كتاب قيم من قلم مجاهد في موضوع خطير يتلخص في تجلية عوار زخرف الباطل-الليبرالية - التي فتن الناس بها كما فتن الأولون بعجل السامري. لا شك أن قراءة هذا الكتاب يجب أن تردف بدراسات متأنية لكثير من المفاهيم المصاحبة التي تطورت وتبلوت عبر تاريخ الفكر الغربي إلى صورها الحديثة التي يسعى القوم إلى فرضها على غيرهم عبر أساليب شتى لا بد من فقهها في خضم سنة التدافع
مقتطفات من الكتاب مقدمة
بسم الله , والحمد لله , والصلاة والسلام على رسوله ومصطفاه , وبعد :
فمن أكبر الجرائم التي يمكن أن يرتكبها الإنسان في استجابته للشيطان , أن يقدم على تحريف الشرائع المنزلة من عند الله لتقرير منهاج العبودية له ؛ لأن ذلك التحريف يفتح أبواب الشرور كلها . وسواء كان هذا التحريف في مبنى النصوص الإلهية أو معناها ؛ فإنه يؤدي الى اختلال الموازين , وفقدان المعايير التي بها يعرف الحق من الباطل , والصواب من الخطأ , والهدى من الضلال .
والعقل الإنساني في هذه الحالات , يقف حائرا أمام الكثير من حقائق الوجود وأسراره , التي تتضاءل أمامها مداركه وتقصر معارفه . ومن هنا يكثر التخبط ويتنوع الزيغ , فما من عقيدة ضالة ولا شرعة مبدلة ولا قيمة مزيفة ؛ إلا وهي ناشئة عن فقدان نور الوحي وضياع آثار النبوات . ولذلك نعى القرآن على الذين يحترفون التحريف في رسالات السماء لأجل أغراض دنيوية وغايات شخصية : (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون ) [ البقرة : 79 ] . والمتأمل في الأسباب التي تجعل شياطين الإنس يستجيبون لشياطين الجن , في داعي التحريف والتبديل والقول على الله بغير الحق , يجد أن هؤلاء جميعا يريدون لأنفسهم ولغيرهم الخروج من إطار العبودية لله وحده الى فوضى العبوديات المتعددة لغير الله , حيث العبودية للنفس أو الناس أو الشهوة والشيطان , أو للمال والجاه والسلطان , أو غير ذلك من أنواع العبودية للمعبودات الباطلة التي تكفل إبليس – لعنه الله – بإغواء بني آدم بها , والتي يجمعها جميعا تقديم الرأي والهوى وتعظيمهما على الوحي والهدى .
إنه لا سبيل الى الوصول لتلك العبوديات المتعددة إلا بخرق جدار العبودية المتجردة لله – تعالى – عن طريق التحريف والتزييف والزيادة في الكتب المنزلة , وهذا ما أحدثه أعداء الرسل من الأحبار والكهنة والرهبان على مر الزمان .
لكن رحمة الله – تعالى – اقتضت أن يصحح المسار كلمات تبدل المنهاج أو انهار ؛ فيبعث اللطيف الخبير رسلا مبشرين ومنذرين : ( لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ) [ النساء : 165] , فيقوم بهم ما اعوج , ويقيم بهم ما تهدم , فينتدب هؤلاء الأنبياء لتبديد آثار التحريف من جديد بادئين بالتوحيد : ( اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ) [الأعراف : 65 ] .
إن تحريف نصوص الوحي كان – ولا يزال – هو السبب الأكبر في نشأة الأفكار المنحرفة من إفراط أو تفريط ؛ لأن كل غلو حاد أو تهاون مسرف , ينشئ غالبا رد فعل مساويا في القوة ومضادا في الاتجاه . ومن تأمل في تاريخ الفرق الضالة سواء في هذه الأمة أو فيمن سبقها , سيجد الذين يحرفون الكتاب عن بعض مواضعه يدعون غيرهم الى تحريف أو انحراف معاكس آخر , وهذا ما حدث مثلا في التقابل بين فكر الإرجاء المتسيب وفكر الخوارج المتشدد , وبين أحوال المتصوفة المبالغين في الانصراف عن الدنيا , وأحوال الطوائف المترفة في الإقبال على متاعها , وهو ما حدث أيضا من مبالغة المعتزلة في إعمال العقل في مقابل من بالغوا في تعطيل دوره في فهم النصوص والاجتهاد فيها . وهكذا ؛ كلما غير قوم دعوا غيرهم الى تغيير آخر .
لقد حدث مع أتباع الأديان السابقة ما هو أكبر وأخطر من ذلك , فلم يكن الأمر مجرد تلاعب في دلالات النصوص بالتأويل وباطل التفسير , بل كان تغييرا حقيقيا في العبارات والكلمات والحروف أحدث تغييرا جذريا في الديانة , حتى تحول التوحيد الى شرك , والاعتقادات الى خرافات , والعبادات الى تجارات في المناسبات , وأحكام المعاملات الى اختراعات وابتكارات لشراء الدنيا بالآخرة .
لقد بدلت رسالة موسى – عليه السلام - , فجاء عيسى – عليه السلام – مصححا ومكملا , لكن المحرفين نالوا من ديانة عيسى بأخطر مما نالوا من ديانة موسى – عليهما السلام – فتحولت ديانة المسيح الداعي الى التوحيد وتصفية النفس بالعبادة الى شرك مقنن في أقانيم , وخرافة مؤيدة بالأساطير , وتبدلت ديانته - عليه السلام – الى عبء لا يطاق من التكاليف التي اخترعها الأرباب المزيفون , مع أنه – عليه السلام – بريء من كل هذا الذي نسب الى اسمه زورا باسم ( المسيحية ) , وما نتج عنها من مذاهب نصرانية : أرثوذكسية وكاثولوكية وبروستانتية , ثم ما نشأ عن الثورة عليها من مبادئ الشيوعية الاشتراكية والرأسمالية الليبرالية , ولهذا قال لربه –عز وجل – متبرئا من كل ذلك : ( ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد ) [ المائدة :117 ] , وقد أصبح الدين المنسوب إليه شيئا آخر غير ما جاء به , ولهذا ثار على ذلك الدين المحرف أهله في القرون الوسطى , ورغبوا عنه وسعوا للتحرر منه وممن صنعه .
لكنهم كانوا كالمستجير من الرمضاء بالنار ؛ فليتهم إذ فروا من الباطل بحثوا عن الحق بما معهم من عقول ومدارك , أو استجابوا للحق الذي عرض عليهم فأعرضوا عنه ! لكنهم انتقلوا من ضلال كبير الى ضلال أكبر , ولهذا استحقت أمة النصارى وصف ( الضالين ) , كما نصت سورة الفاتحة .
بيانات الكتاب الاسم : معركة الثوابت بين الإسلام والليبرالية
تأليف : عبد العزيز مصطفى كامل
الناشر : مجلة البيان
عدد الصفحات : 262 صفحة
الحجم : 4 ميجا بايت
تحميل كتاب معركة الثوابت بين الإسلام والليبرالية