الرواية عبارة عن سيرة حياة بطلها الرئيس واسمه هوزيه ميندوزا في الفلبين واسمه عيسى الراشد في الكويت. ابن خادمة فلبينية وهي فتاة متعلمة ساقتها حياة الفقر في الفلبين لتلاحق حلم المال على شاكلة ابطال غسان كنفاني في روايته رجال في الشمس، في احدى بلاد النفط، فتكون الكويت هي تلك الدولة.
هناك تعمل تلك الخادمة جوزافين لدى عائلة كويتية ( عائلة الطاروف ) وهي من العائلات ذات الوضع الاجتماعي المرموق، حيث تلتقي براشد ابن العائلة الوحيد في ثنايا الليل والناس نيام، وهو ذلك الشاب الرومنسي اليتيم الذي يميل الى الكتابة والتعاطف مع الكادحين، ويبدو مصدوم لعدم موافقة والدته ( غنيمة) على الزواج من فتاة التقاها في الجامعة وحتما يكون السبب الفرق في المستوى العائلي.
المهم ان ظروف اليتم وبمساعدة الشيطان الذي كان ثالثهما في ساعات الليل المتأخرة والناس نيام نشأة علاقة حب بين راشد وتلك الخادمة جوزافين، وفي احدى الليالي يقرر راشد الزواج من جوزافين طبعا بشكل سري وبموجب عقد زواج عرفي يشهد عليه اثنين من اعز اصدقاؤه ( وليد وغسان ) .
ويكون عيسى ثمرة ذلك الزواج حيث تحمل جوزافين وما يلبث امر حملها ان يظهر فتقوم والدة راشد ( غنيمة ) بطردها من المنزل بعد ان يعترف راشد ان من تحمله جوزفين هو ابنه من زواج عرفي، طبعا خوفا من الفضيحة ليخرج راشد من منزل اهله كنتيجة لغضب والدته عليهما ، ويسكن مع جوزافين في شقة منفصلة.
يولد عيسى ويحمله راشد الى والدته لعل قدوم الطفل يحنن قلبها خاصة انه الذكر الوحيد الباقي من عائلة الطاروف، لكنها ترفضه وبطلب من والدته تخلى راشد لاحقا عن جوزافين لتعود الى الفلبين بعد انجاب عيسى.
هناك في الفلبين تربى عيسى، لدى عائلة جده ميندوزا حيث تدور معظم احداث الرواية وتغطي تلك الاحداث كامل طفولة عيسى، وتحكي قصص الاشخاص الذين ارتبط بهم خالته ايدا وابنتها ميرلا وخاله بيدرو وجده وتلك العجوز التي اسكنها جده في طرف الارض التي كان يعشقها ويقضي فيها وتحت اشجارها الكثير من الوقت مثل بوذا. ولا ننسى اخاه من امه الذي غرق في مياه المجاري المجاوره الى البيت ليصاب باعاقه دائمه في الدماغ اثناء وجود خوسيه ( عيسى ) فقط عنده وهو ابن خمس سنوات وشعوره الدائم بالذنب على ما حدث له.
تمر الايام ويصبح عيسى شاب قادر على السفر ويسافر الى الكويت ارض والده - بلاد العجائب - والتي كانت امه جوزافين تقول له انه لا بد ان يعود اليها في يوم من الايام وكانت تهيئوه لذلك الغرض باستمرار.
طال انتظاره وتأخر اتصال والده ليكشف لهم صديق والده غسان بأن والده كان قد وقع في الاسر اثناء مقاومتة للاحتلال العراقي وعثر على جثته في قبر جنوب العراق.
ويقوم غسان على مساعدته في الوصول الى الكويت وتعريفه على عائلته الطاروف، لكن ملامحه الفلبينية شكلت عائق لقبوله ضمن افراد العائلة فعاش على الهامش في غرفه جانبيه وكأنه واحد من الخدم... ولا يكاد احد يتواصل معه الا اخته من اباه لكن حتى تواصلها كان منقوصا...فقام على شراء سلحفاة ليناجيها عندما يشعر بالوحشه والوحدة.
ودفعه صراعه الداخلي ورفضه الى الاستمرار في العيش بتلك الصفة الى مغادرتة المنزل خوفا من الفضيحة بعد ان بدأت ام جابر احدى الجارات تتساءل عن ذلك الخادم الفلبيني وتطلب ان يساعدها في خدمة ظيوفها...
وعلى اثر ذلك اجبر الى ترك العائلة والاستقلال عنها ليسكن في شقة منفصلة، ليعمل في احد المطاعم، ونتعرف اثناء ذلك على واحدة من الشخصيات المهمة في حياته وهو فلبني مسلم اسمه ابراهيم ويلعب هذا الابراهيم دورا محوريا في الرواية.
لكنه في لحظة ضعف وربما بسبب فقدان السيطرة كنتيجة لشرب الخمر وحالة الانفعال التي احس بها بعد علمه من خلال الشلة الكويتية التي كان يتسكع معها بعد ان تعرف اليهم اثناء رحلة لهم الى الفلبين والتقاهم في الكويت صدفه، بأن عمته ( هند ) هي احدى المرشحات للانتخابات البرلمانية، مما دفعه لكشف سر علاقته بعائلة الطاروف، فافتضح امره عن طريق جابر ابن ام جابر جارة العائلة احد افراد الشلة ، لتقوم جدته غنيمة بقطع المال الذي كانت تخصصه له شهريا.
وكنتيجة لحالة الضياع التي ظلت مسيطرة عليه وفي لحظة ضعف احس فيها بحاجته الى العائلة عاد الى الفلبين مجبرا تاركا ارض والده ليعيش الى جوار عائلته في ارض ميندوزا، حيث تزوج ابنة خالته التي لم تعرف لها اب مثله ولكن في ظروف مختلفة، وكان قد احبها على الرغم انها تكبره باربع سنوات.
وتنتهي الرواية بعد ان نعرف بأنه انجب طفلا ذكرا لم يكن يشبه والدته ذات الملامح الاوروبية، وانما جاء بملامح كويتية فاسماه راشد على اسم والده.
ولا شك ان هذه النهاية المفتوحة تمكن الراوئي من تتبع راشد الحفيد في رواية لاحقة.
الرواية غاية في الجمال والشد والادهاش الى حد انني لم اتمكن من تركها الا بعد ان انتهيت من قراءتها خلال يومين تقريبا.
وربما ان احد الاسباب هو انني سكنت في الكويت وعرفت عن قرب الاماكن التي دارت فيها احداث الرواية في الكويت، الجابرية والسرة وشارع دمشق الخ...كما ان الرواية ايقظت فيّ شعور الغربة القاسية وحياة العزوبية القاتلة التي عانيت منها اثناء عملي في الكويت..
اما السبب الاخر الذي شدني الى الرواية هو انها تعالج سيرة حياة اكثر من يتيم ، عيسى، وميرلا، وحتى مندوزا الجد والذي يتبين في النهاية انه لم يعرف له اب وان تلك العجوز الذي قام على اسكانها في ارضه هي والدته، ويبدو انها حملت فيه اثناء عملها في النوادي الليلية وهي نفس الظروف التي ادت الى ولادة ميرلا حفيدته من ابنته ايدا التي دفعها للعمل في مثل تلك النوادي لجلب المال الذي انفقه مندوزا على مصارعة الديوك...
واتصور ان الروائي نجح في بناء شخصياته بصورة غاية في الاتقان والحرفية حتى اننا نجد حوزيه ( عيسى ) الذي كان يمارس طقوس الجلوس تحت شجرة في حديقة جده على طريقة بوذا ينطق بالحكمة مثله مثل بوذا في اكثر من موقع في نهايات الرواية...
ولا ننسى بأن الروائي اغنى روايته بشكل كبير حينما اختار ان يضمنها سيرة حياة بطل الفلبين القومي ويستخدم عدد من مقولاته واسمه ايضا خوسيه ريزال.
وكأن الروائي اراد القول بأن المعاناة والفقر والالم والاستعمار هي التي تصنع الابطال...
واتصور بأن اختياره للاسماء ( خوسيه، وعيسى )، لم يكن صدفة فقد اراد من خلال ذلك ان يصور تلك المعاناة التي عاشها ابطال روايته ( خوسيه ريزال، وخوسية مندوزا، وميرلا مندوزا، ومندوزا الجد التي اتقن الروائي بناءها بشكل مذهل ) والذين تألموا كثيرا كل بطريقته بسبب غياب الاب، وحالة الفقر والضياع باستثناء ريزال الذي قتله الاستعمار الاسباني بسبب مقاومته له لتنفجر ثورة في الفلبين، بعد ان ضحى ذلك البطل بنفسه لتستقل بلاده على اثر ذلك.
هذه الرواية عن الفلبين وعن بطلها القومي، عن ظروف الفقر التي تعاني منها شعوب جنوب شرق اسيا، واضطرارها للعمل في ظروف قاسية وغير انسانية للحصول على ما يسد الرمق، وما يترتب على ذلك مثلما هي عن الكويت وحياة الكويت بكافة تفاصيلها ( من ظاهرة الخدم وما يترتب على ذلك، ثم اثر الضغوط الاجتماعية في التأثير على البناء الاجتماعي والعلاقات الاجتماعية، عن ظاهرة البدون، وعن الظروف السياسية التي كانت مسيطرة اثناء الثمانينيات والتسعينيات ثم الاحتلال العراقي وكيف اثر على المجتمع، ولكن الاهم من كل ذلك هو قدرة الروائي على تصوير ما يدور في البيت الكويتي وطريقة تعامل الاسرة الكويتية مع الخدم وذلك من خلال عيون رجل كويتي بملامح فلبينية، جعله الروائي يعيش حياة الفلبيني العادي في شقه منفصلة يسكنها العزاب) .
حيث تمكن الراوئي وبذكاء شديد من تعريفنا على طبيعة الحياة التي تعيشها الاسرة الكويتية وبتفصيل شديد يتعلق بكل ما يتصل بالعلاقة مع الخدم واثر ظاهرة الخدم على المجتمع، ومن ناحية اخرى اثر العادات والتقاليد على تلك العائلة وعلى المجتمع الكويتي بشكل عام، وكل ما يتصل بحياة الانسان الكويتي واثر المال والنفط في تشكيل العلاقات الاجتماعية، حتى انه يتطرق بذكاء الى قضايا حقوق الانسان ويفرد لمشكلة (البدون) مساحة واسعة من الرواية من خلال جعل احد ابطالها ( غسان ) من هذه الفئة المهمشة في المجتمع والذي يلعب دورا محوريا في الرواية حيث يقوم على تبني عيسى حسب وصية صديقه ابن عائلة الطاروف.
كان انطباعي الاولى بأن هذه الرواية (ساحرة) وهنا اؤكد على ذلك الانطباع بل هي مذهلة.
ولا شك انها متقنة البناء بشكل استثنائي وقد تمكن الروائي من استثمار ثقافته الواسعة على ما يبدو ومنح الرواية بعد عالميا من خلال حديثه عن بطل الفلبين القومي ومقاومته للاستعمار..
والحديث عن عيسى، وبوذا، وكذلك الحديث عن اليس في بلاد العجائب تلك الرواية العالمية المعروفة واستثمارها لاغناء حبكة الرواية.. حيث جعل عيسى ابن راشد يحلم بأن ذلك الارنب لا بد ان يوصله في يوم من الايام الى بلاد العجائب كما صورتها له والدته، بلاد والده راشد- الكويت-، وكان عازما ان يستقر هناك لانه مثل ساق شجرة البامبو يمكن ان ينبت في اي بقعة من الارض ليخلص بعد كل ما واجهه في الكويت من غربة واغتراب بأن بعض الاشجار لا تعيش في الصحراء؟!
طبعا إن اهم ما يميز الرواية هو اتقان بناء الشخصيات فقد تمكن الروائي من جعلها نامية دينامكية متطورة، غنية، ومكتملة البناء round characters بل ان حياة كل شخصية تكاد تمثل حبكة منفصلة متكالة البناء.
واشد ما سحرني اتقانه لبناء شخصية مندوزا الجد...الذي يدفعك لتكرهه بشدة كنتيجة لمجموعة تصرفاته ثم تكتشف لاحقا انك كنت مخطأ في حقه فهو لا يستحق سوى العطف وانما هو ضحية لمجموع ظروف حياتة...وان ادمانه على مصارعة الديكة مثلا كان له اسباب عديدة...فهو جندي سابق حارب في فيتنام ومصارعة الديكية تنفيس عن مآسية التي تعتمل في داخله.
جميلة هذه الرواية جدا بل هي سحرية ومذهلة بحق. ويبقى الكثير ليقال عنها
المصدر منتديات منابر ثقافية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق