الجمعة، 17 مايو 2013

تبديل الميت الشاب بالميتة العجوز


الرسالة الرابعة عشرة


صديقة الروح ذبابة الحمار:
تعرفين إذا ما علِقت معاملة ما على طاولة في دائرة، كم من الأيام والشهور تبقى معلقة، هكذا علِقنا في قبو المشفى. فُتِح الباب في صباح أحد الأيام. تصايح الموتى..
-سنذهب إلى المشرحة، إلى المشرحة.
كتبت لك أن الأحياء لا يسمعون صوت الأموات. مثل الذين يعيشون في الدنيا لا يسمعون صوت من يظنون أنهم يعيشون.
دخل مستخدمان مع قروي في متوسط العمر. القروي يصرخ:
-أين ولدي؟
قال أحد المستخدمين:
-لن نأكل ولدك، ياه لماذا تصرخ؟ إذا لم يكن في أحد أجنحة المشفى فهو هنا بالتأكيد. كان القروي يقول:
-راح ولدي عينك، عينك.. ادخلته المشفى ويقولون أنه غير موجود. لا بد أنك أدخلته مكان آخر ..جّننوني.
قال المستخدم:
-وهل في استانبول وضخامتها مشفى واحدة؟ كيف تثبت أنك أدخلته إلى هنا. هنا مكان مثل البنك لا يمكن أن تضيع أمانه، ما عدا شراشف وبيوت لحف أسرة الدولة.
قال المستخدم الثاني:
-اذا كنت أدخلته إلى هنا، فهو هنا. لم نأكل ولدك، ياه. الأبواب مغلقة لا يستطيع الطير الخروج.
قال القروي:
-انا أدخلت ولدي إلى هنا، معي رقمه، هذا هو.
أخذ المستخدم الورقة المسجل فيها الرقم وبدأ البحث بين الموتى.
وقف عند رأس أحدهم وقال:
-هذا هو ولدك.. ( ما قلت ( لك أن لا شيء يضيع هنا. لو وضعت الذهب لا يأخذه أحد.
مشفى مثل البنك.. البحث عن رجل في المشفى، مثل البحث عن رقم ورقة اليانصيب في قائمة الاصدار. ستبحث في الأرقام المنتهية أولاً . بعدها في الأرقام الكاملة. إذا دخلت على مشفى فابحث بين الأموات بعدها بين الأحياء في الأجنحة.. هذه من أساسيات قواعد المشافي.
كانا يريانه المرأة العجوز على أنها ولده، نظر الرجل ثم قال:
-هذا ليس ولدي.
غضب المستخدم:
-ماذا تعني؟ أنكذب؟. الرقم نفسه.
قال القروي:
-الله، الله،.. ياهوه.. هذا لا يشبه ولدنا بالمرة.
-كم بقي ولدك في المشفى؟
-يوم الجمعة يكمل الأسبوعين.
هز المستخدم رأسه:
-لا حول.. يا أخي هذا مشفى، ينام الرجل في المشفى أسبوعين وتريد بعدها أن يعرف لو أدخلته مشفى خاصة يسمن فلا تعرفه. لو أدخلته مشفى عامة يضعف، فلا تعرفه ما هذا؟ مشفى.
لم يقتنع القروي بأي شكل:
-يا أخي ، خربطنا بهذا الولد يوم ولادته في مشفى التوليد. صار هناك خربطة، بدلوا لنا الولد لا تتبدل جثته هنا مرة أخرى.
-يا أخي الرقم نفسه، هذا هو.
انحنى القروي على المرأة العجوز وصرخ:
-يا لطيف!.. ياهو.. هذا ليس ولدنا، هذه حرمة، حرمة ختيارة,
فكر المستخدم قليلاً:
-يا هوه، ظهرت عملية جديدة، يجعلون الرجل إمرأة والمرأة رجلاً. يغيرون جنس الواحد، واضح أن ابنك غير جنسه.
القروي لم يقتنع.
-جميل يا أخي، كله ماشي. ولكن ابننا كان في العشرين. هذه حرمة مهترئة.
-الله .. الله ، عاش يا أخي. وهل الأطباء سيقتلون ابنك شاباً. أعطوا ولدك اسبيرين، كينين فأحيوه، بعدها ختيروه ثم قتلوه. خذه يا أخي، خذه من هنا.
حضن القروي المرأة العجوز على أنها ولده وبدأ النحيب.
-دخيلك يا بني، آه يا بني.. ما عرفتك. واخ يا بني.
وضع المستخدمان المرأة على نقالة وأخرجاها.
قال احد الأموات:
-ياهوه.. كم هذه المرأة محظوظة. خلصت وذهبت .ماذا يحدث لو طلع لي قروي وجعلني أمه أو حماته وأخذني من هنا.
سألت الميت المتكلم:
-أتعرف ماذا حدث لابن القروي؟
قال:
-أول البارحة أخذوه إلى المشرحة ولم يردوه. استغرب الأطباء موته. رأيي أن لا يستغربوا موته بل حياته، كيف يعيشون. أليس كذلك؟
أختي الحبيبة ذبابة الحمار. أتوق لمعرفة ما يحدث عندكم وما يقال عني. هل يقال "فقد لا يملأ مكانه" أم "نقص أحد الميكروبات؟" ليقولوا ما يقولوه. مت ياه. ليطُّق غيره من بقي بعدي. أنا
في المقدمة . تذكرت، كان لنا صديق شاعر ، نسيت اسمه ألا يزال هذا الغبي يظن نفسه يعيش. مع السلامة يا أختي ذبابة الحمار.
أخوك حمار ميت
الكاتب عزيز نيسين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق