيرها الصور المختلفة.


-وإذا وجدنا لدينا القدرة لنضع سؤال الجودة جانباً, تبقى حقيقة إنك لا يجب أن تقرأ أى عمل من أعمال "كافكا" بمعزل عن تراثه الكبير, فنحن نقرأ (الاسطورة) فى كل صفحة من صفحات قصصه, ويمكننا أن نأخذ مقتبسات من كلام "جون آبدايك" فى ذلك الشأن: لقد تعززت شهرة "كافكا" بشكل كبير بسبب ما يبدو إنها نبؤاته, ففى أعمال خاصة وشاذة عن أنظمة فاشية تضاهى أنظمة "هتلر" و "ستالين", وما حملوا به الاخرين من الذنب, المحاكمات الهزلية, جنون العظمة المؤسسى, كل ذلك كان خارج خبراته, فالسلطة الأبوية والبيروقراطية المنحطة التى وضع تصور عنها ككوابيس قد أثبتتها نبؤاته الروائية.


-هل بإمكان أى شخص اليوم أن يقرأ عن الة القتل العلمية فى "فى مستوطنة العقاب", أو العدالة التعسفية فى لباسها المميز وهى تطهر الناس من الاثام بلغة رسمية, دون أن يرى كوابيس البيروقراطية فى القرن العشرين, هل بإمكان أى شخص اليوم أن يقرأ عن إكتشاف "جريجور سامسا" المفاجىء بإنه منبوذ, أو بإنه حشرة مُحظر لمسها, دون أن يفكر على الفور بما فعلوه النازيين باليهود, اليهود الذى كان "كافكا" العظيم واحد منهم؟


-هناك قراءات سخيفة تقول بأن هتلر لم يكن قد بلغ درجة "عريف" عندما كان كافكا يكتب, ولكن هناك مساحات كبيرة من أعمال أخرى لكافكا تظهر كيف كان عميقاً وغارقاً فى الاحداث الجارية, كيف إنه كان شخص يرى المد يتدفق, ويرى بعض التحولات التى تقشعر لها الابدان.


-فعلى سبيل المثال, عندما تقرأ خطاباً أرسله "كافكا" لأخته محاولاً فيه حثها على إرسال إبنها الأكبر لمدرسة داخلية تنقذه من العقلية السامة ليهود براغ الاثرياء, وكيف إنها لن تستطيع ابعاده عن هؤلاء الأطفال, هذه العقلية التافهة, القذرة والخبيثة.


-على الاقل انها تبدو قارسة الان, ومن الممكن أيضاً أن هذا الإدراك المتأخر قد تسبب لى فى أن أرى النمطية عندما لم تكن هناك, إنه شىء لا قيمة له عندما تقرأ "المسخ" على إنها قصة عن العرق أو كراهية الذات, أو –لنكون أكثر دقة- عندنا تدرك إنك محتقراً من قبل كل من حولك, إنها واحدة فقط من تفسيراتها التى لا تُعد ولا تُحصى, إنها أيضاً عن العلاقات العائلية, عن قيمة أرباب العمل وإنتاجية العمال, عن التبعية ومحاولة خلق مكان فى العالم, عن تصورات أخرى للواقع.


-ويمكنها أيضاً أن تكون قصة طريفة عن رجل إستيقظ من النوم فى يوم من الأيام ليجد نفسه حشرة, أو كإدعاء "كينغسلى أميز" الشهير إنه وصف لدوار من أثار الخمر.


-النقطة الأوسع التى ستبقى من أعمال "كافكا" جزء لا يتجزأ من ما سيأتى لاحقاً, ولعله هنا تجدر الإشارة إلى أن "كافكا" نفسه لم يكن يرى أى مشكلة فى أن يكون الفن قناة للمستقبل, "جوستاف جانوش" شخص يعرف "كافكا" معرفة شخصية, يقول, "كافكا" كان يقول عن "بيكاسو" انه يسجل - بكل بساطة – التشوهات التى لم تعلق بإدراكنا بعد, الفن هو المراة التى تقود الطريق بإنتظام كالساعة, لبعض الوقت.


الثلاثاء، 11 نوفمبر 2014

سيظل المنفى هو الغواية/ قصيدتان للشاعرة التركية بيجان ماتور


سيظل المنفى هو الغواية


قصيدتان للشاعرة التركية بيجان ماتور

ولدت بيجان ماتور لأسرة كردية في 14 أيلول 1968 في المدينة الحثية القديمةماراس في جنوب شرق تركيا. كانت بداية دراستها في مدرسة قريتها ثمدرست فيما بعد في مدرسة اللاييك في مدينة غازي عنتاب التي كانت أهممركز ثقافي في المنطقة. كانت تعيش في هذه الأعوام مع شقيقاتها بعيداً عنوالديها. درست فيما بعد القانون في جامعة أنقرة وتخرجت لكنها لم تمارسمهنة القانون أبداً. أثناء سنوات دراستها الجامعية نشرت في عدد من المجلاتالأدبية وقد اعتبر النقاد آنذاك شعرها "غامضاً وصوفياً”.
صدر لبيجان ماتور عدة دواوين شعرية، وتمارس مهنة الصحافة منذ 2005وتكتب بشكل ثابت عموداً في صحيفة زمان التركية.

حلم الأرض

عندما كان السماء غارقة في الوحدة
فكرّت:
لمَ هذه النجوم؟
ومن أين يأتي هذا الصوت الذي يهزّ ظلام أعماقي؟
ماذا يبقى
لو تبددت الأصوات؟
ما الذي يتبقى
بعد هذا القلق الذي يقضُّ روحي؟
ماذا لو تزحزحت نجمة القطب قليلاً عن مكانها؟
هل سيضل صياد السمك طريقه
هل سينسى الراعي قطيعه؟
ربما لا شيء
لا شيء
يغيّر حقيقتي.
فأنا حلم الأرض
الإنسان الذي يكمل نومه
وحين يستيقظ ينطلق سائراً
ذلك أن الظلام الحقيقي يحيط به
ظلام أحمر
ظلام أزرق
والبداية
يجب أن تكون لهذه الأشياء

معبد إله الصبر
-١-
بين الجبال الممطرة
اخترت منفاك
وفي المكان الذي أمضيت فيه الليلة الأخيرة
كنت تبحث عن معبد الصدر
ولكنك قلت: لماذا المعابد؟
فهنا مجرد مكان
تتحول فيه روح الإنسان إلى معبد.
وهنا المطر نهر مشرّدٌ
بلا منبع أو طفولة.

-٢-

اخترت منفاك بين الجبال العاصفة
جبال الضلال
جبال الآلام المُبْهِجة
وحين كان كلُّ ما فيكِ يشدّكِ إلى الفضاء
كنت تتأملين أزهار الصبر الذاوية وتبكين
نُمت في أحضانها كأنك لم تولدي بعد
سيظل الرحيل خياراً لكِ
سيظل المنفى هو الغواية
حيث تصغين إلى الموسيقى
وتكتشفين أن الحب لا يكتمل أبداً.


ترجمة عن التركية: شوكت أقصو 
المصدر : 




الجمعة، 7 نوفمبر 2014

منظور جديد للفقر و التفاوت 36، تحرير ستيفن بي، جنكينزوجون مايكلرايت عالم المعرفة العدد 363 (نسخة جديدة معدلة أصلية)

منظور جديد للفقر و التفاوت363، تحرير ستيفن بي، جنكينزوجون مايكلرايت عالم المعرفة العدد 363 (نسخة جديدة معدلة أصلية)
   




عظام الحبار / اوجينيو مونتالي / pdf


ديوان عظام الحبار لـ أوجينيو مونتالي pdf





ديوان عظام الحبار


أوجينيو مونتالي من مواليد 1896م : شاعر ايطالي حاز علي جائزة نوبل في سنة 1975 م.
يعد من كبار الشعراء الأيطاليين في التاريخ الحديث ، عاش في مستهل حياته فترة تاريخية مضطربة ، كان أثرها جلياً علي تكوينه وشاعريته ، لعل أشدها وطأة حقبة الفاشية .
صاغ شعره على وقع التحولات المحلية والعالمية ، ديوان عظام الحبار 1925 ، إبان أوج الفاشية 
، ( المناسبات 1939 ) ، مع إرهاصات الحرب العالمية الثانية ،( الزوبعة وأشياء أخرى 1956) ، واكبت قصائده وقائع الحرب وآثارها.
الكتاب : عظام الحبار
التصنيف : شعر مترجم 
المؤلف : أوجينيو مونتالي
ترجمة : عز الدين عناية - محمد الخالدي 
الناشر : هيئة أبوظبي للثقافة والتراث - كلمة
عدد الصفحات : 172
الحجم : 3.3 م.ب.
معاينة الكتاب : G.Drive

50 قصيدة من الشعر الاميركي / توفيق صايغ

السبت، 11 أكتوبر 2014

أنا ملالا لـ ملالا يوسفزاي / pdf




أنا ملالا لـ ملالا يوسفزاي 

تنويه مهم جدا 


نشير كتنويه ان اول ظهور  لكتابات مالالا مترجمة للعربية تم عبر قلم المترجمة والكاتبة الجزائرية جهان سمرقند ، في مدونتها  ثم في مدونة يونس بن عمارة  ثم بعد فترة في موقع أراء الكويتي  ثم عربيا واونلاين ظهر هذا الكتاب المترجم الذي نضعه الكترونيا بين يدي القاريء . لذلك نذكر ان الفضل الاول لتعريف الجمهور العربي بمالالا في وقت مبكر  يرجع للمترجمة اعلاه .


حول الكتاب :


ناضلتُ دفاعًا عن حق التعليم وحاول الطالبان قتلي

عندما استولت حركة الطالبان على وادي سوات، ثمة فتاة رفعت صوتها. إنها ملالا يوسفزاي التي أبت السكوت أو الاستسلام وواصلت نضالها لنيل حفها في التعليم. في يوم الثلاثاء ٩ أكتوبر ٢٠١٢، كادت أن تدفع حياتها ثمنًا لنضالها بعد أن أطلق أحد مسلحي الطالبان النار على رأسها من مسافة شديدة القرب، فيما كانت على متن حافلة المدرسة في طريقها إلى البيت، ولم يكن أحدٌ يتوقع نجاتها. لكن رحلة علاجها التي وُصفت بالمعجزة قد أخذتها في انعطافة مذهلة من قرية نائية في شمال باكستان إلى قاعات الأمم المتحدة في نيويورك. وقد أصبحت الآن، وقد بلغت السادسة عشرة، رمزًا عالميًا النضال السلمي وأصغر مرشحة لنيل جائزة نوبل للسلام. ويسرد كتاب أنا ملالا عبر صفحاته حكاية مثيرة لأسرة اقتلعها الإرهاب العالمي من جذورها، وحكاية نضال رائعة لفتاة دافعت عن حق الفتيات في التعليم، وحكاية حب جارف أغدقه والدا مالالا على ابنتيهما وسط مجتمع لا يحتفي إلا بالذكور. إنه كتاب يقودك للإيمان بأن صوتًا واحدًا بوسعه أن يحدث تغييرًا في العالم. "من فيكن ملالا؟" سأل المسلح. أنا ملالا وهذه هي حكايتي.



السبت، 13 سبتمبر 2014

فلسفة الفن /بينيديتو كروتشه / pdf

المجمل في فلسفة الفن - بينيديتو كروتشه - ترجمة سامي الدروبي .



من الموسوعة العربية

يرى كروتشه أن الفن رؤية وحدس كموضوع خارجي (شيء أو شخص) أو كموضوع داخلي (عاطفة أو مزاج)، يعبر عنه الفنان باللغة أو اللون أو النغم أو الحجر، ولاينفصل التعبير عن الرؤية، حيث يمزج بينهما العمل الفني، ومن ثم يستوي القول إن الفن مضمون أو إنه شكل. والعمل الفني هو صورة ذهنية يؤلفها الفنان ويعيد متذوقو الفن تأليفها، وليس الفن سوى عرض الشعور مجسماً في صورة ذهنية. 
ولاينبغي الخلط بين الفن وبين المعرفة الجمالية التصورية، فالفن ليس سوى نشاط الروح، والجمال غير موجود في الطبيعة؛ لأن الجمال والفن فكرة واحدة من الممكن التعبير عنهما بلفظين مختلفين، وعلم الجمال[ر] هو العلم الذي يدرس تجلي الروح في جميع مظاهره والذي تعبر فيه الروح عن نفسها في أمثلة جزئية مجسمة.وليس المعنى الأخلاقي أو الديني في الأثر الفني هو الذي يُكّون الجمال، لأن الجمال لايوجد فقط في المضمون، إنما في الشكل والمضمون معاً، وهذه الرابطة تقوم في العاطفة والخيال معاً، باعتبارها تركيباً قبلياً للعيان الجمالي الحسي. ولا يوجد موضوع فني خارج الوحدة العضوية بين الخيال والعاطفة، والصورة الخالية من العاطفة هي شكل خاوٍ، وكذلك العاطفة من دون صورة هي مادة عمياء، فهنالك وحدة بين الخيال العقلي وبين التعبير عنه، فلا توجد صورة جميلة من دون ألوان وخطوط، كما لا توجد صورة موسيقية من دون نغمات وتوافقات، ويعتبر كروتشه أن الشعر هو الدرجة الأولى في الفن.
مارست فلسفة كروتشه الغنية تأثيراً قوياً في الفلسفة الإيطالية والأوربية برمتها، واحتلت أعماله مكانة بارزة في كلاسيكيات مثالية القرن العشرين، فكان له أثر كبير في معظم من أتى بعده من المفكرين والفلاسفة.


أو

الأحد، 7 سبتمبر 2014

طائرة: أو، كيف كان يتحدث إلى نفسه كما لو كان يلقي شعرا



في تلك الظهيرة سألته: هل هي عادة قديمة أن تتحدث إلى نفسك بهذه الطريقة؟

بدا السؤال وكأنها قد قالته بمجرد أن جال بخاطرها. ولكنه كان يعرفها، ويعرف بوضوح أن الأمر لم يكن كذلك. فدائما ما تفكر فيما تقول لبرهة قبل أن تنطق به. تجمع الكلمات التي تفكر فيها، وكأنها تسحبها بلسانها إلى داخل فمها لتختزنها حتى يأتي الوقت المناسب لإطلاقها. حتى صوتها دائما ما يظهر فيه شئ من الحدة في مثل هذه الأوقات.

جلس كليهما قبالة بعضهما البعض إلى طاولة المطبخ، شعرا بشئ من البرد اللطيف في قدميهما العاريتين لكون أرضية المطبخ مغطاة بطبقة بلاستيكية تعمل على امتصاص الحرارة. كان هناك محطة قطار ركاب ليست ببعيدة عن المنزل ولكن قليلا ما تمر بها القطارات. غالب الوقت، يبدو الجوار هادئا بشكل غامض.
خلع جوربيه ووضعهما في جيب سرواله، وشمرت هي قميصها الباهت ذو المربعات حتى المرفقين، حيث الطقس في إبريل يميل إلى الدفء في فترة ما بعد الظهيرة. أمسكت بأناملها البيضاء النحيفة الملعقة وكوب القهوة الخاصة بها. ألفى نفسه محدقا في حركة يدها وأناملها، وشعر حينها أن عقله فارغا من أي شئ كسطح أملس.
أخذت تفكر إن كان سؤالها قد ضايقه، ولهذا لزم الصمت. في مثل هذه الأوقات، تشعر أنه يجب عليها التخفيف من حدة الأجواء شيئا فشيئا مهما تطلب ذلك من وقت.
أخذ يحدق في حركة أصابعها دون أن يقول شئ. لم يقل شيئا لأنه لم يكن يعرف ماذا يمكن أن يقول. نسى في صمته وشروده بعض القهوة في كوبه حتى بردت وأصبحت هيئتها تبعث على النفور وكأنها بقايا لبعض الطين الراكد في الكوب.
تذكر أنه قد تخطى العشرين للتو، وهي أكبر منه بسبع سنوات، متزوجة، ولديها طفل. بالنسبة له، كان يجب أن تكون في سعادة غامرة كلما كانت معه.

كان زوجها يعمل لحساب وكالة سفر متخصصة في الرحلات إلى الخارج. ولهذا كان يقضي ما يقارب النصف من كل شهر في أماكن مثل لندن، روما وسنغافورة. كان من السهل ملاحظة حب زوجها لموسيقى الأوبرا، حيث وجد على رفوف حجرته ألبومات لمؤلفين موسيقيين مثل فيردي، بوتشيني، دونيزيتي وريتشارد ستراوس. تبدو هذه الرفوف الطويلة وكأنها تمثل نظرة زوجها إلى العالم أقرب من كونها ألبومات مسجلة لنوع من الموسيقى، كانت نظرة هادئة وراسخة، وليس من السهل تغيير طبيعتها كثيرا.
أخذ ينظر إلى الرفوف المملتئة بالألبومات ويمر بعينيه على أسمائها. كان من الصعب عليه أن يتخيل أنه من الممكن أن يستمع إلى هذا النوع من الموسيقى يوما ما. في الحقيقة، لا يعلم إن كانت ستعجبه هذه الألبومات لو استمع إليها، ولكن لم تأت فرصة ليفعل شئ كهذا. لم يكن هناك أي شخص من أفراد عائلته أو أصدقائه أو معارفه يحب موسيقى الأوبرا أو معجبا بها. كان يعلم أن هناك شئ في هذا العالم يدعى الموسيقى الأوبرالية، وأن هناك أناس يحبونها في عصرنا هذا، ولكن دخوله الأول إلى هذا العالم كان عندما ألقى بنظرة على ألبومات هذا النوع من الموسيقى على رفوف غرفة زوجها.

أما الزوجة، فلم تكن مولعة بموسيقى الاوبرا على نحو خاص.
قالت له: لا أكرهها، ولكنها طويلة للغاية.

وجد بجوار الألبومات جهاز ستريو رائع للغاية، لم يكن قد أستمع إلى صوته من قبل، أو جرب أن يلمسه، وأما هي، فلم تكن لديها أي فكرة أين تجد مفتاح تشغيله. أخذ يتنقل بأريحية بين الغرف الأخرى، والتي كان أثاثها أكثر عصرية من غرفة زوجها. شعر بعد أن انتهى من جولته كما لو أن غرفة الزوج استثناء بين الغرف المنزل بكل ما فيها.

قالت له: ليس هناك ما هو خطأ في حياتي، زوجي يعاملني جيدا للغاية، وأحب أبنتي، أظن أنني سعيدة. كانت تقول تلك الكلمات بصوت هادئ، تتحدث عن زواجها وحياتها بطريقة موضوعية للغاية، وكأنها -مثلا- تناقش قوانين المرور!
"أعتقد أنني سعيدة، ليس هناك ما هو خطأ في حياتي."

كثيرا ما سأل نفسه متحيرا: لماذا إذا بحق الجحيم تنام معي؟ كان يفكر في الكثير من الاحتمالات كلما طرح هذا السؤال على نفسه. ولكنه لم يستطع الوصول إلى أي إجابة. ماذا كانت تعني عندما قالت كلمات مثل "ليس هناك شئ ما خطأ في حياتي" ؟ ماذا يمكن أن يكون هذا الشئ الخطأ في زواجها؟ أحيانا كان يفكر في أن يسئلها بشكل مباشر، ولكنه لم يكن يعلم كيف يبدأ. ما الذي يجعلك تنامين معي بحق الجحيم؟ هل يجب أن يوجه لها السؤال بهذه الطريقة؟ كان متأكدا من أن هذا سوف يجعلها تبكي.

لقد بكت بما فيه الكفاية؛ بكت لفترات طويلة من قبل؛ كلما بكت، يصدر منها أصوات خافتة تبعث على الألم. لم يكن يعلم في غالب الوقت لماذا تبكي، ولكن بمجرد أن يبدأ نحيبها الخافت، فلا يمكنها التوقف. حاول أن يُهدئ من سريرتها قدر الإمكان، ولكنها لم تكن تهدأ إلا بعد مرور بعض الوقت. في الحقيقة، لم يكن عليه أن يفعل شئ، فبمجرد مرور بعض الوقت كانت تتوقف عن البكاء، وكأن دموعها قد نفذت.

مر بتجارب مع نساء أخريات، كلهن تشعرن بالغضب وتبكين، ولكن طريقتها في البكاء كانت مختلفة عن أي منهن. بالتأكيد هناك ما هو مشترك بينها وبينهن، ولكنها مختلفة في الكثير من الأشياء لدرجة أنه لا يستطيع احصاء هذه الاختلافات. بالنسبة له، كانت التجربة الاولى مع امرأة تكبره في العمر، ولكن هذا الفرق في العمر لم يزعجه كما كان يتوقع. ما أزعجه حقا هو اكتشافه كم الأختلافات الكبيرة بين ميوله وتفضيلاته من جهة وميولها وتفضيلاتها من جهة أخرى. أصبح هذا الأمر بالنسبة له لغز حيره كثيرا، ولم يكن تفكيره في هذا الأمر لأوقات طويلة قد ساعده أو ألهمه العثور على مفتاح لحل هذا اللغز.

تعودا ممارسة الحب بعد أن تنتهي من بكائها. أحيانا، ترفض أن تقوم بأي شئ معه، تبدي رفضها بهزة من رأسها دون أن تتفوه بكلمة. يشعر بعدها أن عينيها تبدوان مثل قمرين كاملين يطفوان على حافة العتمة التي تغشى السماء. عندما يرى عينيها بهذا الشكل، يعلم أنه ليس هناك من شئ يمكن أن يقدمه لها. هذه النظرة من عينيها تعني رفضها القيام بأي شئ معه، تاركة إياه يشعر بالغضب والحزن. وفي أحيان أخرى، يمكنها أن تجعله يشعر بالراحة الحقيقية من أعماقه. هكذا كانت تمضي الأمور بينهما ولا شئ آخر غير ذلك.
في بعض الأوقات يجلسان قبالة بعضهما البعض إلى طاولة المطبخ، يرتشفا بعض القهوة، ويتحدثا بهدوء. لم يكن أي منهما يمتلك قدرة كبيرة على الحديث، كما أنه لم يوجد بينهما الكثير ليتحدثا بشأنه. لم يستطع أن يتذكر يوما عن أي شئ كانا يتبادلا الحديث. فلم تكن سوى جمل قليلة يقطعها الصمت أو مرور قطار في الجوار من حين لآخر.

غلب على ممارستهما للحب شئ من الهدوء واللطف. حتى أنه لايمكنك القول أنه ممارسة للحب من أجل الاستمتاع بالإثارة القوية وإشباع الجنس بشراهة. ليس من الصحيح أيضا القول بأنهما لم يكونا يستمتعان بتلاصق جسديهما عاريان كرجل وامرأة يمارسان الحب. ولكنه شيئا بعيدا عن هذه الإثارة الشديدة والرغبة الجامحة وأساليب الجنس التي كان قد جربها وتعود عليها من قبل.
كانت ممارسته للحب معها تجعله يشعر وكأنه في غرفة صغيرة ومريحة، بها الكثير من الخيوط الملونة المتدلية من السقف. خيوط متعددة الأشكال والأطوال، وكل خيط يبعث شئ من البهجة بطريقة متفردة عن الخيوط الأخرى. أراد أن يسحب أحدى هذه الخيوط ولكنه لم يكن يعرف أيهم يريد. شعر بأنه في اللحظة التي سيسحب فيها خيط منهم، سينفتح أمام ناظريه مشهد لمسرحية رائعة. ولكن المشهد كان من الهشاشة بحيث من السهل تحطيم كل شئ في لحظة. ولذلك كان مترددا، وفي كل مرة، ما إن يحاول تهدئة نفسه ويتريث ليتلاشى ارتباكه، حتى يجد أن يوما آخر معها قد انتهى.

صعُب عليه استيعاب هذا الشعور الغريب الذي كان ينتابه معها. اعتقد أنه يعيش حياته وفقا لقواعد قد وضعها هو بنفسه. ولكن عندما يكون في غرفتها، مستلقيا بين ذراعيّ هذه المرأة التي تكبره في العمر، مستمعا بين حين وآخر لأصوات حركة قطارات الركاب في الجوار، يشعر حينها أنه يعيش في فوضى كاملة. مرة تلو الأخرى يسئل نفسه: هل أحبها حقا؟ ولكنه لم يستطع الحصول على إجابة تقنعه بشكل تام. كل ما كان متأكدا منه هو هذه الخيوط الملونة التي يراها تتدلى من سقف الغرفة الصغيرة المريحة التي طالما تخيلها كلما مارس الحب معها.

تعودت أن تلقي نظرة على الساعة بعدما ينتهيا من ممارسة الحب، ومن ثم تستلقي بين ذراعيه. مر قطار في الجوار عندما نظرت إلى الساعة؛ كان هذا شيئا غريبا، فكلما نظرت إلى الساعة كانت تسمع صوت قطار في الجوار. وكأن هذا الأمر مترابط شرطيا؛ مقدرا له الحدوث مسبقا.

حرصت على تفقد الوقت بين حين وآخر حتى تتأكد أنه لم يحن بعد ميعاد عودة ابنتها ذات الأربعة أعوام من رياض الأطفال. حدث ذات مرة واستطاع أن يلقي نظرة على ابنتها؛ وجدها طفلة صغيرة تشع جمالا. هذا هو الانطباع الوحيد الذي تركته فيه. ولحسن الحظ، لم ير من قبل الرجل الذي كان يعمل في وكالة رحلات ويحب موسيقى الأوبرا؛ والذي كان زوجها.

بعد ظهيرة أحد أيام شهر مايو، سألته لأول مرة عن تحدثه إلى نفسه بتلك الطريقة. بكت في ذلك اليوم مرتين؛ ومارسوا الحب مرتين. لم يستطع سؤالها عن سبب بكائها مرة أخرى. ربما أرادت أن تبكي من أجل البكاء ولا شئ آخر. جال بخاطره تساؤل: ربما لا يمكنها أن تتحمل الجلوس والبكاء وحيدة، ربما لهذا ترغب في وجودي، لأنها احتاجت إلى من تبكي بين ذراعيه.

في ذلك اليوم، أغلقت الباب وأسدلت الستائر، واستمتعا بكونهما مع بعضهما البعض يمارسا الحب بلطف وهدوء كما اعتادا دائما. رن جرس الباب، فجفلت للحظة ولكنها تجاهلته. قالت: لا عليك، ليس هناك من شئ. رن الجرس أكثر من مرة ولكن في النهاية استسلم الطارق ورحل. كما قالت، ليس هناك من شئ، ربما كان رجل مبيعات. ولكنه تسائل: كيف يمكنها أن تعلم!
سمع همهمة لقطار، وصوت عزف على البيانو يأتي من بعيد. استطاع أن يميز النغمة التي سمعها، تذكر أنه قد استمع إليها مرة في حصة الموسيقى، ولكنه لم يستطع تذكر أي مقطوعة كانت على وجه التحديد، فقد مر على ذلك وقت طويل. أغلقت عيناها، تنفست بعمق، ثم أكملا ممارستهما للحب بأقصى ما يمكن من لطف وهدوء.

بعد أن انتهيا، قام من السرير ليستحم؛ وعندما عاد إلى الغرفة وهو يجفف نفسه بمنشفة الاستحمام، وجدها مستلقية على السرير مغمضة العينين ووجها لأسفل؛ جلس بجوارها، مداعبا أسفل ظهرها وهو يتتبع بعينيه أسماء ألبومات موسيقى الأوبرا على رفوف الحجرة.
بعد ذلك بقليل، قامت هي أيضا وارتدت ملابسها ثم ذهبت إلى المطبخ لتعد بعض القهوة لكليهما. عندما ذهب إليها سألته على حين غرة: هل هي عادة قديمة أن تتحدث إلى نفسك بهذه الطريقة؟
قال: أي طريقة؟ هل تقصدين عندما نمارس الحب معا؟
قالت: لا، ليس هذا ما أقصده، أقصد في أي وقت، مثلا عندما تستحم، أو عندما أكون في المطبخ وأنت تجلس تقرأ جريدة أو شئ من هذا القبيل.
قال: ليس لدي أي فكرة عما تقولين! لم ألحظ ذلك من قبل، هل أتحدث إلى نفسي حقا؟
قالت وهي تلعب بولاعته: نعم، أنت تقوم بذلك بالفعل.
قال: لا، لا أصدق أنني أقوم بذلك.
قال هذه الكلمات وقد بدا الإنزعاج واضحا في نبرات صوته. وضع سيجارة “Seven Stars” في فمه، أخذ ولاعته منها وأشعلها. كان قد بدأ تدخين السجائر منذ وقت قريب، وقد اعتاد على سجائر من نوع “Hope”، ثم عرضت عليه هذا النوع الذي يفضله زوجها فوجد أنه أفضل.
قالت: أنا أيضا اعتدت الحديث إلى نفسي كثيرا عندما كنت أصغر من ذلك.
قال: حقا!
قالت: نعم، ولكن والدتي جعلتني أتوقف عن فعل ذلك. كانت تقول لي: لا يصح أن تتحدث شابة مثلك إلى نفسها. كانت تغضب بشدة كلما رأتني أفعل ذلك، وحبستني أكثر من مرة في حجرة صغيرة كانت تستخدمها كخزانة للمنزل. بالنسبة لي، كانت هذه الخزانة هي أكثر الأماكن رعبا. فالمكان كله مظلم ورائحته عفنة. أحينا كانت تضربني بمسطرة على ركبتيّ، وقد نجحت طريقتها خلال مدة قصيرة، وجعلتني أتوقف عن الحديث إلى نفسي نهائيا. بعد فترة، لم أستطع القيام بذلك حتى لو أردت.

لم يتمكن عقله من التفكير في أي شئ، ولهذا سكت ولم يعلق.
قالت: من وقتها وحتى الآن، دائما ما أشعر أنني أريد أن أقول شيئا ما ولكنني ابتلع الكلمات، وكأنه عرض عكسي لما كنت عليه. لم أكن أعرف ما الخطأ في أن يتحدث المرء إلى نفسه، فهذا شئ طبيعي، إنها مجرد كلمات تخرج من فمك. لو كانت والدتي لا تزال على قيد الحياة لكنت سألتها عن ذلك، ما هو الخطأ في أن يتحدث المرء إلى نفسه.
قال: هل ماتت؟
قالت: نعم، ولكنني كنت أتمنى لو كانت الأمور بيني وبينها أكثر وضوحا. كنت أود أن أسألها: لماذا كنتِ تفعلين ذلك معي؟
قالت ذلك وهي تلعب بملعقة القهوة، ألقت نظرة على ساعة الحائط، وفي اللحظة التي نظرت فيها، مر قطار في الجوار. انتظرت حتى يمر القطار ثم قالت: أحيانا أفكر في أن قلوب البشر مثل آبار عميقة، لا أحد يعلم ماذا يوجد في باطنها. كل ما يمكنك فعله هو أن تتخيل ما يكمن في القاع عن طريق ما يطفو على السطح من حين لآخر. سكت كل منهما وبدا وكأنهما يفكران في هذا التشبيه المتعلق بالآبار، ثم سألها: ما الذي أقوله عندما أتحدث إلى نفسي؟
هزت رأسها ببطأ بضعة مرات محاولة أن تتذكر شيئا ثم قالت: حسنا، تقريبا كنت تتحدث عن الطائرات.
قال: طائرات!
قالت: نعم، الطائرات التي تحلق في السماء.
ضحك وقال: لماذا من بين كل الأشياء، أتحدث إلى نفسي عن الطائرات؟
ضحكت هي أيضا وسألته: هل لا تتذكر حقا ما كنت تقوله لنفسك؟
قال: لا أتذكر أي شئ.
التقطت قلم حبر من على الطاولة، أخذت تلعب به لثواني، ثم نظرت إلى الساعة من جديد وقالت: تتحدث إلى نفسك كما لو أنك تلقي شعرا.
بدا له واضحا أن الحمرة قد غمرت وجهها، لماذا تذكرها لحديثي إلى نفسي يغمر وجهها بالحمرة؟ حاول أن يقول الكلمات بقافية معينة: أنا أتحدث إلى نفسي/ غالبا كما لو/ أنني ألقي/ شعرا.
التقطت القلم من على الطاولة مرة أخرى، كان قلم حبر من البلاستيك ولونه أصفر؛ عليه كتابة تتحدث عن مرور عشر سنوات على تدشين هذه النوع من أقلام الحبر.
نظر إلى القلم بين يديها وقال: في المرة القادمة التي تسمعينني فيها أتحدث إلى نفسي، أخبريني بما أقوله. هل يمكنك أن تفعلي ذلك من أجلي؟
نظرت إلى عينيه مباشرة وقالت: هل تريد حقا أن تعرف؟
أومأ برأسه مجيبا على سؤالها بنعم.

أخذت ورقة من أوراق تسجيل الملاحظات وبدأت في كتابة شئ ما. كتبت ببطأ ولكن القلم استمر في الكتابة دون أن تتوقف للحظة لترتاح أو تلقي نظرة على شئ مما كتبت. نظر سارحا إلى جفنيها ورموش عينيها واضعا ذقنه ين يديه. تأمل عينيها وهي تطرف كل بضع ثواني على فترات غير منتظمة.
وكلما طال وقت تأمله لها و لرموشها التي بللتها الدموع في الكثير من الأوقات، كلما كان أقل فهما لما يمكن أن يعنيه كونه معها، ما الذي يمكن أن تعنيه ممارستهما للحب؟ إحساس غريب بالضياع كان يتملكه في هذه اللحظات. شعر أنه ربما لن يتمكن أبدا من ممارسة الحب مع أي امرأة أخرى بعدها. انتابه شئ من الرعب عندما مرت هذه الفكرة بخاطره، وكأن وجوده هو نفسه آخذ في التلاشئ كلما مر الوقت بقربها.

توقفت عن الكتابة ووضعت الورقة قبالته على الطاولة. أخذها وألقى نظرة عليها. قالت له: أشعر أن ما كنت تقوله عن الطائرات شئ ما بداخلك، في قلبك.
قرأ الكلمات بصوت مسموع
طائرات
طائرات تحلق
أنا، في الطائرة
الطائرة
تحلق
ولكن لا يزال، على الرغم من أنها حلقت
كل ما يتعلق بالطائرة
في السماء؟
قال مشدوها: كل هذا!!
قالت: نعم، هذا هو كل شئ.
قال: مستحيل، لا يمكنني تصديق أنني قد قلت كل هذا إلى نفسي دون أن أتذكر أي شئ عنه.
ابتسمت ابتسامة صغيرة ولكنها بدت مشجعة؛ وقالت: نعم، أنت قلت كل ذلك كما كتبته لك في الورقة.
قال: هذا شئ غريب للغاية، أنا لم أفكر يوما في الطائرات. ليس لدي شئ في ذاكرتي متعلق بالطائرات، لماذا إذن أتحدث عنها؟
قالت: لا أعلم، ولكن هذا ما كنت تقوله أثناء الاستحمام. ربما لا تكون قد فكرت في الطائرات من قبل، ولكن عميقا كما في قلب غابة كثيفة، قلبك قد فكر فيها.
قال: من يعلم، ربما يكون الأمر حقا كما تقولين.

أفلتت قلم الحبر، تاركة إياه يسقط من يدها على الطاولة مصدرا صوتا ضئيلا، ثم رفعت عينيها محدقة فيه وهو يجلس أمامها. ظلا صامتين لبعض الوقت حتى بردت قهوة كل منهما. كانت الأرض تدور على محورها، والقمر يتحرك تدريجيا محركا معه المد والجزر والجاذبية، يزداد الصمت، والقطارت تمر على القضبان في الجوار.
كان كل منهما يفكر في الشئ ذاته: طائرة. الطائرة التي كان يتحدث عنها إلى نفسه دون أن يتذكر أي شئ مما يقوله. كيف يمكن أن يكون حجمها، شكلها، لونها، وإلى أين هي ذاهبة؟ ومن سوف يسافر عليها؟ ربما كانت تنتظر من يسكن في قلب تلك الغابة الكثيفة التي تشبه قلبه؛ ربما هو من كان في الغابة يصنع هذه الطائرة، وها هي الآن تنتظره.
بكت بعد ذلك بقليل، كانت هذه هي المرة الأولى والأخيرة التي تبكي فيها مرتين في نفس اليوم. قام من كرسيه واقترب منها واضعا يده على شعرها، فبعد ما حكت له، بدأ يصدق في داخله أنه يتحدث إلى نفسه كما لو كان يلقي شعرا.
شعرت بأن هناك شيئا ما بداخلها هو ما جعلها تبكي مرة أخرى، وكأن الحياة ذاتها هي ما دفعتها لذلك؛ الحياة التي أحيانا ما تكون صعبة، وأحيانا أخرى تكون ناعمة، وفي بعض الأحيان تكون بعيدة المنال.

Jay Rubin (من اليابانية إلى الإنجليزية)
محمود حسني (من الإنجليزية إلى العربية)
 


رابط تحميل القصة بصيغة PDF:
https://www.mediafire.com/?k19bflmev1mof34

الجمعة، 29 أغسطس 2014

خيري حمدان يترجم لـ أكسينيا ميخايلوفا






أكسينيا ميخايلوفا شاعرة ومترجمة عن الفرنسية، صدر لها خمس مجموعات شعرية باللغة البلغارية: حشائش الحلم 1994، قمر في قمرة فارغة 2004، فصول ثلاثة 2005، أقرب طبقات السماء 2008 وغيرها. قصائدها مترجمة للعديد من اللغات ونشرت في كندا، أمريكا، فرنسا، بلجيكيا، إيطاليا، إسبانيا، رومانيا، ملدوفيا وغيرها من الدول.

شاركت في العديد من المهرجانات الشعرية وعملت في رئاسة تحرير مجلة “آه ماريا” الصادرة في صوفيا. تترجم عن الفرنسية وساهمت في إعداد العديد من المختارات الشعرية المترجمة، وحازت على العديد من الجوائز الوطنية والدولية. 

 

الجهة الثانية للحبّ 

هي تملك بيتًا: البحر كلّه

ونوافذ كثيرة للضيوف


اطردوا هذا الديك من العتبات الحجرية

مشط عرفه الناريّ سيشعل عند الصباح

ملاءات السكون

والتي من أجلها أغرق

في عينيه

كلّ مسميّات إيتاكا


 اطردوا هذا الديك

هي الآن تتعلّم أن تعشق ذاتها

وبجسدها المرن تدعو الزهد

وتنزّه فرحها الهشّ

في الحدائق

ولا تشتبه

كم من الموت ينتظرها

عبر كلّ هذه النوافذ

المحاطة بالبحر.