الأربعاء، 15 مايو 2013

الدولة والتعدد الثقافى ... باتريك سافيدان

الدولةكتاب المفكر والسياسي باتريك سافيدان الموسوم “الدولة والتعدد الثقافي”،
في ترجمته العربية لمصطفى حسوني. وسبق لهذا الكتاب أن أثار الكثير من
الجدل إبان صدوره في طبعته الفرنسية عن المنشورات الجامعية الفرنسية سنة
2009.
يضم الكتاب مقدمة وأربعة فصول وهي: “ديناميات المساواة الديمقراطية”،
ويضم المقالات التالية “الحق في المساواة”، “التحولات الديمقراطية للهوية”،
“أخلاق الاعتراف”. ثم “الموقف المضاد للتعدد الثقافي” ويضم المقالات
التالية “التوافق السياسي”، “نحو المقاومة”، وفيه نقرأ “مبدأ القوميات”،
“افتراض التفوق المعرفي للابستيمولوجيا”، “التنوع والصراع”، “حجج ذات طابع
أخلاقي”، و”مبدأ الحياد السياسي”. ثم “سياسة الهويات”، ويضم المقالات
التالية “طلب الإدماج”، “استحالة الحياد”، “الوطنية الليبيرالي”. ثم
“التعدد الثقافي في خدمة الحريات”، ويضم المقالات التالية “خطر الأحادية
الثقافية المتعددة”، “من أجل تعدد ثقافي ليبيرالي”، ثم خاتمة.
الفلسفة والتاريخ
وقد اختار المؤلف أن يضيء إشكالات الثقافة في صراعها مع الأنظمة من وجهة
نظر فلسفية عميقة، ومن وجهات نظر تاريخية متعددة، إذ يعتبر التعدد الإثن ـ
ثقافي من المعطيات القديمة لتاريخ البشرية. ونجد كما يقول المؤلف “عبر
التاريخ، ساكنة تنتقل، ومجموعات تختلط، وأراضي تم ضمها أو التخلي عنها،
وعمليات تبادل تجاري سبق إقامتها، وصيرورات إدماج سياسي تم تحقيقها، وحدود
جرى تغييرها. وساهمت كل هذه الظواهر في التنوع الإثن ـ ثقافي. وقد تعرف هذه
التنقلات وعمليات الترحال تغييرا في حجمها وسرعتها، وقد تساهم كذلك في خلق
ميولات غير معهودة. ولم يتم، عبر هذا التاريخ الطويل، إنكار هذه التنقلات
والعمليات بل استمرت، بخلاف ذلك، وتضاعفت وتقوت بفضل العولمة وضغوط العولمة
وضغوط الدينامية الديمغرافية وموجات الهجرة”.
ولا يعتبر المؤلف إن حركات الهجرة هي اعتباطية “بل تستجيب لحاجات اقتصادية
أو رغبة عائلية، وتدخل تاريخيا ضمن مخلفات الاستعمار الذي خلق صراعات
مقصودة في إطار مشروع الإدماج الجهوي، أو محاولاته التي أدت إلى تفرقة
وشتات معروفة تاريخيا. فالمهاجر المكسيكي إلى نيويورك يتجه بداهة نحو
أقاربه ويعتمد كذلك على الشبكات المحلية التي تدعمه للحصول على خدمات خاصة
وتؤدي، أحيانا، الحركات المتشعبة مجتمعة، إلى إقامة فضاءات متعددة القوميات
ينشأ عنها تواجد متعدد لأطر ثقافية ذات بعد ثقافي دال”.
وقد تمكنت عدة أبحاث من رسم ملامح هذه المجموعات مثل المجموعة المكسيكية
في أميركا الشمالية أو الفليبينية في روما واللاوسية في باريس، والجزائرية
في مارساي، وذلك على الرغم من صعوبة هذا العمل حيث يفقد مفهوم الهجرة
المدلول الذي توظف فيه تقليديا، الافتراضات الاجتماعية حول الدولة. وهناك
شوارع تحمل في كليتها بنية تحتية معينة تحمل هوية ثقافية محددة ترتبط
بالبلد الأصل.
دينامية الهجرة
وتساهم هذه الدينامية في تقوية التعدد الذي يتغذى من خلال الحركية
المتزايدة للأشخاص وتطور الهجرة العائلية وتدويل المقاولات والشبكات
التجارية والثقافية. وتثير هذه الأخيرة، بدون شك، الأسئلة الأكثر تعقيدا
بما أن الأمر يتعلق بالمعرفة، خاصة وأننا لا نتعامل مع هوية محددة عبر أصل
محدد. ومع ظهور ما يسمى بالهوية المتعددة القوميات التي لا تتلاءم مع
الهوية الكلاسيكية للمهاجر المندمج أو مع أصله، فنحن إذن أمام هوية خاصة
تتجاوز الحدود الجغرافية المعهودة.
وإذا كانت الهجرات حسب باتريك سافيدان “تساهم في تضخيم التعدد الثقافي
في المجتمعات المعاصرة، فإنها ليست الأسباب الوحيدة في هذا الاتجاه. ونذكر
بأن الدول/ الأمم في حد ذاتها تأسست بإدماج مجموعات متمايزة ثقافيا. وقد
عرف هذا الإدماج درجات متفاوتة تتراوح بين الإدماج الكلي والإدماج الجزئي.
ومهما كان، فبغض النظر عن صيرورات التأسيسات هذه التي تعرف في اللغة
الإنجليزية باسم “بناء الدولة – الأمة”، تبقى هناك خصوصيات جهوية يمكن ان
يؤدي البعض منها إلى حد الاعتراف بهويتها بل المطالبة بالحكم الذاتي.
ويفصّل المؤلف ذلك بالقول إن عدد المجموعات الإثن ـ ثقافية يتجاوز بشكل
واضح عدد الدول ـ الأمم. ونحصي اليوم ما يزيد عن 190 دولة/ امة ذات سيادة
في مقابل 5000 مجموعة إثنية تتكلم كل واحدة لغتها الخاصة تنتمي إلى 600
مجموعة لغوية. وتقر هذه الملاحظة البسيطة، على الصعيد العالمي، بأهمية
التنوع.
أمام هذا التنوع نجد، في المقابل، اتجاهات عالمية تميل نحو الانسجام
الثقافي الذي يتجسد من خلال تبني اللغة الإنجليزية كلغة سائدة. ولكن دور
العولمة لا يختزل في هذا الانسجام النسبي. فقد أدت في نفس الوقت إلى وعي
حاد باختلافاتنا الثقافية وساهمت بالتالي في تحقيق الاستقلال الاقتصادي.
وفي هذا الإطار، يمكن إعادة موقعة الحاجة إلى ضرورة حماية التنوع الثقافي
في العالم. وقد توصلت الأغلبية الساحقة، خلال الدورة 33 للمؤتمر العام
لليونسكو بباريس في20 أكتوبر 2005، إلى اتفاق حول حماية وتشجيع التنوع
الثقافي. وقد كان من بين أهداف هذه الاتفاقية وضع الآليات القانونية
للإعلان العالمي لليونسكو حول التنوع الثقافي. وقد تم تبني ذلك بإجماع في 2
نوفمبر سنة 2001، وتهدف هذه الاتفاقية، في الأساس، إلى حماية التراث
المرتبط بهذا التنوع الثقافي.

تحميل كتاب الدولة والتعدد الثقافى

Capture2

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق