‏إظهار الرسائل ذات التسميات فريدريك نيتشه. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات فريدريك نيتشه. إظهار كافة الرسائل

الثلاثاء، 22 أكتوبر 2013

ما وراء الخير والشر لــ فريدريك نيتشه

ما وراء الخير والشر لــ فريدريك نيتشه

كتاب ينتمي إلى المرحلة الختامية من حياة نيتشه المبدعة، ويتميز بأسلوب جديد لم يعهد في مؤلفاته قبلاً فهو يخلو من أي كلمة طيبة، فقد أتت تعابيره قاسية وصارمة وفعّالة. ففي كتابه هذا يعتمد وبأسلوب عنيف نقد الحداثة التي دخلت حياة البشر وشتتها، لتجعل منها أداة تحركها بما يتناسب مع متطلبات الحياة الحديثة.

المقدمة



ربما لا يصح أن تقرأ هذا الكتاب، وأي كتاب آخر لفريدريش نيتشه، وأنت عابس أو جدي مفرط في الجدية: كأن تحسب، مثلاً، أن المهم هو تلخيص أفكاره وتبويبها بهدف حفظها وتعليمها على غرار ما كنت لتفعل مع فلاسفة غدوا كلاسيكيين. ذلك أن التفلسف عند نيتشه يعاند التلخيص إلى مضمون ميسر سهل تناقله.
بل قل إن المضمون النيتشوي في صيرورته مدرسة ومعتقدا قد يؤدي – وقد أدي بالفعل مع الاشتراكية الوطنية الألمانية-إلى كارثة فلسفية محققة، وربما إلى ما يناقض البادرة النيتشوية نفسها، تلك البادرة التي يسميها نيتشه: التفلسف بالمطرقة، أي طرق ما يركن إليه العصر من أفكار واعتقادات. وهي أصنام فارغة، على ما يرى نيتشه، وطرقها يجعلها تحس فراغها وخواءها.
ما وراء الخير والشروالطرق (الضرب بالمطرقة) لجعلنا نحس خواء ما نعتقد يختلف عن توسل البرهان والحجاج لجعلنا نقتنع بصواب فكرة ما أو رأى. غنه إذن معاندة ومعارضة للأسلوب الفلسفي التقليدي الذي يعرف عنه نيتشه بوصفه أسلوب التمويه وأسلوب تشويه طبيعة الفكر الحقيقية. والأسلوب الذي يتوسل "شبه تنظيم استنباطي جدلي" ليزور الأشياء والأفكار التي يتم التوصل إليها من طرق أخري تماماً ويمنع بذلك إدراك نشأة التفكير وما فيه من "عصبي" وحي ومباشر وعفوي بل من جسدي:
فالكتابة الفلسفية السائدة زمن نيتشه (الجدلية) تظن انه يمكن ان يكون ثمة اتصال وتطابق بين التفكير والتعبير عنه. وإن كل شيء يمكن أن يقال بوضوح وتميز وأفصحا بفضل قوة الحجة والبرهان. اما الكتابة المقطعية (بشذرات مرقمة) المعتمدة هنا وفى معظم كتب نيتشه الحقة فتشكل التعبير المناسب عن الشك في إمكان هذا التطابق. إن المقطع الذي تفصله فسحة بياض عن المقطع الذي يليه، يعرض على نحو أصيل القطع الجذري بين الفكر وعبارته. وهو يسعى إلى إظهار قدرة الفكر وحياة الرغبات الصماء الغامضة، حياة العواطف والغرائز.
إلى ذلك، يريد أسلوب المقطع أن يثبت أن ليس على الفكر أن يشرح نفسه، بل عليه أن يفرض نفسه بالأحرى يؤكدها. والاختلاف في النهاية هو اختلاف في الذوق ولا مجال للمصالحة في الأذواق.
وقل إن أسلوب المقطع لا يسعى إلى الإقناع ولا إلى أن يكون على حق، لأن الحقيقة لا تقوم في الشفافية ولا في وضوح الأفكار، لأن كل وضوح مخادع. والأسلوب القائم على نزع الأقنعة والتعرية عليه أن ينزع ويعري إلى ما لا نهاية من دون أن يستطيع الزعم بانه رفع القناع الأخير.
وأسلوب المقطع هو، اخيراً، الأسلوب الذي يناسب للتعبير عن "الروح الحر" وفيلسوف المستقبل والسيد وفي مقابل الجدل وألسستم التي تناسب أذواق الرعاع وأفراد القطيع.
قد لا يصح إذن أن نقرأ هذا الكتاب بالعربية اليوم وأنت عابس أو ناظر إلى مضمونه وحسب، لأن مضمونه مناف بالتأكيد لما يتوقع قارئ الفلسفة بالعربية اليوم: "فهذا الكتاب في جوهره، نقد للحداثة" على ما يقول نيتشه نفسه. نقد لا تستثني منه لا العلوم الحديثة ولا الفنون الحديثة ولا حتى السياسة الحديثة. إنه خلخلة، من منظر ارستقراطي، لقيم " التمدن" كلها المرفوعة راياتٍ خفاقة على أسوار "الحاضرة" اليوم: بدءاً من لموضوعية العلمية ومطلب الحقيقة المجردة وصولاً إلى المساواة والتقدم، مروراً بحقوق الإنسان والمواطن، وأخلاق التراحم والعطف، وحقوق المرأة، وحق الشعوب في ....

المحتويات



  • في تحكميات الفلاسفة
  • الروح الحر
  • الحال الدينية
  • أقوال وفواصل
  • في تاريخ الأخلاق الطبيعي
  • نحن العلماء
  • فضائلنا
  • أقوام وأوطان
  • ما النبيل؟
  • الشامخة
  • أنشودة الختام
  • ثبت بأهم المصطلحات
  • معالم في سيرة نيتشة

بيانات الكتاب

الاسم: ما وراء الخير والشر تباشير فلسفة للمستقبل
تأليف: فريدريش نيتشة
ترجمة: جيزيلا فالور حجار
مراجعة: موسى وهبه
الناشر: دار الفارابي
رقم الطبعة: الطبعة الأولي
تاريخ النشر: 2003
الحجم: 6 ميجا

أشترى كتبك الورقية بخصومات كبيرة وتوصيل لباب بيتك

تحميل الكتاب مجاناً



قراءة الكتاب اونلاين

أشترك بقائمتنا البريدية ليصلك جديد الكتب


السبت، 27 يوليو 2013

أفول الأصنام – فريدريك نيتشه - اقتباسات

"هذا فنان كما أحب أن يكون الفنانون.. متواضع في ضرورته الطبيعية. في الأصل، لا يطلب إلا شيئين اثنين: خبزه وألعابه".

***

"عندما تكون للمرأة فضائل ذكورية يجب تجنبها. وعندما لا تكون لها فضائل ذكورية، فهي التي تهرب".

***

"هناك نوع من كره الكذب والرياء نابع من معنى حاد للشرف. غير أن نفس الكره يمكن أن يكون محض جبن، عندما يكون الكذب محرما بأمر إلهي. من فرط جبنه لا يكذب..."

***

"(لا يمكن أن نفكر ونكتب إلا جالسين – جوستاف فلوبير) تمكنت منك، أيها العدمي! أن تكون ذا مؤخرة ثقيلة فتلك، بامتياز، خطيئة في حق العقل. وحدها الأفكار التي تأتينا ونحن ماشون لها قيمة ما".

***

"لقد كانوا بالنسبة لي عبارة عن أدراج استعملتها لكي أرتقي – كان لزاما عليّ، من أجل هذا، أن أعبر فوقهم، أن أتجاوزهم. غير أنهم كانوا يظنون أنني سأستريح فوقهم".

***

"غير مهم أن ينتهي الأمر بالناس إلى تصويبي، فأنا على صواب قليل. والذي يضحك اليوم جيدا سيكون آخر من يضحك".

***

"ما أطلبه من الفيلسوف معلوم: أن يتموضع ما وراء "خير" و"شر"، أن يكون فوق وهم الحكم الأخلاقي. هذا الطلب نابع من استنتاج كنت أول من صاغه: ليست هناك حقائق أخلاقية. يشترك الحكم الأخلاقي مع الحكم الديني في الإيمان بحقائق ليست في شيء. ليست الأخلاق إلا تفسيرا – أو بتعبير أدق، تفسيرا خاطئا لبعض الظواهر. يوصل الحكم الأخلاقي، مثله مثل الحكم الديني، إلى جهل ينعدم فيه مفهوم الواقعي نفسه، ينعدم فيه التمييز بين الواقع والمتخيل، بحيث أن "الحقيقة" لا تمثل، على هذا المستوى سوى أشياء نسميها اليوم "أوهاما"..."

***

"الثقافة والدولة نقيضان – لا نخطئن في ذلك -: إن فكرة دولة خالقة للثقافة فكرة حديثة. تحيا الواحدة على حساب الأخرى، تزدهر الواحدة على حساب الأخرى. كل العصور المزدهرة للثقافة هي عصور انحطاط سياسي، كل ما هو عظيم في جانب الثقافة كان دائما غير سياسي، بل ومضادا للسياسة".

***

"الآن وقد تخلصوا من الإله المسيحي، فإنهم يعتقدون أنهم ملزمون باحترام الأخلاقية المسيحية بشكل دقيق: هذا منطق إنجليزي محض... مقابل كل تحرر بسيط من اللاهوت يجب أن يسترد الناس حقوقهم بتطرف أخلاقي مريع. تلك هي الذعيرة التي يجب أداؤها. الأمر بخلاف ذلك بالنسبة لنا نحن المغايرين. فحين نتخلى عن العقيدة المسيحية، فأننا ننزع عنا في نفس الوهلة كل حق في الأخلاقية المسيحية... المسيحية نظام، رؤية شاملة ومتماسكة للأشياء. إذ نحن نزعنا منها فكرة أساسية، وهي الإيمان بالله، فإننا نهدم الصرح كله في نفس الوهلة: ولا يتبقى بين أيدينا آنذاك شيء له أدنى لزوم. تفترض المسيحية في المطلق أن الإنسان لا يعلم، لا يستطيع أن يعلم، ما هو خير له وما هو شر له: إنه يؤمن بالإله الذي وحده يعرف ذلك. الأخلاقية المسيحية أمر قطعي: أصله متعال، فهي فوق كل نقد، فوق كل حق في النقد. ليس لها من حقيقة إلا إذا كان الإله هو الحقيقة – إنها لا تستمر إلا ما دام الإيمان بالله مستمرا".

***

"لكي يكون هناك فن، لكي يكون هناك فعل ونظرة جماليان، لا بد من شرط فزيولوجي: الانتشاء. لا بد أولا أن تكون انفعالية كل الآلة قد كثفتها النشوة. كل أنواع النشوة مهما يكن مصدرها، لها هاته القدرة خصوصا نشوة التهيج الجنسي، أقدم أشكال النشوة وأشدها بدائية. ثم تليها النشوة التي تسببها كل الرغبات الكبرى، كل الانفعالات الشديدة. نشوة العيد، نشوة المبارزة، نشوة الإقدام، نشوة النصر، نشوة كل تهيج عنيف: نشوة الفظاظة، نشوة الهدم – النشوة الناتجة عن بعض الأحوال الجوية (الاضطراب الربيعي مثلا)، أو تحت تأثير المخدرات، أخيرا تأتي نشوة الإرادة، نشوة إرادة تم كبحها طويلا، وهي متأهبة للانفجار. – الأساسي في النشوة هو الإحساس، هو تكثيف القوة، تكثيف الكمال. هذا الإحساس هو الذي يدفع الإنسان إلى وضع شيء من ذاته في الأشياء، إلى إرغامها على احتواء ما يضعه فيها، إلى التعسف في حقها: هذا ما يسمى الأًمثًلَة. لنتخلص هنا من حكم مسبق: أن الأًمثًلُة لا تقتضي إطلاقا، مثلما يعتقده الناس عادة، أن نغض الطرف عما هو حقير وثانوي – أو أن نتملص منه-".

أفول الأصنام
فريدريك نيتشه
ت: حسان بورقية – محمد الناجي



الثلاثاء، 4 يونيو 2013

ديوان نيتشه - اقتباسات


أقيم في بيتي
أبدا، بأحد ما اقتديت
ولقد سخرت، فوق ذلك، من كل معلم
ما سخر من ذاته أولا.

***

في الجنة

"الخير والشر انحياز الإله"
يقول الثعبان ويسرع هاربا.

***

عن العلماء

بينما كنت نائما، إذ بشاة تقلقل تاج اللبلاب الذي يزيّن رأسي، قالت وهي تقلقل: "ما عاد زرادشت عالما".

قالت ذلك وذهبت في ازدراء وتعال. أعلمني صبي بذلك.

أحب أن أكون مستلقيا حيث الأطفال يلعبون قرب الجدار المتداعي، تحت أكمة الأشواك والخشخاش الأحمر.

ما زلت عالما في نظر الأطفال، وأيضا في نظر الأشواك والخشخاش الأحمر.

إنهم أبرياء حتى في إيذائهم.

لكنني ما عدت كذلك في نظر النعاج: ذاك حظي: فليبارك!

لأن هذه هي الحقيقة: تركت بيت العلماء وأطبقت الباب ورائي.

طويلا جلست روحي جائعة على مائدتهم، لست، مثلهم، مروَّضا على البحث عن المعرفة كمن يكسّر الجوز.

أعشق الحرية والهواء على الأرض البليلة؛ وأفضِّل النوم على جلود البقر، على النوم على أمجادهم وألقابهم.

متقد جدا بأفكاري ومحترق جدا بها: غالبا ما يقطع ذلك عليّ أنفاسي، لذلك عليّ الذهاب إلى الفضاء الأرحب، بعيدا عن كل الغرف المُغبرة.

لكنهم يتفيّئون الظلال الندية: إنهم لا يريدون، إجمالا، أن يكونوا إلا مجرد متفرجين ويحذرون جيدا الجلوس حيث الشمس تُحرق بلهيبها درجات السلم.

أمثال الذين يقفون في الشارع وينظرون فاغرين أفواههم إلى المارة: هكذا هم ينظرون وينظرون فاغري الأفواه إلى الأفكار التي أدركها غيرهم.

تلمسهم فيرسلون بالغبار عن غير قصد كما أكياس الطحين: فمن سيظن أن غبارهم يأتي من القمح ومن بهجة حقول الصيف المذهبة؟

وإذا بدوا في هيئة الحكماء، فإنني أقشعرّ من أمثالهم الصغيرة ومن حقائقهم الصغيرة: لحكمتهم، غالبا، رائحة المستنقعات، ولطالما استمعت إلى نقيق الضفادع في كلاهم ذاك.

إنهم مهرة، أصابعهم لبقة: ما قدرة بساطتي إلى جانب تعقيدهم! أصابعهم تتوافق في النظم والعقد والنسج: هكذا ينسجون للعقل جوارب!

إنهم حركات جيدة في صناعة الساعات: يكفي أن نُتقن ضبط رقّاصها، حتى تعلن عن الوقت بنزاهة مُسمِعة إيانا غوغاء خافتة.

كالطواحين يعملون وكالمدقات – وكيفي أن نرمي إليهم بالقمح! – إنهم على وفاق في طحن القمح وجعله غبارا أبيض.

يتبادلون مراقبة أصابعهم ويتبارزون في ذلك. ماهرون في الرداءات الصغيرة، يتربصون بمن علمهم يعرج – كما العناكب يتربصون.

طالما رأيتهم يحضّرون سمومهم في حذر؛ وعلى الدوام ساترين أصابعهم بقفازات من بلور.

أيضا يعرفون اللعب بالنرد المزيف، ولقد رأيتهم يلعبون بالكثير من الحماس حتى أنهم كانوا مكسيين عرقا.

لا مشترك بيني وبينهم، وما يقززني أكثر من ريائهم ونرودهم المزيفة: فضائلهم.

عندما كنت بينهم، كنت فوقهم أقيم، لذلك حقدوا عليّ.

لا يقبلون أن يمشي أحد فوق رؤوسهم: هكذا وضعوا أخشابا وأتربة وقذرات بين رؤؤسهم وبيني.

هكذا خنقوا صوت أقدامي؛ وإلى الآن لمّا يزل أكثرهم علما أقلهم استماعا إليّ.

لقد وضعوا بيني وبينهم كل الأخطاء وصنوف الضعف الإنساني: - في بيوتهم يسمون هذا "سقفا مزيفا".

ولكن على الرغم من ذلك فأنا أمشي بأفكاري فوق رؤوسهم، وحتى لو أردت السير فوق عيوبي، فسأظل فوقهم وفوق رؤوسهم.

لأن الناس غير متساوين: هكذا تقول العدالة.

وما أريده، لن يكون لهم حق إرادته.

هكذا تكلم زرادشت.

***

سعادتي

منذ صرت من البحث متعبا
تعلمت أن أجد.
منذ أن وقفت لي ريح بالضد
صرت أبحر مع كل الرياح.

***

حوار

أ: هل كنت مريضا؟ هل شُفيت؟
ولكن من كان طبيبي؟
كيف استطعت نسيان هذا!
ب: الآن فقط، أظنك شفيت.
لأن من ينسى، في صحة جيدة يكون.

***

تعال معي – تعال معك

هيأتي ولغتي تجذبانك،
أتقتفي أثري، أتريد أن تتبعني؟
اتبع ذاتك بأمانة: -
ورويدا رويدا ستتبعني!

***

ورودي

نعم! سعادتي تريد أن تُسعِد!
كل سعادة ترغب أن تُسعِد!
هل تريدون قطف ورودي؟

وجب عليكم الانحناء والاختفاء
وسط العوسج والصخور
وغالبا لعق الأصابع!

سعادتي ساخرة!

سعادتي خؤونة!
هل تريدون قطف ورودي؟

***

قول مأثور يقول

صارم وطيّع، غليظ ولطيف،
مألوف وغريب، قذر وصاف
موعد المجانين والعقلاء:
أكون، أريد أن أكون هذا كله،
في الآن ذاته ثعبانا وخنزيرا ويمامة.

***

المقدام

عداوة بسيطة أفضل
من صداقة الخشب المعاد إلصاقه.

***

صدأ

لا بد أيضا من الصدأ: السلاح الحاد لا يكفي
وإلا ظلوا يقولون عنك: "ما زال جِدُّ صغيرا"!

***

نحو الأعالي

"كيف أرتقي الجبال أفضل؟"
إصعد دوما
دون أن تَشغل ذاتك، بذلك.

***

حكمة الرجل العنيف

لا تطلب شيئا أبدا! ما جدوى التأوّه!
بل خُذ، أرجوك، وعلى الدوام.

***

الخاضع

أ: يقف ويستمع: مَن الذي استطاع أن يخدعه؟
ما الذي سمعه يطنّ في أذنيه؟
ما الذي استطاع هدّه إلى هذه الدرجة؟
ب: ككل الذين حملوا أغلالا،
ضجة الأغلال أنّى كان تتبعه.

***

نصيحة

أطامح إلى المجد أنت؟
إليك إذن بالنصيحة:
كن حرا، وفي الوقت المناسب،
تنازل عن المجد!

***

إلى قارئي

فكُّ جيّد ومعدة جيدة –
هذا ما أرجوه لك!
وحين تكون هضمت كتابي، حينها
تكون على اتفاق معي!

***

"المعرفة لأجل المعرفة" – ذاك هو الشرك الأخير الذي تنصبه الأخلاق، ونحن مرة أخرى واقعون تماما في أحابيله.

***

الذي يحتقر ذاته يفرط أيضا في تمجيد احتقاره لذاته.

***

الغريزة – عندما البيت يحترق، نحن ننسى حتى العشاء.
-         نعم، لكننا نستدرك الأمر بعد ذلك، على الرماد.

***

مستاء يتكلم: "تمنيت صَدِّي، فما سمعت غير المديح".

***

توفر الموهبة لا يكفي؛ وجب أيضا توفر الإذن من قبلكم – أليس الأمر كذلك أيها الأصحاب؟

***

فكرة الانتحار تعزية قوية، إنها تساعد على تمضية أكثر من ليلة رديئة.

***

نكف عن محبة معارفنا حالما نُبلِّغها.

***

أن تتكلم كثيرا عن نفسك، فذلك يمكن أن يكون أيضا وسيلة للتخفي.

***

غرور الآخر لا يصدم ذائقتنا إلا عندما يصدم غرورنا الخاص.

***
"هو لا يعجبني" – ولماذا؟ "لأنه يتجاوزني" هل أجبتم أبدا هذا الجواب؟

***

أنتم جميعا يا من تغرقون، أتظنون أني جاهل بما تتمنون؟ أن تتعلقوا بسباح قوي، الذي أنا ذاته.

أتظنون أني راغب في أن أجعل الأشياء أكثر سهولة للراقي، وأن أدله على دروب أكثر إمتاعا؟ وجب لذلك أن يندثر على الدوام أكبر عدد من جنسكم، وأن أرغب في تعلم السخرية منكم أكثر.

بإمكانكم أيضا أن تقودوا أقوى البشر إلى الهاوية: بكل العماء وكل التبلد، هكذا تتعلقون بمنقذ!

تعلمت رؤية أشد الآلام ولست غاضبا من رؤيتكم تولولون.

وما همني بؤسكم! ولتكن خطيئتي أني أشفقت عليكم!

***

من يقدر
على إعطائك قدر حقك؟
إذن خذ حقك بيديك!


ديوان نيتشه
فريدريك نيتشه
ت: محمد بن صالح
منشورات الجمل

الأحد، 2 ديسمبر 2012

نيتشه والعدمية الأخلاقية


نيتشه والعدمية الأخلاقية


ترجمة: أمير زكي
ديسمبر 2012

* ويليام لارجأستاذ الفلسفة بجامعة جلوسستر شاير – بريطانيا

شكر جزيل للسيد ويليام لارج على سماحه بالترجمة
Many thanks to Dr. William large who permitted to translate his lecture

***

في الثقافة الشائعة، يرتبط الفيلسوف نيتشه عادة بالعدمية الأخلاقية. ربما نعرّف العدمية على أنها غياب القيم العليا. ترتبط بالعدمية الأخلاقية النسبية الأخلاقية. النسبية الأخلاقية هي الاعتقاد بأن كل القيم - وخصوصا لأنه لا توجد قيم عليا - هي مجرد تعبير عن التفضيل الشخصي. على أي حال فللسخرية فإن هذا النوع من وجهة النظر الأخلاقية تحديدا هي ما ينتقده نيتشه. فبدلا من أن يكون عدميا فهو مضاد للعدمية. العدمية هي تشخيص لانحلال الثقافة الغربية، أكثر منها وضعا أراده نيتشه، أو يريدنا أن نطمح إليه.

ما هو سبب وأصل العدمية في المجتمع المعاصر؟ إنه الهدم المستمر لكل المعاني والدلالات، إنه الاعتقاد بأنه لم يعد هناك شيء يهم حقا، لأنه لم يعد هناك شيء ذو معنى حقا. ليس لدينا منظومة معتقدات أو قيم يمكنها أن توجهنا. منظومات المعتقدات القديمة كالدين والآخلاق لا تزال موجودة، ولكننا في أفضل الأحوال نتبعها بنصف إيمان، وفي أسوأها نعتقد أنها لا تحمل معنى مع ذلك. إنها موجودة فقط على حواف حيواتنا ووعينا. ولكن ليس العالم فقط هو الذي لم يعد يحمل معنى، نحن أنفسنا لم نعد نحمل معنى لأنفسنا. لِم علينا أن نختار مجموعة الأفعال تلك على حساب أي مجموعة أخرى؟ ما الذي يظل يعنيه هذا طالما أن الحياة الفردية للكل لم تعد تحمل دلالة وسط المخطط الكبير للأشياء؟ كما يصف ميشيل هار[1]:

"لم يعد هناك شيء يعني الكثير، كل شيء يعود إلى نفس الشيء، كل شيء متساو، كل شيء هو نفسه ومتكافيء: الصح والخطأ، الخير والشر، كل شيء منتهي الصلاحية، مستهلك، قديم، رث، محتضر: ألم المعنى غير المحدد، الغسق الذي لا ينتهي، ليس اندثارا محددا للدلالات، ولكن سقوطها غير المحدد".  (Allison 1985, p.13)

بالتالي سيكون من العبثي تماما أن نزعم أن هذا ما رغبه نيتشه. على العكس، هو أراد أن يشخص كيف وصلنا إلى هناك. ثقافتنا تشبه شخصية الله في ثلاثية فيليب بولمان: "المواد المظلمة"[2]: كبير ومستهلك، بالكاد يحيا، وبالتأكيد ليس شيئا علينا أن نظل نؤمن به.

الجانب الأخطر في العدمية على كل حال هي أنها في النهاية تصبح سعيدة وراضية عن نفسها، طالما اعتدنا على أن نشعر بالخوف والرعب من حقيقة أن الدين والأخلاق لم تعد تحمل أي معنى حقا، ولكن الآن نحن سعداء لأننا نعيش في عالم بلا معنى. أحد الأمثلة على هذا الرضا هو موت الله. مرة أخرى علينا أن نذكر أنفسنا بتلك الفقرة في "العلم المرح"، حيث كتب نيتشه عن المجنون الذي اندفع إلى السوق وأعلن أن الله مات. العديد من الناس قرأوا هذه الفقرة على أن نيتشه يحتفي ببساطة بالإلحاد، ولكن إن قرأنا هذه الفقرة بحرص، يمكننا أن نرى أن ما تصفه بحق هو كيف أن الناس العاديين لا يهتمون حقا إن كان الله ميتا أم لا. هذا هو المخيف بحق. ليس أن الله ميت، ولكن أن أحدا لم يلاحظ أنه مات:

"ألم تسمعوا عن المجنون الذي أشعل المصباح في ساعات النهار المضيئة، جرى إلى السوق وصرخ بدون توقف: "أنا أبحث عن الله! أبحث عن الله! – في حين كان يقف حوله وقتها العديد ممن لا يؤمنون بالله، يستثيرهم الرجل ليضحكوا أكثر. سأل أحدهم: هل تاه؟ وسأل آخر: هل ضل طريقه كطفل؟ أم أنه يختبيء؟ هل هو خائف منا؟ هل ذهب في رحلة؟ هاجر؟ - وهكذا صاحوا وضحكوا". (Nietzsche 1974, p.181)

كيف يمكن لهذا المشهد أن يكون إعلانا عن الإلحاد، بينما الناس الذي يعلن عليهم المجنون موت الله هم في الحقيقة ملحدون؟ لا، ليس هذا هو ما يعتقد نيتشه أنه هام لفهمنا. حقيقة هذه الفقرة تأتي لاحقا، عندما يخبرهم المجنون بأنه نحن من قتلنا الله: "نحن قتلناه – أنتم وأنا". (Nietzsche 1974, p.181) إلا أنه مع كوننا قتلة الله نحن نظل بلا فكرة عن عالم بدون الله، بدون قيم تعني شيئا، وبسبب ذلك فنحن ما زلنا نتمسك بالعالم المثالي رغم أنه غائب. ليس كافيا أن ننفي القيم، لأن ساعتها كل ما سيتبقى معك هو النفي، والنفي معتمد بشكل كبير على الشيء المنفي. أقول إنني لا أؤمن بالله، ولكن وللتناقض فهذا اللا – إيمان هو معتمد على فكرة الله بنفس قدر الإيمان بالله، فبدون فكرة الله كيف يكون من الممكن أن تكون ملحدا. علينا أن نصل إلى ما وراء كلا من فكرتي الإيمان وعدم الإيمان. علينا أن نصل، ولنستخدم عنوانا لأحد كتب نيتشه، إلى ما وراء الخير والشر.

