الأحد، 23 نوفمبر 2014

جوانتنامو .. هل حققت حلم يوسف زيدان / مقال نقدي


جوانتنامو .. هل حققت حلم يوسف زيدان؟؟


"جاءتني فكرة جوانتنامو من إعجابي بـ "العجوز والبحر" لهيمنجواي وأنا في المرحلة الإعدادية. وحلمت بأن أكتب عملا كهذا يوما ما، حتى كتبت جوانتنامو." هذا ما قاله زيدان عن آخر أعماله. فهل حقق يوسف زيدان حلمه القديم بعد أكثر من أربعين سنة؟ 

"ما الأسر إلا استيلاء على جسم سجين ولكن لا سبيل لحبس الأرواح" 
بهذه الكلمات استشرف يوسف زيدان على لسان الشاب النوبي بطل روايته "جونتنامو" الحكي عن حياته في المعتقل على مدار سبع سنوات رأى فيها الكثير. اعتمد يوسف زيدان الحكي الجواني للبطل في جوانتنامو كأساس للعمل. وهو، كما يرى، شيئا يحدث للإنسان عندما يتعرض لظروف عيش قاسية، فيكون هذا الحديث الداخلي في نفس البطل والاستناد إلى آيات القرآن وتأملها كمساعد ومعين على البقاء –روح حي بن يقظان تظهر هنا- ولكن هل آليات البقاء هذه من الممكن أن تجعل من إنسان بسيط الفكر يتأمل ويتفكر على طريقة كبار الصوفية وبعمق رؤاهم؟ هذا ما يمكن أن يكون أحد محاور النقاش. 

كما يمكن أن يكون أصالة التعبير عن حالة المسجون محورا آخر. فهنا الكاتب يقول أنه بنى ما يشبه المجسم لمحبس البطل واعتزل فيه ولم يرد على الهاتف أو يقابل أي شخص وعاش على كسرة خبز والقليل من الطعام حتى يصل لإحساس البطل. 

فهل من الممكن لمن قرأ تلك العتمة الباهرة للطاهر بن جالون أن يتخيل أنه من الممكن على الكاتب أن تتجلى في روحه حالة المسجون ليخط قلمه سردا يبكي الأعين وهو لم تطأ قدمه سجنا؟ إنني اليوم أريد طرح أسئلة ولن أسعى وراء إجابات، اليوم أريد أن نتفكر ولا أن نتسرع في إيجاد إجابة دون تأمل.

من الممكن أن يكون يوسف زيدان باحث رائع في التراث من القبطية إلى الصوفية. وليس لأحد أن ينكر مساهماته في تحقيق العديد من المخطوطات أو الأعمال الفكرية مثل اللاهوت العربي وأصول العنف الديني. ولكن كونه روائي، يهتم بالحكي والوصف والسرد ويجعل القارئ يشغف بما هو آت في حكايته، كونه يجعل أنفاسنا تتوقف أو تتسارع، فهذه الأمور يمكن الأخذ والرد فيها. ولن أتحدث هنا عن عزازيل لأنها استثناء.

ولكنني أريد الحديث عن جوانتنامو، فبلغة يعرف قارئيه كم هي جميلة وعذبة يحكي يوسف زيدان. ولكن اللغة في النهاية هي اللبنات التي نصنع منها البناء. فمن الممكن أن تكون الغزارة اللغوية للكاتب مدهشة ولكنه لم يتمكن من تشكيل بناء روائي متماسك متناسق من خلالها. 

من الممكن أن نجد الحديث الجواني لبطل العمل يسبب الملل للقارئ لتكرار بنيوية الحكي بنفس الهيئة في أكثر من موضع. فنجد البطل ينام ويصحو ليناقش ذاته ويحاورها بنفس ذات الأفكار وتجلياتها وكما لاحظنا من قبل ليس من المفهوم أن يصبح فكر شاب سوداني بسيط في خلال سنوات قليلة قادر على تأمل تجليات وأفكار تعتمل بداخل نفسه على طريقة عبدالكريم الجيلي وابن عطاء السكندري. 

أما الغريب حقا هو ظهور شخصية المرأة في هذه الرواية على هيئتين متضادتين، وكأنه يتبع المقولة الصوفية الشهيرة: الأمور لا تعرف إلا بتضادها. ربما هذا يؤكد على أن الحكيّ الجواني لم يستطع أن يملأ قلب الرواية فاحتاج يوسف زيدان إلى علاقات خارجية مع امرأتين وإسقاطات على سياسات أمريكا حتى يحدث تنوعا وثراءً للعمل. 

ولهذا تساءلت في البداية: هل حققت جوانتنامو حلم يوسف زيدان بأن يكتب شيئا مثل العجوز والبحر التي اعتمدت بشكل شبه كلي على الحكي عن شخص واحد بلسان ذلك الشخص وهو يصف صراعه طوال رحلة سيده وبتكثيف مدهش؟ إجابة هذا السؤال لا أظنها بنفس بساطة طرحه.

هذا الإرباك الذي أحدثه العمل يدفعني لاستحضار مقولة العقاد: حتى الكتاب السىء استفيد منه، فبقراءته اعلم كيف يمكن أن تكتب كتب سيئة. فثيمة الحكاية هنا مستهلكة لأن ما تسرب عن التعذيب في سجن جوانتنامو وغيره من السجون التي يديرها الجيش الأمريكي جعل يوسف زيدان في موضع يحتم عليه أن يأتي بجديد وهو يتحدث عن سنوات الحبس لبطل العمل في جوانتنامو. فهل استطاع يوسف زيدان أن يفعل ذلك؟ لا أظن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق