الأحد، 3 يونيو 2012

السوسيولوجية الحضرية وسؤال المدينة بالمغرب


السوسيولوجية الحضرية وسؤال المدينة بالمغرب

نتيجة للتحولات الكبرى التي عرفها المغرب خلال القرن العشرين وخاصة العقود الأخيرة منها، تحولات إن لم نقل تغيرات مست جميع جوانب حياته الاقتصادية الاجتماعية والثقافية والسياسية... بسبب التدخل الأجنبي الذي تجسد في حركة التوسع الاستعماري الذي فكك البنيات التقليدية التي كانت سائدة في المجتمع المغربي، وبسبب الانفتاح العالمي له على المجتمع الدولي في إطار ما يسمى بالعولمة التي فرضت إيقاعا تنافسيا جديدا، البقاء فيه للأقوى، نتيجة لهاته التحولات البنيوية والتي مست البادية والمدينة في نفس الآن، هذه الأخيرة أصبحت تطرح العديد من الإشكالات العميقة من قبيل الاختلالات المجالية وعدم تجانسها وانتشار مدن الصفيح والفقر والبطالة والإقصاء والتهميش والاقتصاد المقنع وتدهور المنظومة البيئية... وغيرها كثير من مظاهر التخلف التي أصبحت مميزة للمدينة المغربية، هذه الإشكالات العويصة أصبحت تشكل تحديات حقيقية تحول دون بلوغ أي تنمية حضرية متكاملة أو تهيئة عقلانية للمجال الحضري، الذي ضل يعاني ولازال يعاني من الاختلال وعد التجانس المجالي والتفاوت بين بنياته المجالية والاجتماعية والاقتصادية... ناهيك عن الفروق والتفاوتات الحادة للتنمية الموجودة بين المدن و الأرياف وما يترتب عنها من تزايد عدد المهاجرين نحو المدن وحرمان العالم القروي من جزء من طاقته الحيوية ورأسماله البشري الغني.


وإذا ما تتبعنا سيرورة التحضر بالمغرب مثله مثل باقي دول العالم التابع، فإننا سوف نلاحظ بأن ظاهرة التحضر فيه لم تأتي نتيجة لنمو طبيعي وتحول عادي في بنياته الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية... وإنما جاء تنيجة لتدخل الأجنبي مع حركة التوسع الإمبريالي في بداية القرن العشرين، مما أدى الى ظهور تفاقم الاختلالات بنيويا ومجاليا لعل أهمها هو تكريس التبعية بمختلف أشكالها سواء منها الدولية في إطار علاقات التبادل اللامتكافئة بين المغرب والدول الرأسمالية أو الداخلية في إطار العلاقات اللامتكافئة بين البادية والمدينة التي كان من نتائجها تحول عدد كبير من سكان المغرب بين عشية وضحاها من سكان قرويين إلى سكان حضريين يقطن جزء منهم في مدن الصفيح.

وإذا كان الفضل يعود إلى البحث الجغرافي والجغارفة، في دراسة المجال الحضري وإبراز خصوصياته ومشاكله، فإن باقي العلوم الاجتماعية الأخرى وعل رأسها السوسيولوجيا قد اهتمت هي الأخرى منذ نشوءها للظاهرة الحضرية، وهذا ما يمكن ملاحظته مع الرواد الأوائل المؤسسين لعلم الاجتماع ( ماركس، دوركايم فيبر، زيمل...) وكذلك مع رواد مدرسة شيكاكو والذين يعود لهم الفضل هم الآخرون في إنتاج تراكم نظري ومنهجي لا يستهان به حول جل الإشكالات المتعلقة بالمسألة الحضرية.

وإذا ربطنا الظاهرة الحضرية في المغرب على المستوى الماكرو سوسيولوجي والتاريخي فإن أول ما يمكن ملاحظته هو أن تشكل الظاهرة الحضرية ونشوءها لم يأتي صدفة، بل جاء كحقيقة تاريخية فرضتها شروط التوسع الإمبريالي. مع العلم أن ظاهرة التحضر، هي ظاهرة تاريخية في المجتمع المغربي قبل مجيء الاستعمار. وبالتالي فإن مختلف الإشكالات التي أضحت تعاني منها المدينةالمغربية هي بالأساس موروثة عن عهد الاستعمار، بالإضافة إلى بعض العوالم الداخلية الأخرى، لعل أهما التزايد الديمغرافي لسكان المغرب في العقود الأخيرة، وارتفاع معدل الهجرة القروية نحو المدن وارتفاع معدل البطالة والفقر... فضلا عن فشل سياسات الدولة الحديثة التي ظلت تتميز بطابعها القطاعي الجزئي الأحادي البعد. بالإضافة إلى بعض العوامل الأخرى كضعف وثيرة النمو الاقتصادي، وسياسية التقويم الهيكلي التي زادت من تعميق الاختلالات البنيوية في المجتمع المغربي وتأزيم الوضعية الاجتماعية على حساب التطلع إلى تنمية اقتصادية مجهولة الأفق، والتي لم ينل منها الإنسان المغربي سوى الفقر والبطالة و والتهميش والإقصاء والتشرد...

ومع بداية تراجع الدولة في التدخل كفاعل مباشر في التنمية الاقتصادية والشروع في تطبيق سياسة التقويم الهيكلي وفتح المجال لفاعلين محليين في إطار القطاع الخاص والمجتمع المدني، أصبح المغرب أمام تحديات جديدة تفرضها عليه حركة العولمة بالإضافة الى التحديات والمشاكل الداخلية التي تعطل عملية النهوض بالتنمية المحلية في المجال الحضري ، مما أدى الى طرح المشكلة بحدة في الآونة الأخير من أجل بناء سياسة وطنية قويمة وطموحة لإعداد التراب الوطني، وبالتالي إعداد وتهيئة وتنمية المجال الحضري، ومن ثمة تمت صياغة الميثاق الوطني لإعداد التراب، كما تم عقد حوار وطني حوله، ليتم الخروج بمجموعة من الخلاصات والتوجهات والأسس التي ينبغي الاعتماد عليها في إعداد التراب الوطني ومن بينه البرنامج الحضري، كما أن تفاقم الوضعية الاجتماعية وتدني المستوى المعيشي وانتشار الفقر وضعف البنيات التحتية والتجهيزات الأساسية وانتشار البطالة والأحياء الصفيحية...قد أدى كل هذا بالمهتمين والمعنيين الى الانتباه بخطورة الوضع، مما أدى بهم الى إعادة النظر في صياغة الخطط والاستراتيجيات التنموية، فجاءت بعض البرامج والمبادرات والاستراتيجيات التنموية، كبرنامج مدن بدون صفيح، والبرنامج الوطني لمحاربة الإقصاء في الوسط الحضري واستراتيجية التنمية الحضرية المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وغيرها من البرامج الأخرى التي تهدف إلى تحسين وضعية الفرد والرفع من مستوى معيشته.

وإذا كان الميثاق الوطني لإعداد التراب يهدف فيما يخص البرنامج الحضرى إلى تحقيق تنمية في ظل العولمة والانخراط الايجابي فيها وتحقيق النجاعة الاقتصادية والتماسك الاجتماعية والتضامن المجالي والاندماج الجهوي وتأهيل الموارد البشري ومعالجة السكن إشكالية السكن العشوائي وإشكالية العقار واعتبار التنمية الاجتماعية أداة للتنمية الحضرية والمحافظة على البيئة وتحقيق التنمية المستدامة... وإذا كانت كذلك استراتيجية تنمية المدينة تهدف الى بناء رؤية جماعية وتشاركية للمدينة وبناء خطط عمل لتحسين الحكامة والتدبير العقلاني لم واردها والرفع من الاستثمار وتنمية الشغل والخدمات، والحد من الفقر... وإذا كانت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية كورش تنموي دائم ومفتوح، تهدف هي الأخرى إلى محاربة الفقر والإقصاء والتهميش... إذا كانت كل هذه البرامج والمبادرات والخطط التنموية وغيرها تهدف الى بلوغ كل هذه الغايات التي تصب كلها في اتجاه تحقيق تنمية حقيقية وتغيير شامل فأين نحن في واقعنا الحالي المعاش من كل هذا؟ بحيث لا زال هناك فقر وبطالة وإقصاء وتهميش واختلالات مجالية واقتصاد هش ومدن الصفيح وكل مظاهر التخلف ما زالت قائمة الذات، فأين نحن من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ومن برنامج مدن بدون صفيح، وأين نحن من البرنامج الوطني لمحاربة الإقصاء في الوسط الحضري...

إلى هنا يمكن التساؤل عن واقع التنمية الحضرية في المغرب، لكن ةقبل ذلك نريد طرح الأسئلة الأخرى المرتبطة بالتراث السوسيولوجي حول المسألة الحضرية إذن:

- كيف اهتم علماء الاجتماع الكلاسيكيون بالظاهرة ؟ وماهي رؤيتهم العلمية للمدينة؟

- وكيف قارب رواد مدرسة شيكاكو والمسألة الحضرية ومختلف الإشكالات المرتبط بها؟ 

- وماهو دور واقع التنمية الحضرية بالمغرب؟ وماهو واقع المغربية؟

- وماهي الإشكالات التي تعاني منها؟ وما موقع التنمية الحضرية والمدينة في سياسات التنمية الوطنية؟

- ماهي تحديات إعداد المجال الحضري؟ وإلى أي حد يمكن أجرأة كل بنود التنمية الحضرية التي تضمنتها الخطط والاستراتيجيات والبرامج والمبادرات التنموية التي سنها المغرب لتهيئة المجال الحضري؟

هذه بعض الأسئلة من بين أخرى، والتي نحاول أن نعاين أو نتلمس من خلالها بعض جوانب إشكال موضوع الدراسة في عرضنا هذا، والذي نهدف من خلاله الى بلوغ هدفين أساسين، أولهما مساءلة التراث السوسيولوجي الأوروبي، والأمريكي مع مدرسة شيكاغو على الظاهرة الحضرية، وثانيهما الوقوف على واقع المدينة المغربية وعلاقتها بالتنمية الحضرية، وذلك انطلاقا من مقاربة سوسيولوجية منفتحة شيئا ما على الجغرافيا.







































المحور الأول: الظاهرة الحضرية في التراث السوسيولوجي:



لقد حظيت الظاهرة الحضرية باهتمام بالغ الأهمية من طرف الرواد الأوائل لعلم الاجتماع الذين جعلوا من إشكالية التحضر والحضرية وما يرتبط بهما من إشكاليات أحد المواضيع الأساسية التي اشتغلوا عليها، ومن خلال المجال الحضري وما يزخر به من تفاعلات باعتباره مختبرا غنيا بالظواهر الاجتماعية، استطاع علماء اجتماع القرنين 18 و19 و20 ( ماركس- دوركايم- ماكس فيبر- سيمل- رواد مدرسة شيكاكو الأوائل...) صياغة مفاهيم وبناء قوانين نظرية واختبار فرضيات سوسيولوجية، ومن أجل فهم كل النتائج المترتبة عن التحولات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية... التي عرفتها مجتمعاتهم إبان المرحلة التاريخية التي عايشوها. ومن أجل فهم كذلك العديد من الظواهر والأفعال الاجتماعية والسلوكات الفردية داخل الوسط الحضري.

وقد كان وراء اهتمام رواد علم الاجتماع الأوائل بالظاهرة الحضرية، عد عوامل أهمها، طبيعة المرحلة التاريخية التي زامنوها والتي عرفت جملة من التحولات الكبرى في تاريخ مجتمعاتهم إبان الثورات التي عرفتها أوربا أنذاك بداية من الثورة السياسية (فرنسا) والثورة والثورة الفكرية/ الثقافية (ألمانيا) الى الثورة الصناعية (انجلترا) وقد كان من نتائج هذه الأخيرة حدوث العديد من التحولات، كانت المدينة مسرحا لها، حيث تغيرت أنماط الحياة وتضخمت المدن وانتشرت حركة تمدين وصاحبها انتشار حركة تصنيع كبرى وظهور ظواهر اجتماعية جديدة بالمدن وارتفاع نسبة الهجرة... كل هذه التغيرات والتحولات كانت من بين الأسباب التي جعلت رواد علم الاجتماع الأوائل يوجهون اهتمامهم بالظاهرة الحضرية أنذاك.

- إذن فكيف قارب رواد السوسيولوجيا الأوائل الظاهرة الحضرية، وظاهرة التحضر، وهم يعيشون أهم التغيرات والتحولات الاجتماعية الكبرى التي عرفتها أوربا خلال القرن التاسع عشر؟

- وماهي مساهمة رواد مدرسة شيكاغو الأوائل في فهم وتحليل ومقاربة الظاهرة الحضرية، وهم بدورهم يعيشون مرحل من أهم مراحل التوتر الذي كانت تعرفه مدينة شيكاغو؟

- وما هي خصوصيات التحضر والظاهرة الحضرية في دول العالم الثالث؟



قبل الإجابة عن هذه الأسئلة والتطرق الى الاهتمام السوسيولوجي المبكر بالظاهرة الحضرية، تدعونا الضرورة المنهجية الوقوف عند المفاهيم من أجل تحديدها حتى نرفع اللبس والغموض عنها وبالتالي توضيح القصد منها.

إذن فما المقصود بمفهوم المدينة؟ وما المقصود بمفهوم التحضر والحضرية؟ وما المقصود كذلك بمفهوم التنمية الحضرية؟

1- تحديد الجهاز المفاهيمي:

أ- سوسيولوجيا التحضر:

يمكن تعريف سوسيولوجيا التحضر بأنها فرع معرفي داخل الحقل السوسيولوجي بصفة عامة، يهتم بدراسة الظاهرة الحضرية، وبدراسة الأنماط الثقافية والاجتماعية في الحياة الحضرية. ويفسر كذلك المظاهر المميزة للحياة الحضرية وتأثيرها على المواقع الاجتماعية للأفراد. كما يهتم بمقاربة إشكالية نشأة المدن وتطورها والإشكالات التي تترتب عن التوسع الحضري. ويعتبر التقسيم الطبقي السائد داخل المراكز الحضرية أحد المواضيع والإشكالات الأساسية التي تحظى بالاهتمام من طرف علم الاجتماع الحضري.

وهكذا فإن موضوع علم الاجتماع الحضري هو المدينة كفضاء غني بالتفاعلات الاجتماعية الاجتماعية والظواهر الاجتماعية، وانطلاقا من هذا الفضاء يهتم علم الاجتماع لحضري، بدراسة المؤسسات الحضرية ومقاربة السلوك الاجتماعي للأفراد داخل الوسط الحضري، ورصد العوامل المتحكمة في وظائف تشكله من خلال علاقته بالثقافة والمجال الحضريين.

