آرمينتا والاس
بمناسبة مئوية وفاة برام ستوكر (1847-1912)
ت: أمير زكي
أبريل 2012
نُشر بجريدة أخبار الأدب 13 مايو 2012
***
الرجل: ولد لطبقة متوسطة وعائلة أيرلندية، في شارع مارينو في كلونتارف[i]. درس الرياضيات في كلية ترينيتي وحصل على وظيفة بالخدمة المدنية. كانت حياته تقليدية جدا بطريقة ما، ولكن من عقل هذا الموظف المدني المخلص ظهرت أكثر الكلاسيكيات إثارة للقلق في أدب الرعب.
بالنسبة لكاتبي سيرته الذاتية، فمن المغري سرد هذا المنحنى: من بيروقراطي صرف إلى خالق "دراكولا". عنوان كتابه الأول "واجبات الموظفين في الجلسات القضائية الصغيرة في أيرلندا" يساعد في حكاية هذه القصة.
ستوكر التقليدي ظاهريا، كان يحمل حياة غير تقليدية ثرية بداخله ومن سنواته المبكرة. كان الطفل الثالث ضمن أخوة سبعة، كان طفلا مريضا، غير قادر على أن يسير بدون مساعدة حتى سن السابعة. أمه - التي ولدت بدونيجال[ii]، كانت هي نفسها كاتبة وتعمل بشكل جزئي في مجال الخير – كانت تقضي وقتا طويلا مع طفلها طريح الفراش، تقرأ وتحكي له القصص.
"كنت مفكرا بطبيعتي، والفراغ الذي صاحب المرض الطويل أعطى الفرصة للعديد من الأفكار الخصبة بالنسبة لاستخدامها في الأعوام اللاحقة". هكذا وصف ستوكر بإيجاز واقتضاب هذا الوقت من حياته.
التحق بمدرسة خاصة كانت تدار بواسطة ريف ويليام وودز، ثم التحق بترينيتي – حيث انتقلت له فورا عدوى المسرح. بدأ يكتب مقالات في النقد المسرحي لجريدة "دبلن إيفينينج ميل". الجريدة كان يشارك في ملكيتها الكاتب القوطي جوزيف شيريدان لا فانو، وربما يكون - أو لا يكون - قد لعب دورا في تشجيع الناقد الشاب على الاهتمام بالنوع الأدبي المتعلق بالأشباح.
في شتاء عام 1876، حضر ستوكر عرض هاملت في المسرح الملكي بدبلن، وكتب نقدا جيدا للممثل الرئيسي هنري إيرفينج. قابل إيرفينج بعد ذلك بفترة قصيرة. ويمكننا أن نعرف أن لقاءهما ألهم ستوكر لينتقل للندن حيث خصص البقية من حياته لإيرفينج، إذ عمل كمساعده الشخصي، ثم – وحتى وفاته الذي سيمر عليها مائة عام يوم الجمعة – مديرا عاما لمسرح الليثيوم.
حميمية ودوام صداقتهما – مثلها مثل ما يراه النقاد من إيحاءات مثلية في دراكولا – آثارت شكوكا كثيرة في طبيعة ميول ستوكر الجنسية. حقيقة أنه تزوج من ممثلة تدعى فلورانس بالكومب، التي أنجب منها طفلا؛ إيرفينج نويل ثورنلي ستوكر، زادت من إثارة مثل هذه الشكوك، لأن عشيق بالكومب قبل ستوكر لم يكن سوى أوسكار وايلد.
ستوكر كان منضما لدائرة عائلة وايلد، عندما كان طالبا في ترينيتي، قضى الكريسماس في بيتهم. ولكن بعد سجن وايلد بسبب التجاوزات الجنسية، ستوكر أزال كل ذكر لوايلد من ضمنها ما كان في سيرته الذاتية. وبينما دافع بعض أصدقاء وايلد عنه، ظل ستوكر صامتا. دراكولا كتبت بعد شهر مباشرة من سجن وايلد، وإحدى النظريات النقدية ترى أن الرواية كتبت كنوع من التعبير عن ألم ستوكر الداخلي من المحاكمة وعقاب وايلد الاجتماعي.
كل هذه بالطبع من الممكن أن تكون رؤى متأخرة زائفة – وحماس نقاد. خلال حياة ستوكر، فالمثلية الجنسية كانت بعيدة جدا عن أن يلتقطها الرادار الثقافي، حتى الكلمة لم تكن موجودة. مصطلح "الشذوذ الجنسي" كان هو المستخدم، ولم يكن يعتبر شيئا خاطئا فقط، فكما يتضح من التعامل البشع مع وايلد فهو كان يعتبر إجراميا.
بالتأكيد ستوكر لم يكن لامعا اجتماعيا بنفس طريقة وايلد. كان متحفظا جدا لدرجة أننا لا نعرف سوى القليل عن حياته. هو كان ليبرالي ملكي يؤمن بالحكم الذاتي الأيرلندي تحت الإشراف الرشيد للإمبراطورية البريطانية، هو كان معجبا بالسياسي الليبرالي وليام إيوارت جلادستون[iii]. هناك قصة تقول أنه أنقذ رجلا كان على شفا الغرق في نهر التيمز. ولكن الرجل مات على مائدة مطبخ ستوكر مما أزعج زوجته كما عرفنا.
في السنوات الأخيرة، العديد من الأوراق والمقالات المتعلقة بسيرة ستوكر ظهرت لتضيف لمحات جذابة تضاف لصورته الذاتية الغريبة والضبابية. في أكتوبر من العام الماضي، وجد ابن حفيده نويل دوبز مفكرة له تعود لأيام التلمذة في علية بجزيرة وايت[iv]. في بداية الثمانينيات من القرن الماضي وجدت نسخة مكتوبة على الآلة الكتابة لـ"دراكولا" في اسطبل بشمال غرب بنسلفانيا، كاشفة أن العنوان الأصلي كان "الميت الحي". ولكن في نفس الوقت الذي تثير فيه هذه الشذرات الأرشيفية العديد من الأسئلة عن حياة الكاتب، فهي تزودنا ببعض الإجابات اللافتة.
جزء من المشكلة أننا نميل هذه الأيام بأن نرى حياة ستوكر من خلال عدسات دراكولا. ولكن قصص مصاص الدماء هي مجرد جزء صغير من مجموعة أدبية تكون 18 كتابا تمتد إلى الأدب التجاري من أدب الفتيات مرورا بمغامرات "مقابر المومياوات المصرية" وحتى شيء يشبه الخيال العلمي.
كتاب ستوكر الأول "طريق الزهور" يتتبع نجار من دبلن ينتقل إلى لندن مع زوجته، ويعمل في مسرح ويموت من كثرة الشرب. رواية "منحدر شاستا" رواية رومانسية تقع في شمال كاليفورنيا حيث تقع وريثة إنجليزية في حب صائد دببة يدعي جريزلي ديك.
قليلة – إن لم تكن معدومة - هي الأعمال التي يعاد إحياءها أو يعاد اكتشافها له، وذلك بسبب النجاح الممتد لدراكولا، لا أحد يحتفي بإعادة إصدار "ميس بيتي" أو "ليدي أثلين". إن كنا نقرأ أعماله هذه الأيام، فأعماله ستوضع على أرفف الكتب الخفيفة أكثر من وجودها على أرفف الكتب الجادة.
هل هذا مصير أسوأ من أن تكون ميتا حيا؟
وقت العقاب؟ ماذا قال النقاد وكونان دويل عنه
من الممتع أن نرصد النقاد الذين كتبوا عن "دراكولا" حين ظهرت في مايو 1897، والتي نشرت بواسطة دار نشر "كونستابل" بإنجلترا، "هاتشنسون" بالمستعمرات، و"دابلداي" بأمريكا. ولكن في الحقيقة فالرواية حصلت على ردود فعل مختلطة ولكن إيجابية في العموم – ساعد على ذلك بلا شك بروز الكاتب صاحب الخمسين عاما في المشهد الأدبي بلندن.
"بدأنا نقرأ الكتاب مع مقتبل المساء". يقول الناقد بجريدة الديلي ميل المدافعة عن الفلسفة الأخلاقية البريطانية، "مع قدوم الساعة العاشرة تعلق انتباهنا تماما بالقصة لدرجة أننا لم نتوقف لنشعل غليوناتنا". وفقا لحياة البلد فقد أخذوا الخط الواقعي للقصة، يقول الناقد: "مص الدماء يشبه الهايدروفوبيا (الخوف من الماء) ولكنه أسوأ. وأقصر طريق للتعامل مع مصاصي الدماء هو تدميرهم".
أحد ردود الفعل السلبية كان من مجلة "الأثينيوم" الأدبية: "دراكولا فيها حساسية أدبية، ولكنها تحتاج إلى بناء فني إلى جانب الحس الأدبي العالي"، تضيف المجلة: "إنها تُقرأ أحيانا كمجرد سلسلة من الأحداث الغريبة غير المقنعة؛ ولكن في لحظات أفضل ترينا قوة أكبر، على الرغم من أن هذا حتى ليس مفيدا جدا بالنسبة للاضطراب الذي يريد الكاتب أن يجلبه. كمية كبيرة من الطاقة ومستوى محدد من ملكة التخيل، والعديد من التفاصيل الماهرة والمرعبة موجودة. أحيانا ينجح السيد ستوكر في خلق حس من الإمكانية بداخل الاستحالة، وأحيانا أخرى يطلق أسهم الجمل الخشنة التي تتكلم عن أحداث غير مُصَدَقة".
كمدير مسرح وناقد سابق، ستوكر كان مشجعا لمثل هذه التصريحات. ولكنه كان أكثر تقديرا لملاحظة تلقاها من مخترع شخصية شرلوك هولمز في 20 أغسطس عام 1897:
"عزيزي برام ستوكر، أنا متأكد أنك لن تعتقد أنه من التجاوز أن أكتب لأخبرك كم استمتعت بقراءة "دراكولا". أعتقد أن هذه أفضل قصة شيطانية قرأتها من عدة سنوات. إنه من الرائع أن يكون بإمكانك أن تقرأ الكتاب باهتمام كبير وبدون أي لحظة تعيق المتعة. إنها تستحوذ عليك من البداية، وتنغمس معها شيئا فشيئا حتى تشعر بحيوية محسوسة. البروفيسور الكبير كان الأفضل وكذلك الفتاتين[v]. أنا أهنئك من كل قلبي لأنك كتبت هذا الكتاب الرائع.
مع خالص تحياتي للسيدة ستوكر
صديقك المخلص
كونان دويل"