الجمعة، 13 يناير 2012

الاحتبا س الحراري Global Warming

سيطر تغير المناخ في العالم نتيجة زيادة تركيز ما يدعى بــ: «غازات الدفيئة » في الجو وأهمها (ثاني أكسيد الكربون والكلوروفلويوروكربون، أو سي. اف. سيز) على جدول أعمال البيئة منذ منتصف الثمانينيات، وولد نقاشات سياسية عالمية كبيرة. والشك قليل في أن النشاط الإنساني على امتداد القرن الماضي قد زاد بشكل  ملموس تركيز العديد من الغازات المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بحرارة الأرض. وهذه الزيادة المرشحة للاستمرار في المستقبل القريب تؤثر حالياً في المناخ العالمي، إلا أن معرفتنا الضئيلة وفهمنا القليل بآليات توازن الحرارة العالمية يجعلان الحاضر والمستقبل في وضع من الغموض.

يرتبط الاحتباس الحراري بشدة بانعكاسات ارتفاع كميات غازات الدفيئة على طبقة الأوزون الرقيقة الموجودة في الغلاف الخارجي حول الأرض. يمتص الأوزون الإشعاع فوق البنفسجي الذي تصدره الشمس، فيمنع إصابة الأرض بارتفاع شديد في درجة حرارتها. في عام 1985 ، اكتشف العلماء ما أصبح معروفاً بسرعة على أنه ثقب في طبقة الأوزون فوق المحيط المتجمد الجنوبي. واليوم، لم يعد الثقب محصوراً بالنصف الجنوبي من الكرة الأرضية طالما أن نقص الأوزون في طبقة الأرض الخارجية قائم أيضاً في النصف الشمالي منها وفوق المحيط المتجمد الشمالي. وعلى الرغم من التحرك الدولي السريع من أجل خفض نسبة الكلوروفلويوروكربون، فإن الانبعاثات السابقة ستظل تسبب نقصاً في الأوزون على امتداد عقود آتية بسبب الفاصل الزمني بين إنتاجها وبثها في الجو، وبين ظهور آثارها الضارة. ولا يتوقع انسداد الثقب بشكل كامل إلا في حوال العام 2050 في أحسن الأحوال. في هذه الأثناء ستضاف إلى زيادة الأشعة فوق البنفسجية الواصلة إلى سطح الأرض، غازات الدفيئة الشفافة إزاء الأشعة الشمسية قصيرة الموجات حتى لو أنها تمتص الأشعة طويلة الموجات المنعكسة عن سطح الأرض. من هنا جاءت كلمة «الدفيئة .»

إن النظرية التي تربط زيادة تركيز غازات الدفيئة في الجو مع الاحتباس الحراري تجد أدلة قوية على صحتها في كون التغيرات في تركيز غازات الدفيئة في الجو قد تغيرت بانسجام شديد مع تغيرات الحرارة العالمية، الأمر الذي يشير إلى وجود رابط بين العاملين. كما أن ثمة أدلة تشير إلى أن القرن العشرين كان أكثر القرون دفئاً في الألفية الثانية. فقد زادت حرارة الأرض، عموماً، على سطحها بمقدار 0.6 درجة مئوية على امتداد القرن الماضي. يعكس هذا الأمر جزئياً قيام أثر دفيئة يعززه تلوث الجو الناجم عن النشاطات الإنسانية.
تجدر الملاحظة أن نزعة الاحترار على امتداد القرن العشرين لم تكن متصلة عبر الزمان ولا عبر المكان. وتتعارض مرحلتان من الاحتباس الحراري السريع نسبياً (من 1910 وحتى 1940 ، وأيضاً من أواسط السبعينيات وحتى يومنا هذا) مع فترات سابقة تميزت بدرجات حرارة ثابتة تقريباً بالنسبة للمرحلة ما بين 1860 و 1900 ، وانخفاض ضئيل ما بين العامين 1940 و 1970 . ومن حيث المكان أيضاً، كان الاحتباس الحراري متقطعاً، فلم ترتفع حرارة نصفي الكرة الأرضية، ولم تنخفض في الوقت ذاته؛ كما إن المناطق ذات الكثافة الصناعية بدت وكأنها تحتر بسرعة أقل من الاحتباس الحراري في المناطق ذات الكثافة الصناعية الأقل.
لم يسبق أن واجهت حكومات العالم وصانعو سياستها هذه التحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الهائلة التي تطرحها التغيرات المناخية. ويمكن تقسيم سياسة الردود بشكل عام بين من هدفوا إلى الحؤول دون تغيير المناخ ومن قبلوا به وركزوا على التأقلم معه. وعلى الرغم من أن مشكلة الاحتباس الحراري عالمية حقاً، طالما أن كل انبعاثات غازات الدفيئة تؤثر في مناخ الأرض بغض النظر عن مكان صدورها، إلا أن كلفة إجراءات تلطيف آثار الاحتباس الحراري وفوائدها ستوزع بشكل غير متساو بين البلدان على الأرجح. وتطرح هذه المسألة أسئلة عديدة حول العدالة الدولية طالما أن النسبة الأكبر من غازات الدفيئة تبث اليوم من الدول المصنعة التي تحوي نحو ربع سكان العالم فقط. وقد دعت دول العالم الثالث إلى تقليص الانبعاثات من الدول الصناعية لجعل قدرة الأرض على امتصاص هذه الغازات متاحة بشكل أكبر لهذه الدول التي تتحول إلى دول صناعية الآن، وهذا مخطط يجب أن يجد تسهيلات له بواسطة نقل التمويل والتكنولوجيا من الشمال إلى الجنوب.
لقد قبلت أغلب البلدان ضرورة القيام ببعض الجهد لمنع حدوث احتباس حراري أو تخفيف سرعته على الأقل من خلال خفض انبعاثات غازات الدفيئة. وقدم بروتوكول مونتريال مساهمة في هذا الخصوص جرى توقيعها في عام 1987 ، وتعديلها في عام 1990 . والتزمت الحكومات بخفض استهلاك وإنتاج المواد التي تنقص مادة الأوزون من الطبقة الخارجية والتي يساهم عدد منها أيضاً وبشكل مباشر في الاحتباس الحراري. واتخذ قرار التخلي عن الكلوروفلويوروكربون مع حلول العام 2000 . ومنذ ذلك الحين، جرى التركيز الأكبر على ثاني أكسيد الكربون. وفي عام 1992 ، اشتركت أكثر من 150 دولة في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية المتعلقة بتغيير المناخ (قمة الأرض). واتفقت على تقليص الانبعاثات لتصل إلى معدلات سابقة، وفي الكثير من الحالات كان الهدف الإرادي الوصول إلى معدلات العام 1990 .
وجرت محاولات لجعل تقليص الانبعاثات ملزماً قانونياً في برتوكول كيوتو عام 1997 ، التابع للمعاهدة الأساسية حول المناخ، على الرغم من أن الولايات المتحدة قد انسحبت الآن من اتفاق كيوتو. كما ركز كيوتو على مجموعة واسعة من انبعاثات غازات الدفيئة كالميثان وأكسيد النتري. وكان الهدف المعلن للبرتوكول خفض انبعاثات كل غازات الدفيئة بنسبة 5 في المئة ابتداء من معدلاتها للعام 1990 ، وهو هدف يتعين الوصول إليه ما بين العامين 2008 و 2012 ، مع تحديد الكمية التي يجب أن تكون حصة كل دولة صناعية من أجل الوصول إلى هذا الهدف الشامل. ومن المتوقع أن تقوم بلدان تصدر أعلى معدلات من ثاني أكسيد الكربون، بما فيها دول كالولايات المتحدة واليابان والاتحاد الأوروبي وأغلبية الدول الأوروبية الأخرى، بخفض انبعاثاتها بمقدار 6 إلى 8  في المئة. وفي الحقيقة، بإمكان كل دولة على حِدى أن تخفض انبعاثاتها بكمية أكبر أو أقل من تلك التي اتفق عليها، طالما أن برتوكول كيوتو سمح بفكرة تجارة الانبعاثات بين الدول الصناعية. وهكذا، إذا انخفضت الانبعاثات في دولة ما إلى ما هو أقل من الحدود المسموح بها في المعاهدة، بإمكانها أن تبيع الكمية التي ما زالت متاحة لها إلى بلد آخر لمساعدة الشاري على الالتزام بموجبات المعاهدة.

ولكن، من حيث الواقع، لن تقوم أي حكومة على الأرجح بالتضحية بنسبة مهمة من نموها الاقتصادي من أجل تقليص انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، لذا فإن استراتيجيات خفض الانبعاثات على المدى الطويل يجب أن تفصل بين التنمية الاقتصادية وزيادة استهلاك الوقود الأحفوري. وسيكون تقليص كمية الطاقة المستخدمة في كل وحدة من وحدات إجمالي الإنتاج الداخلي واحداً من العناصر في هذا النوع من الاستراتيجيات. ولكن هناك حاجة أيضاً إلى تحول كبير بعيداً من الوقود الأحفوري باتجاه مصادر طاقة  متجددة. وتملك العديد من الدول الصناعية تجارب نمو اقتصادي مترافقة مع انخفاض في استهلاك الطاقة. هذا ما حصل خلال السبعينيات وبداية الثمانينيات، وكانت أزمة النفط الشرارة في السبعينيات. ولكن، لسوء الحظ، قامت كل الحكومات تقريباً بوضع ثقتها في الاعتقاد القائل بأن النمو الاقتصادي يجب أن يعتمد على زيادة استهلاك في الطاقة. ولكن دروس الاحتباس الحراري تجعل من الواضح أن هذا النوع من التصنيع المرتكز على استخدام غير فاعل لموارد الوقود الأحفوري ليس شكلاً مستديماً من أشكال النمو.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق