سنفترض أولاً أنّك في المرحلة العمرية بين السابعة والعاشرة، وهي مرحلة لا يمكنك فيها أن تدرك معنى القراءة أصلاً، إلاّ قراءة فروضك المنزلية، لا يمكنك أن تشتري كتاباً، فمصروفك بالكاد يكفي لشراء زجاجة مياه غازية أو علبة بسكويت، إذن هي مسئولية أبويك، أن يجعلانك تحب القراءة، فيشتريان لك الكتب، طبعاً تلك التي تتناسب وسنّك، كمجلاّت “ميكي” و”ميكي جيب” و”سمير” و”ماجد” و”العربي الصغير” وغيرها. ساعتها ستنفتح على هذا العالم، ستعيش في عالم مواز يفتح أبواب خيالك وأفقك، أبواك عليهما أن يدركا مدى تطوّر وعيك والتزامهما تجاه ذلك، فينبغي أن يساعداك في تنمية قريحتك، بعدها ستتدرّج تقائياً، حسب مرحلة عمرك، فتشتري -بشكل تلقائي- روايات مصرية للجيب، تقرأ نبيل فاروق وأحمد خالد توفيق، والمغامرون الخمسة، والشياطين ال13، أو ما يكون على شاكلتهم، وقد تقتطع من مصروفك، أو تدبّر لعملية الشراء، ثم ترتقي لقراءة يوسف السباعي وإحسان عبد القدّوس، ثم مرحلة حنا مينة ونجيب محفوظ، وغيرهم، عندها ستفعل أيّ شيء لممارسة القراءة، ستصبح القراءة عاملاً أصيلاً في تكوين شخصيتك، لذلك ستندفع بكل جوارحك، وكلّ كيانك، لأنّ خيالك لم يُشبع بعد، ولن يفعل، قد تقوم بعمليات السرقة المشروعة، وهي سرقة الكتب من مكتبات قصور الثقافة، الكتب التي سرعان ما تلتهمها المخازن، وتقرضها الفئران. أبواك إذن عليهما دور في تشكيل ذلك الكيان المسمّى “المثقّف”. ستصبح حتماً مثقّفاً كبيراً، على أقلّ تقدير، أو كاتباً معروفاً، وذلك ما يحدث غالباً. حسناً، نعتبر أنّ ذلك لم يجري كما ينبغي، وأنّ أبويك طحنتهما الحياة، وأنّ ظروفك سيئة، وأهمّ شيء بالنسبة لأسرتك هو أنّ تصبح موظفاً، طبيباً، محامياً، مهندساً، لذلك موضوع أن يمدّاك بالزاد غير مفترض هنا. لو أنّ لديك الرغبة، لو أنّك تمتلك هذا الإقبال، ستجد نفسك تلقائياً تبحث، ستجد أنّك تنزع نحو تجربة عوالم متخيّلة، فتأكلك قريحتك، وتقرأ لهذا وذاك، وتدور من كتاب لآخر، وفي النهاية سيتشكّل وجدانك. ستسألني: ما فائدة القراءة؟ سأهزّ رأسي، وأقول لك: في الإنجيل بدأ الله كلامه “في البدء تكون الكلمة”. وفي القرآن أول آية كانت “اقرأ”. هل توجد فائدة أخرى في تلك الحياة غير القراءة؟ ثمّة فوائد منفعية، هي الفوائد المتعارف عليها، إنّما الفائدة الحقيقية تكون القراءة. لكنّك ستسألني: كيف أقرأ كتاباً؟ خاصة لو كانت الكتب مملّة! هنا يأتي دور إجبار النفس، سنفترض أنّك أمام أحد كتب التاريخ أو الفلسفة، أو الجيولوجيا أو الكيمياء، عليك أن تطوّع وجدانك، عليك أن تظلّ تفتّش عن المتعة بين السطور، ستجد سطراً جاذباً، أو جملة أعجبتك، حينها ابنِ عليها تصوّراً مناسباً، وستستكمل القراءة، بل وستدمن قراءة الكتب التي لا يقرأها غير المتخصّصين، فقط قد نفسك تجاه الإحساس بالسطر، بالجملة، بالصياغة، باكتساب معلومة، أو بتسلية ما. إنّما قد تهزّأ بي قائلاً: كم من محبّ للقراءة وفاشل دراسياً! وماله يا صديقي، لا يتفّق هذا مع ذاك ولا يتناقضا في نفس الوقت، كلاهما طريق مختلفة. فالدراسة هي إجبار من طرف آخر، على شيء لا يروق لنفسك ساعتها، شيء ليس من اختيارك، فاحتمال كبير أن تفشل في دراستك، رغم أنّك مثقّف وواع. طيّب؛ هؤلاء الذين يدّعون الثقافة ومداركهم منغلقة، لم يقرأوا ولم يعرفوا، لكنّهم يكتبون ويدّعون الثقافة. صديقي، هؤلاء سيسقطون، حتماً سيفعلون، سينكشفون عاجلاً أم آجلاً. وسيضحك عليهم الآخرون.
مقتبس من مدونة اخر كتاب . كل الحقوق محفوظة للكاتب وللموقع .