الاثنين، 20 أكتوبر 2014

الثقافة العربية وواقعها المأزوم : فهد احمد ابو شمعة

كثر استخدام مصطلح الثقافة في حياتنا المعاصرة واليومية , وتععددت وتضخمت تعريفاته .
تعرف الثقافة في معاجم اللغة على انها الحذاقة والفطنة والذكاء .. وثقف بمعنى صقل وقوم الاعوجاج , فالثقافة تعني التقويم , وهناك التعريف المتداول والمنتشر بين الناس والذي يدلل من خلاله على حالة الفرد ومستواه فيقال هذا شخص مثقف بمعنى جامع وملم في الكثير من المعارف كالسياسة والفن والموسيقى والادب والفلسفة وغيرها .
وقد طرأ على مصطلح الثقافة الكثير من التعريفات والمضامين الضخمة التي اصبح مكتظا بها وينوء بحملها لاتساع وكثافة مفاهيمها ومحتوياتها , وهو كغيره من الكثير من المصطلحات - او هو على راسها - التي طوعت وحملت باكثر من طاقتها بسبب عجز وقصور مفردات اللغات عن استيعاب ذلك الكم الهائل من المعاني والمفاهيم والدلالات والمعارف الانسانية والعلوم الحديثة .
فنقول ثقافة الامة بمعنى سماتها وصفاتها وابداعاتها ومخزونها من العلوم والاداب والفنون والافكار والقيم والعقائد والذي تتميز به وتتمايز عن غيرها من الامم مشكلة بذلك الهوية الثقافية الخاصة بالامة كما تشكل مقياسا للتفاوت بين الامم .
وهي ايضا مجموعة القواعد الاخلاقية والفكرية والقيمية والعقائدية التي تمثل المجتمع ويمتثل لها وتحدد وتوجه سلوكه , كذلك يمكن تعريف الثقافة على انها مجموعة السلوكيات والعادات والتقاليد وحتى الاذواق والامزجة العامة الخاصة بامة ما والتي تنتقل عبر الاجيال بالتوارث . فالثقافة هي ذاكرة المجتمع ونموذجه الحياتي , والانسان هو الذي صنع الثقافة وفي الوقت ذاته هو صنيعتها , وقد صاغها فصاغته ايضا دون اختيار منه , ويتطور العقل بتطور الثقافة والعكس صحيح , وكل فرد هو اسير ثقافة مجتمعه برضاه ودون وعيه , لذلك فان اعظم واقدس مهمة ملقاه على عاتقة هي ان يعي جيدا ظروف اسره ليعمل بالتالي على تحسينها او كسر اغلالها ان لزم الامر ( وهذا دور المثقف الطليعي ) .
تلعب الثقافة دور حيوي وهام واساسي في بناء حضارة ومدنية وتقدم اي امة فالحضارة هي منجزللثقافة المتطورة والراقية , وهي الممر الذي من خلاله تعبر الامم نحو نهضتها وبناء حضارتها .
ولكن للاسف الشديد تعيش الثقافة في العالم العربي وضعا مأساويا بسبب خضوعها المستمر للادلجة السياسية والدينية ,ونرى الان وفي هذا الظرف الدقيق الذي تشهد فيه امم الارض من حولنا قفزات واسعة وسباق وتنافس محموم في كل المجالات في الوقت الذي تعاني فيه ثقافتنا من الانطواء والانغلاق بسبب الخطاب الثقافي الرجعي السائد والمستفحل والذي يستمد مفرداته من الماضي السحيق حيث الفكر الخرافي يطغى على الفكر العلمي هذا الخطاب الرجعي المستميت في اعادة الامة الى عصور الظلام والبداوة لا يألو جهدا في التصدي لكل ماهو جديد من فكر وفلسفة وعلوم فكل ماهو جديد بالنسبة له هو بدعة و ضلالة .. ويعطي لنفسه الحق في الوصاية والحجر على ثقافة الامة ويعمل على اغلاق وهدم جسور التواصل والتلاقح الثقافي بيننا وبين امم العالم غير مدرك بان الثقافات انما تتطور وتزدهر بالتلاقح والتنافس فيما بينها , واصحاب هذا الخطاب انفسهم في واقعهم الحياتي يعانون من ازمة عميقة تتمثل في ازدواجيتهم حين يرفضوا اي تعاطي او استخدام لاحدث منجزات الثقافة الغربية من افكار وفلسفات وفي الوقت نفسه يهرولون الى استخدام المنجزات الصناعية والتكنلوجية لتلك الثقافة , بل وتوفر لهم تلك المنجزات كالتلفزيون والراديو والانتر نت منبرا لبث ونشر خطابهم, مما يولد عندهم حالة من الفصام , والشعور بالنقص لكونهم يستهلكون دون ان يسهموا .
عانى المثقف العربي لعصور من اطهاد السلطتين السياسية والدينية فالسلطة السياسية التي انتهجت سياسة طمس الوعي كركيزه اساسية لاستمرارية حكمها رأت في المثقف عدوا لدودا لها نظرا للدور الذي يمثلة المثقف كمدافع عن قيم الحرية والعدالة والمساواه وحقوق الانسان والديمقراطية وتم وضع الاستراتيجيات لمحاربة المثقف العربي باستقطابه وادلجته تارة وتارة اخرى بالتضيق عليه وبمنع نشر كتبه ومقالاته ومصادرتها او بمحاكمته وسجنة وربما اعدامه في بعض الحالات والامثلة على ذلك كثيرة , من ابن رشد الى المفكر الاسلامي سيد قطب الى المفكر السودانى محمود محمد طه , وغيرهم الكثير ممن تعرضو للمضايقات وصودرت كتبهم ومنعت كطه حسين وكتابه ( في الشعر الجاهلي ) ونجيب محفوظ وروايته ( اولاد حارتنا ) الى الروائي السوري حيدر حيدر وروايته ( وليمة لاعشاب البحر ) الى الكاتبة المصرية نوال السعداوي التي منع الكثير من اعمالها الى المفكر السعودي عبد الله القصيمي الذي منعت اغلب كتبه ... والقائمة طويلة جدا ( وماعليك الا ان تبحث على النت عن الكتب الممنوعة في البلاد العربيه فستظهر لك قائمة طويله تضم المئآت من الاعمال الادبية والفكرية والسياسية الممنوعة .
تحالفت الموسسة السياسية مع الموسسة الدينية التي اشهرت سيف التكفير والردة ضد الكثير من المثقفين والمفكرين والادباء وصدر بحقهم فتاوي التكفير وحتى اهدار الدم , ادى ذلك الى هروب الكثير منهم الى العديد من دول العالم التي تكفل حرية الرأي والفكر , كما ادت تلك السياسات الى احداث شلل وجمود في المنظومة الثقافية للمجتمع والتي كانت اصلا تعاني من التهميش والتجاهل لحقب زمنية طويلة امتدت قرونا عاشت خلالها الامة العربية حالة سبات وانغلاق دون اي مساهمة باي نشاط معرفي او فكري او علمي , في الوقت الذي كانت فيه اوروبا تضج بنهضة كاسحة في مختلف المجالات .
وظلت الثقافة العربية طوال الوقت خاضعة للادلجة الدينية والسياسية مع استثناءات لا تكاد تذكر ومثلما وجدت الثقافة المؤدلجة وجد ايضا المثقف المؤدلج الذي تم تفصيله بمقاسات مناسبة واي حالة ثقافية خرجت عن هذا النمط كان يتم محاربتها وتعطيلها بشتى الطرق .
ادت هذة السياسات على امتداد قرون الى تشكل عقل عربي محنط ومجمد لايشتاق الى المعرفة والابداع , حيث تدل احصائيات النشر والقراءه في دول العالم بان العرب هم الاقل اهتماما واقبالا على القراءه , وهم الاقل في مجال النشر والترجمة بنسب لاتصدق , وبنسبة صفر في البحوث العلمية , و تفاصيل الاحصائيات صادمة جدا جدا .


المصدر  الحوار  المتمدن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق