‏إظهار الرسائل ذات التسميات هاشم شفيق. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات هاشم شفيق. إظهار كافة الرسائل

الجمعة، 26 ديسمبر 2014

بغداد السبعينات لـ هاشم شفيق

في تلك الآونة الزمنية من مطلع السبعينات كانت بغداد طفلة نائمة فوق الحشائش والثيّل والعشب المندّى ، مغمورة بالمياه والحكايات والنوادر والأساطير السحرية المحفورة فوق أبوابها التاريخية ، تدل القادمين إليها والقاطنين فيها إلى جلالها الباذخ التي تتحدث به الملحمة والحكمة والقصيدة والألوان ، في الحقيقة هي كانت طفلة ، تتكشف عن جمال أسر وروح مترعة بالمرح والأضواء .
مقدمة

ثمة شيء مسني كشهاب صاعق و انا في الرابعة عشرة ، شيء هو خليط من التهويم و الحلم ، من السحر البدائي الشبيه بالفطرة و أغاني الطفولة حين مسني هذا الشيء الفتان استسلمت له دون ان اعي سره أو اسبر اغواره هذا الشيء الذي خلخل كياني الغض و انا في الرابعة عشرة .
لا اعرف عن عالمه الكثير و لا افقه شيئا الا ألقه المنثور في الدرر الكلاسيكية التي ترقى إلى سلفنا الاول امرئ القيس و من تبعه من الشعراء الجاهليين و الممسوسين اللحقين من عهد الاسلام بعبغداد السبعينيات صريه الاموي و العباسي حتى توالى المأخوذون بهذا الهيام الذي اسمه الشعر فغدوت عهد ذاك أنهل من ابيات مدفونة في كتب مثل " الف ليلية و ليلة " و " يتيمة الدهر " و اشعار لأبي نواس مطبوعة في كتيبات شعبية و رخيصة تشبه الكراريس المخصصة للادعية الدينية حتى دلتني هذه الابيات المتناثرة إلى كتيبات اخرى كنت أجدها اما امام المراقد الدينية أو في بيت أختي مثل دواوين بطبعات فقيرة و ورقا و وتصميما لشعراء غالبيتهم من المتصوفة الذين يسطرون ما يتراءى لهم في وعيهم الباطني من تصورات و هيامات متخيلة من تهجدات و لواعج دفينة يصرفونها في ابيات اشراقية تشي بالنوراني و العرفاني و الهرمسي الذي يصل في توقه إلى الحبة العظمى من العشق الالهي الممزوج بطرق رمزية لافتة بالحب الارضي و مناداة الحبيب فمرة تجده إلهيا و تارة تجده نبيا و اخرى بشريا فتختلط عليك الصورة لتضيع في حقل من التوريات و الالغاز و شبكة من الدلالات و الاسرار الداخلية .
كان الحلاج و اين عربي هما القطبان الاكثر قربا من خيالي الشعري و لكن هذين النافرين في الرؤى شداني إلى السهرودي القتيل و الجنيد و ماني الموسوس و غيرهم ممن اصابهم مس عرفاني لا يوحي الا بالنور و الشطحات العقلية .
اذا داخل هذه الذبذبة من سحر الكلمات و معانيها العالية التي كنت أحاول فك طلاسمها بدأ الشواش الشعري يكهرب كياني و يغشاني و يهيمن على حركتي و طريقة تفكيري و شغل كل مساحة وعيي الطري من هنا بدأت في قرزمة الشعر ، تجارب كلامية ، ايقاع متخلخل ، شعر تقليدي ، يتشبه بمن كنت أقرأ لهم في بدايتي لكن فيه شيئا مني من نفسي شيئا من مشاعري و أحاسيسي من لوعتي و فيه نبض كلاسيكي جاءني ممن اطلعت عليهم في مطالع حياتي في الرابعة عشرة ، أحمد الصافي النجفي الذي كنت مولعا بجملته الشعرية المكثفة و الواضحة و القصيرة ، محسن الكاظمي المنفي في مصر و لا اعرف مصدر اعجابي بمنفاه ، رغم انني لم اكن اعي اسباب هذا المنفى و ثمة شاعران اخران كنت اقرأهما مجتمعين هما الرصافي و الزهاوي ، لكأنني كنت أقرأ لأخوين دون ان ادرك انها قطبان متنافران و لا يلتقيان .

بيانات الكتاب

الاسم : بغداد السبعينات
المؤلف : هاشم شفيق
الناشر : المدى
عدد الصفحات : 258
الحجم : 3.5 ميجا
تحميل كتاب بغداد السبعينات