السبت، 11 مايو 2013

الحمار الميت يحكي عن سبب موته

الرسالة الثامنة

أختي وعيني، ذبابة الحمر:
بالحق ، أنا أحكي لك عن موتي، لكنني نسيت أن أحكي لم عن سبب موتي. أعرف أنك تحبين الكلمات المنتقاة والمترادفات، وذات المعاني الكبيرة.
أتذكرين يوم كنت عاطلاً عن العمل وجئت إليك. كنت أجفُّ من الجفاف. وأي كلام قلت يومها، ولكني لم أُحصل قرشاً.
قال أحد العظماء "ليس ثمة من لا يعصي، ولكن عليك أن تجيد الطلب ."
هذا الكلام العظيم إما لموليير أو روبسبير أو الملك لير أو هتلر أو مشهدي جعفر، لست متأكداً، لكن في النهاية اسمه الثاني حرف" الراء."
ذهبت إليكِ واضعاً في رأسي هذا القول العظيم ووقفت أمامكِ لاوياً رقبتي وقلت:
-توبي أور نت توبي...*
لحظتها بدأت بالبكاء وأخرجت كل ما كان بجيبك وأعطيتنيه. خرج أحدهم وقال: "لا تناقش لا الأذواق ولا الألوان". ماذا في هذا الكلام؟ لو كنت أنا قائل هذا الكلام لدخل من أذنك هذه وخرج من تلك.. هذا يعني أن البشر لا يعطون أهمية لمعنى الكلام المقابل بل لارتفاع المكان الذي قيل منه. يعني لو تكسرت مدخنة لعد كل صوت من أصوات تشققها معجزة ربانية.
أشكر الله على أنه في تلك الدنيا التي غادرتها نوعين من البشر النوع الأول مجانين لا مسؤولية لهم .والثاني الملوك والرؤساء..
بفرض أنني واحد من رؤساء الجمهوريات الذين لا يفعلون، وليسوا مسؤولين عن شيء. لو سعلت، سيقولون:
-ما هذه السعلة المقدسة! ويسجلون السعلة على شريط.
اذا فتحت فمي متثائباً، سيقولون:
-الله ، ما أجمل هذه) الأريا*( ويسرعون لمحاولة (تنويت) تثاؤبي.
عزيزتي، عندما نجلس معاً، كم كنا نستهلك من ذاك الكلام الكبير، نصرفه كصرف فراطة النقود.. كلامنا مثل اللؤلؤ لم يقابل بحجر.
افتحي أذنيك! سأقول لك قولاً مأثوراً مهما جداً من وحي الدار الآخرة.. "الولادة سهلة، لكن الموت صعب". المولود يوّلد من قبل الآخرين لكن الميت يموت لوحده.
لم يكن قد خطر ببالي الموت. أحب الحياة كأي شخص، ولكن الحب لا يكفي.. طلبت من مديري خمسين ليرة سلفة. سألني:
-ماذا ستفعل بها؟
خطر ببالي أن أقول له "سأضع طائرة ورقية وأطيرها".
قلت:
-علي دين لأحدهم، سآخذها منك وأعطيه إياها.
قال:
-متى؟
-اليوم، الساعة الثانية بعد الظهر سيأتي ليأخذها.
-في تلك الساعة تعال وخذ خمسين ليرة...
-ألا يمكن أن تعطونيها الآن؟
-لا يمكن.
-لماذا؟
بعد أن هز رأسه هزة فلاسفة قال:
-انك لم تستطع توصل الرأسين لبعض لأنك لا تفهم هذه الأمور. ممكن أن يموت ديانك هذا قبل الساعة الثانية بعد الظهر، فتخلص من دفع دينك – الأعمار بيد الله – ممكن أن تموت أنت فأخلص أنا من دفع الخمسين ليرة. من يعرف من الذي سيموت ومن الذي سيبقى حتى الساعة الثانية بعد الظهر.
لويت رقبتي وقلت:
-من أين لي هذا الحظ يا سيدي؟ أنا منحوس، الأعمار بيد الله، أليس من الممكن ألا يموت دياني ولا أموت أنا، ومن الممكن أن تموتوا أنتم ، فلا استطع أخذ الخمسين ليرة.
صارت الساعة الثانية بعد الظهر. لم يمت دياني، مديري ولا أنا.. ولكن مديري اختفى في تلك الساعة..
خرجت أبحث عمن أفرغ له ما في داخلي. أليس لنا أصدقاء مثقفون، أصحاب أفكار تقدمية، يرفعون الكأس في وجه الظلم معلنين عليه التمرد صارخين "فلتحيا العدالة"؟.. ذهبت إلى بيت أحدهم، أقول في نفسي لعله يساعدني.. البيت مزدحم بالضيوف، حكيت ما جرى لي. التفوا حولي، استمعوا إل  ي باهتمام.
حكايتي مؤلمة، حتى إنني مسكت نفسي بصعوبة عن البكاء.. ولكن الذين يستمعون إلي كانوا يضحكون، حتى أن ثمة فتاة جميلة، لكثرة ما ضحكت على حكايتي أفرغت مشروبها في رقبة الرجل الذي كان يسند رأسها إلى كتفه مع أني كنت أتكلم أشياء جدية كانوا يقولون الآن.
-اكسانتريك*
-للغرابة
-شيء لا يصدق!
-سرابرايز*
-ظريف.
مع أني كنت أتكلم عن أحزاني، ضيقي، غضبي، تَحملي، فأسليهم بما كنت أعاني منه.
رأيت بينهم امرأة سال الدمع من عينيها قلت لنفسي هذا نموذج للانسان الحساس ولكنها سرعان ما قالت:
-أي، دخت، نزلت دموعي لشدة الضحك.
كان يضحكهم كل ما أقوله. قالوا عندما كنت مغادراً:
-يا الله كم ضحكنا وسررنا، تفضلوا غداً واحكوا لنا من هذه الحكايات.
كنت بائساً. ذهبت في المساء التالي، إنها آخر محاولة.. لكنهم كانوا يجدون كل ما أقوله مضحكاً. في النهاية قال أحدهم:
-دخيلك كافي.
فرحت.. نهايتها وجدت من فهمني بينما كنت أفكر على هذا النحو. الا يقل:
-أي.. من الضحك. عذراً، على وشك أن أدوخ.
سكتُّ. تفحصتهم جميعاً. سيغمى عليهم من الضحك فعلاً .
صرخت:
-لِم ضحككم؟
قالوا :
-حياتك، كل شيء فيك.. وهل ما حكيته جرى لك؟
سمعت أصواتهم عندما كنت خارج من الباب:
-ما أجمل طريقة حكيه.
-حكى أشياء غريبة جداً.
-ما حكاه صحيح يا ترى؟
-لا ياروحي يؤلف من أجل أن يضحكنا..
عين  ي الاثنتان، ذبابة الحمار، أنت تعرفين أن حياتي كلها مرت هكذا، تزداد عل  ي صعوبة العيش، يضحكون عندما يتوجب عليهم البكاء. انتبهي لا تقولي لهم أنني مت لأنني لم أستطع أن أعبر عن ضيقي وحزني واضطرابي سيضحكون قائلين: "يالله كم اكسانتريك إذا أردت أن تريحيني قليلاً وأنا هنا، أرجو أن تلسعيهم بإبرتك الحادة..
أقبل أجنحتك البارقة الألوان تحت أشعة الشمس.
مع المحبة
حمار ميت.
الكاتب عزيز نيسين

وردت بالنص بالحروف التركية حسب اللفظ الإنكليزي، لذلك أدرجتها • ( to be or not to be )
بالعربية حسب اللفظ الإنكليزي.
•أغنية درامية طويلة في الأبرا.
•كلمة فرنسية بمعنى غير عادي أو ريب.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق