‏إظهار الرسائل ذات التسميات ترجمة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات ترجمة. إظهار كافة الرسائل

الجمعة، 15 أغسطس 2014

ما تعلمته /جيم هاريسن

ما تعلمته

جيم هاريسن

احمد شافعي 

هاريسن شاعر، وكاتب مقال، وروائي، وسيناريست، يعني في أغلب أعماله بثيمات الرجولة والبرية الأمريكية. صدرت روايته القصيرة "أساطير السقوط" سنة 1979 وتلتها أعمال كثيرة. حاوره كال فوسمان

لا أرى أي دليل على أن الحكمة تزداد بالتقدم في العمر. سيقول كبار السن إن هذا يحدث، ولكنهم لا يقولون إلا لغوا.

لو أطلق له العنان، لما أصبح لخيالنا حدود.

قبل أسبوعين من وفاتها، قالت لي أمي، الموغلة في الشخيوخة والظرف، عشت حتى رأيتك تعيش أحسن العيش من أكاذيبك.

أذهب حتى غرناطة، لأرى موضع اغتيال لوركا على سفح الجبل على يد أتباع فرانكو. فرانكو كان وغدا شريرا، هذا مؤكد، لكن المؤكد أيضا أنهم لم يمانعوا قط في قتل الشعراء في أمريكا.

أساطير كتبتها في تسعة أيام. لكن هذه هي الفترة الملائمة لذلك فعلا. كانت كتابتها أشبه بالإملاء... ولكنني بعد ذلك استغرقت خمس سنوات في التفكير في ما كتبت.

لن أضيع وقتي في الحديث إلى الكتاب الشباب ما لم يقدِّموا لي سببا وجيها لذلك. أقول "ليس لدي من الوقت ما أخصصه للكلام معك ما لم تكن مستعدا لمنحي حياتك كلها، وهكذا يكون الأمر أو لا يكون".

مرة كل عشرين عاما يظهر لدينا هنا [في أريزونا التي له فيها بيت ثانٍ] طائر التروغون الأنيق. يبدو أشبه بتحفة مصنوعة يدويا. طائر بالغ الندرة. ومن دواعي البهجة دائما أن تتوفر الندرة ذاتها في فناء بيتك.

ربما ما كنت لأصبح شاعرا لو لم أفقد عيني اليسرى في صباي. رمتني بنت الجيران بزجاجة مكسورة في وجهي أثناء شجار. رجعت بعدها إلى العالم الحقيقي، ولم أعد، لا بد أنك تفهمني.

وكأنني في العشرين وقد قتل أبي وأختي في الحادثة المرورية. قلت لنفسي، لو أن شيئا كهذا يحدث للناس، فلعل بوسعك أنت أيضا أن تفعل ما تريد، أن تصبح كاتبا. لا تتنازل مهما حدث، فلا معنى لذلك أصلا.

لو أن كل ما فعلته هو الرد على ما يصلني من رسائل، لكانت تلك وظيفتي الوحيدة.

أصف الصيد بأن أكون مع مايو باتالي. نظر في هاتفه العجيب وقال "اللعنة، عندي  رسالة إلكترونية". قلت "وماذا نفعل الآن؟" قال "لا شيء" ووضع الهاتف في جيبه، ومضينا في الصيد.

 لا أصطاد الثدييات.  أصدقائي كلهم يصطادونها. أنا أحب الظباء، وأعوِّل على طيبة قلوب أصدقائي. حدث مرة أن اصطدت غزالا في شبابي وكان حدث مؤسفا إلى أقصى حد.

خلافا لكثير من الكتاب ليس لدي دافع يستوجب الفهم.

نشروا لي "يراعات"  في ذي نيويوركر، وحذفوا منها مشهدا جنسيا، فغضبت في وقتها. قلت "إن المشهد دال على شخصيتها". فهي تحتاج إلى من يطرحها أرضا، مثل أي شخص في مرحلة ما.

لا أعرف هل كان نضوب الكاتب أم أنني ببساطة لم يكن لدي ما أريد أن أقوله.

بعد أربع وخمسين سنة  لا نزال متزوجين. وقليل من يحققون ذلك.

الأمر المثير في نيكولسن هو عجزه عن الكذب في أي شيء. لا يخطر له أن يكذب مطلقا، وهذا نادر في ممثل.

ما أروع  أن يعرف المرء التاريخ الهندي. اللعنة علينا كم كنا مغفلين طويلا، طويلا.

السبب الذي يجعل الكتَّاب يقصدون هوليود هو الحصول على قرشين. وهو ما لا زلت أفضله على التدريس. إذا كان بوسعي أن أكتب سيناريو في شهرين وأكسب منه ما قد أكسبه من التدريس لسنة ونصف، فلم لا؟

أحترم الدببة. كان هناك دب ذكر ضخم كنت أترك له السمك الزائد على بعد مائة ياردة من كوخي. كنت أترك السمك على جذع شجرة فيأكله الدب. وحينما أرجع إلى البيت من الحانة، كان يوقفني في بعض الأحيان فأفتح زجاج السيارة، ويضع هو ذقنه على حافة الشباك فأربت على رأسه، ولكن هذا غباء.

أعمل كل صباح. طوال فترة الصباح، وأحيانا في الأصائل. وأحيانا أصطاد في الأصائل ـ السمان، واليمام ـ ولكن ذلك فقط بهدف البقاء على قيد الحياة، فالكتّاب يموتون بسبب نمط حياتهم، ويموتون أيضا بسبب عدم الحركة.

لو أنك تكتب طول اليوم  ففي الحانة لن يروق لك بالتأكيد أن تتكلم عن ذلك.

عاشت جدتي حتى بلغت السابعة والتسعين، وكنت أحملها وأخرج من البيت، لتيبس مفاصلها، وكنت قويا بصدق وقتها. وكانت تقول "طال بنا هذا يا جيمي". أليس هذا قولا عظيما؟

الناس جميعا  يختفون.

هل تغيرت السعادة مع التقدم في العمر؟ نعم، صرت أتوقع من كل شيء ما هو أقل.

ينتهي بك الحال مفتقدا كلابك.

ما معنى كل ذلك؟  يبدو لي أن لا أحد لديه فكرة. وانقل هذا عن جيم هاريسن: لا أحد لديه فكرة.

والآن، أين وضعت عكازي؟

 

عن اسكواير. نشرت الترجمة في موقع 24


الثلاثاء، 29 يوليو 2014

فروغ فرخزاد - مختارات من ديوان شعر الأسيرة

فروغ فرخزاد - مختارات من ديوان شعر الأسيرة




https://drive.google.com/file/d/0Bxu9nt7A-tWSaExlcTNESko3ZTQ/edit?usp=sharing
or
http://www.4shared.com/office/fu6VnVAPce/__-_____.html
or
http://www.mediafire.com/view/jjbecb4x4c3364v/فروغ_فرخزاد_-_مختارات_من_ديوان_شعر_الأسيرة.pdf

    باتت الشاعرة الإيرانية فروغ فرخزاد معروفة لدى القارئ العربي، أكثر من كثير من الشعراء العرب. ثمة من يعزو ذلك إلى أهمية الشاعرة، وإلى الظروف التي أحيطت بها، والمعارك التي نشبت حولها بصفة شخصية، وحول بعض قصائدها التي نشرتها على مدار حياتها القصيرة (32 عاماً).
       لقد تعرّف العرب عليها بعد أن حققت الكثير من الشعر ومن الشهرة في بلدها، وبعد وفاتها بسنوات طويلة (توفيت عام 1967). وكانت دائماً تُقدّم، سواء في الكتب التي صدرت حولها وعنها وتمت ترجمتها إلى العربية، أو في المقالات التي كتبت عنها، أو المختارات الشعرية التي نشرت لها في عدة دوريات عربية، على أنها شاعرة مجددة ومهمة وإشكالية. ولا أستطيع الجزم في ذلك كوني لم أقرأ لها بالفارسية – لغتها الأصلية لجهلي بها، وكون الترجمات العديدة لكتبها متفاوتة المستوى.
       "الأسيرة" هو الديوان الأول الذي صدر للشاعرة عام 1953 وصدرت طبعة معدلة منه عام 1955. في هذه الفترة نشرت قصيدة بعنوان "أذنبت ذنباً مملوءاً باللذة" أثارت ضجيجاً هائلاً داخل العائلة الصارمة، فقد كان أبوها ضابطاً صارماً حتى في بيته، رغم ميوله الأدبية وولعه بالشعر وامتلاكه مكتبة عامرة، إلا أن تأثير المهنة عليه طغى على سلوكه كأب داخل منزله.. هذا الضجيج جعل الشاعرة تضطر لترك المنزل واستئجار غرفة مستقلة عن العائلة، وكانت هذه بدايات الظهور العملي للتمرد، الذي طبع حياتها وشعرها، كما يقول دارسو شعرها وحياتها.
اطلعت فروغ فرخزاد على التراث الشعري الغني والعامر للفرس، منذ سعدي وحافظ الشيرازي والآخرين الكبار، وبخاصة رائد الشعر الفارسي الحديث نيما يوشيج، والشعراء المعاصرين لها مثل أحمد شاملو وسهراب سبهري ومهدي إخوان ثالث وغيرهم.
       ورد في مقدمة الديوان تعريف لشعرها، ووُصف بأنه ينطوي على ديناميتها الخاصة بها، فكل قصائد الديوان ممزوجة تقريباً بالحرارة والإثارة الداخلية والهيجان والمشاعر الحادة. تبحث الشاعرة في هذا الديوان عن شعور وذكرى، ألم وأمل ما تحرك به روحها وقلبها، وقد تجلدهما به. إن شعر فروغ فرخزاد الفارسية يشبه إلى حد كبير شعر شاعرات أمريكا الجنوبية الذي يتصف بالحرارة والمشاعر المتجسدة في أساسها الشعري، وخير مثال على هذا قصيدة "تمرد" التي استلهمتها من الشاعرة الأمريكية الجنوبية ألفونسينا استورني، وفيها:
"لا تضع على فمي أقفال الصمت
ففي قلبي حكاية لم ترو بعد
فكّ عن رجلي هذه الحبال
ففؤادي كسير مما جرى    
***
إنني ذلك الطائر الذي منذ زمن بعيد
تراوده فكرة الطيران
انقلب نشيدي في الصدر الضيق إلى أنين
وأمضيت سنوات عمري في الأحزان".
       لقد انعكست مرارتها الخاصة، ودمارها الشخصي، في هذا الديوان، حيث عاشت حياة، وإن كانت قصيرة، إلا أنها مضطربة اضطراباً عظيماً، لقد تعرضت للطلاق من زوجها، وحُرمت من رؤية ابنها الوحيد، وقد عبرت مراراً عن انسحاقها جراء ذلك، وتبنت طفلاً آخر، وتدخل أهلها وأصدقاؤها، بشكل سافر، في حياتها الاجتماعية، وشُنت عليها الحملات التي تناولت شخصها وأخلاقها، فاتهمت بتعدد العلاقات وما إلى ذلك... وذلك بسبب أن المجتمع الإيراني مجتمع محافظ، "مغلق، متظاهر بتقليد الغرب، إلا أنه في الواقع محروم أساساً من كل الحريات" كما ورد بتعبير للناقد الإيراني شمس لنكرودي في كتابه "التاريخ المفصل للشعر الحديث". وقد ظهرت هذه المعاناة، ليس في هذا الديوان فحسب، بل في عموم شعرها، وفي تجاربها السينمائية أيضاً. حيث عملت الشاعرة في السينما، وأعدت أكثر من فيلم، ونالت العديد من الجوائز العالمية عنها.
       يصف الناقد شمس لنكرودي ديوان "الأسيرة" بأنه "مجموعة قصائد رومانسية تجمع بين الشكلين القديم والجديد، كُتبت تحت تأثير أشعار فريدون توللي وفريدون مشيري ونادر نادر بور". تقول الشاعرة في رسالة إلى إحدى المجلات قبل نشر هذا الديوان: "من بين شعراء إيران المعاصرين، أعتبر فريدون توللي أستاذاً لي، كما أحبّ كثيراً قصائد نادر نادر بور وفريدون مشيري، وأؤمن بها".
       يجدر بالذكر أن ديوان "الأسيرة" (1955) مسبوق بمقدمة لشجاع الدين شفا، تحدث فيها كثيراً عن الجانب الأخلاقي للشعر، كما أكد كثيراً أنه ليس معلم أخلاق، واعتبر أن هذا الجانب هو الذي تتعرض الشاعرة بسببه لحملات المنتقدين، وهذا يدل على أن فروغ فرخزاد تعرضت إلى حملات مهينة بسبب ما يسمى "الجرأة" في طرح المواضيع في مجتمع مغلق ومحافظ كالمجتمع الإيراني. فقد اهتمت اهتماماً خاصاً بالتعبير عن الحب الجسدي، وليس الروحي فحسب ! واعتبرت، في تلك الآونة، أن علاقات الحب يجب أن تعمم.. وكان المجتمع الإيراني يرفض هذا الأمر بشدة (ولم يزل ، بطبيعة الحال) فأن تقول شاعرة:
" قلبك طاهر وثيابي ملطخة بالآثام
أنادم الغرباء في كل خلوة
منتش أنت من مدام قبلتي
ثملة أنا من الكأس والشراب"
وأن تقول:
"أنا الساقية في ملتقى السكارى
...
إن كنت تريد قبلة فخذ..."
وكذلك:
"جئت متأخراً، إذ فقدت نقائي
جئت متأخراً، فقد غصت في الآثام
ذبلت من عواصف الذل والعار الشديدة                         
ذويت كما الشمعة".                              
       أن تقول هذا (عام 1954 كما ورد في أسفل القصيدة) فهو يعني أنها   شاعرة انتحارية، وقد وضعت نفسها في مهب العاصفة.
       على كل، يمكن أن يكون هذا الاهتمام الحسي بالحب، هو الذي جعل الكتّاب يوقظونها من موتها إلى الحياة، حيث أننا في عصر يمتاز ببروز الحسية في الحياة، وفي الحب على السواء على نحو لا يضاهيه إلا آداب اليونان القديمة العظيمة

الاثنين، 28 يوليو 2014

رواية هاروكي موراكامي الأخيرة (تسوكورو تازاكي منعدم اللون وأعوام حجِّه)

 
 
 
 
"في وقت متأخر من ليلة سبت، كان تسوكورو وهايدا مستيقظين كعادتهما يتحادثان، عندما تطرقا إلى موضوع الموت. تكلما في دلالته، وفي القدرة على العيش مع حتمية حدوثه. في أغلب حديثهما، ناقشا الموضوع باستخدام عبارات نظرية. أراد تسوكورو أن يشرح كم كان قريبًا من الموت في الآونة الأخيرة، والتغييرات العميقة التي أحدثتها له التجربة، بدنيًا وعقليًا. ودّ أن يخبر هايدا عن الأشياء الغريبة التي رآها. لكنه كان يعرف أنه إن ذكر كل ذلك، فسيضطر أن يشرح له التسلسل الكامل للأحداث، من البداية حتى النهاية. لذا، وكما دائمًا، تكفل هايدا بأغلب الحديث، فيما استلقى تسوكورو وأصغى."
 
 
ترجمة سريعة لبداية الفصل المطروح في موقع slate من الترجمة الانكليزية لرواية هاروكي موراكامي الأخيرة (تسوكورو تازاكي منعدم اللون وأعوام حجِّه)، والتي تصدر في ١٢ أغسطس / آب الجاري.

ترجمة هلال شومان . كل الحقوق محفوظة 2014

الثلاثاء، 22 يوليو 2014

لم أذهب إلى أي مكان: مقطع من رواية الهدنة

لم أذهب إلى أي مكان: مقطع من رواية الهدنة

ماريو بينيديتي
Mario Benedetti
الخميس 21 فبراير

بينما أنا عائد من المكتب هذا المساء، استوقفني رجل مخمور في الشارع. لم يطلق احتجاجات ضد الحكومة، ولم يقل إننا، أنا وهو، أخوان؛ ولم يتطرق إلى أي موضوع من الموضوعات العديدة التي يتطرق إليها السكارى عادة، في العالم بأسره. كان سكيرًا غريبًا، في عينيه بريق خاص. أمسكني من ذراعي وقال لي وهو يكاد يستند إليَّ: "أتعرف ما الذي أصابك؟ إنك لا تذهب إلى أي مكان". وفي تلك اللحظة، مرَّ بجانبنا شخص آخر، فنظر إليَّ نظرة بشوشة تشير إلى التفهم، بل ووجه غمزة تضامن أيضًا. لكنني أعاني القلق منذ أربع ساعات، وأشعر أنني لم أذهب فعلا، إلى أي مكان، وأنني لم أدرك ذلك إلا الآن فقط. 

 *** *** *** 

غلاف الكتاب

أشعر أحيانًا بالتعاسة لمجرد أني لا أعرف ما هو الشيء الذي أحن إليه"، دمدمت بلانكا بذلك وهي توزع علينا قطع الدراق المحفوظة في الرُّب.


من رواية:
الهدنة
ماريو بينيديتي
ترجمة: صالح علماني
 
 
مقتبس من مدونة برد . كل الحقوق محفوظة 2014

الاثنين، 21 يوليو 2014

حركة الترجمة بمصر خلال القرن التاسع عشر - جاك تاجر

حركة الترجمة بمصر خلال القرن التاسع عشر - جاك تاجر


حركة الترجمة بمصر خلال القرن التاسع عشر 
تأليف : جاك تاجر
الطعبة الأولى 2014م
دار هنداوي للثقافة والتعليم - مصر
-------------
-------------

الخميس، 10 يوليو 2014

وصايا دافنشي: مقاطع من كتاب نظرية التصوير

وصايا دافنشي: مقاطع من كتاب نظرية التصوير

ليوناردو دافينشي، 1473
 
(وصية)

ليس هناك ما يدعو لمدح فنان ما، لأنه يتقن عمل شيء واحد، ويجيد رسمه إلى حدٍ بعيد، سواء أكان ذلك جسدًا عاريًا، أم وجهًا إنسانيًا، أم بلادًا، أم حقولا أم حيوانات وأثوابًا أو أيًا من التفاصيل الأخرى، إذ لا وجود لعبقرية فذة تكتفي بمشاهدة ودراسة شيء واحد فقط وتقتصر عليه كمادة للعمل، ولا غرابة إذا ما استطاع الفنان الذي يسلك هذا المسلك أن ينجز أعمالا جيدة.
 

*** *** ***

لن تصبح مصورًا جيدً، إلا إذا صرت قادرًا وشاملا في فنك، على نحوٍ كوني، بحيث تستطيع محاكاة كافة أشكال الأشياء التي خلقتها الطبيعة، ولن تستطيع أن تصل إلى ذلك المستوى إلا إذا واظبت على مشاهدة الأشياء وإعادة صياغتها في عقلك، فإذا ذهبت إلى الحقول والمزارع عليك أن تتوجه بذهنك إلى تنوع الكائنات واختلافها وانظر مرة إلى هذا الشيء ومرة إلى ذلك الآخر.
  

*** *** ***
 
تعيسٌ ذلك المعلم [الفنان] ، الذي تفوق أعماله قدرته على الحكم عليها وتقييمها، وعليه كي يكتمل فنه، أن يسلك ذلك الطريق الذي يجعل وعيه يتجاوز أعماله.
 
*** *** ***
 
المصور الذي لا يخالجه الشك، لا يتعلم سوى القليل، وعندما يتجاوز العمل الفني قدرة المبدع على التقييم والحكم، فإن هذا المبدع لا يتحصل إلا على نزر قليل من الخبرة، أما إذا تجاوز الفنان بوعيه العمل الفني، فإنه يفتح الطريق لنفسه، كي يتطور بلا توقف، إلا إذا كان البخل مانعًا كافيًا.
  
*** *** ***
 
ليس هناك ما هو قادر على خداعنا، أكثر من آرائنا نحن في أعمالنا، فقدرتنا على الحكم والتقييم تكون صائبة، عندما نقيم أعمال الخصوم، وتفقد صلاحيتها مع الأصدقاء، وهذا يرجع إلى أن الصداقة والعداوة، التآلف والكراهية، هم أكبر وأقوى ما يمكن أن يطرأ على الحيوان من مشاعر.
  
ولهذا يتعين عليك أيها المصور أن تدقق، وأن تستمع بحذر وشغف لما يقوله خصومك عن أعمالك، لا ما يقوله الأصدقاء والمحبون، فالكراهية أقوى من الحب، والكره قادر على أن يدمر الحب وينهيه.
 
فإذا كان من بصدد إطلاق حكم عليك هو صديق لك، فإنه سيكون مجرد "أنت آخر"، وذلك بعكس الخصم أو العدو، ولذلك يمكن أن تخدعنا آراء الأصدقاء.

وهناك فصيلة ثالثة من الآراء، وهي تلك الآراء التي تتولد من مشاعر الغيرة والحسد، وتكتسب سيماء المداهنة والتملق، إنها تهدف بما تكيله من مدح وإطراء كاذب إلى وضع غشاوة على عين المبدع.
  
*** *** ***
 
هي نصيحة ذات نفع كبير للفنان إذ تساعد على تفتيح ملكاته وإطلاعه على عديد من الابتكارات، رغم أنها تبدو قليلة القيمة، بل ومثيرة للسخرية، ونصيحتي هي أن تتأمل أيها المصور الجدران الملطخة، والأحجار المختلطة، فإذا كنت تبحث عن تصور لموقع ما، يمكنك أن ترى فيها صورًا وأشكالا لبلدان متنوعة، تزينها الجبال، وتجري فيها الأنهار وسترى الأحجار، والأشجار، والسهول الواسعة، والتلال على اختلاف أشكالها، كما يمكنك أيضًا أن ترى معارك مختلفة، وأفعالا سريعة تقوم بها مخلوقات غريبة الأشكال، وستشاهد العديد من الوجوه والملابس وأشياء أخرى كثيرة لا يمكن حصرها هنا. ويمكنك أن تختصر هذه الأشكال في بناء متكامل، وأشكال قيمة، ومن يتعامل مع تلك الجدران والأحجار، يشبه من ينصت إلى أصوات الأجراس، فيسمع في دقاتها كل اسم أو حرف أو كلمة يمكن أن يتخيلها.
  
لا تقلل من شأن نصيحتي هذه، وأحب أن أذكرك أنه لن يضيرك كثيرًا، أن تتوقف بعض المرات، لتأمل الآثار والبقع المنتشرة على جدار أو حائط، أو في رماد النيران، أو في السحب والأوحال وما شابه ذلك من مواقع، فسوف تجد فيها إذا ما أحسنت التأمل ، ابتكارات مبهرة، لمعارك أوحيوانات أو بشر، كما تتيح الفرصة لتصورات جديدة للمواقع والبلدان والوحوش والشياطين وما شابهها.
  
وستكون هذه التأملات من بواعث تكريمك وتشريفك، إذ أن عبقرية المصور تتفتح عند تأمل الأشياء المختلطة والمتداخلة، وتخرج منها بابتكارات وحلول جديدة، ولكن عليك قبل ذلك أن تتعلم جيدًا رسم الأجزاء والأعضاء التي يتكون منها الشكل المنوط تصويره، وأن تكون قد استوعبت جيدًا تفاصيل الحيوانات وأجزاء البلاد، وأقصد بذلك الأحجار والنباتات وما تضمه من أشياء أخرى.
 
*** *** ***
ثبت لي أيضًا أن هناك أمرًا لا يمكن التقليل من أهميته، وهو ضرورة أن يحتفظ المصور بعقله في حالة بحث مستمر، حتى عند الذهاب إلى الفراش للنوم في غرفة مظلمة، فإذا ما وجدت نفسك في حلكة الفراش، عليك أن تعمل خيالك وأن تتذكر الأسطح والحدود الخارجية للأشكال التي درستها مؤخرًا، أو أن تقلب الذهن في أشياء أخرى لاحظتها وتثير التساؤل والتأمل، فهذا فعل محمود، ويفيد في تثبيت الأشياء بالذاكرة.
  
*** *** ***
 
على المصور أن يسعى دومًا ويكد، حتى يصبح فنانًا شاملا. وهذا لأن مكانه الفنان تهتز من أساسها، عندما تنحصر مهارته في رسم شيء ما دون غيره، فيأتي تصويره جيدًا لذلك الشيء، بينما تبدو رسوماته للأشياء الأخرى ضعيفة أو رديئة.

وهذا هو ما يحدث لبعض الرسامين، الذين يدرسون الجسد العاري في نسبه الصحيحة والمتناسقة فقط، ولا يهتمون بالبحث في تنوعاته وحالاته فهناك رجال ذوو أعضاء سليمة متناسقة، ولكن قد تكون أجساد رجال آخرين مختلفة، فهناك أيضًا الطويل والسمين والقصير والنحيف ومتوسط لقامة.
  
ومن لا يلتفت إلى هذه التنوعات ويهتم برصدها، فسيرسم دائمًا أشخاصًا متشابهين، فيبدون كما لو كانوا قد صيغوا من قالب واحد أو كإخوة في عائلة واحدة، وهذا ما يجب ألا تقع فيه، وعليك أن تحذره وأن تعيد النظر فيه مليًا.
   
*** *** ***
  يجب ألا يقلد المصور طريقة مصور آخر في العمل، لأنه سيحط بذلك من قدر نفسه، فيصبح حفيدًا للطبيعة بعد أن كان ابنًا لها.
   
*** *** ***
  أكثر أخطاء المصور جسامة هو تكرار نفس الأوضاع، ونفس الوجوه، ونفس نسق الثياب داخل موضوع واحد يصوره، وأن يجعل أغلب هذه الوجوه شبيهة بوجهه.
   
وقد عادت عليَّ هذه الظاهرة بمتعة خاصة في أحيان كثيرة، إذ كنت أتعرف على بعض الرسامين الذين يصورون شخوصًا تبدو كما لو كانت منقولة من الطبيعة. ولكنهم يظهرون في الأفعال والحركات نفس ما يقوم به المصور ذاته.
  
فإذا كان حاضر البديهة سريع الحديث يقظ الحركة، فستجد أن شخوصه يظهرون بنفس الدرجة من السرعة واليقظة أما إذا كان المصور شارد الذهن، فسنجد شخوصه شاردة ملتوية الأعناق على نفس النحو؛ حيث تظهر كما لو كانت تجسيدًا للكسل والخمول أو صورة رسمت من الطبيعة للكسل نفسه.
  
وإذا كان بالمثل مشوشًا وفاقد للاتساق تظهر شخوصه بلا تماسك أو ترابط. وإذا كان مجنونًا، فسنجد أن جنونه يطل واضحًا من خلال الشخوص والموضوع الذي اختاره لهم، فلا نجدهم عاكفين على إنجاز فعل بعينه ولا ينتبهون لما يؤدونه من أفعال، بل ينظر كل منهم في اتجاه مغاير كما لو كانوا في حالة حلم.
  
وهكذا ترتبط الأفعال والأحداث والشخوص التي نشاهدها في اللوحات بما يحدث في نفس المصور من أمور.
 
بحثت تكرارًا عن السبب الكامن وراء هذا الخطأ ويبدو لي أنه من الصواب أن نقول بأن الروح التي تسكن جسدنا هي السبب في ذلك، لأنها تجعل حكمنا على الأمور حكمًا يتعلق بنا كأفراد.
 
وهكذا تقودنا الروح لأن نصور كافة أشكال الإنسان على النحو الذي تحدده هي للجمال وتهواه: طول الأنف وقصره .. إلخ، كما تحدد ملامحه. 
ويبدو أن لحكم الروح قوة بالغة، حتى أنها تحرك يد المصور لكي يعيد دائمًا تصوير ذاته، بينما تجعله يعتقد أنه اتبع طريقته الخاصة في رسم الإنسان، ولذلك لا يرى ما يقع فيه من أخطاء.
 
إذا شاهدت الروح جسدًا يشبه الجسد الذي تسكنه، فإنها تحبه أو يتكرر حبها له دومًا. ولهذا السبب أيضًا يقع الكثيرون في الحب ويتخذون من أشباههم أزوجًا وزوجات، وغالبًا ما يأتي الأبناء من هذه الزيجات مشابهين لوالديهم.
 
*** *** ***

يبدو كل من القبح والجمال أكبر قدرًا وأكثر حضورًا عندما يدخل الواحد منهما في علاقة مع الآخر.
**** *** ***

يمكن أن يتساوى الكثير من الأشخاص في درجة الجمال، ولكنهم لن يتطابقوا أبدًا في أشكال هذا الجمال. بل على العكس سنجد أنهم يختلفون باختلاف عددهم.
  

*** *** ***

على المصور الجيد أن يصور أمرين أساسيين معًا وهما الرجل ومفهومه العقلي، وأول الأمرين سهل، أما ثانيهما فصعب، لأنه يتطلب صياغة الأوضاع وحركات الأعضاء ويمكن تعلم هذا من الخرس، لأنهم يتفوقون في ذلك الأمر على سائر البشر.
 
*** *** ***
   لا تضع في قصتك التعساء الباكين والدامعين بجوار الضاحكين الفرحين، فالطبيعة تخبرنا أننا نبكي في صحبة الباكين، وأن صحبة الضاحكين تسر النفس وتبهجها وأن الدموع والضحكات لا يتواجدان معًا.
 
*** *** ***
   ليس كل جميل مطلوبًا في التصوير، وأقول هذا لأولئك المصورين الذين يهيمون بجمال الألوان فيقتصدون عن عمد واضح في وضع الظلال بحيث يصعب إدراكها، كما لا يجتهدون في توضيح تجسيد الألوان وبروزها وهو منهج خاطئ مثل خطأ هؤلاء البلغاء وأهل الخطاب القادرين على صياغة عبارات جميلة بلا أي مضمون.

مقاطع من كتاب:
نظرية التصوير 
ليوناردو دافنشي
ترجمة وتقديم عادل السيوي
 
كل الحقوق محفوظة لمدونة  http://ahmed-elhadary.blogspot.com

مختارات من الأدب الانجليزى .. ترجمة المازنى

مختارات من الأدب الانجليزى .. ترجمة المازنى


الأربعاء، 9 يوليو 2014

الحلقة الأولى من مكتب كويلو "في الكتابة " On writing

الحلقة الأولى من مكتب كويلو "في الكتابة " On writing

تقديم : باولو كويلو

ترجمة : Djahane Samracande
اعداد : younes ben amara

"يتحدث باولو في هذا التسجيل عن الدوافع والاسباب وراء كتابة رواية 'ألف ' وعن نوعين من الكُتّاب والى اي نوع ينتمي هو ككاتب ..ذكر باولو عدة امثلة للادباء وسنورد هنا سير حياتهم واهم مؤلفاتهم في مكان واحد لتسهيل التعرف عليهم ..حديث شائق ماتع من اديب محبوب وعالمي : باولو كويلو موجه اليكم مباشرة باحب والطف لغة : اللغة العربية "

تحميل الترجمة :
http://goo.gl/jXyz40

ارشادات : الترجمة بتوقيت مضبوط لذا الرجاء تحميل الفيديو من اليوتوب من هنا (قناة باولو الرسمية ) : http://goo.gl/T9B8SG




1- حمل الترجمة من الرابط اعلاه استخرجها .

2- حمل الفيديو من اليوتوب ، ضع الفيديو والترجمة SRT بنفس المكان .سمي الفيديو وملف الترجمة بنفس الاسم ."ينصح باستعمال VLC"

3-شغل الفيديو وستشتغل الترجمة باذن الله .

الحلقة الثانية اتية ان شاء الله

الأحد، 6 يوليو 2014

راي برادبيري: الكتابة متعة خلابة، وهي الجنون في حياتي

راي برادبيري: الكتابة متعة خلابة، وهي الجنون في حياتي

الخيال العلمي ليس فنّ الممكن وحسب، بل هو فنّ الواضح.
الخيال العلمي ليس فنّ الممكن وحسب، بل هو فنّ الواضح.
ترجمة: بثينة العيسى
 راي برادبيري روائي أمريكي (1920 -2012) كتبَ في مجال أدب الرّعب والخيال العلمي، ليس الخيال العلمي الذي بالكادِ يلامس اهتمامات راهننا الإنساني والثقافي، بل النوع الآخر الذي يضيء ببصيرة نافذةٍ مصير الإنسانية ومستقبلها. كاتبٌ مجنون، وعندما أقولُ “مجنون” فأنا أمعنُ في المديح، بدأتُ في ترجمة حوارِه الذي أجراه معه سام ويلر في صحيفة ذي باريس ريفيو، ثم توقفت لأشهر حتى أقرأ عمله الأشهر (451 فهرنهايت) وعدتُ إلى ترجمة بقية الحوار بكلّ الحماسة الممكنة.
أهمية برادبيري لا تقتصر على قدرته المذهلة على إثارة الأفكار في ذهنية المتلقي وحسب، بل لكونه من القلة القليلة التي تتعاطى مع الكتابة بصفتها غبطة، واحتفالٌ أبدي، ومشروع لذة لا متناهية. راي يكتبُ وكأنه يلعب، وهو لا يؤمن بالمعاناة، ويستخدم مخيلته الخلاقة لسبرِ وكشف مستقبلنا أمامنا، ليسألنا: ما الذي سنفعله بشأن سعينا الجماعي الدؤوب نحو القضاء على العالم؟
لماذا تكتب الخيال العلمي؟
الخيال العلمي هو خيالُ الأفكار. الأفكار تثيرني، وبمجرد ما أشعر بالإثارة يفعل الأدرينالين فعله، والشيء اللاحق الذي أعيه هو أنني أستعير الطاقة من الأفكار نفسها. الخيال العلمي هو أية فكرة تطرأ في الرأس ولا تكون موجودة بعد. ولكنها ستوجد قريبا، وستغير كل شيء لكل شخص، ولن يعود أي شيء كما كان عليه. بمجرد ما تكون لديك فكرة تغير جزءا صغيرا من العالم، فأنت تكتب الخيال العلمي. إنه دائما جزءٌ من الممكن، وليس أبدا جزءًا من المستحيل.
تخيل لو أنني، قبل ستين سنة، في بداية عملي ككاتب، فكرت أن أكتب قصة عن امرأة تبتلع حبّة دواء وتدمّر الكنيسة الكاثوليكية، وتتسبب في مجيء حرية المرأة. الأرجح أن القصة ستقابل بالضحك، ولكنها كانت في حقل الممكن، وكان يمكن أن تصنع خيالا علميًا عظيمًا. لو أنني عشتُ في أواخر سنوات الـ 1800، لربما كتبت قصة تتنبأ بأن عربات غريبة سوف تتحرك عبر أراضي الولايات المتحدة قريبًا، وسوف تقتل مليوني نسمة خلال سبعين سنة.
الخيال العلمي ليس فنّ الممكن وحسب، بل هو فنّ الواضح. بمجرد أن ظهرت السيارات، كان بإمكانك أن تتنبأ بأنها ستدمّر الكثير من الأشخاص، كما فعلت.
هل يحقق الخيال العلمي أمراً لا تحققه الكتابة السائدة؟
 نعم، إنه يفعل. لأن الكتابة السائدة لم تهتم بالتغيرات في ثقافتنا خلال السنوات الخمسين الأخيرة. الأفكار المهمة في زمننا – التطورات في الطب، أهمية اكتشاف الفضاء لتطوير جنسنا البشري – تم تجاهلها. النقّاد هم عادةً على خطأ، أو أنهم متأخرون لـ 15 أو 20 عامًا. إنه عارٌ عظيم. إنهم يفوّتون الكثير. أما تساؤل: لماذا يتم تجاهل خيال الأفكار، فهو سؤالٌ يتجاوزني. لا أستطيع تفسيره، إلا من حيث كونه عجرفة فكرية.
هل يقدّم الخيال العلمي طريقًا أسهل للكاتب لاكتشاف الأسس الفكرية؟
 خذ “451 فهرنهايت[i]” على سبيل المثال. أنت تتعاطى مع حرق الكتب، موضوعٌ جادٌ جدًا. يجب أن تتوخى الحذر بشأن وعظ الناس. وعليهِ تضع قصتك في المستقبل بعد بضع سنوات، وتخترع إطفائيًا اعتاد أن يحرق الكتب بدلا من أن يطفئ النيران، وهي الفكرة العظيمة بذاتها، ثم تأخذه في مغامرة لكي يكتشف بأنه.. ربما لا ينبغي حرق الكتب. إنه يقرأ كتابه الأول، ويقع في الحب. ثمّ يرسله إلى العالم لكي يغيّر حياته. إنها قصة شديدة التشويق، وفي داخلها توجد الحقيقة العظيمة التي ترغب بقولها، بلا وعظ.
عادة ما أشير إلى رمزية “فرساوس” ورأس “ميدوزا” عندما أتحدث عن الخيال العلمي. فبدلاً من أن تنظر إلى الحقيقة في وجهها، تنظر من فوق كتفك إلى السطح البرونزي لدرعٍ عاكس، ثم تعود بسيفك وتقطع رأس ميدوزا. الخيال العلمي يتظاهر بأنه ينظر إلى المستقبل، ولكنه في الحقيقة ينظر إلى انعكاسٍ لما هو موجودٌ بالفعل أمامنا.  إذن لديك رؤية مرتدة، مرتدة بحيث تمكنك من أن تستمتع معها، بدلا من أن تكون ذاتيّ الإدراك وخارق الذهن.
 متى بدأت الكتابة؟
 لقد بدأتُ مع إدغار آلان بو. قمتُ بمحاكاته مذ كنت في الثانية عشر وحتى الثامنة عشرة. لقد أغرمتُ بمجوهرات بو. إنه منقّب مجوهرات، أليس كذلك؟ وكذلك إدغار رايس بوروغز وجون كارتر. كنتُ أكتب قصص رعب تقليدية، وهو ما أعتقدُ أن كل من يدخل هذا الحقل سيبدأ به. أنت تعرف، أشخاص يحتجزون في أضرحة. لقد رسمتُ متاهات مصرية.
كل شيءٍ اختمر حتى تلك السنة، 1932، عندما كنتُ في الثانية عشر. كان هناك بو، كارتر، بوروغز، والرسومات الهزلية. لقد استمعت إلى الكثير من برامج الراديو الخيالية، وبخاصة “الساحر شاندو”. أنا متأكد من أنه كان رديئا جدا، ولكن ليس بالنسبة لي. كل ليلة، بعد أن ينتهي البرنامج، كنت أجلس وأكتب النّص كاملا من الذاكرة. لم أستطع منع نفسي. شاندو كان ضدّ جميع مجرمي العالم، وأنا كذلك. لقد استجاب إلى استدعاء للتخاطر، وكذلك أنا.
 لقد أحببتُ الرسم أيضا. كنتُ أرسم رسومات الكارتون. لطالما أردتُ مسلسلي الهزلي الخاص. وبناء على ذلك لم أكن أكتب عن طرزان وحسب، بل كنتُ أرسم بطاقات الأحد التي تخصّني. لقد كتبتُ قصص المغامرات المعتادة، جعلتها في أمريكا الجنوبية، أو بين شعب الآزتيك، أو في أفريقيا. كان هناك دائما العذراء الجميلة والقربان. وعليه فقد عرفتُ بأنني متوجه إلى أحد الفنون. كنت أرسم، أمثل، وأكتب.
لا تستطيع تعلم الكتابة في الكلية. إنه مكان سيءٌ جدًا للكتاب
لا تستطيع تعلم الكتابة في الكلية. إنه مكان سيءٌ جدًا للكتاب
قلتَ بأنك لا تؤمن بالذهاب إلى الكلية لتعلم الكتابة. لماذا؟
لا تستطيع تعلم الكتابة في الكلية. إنه مكان سيءٌ جدًا للكتاب، لأن الأساتذة يعتقدون دائما بأنهم يعرفون أكثر مما تعرف، وهذا غير صحيح. لديهم تعصبات. قد يعجبهم هنري جيمس، ولكن ماذا لو لم تكن تريد الكتابة مثل هنري جيمس؟ يمكن أن يعجبهم جون إيرفنغ، على سبيل المثال، وهو الشخص الأكثر إملالا على مرّ العصور. معظم الناس الذين دُرِّست أعمالهم في المدارس في السنوات الثلاثين الأخيرة.. لا أفهم لماذا تتم قراءتهم، ولماذا يتم تعليمهم. المكتبة، من ناحيةٍ أخرى، ليس لها انحيازات. المعلومات كلها متوفرة لك حتى تؤوّلها. ليس هناك شخص يخبرك بما يجب أن تفكر فيه. إنك تكتشف ذلك بنفسك.
 ولكنّ كتبك تدرّس بتوسّع في المدارس ..
هل تعرف لماذا يختارني المدرّسون؟ لأنني أتحدث بألسنة كثيرة. أكتب استعارات. كل واحدة من قصصي هي استعارة يمكنك أن تتذكرها. جميع الديانات العظيمة هي استعارات. نحن نقدر أشياء مثل “دانييل وعرين الأسد” و”برج بابل”. يتذكر الناس هذه الاستعارات لأنها حية جدا، ولا يمكنك التحرر منها، وهذا هو ما يعجب الأطفال في المدرسة.
 إنهم يقرؤون عن الصواريخ والاشتباكات في الفضاء، قصص عن الديناصورات. لقد كنتُ طوال حياتي أركض حول الحقول وأقطف المواضيع المشرقة. أقلّب واحدة بيدي وأقول: نعم، ها هنا قصة. وهذا هو ما يعجب الأطفال. قصصي اليوم موجودة في آلاف المجموعات القصصية المختارة، وأنا برفقةٍ جيدة. الكتاب الآخرون الذين كتبوا الاستعارات هم في الغالب أموات: إدغار آلان بو، هيرمان ميلفل، واشنغتون إيرفنغ، ناثانيل هاوثورن. كل هؤلاء كتبوا للأطفال، ربما تظاهروا بعكس ذلك، ولكنهم فعلوا.
 إلى أيّ حدٍ يهمّك أن تتبع غرائزك؟
آه. يا إلهي. إنها كل شيء. لقد عرض عليّ أن أكتب سيناريو “الحرب والسلم” قبل بضعة عقود. النسخة الأمريكية من ]الحرب والسلم[ مع المخرج كينغ فايدور. لقد رفضتُ العرض. قال لي الجميع: كيف يمكنك أن تفعل هذا؟ هذا سخيف، فهو كتابٌ عظيم! قلتُ: حسنًا، إنه ليس لي. لا أستطيع أن أقرأه. لا أستطيع التوغّل فيه. لقد حاولت! هذا لا يعني بأن الكتاب رديء. أنا فقط غير مستعدٍ له. إنه يجسّد ثقافة شديدة الخصوصية. لقد طوّحتني الأسماء. زوجتي أحبّته. لقد قرأته مرّة كل ثلاث سنواتٍ طوال عشرين عامًا. لقد عرضوا عليّ المبلغ المعتاد لكتابة سيناريو كهذا، مئة ألف دولار. ولكن، في هذا العالم، لا يمكنك أن تفعل الأشياء لأجل النقود. لا يهمني ما يعرضونه عليك. ولا يهمني إلى أيّ حدٍ أنت فقير. هناك عذرٌ واحد فقط لأخذ النقود تحت هذه الظروف: إذا كان هناك شخص مريض جدًا في عائلتك، وفواتير الطبيب تتراكم عاليًا إلى الحدّ الذي سيدمّرك. عندها أقول: اذهب وقم بالأمر. اكتب (الحرب والسلم) بطريقة رديئة، واندم لاحقًا.
 المشكلة في الرواية هي أن تبقى صادقًا. إذا كنتَ تشعر بكثافة ولديك فكرة مثيرة، فإن القصة القصيرة تكتب نفسها في ساعات قليلة.
المشكلة في الرواية هي أن تبقى صادقًا. إذا كنتَ تشعر بكثافة ولديك فكرة مثيرة، فإن القصة القصيرة تكتب نفسها في ساعات قليلة.
 هل تمثل الرواية والقصة القصيرة مشكلات مختلفة بالنسبة لك؟
نعم. المشكلة في الرواية هي أن تبقى صادقًا. إذا كنتَ تشعر بكثافة ولديك فكرة مثيرة، فإن القصة القصيرة تكتب نفسها في ساعات قليلة. أحاول أن أشجع أصدقائي التلاميذ وأصدقائي الكتّاب على أن يكتبوا القصة القصيرة في يومٍ واحد، حتى ينمو غشاءٌ حولها. حول كثافتها، حول حياتها، حول سبب وجودها. ثمة سببٌ وراء أن تخطر الفكرة في رأسك في تلك الساعة على أية حال. لذا امضِ مع هذا الأمر وتحرّ عنه. اكتبه. ألفين إلى ثلاثة آلاف كلمة في بضع ساعات ليست بالأمر الصعب. لا تدع الناس يتدخلون. اركلهم خارجًا، أغلق الهاتف، اختبئ بعيدًا. إذا أخذت قصة قصيرة معك إلى اليوم التالي، فقد تفكّر بشيءٍ حيالها بين عشية وضحاها، وتحاول أن تجعلها مزخرفة أكثر مما ينبغي، أو تحاول إرضاء شخصٍ ما.
 أما الرواية، ففيها كل أنواع المزالق، لأنها تأخذ وقتا أطول وأنت تدور حولها. وإذا لم تكن حذرًا فسوف تتحدث عنها. وأيضا، من الصعب كتابة الرواية من ناحية إبقاء محبّتك كثيفة. من الصعب أن تبقى منتشيا لمئتي يوم. إذن.. أخرِج الحقيقة الكبيرة أولا. إذا أخرجت الحقيقة الكبيرة، فإن الحقائق الصغيرة ستتراكم حولها. دعها تنجذب إليها مغناطيسيا، تتجه إليها، ومن ثم تتشبث بها.
 هل من مشكلات محددة واجهتها مع أيٍ من رواياتك؟
 في رواية (فهرنهايت 451)، جاءني “مونتاغ” وقال لي: إنني أفقد صوابي. قلتُ له: ما الخطب يا مونتاغ؟ قال: كنت أحرقُ الكتب. قلتُ: حسنا، ألا ترغب بذلك بعد الآن؟ قال: لا، أنا أحبُّها. فقلتُ: اذهب وافعل شيئًا بهذا الشأن. فكتبَ لي الكتاب في تسعة أيام.
هل تحافظ على جدولٍ زمنيّ ضيّق؟
 شغفي يأخذني إلى الآلة الكاتبة في كلّ يومٍ من حياتي. وقد أخذني إلى هناك مذ كنت في الثانية عشرة من عمري. لذا.. لستُ مضطرا لأن أقلق بشأن الجدول الزمني. دائمًا هناك شيءٌ جديد ينفجر في داخلي، وهو الذي يجدولني. أنا لا أجدوله. إنه يقول: اذهب إلى الآلة الكاتبة الآن وأنهِ الأمر.
 أين تنجز كتاباتك؟
 أستطيع أن أعمل في أيّ مكان. لقد كتبتُ في غرف النوم وغرف المعيشة عندما كنتُ يافعًا مع والديّ وأخي في بيتٍ صغير في لوس أنجلوس. لقد عملتُ على آلتي الكاتبة في غرفة المعيشة، بوجود الراديو، وأمي وأبي وأخي يتحدثون في نفس الوقت. ولاحقًا، عندما أردت أن أكتب (فهرنهايت 451) ذهبت إلى جامعة كاليفورنيا وعثرتُ على غرفة طباعة في السرداب. إذا أدخلت في الآلة الكاتبة 10 سنتات، تشتري نصف ساعة من وقت الطباعة.
 هل استخدمت الكمبيوتر؟
 لحين إصابتي بالجلطة، كتبتُ على الآلة الكاتبة طراز IBM سيليكترك. لم أكتب على الكمبيوتر أبدًا. الكمبيوتر هو آلة كاتبة، لماذا أحتاج إلى آلة كاتبة أخرى؟ لديّ واحدة.
غالبية الناس يرون بأن الكمبيوتر يجعل عملية المراجعة أسهل بكثير. بالإضافة إلى التدقيق الإملائي..
 إنني أكتبُ منذ سبعين عامًا، إن لم أكن قادرًا على التهجئة الإملائية الآن فـ ..
 أستطيع أن أعمل في أيّ مكان.
أستطيع أن أعمل في أيّ مكان.
هل تحتفظ بدفتر؟
لا. بمجرد ما أحصل على فكرة، أكتب قصة قصيرة، أو أبدأ رواية، أو أنجز قصيدة. وعليه فلا حاجة بي لدفتر. ولكنني أحتفظ بملفات لأفكارٍ لم تنجح في السنة الماضية، في السنوات الخمس الماضية، في السنوات العشر الماضية. أعود إليها لاحقًا وأنظر إلى العناوين. الأمر يشبه أن يعود الطائر الأب ]إلى العش[ بدودة. فأنت تنظر إلى تلك المناقير الجائعة - كل هذه القصص تنتظر أن يتم إنهاؤها - ومع هذا فأنت تقول لها: أيكم يحتاج إلى إطعام؟ أيكم يحتاج أن ينتهي اليوم؟ والقصة التي تصرخ بصوتٍ أعلى، الفكرة التي تقفُ وتفتح فمها، هي التي يتمّ إطعامها. فأسحبها خارج الملف، وأنجزها خلال ساعات قليلة.
 في كتابك (الزِن في فنّ الكتابة) ذكرت بأنك - في عمرٍ مبكرة - صنعتَ قوائم بأسماء، كطريقة لتوليد أفكار للقص: الجرّة، الحوض، البحيرة، الهيكل العظمي. هل ما زلتَ تفعل ذلك؟
ليس كثيرًا، لأنني بتُّ أولّد الأفكار تلقائيًا. ولكن في الأيام الخوالي كنتُ أعرف بأن عليّ أن أحفرَ في عقلي الباطن، وقد فعلتْ (الأسماء) ذلك. تعلمت هذا في وقتٍ مبكّر؛ هناك ثلاثة أشياء في رأسك: أولاً، كل شيءٍ اختبرته منذ يوم ولادتك وحتى الآن؛ كل ثانية، كل ساعة، كل يوم بذاته. ثمّ هناك الكيفية التي تفاعلت فيها مع هذه الأحداث في دقيقة حدوثها، سواء كانت كارثية أو مبهجة. هذان شيئان موجودان في رأسك ويمنحانك مادّة. ثمّ، بمعزلٍ عن تجاربك الحياتية، هناك التجارب الفنية التي اختبرتها، الأشياء التي تعلّمتها من كتّابٍ آخرين، فنانين، شعراء، مخرجي أفلام، وملحّنين. إذن، كل هذا موجودٌ في عقلك، كمهادٍ رائع، عليك أن تقوم بإحضاره خارجًا. كيف تقومُ بذلك؟ أنا قمتُ بذلك عن طريق إعداد قوائم بأسماء، وسألتُ نفسي عما يعنيه كلّ اسم منها. يمكنك أن تذهب الآن وتعدّ قائمتك الخاصّة وستكون مختلفة عن قائمتي؛ الليل، الصراصير، صافرة القطار، السرداب، العلية، حذاء التنس، الألعاب النارية. كل هذه الأشياء شخصيّةٌ جدًا، ثمّ عندما تنتهي من تدوين قائمتك، تبدأ بإقامة علاقة مع تلك الكلمات. تسأل: لماذا دوّنتُ هذه الكلمة؟ ما الذي تعنيهِ بالنسبة لي؟ لماذا دوّنتُ هذا الاسم وليس الاسم الآخر؟ افعل ذلك، وستكون في طريقك لأن تصبح كاتبًا جيّدًا. لا يمكنك أن تكتب لأناسٍ آخرين، لا يمكنك أن تكتب لليمين أو لليسار، لهذا الدين أو ذاك، لهذا المعتقد أو ذاك. عليك أن تكتبَ الطريقة التي ترى فيها الأشياء. أقولُ للناس: اكتبوا قائمة بعشرة أشياء تكرهونها ثم مزقوها في قصة قصيرة أو قصيدة. اكتبوا قائمة بعشرة أشياء تحبونها واحتفلوا بها، عندما كتبتُ (451 فهرنهايت) كرهتُ حرّاق الكتب وأحببتُ المكتبات، وها نحن هنا.
إذا أعددت قائمتك الخاصة بالأسماء، فأين تذهب من هناك؟
 أبدأ بكتابة بعض الأفكار ((pensées عن الأسماء. إنها نثرٌ شعري. إنها استذكار. إنها تحاولُ أن تكون مجازية، سان جون بيرس نشر عدة مجلدات ضخمة من هذا النوع من الشعر على ورق جميل بطباعةٍ جميلة. كان لدواوينه الشعرية عناوين مثل: أمطار، ثلوج، عواصف، علامات البحر. لا يمكنني تحمّل شراء كتبه، لأنها لابدّ وأن تكلّف عشرين إلى ثلاثين دولار - وكان هذا قبل خمسين سنة. ولكنه أثر علي، لأنني قرأتهُ في متجر الكتب، وبدأت أكتبُ فقرات وصفية قصيرة، 200 كلمة للفقرة الواحدة، وفي تلك الفقرات بدأتُ أختبر (أسمائي). ثمّ أحضر بعض الشخصيات لكي تتحدث عن ذلك الاسم، وعن ذلك المكان، وفجأة، صار عندي قصة تحدث. اعتدتُ أن أفعل الشيء نفسه مع فقرات أمزقها من المجلات اللامعة، كنتُ آخذ الفقرات وأكتب قصائد نثرٍ عنها.
 بعض الصور تثيرُ في نفسي أشياء من حياتي الماضية. عندما أنظرُ إلى لوحات إدوارد هوبر، فهي تفعل ذلك بي. لقد رسم لوحات رائعة عن المدن؛ مقاهٍ فارغة، مسارح فارغة بعد منتصف الليل، ربما بوجودِ شخصٍ واحد. الإحساس بالعزلة والوحدة رائع. سوف أنظرُ إلى تلك اللوحات وأملأها من مخيّلتي. لا زال لديّ كل تلك الأفكار. كانت هذه هي بداية استخراج ما كان لي.
 لماذا تفضّلُ القصص القصيرة على الروايات برأيك؟ هل هي مسألة صبر؟ إنهم يدعونه اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط هذه الأيام.
 أعتقدُ بأن هناك بعض الحقيقة في ذلك، حوّل التزامًا ( (Liabilityإلى أصل (Asset). انتباهي ليس هناك، وعليه فأنا أكتب ما أستطيع كتابته: القصص القصيرة.
إذا كانت المسودة الأولى - كما تقولُ غالبًا - هي لا وعيك متحدّثًا للورقة، فهل تقوم بمعالجته ذهنيًا في مرحلة إعادة الكتابة؟
 بالتأكيد. أمضي داخلاً وأقطع. معظم القصص القصيرة هي أطول مما ينبغي، عندما كتبتُ رواية (شيءٌ شرير يأتي من هذا الطريق)، كانت المسودة الأولى تتألف من 150 ألف كلمة، لقد مضيتُ خلالها وتخلصت من 50 ألف كلمة، من المهم ألا تعترض طريقك الخاص، أزل النشارة، والقمامة. اجعلها واضحة.
أنت كاتبٌ سريع، فهل أنت محرّرٌ سريع؟
لا. أنا أكتبُ مسودتي الأولى بسرعة، بعد عدة أيام أقوم بإعادة طباعة النص كاملا، ويقوم لا وعيي، فيمَ أنا أطبع، بإعطائي كلمات جديدة. ربما يتطلب الأمر إعادة الطباعة عدة مرات حتى ينتهي الأمر. أحيانًا يتطلب الأمر قدرا قليلا من المراجعة.
في أي وقتٍ من اليوم تقوم بمعظم كتاباتك؟
إنني أكتبُ طوال الوقت، أنا أستيقظ في الصباح ولا أعرف ما الذي سأفعله. عادة ما يكون لديّ تصور عن الفجر عندما أستيقظ. لديّ هذا الذي أدعوه (مسرح الصباح) داخل رأسي، كل تلك الأصوات تحدّثني. عندما يخترعون استعارة جيدة، أقفز من السرير وأصطادهم قبل أن يختفوا. هذا هو السرُّ كله: أن تفعل الأشياء التي تثيرك. وأيضًا، أنا غالبًا ما آخذ قيلولة، بهذه الطريقة سوف أحصلُ على صباحيْن.
هذا هو السرُّ كله: أن تفعل الأشياء التي تثيرك.
هذا هو السرُّ كله: أن تفعل الأشياء التي تثيرك.
 هل تضع خطوطا عريضة؟
 لا، أبدًا. لا يمكنك أن تفعل ذلك. تمامًا كما أنك لا تستطيع أن تصمم حبكة ليوم الغد، أو للسنة القادمة، أو لما بعد عشر سنوات. عندما تخطط الكتب مسبقًا فأنت تتخلص من كل الطاقة والحيوية فيها، لن يكون هناك دم. يجب أن تعيش ]الكتاب[ يومًا بيوم وأن تسمح لشخوصك بفعل الأشياء.
 هل سبق لك العودة لإعادة قراءة كتبك وقصصك القصيرة؟
 في أحيانٍ كثيرة، في وقتٍ متأخر من الليل، أنزل إلى الطابق السفلي، أفتح أحد كتبي، أقرأ فقرة وأقول "يا إلهي!"، أجلسُ وأبكي لأنني أشعرُ بأنني لستُ مسئولاً عن أي شيءٍ من هذا. إنها من عند الرّب. وأنا ممتنٌ للغاية، ممتنٌ جدًا جدًا.  أفضل وصفٍ لمسيرتي ككاتب هو (في مسرحية في حقول الرّب)، لقد كانت متعة رائعة، وسأكون ملعونًا من أيّ مكانٍ جاءت منه، لقد كنت محظوظًا، محظوظًا جدًا.
 أفترض أنه لا داعي لسؤالك إذا ما كنتَ تستمتع بالكتابة ..
من الواضح أنني أفعل. إنها متعة خلابة، وهي الجنون في حياتي، وأنا لا أفهم الكتّاب ممن عليهم أن يعلموا عليها. أحب أن ألعب، أنا أستمتع باللهو مع الأفكار، أن أقذف بها في الهواء، مثل قصاصات الورق الملون، ثمّ أركض تحتها. إذا كان عليّ أن أعمل عليها فسأتخلى عنها، العمل لا يعجبني.
 هل تكتبُ لقارئٍ مثالي، أم لجمهور معين؟
 في كلّ مرة تكتب لأحد، بغض النظر عمن يكونون، مهما كانت القضية التي تؤمن بها صحيحة، فأنتَ تكذب. شتاينبك هو واحدٌ من عدد قليل من كتاب الثلاثينات ممن لا زال يُقرأ، لأنه لم يكتب لقضايا على الإطلاق. لقد كتب قصصًا إنسانية تمثّل قضايا بشكل غير مباشر، (عناقيد الغضب) وكتبه الأخرى ليست أطروحات سياسية. (451 فهرنهايت) هي بشكلٍ ما أطروحة سياسية، ولكنها ليست كذلك، لأن كلّ ما تقوله، عاطفيًا، هو: ليترك الجميعُ الجميعَ وشأنهم.
هل للأدب، إذن، أية مسئولية اجتماعية؟
ليس بشكلٍ مباشر. يجب أن يكون ذلك من خلال الانعكاس، والمراوغة. يقول نيكوس كازنتزاكيس (عِش للأبد). هذا هو التزامه الاجتماعي، (الأدويسة: منقذو الرّب[ii]) تحتفلُ بالحياة في العالم. أيّ عملٍ عظيم يحقق ذلك لك. كل ما يقوله ديكنز هو: عِش الحياة في قمّة طاقتك. لم يكن إدغار رايس بوروز لينظر لنفسه على أنه ناشط اجتماعي، أو أنه خضّاض بالتزامات اجتماعية. ولكن كما يتضح – وأحب قولها لأنها تضايق الكثيرين بشكلٍ رهيب، بوروز على الأرجح هو الكاتب الأكثر تأثيرًا في تاريخ العالم.
[i] الرواية صادرة باللغة العربية عن دار الساقي، ترجمة: سعيد العظم، الطبعة الأولى 2014، وحائزة على جائزة بوليتزر للعام 2007.
[ii] Ascesis: The Saviors of God
سلسلة تمارين روحية كتبها الروائي والكاتب اليوناني نيكوس كازنتزاكيس، لم تترجم للغة العربية.

الأحد، 25 مايو 2014

هارولد بلوم يكتب عن جابرييل جارسيا ماركيز

الناقد الأمريكي هارولد بلوم يكتب عن جابرييل جارسيا ماركيز
عن كتاب "سلسلة بلوم – الرؤى النقدية الحديثة – جابرييل جارسيا ماركيز" 2007

ترجمة: أمير زكي

I

ماكوندو، وفقا لكارلوس فوينتس، "تبدأ في التنامي مع ثراء يوكناباتاوفا[i]الكولومبية". فوكنر - الذي يتقاطع معه كافكا - هو الأصل الأدبي لجابرييل جارسيا ماركيز. التأثير الفوكنري منتشر جدا في أوقات يسمع فيها المرء جويس وكونراد؛ أستاذا فوكنر، الذين نسمع صداهما عند جارسيا ماركيز، إلا أن فوكنر غالبا ما يتوسطهم دوما. فوكنر يغزو "خريف البطريرك"، ولكن "مائة عام من العزلة" تمتص فوكنر، كما تفعل مع كل التأثيرات الأخرى، نحو فانتازماجوريا قوية ومكتفية بذاتها جدا حتى أن القاريء لا يتشكك في سيطرة جارسيا ماركيز. ربما، كما أشار رينار آرجاس، أن كاربينتير حل محل فوكنر، وبورخيس حل محل كافكا في "مائة عام من العزلة"، بالتالي مخيلة جارسيا ماركيز تروض نفسها بلغتها. ماكوندو، المملكة المتخلية هي فعل وعي هندي وأسباني، بعيد جدا عن أوكسفورد والميسيسيبي وعن المقبرة اليهودية في براج. في عمله التالي، عاد جارسيا ماركيز إلى فوكنر وكافكا، بالتالي "مائة عام من العزلة" هي معجزة لا يمكن أن تحدث سوى مرة، حتى لو كانت أقرب لأن تكون نصا مقدسا منها لرواية، كتاب ماكوندو المقدس؛ ملكيادس الساحر، الذي يكتب بالسنسكريتية، ربما يكون قناع لبورخيس أكثر منه للكاتب نفسه، إلا أن الحكاء الغجري يربط جارسيا ماركيز أيضا بالحكاء العبري القديم، اليهوي، فهو في الوقت نفسه أعظم الواقعيين وأعظم الفانتازيين، ولكنه فوق كل شيء المنافس الحقيقي الوحيد لهوميروس وتولستوي كحكائين.

انطباعي المبدئي، أثناء إعادة قراءة "مائة عام من العزلة" هو نوع من إجهاد المعركة الاستطيقية، طالما أن كل صفحة مفعمة بحياة كاملة فيما وراء قدرة أي قاريء واحد على امتصاصها. سواء كانت السمة المترابطة لنص هذه الرواية هي في النهاية ميزة أم لا – أنا لست متأكدا - فأنا أشعر أحيانا أنني شخص مدعو لغداء لا يُقَدَّم فيه شيء سوى طبق ضخم من الملبن. إلا إنها ليست سوى قصة، كل شيء فيها - منقول وغير منقول - يحدث في الوقت نفسه، من الخلق إلى الأبوكاليبس، من الميلاد إلى الموت. مضى روبرتو جونزاليز إتشيفاريا بعيدا حتى تكهن بمعنى ما أن القاريء هو الذي يجب أن يموت في نهاية القصة، وربما الثراء الكبير للنص يساعد على تدميرنا. تَصوَّر جويس بدون جدية قارئا مثاليا مصابا بالأرق سيقضي حياته في فهم "يقظة فينيجان". القاريء لا يحتاج لترجمة "مائة عام من العزلة" وهي رواية تستحق شعبيتها طالما لا تحتوي على صعوبات ظاهرة على أي حال. إلا أن هناك بعدا جديدا مضافا للقراء بهذا الكتاب. قارئها المثالي يجب أن يشبه الشخصية المثيرة للتذكر بشكل أكبر؛ كولونيل أوريليانو بوينديا الغاضب المتعالي الذي "بكى في رحم أمه ووُلد وعينيه مفتوحتين". لا توجد جمل بلا قيمة، لا توجد مجرد انتقالات في هذه الرواية، وعليك أن تلاحظ كل شيء في اللحظة التي تقرأها. كل شيء سيتماسك، على الأقل الأسطورة والمجاز إن لم يكن دوما المعنى الأدبي.

في حضور واقع غير عادي، يأخذ الوعي مكان المخيلة؛ تلك البديهية على نمط إمرسون هي بديهية والاس ستيفنز وتستحق الرؤية لـ "ملاحظات نحو سرد راق" و"مساء عادي في نيو هافين"[ii]. ماكوندو هي سرد راق، ولا توجد أمسيات عادية بداخل حدودها. السخرية وحتى التهكم ومعظم الخيال هي أشياء من الصعب أن تكون ممكنة في الولايات المتحدة. كيف يمكن السخرية من رونالد ريجان أو جيري فالويل؟ رواية بينشون "صيحات مزاد 49" تتوقف عن أن تبدو خيالية عندما أزور كاليفورنيا الجنوبية، في عرض يأخذ شكل النموذج. بعض الجوانب في الوجود الأمريكي اللاتيني تتعالى حتى عن ابتكارات جارسيا ماركيز. قيل لي من أناس ثقات، أن دوفالييه الكبير ديكتاتور هاييتي، الشهير ببابا دوك، أمر بإبادة كل الكلاب السوداء عندما اعتقد أن عدوا أساسيا له حَوَّل نفسه إلى كلب أسود. معظم الرائع في "مائة عام من العزلة" سيكون رائعا في أي مكان، ولكن الكثير مما يبدو غريبا أمام ناقد من أمريكا الشمالية ربما سيكون تمثيلا للواقع.

أكد إمير مونيجال أن عمل جارسيا ماركيز الأساسي كان فريدا وسط روايات أمريكا اللاتينية، كونه مختلفا جذريا عن الإنجازات المتنوعة لخوليو كورتاثار، وكارلوس فويتنس، وليثاما ليما، وماريو بارجاس يوسا، وميجيل آنجل أستورياس، ومانويل بويج، وجيليرمو كابريرا إنفانتي، والعديد من الآخرين. القرابة بين بورخيس وكاربنتيير ملحوظة عن طريق مونيجال إلى جانب آريناس، ولكن يبدو أن نقطة مونيجال الديالكتيكية ترى أن جارسيا ماركيز يعتبر ممثلا فقط بمشاركته لكل زملائه في عدم كونه ممثلا. إلا أنه من الحقيقي لمعظم قراء أمريكا الشمالية الآن أن "مائة عام من العزلة" تُستدعى إلى الذهن أول شيء عندما يفكرون في الرواية الأسبانية في أمريكا. رواية آليجو كاربنتيير "انفجار في كاتدرائية" ربما تكون كتابا أقوى حتى، ولكن بورخيس وحده سيطر على المخيلة الأدبية في أمريكا الشمالية كما فعل جارسيا ماركيز بخياله العظيم. من المحتم أن قدرنا أن نطابق "مائة عام من العزلة" بثقافة كاملة، وكأنها "دون كيخوته" جديدة، هذا الأمر غير الصحيح بالتأكيد. المقارنات ببالزاك وحتى بفوكنر هي أيضا ليست عادلة بالنسبة لجارسيا ماركيز. الابتكار العظيم لبالزاك يصغِّر الرؤية اللاحقة، ولا يوجد شيء حتى في ماكوندو بقدر التعالي السلبي كالسعي المخيف لآل بوندرين في رواية "وأنا أستلقي ميتا" لفوكنر. "مائة عام من العزلة" في قامة أعلى من رواية نابوكوف "اللهب الشاحب" وبينشون "قوس قزح الجاذبية"؛ تلك الفانتازيات المتأخرة، الوارثون الأقوياء للتقاليد الذاوية.

بغض النظر عما يمكن أن تكونه الحدود أو لا تكونه، سرد جارسيا ماركيز الآن يتمتع بوضع مرجعي إلى جانب وظيفة تمثيلية. وضعه الثقافي يستمر في التدعيم، وسيكون من الحمق أن نختلف على ظاهرة كبيرة كتلك. أتمنى أن أتحدث إلى نفسي فقط عن سؤال أي مدى من الجدية يحتاجه القاريء لتلقي الجانب المقدس للكتاب. جملة الرواية الثالثة هي: "العالم حديث جدا حتى أن الأشياء كانت تنقصها الأسماء، ومن أجل الإشارة إليها كان من الضروري الإيماء". والجملة الثالثة من النهاية طويلة وجميلة:

"كانت ماكوندو بالفعل دوامة مخيفة من الغبار والحصى تدور حول غضب البركان الكتابي؛ عندما تجاهل أوريليانو 11 صفحة حتى لا يضيع الوقت مع حقائق كان يعرفها جيدا جدا، بدأ في تفسير لحظة أنه يعيش، تفسيرها كأنه عاشها، يتنبأ لنفسه وهو يفسر الصفحة الأخيرة من المخطوط، وكأنه ينظر إلى مرآة تتحدث".

مدار الزمن بين هذا التكوين والأبوكاليبس هو ستة أجيال، بالتالي خوسيه آركاديو بوينديا، مؤسس العائلة، هو جد آخر أجداد آوريليانو. جد جد دانتي، الصليبي كاساجويدا، يقول لخليفته دانتي أن الشاعر يدرك الحقيقة لأنه يحدق في تلك المرآة التي تستمع لأصوات أفكار الأشياءالصغير والكبير في الحياة قبل أن يفكروا فيها. في النهاية يقرأ أوريليانو المخطوط السنسكريتي للغجري، الساحر الشبيه ببورخيس، وينظر إلى المرآة التي تتحدث، تستمع إلى فكره قبل أن يفكر فيه. ولكن هل هو يستمع إلى الحقيقة مثل دانتي؟ هل فلورنسا مثل ماكوندو مدينة المرايا "أو السراب" بالمقارنة بوقائع الجحيم، والمطهر، والفردوس؟ هل "مائة عام من العزلة" هي مجرد مرآة تتكلم؟ أم هي تحتوي بداخلها – بشكل ما -  على جحيم ومطهر وفردوس؟

فقط الخبرة والتأملات المنضطبة للعديد من القراء الأقوياء ستساعد على إجابة تلك الأسئلة وصولا إلى أي نتيجة. الأهمية النهائية لـ "مائة عام من العزلة" تظل غير محددة حتى الآن. ما هو واضح لمعاصري الكتاب هو أن جارسيا ماركيز قدم للثقافة المعاصرة، في أمريكا الشمالية وأوربا، بقدر ما قدم لأمريكا اللاتينية، واحد من من تكويناتها المزدوجة للسرديات الضرورية، بدونها لن نفهم بعضنا ولا أنفسنا.

II

المبدأ الاستطيقي في "الحب في زمن الكوليرا" هو نسخة مشذبة قليلا لما يمكن أن يكون شعار "مائة عام من العزلة": "أي شيء يمضي" أو حتى "كل شيء يمضي". أي شيء وكل شيء يمضي إلى خليط؛ فوكنر، كافكا، بورخيس، كاربنتيير، كونراد، جويس. كل من الروايتين كتابين مقدسين: "العزلة" هي عهد قديم، و"الكوليرا" عهد جديد، على الأقل بالنسبة لجارسيا ماركيز وقرائه ونقاده الأكثر إخلاصا. أنا نفسي بدأت أُقَدِّم "الكوليرا" على "العزلة"، ولكن هذا اختيار من لديهم الكثير.

لا يمكنني التكهن بما ما كان سيفعله فوكنر – أكثر من قَدَّر الكتاب المقدس (فقط كأدب)، وشكسبير وملفيل وكونراد وجويس – مع هذه العملين الأسبانيين البارزين. كان سيدرك أن الاندفاعات الكلامية مشابهة لاندفاعاته، والفردية البطولية كانت ستثيره بالتأكيد. إلا أنه مضى بينما ينتظر اللعنة التي ستحمله، وشخصياته الأعظم – دارل بوندرين، كوينتين كومبسون، سوتبين، جو كريسماي، بوبي – ملعونة فيما وراء اللعنات. على الرغم من أن فوكنر يمكن أن يكون طريفا بشكل عظيم كديكنز، كما هو مشهود بعائلة سنوبز، التي تشكل الآن الحزب الجمهوري التكساني، الذي يقوده توم دي لي سنوبز، بينما اختار وطننا بينيتو بوش[iii]كدوتشي. كان أوسكار وايلد على حق دوما: ليس للحياة اختيار سوى محاكاة الفن.

ربما كان فوكنر سيرفض البهجة الغريبة لجارسيا ماركيز، على الأقل في حالته التراجيدية، ولكنه كان سيقبل الإنسانية النهائية التي أكد كل منهما عليها. التدهور، الخوف المهووس من زنا المحارم، غمر العزلة المبدعة بمحيط المعلومات: تلك موضوعات ومخاوف مشتركة. ما هو بالتالي الاختلاف الذي ينتظرنا، إلى جانب الروح العالية الرائعة عند جارسيا ماركيز، التي تميز الاثنين؟

آمال فوكنر نادرا ما تكون مُقنِعة: شخصياته الأعظم عدمية مثلها مثل شخصيات شكسبير. الشعبية الكبيرة لجارسيا ماركيز حصل عليها بخصوبته، التي تحجب إنذاراته الأبوكاليبسية. مثلما كان شكسبير لفوكنر، كان سيرفانتس ضروريا لجارسيا ماركيز: السلف الحقيقي. سيرفانتس، بحكمته الظلامية، ليس أقل عدمية من شكسبير، ولا أعتقد أنه في النهاية كان مسيحيا أو مؤمنا، بشكل أكبر مما يمكن أن يقال عن فوكنر أو جارسيا ماركيز.

اختلاف جارسيا ماركيز عن الثلاثة أكثر وضوحا في "الكوليرا" عن "العزلة": هو بالطبع لديه إيمان رومانسي كبير بالإيروس، على الرغم من أنه يعلم الحقيقة الفرويدية أن الحب الغزير جدا هو قناع لغريزة الموت. إلا أنني أفضل "الكوليرا" عن "العزلة" في النهاية لأن فلورينتينو آريثا شجاع، كما يتضح من الفقرة الختامية بالرواية:

"دعينا نعود نعود نعود إلى لا دورادا".

ارتعشت فرمينا داثا لأنها أدركت صوته السابق، المضاء بنعمة الروح القدس، ونظرت إلى القبطان: كان قدرهما. ولكن القبطان لم يرها لأن قوى الإلهام العظيمة لفلورنتينو آريثا خدعته.

سأل: "هل تعني ما تقول؟"

قال فلورنتينو آريثا: "من اللحظة التي ولدت فيها لم أقل أي شيء لم أعنه".

نظر القبطان لفرمينا داثا ورأى على أهدابها الوميض الأول لبرد الشتاء. ثم نظر إلى فلورنتينو آريثا، وقوته التي لا تقاوم، وحبه الشجاع، وكان مفعما بالتشكك المتأخر من أن الحياة - أكثر من الموت - هي التي لا حد لها.
سأله: "وإلى متى تعتقد أننا نستطيع أن نمضي ونعود؟"

حفظ فلورنتينو آريثا إجابته جاهزة لثلاثة وخمسين عاما، وسبعة أشهر، وإحدى عشر يوما وليلة.
قال: "إلى الأبد".



[i]  Yoknapatawpha مدينة متخيلة في أدب الكاتب الأمريكي ويليام فوكنر، وهي تقع في ولاية الميسيسيبي بالولايات المتحدة، ومعظم روايات الكاتب الأمريكي دارت فيها.
[ii]  الإشارة لأمثلة وبديهات الأمريكي رالف إميرسون Ralaph Emerson (1803-1882)، ووالاس ستيفنز Wallace Stevens (1879-1955) هو الشاعر الأمريكي، و"ملاحظات نحو سرد راق" و"مساء عادي في نيو هافين" هما قصيدتان له.
[iii]  توم ديلاي هو النائب السابق عن ولاية تكساس بمجلس النواب الأمريكي، وبلوم يمزج اسمه باسم سنوبز وهو اسم عائلة متخيلة كتب عنها فوكنر. ثم يخلط بلوم بين اسم بينيتو موسوليني وجورج بوش (الابن).