‏إظهار الرسائل ذات التسميات الادب الفرانكفوني. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الادب الفرانكفوني. إظهار كافة الرسائل

السبت، 7 فبراير 2015

رحيل الكاتبة آسيا جبار الروائية الجزائرية

كتبت - سميرة سليمانالمصدر: شبكة الاعلام العربية.



انتصرت للإنسان في كتاباتها وكانت صوت المرأة المستضعفة
لقبت بـ”محامية النساء”..ولها أعمال سينمائية
أول كاتبة عربية تفوز بجائزة السلام الألمانية
“أكتب ضدّ الموت، أكتب ضدّ النسيان، أكتب على أمل أن أترك أثرا ما، ظلا، نقشاً في الرمل المتحرّك، في الرماد الذي يطير وفي الصحراء التي تصعد..”.
هكذا كانت تردد الكاتبة الجزائرية الشهيرة آسيا جبار، التي رحلت أمس عن عمر يناهز 79 عاماً بأحد مستشفيات باريس، حسبما أعلنت عائلتها والإذاعة الرسمية.
وتعد آسيا جبار أول امرأة عربية تدخل أكاديمية الأدب الفرنسي الراقية عام 2005 وترشح لجائزة نوبل للآداب كما اشتهرت بالطابع الرومانسي لكتاباتها وكذا دفاعها المستميت عن حقوق المرأة لدرجة وصفها بـ”محامية النساء” من قبل ناقدين.، وكانت مرشحة بقوة في السنوات العشر الأخيرة لنيل جائزة “نوبل” للآداب.
ولدت آسيا جبار واسمها الأصلي فاطمة الزهراء الملحيان، بشرشال عام 1936 وانتقلت برفقة عائلتها إلى فرنسا عام 1954 لتصبح من أكبر الروائيين الجزائريين باللغة الفرنسية، حيث رشحت لنيل جائزة نوبل في الآداب عام 2009.
وقد مارست الراحلة الكتابة لأكثر من 50 سنة كما أخرجت عدة أعمال سينمائية واهتمت كذلك بالتاريخ. ونشرت أول أعمالها الروائية وكانت بعنوان “العطش” (1953) ولم تتجاوز العشرين من العمر، ثم رواية “نافذة الصبر” (1957).
وبعد استقلال الجزائرعام 1962 توزعت جبار بين تدريس مادة التاريخ فى جامعة الجزائر العاصمة والعمل في جريدة “المجاهد” الحكومية ، مع اهتمامها السينمائي والمسرحي.
وبجانب الكتابة عملت آسيا جبار في الإخراج السينمائي، حيث أخرجت فيلم “نوبة نساء جبل شنوة” الذى نالت به تقدير لجنة تحكيم مهرجان البندقية عام 1979.
كما تعد آسيا جبار أول كاتبة عربية تفوز عام 2002 بجائزة السلام التي تمنحها جمعية الناشرين وأصحاب المكتبات الألمانية، وقبلها كثير من الجوائز الدولية في إيطاليا، الولايات المتحدة وبلجيكا.
وفي 16 يونيو 2005 انتخبت بين أعضاء الأكاديمية الفرنسية لتصبح أول عربية وخامس امرأة تدخل الأكاديمية. وشغلت جبار قبل رحيلها منصب بروفيسور الأدب الفرانكفوني في جامعة نيويورك.
ناقشت معظم أعمالها المعضلات والمصاعب التي تواجه النساء، كما عرف عنها الكتابة بحس أنثوي الطابع.
وغالبا ما يطلق عليها الحقوقيون والكتاب الصوت الناطق باسم المرأة الضعيفة الخاضعة للقيود، وأيضا المتمردة الناعمة التي تحقق أهدافها عبر الكلمات التي تحملها صفحات رواياتها.
تقول عن والدها: “رجل يؤمن بالحداثة والانفتاح والحرية”. تابعت دراستها في فرنسا حيث شاركت في إضرابات الطلبة الجزائريين المساندين للثورة الجزائرية ولاستقلال الجزائر.
في عام 1958 تزوجت الكاتب أحمد ولد رويس (وليد قرن) الذي ألف معها رواية “أحمر لون الفجر” وانتقلت للعيش في سويسرا ثم عملت مراسلة صحفية في تونس. ولأنها لا يمكنها الانجاب، تبنت في عام 1965 طفلا في الخامسة من عمره وجدته في دار الأيتام بالجزائر، لكن زواجها واجهته مصاعب عديدة فتخلت عن ابنها بالتبني وانتهى زواجها بالطلاق عام 1975.
لم تزر الجزائر سوى مرة واحدة خلال النزاع الدامي الذي شهدته التسعينات بين قوات الأمن والجماعات الإسلامية المسلحة لتشييع جنازة والدها الذي كان مدرسا. وتزوجت آسيا جبار بعد أن طلقت في 1975، من جديد مع الشاعر والكاتب الجزائري عبد المالك علولة.
هاجرت إلى فرنسا عام 1980 حيث بدأت بكتابة رباعيتها الروائية المعروفة، التي تجلى فيها فنها الروائي وفرضها كصوت من أبرز الكتاب الفرنكوفونيين.
واختارت شخصيات رواياتها تلك من العالم النسائي فمزجت بين الذاكرة والتاريخ. من رواية “نساء الجزائر” إلى رواية “ظل السلطانة” ثم “الحب والفنتازيا” و”بعيداً عن المدينة”.
في أوج الحرب الأهلية التي هزت الجزائر كتبت عن الموت أعمالاً روائية أخرى منها: “الجزائر البيضاء” و”وهران... لغة ميتة”.
وبعيداً من مناخات الحرب، بل ومن أجواء الحبّ المتخيّل، كتبت رواية “ليالي ستراسبورج”. وهي لم تكتب هذه الرواية هرباً من وجع الموت الجماعي الذي شهدته الجزائر، وإنما كعلاج نفسي داوت به غربتها وآلامها، بحسب تعبيرها.
أيقونة المرأة
يقول إسماعيل مهنانة أستاذ الفلسفة بجامعة قسنطينة والباحث في الأدب الجزائري المكتوب بالفرنسية إن آسيا جبار تمثل “للثقافة الجزائرية ما تمثله جميلة بوحيرد للثورة التحريرية، فهي رمز عالٍ في سماء التاريخ، وأيقونة المرأة الجزائرية في نضالها الطويل من أجل الانعتاق والحرية والحضور في أبعاده العالمية والإنسانية”.
تُعد “آسيا جبار”؛ أهم روائية جزائرية أو حتى عربية تكتب باللغة الفرنسية، كتبت عن الهوية، اللغة ، الانتماء، وقضيتيْ الاستعمار والتحرر.
تحدثت في أعمالها عن الاِنعتاق والتحرر وتصوير وضع المرأة التي تناضل تحت الاستعمار. فالنزعة الإنسانية حاضرة في جميع أعمالها؛ حيث كتبت عن مُعاناة الإنسان أينما وُجدْ، ترجمتْ أعمالها إلى أكثر من 30 لغة.
بالإضافة لشهرتها العالمية كروائية؛ كان لها علاقة وطيدة بعالمي السينما والصورة. فقد كتبت وأخرجتْ فيلم “نوبة نساء جبل شنوة ” 1977، الذي حازت عليه جائزة النقد العالمي في مهرجان البندقية عام 1979، وكذا فيلم “زردة أو أغاني النساء” 1982؛ الذي حصل على جائزة أفضل فيلم وثائقي في مهرجان برلين الدولي.
في بداية الثمانينات قررت العودة للإقامة بباريس بعد أن أدركت تصاعد “العنف المبيّت” ضد النساء الذي صاحب موجة النزاع الدامي بين الأمن والإسلاميين المتطرفين، وما فتئت هذه الروائية جزائرية الأصل تسجل حضورها باستمرار في المشهد الثقافي الفرنسي، من خلال مؤلفاتها العديدة ومن خلال السجالات التي فجرتها فيما يخص القضايا التي تؤمن بها ومنها قضية الهوية والاستعمار والمرأة.
الكتابة عن الحب والموت
من منظور عاطفي تروي لنا جبار في كتابها “لا مكان في بيت أبي” قصة فتاة تعيش في الجزائر العاصمة، تخرج من الثانوية وتتابع دروسها وتتجول في الشوارع فرِحَةً بما ترى، غير أنّ هذه الحياة العذبة جاءت قبل عام واحد من انفجار كبير هزّ البلد بأكمله.
هذه الرواية التي تجسد تحرّر فتاة برجوازية جزائرية من قيود التقاليد والمحظورات الاجتماعية، واكتشافها لخفايا جسدها، وما يمنحه من متعة شهوانية، هي التي صنعت شهرة الكاتبة آسيا جبار، التي وُصّفت في تلك الأيام بـ “فرنسواز ساغان المسلمة”.
وتجسد رواية “العطش”، تحرّر فتاة برجوازية جزائرية من قيود التقاليد والمحظورات الاجتماعية، واكتشافها لخفايا جسدها، وهذه الرواية هي التي صنعت شهرة الكاتبة آسيا جبار، التي وُصّفت في تلك الأيام بـ “فرنسواز ساغان المسلمة”.
يرى الأدباء والنقاد المتابعون لكتابات آسيا جبار أن نصوصها لا تخلو من الطابع الإنساني المتوفر بكثافة في مختلف الأشكال الأدبية التي كتبت فيها من مقالات صحفية ورواية ومسرح وأفلام وثائقية؛ نذكر منها فيلم “نوبة نساء جبل شنوة”عام 1978، الذي طرح سؤالا جريئا بكل قسوة وقوة: من الذي دفع ثمن ثورة المليون شهيد بالجزائر؟ .
أثناء الحرب الأهلية الدائرة في الجزائر لم تزر بلادها إلا أثناء تشييع جنازة والدها، ورغم ذلك عاشت بأحاسيسها وبكتابتها هذه الحرب وكتبت عن الموت أعمالا روائية أخرى منها: “الجزائر البيضاء” و”وهران.. لغة ميتة”، وبعيدا عن مناخات الحرب كتبت رواية “ليالي ستراسبورج”، التي تلامس الخيال والعاطفة والعالم الرومانسي.
ليالي ستراسبورج
تقول آسيا جبّار عن روايتها هذه: “لا تتفاجئوا إن قلت أنني كتبت هذه الرواية في 1997 في لويزيانا (الولايات الأميركية) عندما علمت هناك، وأنا بعيدة عن وطني، بالمجازر التي كانت ترتكب في حقّ أهالي القرى في وطني... وكان ردّ فعلي الأول على دموية الحاضر هو أن اكتب بإسهاب عن ليالي الحبّ الخيالية تلك، في ستراسبورغ. وكانت خيالاتي تلك أشبه بالعلاج النفسي”.
بدأت الرواية عندما غادرت بطلة الرواية ”ثلجة” الجزائر إلى باريس تاركة وراءها زوجها ”حليم” وابنها ”توفيق” لا ترغب بالعودة إلى الوطن.ومن باريس حيث كانت تتابع دراستها في الفنون توجّهت إلى مدينة ”ستراسبورج” للقاء عشيقها ”فرونسوا”، أرمل يكبرها بعشرين سنة ، تقضي بمعيته تسع ليالي تتقاطع مع أحداث وذكريات أخرى ولقاءات بين أشخاص يعيشون نوعا من المنفى أو الاغتراب. أزواج مختلطون من عرقيات وأصول مختلفة، يتقاسمون ماضيا شابته الكراهية والانتقام.
تكشف الرواية عن الحقائق التاريخية التي تتداخل لدرجة أنك تشعر بأنك أمام رواية تاريخية بينما في الحقيقة التاريخ يستخدم ذريعة لفهم الحاضر وتفسر سلوك الشخصيات الخيالية وعقدها.
تغوص الرواية في الماضي البعيد لمدينة ستراسبورغ وتاريخها، وعمرانها وجسورها، لتبدأ من عام 1870، أثناء الحصار الذي تعرضت له المدينة من قبل القوات الألمانية. كما أنها خضعت للصراع بين الإمبراطورية الفرنسية والإمبراطورية الألمانية لعدة قرون.
من بين أشهر كتاباتها روايتها “الملكة المستترة ” الصادرة عام 1990، وهي المرحلة التي دخلت الجزائر فيها مرحلة سياسية واقتصادية واجتماعية جديدة، وتحدثت فيها عن نساء الطبقة الوسطى والغنية وتصور لنا إمرأتين تحاولان التخلص من القيود الاجتماعية التقليدية، وفي روايتها “بياض الجزائر” الصادرة عام 1996، بكت آسيا جبار أصدقاءها المثقفين الذين اغتيلوا في العشرية السوداء بالجزائر.
“لا شك أن آسيا جبار أهمّ امرأة كاتبة في المغرب العربي”، هكذا قال عنها الكاتب والصحفي الجزائري طاهر جاعوت، وعن كفاحها ضد المجتمع الذكوري المهيمن تقول آسيا: “الكتابة أرجعتني إلى صرخات النساء الثائرات في صمت، إلى أصلي الوحيد، الكتابة لا تقتل الصوت بل توقظه، وتوقظ على الخصوص أخواتٍ عديدات تائهات..”.
“من بعيد جئتُ، وإلى بعيدٍ سوف أمضي...”، ذلك هو شعار الجزائرية آسيا جبار التي أبرزت في بداية روايتها الجديدة “ولا في أيّ مكانٍ من بيتِ والدي” هذه الكلمات التي استعارتها من الشاعرة البريطانية، “كاتلين راين”.
كانت عناوين كتبها تدور حول الحرب، والعائلات المفككة، وعن تصاعد ظاهرة الفردانية في الوسط البرجوازي.