مطلع القرن العشرين في سويد فقيرة مختلفة عن الفردوس الاجتماعي الذي انتشرت صورته في السنوات الاخيرة حيث اولاف توماسون يعود الى تسمانيا بعد احدى عشرة سنة امضاها في الترحال عاملاً في جز صوف الاغنام، وكان يريد العودة نهائياً للاستقرار في وطنه وافتتح مؤسسة تجارية قريبة من بعض المناجم وازدهرت اعماله وانجب عدة ابناء من هانا زوجته الجميلة الطامحة لحياة اكثر ثراءغير ان الامور تراجعت فجأة وضرب الفقر بعصاه افراد الاسرة فعاد الاب للهجرة ليموت بعيداً واختارت هانا الرحيل الى كاليفورنيا بحثاً عن الثروة تاركة اطفالها خلفها ومن بينهم مارتان الصغير الذي هو ذاته هاري مارتنسون، حيث يعيش يتيماً وقد فقد حنان الام ورعاية الاب وعطفه، فكان يخرج راكضاً بحثاً عن امه معتقداً انها في مكان قريب، لكن دون جدوى وقد قيض له انذاك ان ترعاه اخته الكبرى التي فقدها ذات يوم بعدما سلم الى البلدية ليتحول من مارتان اولاف توماسون، الى مارتان ربيب البلدية
ربيب البلدية مؤسسة للمعونة الاجتماعية في السويد، فقد كانت البلدية تتولى امر الذين لم يكونوا يستطيعون اعالة انفسهم كالايتام والعجائز، ولكنهم يضمنون نوعاً ما، للذين كانوا يقبلون ايواءهم بأدنى النفقات. وكان هذا الالتزام يعقد لمدة سنة بين المزارع وبين الكنيسة، وهكذا يجد الطفل او العجوز نفسه مرغماً على العيش مع اسرة جديدة ومنزل جديد كل سنة، وقد كانت البلدية فيما يتعلق بالاطفال تحرص على ان يتابعوا تعليمهم وان يتلقوا تربية جيدة
مارتان ربيب البلدية كان واحداً من هؤلاء الاطفال وقد تنقل من مزرعة الى اخرى، ولكنه امضى في مزرعتي تولين ونوردا اطول فترة ممكنة لانه لم يطق في المزارع الاخرى البقاء اكثر من أشهر قليلة يركض بعدها على الطرقات بحثاً عن امه المهاجرة الى كاليفورنيافي تلك المزارع كان مارتان شاهداً على حياة الفقر في السويد مطلع القرن العشرين، صحيح انه كان ينال كفايته من الطعام وايضاً ينال قسطاً من التعليم لكنه كان يضطر للعمل في المزارع حتى الارهاق مقابل تلك الضيافة وهي نوع من الاحسان تجاه المجتمع حيث ان الكنيسة تفرض هذا النمط من الاهتمام بالاطفال والعجائزكان مارتان قد بلغ العاشرة من عمره عندما كان يعمل خلف المنزل في تشذيب الارض وقد فاجأه عجل صغير، فطرده مارتان إلا ان العجل عاود العبث بما انجزه مارتان فشعر الصبي بغضب شديد وضرب العجل برفشه مما افضى إلى موته، كان هذا اول رعب في حياة مارتان الذي سارع إلى سحب العجل بعيداً ومن ثم حفر له حفرة عملاقة طمره فيها، وكان ذلك أول عمل يقوم به خارج حدود التربية والتعليم وعندما سئل مساء ذات اليوم اذا ما كان قد شاهد عجلاً صغيراً قال انه لم يره، وقد تطوعت صبية اكبر منه قليلاً تعيش بنفس الطريقة «ربيبة بلدية» بالقول لقد شاهدت بعض الغجر يعبرون في الانحاء فاعتقد الجميع ان الغجر قد سرقوا العجلتعلم مارتان كثيراً من الحياة في المزارع وحفظ كثيراً من الاسرار في الحقول، وقد رافق عدة اشخاص في سنه جميعهم من الذين يعيشون بذات الطريقة لكن الصبي الذي بلغ منتصف الحادية عشرة من العمر تعلق بفتاة تدعى الآنسة تيرا في وقت كانت الشائعات تتناقل نبأ اكتساح وباء التيفوئيد للمنطقة، وكان من نصيب الانسة تيرا ان يصيبها المرض الذي خطف شبابها ومن ثم خطف معه قلب مارتان الصبي اليافع الذي لم يعرف شيئاً من ضروب السعادة، متنقلاً من مزرعة إلى اخرى ومن حياة إلى حياة، لكن حبه الاول وتفتحه الاول وزهرته الاولى خطفها الموت وكأن بينه وبين السعادة خصومة أزلية
الثلاثاء، 5 مارس 2013
الشوك يزهر … هارى مارتنسون
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق