ملاحظة : اعتبر ان هذا اعم واشمل واهم محاورة جرت مع الاديب الجزائري بوجدرة رشيد . كل حقوق المقال محفوظة للكاتب . نقلناها هنا مقتبسين مع ذكر المصدر حسب الحق الابداعي العام المشاع .
خاص بموقع كسرة
كنت متردداً جداً حيال حوار هذا الاسم، إذ إنني في الحقيقة لا أعرف مشاعري نحوه حتى هذه اللحظة، هل أحبه أم أكرهه، هل قرأته جيداً أم اكتفيت بروايته الغريبة العجيبة «الإنكار» التي شكلت لديّ صدمة أخلاقية ومأزقاً إنسانياً، فقرأت ما بعدها رفع عتب معرفي!؛ لا أعرف، ما أنا متيقنٌ منه أن رشيد بوجدرة مختلف ومتفرد وصادم. وتلك مفاتيح لا يستغني عنها الإبداع أينما مشى…
تُرجمت أعماله إلى 42 لغة، بيعت مليون نسخة من روايته «ألفٌ وعام من الحنين» و500 ألف نسخة من رواية «الحلزون العنيد» ويفتخر بأنه الروائي الوحيد الذي يتعيش من كتابته رغم أنه في الوقت ذاته يشكو من إهمال الفرنسيين لأعماله و«إنكارهم» لمنتجه.
في الحافلة التي كانت تقلّنا إلى معرض الكتاب حييّته بالأمازيغية تودداً فأجابني بالعربية وبلهجة حاسمة صادمة مردفاً: أنت لست أمازيغياً لماذا تحييني بالأمازيغية؟، قلت له أنت لست فرنسياً وتكتب بالفرنسية!، وأردفت: أتودد لكم أستاذنا علّني أعرفك أكثر (رفقة الحافلة حافلة)! اخترعت هذا المثل فضاً للاشتباك والتوجس الدائم المرافق لبوجدرة. ابتسم وقال لي لقد تحاورنا ذات يوم يا نديم، ماذا تريد أن تعرف أكثر؟ قلت له دون تردد: أريد أن أعرف هل أحبك أم أكرهك!، لم يبتسم ولم يقطب.. اكتفى بالنظر إلى الطريق بملامح تشبهه!
ولد بوجدرة عام 1941، في مدينة عين البيضاء في الجزائر. تخرّج في المدرسة الصادقية في تونس. ثم في جامعة السوربون قسم الفلسفة، حاز على جوائز عدة ويحاضر حول العالم في كبرى الجامعات.
قلت له: تشكك في كل شيء، تحب التاريخ العربي وتقول عنه في الوقت نفسه إنه «نوستالجي»، كما تبحث عن دور الشيوعيين في تحرير الجزائر، أوليست تلك أيضاً نوستالجيا؟ فأجاب: أشكّك حقاً في كل شيء وأتهكم من كل شيء، حتى أتبين مطارح هشاشته، البحث المنهجي حتى هو بحث مشكوك بأمره، ولكن ما الضير؟ علينا أن نعمل وننجز ما نراه ونفكر فيه، تاريخنا في الجزائر موغل في الغموض، لكنني مملوء بالحنين، فكما هو معلوم، بحثت في ألف ليلة وليلة بقراءة حنين منهجية وركزت على كره المرأة ودونيتها في هذا الخطاب، وهكذا أفعل مع البحوث التاريخية وإن تضمنها عملي الروائي.
على مدى 50 عاماً كتب رشيد بوجدة أكثر من 30 عملاً في كل مجالات الكتابة من قصة وشعر ورواية ومسرح وبحوث، كنت قد قرأت «الحلزون العنيد» و«ألفٌ وعام من الحنين» و«الإنكار» قبل الحافلة، وقرأت بعد الحافلة «تيميمون» و«شجر الصبار» روايته التي تفسر برود الفرنسيين تجاهه بقراءته للثورة الجزائرية وضرورتها الحتمية ضد الاحتلال الفرنسي رغم أنها تحتفي بمن شاركوا بالثورة الجزائرية من أجانب وتتحدث عن إيفيتون اليهودي الذي أُعدم بسبب ثورة الجزائر.
يقول: هذه الرواية واقعية، وشخوصها موجودة فعلاً، أحب هذه البلاد كثيراً، بل وأعشقها عشقاً صوفياً، وأريدها أن تتقدم وتذهب إلى الأمام، أتعلم؟ أنا مهووس بنظافة المدن الجزائرية، مددنا أصبحت مهترئة ووسخة وقذرة!!.
قلت له: كتبت بالفرنسية ثم تركتها وكتبت بالعربية، ثم «تُبتَ» عنها حسب تصريح لك، وها أنت اليوم تكتب بالعربية من جديد، ما السبب؟ أجاب: أنا عربي التكوين والهوى وإن كتبت بالفرنسية وعشت هناك، حتى وإن اسمي «بوجدرة» أي: «أبو الجذور» فكيف أتنكر للعربية والكتابة بها؟! الأمر يتعلق بالرؤية اللغوية والبرمجة الذهنية، ثمة مساحات لا تصل إليها اللغة الفرنسية، والعكس صحيح، أكتب مثلما أفكر وحسب.
قلت له: أتعلم أنت، الحوار الصحافي يشبه تعرية المرأة الخجول..هل ما زلت شيوعياً، ألم يسقط وهمها في العالم؟
أجاب بغضب: الحوار الصحافي يعري الطرفين معاً بالمناسبة!، هذا سؤال لك مكرر وكأنه لم تقنعك إجابتي عليه سابقاً، إن ربط الشيوعية بالاتحاد السوفيتي خطأ شنيع يمارسه الصحافيون غالباً! أما اليساريون فهم ببساطة.. يساريون.
للحظةٍ كنت سأسأله ما إن كان يحبني أم يكرهني، ولكني تراجعت حينما استذكرت سابق إجابته لي عن كرهه الشديد لأبيه وهو أولى بالحب مني!
بوجدرة يصف علاقته بأبيه بأنها علاقة مرضية غير سوية، وأنه اُغتصب من إحدى زوجات أبيه!! الأمر الذي عقّد الأمور جداً بينه وبين أبيه ودفع العلاقة إلى مكان اللاعودة.
يفضح بوجدرة عن أنه اغتُصِب من عدة نساء في البيت منهن زوجة أبيه وأخته في أكثر من حوار له مشيراً إلى أنه لا يستخدم تلك الحقائق المؤلمة للإثارة بل للاستدلال واصفاً إياها بالعقاقير، التي جاءت بقالب شعري غير جارح!.
قادني ذلك لسؤاله عن رأيه «الجارح» بنجيب محفوظ الذي يراه بسيطاً وسردياً أكثر من اللازم ولا يهتم في كتاباته بأوجاع ومعاناة الشعوب العربية، وعن مستغانمي التي يقول إن رواياتها تشبه المقالات الصحفية وإنها لم تفعل شيئاً سوى إضافة شيء من الايروتيك السيء عليها. وإن ياسمينة خضرا مجرد كاتب قصص بوليسية عادية فأجاب: على الأدب أن يكون عالمياً شاملاً لا ضيق الأفق وفردياً، على الروائي أن يهضم كل أنواع الفنون والعلوم قبل أن يوصف بأنه روائي.
الحقيقة أن بوجدرة مثير للغضب والدهشة معاً فإن كان لا يعترف بروائي مثل ماركيز ويصفه بأنه صحافي أكثر منه روائياً ويصرح باغتصابه من قبل أهل بيته، ويعتبر مصر «بلا أدب» بلا رواية ولا شعر، بل لديها قصص «زوينة» ويرى أن العرب ما يزالون لا يقرؤون إلا ما لا يشغل بالهم، وأن الفرنسيين كفروا بنعمة بوجدرة عليهم، وأنني في هذا الحوار صحافي أكثر مني مهموماً بالثقافة. وعليه أنهيت هذا الحوار بسؤاله: هل ذهبت إلى صيد الغزلان في الجزائر كما فعلت أنا؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق