‏إظهار الرسائل ذات التسميات الترجمة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الترجمة. إظهار كافة الرسائل

الخميس، 28 أغسطس 2014

هوية الترجمة


خديجة عماري تكتب: هوية الترجمة

 يعد “بيت الحكمة” أول مؤسسة علمية بالعراق، وقد قام بإنشائها أبو جعفر المنصور في قصر الخلافة ببغداد، وأشرف عليه بنفسه، ليكون مركزا للترجمة إلى اللغة العربية (800م). وبذلك فقد اشتهرت عند العرب بالعصر العباسي حيث  تم تحفيزها من اللغة العربية إلى اللغات الأجنبية أو العكس، ولقد أشار المستشرقون إلى دور العرب في بناء الحضارة الأوربية بفضل الترجمة ومن الشاهدين على ذلك الأديب الألماني غوته (1832-1749).

وقد اشتهر ابن المقفع بترجمته لكتاب: “كليلة ودمنة” لكاتبه الفيلسوف الهندي بيدبا، والذي كتبه على لسان الحيوانات ليعرض دروسا للظلم والطغيان السياسي والاجتماعي، وقد ترجمه ابن المقفع لأجل نفس الغرض. وهذا يثبت كيف ساهمت دوافع سياسية، اقتصادية، ثقافية، دينية وغيرها في تطوير الترجمة من كونها فنًا لتصبح علما قائما بذاته.

وفي تعريف وجيز للترجمة فهي عملية نقل وتحويل لنص مكتوب أو منقول من لغة إلى أخرى مع احترام المعاير الثقافية، التاريخية واللغوية… مع وجوب الالتزام بمبدأ الحياد والأمانة كي لا يؤثر المترجم في مضمون النص الأصلي، وهذا ما يسمى بالترجمة الأمينة كما ذكرها جورج ستاير.

كما أن الترجمة تعد عملية تفسير، ولذلك سمي ابن عباس بترجمان القرآن لكونه يتقن تفسيره وشرح معانيه. من خلال التعريف المعطى نستنتج أن الترجمة ثلاثة أنواع كما حددها الباحث الإنجليزي في شؤون الترجمة جون دراين: الترجمة اللفظية، الترجمة التفسيرية والترجمة الحرة أو الحسناء الخائنة (المحاكية).

فالترجمة اللفظية أو ما يصطلح عليها بالحرفية تحث على التبليغ الأمين، وقد اعتمدها رجال الدين قديما في علاقة مع ترجمة الكتب السماوية، كما جاء بالتلمود أن حذف أو إضافة كلمة يمكن أن ينجم عنها انخساف العالم. وكان كل خارج عنها يتهم بالهرطقة والابتداع كما ذكر روبير لاروز في مقاله: “في مفهوم الترجمة وتاريخها”. ونرى ذلك عند حاملي القرآن الكريم يقينا بتعذر ترجمته، وبذلك نحافظ على تلاوته والصلاة به باللغة المنزل بها.

الترجمة الحرة، أو كما تسمى بالحسناء الخائنة، هي التي تعطي الأولوية للمضمون على الشكل، وقد ظهرت خلال القرن السابع عشر، وكان من روادها دابلاكو (وهو أكاديمي 1637). بالإضافة للمترجمة مدام طاسي التي كانت تضفي خلال الترجمة فعلي التعديل والتغيير لتحسين العمل بعد الترجمة (ويراها الكثيرون ترجمة غير أمينة).

وتقوم الترجمة الحرة على تغيير ترتيب الكلمات لأن القواعد اللغوية تختلف من لغة للغة، إضافة الروابط أو حذفها، التخلص من بعض العبارات أو إضافتها لاكتمال المعنى أو تجاوز الإطناب، وقد نترك فعل الترجمة لتلخيص المعنى.

الترجمة التفسيرية تجتهد لتفسير المعنى وتحقيق مبدأ التواصل دون النزوح عن أصل غرض النص المترجم. وقد أوصى نايدا (1964) بالترجمة التفسيرية كما درايدن لأنها تفي بغرض الترجمة على أكمل وجه.

القرن العشرين كان صرخة خاصة في علاقة مع الترجمة، حيث تم الانتصار للترجمة الفكرية المرتكزة على تحقيق هدف التواصل مع احترام الأصل، كما ذكر لاروز بمقاله: “مفهوم الترجمة وتاريخها”.

الترجمة وجدت بوجود اللغة منذ العصر البابلي حتى العصر الإلكتروني، فكانت من أهم مقومات التواصل الثقافي والحضاري، وقد كانت قديما تنتمي لعائلة الفنون واليوم أصبحت علما من العلوم القائمة بذاتها، بها تعرف رموز لغة مبهمة لمجتمع ما فتصبح واضحة، فيتحقق التواصل وأيضا التلاقح الحضاري.

…………………..

المراجع:
- روبير لاروز، ترجمة: عبد الرحيم حزل، في مفهوم الترجمة وتاريخها.
- نايدا
Toward a Science of translation، نشر E.J.Brill Leyd 1964
- عبد الكريم ناصيف، الترجمة أهميتها ودورها في تطوير الأجناس الأدبية.
- د. علي القاسمي الترجمة بين الإبداع الفكري والمفهوم الإيديولوجي، أدهم ويب مطر.

الجمعة، 15 أغسطس 2014

المترجمون الخونة

المترجمون الخونة

بقلم: مهند سعد 

تقف أمام مجموعة من الكتب، تحاول أن تتجاوز عجزك عن معرفة اللغة الأصلية محدّقًا في اسم المترجم مليّا، يدور في داخلك السؤال الأهم، هل هذا مترجم جيد؟ وما يزيد من صعوبة المهمة هي المفاضلة بين ترجمتين لنفس الكتاب لا تعرف أي منهما. ومن هذه الحيرة وهذا السؤال جاء هذا المقال.

هل الترجمة هي مجرد تغيير لغة الكلمات؟ هل ما يحتاجه المترجم فقط هو إتقان اللغة المنقول عنها العمل الأدبي؟ لماذا نترجم الأدب؟
ترجمة الأدب هي محاولة للإطلاع على ذلك الأدب، وتكمن صعوبة هذه الترجمة أنها تعتمد بصورة كبيرة على التذوق والتماهي مع خيال المبدع لتكون صورة الترجمة والمادة الأدبية إبداعية غير حرفية. ومن هذا الباب تصبح الترجمة الأدبية علمًا وفنًّا ومهارة، وهنا فإننا نبحث عن المترجم الذي يملك هذه المقومات.

يقول المترجم السوري “رامي يونس” أمارجي: ما يعنيني في المقام الأوَّل حيالَ التَّرجمة إذا ما كان هذا النَّص سينمِّي الدَّهشة لدى القارئ، على حدِّ تعبير بول فاليري، أم لا؛ ولكنّي لا أؤمن بفكرة أنَّ المترجم، هو الذي يختار النَّص، بل أعتقد، وبقوَّة، بأنَّ النَّص هو الذي يختاره.

والمترجم يختار النص حين يشعر بالتعلّق بهذا النص ويشعر أنه يتملّكه ويملكه، يقول الشاعر والمترجم د. ماجد الحيدر (مالي وما لك أيها القاموس! إن هذه القصيدة قصيدتي وسأكتبها كما أشاء) ويقول صالح علماني ” أعيش الرواية كما لو أنني أكتبها”.

أعتقد أنني لا أضيف جديداً إن قلت أن الشروط التي يجب أن تتوفر كما يعددها سائر الباحثين في هذا الأمر ثلاثة وهي : التمكن من اللغة المصدر التي ينقل عنها العمل، والتمكن من اللغة الهدف التي ينقل إليها العل، والتمكن من المادة التي هي موضوع الكتاب أو البحث الذي تنقله إلى اللغة الهدف.

ولنبدأ بذكر بعض أشهر المترجمين العرب حسب اللغات التي ترجموا عنها:

 الروسية:
 
سامي الدروبي: أحد أفضل مترجمي دوستوفيسكي للعربية مع أنه لا يجيد الروسية. ومن المتفق عليه أن الدبلوماسي، الأديب والمترجم السوري الراحل، الدكتور سامي الدروبي هو من أفضل الذين ترجموا الأدب الروسي إلى اللغة العربية حيث قدّم لنا ترجمة كاملة لأعمال دوستوفيسكي والتي يزيد عدد صفحاتها عن أحد عشر ألف صفحة.

ن.حاسبيني: لا أغفل في هذا الموقع أن أذكر أن هذا المترجم/ـة  قدّم ترجمة رائعة “للأخوة كرامزوف”.

أبو بكر يوسف: يقول هذا المترجم المصري بعد أول قصيدة ترجمها لتشيخوف ” لا يا أبو بكر تشيكوف يستحق مترجم أفضل” وبقي يطوّر من أداوته في الترجمة فإن كُنتَ من عشّاق تشيخوف فلك أن تلجأ لهذا المترجم دون خوف.

 الإنجليزية والفرنسية:
 
منير بعلبكي: الملقّب بـ”شيخ المترجمين المعاصرين” ومن منا لم ينهل من(مورده) أيام الدراسة وبعد التخرج؟!. يقدم لنا هذا المترجم الكلاسيكيات الخالدة بأفضل ما يمكن أن يقدم مترجم لكتاب من الكتب، فمن تشارلز ديكنز لتشارلي وأيميلي برونتي وفيكتور هيوجو.

جبرا ابراهيم جبرا: يقدم الكاتب والمترجم الفلسطيني كل خبراته في ترجمات ومقدمات للكتب التي تسيطر عليه ومنها “الصخب والعنف” والعديد من  أعمال شكسبير.

ويبرع د.عفيف دمشقية في أن يجعل أدب أمين معلوف وكأنه أدبه هو وكتاباته هو.

الإسبانية: 
 
وهنا يتفرّد المترجم صالح علماني الذي له أكثر من تسعين عمل مترجم عن الإسبانية وهي محصلة جهودة الدؤوبة خلال أكثر من ثلاثين عاما ًمن ترجمة أدب امريكيا اللاتينية، والأدب الإسباني عموماً. علماني بدوره كمترجم كان قد أخذ على عاتقه ترجمة مجمل الأعمال الإبداعية الأدبية المكتوبة باللغة الإسبانية لمبدعي أمريكا اللاتينية، وهو الذي قام وبجدية مسؤولة وعالية بترجمة أعمال ماركيز ومارغو يوسا وايزابيل الليندي وبورخس وخوسيه سارماغو وإدواردو غاليانو وباقي السلالة المبدعة التي أنتجت الاعمال العظيمة باللغة الإسبانية.

 الألمانية:
 
الدكتور خليل الشيخ الحاصل على شهادة الدكتوراه في الأدب المقارن من جامعة فريدريش ﭬـيلهلم في ألمانيا هو من القلائل الذين قدموا ترجمات متقنة لأدب فرانز كافكا. أبو العيد دودو: مدَّ هذا المترجم جسرا ًبين الثقافتين العربية والألمانية بترجماته للعديد من القصص التراثية الألمانية وما كتبه الرحالة الألمان عن المجتمع الجزائري.

يفتقر الأدب الياباني إلى مترجم يكون كالمرجع في هذا المجال ولهذا سيبقى المكان شاغرا حتى يأتي ذلك المترجم الذي يستطيع أن يمسك ناصية الترجمة في هذا الأدب.
يقول المثل الإيطالي الشهير”المترجمون خونة” يقصد به أن المترجم عاجز عن البقاء مخلصاً للنص الأصلي. يقول علماني “الأسلوب هو المترجم” معولاً على الدقة في التقاط النبض الأصلي للنص، والحدس في اكتشاف المعنى الدقيق للجملة، أمر أصبح ضرورة مع لهجات محلية تتطلب معرفة خاصة بمقاصد الكتّاب.
في الختام يجب أن لا ننسى أن الترجمة هي “نقل الدهشة”. ومن هنا  أخبرنا إن كان هنالك مترجم استحق دهشتك.

هذا المقال مقتبس عن انكتاب .