الأربعاء، 15 مايو 2013

البحث عن قبر جميل فخم يناسب شرف العائلة

الرسالة الثانية عشرة

ذبابة الحمار الحبيبة:
لا أدري فيما إذا كانت رسائلي قد ضايقتك. لعلك تقولين لنفسك "لو مات رسمياً وخلصنا منه" آه لو مت رسمياً، وخلصتُ، وخصلتِ أنت أيضاً.. ولكن، كما ذكرت لك سابقاً، لا العيش سهل ولا الموت سهل، لعل الموت سهل لكن الميتة رسمياً تطول لا تقولي، وهل تبقى معاملات رسمية بعد الموت.. موجودة متِ أم لم تموتي. عرفت من أصدقائي الأموات الذين معي في القبو تفاصيل (الموت رسمياً). بينما كان مستخدمان يخرجان ميتاً قالت المرأة المتمددة بجانبي:
-أي حظ لهذا الرجل، هذا هم يأخذونه ولم يمر أربعة أيام على إحضاره إلى هنا. لو تنتهي معاملتنا ونخرج من هنا. لا بد أن مع هذا الرجل (كرت (واسطة!
قلت للمرأة:
-ما الذي تقولينه يا خالة. نحن هنا كلنا أموات وهل للميت حظ، (كرت ) واسطة أو معاملة.
قالت:
-طبيعي أنتم هنا جدد، لذا لا تعرفون، أخذوني مثلا في اليوم الذي مت فيه، طلبوني للجيش ضحِكتُ بشدة. قالت المرأة العجوز:
-هس، لا تزودها، لا يليق بالأموات أن يفعلوا فعل الأحياء.
-ماشي، ولكنك تبدين في الستين من عمرك على الأقل، عدا عن أنك امرأة.
-عمري سبع وستون سنة. يتوجب على أولادي إثبات سني بالأدلة حتى لا يسحبوني إلى الجيش، ثم يجب أن أحصل على قرار المحكمة بكوني امرأة. بعدها يّثبت موتي وإلا سيسحبوني إلى الجيش.
-لماذا لا يتحرك أولادك لعمل هذه الأشياء؟
-تحركوا كثيراً. أثبتوا أني امرأة في السابعة والستين من العمر. ولكن ليس من صالحهم أن يثبتوا موتي.
-لماذا؟
-لأن بطاقة الفحم باسمي، تعرفون ما أصعب إخراج بطاقة فحم جديدة. عندي حق استلام طن من فحم الكوك كل شتاء. يبطلون البطاقة فيما إذا علموا بموتي. الله أعلم كم شتاء سيرتجف
من في البيت لشدة البرد. لا يريدون إثبات وفاتي يستمروا باستلام الفحم .سيسوقونني إلى الجيش إذا لم يثبتوا وفاتي من جهة ولا يحصلون على إرثهم مني، من جهة أخرى. هذه عقدتي المستعصية. أولادي احتاروا، بين أن يتنازلوا عن الميراث وبطاقة الفحم أو يرسلوني إلى الجيش... لم يستطيعوا إعطاء قرار. لهذا أنتظر.. انظر، أترى ذاك الشاب، قبل أن يموت بيومين صدر قرار بالقبض عليه. لهذا ينتظر هنا... من أين لهم أن يفهموا أنه متمدد على أنه ميت ليتخلص من السجن؟..
-ألا يفهم الأطباء؟
الله يا بني الأطباء لا يفهمون في الأحياء من أين لهم أن يفهموا في الأموات.. انظر تلك المرأة المتمددة عند حافة الجدار، ماتت وبعثت تسع مرات. تتمدد بطولها على الأرض قائلة "لم يبق
لهذه الدنيا طعم أو نكهة، أصبحت لا تطاق "..يوصلونها حتى المدفن، عندها ترجع بقرارها وتنهض.
-لو كنت مكان الأطباء، لأسرعت في دفنها.
-يووه، ليس عند الأطباء وقت يحكون فيه رأسهم، يأتون كل صباح يستعرضون المرضى حتى الساعة الحادية عشرة . لذلك، أحضروا المرأة إلى هنا لتنتظر، عندها يفهمون إن كانت قد ماتت نهائياً. ثم ينهون معاملتها ويدفنونها .
في تلك الأثناء خرج صوت خشن، قال:
-تطول المعاملة..
نظرت وإذا بميت عجوز حسن الهندام يتكلم ، فقلت:
-وهل متم أيضاً؟
قال بصوت فيه قوة وصلابة:
-لا لم أمت. توفيت. ألا تقرأون الصحف؟
-أقرأها.
-ألم تقرأ نبأ وفاتي في الصحف؟ كل الصحف كتبت..
قاطعته قائلاً:
-مقالة؟
-لا . صفحتين لإعلان وفاتي، طلب إعلانها كل من عائلتي، شركاتي والشركات التي أسستها. لو كان الإنسان أعور لرأى كل هذه الإعلانات.
-لم ألحظها.
-صدقوني، جمال إعلانهم عن وفاتي جعلني في غاية السرور من الوفاة.. الإعلان بذاكرتي.. سأقرأه غيباً.... "فقدان غال" "فقدان مؤلم" "والدنا ، زوجنا، حمونا، ابننا، صهرنا، أحد رجال
الأعمال في بلدنا، مؤسس شركة "خذ وهات" أحد كبار مساهمي شركة "تعال خذ" أحد أحفاد الصدر الأعظم سليمان صولو باشا حفيد محمود باشا، ابن أخت قاسم باشا أخو صهر بيرم باشا...
كان سيعد قائمة بطوله لكني قلت:
-لقد عرفت حضرتكم يا سيد، لا تكلفوا أنفسكم جهداً، إنكم منهم ..
استمر الرجل:
) -إرتحل إلى دار البقاء ، للقاء وجه ربه الرحمن الرحيم في استراحته الأبدية(..
صرخت:
-عرفتكم يا سيدي، عرفتكم.. ولكن لماذا تنتظرون هنا وهل لأمثالكم معاملة؟
-لم يجدوا لي قبراً. طبيعي لدينا مقبرة العائلة، لكنها قديمة، والفقراء يدفنون أمواتهم فيها.
سينشئون لي قبراً في المقبرة الجديدة، ولكن لم يبق مكان قبر في الدرجة الممتازة. تعلمون على أية حال أن أمكنة القبور اليوم في السوق السوداء. هناك خارج السوق السوداء بعض
القبور ولكن أمكنتها غير جيدة. لن تعجب عائلتي. يبحثون عن مكان قبر جميل المنظر.
-ما أهمية جمال مكان القبر بعد موت الإنسان.
-ليس من أجلي بل من أجل من سيزورونني، يريد أقربائي عند مجيئهم – حاملي الورد – لزيارتي أن يقفوا ليبكوا ويعبروا عن تأثرهم في مكان جميل .على الأرجح سيبكون أنفسهم
أكثر مني قائلين: "ذهبت وتركت هذه الدنيا الجميلة" . لذا يجب أن يكون منظر قبري أمامهم جميلاً.. إذا كان منظر القبر قبيحاً فعلى ماذا سيبكون، ليس هذا هو السبب الوحيد بالطبع. هناك شرف العائلة. يريدون قبراً يناسب شرف عائلتنا.. عندما يصل الموضوع إلى الشرف يجب أن يشتروا مكان قبر من السوق السوداء .توفي أحد مؤسسي الشركات المنافسة لنا قبل ثلاثة أشهر. وجدوا له في السوق السوداء مكان قبر جميل جدا لو اشتروا لي قبرا أرخص من قبره سيتمرغ شرفنا بالتراب من جهة وينخفض اعتبار شركتنا من جهة ثانية. أفهمتهم؟ لهذا السبب يبحث شركائي عن مكان غالٍ جداً.
-هل وجدوا؟
-أمن الممكن ألا يجدوا؟ اشترت شركتنا كافة أمنة القبور في السوق السوداء هذا يعني أنني؟ أنا اشتريتها. الأمكنة عندنا. إذا أسرعوا بدفني سينزل سعر أمكنة القبور في السوق السوداء.
يمطونها قليلاً للدعاية، وبالتالي ترتفع أسعارها.. فهمتم؟
-فهمت يا سيدي...
أختي الحبيبة ذبابة الحمار كم من الأشياء هنا يكتب عنها ليس لدنيا الأحياء مكان جانب دنيا الأموات. يخطر ببالي أحياناً أن أعود عن الموت. لو كنت أعرف أن الموت صعب كل هذه الصعوبة لما عّلقت نفسي، سأتنفس الصعداء لو انتهت معاملتي ومت رسمياً.
أختي ذبابة الحمار إذا أردت أن تموتي فاختاري الوقت المناسب. إذا استمرينا على ما نحن عليه، ستصبح فيه كل القبور في السوق السوداء. ماذا ستفعلين حينها؟ لا تستطيعين أن تموتي.
أقبل عينيك بشوق.
سلام ومحبة
حمار ميت
عزيز نيسن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق