ترجمة لحوار إيف جربر مع وودي آلان
من حوارات الكتب الخمسة
ترجمة: أمير زكي
فبراير 2013
وودي آلان؛ مخرج وممثل وكاتب وكوميديان، وعازف كلارينيت وكاتب مسرحي وكاتب سيناريو. وودي آلان حصل على جائزة الأسد الذهبي من مهرجان فينيسيا عن مجمل أعماله، وثلاث جوائز أوسكار، و11 جائزة بافتا. كتب 48 سيناريو و10 مسرحيات، وأخرج 44 فيلما وثلاث مسرحيات وأوبرا واحدة. فيلمه الأخير "منصف الليل بباريس" سيكون فيلم الافتتاح بمهرجان كان في 11 مايو القادم. (المعلومات عن الموقع مطابقة لتاريخ الحوار)
* حوارات الكتب الخمسة تجعل الضيف يختار خمسة كتب مفضلة إليه ليتحدث عنها.
***
أسطورة السينما يناقش الكتب التي يميل إليها، من ج. د سالينجر إلى إليا كازان وآخرون.
** الحارس في حقل الشوفان – ج. د. سالينجر
* أكثر من كتاب من الخمسة الذين اخترتهم سيمثلون اكتشافات بالنسبة لقرائنا، ولكن هناك كتاب سيكون مألوفا للجميع. عندما كانت آني هول تنتقل من شقة آلفي[1]، تشاجرا حول من يملك "الحارس في حقل الشوفان". متى قرأته لأول مرة؟ وما الذي يعنيه بالنسبة لك؟
"الحارس في حقل الشوفان" كان له دوما معنى خاص بالنسبة لي لأنني قرأته عندما كنت شابا – في حوالي الثامنة عشر. كان مقاربا لتخيلاتي عن مانهاتن، الجانب الشرقي العلوي ومدينة نيو يورك في العموم.
كان أشبه بالنزهة بالنسبة للكتب الأخرى التي كنت أقرأها وقتها، والتي كانت جميعها تتضمن سمة "الواجب". بالنسبة لي، فقراءة "ميدل مارش" و"التربية العاطفية"[2]كانت واجبا، في حين أن قراءة رواية "الحارس في حقل الشوفان" كانت متعة خالصة، عبء الامتاع ملقى على الكاتب، وسالينجر أنجز هذا الالتزام من أول جملة.
القراءة والمتعة لم يجتمعا بالنسبة لي عندما كنت شابا، القراءة كانت شيئا تفعله من أجل المدرسة، تفعله من أجل الالتزام، تفعله لو أردت أن تجذب نوعا معينا من النساء، لم تكن شيئا من أجل المتعة، ولكن "الحارس في حقل الشوفان" كانت مختلفة، كانت ممتعة، مكتوبة بلغتي، والمناخ كان له جاذبية عاطفية عظيمة بالنسبة لي، أعدت قراءتها في عدة مناسبات وهي دائما ما تمتعني.
* على الأقل قبل أن تخلق شخصيتك السينمائية المألوفة، كان هولدن كولفيلد[3]أيقونة القلق الأمريكي هل تربط نفسك به؟
ليس بأي شكل عميق.
* بطل سالينجر يشعر بالجنون من القبح في الحياة، ما الذي يدفعك للجنون؟
الموقف الإنساني: حقيقة أننا نعيش في كابوس وكل شخص يحاول أن يصنع الأعذار وعليه أن يجد طرقا لتجميله. والحقيقة أن الحياة في أفضل أحوالها هي عرض بشع جدا، ولكن سلوك الناس يجعلها أكثر سوءا إلى حد كبير مما هو مفترض أن تكون عليه.
* هل قابلت أو تواصلت مع سالينجر؟
لا، لم أفعل أبدا، أنا لست الشخص الذي يسعى للتواصل مع المعاصرين أو الرموز، لو حدث هذا فليحدث، ولكنه لا يعني أي شيء بالنسبة لي اجتماعيا.
** بلوز بالفعل - ميز ميزرو
* من هو ميز ميزرو وما الذي تعنيه لك مذكراته التي نشرت عام 1946 "بلوز بالفعل"؟
لقد عرفت على مر السنوات – عن طريق مقابلة موسيقيي جاز ثقاة عرفوا ميزرو والناس الذين كتب عنهم في الكتاب – أن الكتاب ممتليء بالقصص الزائفة. ولكن كان للكتاب تأثيرا عظيما عليّ لأنني كنت أتعلم لأصبح عازف جاز على الكلارينيت، كميزرو، وكنت أتعلم عزف البناء الموسيقي الذي كتب عنه هو وبرنارد وولف[4].
القصة، وإن كانت غالبا ممتلئة بالمهملات، كانت جذابة بالنسبة لي لأنها كانت تدور حول العديد من الموسيقيين الذي كنت أعرف أعمالهم وأعجبت بها وأيضا لمعرفة أول وآخر تفاصيل الجاز التي أعرفها عن الأغاني الأسطورية التي كانت تعزف في الملاهي الليلية الأسطورية. بالتالي كنت أقضي وقتا عظيما في قرائته عندما كان شغفي بالجاز يتشكل. ولكني أعرف أنه لم يكن كتابا جيدا جادا أو حتى أمينا جدا.
* على مر السنين كنت تشير إلى أن صناعة الأفلام وعزف الجاز كلاهما نوعا من العلاج النفسي بالنسبة لك، من فضلك اشرح ذلك.
من الممتع عزف الموسيقى. أنا محظوظ لأنه بإمكاني العزف على آلة، هذه واحدة من أعظم الهبات في حياتي، إنه أمر يجعلك مسترخيا جدا. أحب العزف وأحب الاستماع. أحب جاز نيو أورلاينز، ولكني أحب كل أنواع الموسيقى – الموسيقى الكلاسيكية، الجاز الحديث، كلاسيكيات الأغاني الأمريكية: جورج جيرشوين، كول بوتر، جيروم كيرن. ولكن جاز نيو أورليانز كان لديه دوما مكانا خاصا بقلبي، وجلب لي لحظات متعة عظيمة على مر السنين.
هو علاج نفسي لأنني عندما أعزف لا أفكر حقا في أي شيء، ربما هذا لا يختلف، إلى حد ما، عن الرجل الذي يلعب البوكر أو الجولف في عطلات نهاية الأسبوع.
هذه ليست مهنتي، وبالتالي لا يوجد التزام لأكون جيدا، الأمر فيه نفس متعة الشخص الذي يعود إلى المنزل من بعد المكتب، ثم يخرج لملعب التنس ويضرب بعض الكرات، هو لن يكون أبدا روجيه فيردير، ولكنه سيقضي وقتا طيبا.
** عالم س. ج. بيريلمان – س. ج. بيريلمان
* الكاتب التالي الذي اخترته لا يُقرأ بشكل كبير اليوم. من فضلك قدم لنا عالم س. ج بيريلمان.
أكثر البشر طرافة في حياتي، في أي وسيط، سواء التلفزيون، الستاند آب، المسرح، السرد، الأفلام، لا يوجد شخص أكثر طرافة من س. ج. بيريلمان.
أنا أفضل أعماله الوسيطة عن المتأخرة، أعماله المبكرة كانت غريبة قليلة، ليست قريبة من نفس الحذق والجودة. مع تطوره على مر السنين، أصبح مثيرا جدا.
هناك العديد من المجموعات لبيريلمان ممتلئة بأشياء عظيمة، هذه المجموعة، التي كتبت لها المقدمة، تحتوي على العديد من القطع الرائعة. ولأن المحررين رتبوها بشكل زمني، فرأيي الشخصي أن المقالات الأولى هي الأضعف، عندما تصل للمقطع الخامس، كما أطلقوا عليه في النيويوركر، فأنت تصل للذروة، وبقيته تعبر عن عبقرية كوميدية مطلقة، مرحة بقدر ما تجد.
* كتبت مرة أن أسلوبه تسلل إليك، كيف تسلل بيريلمان بداخل عملك؟
هؤلاء الذين كبروا على كتابات بيريلمان يجدون أنه من المستحيل تجنب تأثيره، إن كبرت على الاستماع إلى تشارلي باركر أو ثيلونيوس مونك أو لويس آرمسترونج واستمعت إلى تسجيلاتهم مرارا وتكرارا، بالتالي ستبدأ في عزف نفس نمط جملهم وإيقاعاتهم، أنا متأكد من أن أي ممثل يعشق مارلون براندو – يعشقه ويشاهد كل فيلم صنعه – سيبدأ في تمثيل المشهد والقليل من براندو يتسلل إليه. نفس الأمر مع بيريلمان: أنت تقرأه مرارا وتكرارا كما فعلت أنا والعديد من المعاصرين لي ونحن نكبر – وبالتالي، عندما تكتب، يكون من الصعب أن تهرب من تأثيره، هو لديه هذا الأسلوب القوي المبتكر.
* ما الذي حدث للسخرية في المطبوعات؟
المشكلة هي أنه لم تعد هناك صناعة لها. أنت تعرفين، كانت النيويوركر في البداية مجلة أدبية، والاقتصاد دفعها لتغيير ذلك على مر السنين، عندما كنت أصغر، أي عدد كان يحتوي على قطعة لبيريلمان، أو ربما شيئا لسالينجر، بعض القصائد أو ربما شيء لترومان كابوت أو جون آبدايك، كانت مجلة أدبية. الآن جزء ضئيل من المجلة موجه للسخرية، بخلاف الكاريكاتيرات، وباب "صرخات وهمسات" الذي يكتبونه، أنت بالكاد تجد صفحة، ذلك الذي أراه سخيفا.
تظل المطبوعة الأولى للكتابة الساخرة، ولكنهم حتى خففوا المنتج، الكثير من هذه النصوص القصيرة التي تقرأها في النيويوركر هي مجرد فكرة ساخرة يصل لها بعض الكتاب ويكتبونها، ولكنه ليس أدب ساخر بحق حسب تقليد س.ج بيريلمان أو روبرت بينشلي أو جيمس ثربر أو دوروثي باركر، ربما يكون هناك كم مشابه من الكتاب الساخرين الآن، ولكن ليس لديهم أماكن ليضعوا موادهم فيها.
** على شاهد قبر الفائز الصغير – ماشادو دي آسيس
* دعنا نتحول إلى رواية ساخرة كتبت عام 1880 للبرازيلي ماشادو دي آسيس، أخبرنا عنها وكيف أحببت هذا العمل؟
حسنا، أنا تلقيتها بريديا في يوم ما، شخص غريب من البرازيل بعثها وكتب: "ستحبها". ولأنه كتاب صغير فقد قرأته، لو كان كتابا ضخما ربما كنت تجاهلته.
كنت مذهولا بمدى سحره وجاذبيته، لم أستطع تصديق أنه عاش في هذا الزمن البعيد، يمكنك أن تعتقد أنه كتبه بالأمس، هو عصري ومسلي جدا، هو عمل أصيل جدا.
* الكتاب يحول المغامرات المميتة والغرامية إلى كوميديا، وممتليء بالتشاؤم الساخر الذي يبدو مألوفا في أفلامك، كيف أثر فيك؟
المسألة ليست التأثير فيّ، ولكنه كان جذابا بالنسبة لي، بنفس طريقة مشاهدة أفلام إنجمار برجمان. إنه يعني شيئا بالنسبة لي لاهتماماته ورؤيته للحياة. إنه يدق جرسا بداخلي، بنفس طريقة "الحارس في حقل الشوفان". إنه عن مسألة ذاتية أحببتها وتم التعامل معها بمهارة عظيمة وأصالة عظيمة وبدون إثارة.
* الجملة الأخيرة المثيرة للانتباه في الرواية تقول: "لم تكن لديّ ذرية، أنا لم أنقل لأحد ميراث بؤسنا". أنت لا تهتم بفكرة أن أعمالك تترك ميراثا فنيا، هل يمكنك على الأقل أن تعترف بميراث ثقافي؟ ما يدور بذهني هو أن العديد من الرجال اليوم يتبعون نمط الرومانسية المؤسس بواسطة آلفي سينجر أكثر من المؤسس بواسطة روميو أو دارسي أو كازانوفا[5].
عندما نصل للرومانسية، وعندما نصل للحب، فكل الناس يشتركون في نفس القارب، القضايا التي شقي معها يوريبيديس وسوفوكليس وشيكسبير وتشيكوف وستريندبيرج هي نفسها نفس المشاكل غير المحلولة التي يتعامل معها كل جيل ويجد طريقته في الشكوى منها. أنا أصفها بطريقة معينة وأُمتع بها في أفلامي. ناس آخرون فعلوا ذلك، على أيامهم، مستخدمين أيقوناتهم ومصطلحاتهم.
* ماشادو دي آسيس معروف بأنه ملهم لكتاب الواقعية السحرية، أحكم من خلال المقالات المسبقة، فبطل فيلمك الأخير[6]يختبر بعض السحر في باريس، كما حدث مع شخصيات "زهرة القاهرة القرمزية"، "آليس"، و"سَبْق". لِم تلوي كثيرا قواعد الواقع في أفلامك؟
كما قلت من قبل، أنا أعتقد أننا نعيش في كابوس، وأنا أشعر بنفس شعور بلانش ديبوا[7]: أريد السحر، لا أريد الواقع. أريد أغطية معلقة حول المصباح العاري كما فعَلَت. ولو كانت هناك أي طريقة للفرار من الواقع، فأنا سأسلكها.
لسوء الحظ، لا توجد أي طريقة واقعية لذلك. يمكنك أن تشتت نفسك، أن تذهب لمباريات البيسبول والحفلات والمسرحيات وتمارس الجنس وتشترك في كل أنواع المحاولات التي تستحوذ عليك، ويمكنك أن تخلق مشكلات لنفسك وهي غير موجودة لتجنب التفكير في المشكلات السيئة، ولكن في النهاية، أنت مسجون، والواقع يحبطك بشكل لا يمكن تجنبه.
** إيليا كازان – ريتشارد شيكل
* في النهاية، دعنا نتقدم نحو سيرة ريتشارد شيكل الذاتية عن إليا كازان، حدثنا عنها.
إنه أفضل كتاب قرأته عن صناعة العروض. مكتوب بشكل رائع وهو عن مخرج رائع ومهم جدا بالنسبة لي عندما كنت أكبر لأصير صانع أفلام. شيكل يفهم كازان، ويفهم تينيسي ويليامز، ويفهم مارلون براندو، ويفهم "عربة اسمها الرغبة". هو يكتب بمعرفة تاريخية عظيمة، بوضوح وحيوية، كتب صناعة العروض عادة لا تستحق القراءة، تكون سخيفة وسطحية، ولكن هذا كتاب رائع.
* السيرة الذاتية مؤطرة بسؤال عن إن كان عمل كازان، الذي يتضمن فيلم "على رصيف الميناء"، قد أصابه الخسوف في هوليود بسبب قراره أن يُسمِّي المرتبطين بالشيوعية أمام "لجنة الأنشطة المعادية لأمريكا". كيف ترى أنه على العامة تقييم كازان؟
أنا عظيم في فصل الأشياء، أنا أشعر دوما أن كل شيء لا علاقة له بالآخر، أنت تشاهد فيلم "انتصار الإرادة"، هذا عمل فني مهيب، ولكنك تظل تكره ليني ريفينشتال[8]لأنها كانت نازية، يمكنك الاستماع لموسيقى فاجنر – إنها رائعة، ولكنه شخص بشع.
الشيء نفسه حقيقي هنا، أنا لا أقول إن كازان كان شخصا بشعا، هذه الأمور كانت معقدة للغاية، وأسهل شيء هو أن تفصل نفسك، وتلقي الانتقادات باعتقادك الذاتي، بعض هذه الانتقادات تسقط حينما تناقشها، لا أعرف، هذه قضية أخرى.
ولكن الأفلام التي صنعها، المسرحيات التي صنعها، عمله الخلاق كان رائعا، مهما ظننت بكازان سياسيا، فهذا لا علاقة له بحقيقة أن الرجل كان مخرجا عظيما.
[5] آلفي سينجر الشخصية الرئيسية بفيلم وودي آلان "آني هول"، روميو الشخصية الرئيسية بمسرحية شكسبير "روميو وجولييت"، دارسي هو إحدى شخصيات رواية جين أوستن "كبرياء وتحامل"، كاسانوفا المغامر الإيطالي المعروف بعلاقاته النسائية.
[8] Leni Riefenstahl(1902-2003) مخرجة ألمانية، عرفت بعلاقاتها الوطيدة مع السلطة النازية في ألمانية في الثلاثينيات من القرن الماضي، فيلمها الوثائقي "انتصار الإرادة" (1934) يعرض لمؤتمر الحزب النازي في العام نفسه.