المصدر الرئيسي للعدمية هو النفي، وبالتالي فلكي نفهم العدمية علينا أن نفهم النفي، أو ما سيطلق عليه نيتشه الإرادة السلبية للقوة، هناك مصدران للقيم في العالم عند نيتشه: الارتكاسية والفاعلة. العدمية بكل أشكالها ارتكاسية، وهذا هو تحديدا السبب في أن فلسفة نيتشه لا يمكن أن تكون عدمية، لأنها ضد الإرادة الارتكاسية للقوة المذكورة.

نقد نيتشه للأخلاق هو لكونها في الحقيقة ثانوية. الأخلاق تقدم نفسها على أنها تقييم موضوعي منزه للعالم، ولكن تحت ذلك هي مجرد شكل آخر من إرادة القوة: الرغبة في الحفاظ على الذات، حتى لو عنى ذلك السيطرة على الآخرين عن طريق المراءاة والمكر. كل الأخلاق منافقة، ليس لأنها زائفة أو خاطئة - هذا الذي سيكون تبسيطا شديدا، طالما كان كل البشر يعيشون بالقيم، حتى لو كانت القيمة الأعلى في عصرنا هي ألا نقدر شيئا - ولكن لأنها تقدم نفسها على أنها ليست من هذا العالم، تتعالى على التوافه والمكابدات، موضوعية وصحيحة تماما.

نيتشه لا ينتقد القيم في العموم، ولكن القيم الارتكاسية، وهذه القيم هي التي قادت إلى عدمية الغرب. وبكونها قد نفت العالم، ولم تجد شيئا إيجابيا فيه، انتهت إلى النفي الكلي وتدمير نفسها. أما إرادة القوة الفاعلة فعلى العكس، فهي يمكن أن تُهزم عن طريق قوة فاعلة أخرى، ولكنها لا تبحث عن هدمها الذاتي.

القيم الفاعلة والارتكاسية تصف علاقات السيطرة والتبعية. ما هو ارتكاسي هو دوما رد فعل لما هو فاعل. إنه يجعل نفسه تابعا للقوى الأكثر سيطرة. ولكن من المهم أن ندرك ذلك؛ أن التبعية ليست غيابا للقوة. نيتشه يعتقد أنها تعبير عن قوة للسيطرة بنفس القدر الذي تجعل به نفسها تابعة. في الحالة الثانية، يحصل المرء على القوة عن طريق تكييف ودمج نفسه مع الحالة الحاضرة. هذه بالضبط هي الطريقة التي تعمل بها المجتمعات الحديثة. إنها القوة على التكيف والنفع، وهؤلاء القادرون على تكيف أفضل يكون لديهم قوة أكبر، وهؤلاء الذين يرفضون التكيف والتشابه والتطابق، تكون لديهم قوة محدودة أو يكونون بلا قوة على الإطلاق. "كن مثل أي شخص آخر، أو كن آخر!" هذا هو شعار مجتمعاتنا، ومدارسنا وجامعاتنا ليست سوى آلات لتنتج هذا القبول.

ولأن مجتمعاتنا، وربما المجتمع نفسه، هو ارتكاسي أصلا، فيكون من الأصعب أن نصف ما هي القوى الفاعلة. شيء واحد نعرفه هو أنها لا بد أن تكون مُقَدَمة، لأنه بدون القوى الفاعلة فلن تكون هناك أي قوى ارتكاسية، فأي شيء سترتكس ضده؟ هذه هي أول خطوة بعيدا عن العدمية. لأن العدمية تقول إن المقدم هو النفي. ولكن هذا هو بالضبط ما تقوله القوى المرتكسة: انف! ما هو فاعل، على العكس، هو الخلّاق، الذي يفرض الأشكال ويسيطر. كلمته الأولى ليست "لا" بل "نعم"، وما على المرء أن يخلقه أولا هو نفسه فيما وراء القوى الارتكاسية للمجتمع. مرة أخرى فنفي المجتمع ببساطة، والقيم المتضمنة بداخله ليس كافيا، فأن تكون معتمدا على قيم المجتمع الذي تزدريه تماما، وأن تنفيه كله دفعة واحدة سيكون المتبقي لك هو ثقب أسود. الفكرة هي أن تخلق قيم جديدة تقفز فيما وراء قيم المجتمع المنفية. هذا هو ما يدعوه نيتشه، كما وصف لدى ديلوز، "القوة الديونسية" (Allison 1985, p.83)..

ربما أفضل طريقة لأن نفهم هذه القوة يكون من خلال التمييز الذي صنعه نيتشه بين ديونيسيس ويسوع. حياة يسوع، كما يعرف من شاهدوا فيلم جيبسون "الآلام" هي حياة تبرير للمعاناة والتي تجعل الحياة نفسها شيء يسبب المعاناة والتي عليها أن تُبَرَر وتُشَرَّع كالمعاناة. هذا يجب أن يتميز عن ديونسيس، أو على الأقل ما يمثله الإله اليوناني لنيتشه. الحياة هنا لا تحتاج لأن تُبَرَر، وحتى لو كان هناك ألم، فبالتالي فهذا جزء مبرر في الحياة. ليس من المفترض ان يدفع لها الثمن من مكان آخر، كما أدت معاناة يسوع على سبيل المثال. الحياة ليست بحاجة لأن تُخلّص، لأنه لا يوجد شيء تُخلّص منه، الأحرى أن تتأكد الحياة كما هي. هذا هو ما يعنيه نيتشه بالعود الأبدي، التي ربما تكون واحدة من أصعب الأفكار:

"ماذا لو في ليلة ما، تسلل جني إلى أكثر أوقاتك وحدة وقال لك: (هذه الحياة التي تعيشها الآن والتي عشتها، سيكون عليك أن تعيشها مرة أخرى والعديد من المرات الأخرى... كيف ستعد نفسك جيدا أمام نفسك وأمام الحياة لأن لا تأمل لشيء بانفعال أكثر من التأكيد والإقرار السامي الخالد؟)" (Nietzsche 1974, p.343)

لم نيتشه ليس عدميا؟ لأن العدمي هو الشخص الذي يختصر العالم إلى لا شيء. بهذه الطريقة فالمسيحي أو الأخلاقي هو العدمي، لأنه بدون يسوع أو الأخلاق، ستكون الحياة لا شيء على الإطلاق. فلأنهم يختبرون الحياة كلا شيء في ذاتها، فهم يحتاجون أخلاق مضافة أو نظام ديني متجاوز للحياة. العدمي الحديث هو مجرد مؤمن بدون إله، مسيحي بدون يسوع، أخلاقي بدون أخلاق. يتبقى معهم نفي العالم، ولكنهم ببساطة ليس لديهم نظام إيماني ليحل محل الدين والأخلاق والفلسفة. بدون الله ستكون الحياة بلا معنى، ولكن هذا يعني أن المسيحية عليها أن تثبت أن الحياة بدون الله بلا معنى. الآن الله مات، وكل ما يتبقى لنا هو لا معنى الحياة. كل ما يمكن حدوثه في المستقبل هو أننا سنحصل على معتقدات جديدة (الرأسمالية، القومية) التي ستغطي موت الله. العدمية هي مجرد عَرَض على الإيمان، مرحلته النهائية وتطوره الأخير. إنها ليست المواجهة للإيمان، ولكن مجرد شكله النهائي، كما يشرح ديلوز ببلاغة شديدة:

"كانت الحياة مزدراة من قَبْل من قِبَل علو القيم السامية. الآن على العكس، فقط الحياة تبقى، ولكن تظل الحياة المزدراة المستمرة الآن في عالم بلا قيم. منزوعة من المعنى والغرض، تتقدم من كل اتجاه نحو اللا شيء". (Deleuze 1983, p.148)

المرء لا يمكن أن يكون عدميا ويؤكد الحياة، وفلسفة نيتشه ليست سوى التأكيد على الحياة كما هي. هذا هو السبب في انتقاده للدين والأخلاق والفلسفة؛ لأنها كلها تبدأ بنفس الافتراض المسبق بأن الحياة لا تعني الكثير ويجب أن تزود بدين أو أخلاق أو "عالم آخر" ميتافيزيقي وأساسي. نعم العدمي يتخلص من هذا "العالم الآخر" ولكنه يظل باق على كراهية العالم الذي بدأت منه أولا كل المعتقدات كدافعها الأصلي. بطريقة ما فالعدمية أسوأ من الأخلاق والدين والفلسفة، لأنها تنفي الحياة، ولكن ليس لديها تعويض على الإطلاق عن الحياة التي تهدمها. ما نحتاجه بالتالي هو إيمان جديد، إيمان ديونيسي، يؤكد الحياة، وحتى المعاناة تكون مجرد جزء من الحياة على نفس القدر من البهجة.

مصادر الكاتب
Allison, D.B. ed., 1985. The New Nietzsche : contemporary styles of interpretation, Cambridge, Mass.: MIT Press.

Deleuze, G., 1983. Nietzsche and philosophy, New York: Columbia University Press.

Nietzsche, F.W., 1974. The Gay Science : with a Prelude in Rhymes and an Appendix of Songs, New York: Vintage Books.




[1]  Michel Haar (1937-2003) فيلسوف ومترجم فرنسي، تخصص في نيتشه، ودرّس الفلسفة في جامعة بانثيون سوروبون
[2]  His Dark Materials ثلاثية روائية خيالية للإنجليزي فيليب بولمان