عطر قديم ـ جارالنبي الحلو
تؤسس رواية «عطر قديم» لمنطقها الجمالي الخاص، متذرعة بمدٍّ إنساني سامق، وحضور لافت للمقولات الكبرى. وتعتمد كتابة شفيفة، تستدعي ما هو عادي، لتمنحه قدراً من الدهشة المصفاة، عبر تفعيل الهامشي والمعيش، وصبغه بماء الحياة، بتنويعاتها المختلفة، وبعطرها المتباين، ذي الألوان المختلفة. و العناوين التي يتخذها لنصوصه المختلفة تتكرر فيها دوال (مفردات) تنبئ عن ذلك، وتشير إليه: «طعم القرنفل»، «عطر قديم»، «حلم على نهر»، «القبيح والوردة»... دوماً هناك هذه الروح الشفيفة، التي تسعى إلى أنسنة الأشياء، والرامية إلى صنع علاقة أوثق مع المتلقي تحفز لديه طاقات التخييل والشعور في آن.
«المحلاوي» صفة أطلقها عليك الأصدقاء.. فهل لهذا الوصف علاقة بمقاومتك لأضواء وضوضاء القاهرة والإقامة بها؟
لا أقاوم الأضواء ولا الإقامة في القاهرة، لكنه اختيار، اختيار المكان الذي وهبني حكاياته وأسراره، المحلة بنهرها ووجوه عمالها وفلاحيها، والمهمشين، والصنايعية، حطت في روحي، إنه الاختيار لمكان يخصني فكتبت عما يخصه، تشربته وحملت همه وطقوسه وكنت منذوراً كما قال صديقي الشاعر فريد أبو سعده لأن أكتبه.
النهر والسماء والحقول والطيور.. تيمة أساسية في أعمالك أوجدتها البيئة التي نشأت فيها، فما مكوناتك الثقافية والمعرفية الأخرى؟
منذ صباي غذتني جدتي لأمي بحكايات تتدفق بشفاهية وأداء ساحر ، وتعرفت عليها مكتوبة في كتب السيرة وألف ليلة وأعمال جورجي زيدان في صندوق خشبي كبير لأبي، ومن أخي «بكر» تعرفت على نجيب محفوظ وطه حسين ويحيي حقي وإحسان عبد القدوس وتوفيق الحكيم ويوسف إدريس وموليير وبلزاك. ثم دخلت عالم تشيكوف وجوجول ، ولكن الصبي الذي كنته كان مولعاً بالسينما وسحرها الذي أشعل الخيال، فيما كان للشعراء رامبو وناظم حكمت وبودلير وإيلوار محبة خالصة وصداقة دائمة.
احك لنا عن «حكايات جار النبي الحلو»؟.
هي حكاياتي، وكتابتي شديدة الخصوصية، فيها أجد نفسي صبياً ومبدعاً حكاء، يخصني فيها الصبي الذى هو الراوي الذي يرى بعينيه جمال العالم وقبحه، حلمه وقهره، يرى العادي بدهشة، فتتحول الحكاية لألفة وجمال، نشرت كتاب الحكايات الأول في العام 1997، واستكملته وسأنشره قريباً بالحكايات الجديدة التي أضيفت إليه، نعم .. إنه الصبي الذي كنته لذلك لم يسلبني الزمن الدهشة أو البهجة. أحلم أن أظل في الذاكرة كحدوتة شعبية.