ومن الناحية الميتودولوجية والابستمولوجية فإن علم الاجتماع الحضري، يستمد أسسه المنهجية والمعرفية ومفاهيمه الأساسية وأدواته الميدانية من التراث السوسيولوجي. أي المناهج السائدة في علم الاجتماع، بالانفتاح شيئا ما على بعض الفروع المعرفية الأخرى في حقل العلوم الاجتماعية، كالجغرافيا (الجغرافيا البشرية، وجغرافية السكن...) والتاريخ والأنثروبولوجيا، وكل الفروع المعرفية التي تهتم بمقاربة الظاهرة الحضرية.



ب- مفهوم المدينة:

يبقى مفهوم المدينة صعب التحديد نظرا لتعدد المعايير يتم اعتمادها من أجل التمييز بين المدينة والبادية، إذا غالبا ما يتم الاعتماد على معيار معدل تعدد السكان، غير أن هذا العدد يختلف من دولة لأخرى، ومن حقبة تاريخية لأخرى كذلك، وبذلك نجد مثلا أن بعض الدول الأوربية كفلندا والسويد، تعتبر كل تجمع سكاني تجمعا حضريا إذا زاد عدد سكانه 200 نسمة، ونجد نسبة 250 نسمة عند الدانمارك، و 2000 نسمة عند فرنسا، و 11000 عند مصر و30000 عند اليابان، هذا التباين في تعريف المراكز الحضرية أو المدينة يبن بوضوح درجة التحضر في بلدان العالم.[1]

وفي ظل غياب وجود فروق سوسيولوجية ثابتة للتمييز بين المدينة والبادية، وفي ظل كذلك وجود نمط عيش ريفي في بعض المدن رغم كثافته السكانية، يبقى معيار الكثافة ضعيفا للتمييز بين الاثنين.[2]

وبالاعتماد على معيار العدد والكثافة السكانية المتمركزة في مجال معين، من أجل تحديد الفرق بين المدينة والبادية يبقى ضعيفا، لأن مسألة ربط المدينة بالتوسع الديمغرافي وبمفهوم التحضر غير كافية لإعطاء تحديد دقيق للمدينة كفضاء له خصائص فيزيقية موضوعية ( المواصلات، التجهيزات، البنيات العالية، المؤسسات، المرافق العمومية...) ومجال لتجمع أفراد ذوي نمط خاص في العيش والتعامل، وهي بذلك تتجاوز بالكثير مفهوم التحضر.

بالإضافة الى معيار الكثافة السكانية نجد العديد من المعايير الأخرى كالمعيار الإداري الذي يعتبر أنه كلما توفرت المؤسسات ( المستشفيات، الأسواق الحدائق، المنتزهات، الإدارات، المدارس، المعاهد....) اعتبر المجال حضريا. وكلما قل تواجد هذه المؤسسات اعتبر المجال قرويا، كما نجد كذلك المعيار الضريبي الذي يعتبر أنه إذا كانت الضرائب عقارية وذات مداخل متعددة تدفع عن المباني والمنشآت الصناعية والتجارية اعتبر المجال حضريا، وإذا كانت هذه الضرائب تدفع مثلا على الإنتاج الزراعي كان المجال قرويا، وهناك كذلك المعيار العمراني الذي يميز بين المدينة والبادية من خلال طبيعة البنايات العمرانية، بحيث أن المجال الحضرية والمدينة هي التي توجد فيها حدائق بدبعة والمؤسسات الخدماتية والأسواق... أما المجال القروي فهو الذي يغيب فيه هذا النمط العمراني بنفس الخصائص، هذا علاوة على المعيار التاريخي، وكذلك الشأن بالنسبة للمعيار المهني، إذ يتم التمييز بين الفضائيين(البادية- المدينة) من خلال طبيعة المهن والحرف والأنشطة الاقتصادية.[3]

غير أن أهم ما يمكن قوله على هذه المعايير الكمية الأحادية البعد، هو أنها تبقى معايير ناقصة للتمييز بين المدينة والبادية، لأن المسألة أكثر من ذلك بالكثير وتحتاج الى نوع من المقاييس الكيفية المتعددة الأبعاد، خاصة وأن الفروق الريفية/ الحضرية هي بالأساس ظاهرة ثقافية مرهونة بثقافة المجتمع ككل لا يمكن الحديث عن خصائص عامة تميز القرية أو المدينة، في كل زمان ومكان .[4]

وإذا ما رجعنا الى التراث السوسيولوجي نجد مسألة المقارنة بين البادية والمدينة من أجل التمييز بينهما وتفسير مختلف الظواهر والأفعال الاجتماعية للأفراد داخل الوسط الحضري أو القروي عند رواد المؤسسين لعلم لاجتماع[5] بداية بابن خلدون ومروا بإميل دوركايم وتونيز ووصولا الى ماكس فيبر... وغيرهم كثير ممن وضعوا نوعا من المقارنة بين البادية والمدينة في تناولهم للمسألة الحضرية.

ويعرف جورج جورفيتش المدينة على أساس أنها عبارة عن نتاج تركيز السكان ووسائل الإنتاج ورأسمال المتع والحاجات، في حين يمثل المجتمع القروي العزلة والانفصال.

ويغرف لويس وورث المدينة على أساس أنها تميز عن القرية بعدة خصائص. أهمها حجم السكان الأكبر وتركز الكثافة السكانية، وسيادة العلمانية والعقلانية وانهيار النسيج المعياري والأخلاقي وعدم التجانس الاجتماعي Lhétérogéniete sociale.[6]

وتعرف المدينة من الناحية القانونية على أساس أنها كيان قانوني يخضع للقانون العام للدولة ومن المتوقع أن يؤدي هذا الكيان عدة وظائف سواء كانت حكومية أو محلية، ووفقا لهذا التعريف فإن المدينة تعتبر وحدة إدارية محلية (لامركزية) لها حدود محددة قانونيا وأشخاص منتجون محليا يتمتعون بسلطات واختصاصات محددة.[7]

يبقى هذا التعريف القانوني غامضا، وغير واضح بالإضافة التعاريف الكمية الأخرى التي تبقى قاصرة في تحديد مفهوم المدينة غير أن التعاريف التي اعتمدت على البعد الكيفي المتعدد الأبعاد، تبقى الأقرب الى اعطاء صورة حقيقية حول مفهوم المدينة، لذلك وجب الاعتماد على كل هذه الأبعاد الكمية والكيفية، في تحديد مفهوم المدينة كمجال أو فضاء جغرافي يتميز بتمركز كثافة مهمة من الناس، والوسائل والخدمات والمؤسسات، كما أنه يتميز بنمط خاص في العيش وطبيعة العلاقات الاجتماعية والأنساق الثقافية، والاقتصادية والاجتماعية والسياسية.



ج- مفهوم التحضر:

تجاوزا للتعاريف الإحصائية[8] لمفهوم التحضر، سوف نحاول التركيز على التعريف السوسيولوجي للتحضر، نظرا لغياب وجود تعريف واحد لمفهوم التحضر، الذي يتسم بالغموض وتعدد الدلالات والمعاني وفي هذا الإطار نجد بوشنفاتي بوزيان يقول:" إن الصعوبة الأولى يصادفها الدارس في علم الاجتماع هو غياب وغموض المصطلحات التي تتداول في الدراسات، وهذا الغموض قد يكون نتيجة لأسباب كثيرة، إما ل لإهمال تحديد هذه المفاهيم باعتبارها واضحة بذاتها تعبيرا عن نوع من البداهة والشفافية المغلوطة أو عن صعوبة او استحالة التحديد (...) ويصدق هذا القول على مفهوم الحضر والتحضر ذاته أي الوضع القائم Urbanisation et Urbain وعملية تكون الظاهرة.[9]

وفي هذا الإطار كذلك نجد مانويل كاستيل في مستهل دراسته حول " المسألة الحضرية:"La question urbain" يقول : في أدغال التعاريف الدقيقة التي أغنانا بها علماء الاجتماع يمكننا أن نميز بوضوح معنيين متمايزين لكلمة تحضر:

- التحضر باعتباره تركزا مجاليا للسكان انطلاقا من حدود معينة من حيث الحجم والكثافة.

- التحضر باعتباره انتشارا لنسق من القيم والمواقف والسلوكات، يسمى ثقافة حضرية.[10]

ويعرف ألدريج Eldrige مفهوم التحضر باعتباره سيرورة تركز للسكان وهذه السيرورة تشمل أيضا عمليتين أخريين هما أولا انتشار وامتداد نقط التركز هذه وثانيا ارتفاع حجم وكثافة كل نقطة من هذه النقط.

وهكذا فإن مفهوم التحضر يتضمن دلالتين الأولى ديمغرافية-مجالية (التحضر الكمي) والثانية اجتماعية-ثقافية(التحضر الكيفي)، ومن ثم فإن مفهوم التحضر يشير الى فعل الانتقال من وضع الى وضع أخر مختلف، وذلك على المستوى الديمغرافي والمجالي وعلى المستوى الاجتماعي- ثقافي، والتحضر لا يتم إلا على شكل سيرورة تتم في المكان والزمان وهي عملية تستهدف إدماج عناصر جديدة (مجالية أو إنسانية) في دائرة التحضر.[11]

ومن هنا يمكن القول بأن مفهوم التحضر يتضمن ثلاث أبعاد أساسية، وهي:

- التحضر باعتباره امتدادا جغرافيا أو مجاليا للمدينة. وتهتم بدراسته الجغرافيا.

- التحضر باعتباره نموا سكانيا للمدينة، وتهتم بدراسته الديمغرافيا.

- التحضر باعتباره انتشار لنمط عيش هو نمط العيش الحضري، وهو ما تهتم بدراسته السوسيولوجيا.

وهكذا فإن التحضر سيرورة من سيرورات التعبير تتم بواسطة الانتقال أهل البادية الى المدينة، أو تحول المناطق الريفية الى مناطق حضرية، وعادة ما تؤثر هذه العملية على التركيب المهني و الاجتماعي والاقتصادي لسكان البدو والحضر على السواء (...) ويشير مفهو م التحضر الى أكثر من الارتفاع أو الانخفاض في عدد السكان الحضر والبدو والانتقال في الزراعة الى الصناعة، إذ يتضمن تغيرا في حياتهم كما يضم تغيرا في جو العمل الذي يتطلب بدوره تقسيما جديدا للعمل والتحضر خاصيتين أساسيتين: فمن الناحية الديمغرافية هناك مستوى عالي من التركيز السكاني، ومن ناحية البناء الاجتماعي، يعرف النظام الاقتصادي والتنظيم الاجتماعي تغيرا، كما يمكن تعريف التحضر على أساس أنه تلك العملية التي تصبح بها الحضرية أسلوبا مميزا للحياة.[12]

د- مفهوم الحضرية/المدنية:

يرتبط مفهوم الحضرية ارتباطا وثيقا بمفهوم التحضر، كما يرتبط الاثنين بمفهوم المدينة، إذ لا يمكن الحديث عن التحضر سواء في بعده الكمي أو الكيفي أو الحديث عن الحضرية في غياب مجال جغرافي وثقافي واقتصادي واجتماعي... يتميز بنمط خاص، أي في غياب المدينة. إذن فالعلاقة بين كل هذه المفاهيم هي علاقة جدلية وتفاعلية لا يمكن الفصل بينها في تناول أي مفهوم منها.

ويمكن تعريف الحضرية Urbanisme على أساس أنها تشير الى طريقة العيش والحياة المميزة لأهل المدن الذين يتبعون عادة أسلوبا أو نمطا في حياتهم، وهو أمر يتعلق بالسلوك اليومي للإنسان الحضري أو المتحضر، الذي يتميز بنمط سوسيو- ثقافي خاص به، نمط يتشكل انطلاقا من الخصائص الثقافية والاجتماعية التي تميز الحياة الحضرية والوسط ( المجال/ الفضاء الحضري- المديني) الذي يحتم على الإنسان القروي ضرورة التكيف والتأقلم معه من أجل الاندماج فيه سوسيوثقافيا واقتصاديا، تكيفا نفسيا وعلائقيا وثقافيا واجتماعيا مع متطلبات الحياة الحضرية والمدينية، وأحد مظاهر هذا التكيف هو جعل سلوك الانسان القروي الذي يحمل ثقافة ريفية بالمجال الذي ينتمي إليه، مع سلوك أهل المدينة الذي يتميز هو الأخر بمجموعة من الخصائص عن السلوك الريفي.

غير أن هذا الارتباط بين مفهوم التحضر والحضرية لا يعد ارتباطا مطلقا، إذا ما نظرنا لمفهوم التحضر من حيث هو تركز عالي للكثافة السكانية بالوسط الحضري، أي من حيث الجانب الكمي للتحضر، والذي يعني النمو الديمغرافي والتوسع المجالي، على اعتبار أن هناك العديد من السكان الريفيين في البلدان الأوربية قد اختاروا نمط العيش الحضري والانتقال إلى المدينة بسبب سهولة الاتصالات ، وتكسر الحواجز الجغرافية والمجالية بين المدين والقرية وبسبب الغزو الثقافي أو المثاقفة التي تتعرض له البادية بسبب انتشار وسائل الإعلام.... ولكن رغم هذا الانتقال ورغم هذه المثاقفة والغزو الثقافي، نجد هؤلاء السكان القرويين قد احتفظوا بنمط عيشهم الريفي داخل الوسط الحضري.

هكذا فإن الحضرية هي تحضر من حيث هو نمط العيش كما يعرفه لويس وورث [13] ، وليس باعتباره انتقال ديمغرافي أو توسع مجالي في الكثافة السكانية أو عدم التجانس الاجتماعي... أو بعبارة أخرى حسب كاستيلز فإن الحضرية هي نمط للعيش وطريقة في الحياة والسلوك، وهي تحضر من حيث هو " ثقافة حضرية" ونسق من المواقف والقيم والمعايير والسلوكات ونظم من التفكير وطرق في التفكير والعيش.

هـ- مفهوم التنمية الحضرية:

إذا كانت كل المفاهيم السابقة تتسم بالغموض وصعوبة التحديد، فإن هذه الصعوبة والغموض لا تقل شأنا في تحديد مفهوم التنمية باعتباره مفهوما معقدا ومتعدد الأبعاد والدلالات، بالإضافة إلى كونه مشحونا بالتوجهات الايديوولجية[14].

إن كل المفاهيم من قبيل التنمية الحضرية والتنمية القروية والتنمية البشرية والتنمية المستدامة والتنمية المحلية والتنمية الوطنية... كل هذه المفاهيم وغيرها كثير تدخل في نفس الإطار أو الحقل السيمنطقي لمفهوم التنمية، كمفهوم شامل ومتعدد الأبعاد والدلالات. والملاحظ في كل هذه المفاهيم القطاعية التي تحاول تجزيء مفهوم التنمية، هي أنها مفاهيم جزئية تعطى لها دلالات ومعاني ترتبط بالحقل أو المجال الذي تنتمي إليه. مما يجعلها مفاهيم غامضة ومتعددة الدلالات والأبعاد التي تختلف من باحث إلى أخر، ومن فترة تاريخية إلى أخرى، ومن مجتمع إلى أخر.

وذا كانت التنمية في مفهومها العام تعني عملية تغير[15] اقتصادي واجتماعي وثقافي وسياسي... يحدث في المجتمع ويتم التخطيط له وتوجيهه، من أجل الانتقال من وضع غير مرغوب فيه إلى وضع أخر مرغوب فيه. وإذا كانت التنمية تعني كذلك عملية التحول التقدمي والمتتابع الذي يصيب مختلف أنماط الواقع السوسيواقتصادي والثقافي للمجتمع، وما يتطلب ذلك من انبثاق ونمو كل الامكانات والطاقات الكامنة في كيان المجتمع بشكل كامل ومتوازن سواء كان هذا الكيان فردا أو جماعة أو مجتمع.[16]

وإذا كانت التنمية كما جاء في تعريف هيئة الأمم المتحدة تعني تلك " العملية التي تمكن من توحيد جهود الكل من المواطنين والحكومة لتحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية للمجتمعات المحلية، بمساعدتها على الاندماج في حياة الأمة والمساهمة في تقدمها أقصى ما يمكن[17]. فإن مفهوم التنمية الحضرية Développent urbain ، بمعناها المتداول اليوم لها علاقة وطيدو بمفهوم التنمية المستدامة والتنمية البشرية التي تنطلق من الانسان كمحور لكل عمل تنموي من خلال تثمين قدراته وتوسيع خياراته وتقوية كفاءاته من أجل أن يسير فاعلا ايجابيا في العملية التنموية ومندمجا بشكل فعال وايجابي في محيطه السوسيوثقافي والاقتصادي الحضري،د.

ويقصد بالتنمية الحضرية التي تختلف عن النمو الحضري[18] " الوصول بالإنسان إلى حد أدنى في المستوى المعيشي الذي ينبغي أن يتمتع به كل مواطن باعتباره حق ينبغي على الدولة أن تلتزم به وتعززه الجهود لتحقيق كفاءة استخدام الإمكانيات المتاحة وبالحلول الذاتية لسد الثغرات التي تبدو على مستوى هذا الحد... وبذلك يمكن التمييز بين عدة أشكال من التنمية الحضرية منها ماهو اقتصادي واجتماعي وثقافي... فالتنمية الحضرية الاجتماعية على سبيل المثال تعني توفير الصحة والتعليم والسكن الملائم والشغل المناسب لقدرات الانسان والدخل الذي يوفر له احتياجاته وكذلك الأمن والتأمين الاجتماعي وتكافؤ الفرص والانتفاع بالخدمات الاجتماعية[19].

وهكذا فإن التنمية الحضرية هي تلك العملية التي بمختلف جوانب الحياة الحضرية فتحدث فيها تغيرات كيفية عميقة وشاملة، تهدف بالأساس الى تهيئة المجال الحضري وتدبير موارده البشرية والاقتصادية بشكل عقلاني ومخطط له، كما تهدف إلى تنمية قدرات وإمكانيات وخيارات الانسان الحضري حتى يتفاعل بشكل ايجابي مع محيطه الحضري ويندمج فيه سوسيو اقتصاديا وثقافيا ويساهم بالتالي في تحقيق كل أهداف التنمية المحلية وعلى رأسها التنمية الحضرية.





2- السوسيولوجيا الكلاسيكية والمسألة الحضرية:



عن مسألة الاهتمام بالظاهرة الحضرية، شأنها شأن باقي الظواهر الاجتماعية الأخرى ، نجدها حاضرة بقوة عند الرواد الأوائل في علم الاجتماع، ويرجع الاهتمام المتزايد بالظاهرة الحضرية إلى التحولات والتغيرات الاجتماعية الكبرى التي تعرضت لها المدينة في الدول الغربية، وما ترتب عنها من انعكاسات كبيرة على البناء العام للمجتمع، مما استرعى الانتباه السوسيولوجي لعلماء الاجتماع الذين حاولوا مقاربة الظاهرة الحضرية ، والملاحظ في مقاربتهم هذه، حظور ثنائية المقارنة بين البادية والمدينة.[20] " لأن جميع علماء الاجتماع وهم يتحدثون عن المدينة أو الظاهرة الحضرية، ينطلقون صراحة أو ضمنا من مقارنتها مع البادية أو الظاهرة القروية."[21]



أ‌- ماركس والماركسية والتحليل المادي التاريخي للظاهرة الحضرية:

في تناولهما لأهم المراحل الكبرى التي مرت بها المجتمعات البشرية في تطورها التاريخي، حاول كل من كارل ماركس وفريدريك انجلز، من خلال تحليلهما المادي التاريخي والمادي الجدلي لتطور أنماط الإنتاج في المراحل الخمس[22] التطرق الى مسألة العلاقة بين المدينة والبادية إدماجهما للبعد الحضري في دراستهما لأهم التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي عرفتها أوروبا في بداية القرن 19.

وقبل ماركس نجد في هذا الإطار مساهمة ف.إنجلز (1820-1895).خاصة في كتابه "حالة الطبقات العاملة في انجلترا" الذي صدر سنة 1845. والذي خصص فيه فصلا للمدينة عنونها ب " المدن الكبرى "، وتحدث فيه عن المشاكل التي صاحبت ارتفاع وتيرة التحضر. كما عمل على تقديم قراءة سوسيولوجية، للوضعية الطبقة العاملة من خلال عرض حالة البؤس والفقر والاستغلال الذي تتعرض له، كما تطرق إلى مسألة النمو الحضري العشوائي الناجم عن الطريقة التي تخفي بها البلدان المتقدمة والمصنعة الوجه الأخر لتقدمها الصناعي... وتطرق فيه كذلك الى أزمة السكن وانتشار الأحياء الهامشية المجاورة للأحياء الراقية، ووجه انتقادا لاذعا للتطور الرأسمالي في بعض المدن الكبرى(لندن)، وأعتبر أن أزمة السكن والاستغلال الذي تتعرض له الفئات المقصية اجتماعيا القاطنة بالأحياء الهامشية"، هو مؤشر أساسي للاحتكار الاستغلال الرأسمالي ... وبذلك فإن أحسن وسيلة للقضاء على هذه الأزمة هي القضاء بشكل نهائي على الاحتكار والاستغلال الذي تمارسه الطبقة الرأسمالية على الطبقة العاملة.

وفي كتابهما المعنون بـ " الايدولوجيا الألمانية" (18475-1846) نجد ماركس وانجلز، يتطرقان للمسألة الحضرية من خلال حديثهما عن ظاهرة تقسيم العمل التي فرقت بين المدينة والبادية" إن تقسيم العمل داخل أمة ما يفترض أولا تقسيم العمل الى عمل صناعي وتجاري من جهة، وعمل فلاحي من جهة أخرى، ومن ثم التفريق بين البادية والمدينة وتعارض مصالحهما".[23]

وفي نفس السياق نجدهما يقولان :" إن أكبر تقسيم للعمل المادي والفكري هو الفصل بين المدينة والبادية. إن التعارض بين المدينة والبادية قد أخذ في الظهور مع الانتقال من التوحش الى الحضارة، من التنظيم القبلي الى الدولة، من الإقليمية الى الأمة. وظل هذا التعارض قائما على امتداد تاريخ الحضارة إلى اليوم. إن وجود المدينة يستدعي في نفس الوقت ضرورة وجود الإدارة والشرطة والضرائب....الخ. أو بكلمة واحدة ضرورة التنظيم الجماعي، ابتداء بالسياسية عموما، وهنا سيظهر لأول مرة تقسيم السكان الى طبقتين كبيرتين. وهو تقسيم يرتكز مباشرة على تقسيم العمل ووسائل الإنتاج".

ومن خلال التتبع التاريخي لظاهرة تقسيم العمل بين البادية والمدينة، بين ماركس وانجلز انه ابتداء من عصر الإقطاع الذي تنامت فيه الفوارق الطبقية بين المدينة والبادية، لأن البنية الإقطاعية المعتمدة على الملكية الواسعة للأرض واستعباد الأقنان تتمركز في البوادي، في حين أن المدن ستشهد تركز الملكية التعاونية التي تعبر عن التنظيم الإقطاعي للحرف. وستدعو حاجة هذا التنظيم الصناعي التجاري لليد العاملة الى العمل على استيعاب واحتواء الأقنان الذين كانوا يفرون بشكل جماعي في اتجاه المدن المزدهرة طيلة القرون الوسطى. إن هؤلاء الأقنان الذين كانوا يذوقون مختلف أصناف العذاب على أيدي أسيادهم في البادية سيفرون الواحد تلو الآخر الى المدن، حيث توجد مجموعة سكانية منتظمة....حتى يتخلصوا إذن من العذاب المسلط عليهم من طرف الإقطاعيين، باعتبار أن المدينةحسب ماركس ليست مجالا للحرية والعمل الفكري فحسب، بل إنها أيضا المجال المفضل والأحسن للعيش والسكن(...) إ المدينة هي نتاج لتركز السكان والأدوات ورأس المال والمتع والحاجات، بينما البادية "تبرز واقعا مضادا هو العزلة والتشتت".[24]

وفي البيان الشيوعي لهما نجد هناك دعوة واضحة للقضاء على التعارض القائم بين البادية والمدينة وإنهاء تبعية البادية للمدينة التي تبقى رهينة بانجاز المهام الملقاة على عاتق البروليتاريا. وحسب انجلز فإن فشل النظام الرأسمالي في حل أزمة السكن راجع بالأساس الى فشله في القضاء على التعارض القائم بين البادية والمدينة.

ورغم الانتقادات التي توجه الى التحليل الماركسي للظاهرة الحضرية، خاصة الانتقادات الموجهة لهنري لوفيفر من خلال اهتمامه بظاهرة التحضر الشامل للمجتمع، من طرف بعض الرواد المعاصرين الماركسيين الذين اهتموا بالظاهرة الحضرية، والذين ينتمون لتيار الماركسية البنيوية، مثل كاستيل، ولوجكين، وكودار، فإن الاتجاه الماركسي مع ذلك سيظل حاضرا في الدراسات الحضرية الحديثة وسيتخذ أبعادا جديدا في تحليله المادي للواقع الحضري الحالي، ليكشف عن الميكانيزمات المتحكمة فيه، والتي غالبا ما تكون مرتبطة بنوعية التنظيم السياسي السائد، أو ميزان القوى الاجتماعي أو علاقات الإنتاج السائدة، والمحددة في أخر المطاف لمسلكيات مختلف الفاعلين الاجتماعيين والمتدخلين العقاريين.[25]



ب- المدينة عند إميل دوركايم كمجتمع للتضامن العضوي:

رغم كون الأب الروحي للسوسيولوجيا لم يخلف لنا تعريفا محددا للمدينة فإنه تطرق للظاهرة الحضرية من خلال اهتمامه هو الأخر بمسألة تقسيم العمل في أطروحته التي تحمل عنوان " في تقسيم العمل الاجتماعي" وفي هذا الكتاب التقى دوركايم دوركايم بالمدينة وذلك من خلال سعيه لتفسير عملية الانتقال من مجتمعات التضامن الآلي الى مجتمعات التضامن العضوي، هذا الانتقال يحث حسب دوركايم بالارتفاع التدريجي في الكثافة المادية ( الديمغرافية) في المجتمع، والتي تهيئ وتنتج بدورها ارتفاع الكثافة الروحية فيه.[26]

وأهم ما يميز البادية عن المدينة عند إميل دوركايم هو سيادة التضامن الآلي المبني على التشابه على كافة المستويات (العقلية والمهنية) على على البادية والمجتمعات التقليدية التي لا تعرف تقسيما للعمل أو تعرف التقسيم البسيط المبني على الجنس، ولا يتمتع فيها بأية شخصية مستقلة لأنه يتماهى ويتشابه مع الآخرين، ويتصرف وفقا للأعراف والعادات السائدة والمتوارثة. إنها مجتمعات تجزيئية أو مجتمعات للتضامن الآلي، أما الثانية أي المدينة، فهي يطغى عليها التضامن العضوي، القائم بين أفرادها المختلفون مع بعضهم البعض، لأن الفرد في المدينة رغم كونه يصبح أكثر حرية على المستوى الشخصي فإن ظاهرة تقسيم العمل الكثيفة فيه تجعله في حاجة الى الآخرين، ومن هنا فان التضامن هنا يتم عن طريق الاختلاف وذلك ما يسميه دوركايم بالتضامن العضوي، مشبها بذلك المجتمع الحضري بأعضاء الكائن الحي التي تختلف وتتباين ولكنها تتكامل وتتضامن.

ويعتبر دوركايم المدينة مجالا لتكدس أعداد كبيرة من الناس في رقعة أرضية صغيرة، مجالا يتميز بالكثافة المادية (الديمغرافية) المرتفعة التي تنعكس على الكثافة الروحية للمدينة، وكما يتميز بغياب التنظيم الاجتماعي التجزيئي (...) لأن المدن تنتج دائما من الحاجة التي تدفع الأفراد الى البقاء دوما في اتصال حميمي مع بعضهم البعض كما تتميز كذلك بسرعة وانتشار المواصلات والاتصال والتجهيزات.

وقد كان لدوركايم تأثيرا كبيرا على علم الاجتماع الحضري فيما بعد، وخاصة موريس هالفاكسن وبعض رواد مدرسة شيكاغو، وخاصة منهم لويس وورث، الذي يعتبر امتدادا للاتجاه الوضعي في الدراسات الحضرية. غير أن نظرة كل من دوركايم وورث تختلف للمدينة. بحيث أنه إذا كان دوركايم يعتبر بأن المدينة والتمدن هو صورة نموذجية للتقدم الإنساني وللحداثة، حيث يتحقق التضامن العضوي المفضي الى مزيد من التقدم والحرية والرخاء... فإن وورث ينظر الى المدينة نظرة تشاؤمية وبئيسة باعتبارها مجالا لانتشار مختلف الأمراض والانحرافات الاجتماعية التي تجد فيها أرضيتها الخصبة.



ج- المدينة عند ماكس فيبر:

لقد دخلت السوسيولوجيا الحضرية مع ماكس فيبر مسارا آخر، انطلاقا من الاهتمام العلمي بالظاهرة الحضرية التي خصها بكتاب شامل أسماه بـ " المدينة" الذي يؤرخ فيه لبداية الاهتمام السوسيولوجي بالظاهرة الحضرية. وقد شكل له ماركس شبحا طالما تحاور معه من أجل تجاوزه من خلال تفنيد التحليل الماركسي الأحادي لظاهرة نشوء المدن وتطورها.

وقد بنى ماكس فيبر تصوره للمدينة انطلاقا من منظور تاريخي مقارن، بدأ فيه من مدن مصر وما قبل الميلاد الى المدينة الرومانية والإسلامية والآسيوية والأوربية القرسطوية والروسية...[27].

والملاحظ عند ماكس فيبر في تناوله لمفهوم المدينة، أنه اعتبر أن النموذج المثالي للمدينة لا وجود له على الإطلاق في التاريخ إلا في أوربا الغربية. لاأن المدينة الأوربية هي قمة ما بلغته العقلنة الحضرية من ترشيد وعقلنة وسلطة وبيروقراطية، وديمقراطية ومجالس سلطوية وقضائية ومالية وقوانين ودساتير...وفي محاولته لتعريف مفهوم المدينة يقول بأنه من وجهة النظر السوسيولوجية لا يوجد تعريف واحد للمدينة. وعندما أراد صياغة تعريف نموذجي للمدينة قال:" يمكننا تعريف المدينة بطرائق متعددة، وكل التعاريف تشترك في نقطة واحدة وهي أن المدينة لا تكمن في سكن واحد أو سكنات متعددة منتشرة بشكل مبعثر، إنها تتشكل على كل حال من السكن المتجمع (ولو نسبيا)، وفي المدن تبنى الدور بالقرب من بعضها البعض، والقاعدة العامة هي أن تبنى حائطا لحائط. إن التصور الشائع في الوقت الحاضر يربط المدينة بخصائص كمية محضة.[28]

وما يميز البادية عن المدينة، هو أن الأولى تعرف انتشار كثافة سكانية مرتفعة في مجال ترابي ضيق، كما أن سكان المدينة لا يعرفون بعضهم البعض معرفة شخصية متبادلة، غير أن حجم السكان وحده لا يعطي صورة دقيقة لمفهوم المدينة حسب فيبر، لذلك وجب الأخذ بعين الاعتبار كذلك دينامية العلاقات الاجتماعية والشروط والأوضاع الثقافية.

ولم يكتف فيبر بهذا التعريف السوسيولوجي النموذجي للمدينة، بل أعطى مجموعة من التصنيفات النظرية والنماذج المثالية الأخرى حول المدينة وذلك انطلاقا من هاجس العقلنة والشرعنة، وبذلك فقد حدد المدينة من خلال الأبعاد التالية:

المدينة ككيان اقتصادي: نظرا لكون الطبيعة الاقتصادية للمدينة تجعل منها تجمعا سكانيا تجاريا وسوقا دائما، لأن وظيفتها الأولى هي بالأساس وظيفة اقتصادية.

المدينة ككيان سياسي: على اعتبار أن الأنشطة الاقتصادية والإدارية في المدينة لا يمكن ضبطها وتسييرها على نحو جيد إلا إذا توفر نمط معين من التنظيم الإداري والقانوني.

المدينة ككيان إداري/ قانوني: نظرا لكون المدينة هي بالأساس كذلك مركزا إداريا وتجمعا لمجوعة من الوظائف والأنشطة والمؤسسات السياسية للحكم المركزي.

وهكذا فرغم أهمية المنظور التاريخ عند فيبر في تناول الظاهرة الحضرية من منظور متعدد الأبعاد، فإنه بتعريفه النموذجي المثالي للمدينة يسقط في النزعة المركزية عندما اعتبر أن مفهوم المدينة لا توجد إلا في أوربا الغربية بالإضافة الى غياب النمط الايكولوجي في تحليله للظاهرة الحضرية كما هو الحال عند رواد مدرسة شيكاغو وغياب تركيزه على ظاهرة تقسيم العمل كما هو الحال عند ماركس ودوركايم، فقط اقتصر اهتمامه على الظاهرة الحضرية من خلا ل اعتبارها مركزا للسلطة والعقلنة والبيروقراطية. لكن رغم كل الانتقادات التي وجهت الى التحليل الفيبري للمدينة حسب جوليان فرويد، يبقى ماكس فيبر ومعه جورج زيمل أحد علماء الاجتماع الذين عرفتهم بداية القرن 20 ، والذين كان لهم الفضل في تدشين نمط جديد من التناول الفكري للظاهرة الحضرية (..) ومهما يكن من أمر فمن الصعب تجاهل مساهمتهما عند الكتابة عن المدينة اليوم[29]



د- جورج سيمل والمدينة الميتروبول الحديثة:



لقد كان جورج سيمل 1858-1918) واحد من علماء الاجتماع الألمان الذين عايشوا أهم التحولات والتغيرات الاجتماعية التي عرفتها ألمانيا وأوربا بصفة عامة في بداية القرن 20 ، وما ترتب عن التصنيع من ظواهر حضرية جديدة جاءت نتيجة لعملية الانتقال السريع من الحياة القروية البسيطة الى الحياة الحضرية المعقدة في ألمانيا

ومع سيمل انتقلت السوسيولوجيا الحضرية من محاولة تعريف المدينة الى تحليلها، ومن دراسة المدينة الماضية الى دراسة المدينة الحاضرة، الى درجة أصبح يعتبر فيها احد رواد مدرسة شيكاغو، رغم أنه لاعلاقة بهذه المدرسة لا من حيث الزمان ولا من حيث المكان.

وفي مقال له حول " المترو بول والحياة الذهنية"، حاول سيمل تحليل العلاقة بين الثقافة والمجال داخل الوسط الحضري للمدن الكبرى في ألمانيا "كبرلين"، وفق منهج شكلاني تأثر به بشكل كبير رواد مدرسة شيكاغو، أعتبر أن المدن الكبرى هي ظاهرة جديدة ارتبطت بالتحولات الكبرى التي أوروبا الغربية على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي...وإثر الانتقال الديموغرافي والهجرة والتوسع الحضري ...وبالانتقال من الأشكال التقليدية للمجتمع المحلي الى الأشكال الحديثة في المجتمع الحضري المعقد والمركب، توسعت المدن وانتشرت مظاهر الاستلاب والعزلة والعلاقات اللاشخصية وما دامت المدينة عند سيمل هي فضاء للسوق والتبادلات الاقتصادية، فإن العلاقات الإنسانية فيها تشيىء ويصب فيها كل فرد غير مبالي بالآخرين المحيطين به ، نظرا لانتشار الفردانية ...وما دامت المدينة عند سيمل تساهم في إحداث تغيرات ثقافية واجتماعية في حياة الانسان ، فان هدا الأخير يصبح فيها مستلبا ويتميزا بمجموعة من الخصائص الأخرى كالاستقلال الفردي وسيادة العقل الحسابي والتجريدي وغياب العاطفة والعقلنة وتقسيم العمل الأكبر... وبذلك فإن سيمل يلتقي هنا في تحليله للمدينة المتروبول، مع بعض التحليلات السوسيولوجية لمعاصره من علماء الاجتماع، كدوركايم في مفهوم تقسيم العمل والأنومي... ومع فيبر في مفهوم العقلنة، ومع تونيز في مسألة الفرق بين المجتمع المحلي والمجتمع الكلي، ومع ماركس في مفهوم الاستيلاب. وبذلك فإن المتروبول عند سيمل هي مجال كل هذه التناقضات السالفة الذكر،كما أنها هي مجال للاقتصاد النقدي كموضوع مهيمن في المدن الكبرى التي تسلب الفرد من إنسانيته وتجعله غريبا عن مجتمعه، بسبب تراجيديا الثقافة المتروبولية.



3- مدرسة شيكاغو والظاهرة الحضرية:



يعتبر ظهور مدرسة شيكاغو بمثابة ثورة كبرتيكية في تاريخ السوسيولوجيا، نظرا لما أحدثه في سيرورة علم الاجتماع من تغيرات لا على مستوى الموضوع فقط بالاهتمام بظاهرة التحضر والهجرة وغيرها من الظاهر الأخرى، بل كذلك على مستوى البحث السوسيولوجي وتقنياته، ومناهجه، الذي بقي وفيا للبحث السوسيولوجي النظري في أوربا، أما في الولايات المتحدة الأمريكية، مع رواد مدرسة شيكاغو فقد اتجه البحث السوسيولوجي الميداني نحا آخر، ينطلق من الميدان ومن الواقع باعتباره مختبرا غنيا بالمعطيات والوقائع والأحداث والأفعال والظاهرة الاجتماعية، وذلك بابتكار تقنيات وأدوات علمية جديدة ومناهج ونظريات ومقاربات ومفاهيم... كل هؤلاء الابتكارات التي يعود فيها الفضل لرواد مدرسة،جعلت من علم الاجتماع حسب بيرجس وبارك يقولان في كتابهما:" مقدمة لعلم السوسيولوجيا" يبدو أن علم الاجتماع قد أصبح اليوم على الطريق ليصبح بشكل أو بآخر علما تجريبيا".[30]

ومن العوامل الأساسية التي أدت الى ظهور هذه المدرسة المتميزة في تاريخ السوسيولوجيا هو تلك التحولات الكبرى التي عرفتها مدينة شيكاغو في أواخر القرن 19 وبداية القرن20، والتي كان من نتائجها ظهور العديد من الظواهر الاجتماعية( الفقر+ الهجرة+الإجرام+الانحراف+الدعارة+الصراعات الاثنية...) والاختلالات البينونة في المدينة التي أصبحت مسرحا غنيا بالظواهر الاجتماعية المرضية، هذا بالإظافة الى مجموعة من العوامل الأخرى كنشأة السوسيولو جيا في جامعة شيكاغو والدور الذي لعبته حركة الإصلاح الاجتماعي والتحقيقات الاجتماعية التي عرفتها الولايات المتحدة الأمريكية، كما كان لبعض العوامل الأخرى الفكرية والفلسفية دور حاسم في نشوء هذه المدرسة ولعل أهمها هو التأثير الذي أحدثته الفلسفة البركماتية في U.S.A خلال فترة العشرينيات والثلاثينيات من القرن 20، والتأثير الذي أحدثه التيار التفاعلي الرمزي في رواد المدرسة.

ويبقى من الصعب التطرق الى كل انتاجات سوسيولوجيا مدرسة شيكاغو وحتى جزء منها نظرا لضخامتها من جهة ولضيق الوقت من جهة أخرى، لذلك سوف نقتصر على بعض أفكار رواد هذه المدرسة حول التحضر والهجرة وبعض الإشكالات الحضرية الأخرى، وذلك بشكل مقتضب.



أ- وليام اسحاق طوماس، وفلوريان زنانيكي ودراستهما "للفلاح البولوني":



لقد تطرق كل من طوماس وزنانيكي في دراستهما هاته المنشورة ما بين 1918- 1920، والتي يعتبرها علماء الاجتماع أول بحث يستحق نعت بحث سوسيولوجي، لوضعية الفلاحين البولونيين في موطنهم الأصلي وثم وضعيتهم بعد هجرتهم الى أمريكا، من أجل التعرف على نمط عيشهم في بولونيا ثم ما طرأ من تغيير على نمط عيشهم وأوضاعهم الاجتماعية والثقافية والاقتصادية بعد هجرتهم الى أمريكا، ومن خلال اعتمادهما على تقنيات جديدة في البحث السوسيولوجي كحكايا الحياة ودراسة الحالة (المنهج البيوغرافي)، استطاع كل منهما تحليل وفهم كل الإشكالات المرتبطة بهجرة الفلاح البولوني، ولعل أهم مفهوم تم الخلوص اليه في هذه الدراسة هو مفهوم سوء التنظيم الاجتماعي واعادة التنظيم [31] الذي يعني ضعف وتراجع تأثير القواعد الاجتماعية بين أفراد الجماعة، واعتبر أن الهجرة هي ظاهرة ناتجة بالأساس عن سوء التنظيم الاجتماعي والتفكيك الذي يعرفه المجتمع، كما أن الهجرة تصبح مصدرا للتفكيك الاجتماعي بالوسط الحضري، وذلك نتيجة للارتفاع السريع للكثافة السكانية...وقد لاحظ طوماس أن هجرة الفلاحين البولونيين الى أمريكا تتسبب في خلق نوع من سوء التنظيم وحدوث صراعات داخل الأسرة وارتفاع نسبة الجرائم... غير أن هذه الحالة من سوء التنظيم لا تستمر الى ما لا نهاية، فكما هو الشأن بالنسبة لمفهوم الأنومي Lanomie عند دوركايم، فإن سوء التنظيم هو حالة مؤقتة بحيث سرعان ما تسعى جماعة المهاجرين الى تنظيم نفسها Réorganisation من خلال إنتاج قواعد وقيم جديدة تتلاءم مع واقعها الجديد حتى يستطيع المهاجر الاندماج في المجتمع الأمريكي.



ب- روبرت بارك والمقاربة الايكولوجية للتحضر والهجرة[32]:



يعتبر بارك الأب الروحي لمدرسة شيكاغو بدون منازع، نظرا لضخامة الانتاجات السوسيولوجية التي ألفها حول مجموعة من الظواهر الحضرية كالهجرة والتفكك العائلي والسكان المشردون وعصابات الأحداث الجانحين والغيتو والانتحار ومناطق السكن الفقيرة والغنية ومناطق الجنوح القوي وفتيات طاكسي، والعائلة الجنزية وتنظيم الدعارة والسود والصراعات الاثنية...كل هذه الظواهر الاجتماعية التي صاحبت التوسع الحضري الذي عرفته مدينة شيكاغو بفعل تعدد الأقليات الاثنية قد تطرق لها بارك بالدراسة والتحليل وفق منظور ايكولوجي ينطلق في تفسيره لها من التفاعل الحاصل بين المجال الحضري بكل ما يزخر به من خصوصيات وأنماط وقيم وبين الانسان وما يمتلكه من مواقف وتمثلات.

وانطلاقا من الايكولوجيا الإنسانية اعتبر بارك أن دراسة الانسان ينبغي أن تتم على أساس دراسة التفاعلات بينه وبين الوسط الطبيعي والجغرافي الذي ينتمي اليه، معتبرا بذلك المدينة من هذا المنظور الايكولوجي مجالا غنيا بالتفاعلات والديناميات الاجتماعية. أو بلغة بارك نفسها أن المدينة هي مختبر اجتماعي لتحليل وفهم كل الظواهر الحضرية.

وفي اطار حديث بارك على ظاهرة الهجرة الإنسانية والتحضر، اعتبر أن هجرة الفلاح الى المدينة هي ظاهرة تاريخية وعملية دائمة لا يمكنها أن تتوقف، ولكنها تتحول مشكلة اجتماعية عندما يتم السعي الى حلها عن طريق الإدماج الحضري أو ما يسميه بارك بعمليه الانصهار، لأن الثقافة التي يحملها المهاجر القروي التي يتميز بهيمنة الأعراف والتقاليد الجامدة عليها، تختلف عن الثقافة الحضريةالتي تتميز بسيادة الفردانية والرأي العام والقانون الوضعي.

وهكذا يمكن القول بأن أهم ما ميز بارك في دراسته لكل الظاهر الاجتماعية الحضرية هو هيمنة البعد الايكولوجي عليه في تناوله لهذه الظواهر معتبرا المدينة مجالا خصبا ومختبر ا اجتماعيا لدراستها، وقد قال بارك مخاطبا طلابه " ارجعوا كل علاقة اجتماعية الى علاقة مجالية وعندئذ يمكنكم أن تطبقوا على العلاقات بين الناس المنطق الأساسي للعلوم الفيزيائية[33].

بالاظافة الى توماس وزنانيكي وبارك نجد هناك مجموعة من علماء الاجتماع الذين اهتموا بالظاهرة الحضرية، بشكل عميق كبرجيس الذي اهتم بدراسة النم الحضري وأثره على الحياة الاجتماعية ، ولويس وورت الذي حاول صياغة مقاربة ثقافية لظاهرة التحضر من خلال تعريفه السوسيولوجي الشامل للتحضر باعتباره نمط في العيش وتوسع في المجال الحضري، ونجد كذلك روبرت ردفيد الذي قارب الظاهرة الحضرية من منظور أنتروبولوجي منتهيا الى صياغة نظرية المتصل الريفي الحضري"continuim rural- urbain " التي حاول من خلالها البرهنة على أنه من الصعب في زمننا الحاضر الحديث عن وجود مجتمع حضري خالص ومجتمع قروي خالص.

الى هنا يمكن القول، أن مدرسة شيكاغو تبقى محطة لامعة في تاريخ السوسيولوجية، نظرا للنقلة النوعية التي أحدثتها في الأسس الابستيمولوجية والميتودولوجية لعلم الاجتماع، ونظرا لاهتماماتها المكثفة للظاهرة الحضرية وفق منظور متعدد الأبعاد ينطلق من العلاقة التفاعلية بين المجال الحضري والثقافة في اطار مقاربة ايكولوجية إنسانية.

ورغم كل هذا فان مدرسة شيكاغو لم تسلم من الانتقادات التي وجهت لها، وقد ركزت هذه الانتقادات على ثلاث نقط أساسية: بداية من النموذج الايكولوجي الذي اعتبر بعيدا عن مقاربة الظاهرة الحضرية والسلوك الاجتماعي للفرد، ثم انتقادات أخرى ركزت على الجانب المنهجي ، من خلال اعتبار التقنيات الامبريقية التي استعملها رواد المدرسة ، ناقصة وبالتالي لايمكن أن تؤدي الى التوصل الى نتائج علمية دقيقة. بقدر ما تؤدي الى استنتاجات وتعميمات امبريقية متناقضة وعقيمة. والنوع الثالث من الانتقادات نجده يركز على مسألة العلاقة بين الثقافة والمجال إلي تعتبر مسألة إيديولوجية ... كل هذه الانتقادات نجدها بالأساس موجهة إلى وورت من طرف امانويل كاستيلزالذي خصص فصل من كتابه " المسألة الحضرية " أسماه "أسطورة الثقافة الحضرية "، لتفنيد مفهوم "الثقافةالحضرية " و مفهوم التحضر عند وورت، انطلاقا من نتائج أبحاث ميدانية تفند كلها – حسب كاستيلز- العديد من نتائج واستنتاجات ومفاهيم وورث وغيره من رواد مدرسة شيكاغو.



3- إشكالية التحضر في العالم الثالث:

إن إشكالية التحضر في دول العالم الثالث[34]، وما يرتبط بها من إشكالات اقتصادية واجتماعية وثقافية وادراية وسياسية ومجالية... أضحت من بين الإشكالات الكبرى التي تواجه تطبيق الخطط والاستراتيجيات التنموية في هذه الدول.

غير أن خصوصية التحضر بهذه الدول، تجعل من مسألة التنمية الحضرية بل التنمية في معناها العام أمر صعب التحقق نظرا لجسامة الإشكالات التي أضحت تعاني منها المدينة كفضاء وإطار ترابي ومجالي وببنية مورفولوجية مركبة تجمع بين أكبر من خاصية من خصائص التحضر، بحيث لم تتضح بعد وبشكل جلي مميزات وخصائص التحضر والحضرية في مدن دول التبعية، التي تتشكل من فسيفساء من الأنماط الاجتماعية والاقتصادية تجعلك من الصعب عليك التمييز بين ما هو ريفي- قروي وبين ماهو حضري- مديني.

وهذا التداخل راجع بالأساس المدينة أو ظاهرة التحضر في هذه الدول لم تنمو بشكل طبيعي وفق سيرورة تاريخية تخول لها التطور والتقدم بشكل طبيعي، إذ غالبا ما ارتبط تشكلها الحديث بالتوسع الإمبريالي الذي تعرضت له خلال نهاية القرن 19 وبداية القر20، وبتزايد النمو الديمغرافي وارتفاع حركات الهجرة القروية بفعل الكوارث الاقتصادية، والطبيعية التي كانت تتعرض لها البادية وتفكك بنياتها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية أكثر مما ارتبط بتراكمات وسيرورة تقدمية طبيعية عكس الدول الغربية التي كانت فيها الظاهرة الحضرية استجابة للتحولات والتغيرات الاجتماعية والثورات الصناعية والثقافية التي عرفتها أوربا في مسيرتها التاريخية الحديثة. " إن التحضر في الدول الصناعية كانت نتيجة حتمية لعملية تاريخية ذاتية كاستجابة للثورة الصناعية وما صحبها من تحولات عميقة في البنيات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. في حين أن التحضر في البلدان المتخلفة كان نتيجة لميكانيزمات أخرى تختلف اختلافا جوهريا عن الشروط التاريخية التي عرفتها البلدان الصناعية. إن التحضر في البلدان المتخلفة ليس إعادة تاريخية لتجربة الدول المصنعة بل عملية لها خصوصياتها التاريخية"[35].

وإذا كانت ظاهرة التحضر هي ظاهرة اجتماعية قديمة في جميع المجتمعات، ومنها دول العالم الثالث فان عدد السكان الحضريين حتى القرن التاسع عشر لم يكونوا يمثلون سوى 1.7% من مجموع السكان، وقد ازدادت هذه النسبة بشكل متسارع جدا، إذ نلاحظ أن سكان العالم قد تضاعفوا مرتين بين 1800 و 1950 في حين أن السكان الحضر قد تضاعفوا عشرين مرة وأصبحوا يمثلون سنة 1960 % 25 من سكان العالم[36].

وإذا كانت أوربا قد عرفت استقرارا نسبيا في النمو الحضري خلال النصف الثاني من القرن19 فإنه على العكس من ذلك ذلك قد عرفت دول العالم الثالث انفجارا حضريا خاصة بعد مرحلة تحررها الوطني من قبضة الاستعمار، وقد ترتب عن التوسع الحضري الفجائي والفوضوي العديد من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، نظرا لكون التحضر في هذه الدول لم يأتي نتيجة للتقدم الصناعي والاقتصادي لسببين أولهما أن هذه البلدان لم تعرف تقدما صناعيا ذاتيا مستقلا، وثانيهما أن التحضر في هذه البلدان يرجع بالأساس الى التدخل الاستعماري الأجنبي الذي عمل على تفكيك البنيات الاجتماعية ولاقتصادية والثقافية لهذه الدول.

" إن التحضر في دول العالم الثالث يتم بعيدا عن التقدم التكنولوجي والاقتصادي وتؤكد بعض الدراسات الغربية الأمريكية بصفة خاصة، أن النمو السكاني والحضري يسير في اتجاه معاكس مع النمو التكنولوجي، إن الارتباط بينهما سلبي"[37]

ومن أهم خصائص التحضر في الدول التابعة للميتروبولات الغربية، أنه جاء نتيجة عاملين أساسيين: هما ارتفاع نسبة النمو الديمغرافي في هذه البلدان ثم ارتفاع حركة الهجرة القروية نحو المدن، غير أن هذين العملين يبقيان قاصرين على تفسير الظاهرة الحضرية في هذه الدول، إن لم نأخذ بعين الاعتبار موقع هذه الدول داخل نمط الإنتاج الرأسمالي حسب امانويل كاستيلز الذي يؤكد على أن هذه الظاهرة ليست ذاتية وجاءت نتيجة لنمو وتقدم تاريخي طبيعي تراكمي طبيعي، بل ان ظاهرة التحضر والتخلف والتبعية والفقر... في هذه البلدان ذات الكثافة السكانية المرتفعة جاءت نتيجة حتمية للعلاقة اللامتكافئة بينها وبين الدول الاستعمارية التي استفادت من هاته العلاقات وعملت على ترسيخ التخلف وتشويه سيرورة التقدم التاريخي في هذه المجتمعات التي ظلت قابعة لفترات طويلة تحت نير الاستعمار، كما عملت على تفكيك بنياتها التقليدية ونشر نمط انتاجي رأسمالي ليست هس في عداد قواه ولا تتوفر على الشروط التاريخية لاستيعابه وبالنتالي انتشرت في هذه البلدان أنماط انتاجية هجينية تتميز بالازدواجية بين نمط انتاجي رأسمالي حديث ونمط انتاجي تقليدي. هذ ه الازدواجية لم تسمح لهذه البلدان لكي تحقق قفزة نوعية في تاريخها من أجل الخروج من التخلف والتبعية لدول المركز.

ومن المظاهر الأخرى للتحضر في الدول التبعية، فهو أنها تعرف ما يسمى بالتحضر المتسارع كخاصية تاريخية مرتبطة بها، الذي يعبر عن جدلية تلك العلاقة اللامتكافئة والهيمنة الممارسة على دول المحيط من طرف دو المركز، ويصنف كاستيلز الهيمنة هاته الى ثلاث أصناف:

الهيمنة الاستعمارية.

الهيمنة الرأسمالية التجارية.

الهيمنة الامبيرالية والصناعية.



وتتخذ التبعية هاته أشكال متعددة على المستوى العالمي بين دول المركز ودول المحيط وعلى المستوى المحلي بين القرية والمدينة، هذه الأخيرة تمارس كل أشكال الهيمنة والسلطة والإغراء على البادية، التي تصبح بسبب علاقاتها اللامتكافئة مع المدينة خاضعة لسيطرة والاستغلال وفاقدة بالتالي لخيراتها وثرواتها ورأسمالها البشري لصالح المدينة التي تستفيد منه دون الاستثمار في العالم القروي.

وهكذا يمكن القول بأن التحضر السريع والفجائي الذي عرفته بلدان التبعية قد ترتب عنه جملة من المشاكل والظواهر الاجتماعية كاكتظاظ السكان، والمدن الصفيحية، السكن العشوائي (غير قانوني) الأمراض، الأوبئة، البطالة....

وغيرها كثير من الظواهر الاجتماعية التي أصبحت معرقلا حقيقيا للتنمية والتحديث في الدول التبعية ومن بينها المغرب .

وعلى هذا الأساس فان الحديث عن التنمية الحضرية في المغرب لابد لها من تنطلق من رؤية تاريخية عميقة، لفهم الظاهرة الحضرية وبالتالي بناء أنجع الخطط والاستراتيجيات التنموية، وذلك من خلال تحليل العلاقة اللامتكافئة أولا بين دول المركز بين دول المركز والمحيط، وثانيا العلاقة اللامتكافئة بين القرية والمدينة، من تجاوز ما يسمى بالاختلالات المجالية والبنيوية التي يعاني منها التراب المغربي بصفة عامة وتهيئة المجال الحضري على ضوء علاقته مع المحال القروي وفي هذا الإطار نجد السيد الحسيني يقول" انه لمن الصعب رسم خطط لتنمية المدن في الدول النامية، دون تأخذ بعين اعتبارها الفروق الحضرية الريفية في مجال السكن والاختلالات بين الأحياء الحضرية، في مستوى التطور الاجتماعي وأنماط الهجرة من الريف الى المدن ومعدلات النمو الصناعي الحضري وطبيعة الاديولوجية السياسية في المجتمع(..) فضلا عن مصفوفة ضخمة من العوامل والمتغيرات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسة والتكنولوجية وتخطيطية"[38]







































المحور الثاني: المدينة والتنمية الحضرية بالمغرب: أية علاقة؟



من المحقق أن عملية التحضر والتوسع المرتبط به في الغرب، إنما جاء بفعل التحولات الكبرى التي عرفتها هذه المجتمعات، ويمكن أن نشير هنا بصورة أوضح إلى الثورة الصناعية، وما صاحب تلك العملية من تغيرات جذرية مست البناء الاجتماعي برمته.

وإذا استقر ذلك لدينا كمعطى تاريخي جلي، فإن الحديث عن التحضر في العالم الثالث، حديث مختلف تماما عن حيثيات السياق الغربي، ذلك أن العملية التحضرية هنا جاءت كردة فعل غير طبيعية للتوسع الاستعماري وللهيمنة الإمبريالية. أي أنها لم تكن وليدة دينامية داخلية فرضها التطور الصناعي والتكنولوجي. وإنما هي ظاهرة فرضت من الخارج بشكل يستجيب لضرورات الاستغلال الاستعماري.

هكذا إذن يمكن أن نستوعب كيف أن التحضر في البلدان المتقدمة هو نتيجة عادية فرضه التطور الصناعي والاجتماعي، وما تولد عنه من أنماط جديدة للثقافة الحضرية، هذا بخلاف التحضر في العالم الثالث الذي ظهر من تطور مرتبط بالتصنيع السريع، والذي يخدم في نهاية الأمر التحضر في دول الغرب. أي تحضر مشوه متخلف يخدم تحضرا طبيعيا متقدما.

والمدينة بالمغرب، كباقي دول العالم الثالث، عانت هي الأخرى، من مشاكل التحضر السريع، وما يرتبط به من مشاكل اجتماعية، واقتصادية، فرضت على صانعي القرار المغربي التفكير في سياسات استراتيجية، وخطط تنموية للنهوض بالتنمية الحضرية في المجال حضري.







1- التطور التاريخي للمدينة المغربية:



· قبل فترة الحماية:

يمكن القول بأن المدن كانت توجد قبل فترة الحماية مقسمة آنذاك الى أحياء يوجد على رأس كل منهما مقدما يعتبر رئيسا للحي، كما أن المدن كانت تنقسم الى دوائر ثم تقسم هذه الدوائر، ثم تقسم هذه الدوائر الى أحياء. وكان يوجد على رأس كل دائرة خليفة حضري يساعد الباشا في إدارة شؤونها. أما الأجهزة الإدارية المسيرة للمدينة، فكانت تتكون من الباشا والقائد. لكن هذه الطريقة لم تكن تنفي وجود علماء وأمناء الطوائف نظرا لما لهم من نفوذ وتأثير على الرأي العام بالمدينة.[39]

· خلال فترة الحماية:

وخلال هذه الفترة قسمت المدينة المغربية الى مدن صغيرة أطلق عليها اسم " المراكز المستقلة" ومدن كبرى أطلق عليها اسم "البلديات"، كما أن سلطات الحماية قد أبقت على الوضع التقليدي للهياكل الإدارية مع منح السلطة الفعلية لممثلي الحكومة الفرنسية (الإقامة الفرنسية) في جميع الميادين. الأمر الذي ترتب عنه نوع من الازدواجية في مجال مراقبة الوحدات المحلية، إذ أضحت هذه الوحدات تخضع لرقابة كل من السلطة المخزنية والسلطة الفرنسية.[40]

· خلال الاستقلال:

لقد تميزت فترة الاستقلال بوضع الأسس القانونية لتنظيم المدينة. إذ تجلى ذلك في إجراء التقسيم الإداري والترابي للمملكة الذي تم بصدور ظهير دجنبر 1959 الذي قسم المملكة الى وحدات إدارية ترابية من بينها الجماعات الحضرية التي تشمل المدن.[41]

ويمكن الإشارة الى أن الهاجس الكبير لدى سلطات الحماية خلال فترة الاستعمار هو تنظيم المجال على الوجه الذي يخدم التغلغل الرأسمالي ويوفر شرورط هيمنته الاستعمارية.

وعليه، فقد اتخذت عدد من القرارات كانت الغاية منها خلق محور حضري ساحلي على حساب المحور الاقتصادي الداخلي.[42]



2- المدينة المغربية ومشاكل التوسع الحضري:



وبالتالي، فإنه بفضل ذلك الهاجس الأمني والاقتصادي الذي كان يحكم منطق السياسات الاستعمارية في المجال الحضري، فقد تم تولد نمط جديد من الإنتاج في البلاد، على أساسه تم خلق مدن صناعية، ومجالات استغلالية جذبت إليها الهجرة القروية. إضافة الى المشاكل الاجتماعية الأخرى التي صاحبت حركة التوسع الحضري خاصة في المدن الكبرى بالمغرب.

لكن السياسات المتبعة إبان فترة الاستقلال لم تستطع الحد منها، بل إن هذه المشاكل الحضرية ارتفع إيقاعها بشكل سريع. بل تولدت أزمات وتحديات أخرى داخل المدن، زادت من تشوه المجال الحضري بشكل كبير. فماهي أهم تمظهرات هذه الأزمات التي تعرفها المدن المغربية؟



أ- أزمة السكن:

وهنا يمكن الإشارة الى أن المدينة المغربية تعيش اليوم أزمات إسكانية حادة. وكانت هذه الأزمات نتائج حتمية للنمو المبكر والسريع الذي شهدته المدن. كما ارتبطت هذه الأزمات بالنمو السكاني السريع والزيادات السكانية العالية والهجرة الواسعة التي تعرضت لها هذه المدن. ورافقت هذه التطورات السريعة ظهور أحياء سكنية في وسط المدن التي اتسمت بتداعي مساكنها. وتدهورت الخدمات الأساسية فيها. كما ظهرت على أطراف هذه المدن أحياء عشوائية تنمو بشكل سرطاني. ويضطرد هذا النمو مع ضعف التشخيص وقدرة العلاج. ويعيش السكان في بيوت متراصة مزدحمة ومكتضة بالكثافات السكنية العالية. وتتكاثر في هذه الأحياء الأمراض الاجتماعية والبيئية.[43]

وهذا الاكتظاظ السكاني والمشاكل المرتبطة به، فرض هو الآخر توفير خدمات اجتماعية في مستوى هذا التحدي السكاني، وهذا يظهر جليا في أزمة الخدمات والمرافق البلدية.



ب- أزمة الخدمات والمرافق البلدية:

ويظهر ذلك أساسا في أزمة الماء الصالح للشرب وأزمة المجاري وانقطاع التيار الكهربائي بين الفينة والأخرى. وأزمة الخدمات الصحية الاجتماعية والترويحية. كلها مشاكل تهيمن على المنظومة الحضرية للمدن المغربية. ذلك أن النمو الحضري المبكر يضع البلديات وأجهزتها أمام ضغوط شديدة. فالمياه المتوفرة في الخزانات المائية وطاقات الأنابيب على حملها تكفي ولعدد معين من السكان. وبالتالي يضطر المسؤولون الى قطع المياه لساعات عديدة. ونفس الوضعية تسري على خدمات الإنارة العمومية والكهرباء. فوحدات توليد الطاقة الكهربائية لها طاقات معروفة، إذا زادت عن حدها تعطلت. هذا ناهيك عن الخدمات والمرافق المرتبطة بالصرف الصحي. وحتى وان وجدت فهي مختنقة بحمولتها، فهناك نقص حاد في شبكات المجاري. هذا بالإضافة الى التلوث المائي الذي ينتج عن أزمات الصرف الصحي، وهناك كذلك الملوثات الصلبة والنفايات المنزلية التي تلقى على جوانب الطرف وأمام المنازل.[44]



ج- أزمة الفقر:

والفقر هو كذلك من الأزمات الاجتماعية، والتي ترافقت مع مشاكل التوسع الحضري، بل يمكن اعتبارها الانعكاس الأكثر جلاء وحدة لهذه الأزمات. وإنه لمن الواضح أن هناك عودة قوية لظاهرة الفقر بالمغرب، ولم يتراجع عدد الفقراء في واقع الأمر بنسبة مطلقة، إذ يناهز عددهم اليوم خمسة ملايين فردا. وحسب نتائج البحث الأخير حول مستوى عيش الأسر، فإن 4 ملايين منم المغاربة يعيشون تحت عتبة الفقر النسبي (إنفاق سنوي أقل من 3235 درهم بالوسط الحضري، و 2989 درهم بالوسط القروي). وهكذا يعيش 3 ملايين من مجمل الفقراء في القرى ومليون واحد في المدن. كما يعاني 25 % من المغاربة من ضعف اقتصادي كبير ( إنفاق سنوي أقل من 4500 درهم).

وبذلك يعد الفقر، في العمق، ظاهرة قروية. وهذا ما تؤكده البحوث والخريطة الأولى للفقر التي أنجزتها المندوبية السامية للتخطيط والبنك الدولي مؤخرا.[45]



وهكذا تتعاظم التحديات المطروحة على طاولة تدبير التنمية الحضرية بالمدن المغربية. خصوصا أن المجال الحضري، أضحى فضاء يعج بالمشاكل السوسيواقتصادية، والتي لها إفرازات اجتماعية متعددة الأوجه، كالجريمة، والإقصاء ....إلخ.

والتجاوز الحقيقي لهذه الأزمات الحادة والمتولدة عن التوسع الحضري، يبقى رهينا بدرجة الوعي بأهمية المدينة كفضاء متعدد الأبعاد في التنمية الحضرية. ذلك أن التدبير العقلاني لهذا المجال يستدعي الانطلاق من الداخل، وإشراك كافة الفاعلين المحللين في تدبير التنمية الحضرية. ولكن كيف تحضر هذه الأهمية التي تخص المجال المديني بشكل واضح وجلي؟



3- أهمية المدينة في التنمية الحضرية:



لا يمكن الحديث عن التنمية الحضرية في معزل عن الفضاء المديني، ذلك أن الاهتمام بالمدينة والتنمية الحضرية، قد أصبح إحدى الرهانات التي ينبغي الاعتماد عليها خلال طرح إشكالية التمدن والتدبير الحضري . لذا فالمغرب عليه أن يأخذ بعين الاعتبار ضمن ثقافته الاقتصادية والاجتماعية موضوع المدينة خصوصا وأن هذه الوحدة الترابية الحضرية يمكنها أن تساهم في كل البرامج والتصورات المستقبلية المرتبطة بالتنمية المحلية والشمولية. كما أن العناية بالمدينة ومشاكلها السوسيوحضرية والاقتصادية قد تشكل جوابا على كل التساؤلات المرتبطة بالملفات والأوراش التنموية التي تشكل تحديا كبيرا بالنسبة لبلد سائر في طرق النمو كالمغرب[46]. وبالتالي فإن المدينة وإن كانت المكون الترابي والمجالي للإنسان منذ ولادته الى حين وفاته، فإنها كذلك تعد إطارا للتخطيط والتشاور والنقاش بين الفاعلين والمهتمين والمختصين، الذي يدونه لا يمكن الحديث عن مفهوم جديد لدور المدينة في تدبير التنمية الحضرية.[47]



إن هذه الأهمية المعطاة للمدينة، كفضاء يمكن من بلورة استراتيجيات التنمية الحضرية، تأتي بالدرجة الأولى من كون هذا المجال المكاني إطارا يجمع كافة الفاعلين والمتدخلين للنقاش والتشاور في القضايا التي تهم الشأن العام للمدينة. لأن من شأن صفتي الانسجام الوظيفي – القطاعي، والوحدة الترابية التي تتميز بها المدينة، أن تساهم في تجاوز الأزمات الاجتماعية والاقتصادية، في أفق رسم سياسة واضحة للتنمية الحضرية.

لكن إلى أي حد يمكن الحديث عن صفة الانسجام المديني، والتي تتوقف عليها التنمية الحضرية في المغرب، في ظل التباين العمراني والاجتماعي الذي يطبع هذه المدن، والذي جاء كنتيجة للإرث الاستعماري، وكذا لعجز الدولة عن تجاوز المخلفات الثقيلة لتلك الفترة؟

من الواضح بعد هذا أن المدينة لها أهمية كبيرة في التنمية الحضرية بقدر أهمية هذه الأخيرة في تجاوز المشاكل المتعدد التي خلفها التوسع الحضري الذي سبق ذكره أنفا. فإلى أي حد فعلا حضر الوعي بهذه الأهمية في الميثاق الوطني لإعداد التراب الوطني؟ وهل ظل حاضرا هاجس التنمية الحضرية في الخطوط العريضة التي يتضمنها؟ وهل يمكن القول أنه رسم معالم سياسة حضرية راشدة تتجاوز الحاجيات الاجتماعية البسيطة؟ أم أن تلك السياسة ظلت محكومة بعقدة تجاوز الأزمات الحضرية، والاجتماعية منها على الخصوص؟



4- المجال الحضري في سياسة إعداد التراب الوطني:



قبل النظر في موقعة المجال الحضري في سياسة إعداد التراب الوطني لابد في البدء توضيح المقصود من مفهوم إعداد التراب الوطني.

سياسة إعداد التراب أو سياسة تهيئة المجال هي بشكل مختزل وعام، سياسة للتنمية الشمولية والمتوازنة لمختلف جهات التراب الوطني، بهدف تلبية حاجات الإنسان وتحسين عيشه.

إنها سياسة تنصب على تنظيم المجال من خلال الاستغلال العقلاني له، ولما يزخر به من ثروات طبيعية لفائدة هذا الإنسان بالبحث عن أفضل توزيع لتجمعاته داخله.[48]

وبالرجوع الى الميثاق الوطني لإعداد التراب يلاحظ أن منظور سياسة المدينة يتأسس على أربع مرتكزات وهي:

v معالجة التناقضات بالارتكاز على تنمية الأساس الاقتصادي للمدن.

v اعتماد التنمية الاجتماعية كهدف وكأداة للتنمية الحضرية.

v معالجة إشكالية السكن العشوائي بطريقة شمولية.

v توجيه التخطيط الحضري لخدمة أهداف سياسة المدينة.



وكما هو ملاحظ، فالجانب الاجتماعي يبقى هاجسا حاضرا حتى في السياسة المرسومة للتنمية الحضرية. وإذا ما أردنا الذهاب بعيدا والنبش فيما وراء هذا الهاجس، فيمكن أن نستكشف أنه اعتراف ضمني من لدن الدواليب السياسية بالعجز عن تخطي الضروريات الاجتماعية البسيطة من قبيل السكن ومحاربة الفقر والهشاشة، نحو التفكير في أشكال أخرى من التدبير السياسي التشاركي القائم على ديمقراطية الحكامة، تمكن المواطن من الانخراط في تنمية مجاله الحضري.

ونظرا لمحدودية النتائج المحصل عليها انطلاقا من السياسة المدينية المرسومة في البرنامج الوطني لاعداد التراب، وكذلك بالنظر الى التهلهل الذي أصاب بنية المدينة المغربية على كافة المستويات، تم التفكير في اعتماد استراتيجية خاصة بتنمية المدينة، قائمة على رؤية واضحة المعالم، ومتكاملة الأبعاد، ومشركة لكافة المتدخلين المحليين.



5-أهمية استراتيجية تنمية المدينة في التنمية الحضرية بالمغرب:



انطلاقا من الاختلالات المتعددة التي تعاني منها المدينة المغربية، والتي يمكن أن نلمس أثارها في البنية العمرانية كما في البنية الاقتصادية في المجتمع كما في طرائق التدبير ...برزت أهمية اعتماد استراتيجية تنمية المدينة كمقاربة جديدة لفهم التنمية الحضرية والتخطيط لها باعتبارها أداة لتحقيق حكامة جيدة وفق رؤية جديدة لفهم التنمية الحضرية والتخطيط لها باعتبارها أداة لتحقيق حكامة جيدة وفق رؤية استراتيجية حول المدينة.

ومن بين أولويات استراتيجية تنمية المدينة، تحقيق نمو اقتصادي وتنمية اجتماعية والرفع من مستوى عيش السكان والحد المستدام من الفقر، وتحسين شكل المدينة وتعزيز بنياتها التحتية وتجهيزاتها والمحافضة على مقوماتها البيئية، وتحسين حكامتها، كما تهدف الى تعبئة الفاعلين المحليين، وعموم سكان المدينة، من أجل الانخراط الايجابي في دينامية التنمية الحضرية، كما تهدف الى بناء رؤية جماعية للمدينة وخطة عمل لتحسين الحكامة والتدبير والرفع من معدلات الاستثمار وتنمية التشغيل والخدمات وبرامج منظمة ومستدامة للحد من الفقر.[49]

وبخصوص السياق الدولي الذي تبلورت فيه، فأن استراتيجية تنمية المدينة(S.D.V) ، فهي حصيلة التقاء مقاربتين لمنظمتين دوليتين في مجال التنمية، وهما مقاربة البنك العالمي المتمحورة حول التنمية الاقتصادية ومحاربة الفقر. ومقاربة برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية/ برامج الأمم المتحدة الإنمائي (PNUD) المتمحور حول توسيع المشاركة وتحسين حكامة المدن من جهة ثانية، وقد اكتملت صياغتها مع رابطة المدن (cities alliance). وقد تم تطبيقها في العديد من المدن في الدول الآسيوية وفي بعض المناطق الأخرى من العالم.

وفي المغرب تم تطبيقها في مدينة تطوان الكبرى شمال المغرب. وهي لازالت في خطواتها الأولى ويمكن أن تعمم على باقي المدن الأخرى إذا ما تم الـتأكد من صلاحيتها وفعاليتها في انقاذ المدينة المغربية من الاختلالات الكبيرة التي تعاني منها، والتي جاءت كنتيجة للتحولات العميقة والسريعة التي عرفتها في العقود الأخيرة، والتي أدت الى إفراز أزمة حضرية حقيقية تبدو مؤشراتها بارزة على مورفولوجيا المدينة وعلى نظامها الاجتماعي وعلى نسيجها الاقتصادي وعلى أساليب تدبيرها وحكمها. ويمكن تلخيص أهم هذه الاختلالات التي تعاني منها المدينة المغربية في النقاط التالية:



- اختلالات مجالية:

إذا كانت المدينة المغربية في الماضي ضلت محصورة فقط في المدينة العتيقة، فان التوسع الحضري اليوم الذي عرفته في جميع الاتجاهات أدى الى تشظي وتشردم المجال الحضري وتوسعه ليشمل المناطق المحيطة بالمدار الحضري، والمكونة في غالب الأحيان من الأراضي الزراعية، والأحياء الصفيحية التي أصبحت تنمو كالفطر بجانب المدن أو بداخلها.



- الإقصاء الاجتماعي:

تعتبر المدينة المغربية اليوم من الناحية الاجتماعية مجالا للإقصاء الاجتماعي والتهميش الذي ارتفعت نسبته بسبب تزايد عدد الفقراء والمقصيين الذين لا عائل لهم. وبسبب تفكك بنية الأسرة وارتفاع نسبة الأطفال المشردين والأحداث الجانحين...وهشاشة العلاقات الاجتماعية وتقلص شبكة التضامن الاجتماعي داخل المدينة.



- هشاشة الاقتصاد:

الاقتصاد هو الآخر لا يقل هشاشة عن النسيج الاجتماعي. بحيث أن الاقتصاد غير المهيكل، وغير المنظم هو القطاع الذي أصبح سائدا في المدينة اليوم ، كالصناعة التقليدية والمهن الصغيرة وباقي المهن المحدودة الدخل كلها أصبحت تتم خارج دائرة القانون، مع العلم أنها تشغل نسبة كبيرة من النشيطين في الحواضر المغربية، مما يجعلها غير مهيئة لمواجهة التنافسية الاقتصادية في ظل العولمة، كما أن معدلات الاستثمار لازالت ضعيفة كما وكيفا.



- ضعف التدبير الحضري:

إن التداخل بين اختصاصات ومهام الفاعلين الحضريين الأساسيين والذي يرجع الى عدم تحديديها بدقة بين القطاع العام والقطاع الخاص، والإدارة والمنظمات الحكومية وغير الحكومية، أدى الى حدوث فوضى في التدبير الحضري الذي يفتقد الى رؤية شاملة لسياسية تدبير المدينة، التي لازالت تعاني من نقص ومحدودية كفاءة جزء كبير من المسؤولين في تدبير شؤونها، ناهيك عن كل أشكال الزبونية والمحسوبية والرشوة والمصاحبة وغياب التدبير العقلاني في الإدارة المغربية.



ولمواجهة كل هذه الاختلالات والأزمة المتعددة الأوجه، برزت الحاجة الى بناء مقاربة، بل ومقاربات جديدة لإعداد التنمية الحضرية وتدبيرها، ولأجل هذا الغرض جاءت استراتيجية تنمية المدينة التي تنطلق من الأسس المنهجية التالية لتحقيق التنمية الحضرية:

معرفة عميقة ومشتركة بين مختلف المعنيين بالواقع الحالي للمدينة، ولخصائصها وبمواطن قوتها وضعفها.

تحديد أهداف معينة بناء على رؤية لمستقبل التنمية الحضرية.

ترجمة هذه الرؤية لخطة عمل محددة المسؤوليات ووسائل تنفيذها، ومنظومة تتبع هذا التنفيذ وتقييم نتائجه.

وهكذا يمكن القول بأن أهمية استراتيجية تنمية المدينة بالنسبة للمغرب تكمن في كونها تسعى الى تعزيز الرصيد الكامل وتعزيز القدرات والامكانات والموارد البشرية، وتغيير عقليات وأساليب العمل، كما تتجلى أهميتها في كونها تسعى الى إرساء دعائم حكامة جيدة، من خلال دفع الفاعلين الى القطع مع الأدوات الكلاسيكية في تدبير المدينة من قبيل التصميم المديري للتهيئة الحضرية، ومخططات التهيئة الحضرية التي تقوم على مقاربة تجعل التنمية الحضرية شأنا للتقنيين والمسؤولين الإداريين وحدهم، مع قطع الصلة مع القوى الحية الأخرى للمدينة ومجموع سكانها.[50]

غير أن استراتيجية تنمية المدينة في المغرب، لا زالت في بدايتها، إذ تقتصر حاليا فقط على مدينة تطوان مما يجعل من مسألة التكهن بنتائجها ومعرفة فعاليتها ونجاعتها غير مممكنة في الوقت الحالي مادامت إمكانية تقييمها حاليا عملية غير ممكنة نظرا لحداثتها من جهة، ونظرا لكونها لم تطبق بشك كلي.

وبذلك فإذا كانت استراتيجية تنمية المدن وغيرها من الخطط والبرامج التنموية الأخرى ترسم لنا من خلال أهدافها عالما بانوراميا لمستقبل المدينة، فإن واقع هذه الأخيرة يتضمن من التحديات ما يجعلها قادرة على تكذيب وإبراز محدودية كل مرتكزاتها وأهدافها. لذلك فإن أي تنمية حقيقية للمدينة وأي مبادرة حقيقية لها لا بد لها من أن تنطلق من خصوصية كل مجال حضري على حدة حسب إمكانياته ورساميله وموارده، ليتم بناء مقاربة تعتمد على نتائج البحث العلمي الميداني، مقاربة تشاركية ومتعددة الأبعاد ومنفتحة على نتائج الأبحاث العلمية ولا سيما منها أبحاث العلوم الاجتماعية.... وهذا بالضبط هو الذي ما زال يغيب عن كل المبادرات التنموية القطاعية الفوقية في المغرب، التي إما أن تكون مفروضة من الخارج من طرف بعض المؤسسات الدولية، أو من الداخل من طرف التقنيين والمهندسين التنمويين الذي يقاربون الواقع المحلي للمدينة من الفوق . وهذا بالضبط هو سر فشل كل المخططات التنموية في المجال الحضري الذي لا زال يعاني من معضلات واختلالات، أقل ما يقال عنها أنها اختلالات بنيوية عميقة.



6- التنمية الحضرية: من المقاربة القطاعية الى المقاربة الشمولية:

وهذه المعالجات الأحاديات القطاع ، والأفقية التنزيل، هي ما يفسر بدرجة عالية الفشل الذي باءت به كافة المخططات والاستراتيجيات الخاصة بتنمية الوسط الحضري بالمغرب.

إذن فبعد هذه الاختلالات الاجتماعية والاقتصادية الناجمة عن سياسات ذات المقاربات القطاعية المنغلقة، برز تفكير جديد الى ساحة التداول، مفاده ضرورة اعتماد المقاربة الشمولية التكاملية بين كل القطاعات، وخاصة في مستوى تدبير المجال الحضري. هذا جاء أيضا استجابة للمنطق الحديث المعتمد على البعد التشاركي في تدبير الشأن المحلي، وذلك في أفق محاولة تحريك دواليب التنمية الحضرية.

ومن جهة أخرى فإن المقاربة القطاعية التي كانت معتمدة لفترة طويلة لم تعد صالحة للمدن الآن بفعل التحولات المتسارعة والعميقة التي مست المنظومة الدولية، وتغير الآليات المتحكمة في التنمية، مما أصبح يفرض إعادة النظر في نوع السياسات الحضرية الوطنية والارتقاء بها الى مستويات تخدم قدرة المدن على خلق وإنتاج قيمات مضافة هامة وقادرة على التنافس مع مثيلاتها الوطنية والإقليمية.[51]

هذه المقاربة التكاملية، جاء الاعتراف بنجاعتها أيضا في تقرير الخمسينية، حيث رأى أنه بعد التحكم الإداري الذي جعل ضمن صلاحيات وزارة الداخلية، فإن النموذج الأمثل لتدبير ترابي منسجم، وهو بالأحرى، اختصاص مشترك بين عدة وزارات، ومن ثم يتسم بطابعه المندمج.[52]

وهكذا فإن الانشطار الذي كانت تتميز به السياسيات العمومية في تدبير الشأن اليومي للمواطنين، وخاصة في المجال الحضري قد خلق قطيعة بين القطاعات المتدخلة في الشأن العام. وبالتالي فعوض اعتماد سياسة واحدة متكاملة ومتعددة التدخلات، آخذة في الحسبان الخصوصية المجالية، والامكانات الاقتصادية، تم اعتماد سياسات قطاعية أحادية، الواحدة منها في منأى عن الأخرى. مما خلق في نهاية المطاف عشوائية في تدبير الشأن المحلي ولا تكاملا في خطط المعالجة.

وإذا كانت التنمية الحضرية إذن تتوقف على تجاوز المقاربة القطاعية، فإن هذا يعني ضرورة إشراك الفاعلين المحليين. سواء كانوا من الحقل السياسي، أو من ساحة المجتمع المدني، أو من عالم الاقتصاد، من أجل بلورة مخططات تدبير الشأن المحلي، ومشاريع التنمية الحضرية.

ومن بين الأسس والركائز التي تقوم عليها هذه المقاربة الشمولية، نجد ضرورة تأهيل النسيج الاقتصادي الوطني، تكوين الموارد البشرية، التدبير الحضري وسياسة المدينة، المحافظ على الموارد الطبيعية، التنمية المتسديمة، التأهيل المجالي ومناطق التدخل الخاص، تنمية العواصم الوطنية والأقطاب الجهوية، والتنمية المحلية المندمجة، تدعيم اللامركزية وتوسيع نطاق اللاتمركز، الديمقراطية، الشراكة والمشاركة.[53]

بعد هذا يمكن القول أن ثمة وضوح بخصوص التعقد والتشابك الذي يكتنف عملية التدخلات المتعددة لتنمية المجال الحضري، وأنه لا مناص من اعتماد المقاربة الشمولية، والتي تشرك كافة الفاعلين المحليين والاهتمام بحاجيات ورغبات المواطنين، لأن وضع المخططات والاستراتيجيات التنموية على أساسها، يفتح هامشا واسعا من تحقق الأهداف المتوخاة منها.















خاتمـــــــــــــة:



نظرا للتحولات الكبرى التي عرفتها المجتمعات الغربية بعد الثورة الصناعية، وما ترتب عنها من إشكالات عميقة، أصبحت المدينة فضاء غنيا بالظواهر الاجتماعية التي جاءت نتيجة للتوسع الحضري وللهجرة القروية وارتفاع معدلات النمو الديمغرافي…وما دام أن نشأة علم الاجتماع جاءت بعد الثورة الصناعية في القرن 18، لدراسة مختلف التغيرات الاجتماعية التي صاحبت الثورة لصناعية، فإن الظاهرة الحضرية كانت أبرز هذه التغيرات الجديدة التي عرفتها أوربا خلال القرن 18 و 19، وبعدها الولايات المتحدة الأمريكية في بداية القرن 20. وفي هذا السياق التاريخي جاءت مختلف مساهمات الرواد الأوائل لعلم الاجتماع، وهم يعايشون أم مراحل التحولات والتغيرات في مجتمعاتهم بدراسة الظاهرة الحضرية انطلاقا من المجال الحضري، ومن هنا جاءت مساهمات كبار علماء الاجتماع بداية من كارل ماركس وفردناند تونيز واميل دوركايم وماكس فيبر ومن قبلهم بكثير عالم العمران البشري العلامة ابن خلدون.

والملاحظة في مساهمات كل هؤلاء الرواد هو أنهم ضلوا يقرءون المدينة انطلاقا من عقد نوع من المحاكاة والمقارنة بينها وبين البادية، من خلال مقارنة خصائص ومميزات الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية في كل من البادية والمدينة، وانطلاقا من هذه المقارنات المنهجية كان يتم الخروج بمجموعة من الاستنتاجات على شكل نماذج أو قوانين تفسيرية للظاهرة الحضرية.

وقد شكلت مدرسة شيكاغو محطة تاريخية مهمة في تاريخ الاهتمام السوسيولوجي بالظاهرة الحضرية، بحيث أحدثت نقلة نوعية في تاريخ سوسيولوجيا التحضر، نظرا لاهتمام روادها (توماس- زنانيكي- بارك- بيرجس-وورث-ريدفيد…) المكثف بالظاهرة الحضرية ومختلف الإشكالات التي صاحبت التوسع الحضري في مدينة شيكاغو وغيرها من المدن الأمريكية الأخرى، وذلك وفق منظور جديد لم يحدث قطيعة ابيستيمولوجية مع التراث السوسيولوجي الحضري، بل انطلقت منه واعتمد عليه في مقاربته للظاهرة الحضرية مع التوسع أكثر في هذه المقاربة التي استطاعوا من خلالها رواد المدرسة، ابتكار مقاربات جديدة ومفاهيم جديدة بل حتى وأدوات وتقنيات ومناهج جديدة أغنت البحث السوسيولوجي للظاهرة الحضرية.

هذا من حيث الاهتمام السوسيولوجي بالظاهرة الحضرية، أما من حيث واقع التحضر في المغرب وغيره من دول التبعية، فإن تحضرها لم يأتي نتيجة لثورات صناعية أو سياسية أو ثقافية وقعت في تاريخها كما وقع في الدول الغربية المتقدمة، أو انه جاء نتيجة للتطور التكنولوجي أو الاقتصادي بل جاء نتيجة لعوامل التاريخية ارتبطت بالأساس مع بداية القرن العشرين وبعد الحربين العالميتين بالتوسع الإمبريالي، وبالاستعمار الذي تعرضت له جل البلدان التابعة للمتروبولات الغربية، وبسبب تفكك البنيات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية التقليدية في هذه المجتمعات ارتفعت ظاهرة الهجرة القروية وتزايدت نسبة النمو الديمغرافي بها مما أدى إلى ارتفاع نسبة لسكان في المدن وتراجع نسبة سكان البوادي. وقد من الطبيعي أن يترتب عن التوسع الحضري السريع والفجائي الذي تعرضت له هذه الدول من أن ينتج لنا العديد من الظواهر الاجتماعية الغريبة (مدن الصفيح، الفقر، البطالة، الإقصاء، التهميش، الدعارة، التسول، الجنوح، الاقتصاد غي المهيكل...) التي أصبحت تشكل تحديات كبرى وعويصة للتنمية الحضرية. لذلك يمكن القول أن البعد التاريخي يبقى جد مهم في فهم واقع المدينة في هذه الدول من خلال العلاقة الجدلية التي تربط البادية بالمدينة.

والمغرب واحد من هده البلدان، التي تنطبق عليه تقريبا نفس خصائص التوسع الحضري في بلدان التبعية، نظرا لكون التوسع الحضري فيه لم يأتي نتيجة للاعتبارات السالفة الذكر، بل جاء نتيجة للتدخل الاستعماري بالأساس، رغم كون ظاهرة التمدين والتحضر فيه وفي غيره من البلدان الأخرى هي ظاهرة تاريخية.

وبدالك فإنه إذا كانت المدينة المغربية قبل الاستعمار ضلت منحصرة فقط في المدينة العتيقة ذات الخصائص العمرانية والمعمارية الإسلامية والمغريبة الأصلية، التي كانت نسبة سكانها قليلة جدا ، وكانت مشاكلها محدودة، كما كانت تتعايش فيها أقليات إتنية وعرقية متعددة ( الامازيغ- العرب – اليهود...). فإن التحولات التي عرفتها في العقود الأخيرة والتي تعود جذورها إلى المرحلة الاستعمارية، قد ترتب عنها جملة من التحولات والتغيرات بسبب التوسع الحضري السريع الذي عرفته، والذب كان من نتائجه بروز أزمة حضرية واضحة المعالم على البنية الاجتماعية والاقتصادية والعمرانية للمدينة المغربية بل حتى على بنيتها المرفولوجية .

انطلاقا من الإشكالات والاختلالات التي أصبحت تعرفها المدينة من قبيل الإقصاء والتهميش الاجتماعي والفقر والبطالة والهجرة القروية وارتفاع نسبة النمو الديموغرافي وانتشار مدن الصفيح، وسوء تدبير الحكامة الحضرية، والاختلالات المجالية والجهوية... برزت مجموعة من الخطط والمبادرات والبرامج والاستراتجيات التنموية (المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، برنامج مدن بدون صفيح، البرنامج الوطني لمحاربة الإقصاء بالوسط الحضري، والميثاق الوطني لإعداد التراب الوطني، استراتيجية تنمية المدن...)، من أجل إعداد المجال الحضري وتهيئته حتى يسير قادرا على تلبية حاجيات السكان الحضريين، وخاليا من كل مظاهر الاختلال والتخلف، من جهة ومن جهة أخرى مواكبا للتحولات العالمية الكبرى ومندمجا بشكل ايجابي في العولمة، وذلك من خلال جعل التنمية الاجتماعية أساس التنمية الحضرية، وتعبئة إمكانيات الفاعلين المحليين وتوسيع خياراتهم واشراك الساكنة المحلية في تدبير شؤون المدينة، انطلاقا من رؤية تشاركية واضحة الأهداف، متجاوزة بذلك الطرق والأدوات الكلاسيكية في تسير وتدبير سياسة المدينة، والانفتاح على مقاربات تنموية جديدة. والعمل كذلك على اعتبار المدينة وحدة ترابية ومجالية مهمة في تفعيل التنمية المحلية والوطنية، وتقليص الاختلالات والفوارق الجهوية والمحلية وإقرار العدالة المجالية، وتعزيز البنيات التحتية والتجهيزات الأساسية خاصة في الأحياء الشعبية والفقيرة والهامشية...وتقليص الفوارق الطبقية وإنعاش الشغل والرفع من دينامية الاستثمار...

غير أنه رغم كل الأهداف التي ترسمها لنا كل المبادرات والخطط والبرامج والاستراتيجيات التنموية الخاصة بالمجال الحضري، فإنها تبقى حبيسة اللقاءات والندوات والمؤتمرات والمؤسسات، بحيث لا زالت تفصلها مسافة طويلة عن الاجرأة والتطبيق، وشتان ما بين الخطابات والأهداف والشعارات والخطط وما بين الواقع، وعلى رغم من العالم البانورامي الوردي الفردوسي الجميل والبراق الذي ترسمه هذه البرامج والخطط التنموية لمستقبل المدينة، فإن هذه الأخيرة لا زالت تعاني من كل أشكال التخلف والفقر والبطالة والإقصاء والتهميش ...فلازالت مدن الصفيح قائمة ولازالت إداراتنا ومؤسساتنا العمومية بالمدينة على حالها ولا زالت الثقافة الحضرية غائبة، ولا زالت الهجرة القروية في ارتفاع مستمر....وكل ما في واقع الأمر أن المغرب بالفعل قد حقق تراكما في التجارب التنموية ، لكنه وللأسف تراكم في التجارب الفاشلة، نظرا لعدة اعتبارات والتي يبقى أهمها، هو أن التنمية الحضرية ضلت شأنا خاصا بالتقنيين بدون الاعتماد على نتائج البحث العلمي الميداني حول واقع المدينة، بالإضافة إلى أن جل المقاربات التنموية في الماضي كانت في أغلبها إما مفروضة من الخارج من طرف بعض المؤسسات الدولية في إطار ما كان يسمى بسياسة التقويم الهيكلي، أو مفروضة من الفوق على المستوى الوطني من طرف الدولة ومؤسساتها في إطار ما كان يعرف بالسياسة المركزية واللاتمركز الإداري، ثم إن هذه المقاربات التنموية ظلت مقتصرة على تقوية شبكة الخدمات العمومية والبنيات التحتية والتجهيزات الأساسية دون الاعتماد على مقاربة شمولية وتشاركية للتنمية الحضرية التي ضلت جزئية-قطاعية، مما يجعلها غير صالحة اليوم للمدينة بفعل التحديات التي أصبحت تطرح على المجال الحضري بسبب التوسع الذي بدأ يعرفه، خاصة وأننا اليوم في القرن21، قرن العولمة والتحضر بامتياز، قرن المدينة التي ستكون محطة لمشاكل اجتماعية خطيرة ما لم يهيأ المجال الحضري لاستيعابها.

إلى هنا يمكن القول بأن التنمية الحضرية اليوم تبقى رهينة لمدى اعتمادنا على مقاربات تنموية شمولية ومتعددة الأبعاد تنطلق من خصوصية كل مجال حضري على حدة، حسب امكاناته وموارده ورساميله، وذلك بالاعتماد على الفاعلين الحضريين المحليين وعلى نتائج الأبحاث العلمية حول المدينة، واشراك السكان المحليين في صياغة هذه المقاربة التشاركية من أجل بناء أقطاب حضرية، قادرة على المنافسة وتجاوز مشكلات التوسع الحضري. بالإضافة إلى الأخذ بعين الاعتبار البعد التاريخي للمدينة المغربية دون إغفال كذلك العلاقة الجدلية بين المدينة والبادية.

وهكذا فإنه بدون تهيئة الإنسان لا يمكن البتة الحديث عن تهيئة للمجال الحضري، سيما وأن العلاقة بين الاثنين (الإنسان والمجال) علاقة جدلية، لا يمكن الفصل بينهما بأي حال من الأحوال. وبالتالي فإن النهوض بالأوضاع الاجتماعية للإنسان الحضري من خلال تقليص نسبة الفقر والبطالة وتوفير مناصب الشغل ومحاربة الإقصاء والتهميش... والرفع من مستوى عيشه وتوسيع خياراته وتقوية قدراته ومؤهلاته. كلها إجراءات ستجعل منه أداة فاعلة في التنمية الحضرية، وبالتالي المساهمة الفعلية في تهيئة المجال الذي ينتمي إليه.















البيبليوغرافيا

أولا: مراجع باللغة العربية:

1- المهدي بنمير " المدينة المغربية أي تدبير للتنمية الحضرية؟" سلسلة اللامركزية والجماعات المحلية (1) مطبعة دار وليلي للطباعة والنشر مراكش، الطبعة الأولى، 2005

2- سعد الدين إبراهيم: التنمية في مصر، نظرة شاملة للمعوقات، مجلة دراسات عربية، السنة الرابعة عشر، العدد 12، تشرين الأول 1978.

3- السيد الحسيني ." الإسكان وتنمية الحضرية ، دراسة للأحياء الصفيحية في مدينة القاهرة"، مكتبة غريب، مصر، الطبعة الأولى 1991.

4- بوزيان أحمد :" استراتيجية تنمية المدن – دليل منهجي-"، مطبعة عكاظ الجديدة،

يناير،2007. 

4- عبد السلام المصباحي، محاضرات في إعداد التراب الوطني والتعمير، الطبعة الأولى 1997، كلية الحقوق فاس.

5- أنتوني غيدينز، علم الاجتماع، ترجمة فايز الصياغ، المنظمة العربية للترجمة، الطبعة الرابعة 2004.

6- عبد المالك ورد، الفاعل المحلي، وسياسة المدينة بالمغرب، الطبعة الأولى،2006،

سلسة دراسات وأبحاث، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، مكناس.

7- بوزيان بوشنفاتي، في التحضر والثقافة الحضرية بالمغرب: دراسة في البناء

الاجتماعي لمدن الصفيح، الطبعة الأولى 1988. منشورات الحوار الأكاديمي

والجامعي.

8- الميثاق الوطني لإعداد التراب الوطني،2002.

9- تقرير الخمسينية، المغرب الممكن، من أجل طموح مشترك، الطبعة الأولى، 2005.



ثانيا:مراجع باللغة الفرنسية:

1-L.wirth."le phénomène urbain comme mode de vie",in Ecole de Chicago 1938.

2- R.E.Park:"La ville, propositions de recherche sur le comportement humain en milieu urbaine. Lécole de chicago. éd (3èm) paris 1968.

3- E.Durkheim:"De la division du travail social".Ed (10èm), paris 1978.

4- J.Rémy et L.voyé:"La ville et lurbanisation".ed.Duculat, Paris 1978.

5- H.lefebvre:"la révolution urbain" ed.Gallimard.1970.



ثالثا:الأطروحات: 

عبد الرحمان المالكي، سوسيولوجيا التحضر بالمغرب، دراسة في العلاقة بين الأطر الايكولوجية والأنساق الثقافية، الجزء الأول، أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في علم الاجتماع، تحت إشراف الدكتور عبد الجليل حليم، السنة الجامعية: 2004-2005.



رابعا: مجلات مقالات:

1- فايز الترحيني" المدينة معناها ونشأتها. مجلة الفكر العربي، مسألة المدينة والمدينة العربية، أكتوير نوفمبر، 1982، العدد 29 السنة الرابعة.

2- دفاتر جغرافية، العدد الأول، مارس 2005، جامعة سيدي محمد بن عبد الله، كلية الآداب فاس.

3- جغرافية المغرب، تصدرها الجمعية الجغرافية المغربية، كلية الآداب، الرباط، العدد:2، 1978.

4- بوشتى الخزان، و ماجدة صواب: الثنائية القطبية الحضرية فاس- مكناس وتأهيل المدن المغربية، مجلة كلية الآداب والعلوم الإنسانية ظهر المهراز فاس، العدد العام.

5- اليزيد حمودي علمي ومحمد بغدادي، "عمليات إعادة الإسكان بالمغرب: تراجع نسبي لأحياء الصفيح وتعدد أشكال السكن غير اللائق"، مجلة كلية الآداب والعلوم الإنسانية ظهر المهراز فاس، العدد العام.

6- المدينة العتيقة: إشكالات الحاضر وتحديات المستقبل، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية مراكش 2002.

خامسا: المحاضرات:

1- خديجة الزاهي، محاضرات في مجزوءة علم الاجتماع الحضري، مسلك علم الاجتماع، الفصل الرابع من سلك الإجازة، كلية الآداب والعلوم الإنسانية مراكش. الموسم الجامعي 2005/2006.

2- البلغيتي الركراكي، محاضرات في مجزوءة علم الاجتماع القروي، مسلك علم الاجتماع، الفصل الرابع من سلك الإجازة، كلية الآداب والعلوم الإنسانية مراكش. الموسم الجامعي 2005/2006.

الفـــهرس:



تقديم.................................................. ....................................................... .......02

المحور الأول: الظاهرة الحضرية في التراث السوسيولوجي.................................07

1- تحديد الجهاز المفاهيمي.............................................. ...................08

أ- سوسيولوجيا التحضر................................................. ...................08

ب- مفهوم المدينة................................................ ..........................09

ج- مفهوم التحضر................................................. .........................12

د- مفهوم الحضرية/المدنية................................................ ..................14

هـ- مفهوم التنمية الحضرية................................................ ...............16

2- السوسيولوجيا الكلاسيكية والمسألة الحضرية...........................................18

أ- ماركس والماركسية والتحليل المادي التاريخي للظاهرة الحضرية..............................18.

ب- المدينة عند إميل دوركايم كمجتمع للتضامن العضوي:..................................21

ج- المدينة عند ماكس فيبر................................................... .............22

د- جورج سيمل والمدينة الميتروبول الحديثة................................................ 25

3- مدرسة شيكاغو والظاهرة الحضرية................................................ .....26

أ- وليام اسحاق طوماس، وفلوريان زنانيكي ودراستهما "للفلاح البولوني"..................27

ب- روبرت بارك والمقاربة الايكولوجية للتحضر والهجرة...................................28

3- إشكالية التحضر في العالم الثالث................................................. .......31

المحور الثاني: المدينة والتنمية الحضرية بالمغرب: أية علاقة؟....................................36

1- التطور التاريخي للمدينة المغربية............................................... .........37

- قبل فترة الحماية................................................ ....................37

- خلال فترة الحماية................................................ ....................................37

- خلال الاستقلال.............................................. ..........................................37







2- المدينة المغربية ومشاكل التوسع الحضري.............................................38

أ- أزمة السكن.................................................. ...........................38

ب- أزمة الخدمات والمرافق البلدية................................................ ........39

ج- أزمة الفقر.................................................. ...........................40

3- أهمية المدينة في التنمية الحضرية................................................ .....41

4- المجال الحضري في سياسة إعداد التراب الوطني.......................................42

5- أهمية استراتيجية تنمية المدينة في التنمية الحضرية بالمغرب..........................43

- اختلالات مجالية................................................. ....................45

- الإقصاء الاجتماعي.............................................. .....................45

- هشاشة الاقتصاد............................................... ......................45

- ضعف التدبير الحضري................................................. ..............46

6- التنمية الحضرية: من المقاربة القطاعية الى المقاربة الشمولية................48

خاتمـــــــــــــة..................................... ....................................................... .......50

البيبليوغرافيا......................................... .......................................55







Read more: http://www.kolchi.tv/vb/showthread.php?t=23202#ixzz1wkoT0b2S

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق