الاثنين، 13 مايو 2013

الحمار الميت منتظراً إرساله إلى الطب الشرعي

الرسالة العاشرة

عزيزتي ذبابة الحمار:
شك أطباء مشفى الإسعاف – الذين عاينوني – في موتي. سأل الطبيب – المكلف بإعطاء تقرير وفاتي لإرسالي إلى المشرحة – الممرضة عما إذا كنت ميتا بحق. قالت الممرضة:
-أنا نقلت كلام الخادمة يا دكتور. الخادمة قالت إنه ميت.
عصب الطبيب.
-أنا دقيق في عملي. لا أعطي تقريراً قبل أن أتأكد بشكل قطعي من موت الميت. لا يوثق هذه الأيام في حي أو ميت. يأتون إلى هنا ميتين – على قولهم – نثق بهم فنعطيهم تقريراً
"ميت، يدفن" بعدها لا يثبتون على كلمتهم. أما أن يدغدغون بينما المغسل يغسلهم أو يصحون حين إنزالهم إلى القبر، فيتمطمطون ثم يقفزون قائلين "آه، تأخرت عن شغلي."
قال الممرضة:
-صحيح يا دكتور، أتذكر المرأة العجوز التي أعطيتها تقرير وفاة ثم بعثثت.
-وضعت ثقتي بكلام كََنتِها .كيف لا أثق وقد جاءت لعندي في العيادة ، ما أجمل كلامها، ساعة كاملة تحكي لي كيف ماتت حماتها. لا يمكن إلا أن تثقي، كانت امرأة جميلة جداً، لايخطر ببال أحد أبداً أنها تكذب. كل الحق على الحياة كيفما كان، الجميع علم بموتكِ، انتهت كل معاملات إثبات الوفاة، الجيران والأقرباء أتوا للعزاء. بكى الباكون ، حزن الحزانى. أهم من ذلك أنني أعطيت تقرير وفاتها. أتممنا كل الأمور الروتينية. لم يبق أكثر من دقيقتين وتصبح تحت التراب.. أو يخرب الإنسان لعبة وصلت إلى هذا الحد. ما الذي ستستفيدنه من عدم موتك. ستموتين عاجلاً أم آجلاً.
-أنتم طلعتم بالخجلة.. لو كنت مكانك ، لقلت أن هذه المرأة ميتة، أو في عداد الأموات.
وقبرتهم إياهم بالقوة. أيصدقون الطبيب أم امرأة عجوز وجاهلة. كل الإشكالات تأتي من الجهل. شعبنا مع الأسف في منتهى الجهل .جاهل إلى حد أنه يموت ولا يعرف أنه مات.
هناك أناس بالرغم من أنهم موتى من زمن ولكن حتى الآن يذهبون هان وهناك ويدعون أنهم أحياء. من الممكن أن يكون الإنسان لا يعرف في كل شيء، ولكن يجب أن يسأل صاحب
المعرفة عما لا يعرفه. عندما يعطي الطبيب لإنسان تقرير وفاة يجب أن يفهم أنه توفي. لا يعيب الإنسان عدم معرفته بل يعيبه عدم تعلمه.
-جهل.
-أنا سألت المرأة التي بعثت. وهل ذهب كل هذا النحيب والبكاء، الحزن والعزاء، هباء. ثم من الذي سيصدقك ويبكي عليك من جديد إذا توفيت مرة أخرى..
سيقولون .. لا تبكي على الفاضي لعلها – وقد تعلمت – تحيا من جديد.
-عندما بعثت؟
-ما أهمية هذا.. في تاريخ الطب العالمي كثير من حوادث الإحياء هذه . عللت طبياً إحياء تلك المرأة.
كانا يتكلمان بقربي. سأل الطبيب الممرضة مرة أخرى:
-والآن، هل الرجل ميت بحق؟
-على قول الخادمة.
-نادي تلك الخادمة لنر.
نادت الممرضة الخادمة. و جه الطبيب سؤاله لها مشيراً إلي:
-قلت أن هذا الرجل ميت. أليس كذلك؟
-لم أكن الليلة الماضية مناوبة يا دكتور. كل ما أعرفه أن البواب قال "هذا الرجل ميت خذوه إلى المغسل."
ما فهمته، لكي لا يقع الطبيب في أي خطأ ولا يظلم أحداً. يريد إثبات موتي بشهادة الشهود.
وصلت إلى هذه النتيجة من خلال كلام الممرضة.
-أنا إنسان عاشق لمهنتي. لو كان مكاني طبيب آخر لجس نبضه، واستمع لدقات قلبه. أنا لا أكتفي بهذا ولكي لا أقع في أية ورطة مستقبلاً أشهد ثلاثة شهود على وفاته.. مرت على رأسي حوادث كثيرة.. كنت طبيباً مناوباً، شربت في يوم كنت فيه مناوباً.. لكثرة ما شربت لم اذكر كيف جاؤوا بي إلى المشفى. إيه ، شباب.. المشكلة أن ثلاثة من المرضى وجدوا في تلك
الليلة الزمن المناسب ليموتوا .قالوا "يا دكتور مات ثلاثة مرضى". "رحمهم الله" ماذا يمكنني أن أقول غير ذلك؟ علينا أن نذكر الأموات بالخير. قالت الممرضة المناوبة "أليس الواجب
معاينتهم لتقرير حالتهم". "هذا!.. معاينة" ولكن لكثرة ما شربت لم يعد في قوة للوقوف. المهم، سّندني الخدم من ذراعي، وأوقفوني أمسكت يد الميت جسست نبضه . آآآ.. الله الله .. نبض
الميت يضرب بسرعة قلت "أحضروا الميت الآخر". نبضه مثل السابق. الثالث كذلك. نبض الثلاثة ٩٠ "الثلاثة غير ميتين وحالتهم.. اذهبوا، ادهنوا ظهر كل منهم بحبة اسبرين كل
ساعة، بّلعوهم يود."
وهل أعرف ما قلت في نشوة سكري؟
قالت الممرضة "أليس من الأفضل أن ندهن لهم باليود ونبلعهم أسبرين؟.. "قلت "ممكن" "قالت
"الآن" "لأن الاسبرين يسرع القلب"..
قلت "بدلي الاسبرين بكينين"* ألا تقول "للكينين نفس المفعول يا سيدي". عندها غَضِبتُ،
صرخت "كل هذه السنين ممرضة ولا تعرفين دواء يخفف سرعة القلب، أعطيهم ما تريدين "
قالت عندما أمرض تسقيني أمي زهورات. أتريد أن أعطيهم زهورات" قلت "هق.. أعطيهم .. لأكتب لك.. هق.. وصفة زهورات .. هق .. "قالت" لا تفيد ، لا يوجد صيدلي في المشفى،
أذهب إلى الدكان وأشتري عن زكاتي قليلاً من الزهورات." ذهبت ونمت ثم أحسست أن أحداً يوقظني كأنني في حلم، سمعت "لا يأكلون" من الذي لا يأكل" "الموتى لا يأكلون الزهورات"
ذهبت، ألقيت نظرة وإذا بالخادمة تحشر الزهورات في أفواههم كأنها تعلف دابة. قلت "ألم تغلي الزهورات؟ ماء الزهورات سيشربون الممرضة لم تقل لي أغليه" "ألا تعرفين كيف تعطى الزهورات" "أنا لا أفهم بشغل البيت". "أين الممرضة؟" " ليست في غرفتها " نمت من جديد ولا أدري كم مر من الزمن وإذ بصوت "يا دكتور الموتى لا يشربون الزهورات!.." أنا في حالة سكر من جهة ونعاس من جهة أخرى." اضربوهم إبرة. "قالت "ابرة ماذا؟" "أي إبرة مما هو موجود في المشفى "قالت "لا يوجد في المشفى غير إبرة ش ّ كالة* قلت "ثبتي فيها شَقال قميصك الداخلي حتى لا يسحل" في تلك الأثناء أتى موظف القيود في المشفى وقال "ما المرض الذي سبب موتهم لأسجله بالدفتر؟" قلت "ليسوا أموات بل أحياء" قال غير ممكن يا دكتور، .. لأنهم عملوا عمليات "نبضهم ينبض". أمسكت يد أحد المرضى لأعاينه فقهقه الكاتب "بدلا من أن تجس نبضهم، تجس نبضك أنت!!".. تفوه.. من سكري كنت أجس يدي اليسرى باليمنى. ومن يومها كلما أردت أن أعطي تقرير وفاة.. أبحث عن شاهد – شاهدين. أتى البواب الذي أرسل خلفه الطبيب. سأله مشيراً إلي:
-هل الميت، ميت بحث؟؟
-ميت يا سيدي، ميت بحق؟؟
-كيف عرفت؟
-وهل معرفة ذلك أمر صعب .أنا بواب مشفى من ثلاثين سنة. كم من الموتى مر علي.. أصبحت خبيراً في الموتى.. حتى أنني بنظرة أعرف عمل الميت، مقدار دخله، عدد الأشخاص الذين يعيلهم...
-مادام هكذا، قل، كم كان دخله؟
-لا أكثر من أربعمئة ليرة.
-كيف عرفت؟
-انظر يا سيدي. خصره بثخانة رقبته، يكاد أن يقطع.
-ماذا كان يعمل؟
-لا أعرف بالضبط علمه متعب.. فوق ذلك يعيل أسرة كبيرة. خدوده تكاد تلمس بعضها من الداخل... عيناه غائرتان.. يعيل تقريبا ثمانية إلى عشرة أشخاص.
-كيف عرفت؟
-انظر إلى كتفيه .ساحلان إلى أسفل يوحيان لنا كم من الأحمال الثقيلة حمل.
-مات.. لو لم يكن شريفاً لما مات؟ كان ممكن أن يعيش مثل الآخرين.
-صحيح.
-إنه رجل ذكي..
-ماشي، بالنسبة لكل ما قلت، ولكن كيف عرفت أنه ذكي يا هوه..؟
-لو دققتم النظر يا دكتور، ترى بالرغم من كونه ميتاً يضحك بسخرية.
-بالمختصر، أنت شاهد على أنه ميت..
-نعم.
-وهل تعرف، لماذا مات؟
-كاتب المشفى يسجل اسم الذين لا يعرف أسباب موتهم "فيزيولوجية السفالة" من الواضح أن هذا مات لنفس السبب.
-صحيح. ولكني لا أزال أشك في أن هذا الرجل ميت.. أنا لا أتحمل مسؤليته. سأحوله
وأخلص منه.. ليحددوا في الطب الشرعي كيفية موته.. والشرطة من قَتله.
ذبابة الحمار ، خفت كثيراً. إلى أين سيحولني هذا الطبيب يا ترى؟ أتريدين أن أنتقل من مكان إلى مكان مثل معاملة في دائرة رسمية لم تدفع رشوتها.
قال الطبيب:
-سأحوله إلى الطب الشرعي، من أجل سلامة العمل.
خفت أن يرميني خارج باب المشفى قائلاً عليه أن يعيش غصباً عنه، لا يعد من الأموات وضعوني مع أموات آخرين في قبو المشفى ريثما يرسلوني إلى الطب الشرعي. كان المكان
بارداً جداً، لكي لا تفوح رائحتنا. ولكننا لا نهتم لا بحرارة ولا ببرودة.
ذبابة الحمار الحبيبة، سأحكي لك عما جرى لي في الطب الشرعي
حمار ميت
الكاتب عزيز نيسين
كينين: مادة تستخرج من شجر الكينا.
المقصود دبوس ش ّ كال. يستعمل في التركية نفس المفرد للدبوس والإبرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق