الاثنين، 14 يناير 2013

هل تراجع النفوذ الإقليمي لإيران بعد الربيع العربي؟

شهرام شوبين
 عرض : طارق راشد عليان: باحث علوم سياسية

على امتداد سنوات العقد المنصرم، لم تحظ منطقة من مناطق العالم بأهمية أكبر مما حظيت به منطقة الشرق الأوسط، وتوجد في مركز هذه المنطقة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، التي أثارت قلق جيرانها الخليجيين بشأن أهدافها ،بحسب دراسة حديثة صادرة عن "مركز الخليج للأبحاث"، ومقره جنيف بسويسرا، في سبتمبر من العام الجاري 2012.
ووفقًا للدراسة التي جاءت بعنوان "إيران والربيع العربي: إفساد مساعي الهيمنة"، فإنه لا يمكن فصل سياسة إيران الإقليمية عن نهج طهران تجاه الولايات المتحدة. فلقد كانت مواجهة الولايات المتحدة والنظام الإقليمي الذي ترعاه تمثل مصلحة جوهرية بالنسبة لإيران منذ قيام الثورة الإسلامية.وفي العقد الماضي، صار الهدف قريبًا على نحوٍ مُغرٍ، ثم لم يلبث أن جاء الربيع العربي في سنة 2011 وأطاح به. ومنذ ذلك الحين، واجهت إيران بيئة إقليمية تُظهر درجة أقل من سلاسة الانقياد، وذلك في ظل ضعف الحلفاء، وازدياد قوة الخصوم، واتجاه الأنظمة الجديدة بعد الربيع العربي لرفض التدخلات الخارجية.


الجغرافيا السياسية للمنطقة
لم يفسح الربيع العربي بَعدُ الطريق للصيف المنشود – كما تشير الدراسة- ، لكن بالنسبة لإيران، تحول هذا الربيع بالفعل إلى "شتاء ساخط"، حيث تجد رسالتها الثورية ضعيفة، وأن الأحداث تجاوزتها، خاصة مع ضعف حليفها السوري وزيادة السخط في المنطقة على دورها في مساندة نظام بشار الأسد. ولم يُفضِ عدم الاستقرار الإقليمي واسع الانتشار إلى توسيع قوة إيران ونفوذها، حيث وجدت طهران نفسها في موقف رد الفعل تجاه الأحداث، بدلا من توجيه هذه الأحداث.
وكما تشير الدراسة، فلقد كانت التكتيكات الإيرانية في مرحلة ما قبل الربيع العربي أن تكون طهران في وضع لا يتسنى فيه حسم أية قضية إقليمية دون الرجوع إليها، مثل الاتحاد السوفيتي السابق أثناء الحرب الباردة .
ولضمان هذا، فإنها تتواجد في القضايا كافة، سواء بغرض اتقاء نتيجة غير مرغوب فيها، أو اكتساب أوراق تفاوضية تبادلها بأشياء ذات مصلحة مباشرة أكبر بالنسبة لها، وهو ما كان يعني ضمنًا وجودًا إيرانيًّا في كل أنحاء المنطقة على الصعيد السياسي، واستثمارًا شاملا في الجماعات الشيعية والسنية (حزب الله وحركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي) أو في جيش المهدي وحزب الدعوة الإسلاميةوالمجلس الأعلى الإسلامي العراقي كما في العراق، وفي القوات المناهضة لطالبان والمؤيدة لها في أفغانستان، بما في ذلك تنظيم "القاعدة". وكانت أداة هذا الانخراط الإقليمي هو فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني.

إيران وتحديات ما بعد الربيع العربي
لقد خلف الربيع العربي، بحسب الدراسة، تحديات للنفوذ الإيراني ومنها تشديد العقوبات الدولية وزيادة الصدع الطائفي في المنطقة الذي لا يصب في مصلحة طهران، إضافة إلى الوحدة والتصميم الجديدين من جانب مجلس التعاون الخليجي لمواجهة إيران إذا لزم الأمر، وتخلي حماس عن "جبهة الممانعة"، وتضاؤل جاذبية إيران الإقليمية، وضعف -إن لم يكن انهيار- نظام الأسد في سوريا .في مواجهة هذه الأوضاع، فإن إيران تمتلك من الناحية النظرية، ثلاثة بدائل للتعامل مع هذه التحديات، وهي على النحو التالي:
- إبداء المرونة في المفاوضات الدولية والسعي إلى إيقاف العقوبات، ويشمل هذا محاولات العثور على عملاء جدد للنفط، والالتفاف على العقوبات بطريقة مبتكرة، والعثور على حلفاء جدد. وعليه سيكون هناك سعي نحو تسوية (استراتيجية) بشأن القضية النووية لتقليص هذه الضغوط.
- مقاومة هذه القيود الجديدة في المنطقة من خلال تصعيد الهجوم إقليميًّا لتحسين موقفها التفاوضي (على سبيل المثال، زيادة التكاليف في سوريا واليمن).
- الرضوخ والتعايش مع الواقع الجديد، مع التأكيد على منافع الاعتماد على النفس، والتصميم على عدم ثنيها عن مبادئها، والرضا بتحمل الضغوط بتسويات و"تنازلات" تكتيكية دون التنازل عن شيء جوهري كثير، أو التخلي عن دورها الثوري.
إن أحد التعقيدات بالنسبة لإيران في مرحلة ما بعد الربيع العربي هو ارتباط دورها الإقليمي الثوري بشرعية نظامها الداخلي، فهل تحتمل إيران سياسيًّا أن تتخلى عن "الإحساس بأنها محاطة بالأعداء"، وهو الإحساس الذي تستغله داخليا، بحسب الدراسة.
الواقع أن إيران فعلت أشياء من البدائل الثلاثة ، مستخدمة المفاوضات النووية للإيحاء بمرونتها، ساعية إلى إحداث انقسام بين مجموعة الدول الست (5 + 1)، مع وجود بعض الاستجابة في روسيا والصين. وقد لجأت إيران إلى بيع نفطها سرًّا (أي عن طريق التجار) لا عن طريق الحكومات. وعلى الرغم من ذلك، انخفضت المبيعات وخُفّضت الأسعار، وبالتالي فإن تكلفة العقوبات ملموسة.
وأشارت الدراسة إلى أنه كثيرًا ما هددت إيران بالإقدام على فعل متهور إذا ضُيق عليها الخناق، مستشهدة بفرضية "إما الجميع بمأمن أو لا أحد"، وهي مقولة سعت إيران إلى تفعيلها أثناء "حرب الناقلات" مع العراق، في ثمانينيات القرن الماضي. وقد انتهى هذا الحدث نهاية غير سارة بالنسبة لإيران، على الرغم من الذاكرة الانتقائية.
وكما رأينا، فإن إيران "تقاوم" إقليميًّا في اليمن وسوريا وربما العراق، وكذلك في "حرب الظل" بينها وبين إسرائيل. وقد تواصل فعل ذلك لكن من غير المرجح أن تشن "هجومًا"، لأن هذا سيثير ردود أفعال من القوات الأمريكية الموجودة قريبًا منها. كما أن هناك الجبهة المحلية، حيث تسمي إيران العقوبات نعمة واختبارًا لمبادئ الثورة، ولا سيما الصمود. وسوف تتأكد من أنه على الرغم من التضخم، فإن جمهور أنصارها الأساسي لم يتأثر سلبيًّا، وسوف يسعى إلى أن يُنحِي باللائمة في هذه المصاعب التي تعيشها البلاد على القوى الخارجية، مع المناداة بالوحدة الداخلية بدلا من التنافس الفئوي أو نقد الذات.

مستقبل النفوذ الإيراني

السؤال الذي يفرض نفسه في الدراسة هو: ماذا عن النفوذ الإيراني بعد الربيع العربي في المنطقة؟ .. اللافت أنه في الوقت الذي يعد فيه تيار الإسلام السياسي الفائز الأكبر من الربيع العربي ، فإن إيران من أكبر الخاسرين، بحسب ما أفادت الدراسة.
وذهبت الدراسة إلى القول بأن إيران لم تكن مستعدة للربيع العربي، على العكس من باقي الدول الأخرى، مضيفة أن إيران تفاجأت بالوحدة الخليجية إزاء ما يحدث في البحرين. ويبدو أن إيران لم تكن راغبة في المجازفة بعلاقاتها مع باقي دول الخليج العربي بسبب مستقبل البحرين.وقد تطورت التصورات العربية عن إيران، حتى صار العرب يرونها تأخذ مكان إسرائيل بوصفها تمثل تهديدًا كبيرًا لهم، إذْ هم الآن يرون جارتهم الفارسية كـ"دولة تمارس الهيمنة، وتحاول تنفيذ سياسات تدخلية بشكل عدواني وربما تكون توسعية..".
وترى الدراسة أن إيران ربما تعاني من مواطن ضعف في الداخل، لكنها ليست على وشك الانهيار، حيث يستفيد النظام من الشروخ المجتمعية التي ما زالت تعطيه جماهيرية كبيرة بدرجة كافية للبقاء في السلطة بالقوة متى دعت الضرورة إلى ذلك.إن ما يمكنه أن يغيّر الأمور في إيران هو مزيج من تراجع كبير وعاجل ومستدام في أسعار النفط، وانخفاض الطاقة الإنتاجية، والأثر التراكمي المؤلم للعقوبات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق