‏إظهار الرسائل ذات التسميات مختارات. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات مختارات. إظهار كافة الرسائل

الأحد، 9 يونيو 2013

الرسالة الحادية عشر

بســم اللــه الرحمــن الرحيــم

من عبدِ اللهِ قِس بن سَاعدة إلى أميرِ المُؤمنينَ عُمرَ بن الخَطابِ ،
سلام الله عليك ورحمته وبركاته وبعد :

بلغنِي يا مولايَ أنَّ رجُلاً جاءَكَ وقالَ لكَ : " يا أميرَ المُؤمنينَ لوْ أوصيتَ لابنكَ عبدِ اللهِ بالخلافَةِ من بعدِكَ فإنَّه أهلٌ لهَا "
فقلتَ : " قاتلكَ الله ، أُشهدُ اللهَ على مقتكَ ، كيف أوصي له بالخلافة وفي المسلمينَ من هو خيرٌ منه ! "

هكذا كانت الإمارةُ في عهدِكَ لا يتوَلاها خيِّرٌ وفي المُسلمينَ أخيرَ منه ، وإن الخِيَارَ عندكَ ليُعرفونَ بقربهم من اللهِ ، أمَّا اليومَ فحكامُنا أراذِلنَا يَحجُّونَ للبيتِ الأبيضِ ، ويُقبّلونَ يدَ الرَّئيسِ الأسودِ ، ويَسعَونَ بينَ صَفا مَجلسِ الأمنِ ومروةَ هيئةِ الأمَمِ المُتَّحدةِ !

أمَّا كيفَ يتبَادلُونَ السُّلطةَ فإننا وللهِ الحمدُ كالنَّملِ ، البعضُ منَّا يُولدُونَ أمراءَ ويمُوتُونَ مُلوكاً ، والبَعضُ الآخَرُ يُولدُونَ ويَموتُونَ رعيّةً !
كمَا أننا وللهِ الحمدُ لم نكتفِ بتقليدِ حيَاةِ النَّملِ في شُؤونِنَا السَّياسيَّةِ فقط ، بلْ إننا نصطفُّ جيداً في طَوابير !
طَابورٌ على بَابِ الدَّيوانِ يمسَحُ بلاطَ الوَالِي بمَاءِ وجهِهِ ، وطَابُورٌ يدفَعُ فَاتُورةَ المَاءِ والكَهربَاءِ ، وطَابُورٌ على بَابِ المُستَشفى الحُكوميّ لا يجِدُ له سَريراً ، وحدَه الصَّفُ الأولُ في صَلاةِ الفَجرِ لا يكتمل !

ويُؤسفني يا مَولايَ أن أُخبركَ أنَّه يُصادِفُ في هذه الأيام ذِكرَى النَّكسةِ ، والنَّكسةُ هي هَزيمةُ ستَّة جُيوشٍ عَربيَّةٍ مُجتمعَةٍ أمَامَ " إسرائيل " ، ومَا كَانَ لكَثرةٍ أنْ تَنتَصِرَ تَحتَ رايَةٍ جَاهليَّةٍ مَهمَا كَانَ عدُوُّهَا حَقيراً !
ورَغَم هَذا لم نتعلم مِن الدَّرسِ شيئاً ، ومَا زِلنَا نَحنُ نحن ، نَبحثُ عن رايةٍ ، جَرَّبنَا الشُّيوعيَّةَ مرَّةً ، وجَرَّبنَا القَوميَّةَ مرَّةً ، واعتَصمنَا بالنِّيتُو مرَّةً ، وبأمرِيكَا مَرَّةً ، فَما زَادُونا إلا ذُلاً ، فَماذَا تَقولُ لأمَّةٍ تَرَكَ فِيها نَبِيُّهَا رايَتَه السَّودَاءَ فَأبتْ إلا أنْ تَرفَع رايَةً بيْضَاءَ وتستسلم وتركع !

وإنّي لأبَشِّركَ يَا مَولايَ أنَّ الخِرافَ فِي زَريبَةِ مَجلسِ الشَّعبِ السُّوريّ اكتمَلَ نِصَابُهم في الجَلسَةِ الأخِيرةِ وقَدْ وقَفَ فِيهم مُسيلمَةُ الشَّامِ خطيباً يُخبرهُم أنَّ النَبِيّ صلى الله عليه وسلم لمْ يَقُمْ بِحرُوبِهِ لأجلِ الدَّمِ ولكن لحفظِ الرِّسَالة ، وأنَّه يُقاتِل الناس لذاتِ السَّببِ
وكَانَ ابنُ حَافِظِ النَّعجةِ قَابَ قَوسينِ أو أدنَى أن يُخبرهُم أنَّ جِبريلَ قدْ نَزلَ عليه ولو قَالهَا لصَفقُّوا له فالغِلمانُ في السِّيركِ يشتَدُّ تَصفيقُهُم كلَّما كانَ المُهرِّجُ أبلهاَ !

وَسكتَ أحمدُ حسُّون كبيرُ كَهنةِ مسيلمة وحَاخَامه الأكبَر ، أمَّا البُوطِيّ الذي أضَلَّه اللهُ على عِلمٍ فمَا رأى في الشَّعبِ إلا حُثالةً ، ولمَّا كانت الأمَّةُ في مَخَاضٍ أرادَ اللهُ أنْ يميزَ الخَبيثَ مِن الطَّيبِ !

وبمَا أنّ اليَومَ للبِشَاراتِ فأنِّي أُبشِّرُكَ أنَّنَا كالجَسدِ الوَاحدِ إذا اشتكَى منه عضْوٌ تدَاعَى له سَائِرُ الأعضَاءِ بالعُهْرِ والرَّقصِ ! فهَا هِيَ مَادُونَا تأتِي من بيتِ المَقدِسِ الذي تَسَلَّمتَ مَفاتيحه يومَ أتيتَ مَاشياً وغُلامُكَ راكبُ وفِي ثوبِكَ سبعَةَ عشَرَ رقعةٍ إلى " أبو ظبي " ورَقَصتْ حتّى مَطلعِ الفَجرِ فَقد بلغَ حُكَّامَ المُسلمينَ أنَّ النَبِيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلّمَ لم يَقُلْ أخرِجُوا المُشركينَ من جَزيرةِ العَربِ بل قالَ أحضِرُوا الرَّاقصاتِ إلى جَزيرةِ العَربِ !
ومَا خَرجَ علينَا ضَاحِي خَلفانَ هذه المَرَة يُحدِّثُنا عن الأمِنِ القَوميِّ فالقَادِمُ من " إسرائيل " لا يُهدِّدُ الأمنَ القَومِيَّ والأخلاقِيَّ بعُرفِ شَارلُوك هُولمز العَرب !

أما في مِصرَ فقد نَجَا فِرعونُ ببدنِهِ لا ليكونَ لمن خَلفَه آيةً بل لينتظرَ الإفراج في ظلِّ قانونٍ يُطلقُ محكومَ المُؤبَّد إذا بلغَ الخامسة والثمانين التي سيبُلغها بعدَ ثلاثة أشهر !
وقد أعطُوا ابنَه علاء بَراءَةً وقَالُوا له : " سنَشُدُّ عضُدَكَ بأَخيكَ "
جمال بَراءَةٌ أيضاً !
وتَفرَّقَ دَمُ الذينَ مَاتُوا في الثَّورةِ بينَ القَبائِلِ ولم تَعثُر المَحكمَةُ من بينِ ثُلَّةِ القَتلةِ على قاتلٍ واحدٍ يحمِلُ دمَهُم !
وأنتَ الذي قضيتَ بقتل رجلينِ تآمرا لقتلِ مُسلمٍ واحدٍ
فقيلَ لكَ : يا أميرَ المُؤمنينَ ، أتقتُلُ رجلينِ برجُلٍ ؟
فقلتَ : واللهِ لو أنَّ أهلَ صنعاءَ تآمرُوا على قتلِ مُسلمٍ واحدٍ لقتلتهم به !
هكذا هي الحُكَّامُ إما أن تجعلَ الرَّعيةَ غاليةً أو تجعلَ دمهَا بخساً !

هذِه بعضُ أخبارِ دولتكَ والبقيَّةُ تأتيكَ إن كانَ في العُمرِ بقيَّةٌ ، ولوقتِهَا قُبلاتِي ليديكَ وسَلامِي لصَاحبيكَ .
أدهم شرقاوي
 

السبت، 8 يونيو 2013

الرسالة العاشرة

بسم الله الرحمن الرحيم


من عبدِ اللهِ قِس بِن سَاعدة إلى أميرِ المُؤمنينَ عُمر بن الخَطابِ سَلامُ اللهِ عليكَ ورحمتُه وبركاتُه وبعد :

بلغَنِي يا مَولايَ أنَّ الهُرمزانَ وزيرَ فَارسَ لمَّا رآكَ نائماً تَحتَ شَجرةٍ بِلا جَهازِ مُخابراتٍ يَحرُسُكَ ، ولا أمنِ دَولةٍ يُظللكَ قَالَ قولتَه المَشهُورةَ : " حكمتَ فعدَلتَ فأمنتَ فنمتَ "
وَقدْ أطلقَهَا حَافِظُ إبراهِيمَ مِلءَ الكَونِ شِعراً
فقالَ قولةَ حقٍّ أصبحــتْ مثلاَ
وأَصبحَ الجيلُ بعدَ الجيلِ يَرويهَا
أمنتَ لمَّا أقمتَ العــدلَ بينهُم
فنمتَ نومَ قريرِ العينِ هانيـها

لنْ أُحدثكَ يا مَولايَ عن حُكامنَا اليومَ فكُلُّهم مُجتمعينَ أرخَصُ عندِي من هذهِ الورقَة التي أكتبُ لكَ عليهَا ، والحَديثُ عنهُم بعدَ مُقدِّمةٍ كهذِه سيبدُو نوعاً منَ المُقَارنةِ ، وإنَّهُم لخَسئوا أنْ يَجلسُوا فِي مُقارنةٍ عَلى طَرفِهَا الآخر أنتَ ! فإنَّ السَّيفَ ينقُصُ قَدره إنْ قيلَ إنَّ السَّيفَ أمضَى من العَصَا
سَبَقَ وأخبرتُكَ يَا مَولايَ أنَّ الجَامعةَ العربيّة دخَلتْ على الخَطِّ في سُوريَا وأنها على مَدى تَاريخِها لم تَضعْ يَدهَا في مُشكلةٍ إلا زَادتهَا تَعقيداً ، وقَدْ حدَثَ مَا كنتُ أخشَاهُ فعلاً ، فقد اجتمعت الجَامعةُ على ضَلالةٍ كَعَادتِها و أرسلت شُهودَ الزُّورِ إلى هناك ، وإنّ نبيلَ العَربيّ قبلَ أن يُرسلهم أعطَاهُم مُحاضَرةً في غضِّ البَصرِ ، وأخبرهم أنه من راقبَ النَّاسَ ماتَ همّا !

وبشّارُ الأسد تَعبَ من القَتلِ الفَرديّ فأعلنَ بِدايةَ موسِمِ الحَصادِ باكراً ، فهو يفجّر ويعلّقُ دمَاءَ النّاسِ على مِشجبِ القَاعدة !
تَعبَ القَاتلُ ولكنَّ القَتيلَ لم يتعبْ ! فأحفادُ أبي بكرٍ مَا زَالُوا يَطلبُونَ الموت لتُوهبَ لهم الحَياة !

والكل يخافُ من الحياة هناك !

نصرُ اللهِ مَا زالَ على ضَلالِهِ القَديم يُسبَّحُ بحمدِ خَامنئِي ويرتَعدُ فَرَقاً مِن مِئذنةِ المَسجدِ العُمري !

ومنبرُ المَسجدِ الأمويّ يقولُ لحسُّون : انظرْ تحتكَ ، وقفْ على رأسِكَ تماماَ حيثُ كانَ حفيدكَ عُمر بن عبدِ العَزيزِ يضَعُ قَدمَه ليخُطبَ في النَّاسِ بهديكَ " مُنذُ متَى استعبدتُم الناسَ وقد ولدتهُم أمهاتُهُم أحرارا "

وإذ ذاكَ خَرجَ علينَا مِشعلُ عبرَ الجَزيرةِ يُحدِّثُنا عن الوفَاءِ لنظَامِ بشَّار الأسد المُقاوم !

هَذا النِّظامُ المقَاومُ الذي له أرضٌ مُحتلة مُنذ أربعينَ عاماً لم يطلقْ طَلقةً واحدةً لاستعادَتِها ، وطَوالَ هذه المُدّة كانَ كالقَرعةِ تَتَحَالى بِشعرِ بنتِ أُختِها !

مُتنَاسياً أنَّ رامِي مَخلوف قَدْ سبَقه وأعلنَ أنَّ نِظَامَ بشَّار جَارُ رضىً وضَرورةٌ مِن ضَروراتِ أمنِ إسرائِيل

هِيَ المَصالحُ فوقَ المَبادىء يا مَولايَ وقَد قَالوا قَديماً : من يأكلُ من خُبزِ السلطانِ يُحاربُ بسيفِه !

وبينَ القَاتِل والقَتيل يقفُ المَجلسُ الإنتقاليّ حِصَانُ طِروادةَ يَختبىءُ الغربُ داخِله ليضمنَ مصالحه حين تسقطُ ورقةُ التوتِ الأخيرة عن النظام !
 
أما في البلاد التي حطمت أصنامَها فقد وصَل الإسلاميونَ إلى السُّلطةِ وبقي الإسلامُ بعيداً كمَا كان !

وسَارعَ الإسلاميون لطمأَنةِ الغَربِ بأنَّهم بديلٌ مقبولٌ ووسطي وفاهم للسياسةِ الدّوليةِ ولعبةِ المَصالحِ وحربِ التَّجاذباتِ فَرُقِّعت الدَّساتيرُ القديمة بما يُشبه الإستنساخَ وقيل : إن الإسلامَ مصدر أساسيّ من مَصادرِ التَّشريعِ مُتناسينَ أن الإسلامَ لا يقبلُ شراكةَ أحدٍ في التَّشريعِ !
ولا أحدَ يعرفُ كيفَ يكونُ الإسلامُ مصدراً من مصَادرِ التَّشريعِ في ظِلِّ " من " التبعيضية هذه والربا قائم والحدود معطلة في أحسن الحالات ! وفي أسوئها يؤكد الغنوشي أن تعدد الزوجات ما زال حراماً كما كانَ زمن بن علي !

الإسلامُ لم يأتِ ليُعلِّمَ الناسَ الطب والهندسة والفلك وإن كان حثهم على إصلاح دُنياهم عن طريقِ إتقانِ هذه العُلوم .
الإسلامُ جاء ليقدم للناس نظاما فريداً في الحكم فلا يقبل الجمهوريات المدنية ، ولا الدكتاتوريات الجبرية ، ولا الملكيات التي يتوارث فيها أفراد العائلات الحاكمة رقاب الناس !
إن أي نظام حكم غير نظام الخلافة هو محاولة سرقة الحكم باسم الإسلام فالحكمُ في الإسلام هو عقدُ بيعةٍ بين الأمةِ والخَليفة تلتزمُ فيه الأمة بالسمع والطاعة في المنشط والمكره ويلتزم فيه الخليفة برعاية مصالحها وتدبير شؤونها ضمن ما شرعه الله .
فالدولة سلطة تنفيذية لا سلطة تشريعية !
والحلال والحرام ليس شأنا بشريا يفتي فيه الناس أو تقره المجالس النيابية بفكرها البشري القاصر بل هو نظام علوي متكامل يشمل كل مناحي الحياة الأسرية والإقتصادية والقضائية وينظم علاقة المسلمين افرادا ودولة بغير المسلمين أفرادا ودُولا كذلك على الخليفة وأعوانه أن يطبقوه لا أن يلتفوا عليه !
هذه بعض أخبار دولتك يا مولاي والبقية تأتيك إن كان في العمر بقية ولوقتها قبلاتي ليديك وسلامي لصاحبيك .
أدهم شرقاوي

الجمعة، 7 يونيو 2013

الرسالة التاسعة

بسم الله الرحمن الرحيم

مِن عَبدِ اللهِ قِس بِن سَاعِدَة إلى أَميرِ المُؤمِنينَ عُمرَ بن الخَطَّابِ ، سَلامُ اللهِ عَليكَ وَرَحمَتُه وبَركَاتُه وبَعد :

بَلغَنِي يَا مَولايَ أنَّ حَفيدَكَ عُمَرَ بن عَبدِ العَزِيزِ لمَّا أنفَقَ على الرَّعِيَّةِ كُلَّ مَا فِي بَيتِ مَالِ المُسلِمينَ غَسَلَهُ بالمَاءِ والصَّابُونِ ، وصَلَّى فِيهِ رَكعَتينِ ، فَقد كَانَت الدَّولَةُ وقتَذَاكَ دَولَةَ رِعَايَةٍ ، ولكنَّها الآن دَولَةَ جِبَايَةٍ ، تَبيعُنَا المَاءَ ، والكَهربَاءَ وعمَّا قَليلٍ سَنشتَري الهَوَاءَ عَبرَ الإشْتِرَاكِ الإجبَارِيّ بِخِدمَةِ وَزَارَةِ المَاليَّةِ : " تَنَفَّسْ وادفَعْ " !

وَبَعدَ هَذا تَتَهِمُنَا الدَّولَةُ بالعُقُوقِ ، وهِيَ التي عَقَّتنَا قَبْلَ أَنْ نَعُقَّهَا ، فَالدَّولَةُ التي لا تَربِطُ عَلى بَطْنِهَا حَجَراً حِينَ نَجُوعُ ليْسَتْ دَوْلةً ، والوَطَنُ الذي لا يُبَلِلُ لِحيَتَه بِدُمُوعِهِ حِينَ نَمُوتُ غَرَقًا بِالمَطَرِ ليْسَ وَطَناً ، والوَطَنُ الذي يَرقُبُنَا نَمُوتُ على أًَبْوَابِ المُستَشْفَياتِ لأنَّنَا لا نَملِكُ ثَمَنَ سَرِيرٍ عَليهِ أنْ يَخْجَلَ مِن نَفْسِهِ بَدَلَ أنْ يُطَالِبْنَا بِالبِرِّ ، فَبِوِدِّنَا لَوْ كُنَّا بَرَرَةً وبِوِدِّنَا أنْ نَرَى الوَطَنَ يَسيرُ للأَمَامِ كَقَافِلَةٍ ، ولكِنْ مَا نَفْعَل حِينَ نَجِدهُ يَنبَحُ فِي وُجُوهِنَا كَكَلبٍ عَقُورٍ !

وَعَوْداً عَلى ذِي بَدْءٍ ، فَقَد كَانَ أَحَدُ الرُّعَاةِ فِي الحِجَازِ يَرقُبُ قَطِيعَه فَهَجَم ذِئْبٌ عَلى شَاةٍ ، فَقَالَ الرَّاعِي : " إنَّا للهِ وإنَّا إليهِ رَاجِعُون ، مَات عُمر بن عَبدِ العَزِيزِ فِي الشَّام ! " أولئِكَ يَا مَولايَ كَانُوا حُكَاماً أَصلَحُوا مَا بَينَهُم وبينَ اللهِ ، فَأَصلَحَ اللهُ مَا بينَ الذِّئَابِ وقِطْعَانِ رَعِيَّتِهِمْ ، وإنَنَا اليَومَ لا نَخْشَى الذِّئَابَ عَلى أَغنَامِنَا بِقَدْرِ مَا نَخَشَى الحُكَّامَ عَلى أَوْلادِنَا !
وإذَا خَرجْنَا عَليهِم نُريدُ استِردَادَ حَيَاتِنَا أَخْرَجُوا لنَا رَاقِصَاتِ دَارِ الفَتوَى ، وَلمَّا لَمْ يُفْلِحُوا في ثنينا ، أعمَلُوا فِينَا الحَدِيدَ والنَّارَ ، ثُمَّ تَخرُجُ عَلينَا مُنَظَّمَةُ العَفْوِ الدُّوَليَّةِ تُريدُ أَنْ تُحَقِّقَ فِي مَقْتَلِ القَذَّافِي ، والقَذَّافِي حِكَايَةٌ طَويلةٌ تَتَلخَّصُ بِجُملَةٍ وَاحِدَةٍ : " كَانَ كَلباً فَمَات " ، فَهُوَ إذاً لا يَنْدَرِجُ ضِمنَ صَلاحِيَّاتِ مُنَظَّمَةِ العَفْوِ الدُّولِيَّةِ بَل ضِمْنَ مُنَظَّمَةِ الرِّفقِ بالحَيَوَان ! ولا أَحَدَ يَعرِفُ يَا مَولايَ أَينَ كَانَتْ مُنَظَّمَةُ العُهْرِ الدُّولِيَّةِ حِينَ قُتِلَ أَحمَد يَاسِين خَارِجاً مِن صَلاةِ الفَجْرِ ، وَهُوَ القَعيدُ الذي لَمْ يَكُنْ يَعْمَلُ فِي جَسَدِهِ إلا عَقلُه ، وقَلبُه ! وأَينَ كَانَتْ مُنَظَّمَةُ العُهرِ الدُّوليَّةِ حِيَنَ قُتِلَ بِنْ لادِنْ عَلى مَشْهَدً مِن أَطْفَالِهِ ، وأَينَ كَانَتْ مُنَظَّمَةُ العُهرِ الدُّوليَّةِ حِينَ قَتَلتْ أَمرِيكَا مُواطِنَهَا العَوْلَقِيّ بَعدَ أَنْ أَرَادَتْ مِنهُ أَنْ يَقُولَ: " رَبِّيَ أل Green Card " فَلمْ تَسْمَعْ مِنهُ غَيْرَ رَبِّيَ الله !

وإنِّي لأُبَشِّركَ يا مَولايَ أنَّ الجَامعةَ العَربِيَّةَ دَخلتْ على الخَطِّ فِي سُوريَا ، والجَامِعَةُ عَلى مَدى تَاريخِهَا لمْ تَضعْ يَدَهَا فِي مُشكِلةٍ إلا زَادتهَا تَعقيداً ، وكَونُ اسمهَا الجَامِعةَ العَربيَّة فَهذا لا يعنِي أنَّ لهَا أَخلاقَ العَربِ فِي الجَاهِليَّةِ ، فضلاً عن الإسلامِ ، فِهيَ مُنذُ نشأَتِهَا لم تُرجِع حقاً ، ولم تَردَّ غَازياَ ، كَما فعل حِلفُ الفُضُولِ الذي أَنشَأَه عِبَادُ الأصنامِ ، بل إنَّ التُّيوسَ أعضاء الجامعة لا يَجتمِعُونَ إلا على بَاطِلٍ كَيومِ جَرَّتهُم أمريكَا مِن قُرونِهِم لتَمويلِ حَربِهَا في العِراقِ دُونَ أنْ يَتَخَلَّفَ أحدٌ !
وكونُ أمينِهَا العَام هُو نَبيلُ العربِيّ فهذَا ليسَ سِوى مَظْهَرٍ مِن مَظَاهِر التُّراثِ !
وإنَّ الذِينَ جَاؤُوا إلى دِمشقَ ليُحَاضِرُوا فِي العِفَّةِ هُم في الحَقيقةِ أسَفلُ مِن بشَّارِ الأسَدِ ، ولو أنَّ شُعوبَهَم خَرجتْ عَليهِم ليَفعلونَ أكثرَ مما فَعله بشَّار ، فبشَّارُ استنكرَ هَمجيَّةَ القَذافِي أولَ الأمر ، ثُمّ تَبيَّنَ بَعدَهَا أنَّ القَذَّافِي عَلى هَمجِيَّتِه أكثر تَحضُّراً منه !

ولنَدَع العَربَ جَانِباً يَا مَولايَ ولننتَقِل إلى وول ستريت مَملَكَةُ الرَّبَا العَالميّ التي بَدأتْ بالتَّدَاعِي ، فالرَّأسمَاليَّةُ الجَشِعَةُ بعدَ أنْ أكلت العَالمَ لم يعُد أمَامَها إلا أنْ يَأكُلَ بعضُهَا بعضاً ، فالبَشَريَّةُ التي اغتَرَّت بِقُوَّتِهَا وحَسِبَتْ أنَّهَا قَادِرَة عَلى تَدبيرِ أمُورِهَا بعيداً عَن هَدْي خَالقِها ها هِي اليَومَ تَدفَعُ ثمَنَ غُرورِهَا .
ومَا نَشهده اليَومَ ليسَ إلا البِدَايَةَ ، والمتأملُ بِحَالِ الرَّأسمَاليَّةِ اليَومَ يَخلُصُ إلى يقينٍ أنَّها عَلى شَفيرِ الهَاويةِ إن لم تكُنْ وقَعتْ فِيهَا أصلاً ، وإنَّ كُلَّ خُطَطِ الإنقاذِ التي نَشهَدُهَا اليَومَ مَا هِيَ إلا مُحاولةُ تَرقِيعٍ ، ولكنْ إلى مَتَى سيَقبلُ الثوبُ الخَلِقُ التَّرقِيع ؟!
فَأمريكَا دَائخَةٌ مِن حَجمِ دُيُونِها ، ومَا يُبقيهَا عَلى قَدميهَا هُو بَلطجتُهَا العَسكرية ، وأموالُ العَربِ ، ولو سحبَ العَربُ أَموالهُم ليلاً لجَثَتْ على رُكبَيتهَا صَبَاحاَ !
والتفَافُ الأُوروبيينَ حَولَ اليُونَانِ مَا هُو إلا مُحَاولةٌ لإطَالةِ فَترةِ مَوتِ الرَّأسمَاليَّةِ السَّريري ، فإذا عَلمنَا أنَّ الإكتراثَ بالآخَرينَ مبدأ مُنافٍ لمبَادِىء الرَّأسمَاليَّة القَائِمةِ على المَنفعَةِ ، والمَنفعَةُ فَقط ، لعَلمنَا أنَّ اليُونانَ لن تكونَ إلا الحَلقَةَ الأولى التي ستَنفَرِطُ في العِقدِ الذي سيَنفَرطُ لا مَحالة !

أَخيراً وجدتُ شيئاً مُفرحاً أحدِّثكَ عنه يَا مَولاي
هذه كَانتْ أَخبارُ دَولتِكَ والرِّسَالةُ العَاشِرةُ تَأتيكَ إن كَانَ فِي العُمرِ بَقيَّة ولوقتِهَا قُبلاتِي ليَديكَ وسَلامِي لصَاحِبيكَ .
أدهم شرقاوي
 

الخميس، 6 يونيو 2013

الرسالة الثامنه

بسـْـــم اللــــه الرَّحمَــــن الرَّحِيــــم

مِنْ عَبْدِ اللهِ قِس بن سَاعِدَة إلى أمِيرِ المُؤمِنينَ عُمَرَ بن الخَطَّابِ ، سَلامُ اللهِ عَليكَ ورَحمَتُه وبَركَاتُه وبَعد :

بَلغَنِي يَا مَولايَ أنَّكَ فِي عَامِ الرَّمَادَةِ سَمِعْتَ قَرِيرَ بَطْنِكَ
فَقُلتَ لهَا : قَرْقِرِي أو لا تُقَرْقِرِي فَلنْ تَشْبَعِي حتَّى يَشْبَعَ فُقرَاءُ المُسْلمِين
ثُمَّ إنَّكَ فِي ذَلكَ العَامِ أيْضاً أَوْقَفْتَ قَطْعَ يَدِ السَّارِقِ ، وبِتَعطِيلِ هَذَا الحَدِّ تَحَوَّلَتْ خِلافَتُكَ مِنْ خِلافَةٍ رَاشِدَةٍ إلى خِلافَةٍ أكثَر رُشْداً !
لأنَّ هَذا ليْسَ فَهْماً عَمِيقاً للشَّريعَةِ فَحسب ، إنَّه فَهْمٌ لمَقَاصِدِهَا أيْضاً !

وبِمَجِيءِ الثَّورَاتِ العَرَبِيَّةِ عَلَتْ أصْوَاتٌ مُطَالبَةٌ بِتَطَبِيقِ الشَّرِيعَةِ ، غَيْرَ أنَّ تِلكَ الأصْوَاتِ فِي غَالبِيَّتِها لا تُمّيِّزُ بَينَ الشَّرِيعَةِ والحُدُودِ الشَّرْعِيَّةِ ، الذين يُطَالِبُونَ بِتطبِيقِ الشَّرِيعَةِ وهُمْ يَحْسَبُونَ أنَّ الشَّرِيعَةَ هِيَ قَطْعُ يَدِ السَّارِقِ ، وجَلْدُ ظَهْرِ شَارِبِ الخَمْرِ ، ورَجْمُ الزَّانِي .أولئِكَ يَخْلطُونَ بَيْنَ نِظَامِ العُقُوبَاتِ فِي الشَّرِيعَةِ وبَيْنَ الشَّرِيعَةِ نَفْسِهَا !

والذِينَ يَعْتَبِرُونَ أنَّ الحُدُودَ غَايَةٌ مِنْ غَايَاتِ الشَّرِيعَةِ ، إنَّمَا يُكَرِّسُونَ فِكْرَةَ الغَرْبِ الغَبِيَّةَ عن الإسْلام ، فالحُدُودُ ليْسَتْ سِوى وَسِيلَةٍ لِرَدْعِ النَّاسِ عن انتِهَاكِ الشَّريعَةِ ، ولَيْسَت الشَّريعَةُ نَفْسَهَا ، لِهَذَا كَانْت آخِرَ مَا يُطَبَّقُ مِنَ الشَّرِيعَةِ وأَوَّلُ مَا يُعَطَّلُ !

وإِخْرَاجُ قَانُونِ العُقُوبَاتِ فِي الإسْلامِ مِنْ دَائِرَةِ النَّظَرِيَّةِ لِدَائِرَةِ التَّطْبِيقِ يَلزَمُه بالضَّرُورَةِ مُجْتَمَعٌ يَحْكُمه الإسلام ، وإلا كَيْفَ لِعَاقِلٍ أَنْ يَطْلُبَ جَلْدَ شَارِبِ الخَمْرِ فِي حِين تَحْصُلُ مَحَالُ بَيْعِ الخُمُورِ على تَراخِيصِهَا مِنْ وَزَارَةِ الدَّاخِليَّةِ ! وكَيْفَ له أَنْ يَطْلُبَ جَلْدَ الزَّانِي أو رَجْمِهِ فِي حِينِ تُشْرِفُ وَزَارَةُ الصِّحَةِ على بُيُوتِ الدَّعَارَةِ !

قَبْلَ أَنْ نَشْرَعَ بالمُطَالَبَةِ بِمُعَاقَبَةِ النَّاسِ على وُقُوعِهِم بِحُرمَاتِ اللهِ لا بُدَّ أولاً أَنْ نُزِيلَ مِنْ طَرِيقِهِم مَا يُيَسِّرُ وُقُوعَهُم فِيهَا ، وإلا كُنَّا كَمَنْ يَذْهَبُ بِرَجُلٍ لِشَاطِىءِ عُرَاةٍ ثُمَّ يُعطِهِ مُحَاضَرَةً فِي غَضِّ البَصَرِ !

لا بُدَّ قَبْلَ المُطَالبَةِ بِتَطْبِيقِ الإسلامِ أنْ نَفْهَمَ الغَايَةَ التي جَاءَ مِنْ أجْلِهَا الإسلامُ ، الإسلامُ جَاءَ لتَطْوِيعِ هذا الكَوْكَبُ بِكُلِّيَتِهِ للهِ ، فَهُوَ وإنْ كَانَ مَعَ فِكْرَةِ التَّعَايُشِ مَعَ كُلِّ البَشَرِ إلا أنَّه ضِدَّ فِكْرَةِ التَّعَايُشَ مَعَ الأَنْظِمَةِ الوَضْعِيَّةِ الفَاسِدَةِ ، فالإسلامُ لا يَطْرَحُ نَفْسَه وُجْهَةَ نَظَرٍ بِجَانِبِ وُجُهَاتِ نَظَرٍ أُخْرَى في الحُكْمِ ، إنَّه يَطْرَحُ نَفْسَه بَدِيلا عَنْهَا !

وَهُوَ لا شَكَّ الأقْدَرُ على قِيَادَةِ الإنْسَانِ لتَحْقِيقِ إنْسَانِيَّتِه ، فَهُوَ مِنْ جِهَةً يُقَدِّمُ لَه نِظَاماً مُتَكَامِلاً يَشْمَلُ كُلَّ مَنَاحِي الحَيَاةِ ، وِمِنْ أُخْرَى لا يَنْسَى أنَّ الإنْسَانَ مَزِيجٌ فَرِيدٌ مُرَكَّبٌ من جَسَدٍ ورُوحٍ ، فَنِرَاه يُوَازِنُ بَيْنَ تَركِيبَتِهِ المَادِّية والرُّوحِيَّةِ ، فَهُوَ وَسَطٌ فِي كُلِّ شَيءٍ غَيْرَ أنَّ الوَسَطِيَّةَ لا تَعْنِي عَصْرِنَةَ الإسلامِ بِقَدْرِ مَا تَعْنِي أسْلَمَةَ العَصْرِ !

وبِالعَوْدَةِ للثَّوْرَاِتِ العَرَبِيَّةِ يَا مَوْلايَ ، ثَمَّةَ مَنْ يَعْتَقِدُ أنَّ الثَّورَاتِ صَنِيعَةَ أَجهِزَةِ الإسْتِخْبَارَاتِ العَالَمِيَّةِ ، مُتَنَاسِياً أنَّه إنْ كَانَ لتِلكَ الأَجْهِزَةِ مِنْ صَنَائِعَ فِي بِلادِنَا فَهُوَ هَذِهِ الأَنْظِمَةِ ، فالغَرْبُ صَنَعَ حُكَّامَنَا على عَيْنِهِ وأَلقَى عَلَيهِم مَحَبَّةً مِنه فَكَانُوا بِحَقٍّ كِلابَه الأَوفِيَاءُ ، وإلا مِنْ أيْنَ سَتَعْثُر إسْرَائِيلُ على كَلاب حِرَاسَةٍ كَمُبَارَك وبَشَّار وعَبْدُ اللهِ الحُسين ، وكُلُّ مَن يَخْرُجُ عَنْ قَوَاعِدِ الُّلعبَةِ يَذْهَبُ لحَيْثُ ذَهَبَ فَيْصَلُ بِنْ عَبْدِ العَزِيزِ !

كُلُّ مَا حَاوَلَ الغَرْبُ أَنْ يَفْعَله بَعْدَ أنْ عَجِزَ فِي حِمَايَةِ وُلاتِهِ على دِيَارِنَا أنَّه حَاوِلَ احتِوَاءَ هَذِهِ الثَّوراتِ ، وتَغْيير مَسَارِهَا ليْسَ أكثَر ، وَقَدْ نَجَحَ لحَدٍّ بَعيِدٍ حتَّى الآنَ . لأنَّ الذِينَ قَامُوا بالثَّورَةِ مَدْفُوعِينَ مِنْ قَهْرٍ ، وظُلْمٍ ، ومُصَادَرَةِ أوطَانٍ ، وتَشْمِيع حَنَاجِر ، وتَكْمِيمِ أفْوَاهٍ ، غَفِلُوا لِلَحْظَةٍ بِأنَّ الذي ظَلَمَهُم هُوَ نِظَامُ حُكْمٍ فَاسِدٍ ، وليْسَ رَأَسَ النِّظَاِم فَحَسب ، لِهَذَا مَا زَالَت الثَّوْرَةُ تَحْتَاجُ إلى ثَوْرَةٍ ، فالرِّضَى بِبِقَاءِ هَذِهِ الأَنْظِمَةِ بَعْدَ خَلْعِ رُؤُوسِهَا " كالتَّي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثاً " !

فَمُبَارَكُ كَانَ يَبْطِشُ بِيَدِ طَنْطَاوِي ، وَعَنَان ، وَجُنْدِ عَمْرُو سُليمَان ، فنَجِدُ مُبَارَكاً فِي القَفَصِ وطَنْطَاوِي خَلِيَفةً رَاشِداً !

وَحِينَ يَفِرُّ الذِّئْبُ مَعَ ليْلَى إلى جَدَّة نَتَحَاكَمُ للدُّستُورِ الذي يَهَبُنَا الوَزِيرَ الأوَلَ ، مُتَنَاسِينَ أنَّ الوَزِيرَ الأَوَّلَ هُوَ مَنْ وَقَّعَ عَلى قَانُونِ حَظْرِ الحِجَابِ فِي الجَامِعَاتِ والدَّوَائِرِ الرَّسمِيَّةِ لأنَّه يُسيءُ لمَنْظَرِ الدَّوْلَةِ الحَضَارِيّ ، وَمُتَنَاسِينَ أنَّه مَنْ أَصْدَرَ بِطَاقَاتِ الصَّلاةِ المُمَغْنَطَةِ لأنَّه لا يِعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ إلا الإرهَابِيين ! وَمُتَنَاسِيَنَ " إنَّ فِرْعَوْنَ وهَامَانَ وجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِين " !

وفِي لِيبيَا يَا مَولايَ ارتَأَى النِّيتُو بَيْعَ كَلْبِهِم هُنَاكَ ، فَقَد عَلِمُوا أنَّ الشَّعبَ غَالبٌ نِهَايَةَ المَطَافِ ، طَالَ الزَّمَانُ أَمْ قَصُرَ ، وبِمَا أنَّ المُهِمّ هِيَ مَصْلَحتُهُم وهُمْ مَعْ مَنْ يُحَققهَا لَهُم سَوَاءً كَانَ زِنْدِيقاً أو حَافِظاً للقرآن ، فَلا مُشْكِلَة إذاً أَنْ يَأتُوا بِبَدِيلٍ مَقْبُولٍ فَاهمٍ للعبَةِ القَائِمَةِ .

لا شَكَّ أنَّ الذينَ حَمَلُوا السِّلاحَ هُنَاكَ مَا حَمَلُوه ليَتَخلَّصُوا من القَذَّافِي ويَأتُوا بالنِّيتُو ، ولكنَّ قَادَةَ المَجْلسِ الإنتِقَاليّ غَفَلُوا أنَّ الدُّوَلَ ليْسَتْ جَمعِياتٍ خَيْرِيَّة تُعطِي دُونَ المُقَابِل ، وأنَّهَا مَا جَاءَتْ بِخَيْلِهَا ورَجِلِهَا إلا لتَقْطَعَ عليهِم الطَّريقَ نَحوَ تَحقِيقٍ كَامِل حُرِّيَتِهِم وكَرَامَتِهم ، وهُم الآنَ بَيْنَ خَيَارينِ لا ثَالثَ لَهُما ، إمَّا إدخَالُ لِيبيَا في استِعمَارٍ غَربِيٍّ ، أو يَقِفُوا وقْفَةً للهِ ثُمَّ للتَارِيخِ ويُكمِلُوا ما بَدَأوه ، وهُمْ إذَا اختَارُوا الأوَّلَ سيَكُونُونَ نَسْخَةً مُعدّلةً جِينياً عن حُكُومَةِ سَلام فَيَّاض ، أو حُكُومَةِ كَرَزَاي ، أو المَالِكِيّ

وأجْمَلُ مَا فِي الثَّورَاتِ يَا مَوْلايَ أنَّهَا أثْبَتَتْ أنَّكَ لا تَحْتَاجُ لكَثِيرٍ لتَهُزَّ عَرْشَ طَاغِيَةٍ ، يَكْفِي حنجَرَةً كَحنجَرَةِ ابْرَاهِيم قَاشُوش ، وأَصَابِعَ كَأصَابِعَ علي فَرزَات !

وأَجْمَلُ مَا فِيهَا أيضاً أنَّهَا صَنّفت العُلمَاءَ إلى ربَّانِيين وشَيطَانيين ، فَفِي حين كَان أحمَد حَسُّون يأكُلُ بآياتِ اللهِ أرغِفَةً قَليلَةً على مَائِدَةِ بَشَّار الأسَدِ ، وكَانَ البُوطِيّ بِشِقِّ فَتوَى يُبيحُ الكُفرَ للمُكْرَهِ يَنْسَى أنَّ للفَتْوَى شِقّاً آخَرَ يَجِب أنْ يَطَالَ الذينَ يَحمِلُونَ النَّاسَ على الكُفْرِ ! كَانَ شَيْخُ قرّاءِ الشَّامِ يقُولُ : اللهمَّ إنِّي بريءٌ مِمَا يصنَعُ بَشَّارُ وجُندَه ، وكَانَ ابراهِيم سَلقِينِي مُفتِي حَلب يِخطبُ النَّاسَ عَلى المِنْبَرِ ويَحُثُّهُم عَلَى أنَّ لا يَحنُوا الرُّؤُوسَ لطَاغِيَةٍ فَزَارته قُوَّاتُ الأَمْنِ في بَيْتِهِ وهُوَ ابنُ السَّابِعَةِ والسَّبعِين ، وهُوَ عُمْرٌ لا يَسْمَحُ بتَلقِّي زِيَارَاتٍ خَاصَّةٍ مِنْ هَذَا النَّوعِ فَمَاتَ الرَّجُلُ ونَحسَبُه الآنَ إلى اللهِ أقَرَبَ .

وأَمَّا عُلمَاءُ السُّطَانِ الذينَ يَحْرُسُونَه بِنُصُوصٍ وآيَاتٍ يَحْمِلُونَها على غَيْرِ مَا أُنْزِلَت عَليهِ ، فَيَأمُرُونَك بالمُنَاصَحَةِ الشَّرعِيّة ولكِنْ بالسَّر حِفْظاً لهَيْبَةِ الذَاتِ المَلكِيَّة ، وحِفَاظاً على وَظَائِفِهِم ورَواتِبِهِم وكُرُوشِهِم فالعَاقِلُ من اتَعَظَ بِسَعِيد بن زِعير ، ونَاصِرِ الفَهد ، ومحَمَّد البِجَادِي ، أولئك لا يَعلَمُونَ أو يَعلمُونَ أنَّ الإنكَار الفَردِيّ لا يُلقِي له طَويلُ العُمْرِ بالاَ ، هَذَا إِنْ وَصَلَ المُنكِرُ لولِيّ الأَمْرِ بالخَيْرِ والعَافِيةِ ، ولكنَّهُم يَتَغَافَلونَ لأنَّهُم جُزءٌ منَ النِّظَامِ الفَاسِدِ المَوجُودِ .

جَميلٌ أَنْ نَجِدَ هَيئةً تَأخُذُ على يَدِ الشَّابِّ المُتَسكِّعِ ، أو المرأةِ المُتَبَرِّجَةِ ، ولكنَّ الأجمَلَ أنْ نَجِدَ هيئَةً رقَابِيَّةً تَأخُذُ على يَدِ الحَاكِمِ حِينَ يُخْطِىءُ لأنَّ خَطَأَ الفَردِ لنَفْسِه ولكنَّ خَطَأَ الحَاكِمِ للنَّاسِ ! وإنَّ طبْعَ بَنِي آدَمَ أنَّهُم إذَا أمِنُوا العِقَابَ أسَاؤُوا الأدَبَ !

هَذِهِ كَانَتْ رسَالتِي الثَّامِنَةَ إليكَ ، والتَّاسِعَةُ تأتِيكَ إنْ كانَ في العُمرِ بَقِيَّة ، ولوَقتِهَا قُبلاتِي ليَديكَ وسَلامِي لصَاحِبَيكَ .
أدهم شرقاوي
 

الأربعاء، 5 يونيو 2013

الرسالة السابعة

بسم الله الرحمن الرحيم
مِنْ عبْدِ اللهِ قِس بن سَاعِدَة إلى أمِيرِ المُؤمِنينَ عُمرَ بن الخَطَّابِ سَلامُ اللهِ عليكَ ورَحمَتُه وبَركَاتُه وبَعد :
بَلغَنِي يَا مَولايَ أنَّكَ وقفتَ تَخطُبُ النَّاسَ وعليكَ ثَوبٌ طَويلٌ فَقُلتَ : أيُّهَا النَّاسُ اسمَعُوا وعُوا
فَقَالَ سَلمَانُ الفَارِسِيُّ واللهِ لا نَسْمَعُ ولا نَعَي
فَقُلتَ : ولِمَ يَا سَلمَان
فَأجَابَكَ : تَلْبِسُ ثَوبينِ وتُلبِسُنَا ثَوباً
فَأَشَرْتَ إلى ابنِكَ عَبْدِ اللهِ أنْ أَجِب سَلمَانَ ، فَقَالَ عبدُ اللهِ : إنّ أبي رَجُلٌ طَويلٌ فَأَخَذَ ثَوبِيَ الذي هُو قَسَمِي مَعَ المُسْلِمِين وَوَصَلَه بثَوبِه
فَقَالَ سَلمَانُ : الآنَ قُلْ يَا أَميرَ المُؤمِنينَ نَسْمَعْ وأمُر نُطِعْ !

وَهَكَذا وُلدَ قُانُونُ أنَّى لكَ هَذَا
أَمِيرُ أكبَرِ دَوْلَةٍ على وَجْهِ المَعْمُورَةِ يُحَاسِبه أحَدُ الرَّعِيَّةِ فِي قِطْعَةِ قُمَاشٍ ، وهَيْئَةُ كِبِارِ الصَّحَابَةِ لَمْ تَتَزَلَّفْ للحَاكِمِ وتُصدِرُ فتوَاهَا بِجِوازِ قَطْعِ لِسِانِ سَلمَانَ فلم تَكُن الفَتَاوَى المُعَلَّبَة قَد وُلِدَت بَعد !
وحِينَ يَجتَهِدُ فُقَهَاءُ " النُّصْ كُمْ " بالثَّنَاءِ على أجْهِزَةِ الأمْنِ التي تَأخُذُ عَلَى يَدِ أَحَدِ الرَّعِيَّةِ لمُنكَرٍ اقتَرَفَه تَنْسَى أنَّ للحَاكِمِ يَدٌ تَقْتَرِفُ المُنْكَرَ وتَعْتَقِلُ النَّاسَ يَجِبْ أنْ يُؤخَذَ عليهَا وإلا صَارَتِ الأُمَّةُ المُحَمَّدِيَّةُ كبنِي إسْرَائِيلَ إذَا سَرَقَ الوَضِيعُ قَطَعُوا يَدَه وإذَا سَرَقَ الشَّرِيفُ تَرَكُوه .
والنَّاسُ يُعتقلُونَ فَقَط لأنَّهُم تَكَلَّمُوا مَع أنَّ الكَلامَ فِي الإسْلامِ مُبَاحٌ مَا لَمْ يَكُن فَحْوَاه مُنْكَراً ، والصَّمْتُ عِنْدَ ثَلاثٍ :
عِنْدَ قِراءَةِ القُرآنِ لا عِنْدَ نَشَازِ طَويلِ العُمْرِ
وعِنْدَ اتِّبَاعِ الجَنَائِزِ لا عِنْدَ تَحْويلِ الوَطَنِ إلى جَنَازَةٍ
وعِنْدَ الزَّحفِ على الأعْدَاءِ لا عِنْدَ الزَّحْفِ على حُرُمَاتِ النَّاسِ !

وقَدْ صِرْتَ تَعْرِفُ يَا مَولايَ مِنْ رَسَائِلِي السَّابِقِةَ إليكَ بأنَّ دَوْلتَكَ تَحَوَّلتْ إلى حَظَائِرَ ، يَحْكُمُ كلَّ حَظِيرَةٍ تَيْسٌ مُسْتَعَارٌ اتَخَذَ لنَفْسِهِ مُفْتِياً وتِلفَازاً وصَحِيفَةً ووُزَرَاءَ وحَرَسَ حُدُودٍ وكِلابَ شُرطَةٍ وعِيدَ استقْلالٍ وخَرَجَ على النَّاسِ بكِذْبَةِ الوَطَنِ ثمّ صَدّق كِذْبَتَه !

وبِلادُ الشَّامِ يَا مَوْلايَ انحَلَّ عِقْدُهَا مُنذُ زَمَنٍ ، فَلُبنَانُ يَمشِي على رأسِهِ ، وتِلفَازُ المَنَارِ الذِي يَقْرَأُ علينَا مَزَامِيرَ البَحْرَينِ بِحَنْجَرَةِ خَامِنِئِي صَبَاحَ مَسَاءَ ولا يَقرأُ عليْنَا ولو آيةً واحِدَةً مِنْ سُورةِ سُوريَا فالحِزْبُ المُقَاوِمُ حَليفُ النِّظَامِ الخَانِعِ الذي لا يُقَاوِمُ ، والذي يُحَرِّمُ الدَّمَاءَ فِي البَحْرينِ لأنَّها شِيعيَّة يُحِلُّهَا في سُوريَا لأنَّها سُنيّة ثُمَّ يَقْرَعُ رُؤُوسَنَا بالطَّائِفِيَّةِ ومَا هُو إلا حِقْدٌ فِي الأصْلاب !
ولَقَدْ كَانَ مِنَ الطَّبِيعِيِّ أنْ يَقَفَ الشِّيعَةُ هَذا المَوقِفِ فَقْد ظَنُّوا أنَّ قَلْبَ الأنْظِمَةِ لا يَكُونُ إلا تَحْتَ رايَةِ الفَاتِحِ الأمرِيكِيّ ولكنَّ أحفَادَ أبي بَكْرٍ الصِّديقَ فِي مِصْرَ وتُونُس أثبَتُوا أحقِيَّتَهُم بِدَمِ الحُسينِ فَإمَّا أنْ يُسرَجَ قِندِيلُ الحُرِيَّةِ مِن دَمِهِمْ أو لا يُسرَج وإلا مَا قِيمَة اسْتِبدَالُ حذَاءٍ ضَيِّقٍ بِحِذَاءٍ أضيقَ مِنه !
 
وبالعَوْدَةِ إلى بِلادِ الشَّامِ ، فَفِلسْطِينُ وللهِ الحَمْدُ مَا زَالتْ علَى الخَارِطَةِ وإنْ بتَسْمِيَةٍ أخرَى ، والأردُن أُبَشِّركَ يا مولايَ بأنَّ مَجْلِسَ التَّعَاوُنِ قَدْ فَتَحَهَا وسَتَلعَبُ في خَليجِي 21 ! وسُوريَا استَبَاحَ دمَهَا العَلَوِيّ ابنُ العَلَوِيّ وتَحَوَّلَ المُمَانِعُ بالثَّرثَرةِ والمُقَاوِمُ الذي لا يُقَاوِمُ مِنْ طَبيبِ عُيُونٍ إلى جَرَّاحٍ ولأوَّلِ مَرَّةٍ مُنذُ أنْ فتَحَ سَعدُ بن أبي وقَّاص سُوريَا تُمنَعُ الجُمَعَةُ هُناكَ . وحَمَل ابنُ حَافِظ على دَرعَا فأمعنَ في أهْلِهَا تَقْتَيلاً وحَفَر أخدُوداً وأودَعَ جَثَامينَ المُندَسِّينَ فيه ونَسِيَ أنْ يقُولَ : بسم الله ربِّ الغُلام ! ولمَّا قَامَتِ المُدُنُ الأخرَى تَنتَصِرُ لدَرعَا وتَفْدِيهَا بالرُّوحِ والدَّمِ لم يُعِدْهُم خَائبينَ فَقَدْ قَبِلَ منهُم الفِدِاءَ وأخَذَ أروَاحَهُم ودِمِاءَهُم ومَنْ شَابِه أبَاه فمَا ظَلَم !
وكُلَّمَا أرَادَ تَيْسٌ أنْ يُرَاوِدَ الغَرْبَ _ الصَّامِتِ أصْلاً إلا على استِحيَاءٍ _ عَنْ صَمْتِه هَدَّدَهُم بالقَاعِدَة فَفَي اليَمَنِ تَنَادَى قَوْمُ صَالحٍ فَقَتَلهُم حِفَاظاً على النَّاقَة التي أوّلهَا المُفَسِّرُونَ بالكُرسيّ وبينَ مُبادَرَةٍ ذهَبَتْ وأُخرَى سَتَجِيءُ علَى مَزيدٍ منَ النَّاسِ أنْ يمُوتُوا ريثَمَا يُقَرِرُ على عبد الله بأيّ صِفَةٍ سَيُوقِّع هل بِصِفَتِه رئِيسُ دَوْلَةٍ أو رئيسُ حِزْبٍ حَاكِمْ !

وفِي ليِبيَا قَامَ أحفَادُ عُقبةَ بن نَافِعٍ إلى المُختَلِّ مُعَمَّر القَذَّافِي ليَعْزِلُوه فَأخَبَرَهُم بأنْ لا مَنْصِبَ رَسْمِيّ له ليَسْتَقِيلَ منه واعتَذَرَ عن عَدَمِ وجُودِ كِتَابِ استِقَالةٍ يَرمِيه في وجُوههم ولكنَّهم اعتَذَرُوا عن قَبُولِ اعتِذَارِه فأعمَلَ فيهم آلةَ القَتْلِ فَقَالُوا له قَوْلَةَ جَدِّهِم عُمر المُختَار : نَحنُ قَومٌ لا نَستَسلِم ننتَصِرُ أو نمُوت !
ولمَّا خَافَ الرُّومُ على نِفطِهِم أرسِلُوا حِلفَ النِّيتُو ليَسْتَبِزَّ هَؤلاء وهؤلاء فلا هُم مَعَ الشَّعبِ ولا هُمْ مع المَعتُوه وعلى النَّاسِ هُناكَ أن لا يكُونُوا معَه ولا مَعَهُم

ونَسيتُ يا مَولايَ أنْ أسألكَ عن حَالِ أسَامَة عندَكُم فقد غَادَرَنا مُنذُ أيِّامٍ إليكُم أخْبِره بأنِّي سَمعتُ صَوتَه البَارحَةَ فاشتقتُ له أكثَر وأخبِره أنَّ الدَّمَ الدَّم والهَدمَ الهَدمَ وأنَّه ويحَ بنِي الأمريكان

هَذه طَائفةٌ من أخبارِ دولتِكَ والبِقِيَّة تأتيكَ إنْ كانَ في العُمرِ بَقيَّة ولوقتِها قُبلاتِي ليَديكَ وسَلامِي لصَاحبَيكَ .

أدهم شرقاوي

الثلاثاء، 4 يونيو 2013

الرسالة السادسة

بسم الله الرحمن الرحيم


من عبدِ اللهِ قس بن سَاعدة إلى أميرِ المؤمنينَ عمرَ بن الخطّابِ ، سَلامُ اللهِ عليكَ ورحمتهُ وبركَاتهُ وبَعد :

بلغَنِي يا مَولايَ أنّك مَررتَ بقَومٍ يُخطِئُون في الرّمي ، فقلتَ لهُم : أصلِحُوا رَميَكُم .
فقَالُوا : إنّا قَومٌ مُتعلِّمينَ .
فقلتَ : واللهِ لخطَؤُكُم في لسِانكُم أشَدّ عليَّ من خطئِكُم في رميِكُم .
فلتصْفَحْ عن لحْنِي يا مَولايَ فالّلغَةُ انقلبَ عالِيَهَا سَافِلَها ، والكتَّابُ اليومَ إمّا عَرَبٌ مُستعجِمُون أو أعاجِمُ مُستعربُون ، ولم يرحَمْ ربِّي إلا القليل وما أجِدُ نفسِي في عِدادِ من رُحِمُوا !

لقَدْ جاعَ النَّاسُ يا مَولايَ فأتَوا أصنَامَهُم بعدَ أن حَسِبُوها من تمْرٍ فإذا هيَ ـ أكرمَكَ اللهُ ـ من رَوثِ البهَائِمِ ، فقذَفُوا بها خَارِجاً وارتأوا بعدَ اليومِ أن يجُوعُوا ولا يُذلّوا .
فهلْ أتاكَ حديثُ زينِ العَابدينَ الذي خنقَ صَوتَ الأذانِ بأصَابعَ من مَسَدٍ ، ومنَعَ الحِجابَ في الجَامعَاتِ والدَّواوينِ الرَّسمِيّةِ حفَاظاً على مظْهَرِ الدَّولَةِ الحَضَارِيّ فظنّ أنَّ البِلادَ التي وَرثَها عنْ طاغيةٍ قبلَه ـ كانَ قدْ منَعَ الصِّيامَ لأثرِهِ السَّلبِيّ على عجَلَةِ الإنتَاجِ ـ رقعَةَ شَطرنْج له فكُلما رفعَ أحدٌ رأسَه قالَ له : كِشْ .

فقَامَ إليهِ النَّاسُ قومَةَ رجُلٍ واحِدٍ فكَشّوه . وقبلَ أنْ يُفرِّقُوا دمَه بينَ القبائِلِ دبَّرَ أمرَه بليلٍ وفرَّ كالجِرذِ فما استقبَلَه الرُّومُ الذينَ أفنَى عمرَه في خِدمتِهم فأجارَه حُكَّامُ البِلادِ الطَّاهرةِ ، فقدْ بلغَ واليَهَا أن النبِيَّ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم قال : أحضِرُوا كلَّ الفاجِرينَ إلى جزيرةِ العَربِ !

وأسْكنُوه جدّة فغَرِقَ الشُّرفاءُ هُناكَ ونجَا ، وحمْداً للهِ أنَّه قد نجَا وإلا لدفَنَه الوالِي في البَقيعِ بجانِبِ طنطاوي الذي أفتَى بجَوازِ حصَارِ أهلِ غزَّة مُتناسياً أنَّ امرأةً دخَلتِ النَّارَ في هرَّةٍ لا هيَ أطعمَتها ولا هيَ تركتْهَا تأكلُ من خشَاشِ الأرضِ .

لكَ يا مولايَ أن تبكِي قوماً مُسلمِينَ بعجَائزِهِم وشُيوخِهِم ونسَائِهِم ورجَالهِم وبناتِهِم وصِبيانِهِم ورُضَّعِهِم لا يُسَاوُون في عُرفِ سيّدِ القِياسِ هرّة !

وبمَا أنّكَ القائِل : لستُ بالخِبِّ ولا الخِبُّ يخدعُنِي فلا بأسَ أن تقتَصِدَ في الفَرحِ فالإسلامُ لمْ يدخُل المعركةَ بعد لأننا ما زلنَا نهُوجُ ونمُوجُ قائلينَ : عُضّ دينِي واتركْ رغيفِي .
ويومَ يقُولُ أحدُنا : هاكُم رغيفِي كلُوه عن آخر كِسْرة واتركوا دينِي .
وقتذاكَ سيصبِحُ الإفراطُ في الفَرحِ أقلّ واجِب .

ونَسيتُ أنْ أخبركَ يا مولايَ بأنَّ أهلَ مِصرَ ما زالُوا كآخرِ عَهدِكَ بهِم شُرفاءُ أنقِياءُ فقدْ قامُوا إلى فرعَونِهِم ليحْطِّموه فما كانَ من الفِرعونِ إلا أن أصدَرَ أمراً بحظْرِ التَّجوالِ فخَرجَ له في اليومِ الثَّانِي ثمانيةُ ملايين وقالوا له قولةَ رجُلٍ واحدٍ : تباً لك !

فحمَلَ عليهِم بخيْلِه ورجِله وجمَالِه وشُرطتِه على مرأى من العَالمِ ومسْمَعٍ فأدانَه العالمُ في العَلنِ وقالَ له في السِّر : اثبتْ حُسنِي فإنكَ أوفى كلابنا في بلادِ بني العَربِ !

فثبَتَ وقتلَ منهُم كثيرٌ وهم العُزَّلُ إلا من حناجِرهِم ولافتاتٍ صَارَ الغربُ المتحَضِّرُ معها أمياً لا يقرأ وتحوّلَ الشَّعبُ بعرفِ بني الأصفرِ من مصْدَرٍ للسُّلطاتِ إلى مصدرٍ لإثارةِ الشّغب !
حينذاكَ خرجَ علينا العُبيلانُ شَاهراً فتواه قائلاً : إنَّ الشعبَ ليسَ من أهلِ الدِّيانة ! فحُسنِي وليّ أمرٍ طالمَا سهِرَ على راحَةِ الرَّعيّةِ فإن كنتَ يا مولايَ طبختَ ذاتَ ليلةٍ بارِدةٍ لليتامى الذين تحلَّقُوا حولَ أمٍ وضَعتِ الحجَارة في القِدْرِ لتشتريَ سُكاتَهُم فإنه لم ينمْ ليلةً حتّى يطمئن أنّ كل الرَّعيّةِ بخيرٍ .

وإذا كنتَ صبيحَةَ اليَومِ التَّالي اشتريتَ مظلمَة تلكَ المَرأةِ فقد اشتَرى هو مظلمَةَ ثمانينَ مليوناً ثم باعَ مظالِمَهُم فربِحَ ما يربُو على ستِّين ملياراً وقدْ أحلَّ اللهُ البيعَ وحرّم الرِّبى .

وإذا كنتَ تخشَى أن تتعثر دابةٌ في أرضِ العِراقِ فيسألكَ اللهُ لمَ لمْ تُصلِحْ لها الطريقَ يا عُمر ، فقد قالَ وإخوتُه من وُلاةِ أمُورنَا للرُّومِ : هذا العراقُ فادخلُوه بسَلامٍ آمنينَ !

هذهِ بعضُ أخبارِ دولتِكَ والبقيَّةُ تأتيكَ إنْ كانَ في العُمرِ بقيةٌّ ولوقتِهَا قُبلاتِي ليديكَ وسَلامِي لصَاحبيْكَ .

أدهم شرقاوي

الاثنين، 3 يونيو 2013

الرسالة الخامسه

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم


من عبدِ الله قس بن ساعدة إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، سلامُ اللهِ عليكَ ورحمته وبركاته وبعد :


منذ مدَّةٍ لم تُوَلِّ كلماتي وجهها شطر صندوق بريدك ... أعرفُ أنَّ مثلكَ غنيٌّ عن انتظار خربشاتي غير أني فقير لكلمةٍ أغمسها في قرارة الجرحِ وأُغلَّفها بالدمع ثم أتركها لتباركها نظراتك .

أعرفُ كم صِرتُ مملاً إذ أني أمتهن البكاءَ والنحيبَ ، ولكنّك لا تعرف أنَّ البكاءَ صار وجبتنا اليوميَّة على مائدةِ الوقت ... لهذا اعذرني يا مولاي إذ جاءكَ بريدي مخضباً بالعجزِ ومشكولاً بالمذلَّةِ هويتي وهوية القوم على غيابك .

منذ مدَّةٍ والرَّسَالة الخامسةُ تتحشرجُ في صدري ... حاولتُ وأدها صدقني ... أهلتُ عليها التُّراب غير مرَّةٍ ، ولكني كلما استيقظتُ صباحاً وجدتها غادرت حفرتَها لتسكنني مجدداً ... لقد صرتُ قبراً يا مولاي ودولتك المترامية الأطراف صارت مقبرة !

صَدِّقني حاولتُ أن أتوقَّفَ خشيةَ أن أُفسد عليكَ متعة اللحظة بجوار بارئك ، ولكني كبرتُ وكبر معي قولُ جدِّي عنك يومَ قُلتَ : لو أنَّ دابةً عثرت بأرضِ العراقِ لخشيتُ أن يسألني الله عنها لِمَ لَمْ تُصلحْ لها الطريقَ يا عُمر !

قَدَرُ الكبارِ يا مولايَ أن يُتعبَهم الصِّغار بأخبارهم ... فلتبسطْ رداءكَ لنشْرةِ الأخبارِ فقد حان وقتُ حصَادِ اليوم !

الرُّومُ طابَ لهم المقام في بغدادَ ، فقد ماتَ خالد بن الوليد ، وتبعَه أبو عبيدةَ بن الجراح ، ولم يبقَ فينا إلا النساء ، وجهاد المرأةِ الحج ، والحجُّ لا شوكَةَ فيه !

كلابُ إيسافَ المسعورةَ هجمت على هلمند ، وبترايوس يهدد العُصاة من على منبر قناة العربيَّة !

أبو لهبٍ أجرى عمليَّةً جراحيةً لاستئصال المرارةِ من خاصرته لا من حياتنا ، فمرارتنا ستستمر طويلاً بدونكَ !

المسْجدُ الأقصى الذي أسلمكَ سفرنيوسَ إياة صُلحاً أنهكته الحفريات ، وهو آيلٌ للسقوطِ ، ولكنْ لا تتوسَّم فينا خيراً وإن سقط ! فربَّاتُ الحِجَال لن يُغادرنْ خُدورهُنِّ لو هدموا البيت الحرام !

مقامُ إبراهيمَ عليه السلام صادروه ، ومعمر القذافي أعلنَ الحربَ على سويسرا كُرمَى لعيونِ هنيبعلَ وتباً للمآذن !

العربُ أعطوا الضوءَ الأخضرَ لمحمود عباس ليخونَ باسمهم جمعاً ، الآن عرفتُ معنَى قول جدتي : ( فضيحة وعليها شهود ) !

الطائراتُ الإسرائيليةُ المتخمةُ بالنَّفطِ العربِيِّ تجوب سماءَ غزَّة فلم يبقَ هناك إلا الهواء لم يُصادروه بعدَ أن ضربَ صَاحبُ المرارة بينَه وبينهم بسور !

المَحكمةُ الدُّستوريَّة العُليا أمرتْ بإعادة تصديرِ الغاز كي يطهوَ أفيغدور ليبرمان طعامَه ولْتوقِدْ نِسوةُ غزَّة الحَطَب !

هذه هي العناوينُ الرئيسةُ ، أمّا التفاصيلُ فتأتيكَ بعدَ وقفةٍ مع الإعلانِ ، لن تكونَ طويلةً ولكنَّها كافية ليلفظَ طفلٌ أَنفاسَه الأخيرةَ بسبب نفاذ الدَّواء ، وليطلقَ الجنودُ ما تيسَّر من القنابل المسيلةِ للدموع ، وليذرفَ الزعماء العرب مزيداً من الدموع كما تفعل التماسيح على بقايا الفريسة !

هذه كانتْ رسالتي الخامسة إليك ، السَّادسةُ تأتيكَ إن أخطأتني أسنانُ التماسيح ... وإلى تلك اللحظة التي تعانقُ فيها كلماتي وهجَ عينــيكَ قبلاتي ليديكَ وسلامي لصاحبيك َ.


أدهم شرقاوي
 

الأحد، 2 يونيو 2013

الرسالة الرابعة

بسم الله الرحمن الرحيم

من عبدِ اللهِ قس بن ساعدة إلى أميرِ المؤمنينَ عمر بن الخطاب سلامُ اللهِ عليكَ ورحمتُه وبركاتُه وبعد :

هذه رسَالتي الرابعةُ إليك ... منذُ أيام وأنا أُحاولُ أَن أَجعلها جَرعةً مخففةً من الألم ولكني فشلتُ. فالكتابةُ يا مولايَ ليستْ فنَّ استحضارِ الوجودِ من العَدم , ولا حِرفَة تحويلِ الأنينِ إلى زقزقة , لذلكَ فليكنْ صدرُكَ رحبَا على عادتِه , فإنَّ رسَالةً بوميةً أُخرى تقرعُ صندوقَ بريدِك !


بلغَني يا مولايَ أنكَ أرسلتَ عمرو بن العاصِ لفتحِ مصرَ وأنَّكَ رافقته يومذاكَ حتى حدودِ المدينةِ مودعاً ولم تنسَ لحظتَها أنْ تقرعَ على مسامِعهِ وصَايا رسولِ اللهِ صَلى الله عليهِ وسلَّم الارهابية في الحرب : ( لا تخونُوا ولا تغدِرُوا ، ولا تمثِّلوا بالقتلى ، ولا تقتلُوا طفلاً، ولا شيخاً كبيراَ ولا امرأة، لا تعقِروا نخلةً ولا تحرقوها، ولا تقطعوا شجرةً مثمرةً، ولا تذبَحوا شاةً ولا بقرةً ولا بعيراً إلا للأكلِ، وإذا مررتُم بالذين يتعبَّدون في صوامِعِهم فاتركُوهُم لشَأنِهم، وعلى هذا فسيروا على بركةِ الله ).


هذا الإرهابُ المتنطِطً من بينِ ثناياكَ هو الذي دفَعَ المؤرِّخ الفرنسي غوستاف لوبون ليقولَ : ( لم يعرف التاريخُ فاتحاً أَرحمَ من المُسلمين ) .
غير أَنَّ هذا الكلام لم يعجب الليبراليينَ العرب , الذين يسبَّحون بحمدِ المحافظين الجدد , ويحاوِلُون ليلَ نهارٍ تجميلَ وجهِ إلهِ الديمقراطيَّة وحقوقِ الانسان أمريكا . ولكن كما قالت العربُ قديماً : ( ماذا تفعلُ الماشِطةُ بالوجهِ العكِر ) .

وإليكَ يا مولايَ قصَّة أمريكا هذه مِن ( طَقطَق الى السَّلام عليكُم ) . فإنَّ بحاراً يُدعى كريستوف كولومبُوس , وهو من أصل إيطالي , أرسَلته ملكةُ البُرتغال الى الهندِ , ولكنَّه ضلَّ الطريقَ , ووصلَ إلى العَالمِ الجديدِ الذي فرِحَت به أُروربا , فنفَتْ إليهِ المجرمينَ الذينَ غصَّت بهم السُّجونُ إلى هناكَ. فتكَالبوا على الهنودِ الحمر سكانِ البلادِ الاصليينَ . وأمعنوا فيهم قتلاً , وبحكمِ الحاجَةِ إلى سُلطة في ظل الإجتماع الإنساني كما يقولُ ابن خلدون قاموا بتأسيسِ سُلطة على شاكِلتهم . ولكنَّهم مع الوقتِ استطاعوا تجميلَ صورتِهم عن طريقِ هوليوود , وربطاتِ العنقِ , وبيتزا هَات , وهارديز , والعم دونَالد . وهم بكلِ هذا معتَمدين على جاذبيَّتِهم اللهُمَّ الا قليل من القنابلِ الذريَّة , وصواريخِ كروز , وتوما هوك , وطائراتِ b 72 وال f 16 .


أمَّا هوليوود يا مولايَ فهي ماشِطتُهم التي تحاولُ تجميلَ وجهِهِم العَكِر . فقد انتجُوا فيلماً أسمُوه بيرل هاربار , قامَ ببطولته بين أفليك , وهذا الفيلم يحاولُ أَن يقنعنَا أنَّ ضربَ هيروشيما وناكازاكي جاء رداً على الهجومِ الياباني على بيرل هاربار , وهو ميناءٌ عسكريٌ بالمناسبة , ولكن المزري يا مولاي أنَّ الهجومَ اليابانِي كان عام 1941 , في حين أن الرئيس الامريكي هاري ترومان أَعطى التصريحَ باستخدامِ السَّلاح النووي ضد اليابان عام 1945 !

وفي السَّادسِ من آب ركبَ الطَّيار الأمريكي بول تيبتيس طائرتَه اليونا جاي وألقى قنبلةً على مدينةِ هيروشيما فخلَّفت قوةً تدميريةً تعادلُ 20 ألفَ طِن من الديناميت فقتلت في دقيقةٍ واحدةٍ ثمانين ألفاً أمَّا الجرحى فماتوا بطيئاً بعدها بفعلِ الإشعاع . وبعد ثلاثةِ أيامٍ أي في التَّاسعِ من آب ألقوا قنبلةً على ناكازاكي المفرح في الأمر أنَّه لم يكنْ هناكَ جرحى فقد ماتَ الجميعُ وكانَ عددهم سبعون ألفاً .
أي أنَّ أمريكا يا مولايَ قتلتْ في أربعةِ أيَّام 150000 أي أكثر مما قتلَه المسلونَ في حروبِهم منذ بعثةِ النبي صلى الله عليه وسلم حتى 11 سبتمبر في منهاتن .

وبالعودةِ إلى عمرو بن العاصِ يا مولايَ _ واعذُرنِي على هذا الإستطرادِ إلاَّ أني عكفتُ على الجاحظِ في أيَّامي الأَخيرةَ فأعداني _ فإنَّه سَار على بركةِ الله , وطلبَ منكَ مدداً فأرسلتَ إليهِ القعقاعَ بن عمرو, وقلتَ له مقولةَ سيدنا أبي بكر: إنَّ جيشاً فيه القعقاعُ بن عمرو لا يُهزم أبداً . ووصلَ ابن العاصِ بجيشِه إلى مدينةِ عين شمس (هليوبوليس)، وقامتْ خطتُه على أن يجتذبَ إليهِ جند الروم لينازلهُم خارجَ الحصنِ، ولم تكن للعربِ وقتئذ خبرة تامة باقتحامِ الحصون والاستيلاءِ عليها . ثم إنَّ الرَّوم أكلوا الطعمَ , وخرجوا وأتمَّ الله الفتحَ . ومصرُ منذ ذلكَ الحينِ تدينُ بلا اله الا الله محمد رسول الله . وهي باقيةٌ على هذا ما دامَ الليلُ والنَّهار . وإني لأبشَّركَ يا مولايَ أنَّ مصرَ كانت بلدَ الشهداءِ والعلماءِ على مرِّ التاريخِ , فإنَّ العزَّ بن عبدِ السَّلامِ باعَ الأُمراءَ لتجييشِ الجيوشِ , ولما دانت الدنيا للتتر كانَ أَهلُ مصرَ يدافِعونَ عن الإسلامِ وحدهُم , فحفظَ اللهُ الدِّينَ على أيديهم غيرَ أَنَّ حُسنِي مُبارك يا مولايَ خلعَ رداءَ العزَّة , وتسربَل بالذُّل , وقام خطيباً بعد مباراةِ الجزائِر ومصر ليقولَ : بأنَّه لن يسمحَ لأَحدٍ أن ينالَ من كرامَةِ أَهلِ مصر وكأنَّ كرامةَ أَهلِ مصر تُهان بهدفٍ يدخلُ في شبكَة !

إنَّ أهلَ مصر يا مولاي تُؤذيهم السَّفارةُ الإسرائيليةَ في القاهرة , ويُؤذيهم أن يعتمِدوا على المعونَةِ الأمريكيةِ بعدَ أَن كانُوا يطعِمونَ الدُّنيا كلها زمنَ يوسف عليه السلام فإنَّ من كانَ عندَه دلتَا النِّيلِ حريَّ بهِ أن لا يخشى الجوعَ أبداً . ويؤذيهم يا مولايَ حصارُ غزَّة وأَن تمدَّ أمريكَا اسرائيل بالفوسفورِ الأَبيضِ ويحدِّثهم مبَاركُ عن بطولاتِه بمنعِ تهريبِ السِّلاحِ إلى غزَّة , ويؤذيهم سحب السفير المصري من الجزائر والابقاء عليه في تل أبيب , وتؤذيهم البيوت التي تهوي فوقَ رؤوسِ سَاكنيها , ويؤذيهم عمرو سُليمانُ وجنُودُه .

كانتْ هذه رسَالتي الرَّابعةُ يا مولاي ... أَعرفُ أَنَّ بريدي مطرزٌ بالدمع ولكنِّي أُحبُّ أْن أَكتبَ إليك ... ألقاكَ في رسَالةٍ أُخرى إنْ كانَ في العمرِ بقيَّة وإلى تلكَ اللَّحظة التي تعانِق كلماتي وهجَ عينـيكَ قبلاتِي ليديكَ وسلامي لصَاحبيك والسَّلام .


أدهم شرقاوي
 

السبت، 1 يونيو 2013

الرسالة الثالثة

بسم الله الرحمن الرحيم


من عبدِ اللهِ قس بن ساعدة إلى أميرِ المؤمنينَ عمرَ بن الخطاب ، سلامُ اللهِ عليكَ ورحمتهُ وبركاتهُ وبعد :

هذه رِسَالتي الثَّالثَةَ إليكَ ... تأخَّرتُ كثيراَ في كِتابتِها لأنَّ البُومَةَ التي تُوحِي إليّ لكَثرةِ الجُروحِ كفَّتْ عنِ الوَّحي . فلم أَعد أَعرفُ يا مولاي أَيُّ جُرحٍ أَنْكَأ ! فلتَعذُرنِي هذهِ المرَّةَ إنْ كنتُ سَأفسدُ عليكَ أُمسِيتكَ , أمْ أنَّ الوقتَ في جَناتِ عدنٍ لا تَجري عليهِ المساءاتُ فهُو صَباحٌ مُشرقٌ بنور ربه .

بِمَا أَنَّنَا اتفقنا في المرَّتين السَّابقتينِ يا مولايَ على أَن نُطلقَ عِنانَ الجِراحِ , على مبدَأ شرِّ البليَّةِ ما يُضحِك , فَلنُوقِفْ هذه المقدِّمات, ولأُخبِركَ بأنَّ غولدا مائيير, وهي عجوزٌ شَمطَاءَ , كانتْ رئيسةَ الغُدَّةَ السَّرطَانيةَ المُسمَاةِ إسرائيلَ, سُئِلت يوماً عن أَتعسِ يومٍ مرَّ عَليهَا مُنذُ قِيامِ الدَّولةِ , وعن أَسعدِ يومٍ . فَقَالتْ : إنَّ أَتعسَ يومٍ مرَّ عليَّ هو يومُ احراقِ المسجدِ الأقصى ! فقد قلتُ في نفسي إنَّ العربَ سيأكلوننَا بِأسنَانِهم صَبيحةَ اليومِ التَّالي , وأَسعدَ يومٍ مرَّ عليَّ هو صَبيحةُ اليومِ التَّالي , حينَ وجدتُ أنَّ أَسنَانهم صَدِئَة , وأَنَّ لَحمنَا لم تَعد تَستسِيغُه أَفواهُهم , وتذكَّرتُ أنَّ المرأةَ العربيةَ كانتْ حينَ تزفُّ ابنتَها إلى زوجِها توصِيهَا بأَن تخلعَ عنه عمَامتَه ,وترميهَا أرضاً ,فان غضبَ فهو رجلٌ وعليهَا أن تحذرَ وتكن امراةً ونقطة أولَ السَّطر ! وإن لم ترَ في عينيِه غير الشَّبق, فانه دابةٌ فلتمطَتيهِ كيفمَا شاءتْ, فقلتُ لأعضاءِ الكنيست : لقد دخَلنَا في مرحَلةِ الامتِطَاء ! ومَا زالوا يمتطُوننا يَا مولاي!

وبمَا أننا فتحنَا بابَ السُّخريةِ على مصْراعيهِ يا مولايَ, فاعلم أن َّشِمعون بيريز, قال: إنَّ العربَ لا يقرأون, وإذا قرأوا لا يفهَمون ,وإذا فهِموا لا يعمَلون, وإذا عمِلوا لا يخِلصُون ,والوليلُ لنا إذا اخلصوا, ولكني لا أرى هذا يكونُ في زمانِي وقد صَدقتْ نبوءَةُ الرجلِ فينا !
وقبلَ أنْ نغلقَ ملفَّ بيريز, لا ضَيرَ أَن تعرفَ يا مولايَ ,أنَّ شَيخَ الأزهرِ التَقى به ِفي محافلِ حوارِ الأديانِ, فهرعَ إليهِ ,وصَافحَه بكلتَا يديهِ, ولمَّا سَرَّبت الصُّحفُ الصِّورَ, قالَ مُتذرعاً: إني لم أَكنْ أَعرفهُ, معْ أنَّ ابنتي فاطمةَ, ذاتَ الاعوامِ الثَّلاثة تعرفُه يا مولايَ! فقد حرصْتُ أن أُعرِّفها عليهِ ,لأَننا لا نستطيعُ أن نحارب َشخصاً لا نكرهُه, ولن نكرهُه ما لم نَعرفهُ, ولكن على مَا يبدُو فانَّ الله طهَّر قلبَ شيخِ الأَزهرِ من الكراهِيةِ فهنيئاً لهُم بِه !

وليسَ بعيداً عن بيتِ المقدسِ ,التي صَارتْ دارَ غولدا, وشِمعون, ومائيير ,وعاميير, فانَّ محمود عباس,_ يا مولايَ_ يهددُ أمريكَا وإسرائِيلَ بأَنَّه لن يترشَّح َلانتخاباتِ الرئاسَةِ إنْ لم يوقِفُوا الاستِيطانَ, ويعودُوا صَاغرينَ إلى مائِدة ِالمفاوضَاتِ. ولكنِّي أُطمئنُكَ ,وأُطمئِنُ روَّادَ السَّاخِرِ الكِرامِ ,أَنَّه سيعدِلُ عن قَرارِه, وسيترشَّحُ نُزولاً عندَ رغبَةِ الجَماهيرِ, طَبعاً دونَ أن توقِفَ إسرائيلُ الاستيطانَ .ولكن لا بدَّ مِنْ مائِدةِ مفاوضَاتٍ , فَهُمْ بحَاجةٍ إلى توقيعٍ على أًخذِ ما تبقَّى من أَرضٍ, ومَاءٍ في الوجهِ !


حانَ الوقتُ لنغلقَ بابَ الهزائِمِ يا مولايَ ,ونفتحَ بابَ الانتصاراتِ ,فإنَّ البومَ الذي هو أَنا, سيزفُّ لكَ على غيرِ عَادةٍ خبراً سَعيداً ,ستطربُ له, فقد قامَ الشيف رمزي شويري, مع فريقِ طهوٍ لبنانِيٍّ, بتحطيمِ رقمِ إسرائيلَ القياسِيِّ بصناعَةِ أَكبرِ طَبقِ تَبولةٍ في العَالم, وقالَ : بعدَ تدوينِ الرَّقَمِ في موسُوعَةِ غينيس للأرقام ِالقياسيةِ , إنَّ هذا الانتصَارَ يوازِي انتصَارَ حربِ تموزَ, وإذا فكَّرتْ إسرائِيلُ بتحطِيمِ هذا الرَّقَمِ فنحنُ جاهِزونَ. فمَا رأيكَ بحربِ المَطَابخِ يا مولاي ؟!

السَّاعةُ تشيرُ إلى الثَّانيةِ فجراً يا مولايَ, وأَرى أنَّ بريدي البُوميِّ لم يعدْ يحتَملُ هرطقاتٍ أَكثَر من هَذه ... أترككَ على أملِ أَن أَلقاكَ مرةً أُخرى وإلى تلكَ اللحظَةِ عليكَ سلامُ الله ورحمتهُ وبركاتُه .

أدهم شرقاوي
 

الجمعة، 31 مايو 2013

الرسالة الثانيه

بسم الله الرحمن الرحيم

من عبدِ اللهِ قس بن ساعدة إلى أميرِ المؤمنينَ عمرَ بن الخطاب سلامُ اللهِ عليكَ ورحمتهُ وبركاتهُ وبعد :

وَعدتُكَ يا مَولايَ في المرَّةِ المَاضيةِ أن أقُصَّ عَليكَ بَقيةَ القِصَّةِ إن لم يقُصوا لِسَاني، وبِما أنَّ الله سلَّم هَأنذا أكتبُ إليكَ مرَّةً أُخرى !

بَلغَني يَا مَولايَ أنَّه ذاتَ صَلاةِ فَجرٍ قَامَ الشَّقِيُّ ابنُ الشَّقِيِّ ابنُ الشَّقِيةِ أبو لُؤلؤةَ المَجُوسِي بِطَعنِكَ، فَأخذَتكَ إغمَاءَةٌ ، ولمَّا استَفَقتَ سَألتَ مَنْ حَولَكَ : أَصَلى المُسلِمونَ الفَجرَ ؟ ! ثُمَّ تَذكَّرتَ طَعنَتكَ ، فلَمَّا عَلمتَ أنَّه المَجُوسِيُّ سَجدتَ شُكراً أنْ لَيسَ لَه رَكعَةً يُحَاجِجكَ بِها عِندَ ربِّك !
ثُمَّ إنَّ مَلكَ الموتِ دَخَلَ عَليكَ وَقالَ : يا أيَّتُها الرُّوحُ الطَّيبةُ في الجَسَدِ الطَّيبِ ، أُخرُجِي إلى رُوحٍ وَريحَانٍ وربٍّ غَيرِ غَضبَان
ثُمَّ إنَّهم يَا مَولايَ قَتلوا المَجُسِويَّ بِك !!! أيَّة قِسمَةٍ ضِيزى هَذِه أن قَتلُوا كَلباً بأَسَد!
وَمَا يَزيدُ الأَمرَ مَقتَاً يا مَولايَ أنَّ بِلادَ فَارسٍ التي تَخلَّت عَنْ مَجُوسِيَّتِها ، وَتَركَت عِبادَةَ النَّارِ، ولكِنَّها أبقَت على عِيدِ النَّيرُوزِ، أقَامَت لِمَلعُونِ الذِّكرِ المَجُوسِيِّ مَقَاماً فَهُمْ يَؤُمُونَه وَيُجِلونَه ! فَلَوْ أنِّي عَضَضتُ على يَديَّ إلى أَنْ قَضَمتُ أصَابِعي هَلْ يَلُومُنِي فِي ذَلِكَ أحَد ؟!

وَبَلَغَنِي أَيضَاً يَا مَولايَ أنَّ المُسلِمينَ اتَّفَقُوا بَعدَ ذَلكَ عَلى بَيعةِ عُثمانَ بن عَفَّانٍ،فَحَكَمَ وَعَدلَ، إلاَّ أنَّه وَذَاتَ قِيامِ لَيلٍ دَخلَ عَليهِ الشَّقِيُّ ابنُ الشَّقِيِّ ابنُ الشَّقِيةِ عَبدُ اللهِ بن سبأٍ فِي نِفرٍ لا يَتَجَاوزُونَ العَشَرةِ كانَ مِنهُم كُمَيلٌ بن زِيادٍ، فَذَبَحوه على المِصحَفِ، وَتَفرَّقُوا بينَ القَبَائِلِ. إلا أنَّ الحَجَاجَ بن يُوسُفَ الثَّقَفيَّ ،الذي قَصَفَ الكَعبَةَ بالمَنجنِيقِ، وَقَتلَ عَبدَ اللهِ بن جُبَيرٍ ،وعَبدَ اللهِ بن الزُّبيرِ ، وَصَلَبَه إلى أنْ جَاءَت أُمَّه أَسمَاءُ بِنتُ أبي بَكرٍ فاستَحى مِنها وَأنزَلَهُ ،التَقَى بِكُميلٍ بن زيادٍ وكَانَ في الثَّمَانِينَ مِنْ عُمرِهِ ،فَلَّما عَلِمَ أنَّه مِنَ الذينَ دَخَلوُا على عُثمَانَ ذَبَحَه ،ولا أعلمُ أنَّ الحَجَاجَ فَعلَ خَيراً غَيرَ هَذهِ. إلا أَنَّه لَمْ يِستَطِع أنْ يَمحُوَ ذِكرَه فَمَا زَالتْ قَناةُ المَنَارِ تَقُضُّ مِضَاجِعي لَيلَةَ الجُمُعَةِ بِدُعَاءِ نَسبُوهُ إليهِ، وَهُو عِندَهُم مِن طُقُوسِ لَيلةِ الجُمُعَةِ تَمَاماً كَسُورَةِ الكَهفِ عِندَنَا !

وَلا بَأسَ أَنْ أُخْبِرُكَ يَا مَولايَ أنَّ حَظِيَ العَاثِرَ قَادَنِي ذاتَ مسَاءِ إلى مَجلسٍ كانِ فيهِ شِيخٌ يتَحدثُ عَن فَضَائِلَ كُميلٍ ،فلَّما عَلِم أَنَّي على غَيرِ مِلتِهم أوسَع لي بِجَانِبه،وَغَمرنِي بحَنَانِه، وحدَّثني طَويلاً عَن فضَائِل أَهلِ البيتِ وكَأنِي لا أُحبُهم، ولا أَقُولُ في صَلاتِي :اللَّهم صَلِّ على مُحَمَدٍ وآلِ محمد .
ثُمَّ قَالَ ليَ: أَلا تَعلَم يا بُنَيَّ أَنَّ نُوحاً عَليهِ السَّلامُ لمَّا رَكِبَ السَّفِينَةَ قَالَ: يَا فَاطِمةَ ويَا حُسين فَجَرَتْ فِي مَوجٍ كَالجِبالِ قُلتُ لَه مَن قَالَ هَذا ؟
قَالَ : الطُّوسِيُّ والكُلينِيُّ والشَّهرسْتانِيُّ وَعَلى هَذا أَجمَعَ قَومُنَا فَقلتُ له : وَلكِنَّ القَومَ عِندَنَا أَجمَعوا على أَنَّه قالَ : ( باسمِ اللهِ مَجراهَا وَمُرسَاهَا ) فَنظَر إليَّ نَظرةَ غَضَبٍ وَقد احمَرَّ وجهُهُ ،وانتَفَختْ أَودَاجُه، وقَالَ لي : انقَلِعْ مِن أمَامِي فانقَلعتُ يَا مَولايَ!

وَأَجِدُ أَنَّهُ مِنَ الضَّروريِّ يَا مَولايَ أَن أُخبركَ أَنَّهم اقتَادوا سَيد قُطب إلى السِّجنِ الحربِيِّ بِتهمَةِ لا إِلهَ إلا الله. وأَرسَلوا إِليهِ أُختُه حَميدة لِيُراوِدوه عن دينِه ،فلمَّا استَعصَم حَوَّلوا حيَاتَه جَحِيماً . وَكانَ حَمزَة البَسيُونِيُّ مُدِيرُ السِّجنِ الحَربي يخلَعُ عَنهُ قَميصَه، ويضَعُ الفَحمَ على صَدرِهِ، وَيوقِد النَّارَ في الفَحمِ. رَغمَ أَنَّ سَيداً كَانَ فِي الحَادِيةِ والسَّتينَ ،وَكَانَ مُصَاباً بِالسُّكر ،وَضَغطِ الدَّمِ، وكَانَ بِرئَةٍ وَاحِدَةٍ . وَلمَّا عَرفُوا أَنَّه لَن يَقولَ إلا أَحدٌ أَحد قَرروا إعدَامَه ،فَاتَّصَل حَمزَة البَسيُونِي بِجمَال عَبدِ النَّاصِر وقَال لَه إِنَّ دُستُورنَا الكَريم يَا مَولايَ يَمنَعُ إِعدَامَ سَجينٍ سِياسِي إذا تَجَاوزَ السَّتينَ فقَالَ عَبدُ النَّاصِر : ( إلا الكلبِ دَه ) ثُمَّ إِنَّ الثَّلاثَة صَارُوا عِندَ ربَّهِم ( وَسَيعلًمُ الذينَ ظَلمُوا أَيَّ مُنقَلبٍ يَنقَلبُون ) .

أَمَّا بِالنَّسبَةِ لبيتِ المَقدِسِ يَا مولايَ فقد انتَهتِ الثَّورةُ باتِّفَاقِ أُوسلو
الذي دَأَبَ يَاسِر عرفَات على تَصويرِهِ لَنَا بأَنَّه كَفتحِ مَكة أَو يَزيد ، ولا يَتَّسِعُ المَقَامُ يَا مَولايَ بِعرضِ بُنودِه التَّافِهَةِ على حَضْرتِك إَلا أَنَّه اتفاقٌ يُشبِه استِيلاءَ لِصٍ على بيتِ رجلٍ ، وفي لَحظَةِ نَخوَةٍ تَأتي مَرَّةً في العُمْرِ، قَرَّرَ اللِّصُّ أن يَمنَحَ صَاحِبَ البَيتِ زَاويَةً في غُرفَةٍ لِيَخرُجَ بَعدَهَا وَيُعلِنَ انتصَاره ، والغَريبُ أَنَّه وَجَدَ مَنْ يُصَفِّق لَه ، وَمَا يَزيدُ الأَمرَ سُخريةً أَنَّ إيغال عاميير قَتَلَ اسحاق رابين لأنَّه فَرّطَ بِزاويةٍ من البيتِ المسلوب! فلو أَن إِيغال كانَ فِلسطِينياً وَالتَقى بِمحمود عَباس ما تُراه يَفعَلُ يا مَولايَ ؟!

مَولايَ هَذا كُلُّ ما استَطَاعتْ ذَاكِرتِي تذكُّره ، وَأَنتَ عَلى مَوعِدٍ مَعَ رِسَالَةٍ ثَالِثَةٍ تَأتيكَ إَن كَانَ فِي العُمْرِ بَقِيَّة . وَإلى تِلكَ اللَّحظَةِ قُبُلاتِي ليَديْكَ وَسَلامِي لِصَاحبَيكَ .

أدهم شرقاوي
 

الخميس، 30 مايو 2013

الرسالة الاولى من قس بن صاعده الى عمر بن الخطاب

بسم الله الرحمن الرحيم

من عبدِ اللهِ قس بن ساعدة إلى أميرِ المؤمنينَ عمرَ بن الخطاب ، سلامُ اللهِ عليكَ ورحمتهُ وبركاتهُ وبعد :

بلَغَني يا مولايَ أنَّكَ حينَ دخلتَ بيتَ المقدسِ كنتَ ماشياً وغلامُك راكبٌ ، وكانَ في ثوبِك سَبعةَ عشر رقعةً ، وأنَّ سَفرنيوسَ اشترطَ عليكَ باسمِ أهلِ إيلياءَ أن لا يُسَاكنهم فيها يهود فأجبتَه ، وكانت العُهدَةُ العُمَرِيةُ ... أَّما الآن يا مولايَ فقد أصبحَ اليهودُ أصحابَ الدَّارِ ، وهذه قصةٌ طويلةٌ بدأت حينَ قامَ تيودور هرتزل - وهو بمثابةِ حييٍ بن أخطبٍ في زمانِك - بعقدِ موتمرٍ في بازلَ في سويسرا دعَا اليهِ كل أَّفاك أثيمٍ ، واتفقَ القومُ يومَها على أن يضعوا حداً للتيه ِالذي يعيشونَ فيه ِ ، وبما أنَّ بلادَ الرومِ كانتْ قد ضَاقت بهم ذرعاً استحسنتِ الامرَ ، ووَفرت على نفسِها جهداً كالذي بذلتَه أنتَ حينَ قلتَ : الآن لا يكونُ دينانِ في جزيرةِ العرب .

وذاتَ صباحٍ مشؤومٍ يا مولايَ ، جلسَ سايكس و بيكو - وهما نصرانيانِ من بلادِ الرّومِ - على مائدةِ الفطورِ ، وبدلَ اقتسامِ رغيفِ الخبزِ قاموا باقتسامِ دولتكَ فيما بينهم ، ولا تسألني يا مولايَ لِمَ لَمْ نحرِّك ساكناً ، لاننّا كنّا نغطِ في العسلِ ولم نعرف بهذا إلا بعد قيامِ الثورةِ الشّيوعيةِ في روسيا وسرَّبت وثائِق الدَّولةِ السِّرية .

ولمَّا حضَر الرُّومُ الى بلادِ الشَّامِ يا مولايَ بدأت هجرةُ اليهود ِالى بيتِ المقدسِ ، وكنَّا نغطُّ في العسلِ ايضاً الا قلةً مؤمنةً باعت نفسَها للهِ في أحراشِ يعبد كانَ منهم عزُّ الدينِ القسام ...

ثمَّ إنَّ الجنرالَ ديغول - والجنرالُ رتبةٌ عسكريةٌ تشبِه حِذاءَ خالدَ بن الوليدِ- ذهبَ الى قبرِ صلاحَ الدينِ ورفصَه بقدمِهِ ، وقالَ له : ها قد عُدنا يَا صَلاح الدين والآن قد بدأت الحروبُ الصَّليبية !!!

وستَستغربُ أيضاً يا مولايَ حينَ تعرفُ أنَّ اليهودَ كانوا كرماءَ معنا جداً ، فبغضِّ النظر ِعن دير ياسين وكفر قاسم وصبرا وشاتيلا إلا أنَّهم أعطونَا دولةً في داخلِ دولتِهم ، فقمنَا بإعمالِ عقلنِا وجعَلْنَا من الدَّولةِ دولتينِ ، ثمَّ إنَّ عبد اللطيف موسى نظَر حولَه فاستكبَرَ غزَةَ وأرادَ أن يقسِمَ نصف الدولةِ إلى دولتينِ ، فما كان من القوة التنفيذية الاّ أن توجَهت اليهِ وحاورتهُ بهدوءٍ ، فنحنُ كا يريدُ ربُنَا اذلةٌ على المؤمنين اعزةٌ على الكافرين ، ثم إنَّ الرجلَ اقتنعَ بالحسنى ، وأنا اضمنُ لكَ أن لا يعودَ إلى عملتِه تلك !

صَحيحٌ يا مولايَ ، نسيتُ ان اخبركَ ان عمرو بن العاصِ ماتَ منذُ فترةٍ طويلةٍ ، والآنَ يحكُم مصرَ رجلٌ يقالٌ له حٌسني مبارك ، وهو كابنِ سلولٍ في زمانِكِ ولكنَّه لا يُصلي الفجرَ في المسجدِ .
ومعاويةُ توفيَ ايضاً ، ويحكُم دمشقَ الآنَ اسرةُ علويةٌ قتلَ كبيرها في يومٍ واحدٍ في حماةَ وحلب ما يزيدُ على ثلاثينَ الفَ مسلمٍ لانهم قالوا ربُنا الله .

ونسيتُ ان اخبرُكَ يا مولايَ ان زينَّ العابدين بن علي - ولا يغرنَّكّ اسمَه - قد منعَ الحجابَ في الدوائرِ الرَّسميةِ والجامعاتِ حفاظاً على منظرِ الدولةِ ِالحضاري ، وقبله قام بورقيبة بأمرِ الشعبِ بالافطارِ في رمضانَ ، لانَّ الصيامَ يؤثِّر على عجلةِ الانتاجِ ، والغريبُ ان احدَ عشرة شهراً من الافطارِ لم تكن ترفعُ من مستوى دخلِ الفردِ وخدماتِ الدولة !

وبالعودةِ الى الرّومِ يا مولايَ فهم على مقربةٍ منكَ الآن ، انهم يشربونَ من دجلةَ ، ولكنَّ الجهادَ هناكَ ماضٍ ، غيرَ ان الصحوةَ تقاتلُ القاعدةَ والقاعدةُ تقاتلُ الكلَّ ، والسيستاني الذي يصومُ بعدَ المسلمينَ بيومينِ بحجةِ عدمِ ثبوتِ رؤيةِ الهلالِ لم يثبتْ له الاحتلالُ رغمَ انَّه رأى مئتي الف جنديٍ امريكي .

مولايَ هذه بعضُ اخبارُ دولتِكَ ، خشيتُ عليكَ ان اخبركَ بكلِ ما حدثَ ، والاسماءُ التي اوردتُها لكَ ليست الوحيدة التي العنُها اكثر مما العنُ ابليسَ ولكن لم يتسع المقام ، والبقية تأتيكَ ان لم يقصُوا لِساني !
"

أدهم شرقاوي
 

الأربعاء، 29 مايو 2013

الرسالة الأخيرة للحمار الميت الذي لا يريد أن يبقى مديناً


الرسالة الثالثة والعشرون

ذبابة الحمار الحبيبة جداً ،
لم يجدوا مكاناً مناسباً ليضعوني فيه، جهنم قليلة بالنسبة للذنوب التي اقترفتها قالوا: "لنضعه في قعر جهنم ولنر ماذا سنجد له مستقبلاً."
كانوا يخيفوننا بجهنم أثناء حياتنا، أليس كذلك؟ لكنها ليست مخيفة إلى الحد الذي صوروه لنا، أما كانوا يقولون، جهنم ألسنة لهب، ثم تقف ليصبح كل مكان متجمداً. نعم إنها كذلك.. كيف
كنت أعيش في قبو يشتعل حراً، صيفاً، وكالثلاجة شتاءا. هنا ما يشابهه تماماً. كأنني لم أمت بل أكمل حياتي السابقة. تعرفين أن الهوا لم يكن يدخل إلى القبو الذي نعيش فيه أبداً. لكن هنا
يدخل الهواء كلما فتح الباب لدخول مذنب جديد. ما أريدك أن تفهميه أن المحيط الجديد في جهنم لم يؤثر في مطلقا بل أفادني.. كنت دائماً أكرر: لم أستطع الذهاب في حياتي ولو مرة
إلى المصيف. كأنني أتيت إلى المصيف وعلاوة على ذلك لا يوجد هنا أي ذباب، أو بعوض ولا ضجيج مذياع رفعوا صوته الجيران ولا صراخ الأولاد أو مناداة الباعة المتجولين ولا
أصوات المزامير أو السيارات ولا صوت سيارات الشرطة.. لا يوجد هنا أي نوع من أدوات التعذيب، مثل التلفزيون، الراديو، الجرائد... جمدت أحشائي من شدة برد الشتاء في الدنيا ولكني الآن في جهنم بدأت قليلاً أتحرك. كان زبانية جهنم يدهشون عندما أقول:
- دخيلكم أضرموا النار أكثر...
ما كانوا يقولونه أن الناس في جهنم مكدسون فوق بعضهم، بعضهم من يصرخ وبعضهم من يبكي ومنهم من يتوسل، لا يهمني مطلقاً. رغم هذا صدقي أن جهنم أقل ازدحاماً وضجيجاً من
بيتنا. كما تعلمين كنا نعيش فيه تسعة أشخاص. لم يكدسوا الناس بهذا الشكل في جهنم لأنه عمل لا إنساني.
ذبابة الحمار الحبيبة: لا أستطيع أن اعد لك كل مزايا جهنم الجميلة. لم نعرف أن لأمثالنا خلاصاً في ذهابهم إلى جهنم منذ زمن بعيد. كدت أن أنسى أن أهم مزايا جهنم عدم وجود مشاكل المؤجر والمستأجر...
لم أستطع البقاء في بيت لمدة ستة أشهر في حياتي، بسبب عدم استطاعتي دفع الأجرة وإيانا في الشارع. لقد أصبح رمينا وأشياؤنا في الشارع من تقاليد حياتنا. وأولادنا كانوا يمرحون
كثيراً يوم الحجز وينتظرونه بالدقائق.. كان يوم الحجز بالنسبة لهم عيداً.. كانت تُنثر في الشارع الصحون المكسرة، الزجاجات، المقاعد الخشبية، التنكات الصدئة.. والأولاد يقفزون
ويلعبون بينها.. كان عندنا راديو قديم، يهجم عليه – لحجزه – كل من يدخل بيتنا من موظفي حجز وشرطة، لأن الفرش واللحف لا تحجز لم يجدوا في بيتنا ما يحجزونه سوى الراديو.
كان الهجوم على الراديو، هو أول عمل لأي موظف حجز يدخل بيتنا. موظفو الحجز أناس بطبيعة ريبة. كانوا ينصبون أنفسهم أعداء باسم المدين.. حجز الراديو أكثر من خمس عشرة
مرة ثم عاد لنا. فكرت، فوجدت أن موظفي الحجز مهتمون به كثيراً فأخرجت ما كان بداخله وملأته بالخردوات. أتى موظفو الحجز والشرطة مرة أخرى. لو رأيتهم كيف هجموا على
الصندوق ظناً منهم أنه راديو. وهكذا خلصنا من الدين والراديو معا.
لا يوجد هنا لا تنفيذ حجز ولا أجرة ولا صاحب دين...
للأسف لم تستمر راحتي الجهنمية هذه كثيراً. رفع زبانية جهنم تقريراً إلى الجهات العليا حول سعادتي، وراحتي هنا. دقِقَ ملّفي. أُصدر قرار: "إن حياته في جهنم تجري طبيعية جداً كونه
لا يوجد عذاب لم يتعذبه أو ألم لم يتألمه في حياته. لأنه متعود على كافة أنواع الهموم والآلام والمرارات فجهنم بالنسبة له، مصيف رأينا – من أجل تعذيبه – أن ندخله الجنة".
لأشرح لك كيف الجنة هذه: أتذكرين – قبل الانتخابات – كيف كان كل حزب من أحزاب المعارضة يصف الحالة التي سيجعل بها البلد. الجنة هي مكان كهذا الذي يصفون..
لقد أعطوا أجمل أماكن الجنة لمن عمل أكبر خير في حياته. لم أر كل الجنة، ولكن رأيت في القسم الذي تجولت فيه قصراً لا أستطيع وصف جماله.. يماثل تماماً الأمكنة التي توصف
وتوصف ثم يقال إنها مثل الجنة.. القصر وسط حديقة كبيرة جداً، لكن ممنوع الدخول. ثمة لوحة فوق الباب ذي الأرفتين كتب عليها "انتبه! يوجد كلب" لا ضرورة لتلك اللوحة لأن نباح
الكلاب مسموع. نظرت إلى الحديقة من تلة عالية: كما وصف لنا تماما. الجسر يجري في كل مكان. (ماركة) كوثر. امثلي واشربي.. تحت كل شجرة مكان للعشاق.. يد في السمن وأخرى
في العسل.. هناك كل ما تشتهينه.
سألت الأقدم مني عن اسم ذاك الحي، قيل لي "جنة العلا".. يعيش في منطقة جنة العلا هذه من عمل صالحاً أكثر. كما يعيش أكبر نجوم هوليود في منطقة (بافيرلي هِل). استفسرت عن نوع
العمل الصالح الذي قام به صاحب الفيلا. كان ساكنها في حياته أحد رجال الصناعة الأغنياء جداً. أنشأ مشفى ضخماً لمعالجة مرضى السل. مقابل هذا أعطي أجمل قطعة أرض في الجنة.
كما ترين يا ذبابة الحمار، يجب أن يعمل الإنسان خيرا في حياته لكي يدخل الجنة، ولكي يعمل خيراً يجب أن يكون غنياً.
سألت عن الرجل، قيل لي إنه كان يملك عدداً من المصانع، يعمل فيها آلاف العمال. كان يصاب العدد الأكبر من عمال مصانعه بالسل ويموتون. حزن كبير. لطيبة قلبه، وليكون عماله
في حالة أحسن، أنشأ لهم مشفى سل. وهل هناك مثل عمل الخير. انظري كم هو طيب القلب ذاك الرجل. كان يمرض عماله بالسل أولاً ثم يداويهم..
أعطيت مفارز الأراضي جانب البحر لأصحاب الأعمال الخيرية الكثيرة. لا أحد يستطيع الدخول إلى البحر سواهم. كتبوا في جنة الله لوحات "ممنوع الدخول إلى البحر من هنا"
ووضعوا لأنفسهم قانوناً خاصا.
كما ترين يا ذبابة الحمار الحبيبة، لا فرق بين الجنة هذه وجنة وطننا.
حادثت هذا الصباح أحد أبناء البلد الذين هاجروا إلى الجنة قبلي. ولأنه ميت منذ فترة طويلة،
سألني:
- ماذا هناك، في البلد؟
قلت:
- لا شيء.
- يعني كما كانت منذ زمن. لم يتغير شيء.
قلت:
- هناك بعض الأشياء القليلة تغيرت.
- الحمام، هل تغير الحمام؟
- لا يا سيدي، الحمام كما هو، القديمة ذاتها.. لا يهدمونها لأنه تحمل قيمة تاريخية ولا يرممونها لأنهم لا يملكون النقود. ينتظرون أن تهدم من نفسها.
- الطاسات؟
- الطاسات أيضاً كما هي، لم تتغير. يبيضونها بين الفترة والأخرى.
- من يبيضها؟
- أي من كان..
- ماذا عن القُيام؟
- يتغيرون من فترة لأخرى.. ولكن القادم يجعلنا نفتقد للذاهب.
- من أي جهة؟
- باختصار يسلخون جلدنا..
- ماذا يعمل بكري مصطفى*؟
عندها تلفت يميناً ثم يساراً، قال:
- لا تخف، لا تخف. نحن هنا أحرار. نستطيع أن نتكلم بما نريد.. ماذا يعمل بكري مصطفى؟
قال عندما طأطأت رأسي:
- فهمت، فهمت.. لا ضرورة للشرح أكثر..
أختي الحبيبة ذبابة الحمار، أظن أنني سأكون بهذه الرسالة دفعت ديني كاملاً لمديري. لهذا ستكون هذه رسالتي الأخيرة. على أمل اللقاء في أحد الأيام، أُقبل عينيك.
حمار ميت
 
اسم، غدا رمزاً للإنسان الشقي

الثلاثاء، 28 مايو 2013

وصول الحمار إلى الدار الآخرة


الرسالة الثانية والعشرون

عزيزة الروح ذبابة الحمار:
تابعت طريقي حتى وصلت إلى المكان الذي لا عودة فيه لحي. كانت ثمة لوحة معلقة فوق مكان قطع التذاكر كتب عليها "لا تباع بطاقات العودة" أيذهب الإنسان في طريق لا عودة فيه! لا يدخل! إن استطاع، ألم ندخل طريقاً لا عودة فيه منذ ولادتنا؟ كنت سأبحث عن طرق أخرى قبل دخولي في هذا الطريق الذي لا عودة منه، ولكن لم أجد مخرجاً من المكان الواسع الذي
ONE ) أنا فيه إلا طريقاً كتب في أوله (اتجاه مفرد) كتب تحتها من أجل أن يفهم غير الأتراك يا ذبابة الحمار، أنا أكره كل الطرق المفردة.. ولكن ما الذي أستطيع فعله؟ . ( WAY وقف الأموات في الدور أمام شباك التذاكر. أنا أخذت دوري. كان خلف الشباك ملك أشقر.
لوحت بيدي فإذا بالملك فتاة أعرفها. ستظنين – كما كل مرة – أنني أكذب، صدقي أنني صادق.. كنت أعرف الفتاة من الحياة. كانت (ملك ) حقيقة. يعني كان اسمها ملك. عملت
طوال حياتها قاطعة تذاكر. لا أدري متى ماتت، ولكنها أصبحت شابة. لشدة ما لوحت لها بيدي، بينما كنت أظن أنها ستدعونني بابتسامة، ولكنها أحنت رأسها بعبوس لا يليق بالملائكة.
فصحت لها مستنداً إلى علاقتنا الصميمية في الدنيا:
- ملك.
هز المكان صوتاً، يقول:
- اصح لنفسك! عد إلى جديتك! لا تتمايع!
لم أرد صاحب الصوت كأنه يأتي من مكبر صوت فوق الغيوم. كان يقترب دوري ببطء.
بدأت أرصد بدقة كل ما يفعله من كان أمامي. كانت ملكتنا تهمس لمن يأتي دوره بشيء كأنه سؤال وحسب الجواب تعطيه ورقة ملونة. هذه الأوراق، تذاكر. كان يذكر الرجل الواقف تحت لوحة "اتجاه مفرد" بصوت عال اسم المكان الذي سيذهب إليه حامل البطاقة وحسب لون بطاقته:
- موقع أول.
- درجة ممتازة.
- مقعد ممتاز.
- (بلكون)
- (صالة)
- درجة شرف ممتازة.
لم أكن أسمع ما كانت تهمس ملك بأذن من يأتي دوره.
أتاني الدور قلت:
- ملك، ألم تعرفينني؟
عملت نفسها لم تسمع، وهمست لي:
- بطاقتكم.
- أية بطاقة؟
- أليس معكم بطاقة توصية؟
تفوه، حتى هنا يوجد توصية؟ هنا توجد الواسطة؟ مستحيل.
بعد أن سألتني عن اسمي وكنيتي قالت لي:
- انتظروا قليلاً.
ضغطت على زر . كل شيء على الكهرباء. لحظة ضغطها على الزر، أتى أمامها ملف ضخم يتحرك على سكة . قالت:
ملفكم ضخم.
مطبوع فوق الملف هلالين أحمرين وخاتم "سري جداً".
فتحت الملف. كانت وهي تقرأ تقاريره وتنظر في صوره، تصدر صوتاً:
- هم!.. هذا!.. أووو هذه!.. ياااه!... هو هو !...... واخ!...
قالت لي وكأنها لا تعرفني:
- أهذا أنتم؟.
- نعم أنا؟
ضغطت على زر مرة أخرى. ظهر بجانبها أحد ملائكة جهنم. قالت له:
- خذوه إلى غرفة التحقيق! انتبهوا مجرم خطير...
أمسكني من ذراعي وكأني سأهرب . وكأن الهرب ممكن هنا. ودفعني داخل باب يفتح من نفسه. التقطت معصمي ذراعان آليتين مثبتتان في الجدار نهايتهما مثل الكماشة. قلت:
- من أنت؟
أتاني الصوت الغليظ ذاته:
- يد العدالة.
قلت:
- هنا أيضاً، ياهوه..
أجاب الصوت المعدني:
- يد العدالة طويلة. ليس للمقبرة فقط، بل حتى قعر جهنم.
قلت لنفسي "وهل الوصول إلى المقبرة صعب؟ لنصل ولنر. ولكن أي "قلت" هذه. في الحقيقة لم أفتح فمي ولم أقل شيئاً.
لا أدري لماذا لا تصل يد العدالة هذه كماشتها القوية لأصحاب الالتماس والواسطة بل تصل للضعفاء مثلي.
ثمة آخرون في الصالة. جلت بنظري لعلي أجد أحد معارفي، فلم أجد. هناك مدخل لمكان آخر كتب فوقه "غرفة التحقيق" على يمين الباب بائعة معصوبة العينين وفي يدها ميزان. المرأة
واقفة وتنادي لجلب الزبائن:
- تعال اختر، اختر واشترِ. . اختر الذي يعجبك واشترِ.. الفرجة ببلاش..
قلت لأحدهم وكان بجانبي:
- عفوكم، أتعرفون هذه المرأة؟
قال:
- إلهة العدالة.
- لماذا هي معصوبة العينين؟
- لكي لا تظلم أحداً.. إنها تبقى امرأة، عصبوا عينيها حتى إذا ما مثل أمامها شاب متهم وسيم لا ير ّ ق قلبها له وتخفف حكمه..
- ما دام هكذا ليسلموا ميزان العدالة لذكر.
- ماذا يحدث لو أتت فتاة جميلة متهمة أمام الذكر؟
شكرت الرجل على تلك المعلومات. لقد تعّلم الكثير هنا كونه ينتظر التحقيق منذ فترة طويلة جداً.
إلهة العدالة تنادي بشكل مستمر وكأنها في سوق:
- لا غش ولا أونطه،.. اختر وخذ، اختر وخذ.
سألت الرجل الذي تعرفت عليه:
- هذه آلهة العدالة ياه.. تكلف محامين للمتهمين لتأخذ العدالة مجراها.
- إنها تنادي اختر وخذ!؟
- لكل محام حسب نقوده.. إذا كان معك الكثير، توكل لك برفيسور حقوق مشهور.. أو أحد وزراء العدل السابقين.. إذا كانت نقودك قليلة تكلف أحد المحامين الشباب، من الذين ينبت زغبهم حديثاً.
- إذا كان لا يوجد معي نقود؟
- يبقى مصيرك بيد الله..
- تقصد احترقنا..
أدهشتني حادثة رأيتها. كان ثمة رجل ضعيف محني الظهر قليلاً ذو لحية مخروطية، يقترب من خلف إلهة العدالة ويرفع ثوبها الحريري الطويل وينظر إلى ما تحته. كان يخرج رأسه لفترة. ويدخله مرة أخرى. كانت إلهة العدالة الماسكة للميزان والمنادية للزبائن تضرب بيدها. محاولة كشه كما يكش الذباب أحياناً، ثم تضرب بيدها على مؤخرتها أحياناً أخرى.
سألت:
- يا سيد، من هذا الذي يدخل برأسه تحت ثوب الإلهة بين الفترة والأخرى؟
- هااا، ذاك؟ مخلوق سافل عديم التربية والشرف... الشيطان، ألم تعرفه...
- لماذا يدخل رأسه تحت ثوب المرأة المسكينة؟
- ليتفرج على مؤخرتها.. وعندما يتمادى تضربه بيدها.
- إلى أين يصل عندما يتمادى..
- إلى الطريق المفرد.
ثمة ملك يقوم بمهمة المنادي. ينادي أسماء من يأتي دورهم للتحقيق. ليس ثمة من يتحمل الأصوات الآتية من الداخل، أصوات تخمش الآذان وتمزق القلب.
- آآآخ ، احترقت.
- كفى لا تضربني يا أخي.. انتهي....ت ، انته .... ت.
- أبوس رجلك.
- .. أنا قلت كل شيء. أنا عملت كل شيء.
- كرمى لله!.. ارحموني كرمى لله.. اسمعني يا ربي ، اسمعني...
كان لا يجاب على هذه النداءات، ولكن مكان الجواب كان يسمع أصوات "طاق ، طاق،، شاق!.. شاق.."
سألت الرجل:
- عفواً، ما الذي يجري في الداخل يا ترى؟
قال:
- تتحقق العدالة الإلهية..
فكرت أن عدالة الشيطان الذي يدخل رأسه تحت ثوب المرأة المعصوبة العينين التي تزين العدالة هي هكذا" لخوفي لم أخرج صوتي.
سألته:
- سيدي، ما هي مهنتكم في حياتكم؟
- منتج جنسي...
- لم أفهم ماذا يعني هذا. وظيفة رفيعة على ما يبدو، أي وزارة تتبع؟
- لنا اصبع في كل الوزارات.
- جميل جدا.. يعني قطاع عام أم خاص.
- كيف لا تعرفون المنتج الجنسي؟ انه قطاع خاص ولكن له تأثيره في كل مكان. يعني سمسار الحب ويسمى أحياناً تاجر الرقيق الأبيض، أما الطبقات الاجتماعية الدنيا فتسميه قواداً..
- يعني ما يسميه عامة الناس (عرصه)
ضحك. فهمت عمله. حينها صاح المنادي الاسم الكامل لتاجر الرقيق الأبيض وأدخل غرفة التحقيق. بعد فترة قصيرة سمعنا صوت العدالة الإلهية المسموع من كل مكان:
"لحظة ولادتك في مشفى التوليد أتى طفل آخر إلى الدنيا. نتيجة خطأ في غرفة الولادة أعطوا الطفل الآخر لأمك وأنت لأم الطفل ذاك. لهذا عاش الطفل الثاني ما كتب على جبينك وعشت
ما كتب على جبينه. بينما كان سيصبح الآخر قواداً وتصبح أنت رجلاً عظيماً، أصبحت أنت قواداً مكانه وهو رجل عظيم مكانك. بعد أن عشت خمسة وستين عاماً مظلوماً، ستأخذ العدالة مجراها."
خرج تاجر الرقيق الأبيض من عند قاضي التحقيق. بالرغم من أنه يؤخذ إلى الجنة كان عابس الوجه كأنه يذهب إلى جهنم.. قلت له بينما كان ماراً أمامي:
- مبروك..
قال وهو يرفع يديه إلى الأعلى:
- ما هذه العدالة التي رحت ضحيتها ياهون، أليس من الممكن أن تتحقق دون أن أعمل قواداً أربعين عاماً.
قال أحدهم:
- حظك كويس إنك مت مبكراً. ما كنت ستفعل لو عشت تسعين عاماً حتى تتحقق هذه العدالة..
مشى تاجر الرقيق الأبيض ذاهباً إلى الجنة.
سمعت صوتاً إثره "لا اعتراض على حكمه".
الملك المنادي:
- الحمار المي ....ت
أدخلوني غرفة التحقيق.
كتب على اللوحة المعلقة خلف قاضي التحقيق والمؤطرة بماء الذهب:
"العدل أساس الملك"
بعد أن سألني قاضي التحقيق عن اسمي، كنيتي، اسم والدي، قال:
- أين ولدت؟
- في السرير على ما أظن...
بعد جوابي على الأسئلة التقليدية، قال:
- ما سبب مجيئك إلى المقبرة.
لخبطني هذا السؤال، لأنه مفاجئ... لا أستطيع القول: "السبب سياحي..." قلت:
- بسبب اختياري الحرية...
- جريمتك التبول مقابل الشمس.
- لم تكن نيتي سيئة. لم أدر ظهري لكي لا أعمل حقارة.
- ما عملك؟
جواب هذا السؤال صعب.
- الكتابة عندما أجد الفرصة..
- ماذا تكتب؟
أردت الغمغمة على هذا السؤال فقلت:
- من هذا وذاك.
طلب من كاتبة المحكمة:
- اكتبي يا ابنتي: "ما يفهم من قول المتهم من هذا وذاك حسب ما اعترف وأقر..."
قطعت كلامه قائلاً:
- أقصد عن الهواء أو الماء.
- اكتبي يا ابنتي: "قصد المتهم من قوله الهواء والماء، قضايا الدولة الكبرى، كقضية وحدتنا الداخلية التي نعيشها أفضل من أي وقت مضى...
- سيدي، أنا لم أكتب هذا.. كنت سأكتب.
- إن كتبت، أو نويت أن تكتب، واحد.. هل نويت أم لم تنو؟
- إذا كان على النية فنويت. ولكن نويت الكتابة عن الهواء والماء..
- ماشي.. ماذا يعني الهواء، يعني تجارتنا.. الماء؟ اقتصادنا..
- ولكن أنا قصدت الأشياء التافهة بالهواء..
- الأشياء التافهة، أليس كذلك؟ يعني صناعتنا التجميعية.. هوه هوه، تكبت من هذا وذاك، عن الهواء والماء، الأشياء التافهة.. ماذا تكتب أيضاً؟
- لا أكتب يا سيدي.
- تكتب، تكتب.. أنت لا تقف عن الكتابة، قل ماذا تكتب؟
- أكتب رسائل.
بعد أن تهامس قاضي التحقيق ومن كان بجانبه. أخبروني بأنهم سيرسلوني إلى قعر جهنم.
سألني قاضي التحقيق:
- ما قولك؟
- أقول بالله؟
- لا يمكن لك أن تتكلم بشكل تحل فيه حرمة المحكمة. تكلم بالقانون..
- يعني أرادني أن أتكلم الجمل الطويلة والكلمات الأكثر غرابة بشكل غير مفهوم. بدأت الكلام مما علق بذهني من محاكماتي في الدنيا.
- أتواجه لمقام هيئتكم مع تقديري قانون الدار الآخرة الجزائي من مادة المحاكمة السرية فقرة...
- صاح بي القاضي:
- اخرس!
خرست ثم صحت:
- يحيا العدل!
وهكذا يا ذبابة الحمار الحبيبة، نحن هكذا في قضايا كهذه، يعني كيفما أنتم هناك نحن مثلكم..
كيف حالكم؟ ما هي أخباركم؟ هل مر الزبال من حينا منذ العيد الماضي؟ هل المياه مقطوعة حتى الآن؟ ألا تزال الكهرباء كما كانت عندما كنت هنا تقطع أربع – خمس مرات في اليوم،
والضوء يرفف العين؟ ألا تزال مياه المجارير تطوف وتحوم في الأزقة، ووزير الصحة يقول:
"اتخذت الإجراءات اللازمة لمنع انتشار الأمراض السارية؟" وهل لا يزال رئيس الوزراء يعطي الناس وعداً بأن سعر المادة الفلانية سوف لا يرتفع، وبالتالي إشارة يبشر فيها تجار
السوق السوداء ليجمعوا البضاعة ويكسبوا منها المليارات؟
أقبلك بشوق من بين عينيك ومن إبرتك يا ذبابة الحمار الحبيبة
حمار ميت
عزيز نيسين
 

الجمعة، 24 مايو 2013

نقاش الأموات الحاد حول تحديد النسل


الرسالة الحادية والعشرون

أختي ذبابة الحمار:
حدثت أشياء غريبة هنا في القبر. كانت ثمة أصوات أقدام فوق التراب لا بد أن بعضهم يتجول فوق رؤوسنا. قال الرجل الذي تحتي كونه دفن قبلي:
- صار الوقت ليلاً.
قلت:
- كيف تفهم الوقت، نهاره وليله تحت التراب؟
قال:
- لا تستطيعون سرقة شواهد القبور في النهار ياه..
هذه الأصوات . أصوات وقع أقدام لصوص شواهد القبور. يبيعونها لحجاري الشواهد. وهم يعدلونها حسب الطلب. ليبيعوها لآخرين. بعض حجارة القبور بيعت لثلاثة أربعة أشخاص.
يسرقون حتى الأكاليل الموضوعة على القبور الخاصة. ولأن أعواد زهور الأكاليل قصيرة فلا تجد سوقاً جيداً.
سألته:
- أين حارس المقبرة؟
قال:
- موجود. يعملون اتفاقية بينهم وبينه فلا يتركون مجالاً لنشوب الخلاف...
يقال أيضاً إن هناك من يفتح القبور لسرقة أسنان الموتى الذهب، أو البلاتين. ولكن لم أشهد حادثة من هذا النوع. منذ قدومي حتى الآن. أي خلال أربعة أيام. كانت المرأة الميتة من
وضع المسهل في الكاتو تحكي دون توقف.
سألت الرجل الذي تحتي:
- هل أصبح الصباح؟
قال:
- بماذا يهمك الصباح من المساء؟
ثم أضاف:
- نحن هنا خارج الزمن.
- حدثت ضجة فوق رأسي. قال الرجل الخارج من الزمن.
- الوقت ليس صبحاً، نحن على وشك الظهر.
إنهم يحفرون فوقنا ياه.. سيدفنون في هذه الحفرة فقيراً آخر مثلنا. حدث هذا بالفعل. لم يحفروا التراب بعمق. وضعوا ميتاً مسناً جداً. بعد أن أزاحوا التراب قليلاً، بقدر ما يتسع لميت. يفهم
من الأصوات التي تأتي من فوق أنهم شخصان. وعلى الأكثر ثلاثة. رشوا فوقه التراب كما يرش الملح على الخيار. حسب اعتقادهم أنهم أغلقوا القبر، بعدها بدأ ذاك الصمت المطبق في
منطقة خارج الزمن تلك:
الصمت لا يقطع أبداً كلام الأموات. لهذا قال الميت الذي تحتي للميت المدفون حديثاً:
- ما هو سبب موتكم؟
لم أقصد بهذا القول أنه خوف صمت القبر.
نعم، سأل الميت الذي تحتي الميت الذي فوقي عن سبب موته. وهكذا شرح الميت الجديد: لم أعرف سبب موتي حين مت. ولكن عرفت من خلال نقاش الأطباء فوق رأسي بعد موتي. قالوا إنه لا يمكن إجراء جراحة للمريض الذي أخذ كورتيزون قبل إخراجه. نسي الطبيب الذي أجرى لي العملية قراءة تقرير المعاينة الذي أعطوني إياه في المشفى. لا يعرف أنني أخذت كورتيزوناً مع أنه مكتوب في التقرير. وعلى قول الأطباء أن الجراح أجرى لي عملية ناجحة جداً. حتى زملاءه الأطباء هنأوه. إذا كان على نجاح العملية، نجحت. ولكن مع الأسف الطبيب لا يعرف أنني أخذت كورتيزوناً، فلهذا مت، طبيعي لم يمنع نجاح العملية موتي.
صحيح أن الموت كان نهاية العملية الناجحة. ولكن لم تكن العملية هي السبب لهذا الموت.
السبب هو أخذي كورتيزوناً.
لأنني لم أفهم شيئاً من هذا، سألته:
- وماذا يعني هذا؟
- هذا يعني أن الأطباء الذين عاينوا جثتي قالوا إن العملية ناجحة جداً، وبالتالي، أثبتوا أن الطبيب الذي أجرى الجراحة غير مسؤول عن موتي. أحد الأطباء الذين فوق رأسي قال
إن الطبيب مجبر على قراءة التقرير، ولو قرأه لعرف أنني أخذت كورتيزوناً وكان سيؤجل العملية حتى يخرج الكورتيزون. قال الطبيب الآخر:
- سيدي، هذا الرجل "كان يشير بإصبعه إل  ي" في السادسة والسبعين من عمره، ما شاء
الله عاش ما استطاع. يعني لو لم يكن أخذ كورتيزون ونجحت العملية، ولم يمت فوراً، كم سيبقى حتى يموت (ما هيك)* ممكن أن يكون قبل العملية (ما هيك؟).
عاد صمت الموت عندما سكت الرجل. ثم سأل المقبور الجديد:
- كم ميتاً نحن في الحفرة؟
قلت:
- نحن بما فيهم أنتم، ثلاثة رجال وامرأة. يعني أربعة.
قال الميت الذي تحتي:
- هذا الذي نعرفه، حيث لا نعرف ما تحت المرأة الميتة.
قال الميت الذي فوقي:
- اترك ما تحت الأرض. إذا لم يطبق تحديد النسل، سوف لن يبقى مكان للناس حتى
فوق التراب.
بعدها قدم حديثاً طويلاً حول فوائد تحديد النسل.
الحقائق واضحة بالأرقام. لو كان في تركيا بدلاً من الأربعين مليوناً عشرون فقط، من الطبيعي أنه سوف لا يبقى فقراء. لأن أكل الأربعين مليون من بيض ولحم وحليب وحبوب سيأكلها عشرون مليون فقط لما بقي بطالة. ولو كان في تركيا بدلاً من العشرة ملايين خمسة ملايين فقط لزالت أزمة السكن، وأصبح عند كل شخص بيتان أو ثلاثة. عصب الميت الذي فوقي عندما بدأ الميت الذي تحتي بالضحك. وصاح به:
- لماذا تضحك؟
قال الذي في الأسفل:
- أنتم على حق. الحساب واضح. لو كان يعيش في تركيا بدلاً من الخمسة ملايين مليونان فقط، لعم الرخاء.. ولكن أليست كذلك دولتنا. مهما كان، لا يوجد في بلدنا أكثر من مليونين يعيشون مثل البشر.
قال الذي فوقي بصوت عالٍ:
أربعون مليوناً...
- نعم. أربعون مليوناً، الثماني والثلاثون الذين لا يعيشون والميتون دون أن يعيشوا، يعملون لكي يعيش المليونان أو قل الخمسة ملايين مثل البشر.
- ما الذي تعنونه؟
أحسست أنه علي أن أدخل الحديث:
- لا تخيفوا الناس على الفاضي.. هذا نحن كلنا متنا.. ليس هناك ما بعد الموت..
الحمار الميت لا يخاف من الذئب.
قال الرجل الذي تحتي:
- هذا الذي يسمونه تحديد النسل أوجده أولئك الذوات ليلهوا به الناس وليعيشوا بشكل أفضل.
قال الذي فوقي:
- وماذا يعني هذا؟
و ضح الذي تحتي:
- الأمل في المستقبل، أي في الأجيال القادمة.. عمل الجيل الماضي ما عمله.. يجب تنشئة الجيل الجديد بشكل، يفتح فيه عينيه على ما حوله، وبالتالي يظهر العظماء من الجيل.
يعني إذا تحدد النسل، تحدد الجيل القادم. هذا يؤدي إلى قلة احتمال ظهور العظماء بينهم.
السن الأكثر عطاء وإبداعاً سن ما بين العشرين والخمسين. الناس عندنا غالباً ما يصبحون بعد سن الخمسين عالة على غيرهم. الذوات يعيشون حتى الستين والسبعين بل وحتى الثمانين.
وهم يمتصون دم الجيل الجديد. ويطالبون بتحديد النسل ليحملوا هذا الجيل عبئاً أكبر. لماذا يطالبون بتحديد النسل، لماذا؟ لكي يبقوا مسيطرين. دنيانا يديرها الذوات. انظر، انهم على
رأس أي نظام في الدنيا. يريد هؤلاء الأوغاد أن يعيشوا أكثر حتى لا يبقى في أجسادهم إلا الكلس الذي لا ينفع حتى الطبيعة. تكلس كل مكان في الذوات حتى عقولهم.. بخلاء لا يفعلون
ما يفيد أحداً ولا يموتون حتى يتكلسوا جيداً لكي لا تستفيد منهم الأرض كسماد.
قال الذي فوقي بصوت فيه شيء من الزعل:
- ما الذي تريدونه؟ أنتكاثر. نتكاثر.
قطع الذي في الأسفل حديث الذي في الأعلى سائلاً:
- ما هو أكبر مورد لتركيا من العملة الصعبة. سكت قليلاً ثم أجاب نفسه.
- أمن القطن؟ التبغ؟ البندق؟ النحاس؟ لا ليس من أي منها. من أين ؟ من الإنسان،
أرسلنا عمالاً إلى الخارج. ونحن نقف اليوم على أرجلنا بفضل ما يرسلونه من عملة صعبة...
هذا يعني أن الإنسان ضروري لنا. كان يزيد غضبه كلما استمر.
- اليوم، كلمتنا في هذه الدنيا تسمع قليلاً لأننا أربعون مليون. لو كنا عشرة ملايين من سيرد علينا.
قال العجوز الذي في الأعلى:
- لو كان تكاثرنا جيداً لدعمتنا الدول الصديقة التي تعطينا قروضاً. ازداد غَضب الذي تحت حتى أنه بدأ بالصراخ:
- سبب تشجيع تلك الدول لعدم تكاثرنا مختلف. إنهم يخافون لو تزايدنا أن نجد في اليسارية طريقاً للخلاص. إنهم يعطوننا حتى لا نصبح يساريين. ويقولون لنا حددوا النسل حتى يبيعونا آلات ومواد صناعية أدوية تحديد النسل.
جيد لو قطع كلامه هنا. لكن لم يستطع أن يمسك نفسه فصاح قائلاً:
- أفهمت يا حمار ابن الحمار.
خفت أن تبدأ خناقة كبيرة، ولكني هدأت هندما تذكرت أننا أموات. والأموات لا يتخانقون.
أقفل حديثنا عندما سمعنا لحناً جنائزياً من الأعلى. قال الرجل الذي تحتي:
- هذا اللحن الجنائزي لشوبان الله أعلم كم جوقة موسيقية تعزف هذا اللحن في الدنيا في هذه اللحظة، وبالتالي يعذبون روح شوبان. لماذا لم يلحن شوبان لحناً راقصاً بدلاً من هذا ليعزف في جنازة أي شهير في هذه الدنيا..
كان اللحن يبتعد عنا. من الواضح أن الجنازة تتجه إلى الطرف الآخر حيث القبور الخاصة.
أما المكان المدفونيين فيه نحن يشابه أحياء الأكواخ.. ليس لقبورنا شواهد. تلال صغيرة من التراب، تتوزع مع الأيام. تدق فوق هذه الكومات الصغيرة أحياناً قطعة خشبية مكتوب عليها بخط متعرج هوية الميت...
الموت ليس خلاصاً. لننتظر ما الذي سيقع على رؤوسنا سأكتب لك حتى أغطي مقدار السلفة التي أخذتها من مديري يا عزيزتي ذبابة الحمار .
أتركك بخير.
حمار ميت.
                                                             عزيز نيسين

* استعمل التركيب في النص الأصلي بالعامية كما الكثير من كلمات النص لذلك أوردها بالعامية العربية

الخميس، 23 مايو 2013

المرأة الغنية التي ذهبت ضحية بشكل لم يكتب في أية رواية (بوليسية)

الرسالة العشرون

ذبابتي الحبيبة:
أنا لم أحس بوحشة أي مكان في الحياة. أتمدد وأنام في المكان الذي أشعر فيه بالنعاس، البيت، الطريق، المنفى، السجن، الفندق، الهضبة، الوادي، الجبل، الحقل... كنت أكتب في أي مكان
وتحت أي ظرف كان، المقهى، البيت، على الطاولة، على الأرض، في السرير، على ركبتي. أتعلنين أنني أغار من بعض الذين لديهم حق استغراب مكانهم. لوحشة المكان بالنسبة لهم
سعادة من نوع مختلف. ليس من حق من لا مكان لهم أن يستوحشوا أو يستغربوا مكانهم.
أكثر ما كان يخرجني عن طوري أولئك المدللون من الناس الذين حتى ذا ناموا في أكثر الأمكنة فخامة، ويستطيعون أن يستيقظوا مع الظهر ويتمطمطون ويتثاءبون، قائلين "لم أستطع
النوم طوال الليل، استوحشت مكاني." أغار من هؤلاء كثيراً. لم أستطع تحقيق رغبتي الداخلية هذه ولا مرة . هيه، ذبابة الحمار، قولي أية رغبة استطعنا تحقيقها.
لم أستوحش قبري. كنا نردد أنشودة دينية حينما كنا في المدرسة نقول "تحتي تراب، فوقي شجر.". تحتي تراب رطب كأنه فراش لين، وما فوقي من تراب، ولكنه كلحاف سميك. المكان
المتمدد فيه جيد، ولكن ثمة شيء قاسٍ من الخلف. عندما تحركت لأرتاح، أتاني صوت خشن من تحتي:
- لا تلعب!
لو لم أكن ميتاً لخفت من الصوت، لكن الأموات لا يخافون.
ذبابة الحمار الحبيبة، أنا الآن أحس بما تقولينه "الأموات لا يبكون، لا يصرخون، لا يأكلون، لا يشربون، لا يتكلمون، لا ينامون، يعني مثل الجنود المناوبين." لا تُعدين غير محقة.. كان الصوت الخشن القادم من تحتي يأتي من ميت آخر. سألته:
- ما عملكم تحتي؟
قال:
- أنا لم آتِ وأدخل تحتك. أنت الذي فوقي.
قلت:
- أنا لم آتِ لوحدي. اتوا بي ودفنوني.
- لكنهم دفنوني هنا قبل يومين، فالمكان من حقي.
- لو كنت طالبت بحقك عندما دفنوك..
- هيه.. وهل يستطيع الأموات المطالبة بحقوقهم؟ او هل استطعنا المطالبة بحقوقنا في حياتنا لنطالب بعد موتنا.
- على ما يبدو أنكم مثلي. أي ممن مات دون أن يحيا.
- وهل كانوا يرموننا ثلاثتنا في حفرة واحدة، كما يرمون الخيار في (قطرميز) المخلل.
قلت صارخاً:
- ماذا ثلاثتنا؟ من الثالث؟
- المرأة التي تحتي، دفنوها قبلي بيوم.
- ما هذا المكان؟ لا فرق بينه وبين مكاننا في حياتنا. أيمكن أن يدفن الناس فوق بعضهم، مثل الباصات التي تذهب إلى المناطق الشعبية.
قال الرجل الذي تحتي:
- أنا متعود. كنا نعيش الطريقة نفسها في الكوخ.
- أليس هناك راحة حتى بعد الموت؟ أرجوكم، شدوا مالكم هذا تحتي، يدكم، رجلكم، لا أدري.. لا أشعر بالراحة.
- واخ يا سيدي، واخ.. إن كنت مهتماً براحتك كل هذا، فاعمل لنفسك قبراً خاصاً.
- لماذا رمونا كلنا في حفرة قبر واحد مثل السمك.
- المكان، أين المكان..؟ حتى القبور الخاصة أصبحت في السوق السوداء. أين نحن منها. لا تستطيع شراء قبر حتى.. ماشي، لكن القبور. والمهربون يبيعون القبور لأكثر من ثلاثة أربعة أشخاص بآن واحد. أتعرف ما حدث البارحة. قبر رجل زوجته في مقبرة العائلة وحجز لنفسه. مكان قبر بجانبها.. بعد فترة مات الرجل. البارحة دفنوه.. يا لطيف، يا لطيف، على تلك الخناقة..
سألته:
- خناقة ماذا؟
قال:
- خناقة الغيرة. وجد في حضن زوجته التي أحبها وسكب الدموع لفراقها، رجلاً غريباً.
صاح بزوجته "من هذا؟" قالت الزوجة "لا أعرف". بدأ معها الخناق قائلاً "ماذا يعني هذا؟.. هل أصبحت تأخذين إلى حضنك حتى الأشخاص الذين لا تعرفينهم وهل تغيرت عاداتك بعد
موتك.. " لقد باعوا القبر الذي اشتراه لزوجته، لشخص آخر. وهكذا دخل هذا الغريب حضن المرأة.
قلت:
- كنت أظن أن الإنسان بعد موته لا يبقى عنده غرق بين غني وفقير.
قال:
- لا يبقى فعلا، ولكن ليس الآن. عندما يفنى تماماً. كنا أشقياء في الدنيا على الفاضي. ننتظر الراحة في الآخرة.
رجوته مرة أخرى:
- لطفاً.. اسحبوا شيئكم هذا من تحتي.
قال:
- من أين أتيت يا سبعي؟ من الفيلا أم القصر. ليس ثمة ما يدخل في ولا يدخل فيك.
هكذا عشت في الحياة. أنا معتاد، كنا نعيش سبعة أشخاص في غرفة صغيرة من كوخ. لا أحد يعرف أين يدخل حتى إننا كنا لا نميز.. نحن هنا ثلاثة ولسنا سبعة.
قلت:
- ولكن تحتك أنثى.
قال:
- وهل بقي من أنوثتها شيء؟
زعلت المرأة التي تحته من هذا الكلام وقالت:
- تأدبوا قليلاً.
تفقدت الشيء وجدت أنه لا ذنب للرجل. كان رأساً حاداً لبروز صخرة. ولا أستطيع سحبها أو التحرك إلى مكان آخر. يعني كيف عشت على الخازوق في حياتي، هكذا سأقضي مماتي.
قالت المرأة في الأسفل:
- الله لا يري لأحد ما رأيناه.
قال الرجل:
لا اااااه... ستحكي من جديد. عندما مت فرحت، لأنني سأتخلص من ثرثرة زوجتي، فعلقت بهذه. همس مرات استمعت لحكايتها من موتي.
قالت:
- لكن هذا السيد آتى الآن. لعله يريد أن يستمع. مالكم أنتم. لا تستمعوا.
- كانت – حسب قولها – غنية جداً. سبب غناها ، زيجاتها، زيجات عقلانية. بعض أزواجها ماتوا فتركوا لها ميراثاً ضخماً. كانت تأخذ مبلغاً ضخماً لتقبل الطلاق من أزواجها
الذين لم يموتوا أو لم تستطع قتلهم. هكذا أصبحت واحدة من النساء الغنيات في الدولة.
لماذا لا تدفن امرأة بهذا الغنى في قبر عليه الهيبة. وترمى مثلنا نحن المحرومين في حفرة، من قبل البلدية.
حسب ما فهمته ومن وجهة نظري، وبناء على ما حكته المرأة التي تبدو من خلال صوتها المرتجف أنها مسنة. مسنة كلنها شابة القلب. متعلقة بالشباب أموالها لا تنتهي. بدأت تستعمل
الشباب الحلوين، الأقوياء ، الفقراء. تعلق بها أحد هؤلاء الشباب، لا يعد شاباً بل في الأربعينات من عمره. لم تصدق في البداية مظاهر التعلق بها. حيث عركت الحياة جيداً.
ولكنها تراخت عندما شعرت بتعلقه بها.. تزوجا. المرأة سعيدة، سعيدة. سعيدة بشكل.. لم تعش سعادة كهذه.. في أية زيجة من زيجاتها. المرأة تحب الكاتو والشيكولا كثيراً. كان يأتي زوجها، الذي يصغرها بأربع وثلاثين سنة كل يوم محملاً بصناديق الكاتو والشيكولا والمرأة تأكلها. الرجل يوصي على كل هذه الأشياء خصيصاً لزوجته.. ولكن أي كاتو. لقد أصبحت المرأة بعد مدة لا تستطيع الخروج من بيتها لسوء حالتها. لم يستطع الأطباء والدواء إنقاذ المسكينة. تقول "والله" لم أعد أجد وقتاً للجماع. حتى أنني لم أعد أستطيع النوم.
كل عشر – خمس عشرة دقيقة، إلى المرحاض. ذبلت لم يبق لي حيل. انتهيت . كان زوجي يحبني حتى في حالتي هذه. وكان يأتي كل مساء حاملاً الكاتو ويقبلني.. ولكن، لم يعد يبقى لي
وقت للجماع بل حتى للعناق. كنت ألحق نفسي إلى المرحاض بصعوبة، وكنت لا ألحق أحياناً.. آه، أي كاتو. كان حبيبي يوصي عليه مخصوصا. أصبحت طريحة الفراش. بعد فترة، لم أستطيع الوصول إلى المرحاض.
فهمتهم وضعي أليس كذلك. من فوق ومن تحت. لم يتركني حبيبي ولا ثانية. وهل يصمد الإنسان أمام كل هذا الاسهال، خاصة إذا كان بعمري؟ كان زوجي لا يفارقني. يقدم لي قطع الكاتو بيده قائلاً "يالله يا حبيبتي، لقد ضعفت كثيرا. لقد أوصيت عليه خصيصا من أجلك. هكذا كانت حكاية المرأة. لم ير حب كهذا في التاريخ. ثم ماتت المرأة . ولم تفهم حقيقة ما حدث إلا من خلال حديث زوجها مع عشيقته بجانب جثتها. كان الزوج يضع المسهل في داخل الكاتو والشيكولا التي يوصي عليها. المسكينة كلما أكلت المزيد كانت تسهل أكثر. في النهاية انتقلت المرأة الصالحة من دار الفناء إلى دار البقاء. وكونها سجلت كل ما لديها لزوجها بقيت دون أية نقود.. الرجل سافل إلى حد لم يشتر قبراً، أو يعمل جنازة لزوجته بقيت دون أية نقود..
الرجل سافل إلى حد لم يشتر قبراً، أو يعمل جنازة لزوجته المليارديرة، التي قتلها بطريقة لا تخطر على بال أي من كتاب روايات الإجرام أو البوليسية. البلدية دفنت المرأة ولكن المرأة
مسرورة تقول "أووف، الحمد لله. مت وخلصت من الإسهال... لم أجد حتى دقيقتين للجماع مع زوجي. كنت ألحق نفسي إلى المرحاض بصعوبة.. أيام...
ذبابة الحمار الحبيبة، أنا بغاية الشوق إليك. لعلك تزعجين من هذا الكلام. ومن التمني الذي كتبته في رسائلي السابقة. "اللقاء القريب" من يريد أن يلتقي بميت، وقريباً؟... من يشتاق
لميت؟ سوف لن نلتقي لا قريباً ولا بعيداً.
تأملي من أجلي، المياه ذات اللون الأخضر المزرق لاتساخها عند أعمدة جسر (غلاطة) على الخليج. مري في الطريق المؤدي إلى ساحة (امينونو) من جانب سور (الجامع الجديد)
وتذكريني. لم أكن أشعر بما يسمى الحرية إلا تحت ذاك السور. كان المكان بارداً في أحر أيام الصيف، فكنت أفتح صدري أمام تيار الهواء لأظن نفسي حراً. لم أكن أعرف أنني عندما أقف
عند سور الجامع الجديد وأفتح صدري للريح الباردة، وأحسها تلامس صدري "الشيء الذي حرية لا يمكن أن يكون أكثر من ذلك". مع نهاية رسالتي أهدي إبرتك التي ترزينها في أجسام
الأغنياء أجمل القبلات، يا ذبابة الحمار الحبيبة.
صديقك
حمار ميت
عزيز نيسين

الأربعاء، 22 مايو 2013

كيف قُبر الحمار

الرسالة التاسعة عشرة

ذبابة الحمار:
المكان هنا جيد، ولكن ما يضايقني عرضنا نحن الأموات، على هذا وذاك. إذا فُقد أحدهم تأتي عائلته إلى الطب الشرعي ليتأكدوا أنه لم يمت خلال حادث ما. موظفو الطب الشرعي يفتحون
الباب ويقولون لمن يسأل عن ميته:
- تفضلوا، الجميع هنا، انظروا!
كاد أن يأخذني رجل هربت زوجته من البيت... الرجل تراجع عندما أعطوه اسمي. نظرت إلي سيدة تبحث عن ابنتها الهاربة من البت. لم اعجبها على ما يبدو فذهبت. يعني يا ذبابة الحمار الحبيبة، لم أجد سنداً لي في الحياة لأجده في الممات. لا يوجد فرقاً بين هنا وهناك.
قال شاب ذابل الوجه:
- مللت من العرض على هذا وذاك. وهل نحن في معرض ياهوه.. أتوا بذي الوجه الذابل مساء البارحة. بالرغم من أن سبب موته واضح جلبوه إلى هنا لأن أمه رفعت دعوى على الأطباء بتهمة قتلهم ولدها. سيشرحوه الآن ليعرفوا فيما إذا كان الأطباء قتلوه.. أحس الشاب بآلام لا تطاق في بطنه . لم يعد يستطيع الأكل والشرب. أخذته أمه إلى المشفى. قال الطبيب المعاين أن عنده الزائدة. أجروا له الجراحة واستأصلوا زائدته، ولكن لم تهدأ الآلام عما كانت عليه، بل ازدادت. مرة أخرى المشفى نفسها، الطبيب نفسه. قال: "يجب ألا يتألم ما الذي يؤلمه يا ترى؟.." بعد قليل من التفكير "أنسينا شيء بالداخل يا ترى؟.." ..."لم يظهر لدينا أي نقص بعد العملية." ثم قال "لعلنا نسينا شاشاً وقطناً.." فتح بطن الشاب مرة آخرى. فرح الطبيب بعد أن بحث في داخله جيداً وقال "لا توجد أي مادة غريبة. لقد اشتغلنا بنظافة."غلقوا الجرح وأخاطوه.. ألم الشاب لم يسكن، بل ازداد أكثر. بدأ الشاب يذوب مثل الشمعة. عرضوه على طبيب آخر هذه المرة. صوره على الأشعة.. جيد أن صوره.. وجد الطبيب شيئا يشبه إشارة الاستفهام.. ما هذا؟ إنه شيء لا يشبه أياً من أعضاء الجسم. لا يمكن معرفته إلا بإجراء جراحة.. الأطباء ينظرون في الصورة ويتناقشون. أعطوا قراراً بأن ذلك الشيء الغريب والذي لا يشبه أي عضو من أعضاء الجسم لا يمكن معرفته لا بإجراء جراحة.. شقوا بطن الشاب مرة أخرى.
ذبابة الحمار، هذا بطن إنسان ليس بطيخة. لو كان البطن كل يوم والثاني، شق ، شق وافتح.
كان تعالى خَلَقه لنا بسحاب، فتحوا بطن الشاب، وجدوا أن الشيء الذي شبهوه بإشارة الاستفهام مقص. نُسي من العملية السابقة، التي أجريت له في المرة الثانية. ولمعرفة فيما إذا كان قد نسي شيء ما في الداخل. نبه الجراح من كان معه في العملية قائلا: "ديروا بالكم لا تنسوا شيئاً في الداخل" بحث وفتش من كان في غرفة العمليات، وتأكدوا من أنهم لم ينسوا شيئاً. ثم أغلقوا الجرح. لكن الألم لم يهدأ.. الشاب، انتهى.. أطباء آخرون ومشفى آخر هذه المرة.. وهل من السهل الذهاب إلى مشفى آخر والمعاينة عند أطباء آخرين؟ بين العملية والأخرى شهران، ثلاثة، لأن الأم أرملة تعيش من راتبها التقاعدي. ليست غنية إلى حد استطاعتها أخذه إلى الطبيب الذي تريده.. عندما علم الطبيب الأخير أنه أجري للشاب ثلاث عمليات زائدة، قال إن العملية قد أجريت له خطأ وأن الآلام بسبب عقد المصران. أي. ماذا سنفعل؟ عملية.. مدده تحت العملية.. الجراح خبير لا ينسى شيئاً داخل المريض، ولا شي من داخل المريض خارجه. أوشك الشاب على الشفاء من الآلام، ولكن أصبح جلده أصفر.. ذوى ، وذوى.. هذه المرة لم ينسوا بداخله شيئاً ولكنه تلوث بمكروب.. توسلوا للطبيب "دخيلكم يا دكتور" قال الطبيب بعد قلب شفاهه "غير مهم سنأخذ له المرارة" تلخبطت الأم وظنت أن المرارة تؤخذ من عند القصاب، قالت "دقيقة سأذهب وأحضرها لك."
سر الشاب لأنه قال لنفسه "لم يبق شيء في داخلي، ليأخذوا المرارة فلا يبقى ما يؤلمني"
خدروا الشاب ومددوه تحت السكين. قُطع التيار الكهربائي وسط العملية. مع ان الإذاعة تعطي خبراً من الساعة الفلانية حتى الساعة الفلانية سيقطع التيار الكهربائي" وهل يقطع التيار
الكهربائي خارج التقنين؟ هذا ليس قطع عادي من البرنامج. ماذا؟ عطل فني.. الجراح يصرخ "شغلوا المولد ياهوه.." المولد لا يشتغل بواسطة الهواء. يحتاج بنزينا، أين البنزين؟ لا يوجد
ولا نقطة بنزين في أي مكان من أسبوعين. أشعلوا مصباحاً، شمعة، قداحة.. إذا ما وجدتم ، كبريت كاف. سيرجع طبيب الأحشاء الداخلي التي أخرجها إلى مكانها، ثم يغلق الشق.. لا
كهرباء ولا مولد ولا أي ضوء.. غرفة العمليات مظلمة. الجراح أمسك إحدى الممرضات على أنها المريض.. النتيجة. الشاب أعطاكم عمره.. امه قدمت استدعاء إلى المحكمة تتهم
الأطباء بقتل ابنها. ولكي يعرف من الذي قتل ابنها، أحضروه إلى الطب الشرعي.
قال أحد الأموات:
- المرأة المسكينة اشتكت على جهة غلط. قاتلوا ابنها، إدارة الكهرباء. إذا لم يكن هناك كهرباء، أي خرا سيأكل الجراح.
قال ميت آخر:
- يا أخي إذا كان لا يوجد بنزين ماذا ستفعل إدارة الكهرباء.
قال ميت ختيار:
- يومان وأنا أسمع أسباب موتكم.. وأسوأ ميتة ميتتي أنا..
سألناه:
- لماذا؟
هكذا حكى:
- كنت سليماً تماماً، أصر ابني الكبير على عرضي على الأطباء ومعاينتي. يا ابني أنا لست مريضاً حتى أعرض على طبيب.. الإنسان الحضاري يذهب إلى الطبيب كل سنة مرة على الأقل ويعاين من رأسه حتى قدميه. أيذهب الإنسان إلى الطبيب دون سبب؟ ليس عندي أي ألم. ماذا سأقول للطبيب أصر الولد.. هكذا يفعل الناس المتحضرون. أخذوني إلى معاينة أي من الرأس إلى القدم. صور أشعة، تحليل دم، تحليل Check up من تلك التي يسمونها بول، وأي أشياء.. والذي يقول بهذه الأعمال صديق لوالدي متخرج من أمريكا. عندما نظر إلى تخطيط القلب، سأل الطبيب: "متى مات؟ قال ولدي: "من؟" قال الطبيب: صاحب هذا التخطيط. وقال: مستحيل. ثلاث نوبات قلبية شديدة.. لا يمكن أن يعيش." أخذني مرة أخرى إلى معاينة القلب. النتيجة أسوأ هذه المرة. بينما أنا سليم تماما.. سيطر علي خوف لا مثيل له.. عرض ابني التخطيط على طبيب آخر، الطبيب هذا محلي. يعني لم ير لا أمريكا ولا أوربا.. عندما قال ولدي أنني أصبت بثلاث نوبات قلبية، بدأ يضحك مقهقهاً. ثم شرح له قائلاً:
الأطباء الدارسون في أمريكا أو في أوربا لا يفهمون تخطيط القلب المعمول هنا. لماذا لا يفهمون؟ لأن قوة التيار الكهربائي، عندنا تصعد وتنزل بشكل مستمر والآلة تتأثر بارتفاع
وانخفاض قوة التيار.. لم يعملوا هذه الآلة لبلدنا، بل عملوها للبلدان التي فيها قوة تيار طبيعية.
فلهذا كان يضحك الطبيب المحلي. ترسم إبرة الآلة خط مرتفع مع ارتفاع التيار وتنزل إلى مستوى مخفض عندما تنزل.. جاء ولدي وحكى لي "بابا، البشارة، لم تصب بأي نوبة قلبية،
الخطوط التي في الورقة، ليست نبضات قلبك، بل لانخفاض وارتفاع التيار الكهربائي.."
لعشت Check up ولكني لم أعد أستطيع الحركة.. نعم مت لهذه الوساخة.. لولا أن عملت كثيراً.
في براد المشرحة فتاة جميلة. بنى الثلج على رموشها الطويلة وشعرها سألتها:
- لماذا متِ؟
بدأت الحديث قائلة:
- حياتي رواية.
لا أكتبها لأنها ليست غريبة. مثل تلك الجرائم التي يكتب عنها يومياً في الجرائد، كما حالة الطقس وأسعار الذهب.
سأَلتْ الفتاة :
- هل بقي جمالي يا ترى؟
قلتُ:
- محظوظة. كل السكاكين التي طعنتك في مكان العورة. (المايوه) يستر كل أمكنة الطعنات لو لم تكن ميتة.
بينما كنت أتحدث مع الفتاة أتى عمال المشرحة وأخذوني ومددوني على طاولة التشريح كان ثمة موتى آخرين على الطاولة العريضة. يعني أتى دوري لتشريحي ومعرفة سبب موتي، بعد
أن حضروني للتشريح خرجوا ذاهبين.
قال لي أحد المحضرين للتشريح:
- ذاك الرجل أنتم. عرفتكم من صورتكم في الجريدة.
سألته:
- أي رجل؟
أروني بعض الجرائد المتروكة في المشرحة، وقرأوا لي بعض عناوين أخبار الموتى: "فقيد لا يملأ مكانه" فقدنا أكبر محتالينا".
المكتوب حول موتي لا يحكي عني، بل عن الكتاب أنفسهم: لقد كتبوا خواطر لم أذكرها أبداً.
لم اذكر لا الخواطر ولا الكتاب.
كنت ألتقي بعضهم في حياتي فيحسبون أن عليهم أن يتظارفوا، فيحكون لأنفسهم بعض المياعات على أنها ظرافة، وينفجرون ضاحكين مما يجبر الآخرين على إظهار أسنانهم
مجاملة. هؤلاء الكتاب أصروا حتى بعد موتي على عمل ظرافة كهذه.
بعض المقالات عن موتي بحثت في كتاباتي بشكل علمي. أحدهم يقول "أليس في الدنيا أي شيء جميل، جيد، صحيح.. لم يكتب عن أي واحدة من هذه . بسبب نظرته المضطربة. كان لا يرى ولا يكتب إلا عن السفالة، الفوضى، القرف، الرذالة.
ذبابة الحمار الحبيبة، هذا أنا مت، أنت مكاني في الدنيا،. أنت تعرفين حق المعرفة ومن أين تغرزين ابرتك.
شفتاي جافتان كوريقات الورد التي جفت بين صفحات كتاب. وفي عيني الميتتين دمعتان متجمدتان.. قولي لكل من يعرفني، أنني مت. لن يخاف أحد بعد اليوم من مصافحتي. سوف لا يتحمل أحد أصدقائي مشقة العبور الآخر لكي لا يضطر للسلام عل  ي. سوف لا يخجل أحد من أن يدير رأسه لكي يمثل عدم رؤيتي. الموت خلصهم مني وخلصني منهم.
سوف لا يجد أصدقائي أو أعدائي فرصة للبدء في الحديث. وكان جيداً، ظريفاً ولكن.. "ليشهروا بي وليتهربوا من مساوئ أنفسهم كما في السابق. سوف يقولون "كان جيداً ، ظريفاً.." ثم يبلعون الكلمات لأنني مت وأخذت معي كل مساوئي.
سمعنا أصوات أقدام. فُتح الباب. أتى المشرحون. أضيء المصباح ذي النور اللامع. وجوه المسرحين مغطاة لا يظهر منها إلا أعينهم.
أراد شاب أن يحرف رأسي بشكل مناسب للتشريح ولكن رقبتي كما جسمي ، متجمدة. فلم يدر معه. قال:
- ناشف الرأس حتى بعد موته.
كثيرون قالوا في حياتي "يحب أن يكسر رأسه". هنا يفعلونها.
سأل الشاب:
- ما هذا، أستاذ؟
قال الشخص المسؤول:
- هذا الذي يسمونه مخ. المخ عضو عديم النفع أكثر من اللوزتين، الزائدة ، أو حتى أضراس العقل ولعدم وجود إمكانية استئصاله، ورميه يجب ولعدم وجود إمكانية استئصاله،
ورميه، يجب تخديره لكي يعيش الإنسان سعيداً.
لم يصدف أن جلب هذا الانتفاخ الذي في داخل الجمجمة المسمى عقل إلى صاحبه إلا البلاء.
على كل حال ستفهمون بشكل أوضح، لماذا لم يخلص المرحوم من البلاء.
وهكذا انتهى ذاك العمل يا ذبابة الحمار..
بالطبع لم يقم حفل جنائزي للحمار الميت الذي لا يخاف حتى من الذئب. بينما كان ينتظر في المقبرة ليرمى في حفرة ويستر بالتراب. حدث ما لم يكن بالحسبان. جلبوني إلى المقبرة
بواسطة سيارة. ووضعوني بجانب حفرة. بدأ الشخص الذي يبدو إما لحاداً أو حارساً للمقبرة بالصراخ:
"تعالوا ولاه.. لا تّقطعوا الوقت.. تعالوا ولاه، لندفن هذا.." ولكن ليس من يهتم لكلامه فجأة أتت مجموعة كبيرة من السيارات تسير خلف بعضها، خمسون ، مئة وخمسون سيارة أو
أكثر، والأكاليل.. كان هناك شاحنة أكاليل.. غير الأكاليل الموجودة في السيارات. طوقني الزحام. وضعوا الأكاليل التي أنزلوها من الشاحنة.. ومن السيارات الأخرى حولي حتى
أصبحت مثل تلة من الزهور. سأدهش لو لم أكن ميتاً. لكن الأموات لا يدهشون لشيء. كل هذا أنا محبوب!!.." أتى الرجال الذين ناداهم اللحاد عندما صرخ "تعالوا ولاه لندفن هذا.." بعد
رؤيتهم للزحام بدأوا يقرؤون الأدعية بصوت عال، حتى أن بينهم من بكى. وبعضهم كان ذا لّفة. كان الزحام حولي يتزايد.
قال أحد المزدحمين وهو يشهشه بالبكاء:
- وهل أنت من الرجال الذين يموتون؟
لم أعرف قائل هذا الكلام.
قال آخر:
- لقد ترك لنا إرثاً كبيرا.
قطع المشهشه بكاءه قائلاً:
- لا ياه، واخ، أماه. من غير الممكن معرفة صاحب النقود أو الإيمان.
قفز أحد المزدحمين إلى أعلى كومة تراب بجانب القبر وألقى رثاء. بحث في الخدمة الوطنية الكبيرة التي قدمتها، بتأسيس أول معمل للعلكة . وبالتالي انخفاض نسبة واردات العلكة عشرة
بالمئة وبمقدار الملايين من القطع الأجنبي التي وفرها للبلد.. الله الله .. كوني من محبي عمل الخير أنشأت جامعاً وأخذني الموت قبل أن أكسب الوطن الجامع الثاني.
حين قال:
- سيعيش أخونا المبجل السيد جعفر ابن هذا الوطن الذي يفارقنا الآن جسداً، إلى الأبد في قلوبنا.
بدأ أحدهم بالصراخ:
- وقفوا، قفوا!..
الميتون لا يخافون، ولكن تعودت على الخوف في حياتي بشكل حتى إنني خفت أن يكون قد تبعني موظف الحجز. لم أستطع التفكير بسرعة. ما الذي سيأخذه موظف الحجز؟
غاص الرجل الذي يصرخ "قفوا، قفوا" إلى وسط الزحام.
- السيد جعفر هناك.. لمن تقدمون هذا النعي؟ لا يوجد مخلوق غير اللحاد محمود ليضع السيد جعفر في القبر..
قال أحدهم:
- يا حرام، بكينا موتها...
- قال الخطيب:
- جيد ، لكن لا أستطيع قول نفس العبارات بنفس الهيجان. مرة أخرى فوق قبر السيد جعفر.
قال أحدهم:
- لا مانع يا سيدي، لا تحزنون، يتكلم واحد آخر...
كل واحد يأخذ إكليلاً ويركض نحو قبر السيد جعفر الأكاليل الثقيلة، يسحبها شخصان، ثلاثة لم يبق من الأكاليل ولا ورقة، شتمني المقرؤون، العجزة، الشحاذون، النواحون والذين كانوا
يدعون قبل قليل، بملء فمهم وتراكضوا نحو قبر صاحب المصانع. كنت أظن أنه لم يبق أحد بجانبي، ماذا أرى، أليس بجانبي، صاحب المجلة التي كنت أكتب فيها لا أستطيع وصف
فرحتي. كم كنت أزعل من الرجل في حياتي. خجلت من نفسي. ترك أعماله الكثيرة وجاء إلى الجنازة. هذا يعني أنه يحبني.
قال مديري لنفسه:
- أنا أيضاً وثقت بكلامه ظناً مني أنه رجل، وأعطيته سلفة. مات حتى قبل أن ينجز مقالة. هذا العدد.. واأسفاه...
توجه إلى قبر صاحب مصنع العلكة
ذبابة الحمار الحبيبة. خذي هذه الرسائل إلى صاحب المجلة التي كنت أعمل بها لينشرها إذا أعجبته وبالتالي أدفع سلفتي.
وضعوني في الحفرة. وردموا التراب فوقي.
لأنه لا يوجد عندي من يترحم علي، قلت لنفسي:
- هيه، الله يرحمك.. الحمد لله.
أووووووه
مع محبتي
حمار ميت
عزيز نيسين

الثلاثاء، 21 مايو 2013

رجل أصبح طريح المشفى نتيجة تبديل زجاجة البول

الرسالة الثامنة عشرة

عزيزة الروح، ذبابة الحمار:
لم أمضِ حتى في الأيام التي حسبت نفسي أعيش فيها مثل الأيام التي أقضيها في الطب الشرعي. ممكن أن يكونوا نسوني هنا. لينسوني. أُبشركِ، أنت أيضاً سوف لا تدقين خازوقاً في الدنيا الفانية تلك. لا بد وأن تخرجي في سفر المقبرة. لا تنسي أن تتدبري طريقة ما، لتبقي أكثر زمن ممكن في الطب الشرعي.
نحن الموتى – في المشرحة – نكون أكثر راحة في الليل. لا داخل ولا خارج من المكان الذي نحن فيه. لذا، يكون نقاشنا وحديثنا أمتع. نتجاذب أطراف الحديث، وفجأة نجد أن مؤتمراً قد
انعقد، دون تخطيط. في الليلة قبل الماضية كان لدينا مؤتمر. انضم إليه كل الموتى. افتتح المؤتمر بسؤالي لأحد المسنين:
- ما هو عملكم؟.. وجدت من خلال حديثه أنه ليس مسناً إلى ذلك الحد. قال:
- - سمسار طبيب.. أقصد قبل أن أموت..
- ولأني لم أسمع بمهنة سمسار طبيب سألت:
- كيف هذا العمل؟
ضحك بقية الأموات ساخرين لقلة ثقافتي.
- يسمى من يجد الزبائن لطبيب لم يجد عملاً في أحد المشافي، أو لم يشتهر بعد "سمسار طبيب" سألته:
- زبائن؟
وضح لي قائلاً:
- يعني مرضى..
سأل مريض آخر عن سبب عدم استخدام الأطباء الذين يعملون في المشافي أو المشهورين للسماسرة.
- لا بد للمرضى، من أجل الدخول إلى المشفى، أن يمروا من عيادة طبيب خاصة. فلماذا يدفعون للسماسرة.
دخل الحديث ميت آخر:
- لم يقل على الفاضي "الزكاة التي لم يدفعها الإنسان تذهب في حياته على الأطباء وبعد وفاته على المشايخ".
- كما طريق نجومية الفتاة في السينما يمر من غرفة النوم، طريق سرير المشفى للمريض يمر من عيادة الطبيب الخاصة.
قال سمسار الطبيب:
- مهنتنا سهلة كما يظن البعيدون عنها – ليس من قبيل مديح لنفسي – لم يكن هناك أشطر مني في مهنة السمسرة للأطباء في حياتي. أنا معلم في هذه الشغلة. لأقل لكم هذا المثال وأنتم قيسوا: "أستطيع أن أقنع بطل عالم بالمصارعة بأنه مصاب بمرض أنثوي. وأجعله يذهب بإرادته إلى طبيب نسائي . لولا الموت المفاجئ لكنت كسبت الكثير.
سأله أحد الأموات عن كيفية حصوله على تلك الخبرة. قال:
- حكاية طويلة. تعلمت هذه المهنة لكثرة ما وقعت بين أيدي السماسرة.
حكى حكايته نتيجة اقتدار الموتى، كان ولدا لأكبر أغنياء إحدى القرى. كلمته لا تصبح اثنتين.
عندهم الحقول، الحيوانات ، المخازن.. لم يكمل دراسته بعد المدرسة المتوسطة. لم تكن في عينه أموال أو أملاك. يريد أن يصبح شرطياً. هذه الشغلة رسخت في عقله منذ كان طفلا.
هكذا حكى لنا:
- من أين لَبتْ عقلي هذه الشغلة؟ الجميع عندنا هناك يخاف من ذكر كلمة شرطي. كنت أظن في صغري أن أكبر رجل في الدنيا هو الشرطي.. آه.. بذته، مسدسه، أما صفارته.. نفخة واحدة فيها، يتخشب حتى الطير الذي في السماء.. عنادي في أن أصبح شرطياً أتى من هذا على ما يبدو.. قال والدي "لا حاجة لنا بالنقود. ليصبح شرطياً لفترة، ثم يمل فيترك.." عندما جهزت أوراقي وتقدمت بطلب. كل شيء على ما يرام. قالوا لي "تحتاج لتقرير طبي من إحدى المشافي الكبيرة" ما عندنا مشفى مثل المشافي. ذهبت إلى المدينة. لم يبق في جسمي شيء لم يعاينوه. خرجت سليماً من كل المعاينات. تعثرت عند تحليل البول. عندما أتى تقرير المخبر، قال الطبيب، دون مقدمات أنه علي أن أدخل المشفى فورا، لأني مصاب بمرض اسمه البومين هذا المرض لا يعالج كبقية الأمراض بالدواء دون نوم. إذا لم أنم في المشفى فوراً، سأموت. والدي معروف هناك، ويعدون له خاطراً. اتصلوا به هاتفياً فأتى. الحمد لله أنني تقدمت للشرطة وعملت تحليل بول، وإلا كنت سأموت بعلتي دون معرفة السبب.
أنا لم أفهم هذا المرض. قبل دخولي إلى المشفى، كنت شاباً أثني الحديد وأقطع النحاس وأكسر الحجر. ذبلت خلال شهر من دخولي المشفى. كانوا يبلعوني كل يوم كمشة حب ويضربوني دزينة أبر. بدلاً من أن أتحسن، كنت أتقهقر. أصبحت مثل خيط الماكينة. لم أعد أستطع الذهاب إلى المرحاض. كنت أتبول في المبولة الموضوعة تحت السرير بشكل دائم.
في صباح أحد الأيام، قفزت من السرير على صوت كالهدير. استفسرنا عن ذاك الصوت. ما الذي عملناه؟ نتيجة تحليل بوله، رجل في الستين، حالم. جن جنون الرجل عندما أخبروه بالحمل. تحليل البول يبين فيما إذا كانت المرأة حاملاً أم لا. عندما أتى تقرير المخبر أن الرجل حامل. بدأوا يسخرون منه.. فضيحة.. الرجل عنده أحفاد.. أتى إلى المشفى لكي يطخ بالنار الطبيب الذي أعطاه التقرير. علمنا قبلها أنه نتيجة تحليل البول لامرأة، أعطيت تقريراً بأنها مصابة بالسيلان. وكاد زوجها يقتلها. ففهمنا أن زجاجة البول لهذا الرجل تبدلت مع زجاجة البول لتلك المرأة.
قال أحد الأموات:
- كدت أموت نتيجة تبديل تحليل الدم بيني وبين شخص آخر عندما أعطوني دماً. من زمرة مختلة.
رد عليه ميت آخر:
- ألم تمت في النهاية؟
- مت ولكن بعد ثلاثة أشهر.. لقد عانيت ثلاثة أشهر أخرى في المشفى. كان مقرراً أن أعطى سيروماً. بحثوا عن الطبيب المناوب فلم يجدوه. لا يوجد ممرضة مناوبة أيضاً.. لا أحد يعرف أن يتواجد خدم المرضى.. بعد بحث هنا وهناك، وجدوا أحد الأُذَّان، وهذا بدأ عمله منذ فترة قريبة.. الآذن ذلك لا يعرف ما هو السيروم ولكن يمكن أن يعطيك حتى زجاجة دم.
البعض، قالوا له أن الدم ممكن أن يكون مضراً إذا أعطي بدل السيروم. ولكن رد الآذن مصرا: هذا دم، لا يمكن أن يكون مضرا.. الدم يعني قوة. وهكذا مت.
قال أحد المؤتمرين:
- ليس هناك أصدق من قول كل إنسان يخطئ، ولكن خطأ الطبيب لا يستره إلا التراب.
في أحد الأيام تبدلت صورة الأشعة لبطن امرأة مع صورة الأشعة لعقل رجل. يومها كادوا أن يجروا جراحة استئصال ورم خبيث من رحم المسكين المجنون بالرغم من أن المجنون كان
يقول أنا لست امرأة حتى يكون عندي رحم..
سألناه كلنا مندهشين:
- ماذا حصل هل أجريت له العملية؟
حكى لنا:
- خدروا المجنون ليأخذوه إلى العملية.. سحبوه على الطاولة ذات الدراجات إلى غرفة العملية في الغرفة، كان المجنون مغطى بغطاء أبيض. الممرضات جميعهن يلبسن قمصانهم البيض والكفوف ولا يظهر من وجوههن المغطاة إلا عيونهن.. قال البروفيسور الجراح لرئيسة الممرضات "افتحي يا ابنتي.." سيرفع الغطاء لير ما بين فخذيها ليشق كي يصل إلى الرحم ويستأصل الورم.. بيد الممرضة صينية عليها المشارط والمقصات، وكافة أدوات العملية.. كشفت رئيسة الممرضات الغطاء الأبيض عن وسط المجنون.. الله.. وجدت الأعوذ بالله منتصباً.. صاحت رئيسة الممرضات "آآآآ.." أليس من حقها أن تدهش حتى ذاك اليوم لم تجد عند أي امرأة شياً كهذا.. فُهم فيما بعد أن صور الأشعة تبدلت وأنقذ المجنون وأنقذ المجنون. واضح تماماً أن الرجل المجنون لا يمكن أن يعمل عملية رحم.. ماذا كان ممكناً أن يحصل لو أُجريت جراحة دماغية للمرأة..
تابع الميت الذي بدأ التداوي لمرض (الألبومين) عندما أراد أن يصبح شرطياً:
- أفقت لنفسي عندما علمت أنه نتيجة تبديل زجاجات البول أُعطي تقرير لرجل في الستين أنه حامل ولامرأة مصابة بالسيلان. لا بد أن تكون زجاجة بولي تبدلت مع زجاجة شخص آخر. طلبت تحليل بولي مرة أخرى. لم يجدوا في بولي (الألبومين) هذه المرة. قالوا:
نتيجة لمعالجة شفي من (الألبومين).. مع أنه لم يكن في الأصل عندي ألبومين.. ولكن خربت كليتاي ومعدتي، أي كل أعضائي الداخلية، بدأت هذه المرة، آخذ علاجات لأحشائي الداخلية.
أدوية معدة، أدوية كلاوي.. وهل يبقي المرض نقوداً، أنا وحيد لأهلي. والدي يدفع النقود كمشاً... حالتي تسوء من يوم إلى يوم. كنا في الكليتين والمعدة. أصبحنا في ألم العظام الذي يطاق. لم تبق مشفى عندنا هناك لم أنم فيها أو طبيب لم أُعرض عليه. سيقتلونني عينك، عينك. أردت أن أذهب للشرطة فكادت أن تذهب روحي. قلت، لأذهب إلى اسطنبول وأعرض نفسي على الأطباء هناك.
قال أحد الأموات:
- كأنهم سوف لا يقتلونك في اسطنبول.
تابع المهووس بالشرطة:
- كيفما كان، في اسطنبول شيء مختلف.. أرسل والدي معي رجلين.. نزلنا في محطة حيدر باشا للقطارات. كنت ماشياً وسط الرجلين متأبطاً ذراعيهما لأنني لا أستطيع الوقوف على قدمي. اندس رجل بجانبي وبدأ الحديث سائلاً "واخ واخ.. هذا السبع مريض.. ما مرضه؟.." لم يكن لدي القدرة على الإجابة، حكى له الرجلان اللذان رافقاني ما جرى. عندها قال الرجل "لقد تألمت على الشاب. سأعمل معروفاً وأكسب عليه الثواب. أنتم غربا عن اسطنبول ولا تعرفون إلى أي طبيب تذهبون. سيحترق نفسكم لو وقعتم بين أيدي جماعة الأطباء لقد جرى لوالدي ما جرى لهذا الشاب. أنقذه – الله يرضى عليه – طبيب جيد. من يرى ولدي الآن لا يعرفه من الصحة التي كسبها على يدي ذاك الطبيب، لآخذكم إليه."
كم من الناس الطيبين في هذه الدنيا. بدأنا ندعو للرجل. ركب معنا السفينة ثم ركبنا (تاكسي) قلنا له "سوف لا نحملك مشقة. يكفي أن تعطينا عنوان الطبيب". قال لنا ماذا؟.. وهل ماتت الإنسانية؟.. أنا أعرف ما المرض سآخذه واسلمه بيدي للطبيب، سأقول له أنكم من أقربائي ليهتم بكم أكثر ولا يأخذ منكم نقوداً زيادة.." ترك الرجل عمله وذهب معنا إلى عيادة الطبيب.
نعم، أليس الرجل الطبيب سمسار أطباء؟ ينتظر عند رصيف السفن أو محطات القطار. عندما يجد مريضاً غريباً مثلي يأخذه إلى طبيب متفق معه على أنه يعملها لكسب الثواب ويتقاضى
من الطبيب (كمسيوناً).
سأل أحد الأموات:
- كيف عرفت؟
- إيه. سهلة مر ذلك اليوم حتى مماتي عشر سنين لا أكذب لو قلت أنه لم يبق طبيب في اسطنبول لم أعرض نفسي عليه. دفع والدي كل ما يملك من أجل علاجي. أصبح فقيرا. أتى إلى اسطنبول واشتغل ليدفع للأطباء. بعد موت أبي بقيت وحيداً ومريضاً بشكل لم يبق في جسمي مكان إلا ووجعني. قال لي أول طبيب ذهبت لعنده أن مرضي روماتيزم وهذا الروماتيزم أتاني بسبب مرض في أسناني. ذهبت إلى طبيب الأسنان. سن وراء ضرس قلعوا كل أسناني وأضراسي. لم تخف آلامي بل على العكس، ازدادت. أرسلني طبيب الأمراض الداخلية إلى اختصاصي آخر.
تجولت من طبيب إلى طبيب. وبينما أنا على هذه الحال قيل لي أن المجاري البولية..
قاطعه أحد الموتى سائلاً:
- ماذا جرى لمجاري البول؟
- وأي شيء في لم يحدث له شيء. لقد خرب عياري. بينما كنت أداوي معدتي، خربت أمعائي ألزموني من أجل تداوي أمعائي. كدت أن أصاب بالسل لقلة التغذية. من أجل إنقاذي من السل، علي أن أتغذى جيداً، عندما أتغذى جيداً تخرب معدتي. العلاج الذي آخذه ليداوي معدتي يؤثر في كبدي. علاج الكبد يضر قلبي. علاج القلب يرفع نسبة السكر. لقد أصبحت في حالة اجتمعت عندي كل الأمراض ولا أستطيع أن آخذ علاجاً لأي منها. لأنه سيضر بالآخر.
( اجلس أعوج وتكلم صح). لقد أفادتني هذه الأمراض في تعرفي على عدد كبير من الأطباء .استعملني بعض الأطباء في تجاربهم حتى أنهم وصلوا بنتائجهم إلى المؤتمرات الدولية. كتب
عن أمراضي مقالات في الصحف والمجلات. أصبحت علميا. طُبعت صوري في كتب الطب.
لم يبق معي نقود. ليس للأطباء والأدوية بل حتى أجر الفندق.. أصبحت في الشارع، فوقها مصاب بكل الأمراض والآلام. ذهب المال والغنى. الدنيا هكذا.. البعض يصرف نقوده في القمار، والبعض على النساء، أنا صرفتها على الأطباء. ذهبت إلى الطبيب الذي أخذني إليه الرجل الذي التقاني عند السفينة، وشرحت له الوضع.
قال:
- من أتى بك إلى هنا أول مرة.
قلت:
- سمسار.
- جميل.. هذا أنت صاحب مهنة.. ماذا تريد أكثر من ذلك. أنت تعرف الكثير من الأطباء وتعرف السمسرة. ماذا بقي؟ وهل يمكن أن يكون هناك سمسار أطباء أحسن منك؟
صحيح ياه. لقد أصبحت خبيرا في هذه الشغلة بدأت السمسرة للاطباء. بينما كان الشغل كثيرا والنقود مثل السيل. فجأة.. وكأنه لم يبق في هذا الوطن أي شيء سيء وكل شيء منظم، بدأت
الجرائد تتكلم عن سماسرة الأطباء. هكذا وقف شغلنا فتر لم تطل – لله الحمد – فتحت علينا من جديد. لم يعد الطبيب الشاب الذي كنت أعمل له سمساراً بحاجة لي. لماذا؟ لأن التفاهم
القائم بين الأطباء لا يوجد مثله عند أي أصحاب مهنة أخرى. أعرف هذا لأنني عشته. لنقل أنك مصاب بالباسور وذهبت إلى الطبيب. لا يعمل لك العملية ويتركك. يرسلك إلى أحد أصدقائه الأطباء المختصين بالأمراض الداخلية. وهذا يرسلك إلى اختصاصي أنف وحنجرة وبلعوم من هذا إلى اختصاصي أعصاب. ما علاقتك بطبيب أعصاب؟ العلاقة يجدونها هم. لا يمكن أن يتركك طبيب قبل أن يجد عندك مرضا آخر.. إنهم لا يكذبون. حقيقة يجدون المرض. لأن الإنسان يحمل كل بذور الأمراض... وهكذا لا يبقى أي طبيب من دون مرضى. ويظهر تعاونهم في قضية أخرى. إذا سألت الطبيب سؤالاً فيشرح لك ويشرح، في النهاية يقول: أنصحك بمراجعة طبيب مختص" عندما بدأ الطبيب الشاب الذي عملت عنده سمساراً، يكتب زاوية طبية في الجريدة ازدادت شهرته. كان يجيب على تساؤل أي قارئ.
لنقل إن قارئة أرسلت له تسأله "ابنتي لم تأتها العادة الشهرية حتى الآن رغم أن عمرها سنة عشرة سنة. ماذا أفعل؟" يعد طبيبنا الأشياء التي من الممكن عملها. في النهاية يكتب "الأفضل
أن تعرضي ابنتك على طبيب مختص".
أحدهم يسأل "شعري يتساقط. ماذا أفعل؟" طبيبنا يرد "أعمل كذا وكذا ولكن من الأفضل أن تراجع طبيباً مختصاً".
كان في تلك الجريدة زاوية القانون. يحررها محام. لم أقرأ في أي كتابة له عبارة "راجعوا محامياً". لا يكتبون...
تعود الطبيب الشاب على كتابة "الأفضل مراجعة طبيب مختص" على أي سؤال من أي شخص. حتى إنهم أعطوه خطأً رسالة موجهة إلى المحرر الرياضي. القارئ يسأل "أليس
الهدف الذي دخل مرمى بشكطاش، تسلل؟" طبيبنا تعود فأجاب:
"ممكن ولكن الأفضل أن تتعاينوا عند طبيب مختص".
هذا غير مهم. أنا لم أر ، ولكني سمعت ممن رأوا أن رجلاً سأل طبيبنا هذا في الطريق:
- عفواً، أين المراحيض العامة؟
يعرف. بعد أن عرف الرجل على مكان المراحيض العامة أضاف:
- من الأفضل لكم أن تسألوا طبيباً مختصاً..
بالرغم من أن مهنة السمسرة للأطباء تراجعت لفترة من الزمن، ولكن كنت أكسب الكثير. وكنت أصرف كل ما أكسبه على الأطباء والدواء. أعمالي تحسنت حتى إنني أصبحت أوفر.
كدت أن أشتري بيتاً. ولكن لكثرة ما تجمعت الأمراض في جسمي لم أعد مريضاً بل مشفى. اختلف الأطباء مع بعضهم حول سبب موتي. البعض يقول سرطاناً، والبعض القلب. موتي
بالنسبة لأحدهم بسبب نزيف داخلي، وبالنسبة للآخر ارتفاع السكر. واحد يقول سل، الثاني نزيف دماغي.. اتفقوا جميعاً على أنني مت لكن لم يتفقوا على سبب موتي.. بالنسبة لي
الجميع على حق. ليس هناك مرض إلا ومصاب به هم يظنونني مريض، لكني – كما قلت – مشفى. عندما اختلفوا حول سبب موتي – كأنه مهم للغاية – أرسلوني إلى الطبيب الشرعي.
لنر ماذا سيقولون هنا. انتظر هذا بكثير من الشغف.
وهكذا أيها الأصدقاء لم يبق بلاء إلا وحل علي بسبب تبديل زجاجة البول. في النهاية مت وخلصت.
عندما أنهى الحديث الشاب الذي بدا مسناً لكثرة ما أصابه من أمراض نتيجة تبديل زجاجة البول أثناء الفحص الطبي الذي عمله ليصبح شرطياً سكت جميع المؤتمرين لفترة من الزمن.
ذبابة الحمار الحبيبة، حاولت أن أضع بعض الكلمات المضحكة لتبديد شبح الحزن ولكني لم أفلح.
على أمل اللقاء بك قريباً، أقبل عينيك الزرقاوين وإبرتك
حمارك الميت
                                                                                                                                    عزيز نيسين