الجمعة، 1 يونيو 2012

الحرب الباردة Cold War

هي مرحلة في التاريخ الدولي بدأت مباشرة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وانتهت في بداية التسعينيات ، كما إنها وصف لمجموع العلاقات بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي خلال هذه المرحلة . ومع أن الحرب الباردة آخذة في الاختفاء بسرعة في ثنايا التاريخ ، ما زال اختلاف التأويلات الخاصة بسماتها مستمراً في صياغة التوقعات حول بعض الملامح الرئيسة للعلاقات الدولية المعاصرة.
فعلى سبيل المثال، يميل الذين يتوقعون أن يكون العالم من دون نزاعات أيديولوجية كبيرة عالماً متناغماً على نحو كبير، إلى رؤية مرحلة الحرب الباردة مرحلة صراعية في الأساس.

ثمة ثلاث رؤى أساسية حول الحرب الباردة، تولدت عن كل واحدة منها مجموعة ادعاءات حول أسباب الحرب وطبيعتها ونهايتها، فضلاً عن الإرث الذي تركته في العلاقات الدولية المعاصرة . ولعل أكثر النظريات شعبية هي أن الحرب الباردة كانت صراعاً مكثفاً على القوة بين القوى العظمى. وتعني كلمة  "حرب " التوتر والنزاع المسلح وعلاقاتٍ لا رابح ولا خاسر فيها بين القوى الخارقة.  وتشير كلمة  "باردة " إلى وجود عوامل زُعم أنها قيدت المواجهة وحالت دون نشوب حرب "ساخنة ".
 وقد تركز التأريخ التقليدي على تعريف للحرب الباردة يفترض وجود توتر كبير بين الشرق والغرب مع التهديد بتصعيد ذلك التوتر إلى نزاع نووي. بالطبع، هناك جدل كبير قائم بين الذين يتقاسمون مجمل النظرية حول الطرف المسؤول في الحرب الباردة.
والتمييز المشترك هو بين المؤرخين التقليديين والمؤرخين التعديليين. فوفقاً للحجج التقليدية، كانت الحرب الباردة صراعاً بين القيم العالمية المتنازِعة . وفي الغرب كانت مفاهيم اقتصاد السوق والديمقراطية المتعددة الفرقاء سائدة. أما في الشرق ،  فكانت دولانية الحزب الواحد والاقتصاد الإداري القائد يحظيان بتقدير كبير . وكانت صراعات الأفكار الواضحة والطبيعة العنيدة لمن دافعوا عنها هي القوى الدافعة  وراء النزاع.  وفي مدرسة الفكر الواسعة هذه، كان تصرف الاتحاد السوفياتي خلال الحرب العالمية الثانية وبعدها دافعاً مهماً وراء الحرب الباردة.  وجاءت سياسة الاحتواء التي اتبعتها الولايات المتحدة كرد فعل دفاعي إزاء عدو معادٍ في الأصل وتوسعي. ولولا الأسلحة النووية ووضع الدمار المتبادل المؤكد، لتحولت الحرب الباردة إلى "ساخنة " في مناسبات عدة.  ولحسن الحظ لم يكن الاتحاد السوفياتي قادراً على الاستمرار في منافسة الولايات المتحدة، وقد كان هذا العجز السبب الرئيس في انهيار نظام الحرب الباردة. كذلك، يعود توقيت هذا الانهيار بصورة أساسية إلى استعداد الولايات المتحدة وحلفائها لمعادلة التصعيد السوفياتي في سباق التسلح أو تجاوزه. والآن مع انتهاء الحرب الباردة، تسيطر الولايات المتحدة على النظام الدولي. وفي ضوء طبيعة الهيمنة الأمريكية المعتدلة، لا تثير هذه السيطرة قلقاً كبيراً.
يتفق العلماء التعديليون والعلماء التقليديون على طبيعة الحرب ، ولكنهم يختلفون في تعيين الطرف الملام.  وقد أصبحت التعديلية شعبية في عام 1970 خلال حرب فييتنام، لكنها تبقى مدرسة فكر هامشية في الولايات المتحدة.  ويؤكد التعديليون قوة الولايات المتحدة خلال عام 1945 وما بعدها . فعلى سبيل المثال، على الرغم من أن الولايات المتحدة خسرت 400 ألف شخص خلال الحرب العالمية الثانية ، فإن الاتحاد السوفياتي قد خسر 27 مليون شخص. وكذلك، استفاد الاقتصاد الأمريكي من الحرب، في حين أصبح الاقتصاد السوفياتي شبه مدمر.
وبحسب بعض التعديليين ، لم يكن التصرف السوفياتي سوى محاولة دفاعية لبناء منطقة أمن شرعية في أوروبا الشرقية، في حين كانت الولايات المتحدة تحاول بناء نظام الاقتصاد الدولي من أجل مصالحها القومية. باختصار، كانت الحرب الباردة مرحلة سيطرة أمريكية ارتكزت شعبيتها على "التهديد " السوفياتي الخرافي. وبالفعل، كان ضعف الاتحاد السوفياتي الاقتصادي المتأصل أساسياً بشرح انهياره في عام 1991 ، ولكن كان من الممكن أن تنتهي الحرب الباردة في وقت أبكر ومن دون تكاليف باهظة الثمن من حيث سباق التسلح.  وتُعَد مرحلة ما بعد الحرب الباردة وقتاً شديد الخطورة، لأن الولايات المتحدة لم تعد تواجه أي تحدٍّ لقوتها العسكرية، أو أي تحدٍّ سياسي لنظرياتها الخاصة حول أي نظام دولي مرغوب فيه أكثر.
وعلى عكس النظرية القائلة إن الحرب الباردة هي صراعية في الأصل، وبغض النظر عن المحرض الرئيس، تقول مدرسة فكر معارضة )مستعيدةً الأحداث الماضية ( إن الحرب الباردة كانت مفيدة جداً للجانبين. فقد قامت بالنسبة إلى الولايات المتحدة بحل مشكلة ما ستفعله بألمانيا واليابان، وكلتاهما من الدول الأساسية في نشوب الحرب العالمية الثانية. أما بالنسبة إلى الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة، فسمحت الحرب الباردة بإيجاد حل للمشكلة الألمانية عبر تجميد الملامح الاجتماعية السياسية في أوروبا الغربية والشرقية معاً. كذلك كان استمرار الحرب الباردة مفيداً للحفاظ على تراتبية هرمية نووية شديدة بين القوى الخارقة وحلفائها، كما بين الدول النووية وغير النووية. وقد أخضع الاحتمال النظري لنزاع نووي، النزاعات الحالية ضمن كل كتلة من الكتل لمصالح "الاستقرار العالمي " الذي تؤمنه القوى الخارقة
. في النهاية، قامت المصالح المحلية القوية في كل جانب بتغذية الحرب الباردة. فعلى سبيل المثال، في داخل الولايات المتحدة، قامت قطاعات سباق التسلح المعززة للمنشآت العسكرية  الصناعية بتبرير التدخل في الخارج، وتسهيل قيام دولة الأمن القومي، وبرفع مقام الرئاسة فوق مؤسسات حكومة الولايات المتحدة الفدرالية الأخرى. وفي الجهة الثانية من الستار الحديدي، بررت الحرب الباردة القمع المحلي، وأخضعت المدنيين لقطاعات المجتمع العسكرية، كما حافظت على نظام حكم مستبد يعتمد على موجبات "الإدراك الجيوسياسي".
وعلى الرغم من وجود بعض الحقيقة في مجمل ادعاءات مدارس الفكر هذه، فإنها تشترك بالميل إلى المبالغة في درجة الالتحام والتبصر في التخطيط للسياسة الأجنبية وتطبيقها.
لقد كانت الحرب الباردة مرحلة نزاع وتعاون حقيقيين بين القوى العظمى. وقد نتجت من مرحلة اضطراب جيوسياسي في أوروبا التي قامت نزاعاتها الداخلية بإخضاع القارة لقوتين أوروبيتين خارقتين إضافيتين تختلفان من حيث الأنظمة الاجتماعية ولا تربطهما سوى معرفة دبلوماسية قليلة.  لم يكن هناك مفر من بعض النزاعات التي نشأت بينهما، وقد زادها ميل كل واحدة إلى اتهام الأخرى بالأسوأ.
كذلك، من الضروري تذكّر أن الحرب الباردة بصفتها مرحلة في التاريخ، قد تزامنت مع بداية العهد النووي، كما مع إزالة الاستعمار، وقد أدى كلاهما إلى رفع المراهنات في المنافسة.

وعلى الرغم من العوامل كلها التي فرقت بين القوى الخارقة، فإن هذه الأخيرة تقاسمت بعض المصالح المشتركة المهمة التي خففت من منافستها هذه، وبخاصة بعد أزمة الصواريخ الكوبية في عام 1962 عندما خشي كثيرون من اندلاع حرب نووية. إن انقسام أوروبا وضبط التسلح والمصالح المشتركة في ضمان أن الحروب الحقيقية في العالم الثالث لن تؤدي إلى نزاع مباشر بين بين القوى الخارقة، كلها عوامل وفرت درجة من الاعتدال في الحرب الباردة. غير أن اعترافها بمصالحها المشتركة بطريقة تؤدي إلى إنهاء المواجهة مرة واحدة وإلى الأبد، يُعَد أمراً شديد الصعوبة، كما تبين خلال حقبة الانفراج في نهاية الستينيات. فطوال الفترة التي كانت فيها الحرب الباردة مستعرة، كان الاتحاد السوفياتي السابق والشيوعية هما الخاسرين. ومن جهة أخرى، في عهد تفوق فيه مشكلات النظام العالمي قدرة أي دولة على الاستجابة لها على نحو فاعل، وفي ضوء الدليل الذي يشير إلى أنه يمكن وصف علاقة الحرب الباردة بأنها شراكة معادية، من المهم عدم المبالغة في ثمار فوز الولايات المتحدة وحلفائها.