الخميس، 15 مايو 2014

الحرب العادلة Just War

هل يمكن تبرير استعمال العنف في أثناء الحرب؟ على مر التاريخ، ساهمت المؤتمرات والاتفاقيات حول قواعد السلوك المقبول في تحديد مسألة شن الحرب تحديداً دقيقاً. وتم تصنيف هذه القواعد في خانة القانون الدولي، والتعبير عنها بأسلوب فلسفي ضمن إطار مفهوم الحرب العادلة، وبأسلوب عملي في ميثاق الأمم المتحدة، وفي خلاصات محكمة جرائم الحرب في نورمبورغ. ولا يتم التقيد دوماً بهذه القواعد، لكن تقر معظم الدول بأنها معايير أخلاقية حكيمة ومنطقية تزود بمقاييس ملائمة يُبنى على أساسها الحكم. فرضية أولية تمثل ركيزة مفهوم الحرب العادلة، وهي: طبيعة البشر التي لا تقبل التغيير، والتي يسير فيها الخير والشر جنباً إلى جنب. يقترف البشر من دون استثناء في حياتهم أفعالاً لا تمت إلى الأخلاق بصلة، وهي تشتمل على قتل سواهم من البشر. ونظراً إلى هذه النزعة الطبيعية المشؤومة، لا مفر من أن يصون الأفراد والدول أنفسهم من أذى الاعتداءات. وأدت هذه الحاجة بالتالي إلى تطوير قواعد السلوك – وهي مبادئ الحرب العادلة.
تُقسم مبادئ الحرب العادلة عادة إلى قسمين: يتمثل الأول في أحقية قرار المشاركة في حرب معينة. وأما الثاني، وهو قانون الحرب، فيشير إلى قواعد الأخلاق التي تحكم طريقة سير الحروب أياً كانت.
 
مبادئ الحرب العادلة:
  • حق اللجوء إلى الحرب
  • القضية العادلة
  • السلطة الشرعية
  • النيات الصائبة
  •  الإعلان الجهري(عن الأسباب والنوايا) 
  •  التناسب (نتائج يغلب فيها الخير الشر)
  • الملاذ الأخير
  • آمال معقولة بالنجاح
  • قانون الحرب

    1. التمييز (حماية المدنيين)
    2. التناسب (كمية القوة المستخدمة ونوعها)

يستحق كل مبدأ من هذه المبادئ التوسع فيه:
القضية العادلة
يُقصد بالقضية العادلة أن تمتلك الحق إلى جانبك. وتركز القضية العادلة عموماً على مبدأ الدفاع عن النفس ضد أفعال عدائية لا مبرر لها. فالدفاع عن النفس، من دون سواه، قضية عادلة يقرها القانون الدولي الحديث، وهو يمثل كذلك أساس نظرية الأمن الجماعي، ما يبرر قيام دول بنجدة دولة تتعرض إلى اعتداءات دولة أخرى.
السلطة الشرعية
تشير السلطة الشرعية إلى حكومة دولة ذات سيادة تم تأليفها بموجب القانون، وهي تملك من دون سواها السلطة في أن تُلزم مواطنيها بالحرب.
النيات الصائبة
عرض القديس توما الأكويني الذي نصّب نظرية الحرب العادلة فوق القانون الطبيعي، لمبدأ «حق اللجوء إلى الحرب » للمرة الأولى أمام الفكر الغربي عرضاً مفصلاً. فليس الثأر سبباً أخلاقياً مقبولاً تُشن على أساسه الحرب، بل يجب النفور منها، وكبحها، والاستعداد لقبول فكرة السلام حين يتم بلوغ الغايات التي بررت الحرب في المقام الأول. وعلى الرغم من تصنفيها في خانة «حق اللجوء إلى الحرب »، وهي من ضمن مبادئ الحرب العادلة، تحظى النوايا الصائبة بأهمية تفوق سواها بالنسبة إلى الجندي الفرد في ما يتعلق بقواعد السلوك في الحرب. فهي تركز بأسلوب فلسفي على قواعد الحرب التي تحمي غير المقاتلين، وتطالب بقبول استسلام العدو، ومعاملة أسرى الحرب معاملة إنسانية.
طور الأكويني كذلك نظرية التأثير المزدوج، وقد صيغت في الأصل لتعويض فعل شر (القتل)بفعل خير (مقاومة الاعتداء). ما دام القتل ليس هو الهدف المرغوب فيه، لا بأس به إذا كان مجرد عاقبة لا يمكن تفاديها ناجمة عن تحقيق غاية صائبة. ولاحقاً، توسعت نظرية التأثير المزدوج لتبيح الأعمال العسكرية التي سببت ضرراً غير مباشر للمدنيين وممتلكاتهم مع العلم أنها مبررة بحد ذاتها بموجب الضرورة ومبادئ الحرب العادلة الأخرى. وهي اليوم أساس منطقي لانتهاك مبدأ حماية غير المقاتلين. ويشتمل المبدأ على ضمانات عدة، منها: لا يجوز أن تكون عواقب فعل الشر مقصودة، ويجب أن تُبذل كل الجهود المعقولة في سبيل تحقيق الغاية العسكرية المنشودة بعيداً من العواقب غير المرغوب فيها على غير المقاتلين، كما يجب أن ترجح كفة فعل الخير المُنجَز على كفة فعل الشر العرضي.
التصريح العلني
يرمي هذا المطلب إلى عرض أسباب الحرب بوضوح، بالإضافة إلى الشروط التي يمكن بموجبها إعادة بناء السلام. ويهدف هذا المطلب أيضاً إلى إعلام مواطني الدولة جميعاً بالسبب الذي يتطلب اللجوء إلى السلاح، والخطر الناجم عنه على حياة أولئك المشاركين في الصراع.
التناسب
يعني التناسب، في مفهوم «تبرير اللجوء إلى الحرب » أن تحظى الأهداف والغايات التي يجب بلوغها بعلاقة منطقية مع السبل المستخدمة لتحقيقها.
الملاذ الأخير
يقر هذا المبدأ بعواقب الحرب المدمرة، ويصر على ضرورة تفاديها بقدر الإمكان، بما يتلاءم ومصالح الدولة الشرعية، الأمر الذي يعني الاستعانة بالمفاوضات، والتسويات، والعقوبات الاقتصادية، والسلطات الأعلى (منظمة الأمم المتحدة مثلاً) وما شابهها في سبيل تقويم الظلم إذا أمكن قبل أن يصبح اللجوء إلى الحرب مبرراً.
الأمل بالنجاح المعقول
لا يجوز للدولة أن تفرط في حياة مواطنيها وممتلكاتهم في مساع لا طائل منها.
بالإضافة إلى هذه المقاييس الرامية إلى تقييم حجج اللجوء إلى الحرب، يضم تقليد الحرب العادلة مبدأين حيويين يساهمان في تقييم سبل الحرب التي تعتمدها الدول ما إن تبدأ الحرب وهما التمييز والتناسب.
التمييز
يقوم أساس هذا المبدأ على حماية غير المقاتلين من الاعتداء. ويُقسم غير المقاتلين إلى قسمين يرتكز كل منهما على الطبقة والوظيفة. تشير طبقة غير المقاتلين إلى أناس يحظر جعلهم أهدافاً عسكرية ومنهم الجسم الطبي، رجال الدين، سواء ارتدوا البزة الرسمية أم لا، الرضع والصغار (الأطفال عادة)، كبار السن، الجرحى أو المرضى، والذين لا حول لهم ولا قوة. وأما غير المقاتلين بحكم الوظيفة، فمنهم المزارعون، والتجار، وسواهم من الذين لا علاقة مباشرة لهم بالمجهود الحربي. ومن بين المدنيين، يُنظر عموماً إلى صانعي القرارات في الحرب، ومنتجي التجهيزات الحربية على أنهم يساهمون مساهمة مباشرة في المجهود الحربي/ ويحملون بالتالي صفة المحاربين. أما الذين يؤدون مهمات أو ينتجون سلعاً ضرورية للعيش، فهم من فئة غير المقاتلين ولو استعان العسكر بخدماتهم أو بسلعهم.
التناسب
مثلما يمثل التناسب أحد مبادئ «حق اللجوء إلى الحرب »، ينطبق التناسب الأخلاقي على السبل المستخدمة في شن الحرب. فالتناسب يعني، ضمن إطار احترام «قانون الحرب »، أن لا تؤدي كمية الجهد المبذول ونوعه إلى عواقب جائرة تفوق نسبتها نسبة الغايات الشرعية.
مع مرور الزمن، تطور مفهوم تقليد الحرب العادلة من مجموعة مبادئ مصمَمة لتغطي العلاقات بين الأمراء المسيحيين، إلى علاقات علمانية تقوم في جوهرها على توافق الدول في ما بينها، ومفاده أنه لا يجوز التعرض إلى استمرارية استقلالها بقوة السلاح. ففي السنوات الأخيرة، تزايد الاهتمام في النقاش الدائر حول حسنات مبادئ الحرب العادلة وطابعها العملي.
ركز النقاش على طرح الأسئلة التالية: هل من الممكن تبرير حرب نووية في الوقت الذي تتعارض فيه سياسة الردع النووي مع مبدأي التمييز والتناسب؟ إلى أي حد تحافظ مقاييس الحرب العادلة على طابعها الواقعي تحت تأثير ضغوطات تمارسها حرب تقليدية حديثة؟ كيف يمكن تكييف مبادئ نظرية الحرب العادلة مع حالات التدخل لدواع إنسانية؟ تتوقف الأهمية الراهنة لمبدأ الحرب العادلة على قدرة تكيفه مع المتغيرات في ممارسة الحرب في القرن الحادي والعشرين وما يليه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق