‏إظهار الرسائل ذات التسميات نقوس المهدي. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات نقوس المهدي. إظهار كافة الرسائل

الجمعة، 31 أكتوبر 2014

معاوية محمد نور ذلك المجهول ( 1909 - 1941) بقلم نقوس المهدي






قليلون هم من سمعوا بهذا  الاسم أو  قرأوا له من المتأدبين العرب، شخصيا لم اسمع باسم معاوية محمد نور الا مؤخرا وأنا بصدد البحث عن الأدباء الراحلين ضمن إعدادي للانطولوجيا الخاصة بالأدباء الذي توفوا في شرخ الشباب، وقد انبهرت بهذه الشخصية العبقرية المرموقة، التي تكاد ان تتقاطع مع شخصية مصطفى سعيد في رائعة الطيب صالح موسم الهجرة إلى الشمال، لا من حيث الموهبة الفذة، والذكاء المتوهج، والإحساس الوطني الشديد والمتيقظ، والمتحفز، أو الثقافة الموسوعية ومواقفه المتميزة من الاستعمار الانجليزي الذي ناصبه العداء، ولقد استطاع معاوية محمد نور خلال حياته القصيرة جدا، وهو لم يكد يتجاوز بالكاد الثلاثين ربيعا بكثير ان يفرض نفسه ندا لكبار المثقفين المصريين دون أدنى إحساس بالدونية كما يصف ذلك النور محمد حمد قائلا:
(أميز ما يميز معاوية عندي، هو أنه لم يحسّ بالدونية تجاه أحد من العالمين.)
فانبرى محاججا مناظرا ومنتقدا لكبار الأدباء مثل طه حسين، وأحمد شوقي، وإبراهيم ناجي، وعلي محمود طه، والمازني، ومحمد حسين هيكل، وجليسا لعباس محمود العقاد الذي استأثره ولازمه في صالونه وندواته الأدبية، وقال في حقه هذه الشهادة الخالدة
( لو عاش معاوية لكان نجما مفردا في سماء الفكر العربي )

وابى إلا أن يقف على قبره في إحدى زياراته للسودان ويخصه بقصيدة تأبينية جاء فيها

أجل هذه ذكرى الشهيد معاويـة = فيالك من ذكرى على النفس قاسيـة
أجل هذه ذكراه لا يــوم عرسه = ولا يوم تكريم ودنياه باقيـــــة

إلى أن يقول:
بكائي عليــــه من فؤاد مفجع = ومن مقلة ما شوهدت قط باكيــة
بكائي على هذ الشباب الذي ذوى = وأغصانه تختال في الروض ناميـة

ويقول في ختام القصيدة:
وياعارفيــه لا تضنوا بذكره = ففي الذكر رجعى من يد الموت ناجيه
أعيروه بالتذكار ما ضن دهره = به عيشة في مقبـــل العمر راضيه

يروي المرحوم عمر علي أحمد التروِّس، وقد كان من المداومين على ندوة العقاد بالقاهرة، عن أول لقاء جمع العقاد بمعاوية محمد نور

 ( لقد كان العقاد يجلس في مكتبة ومعه مجموعة من أصدقائه وفجأة يدخل شاب في مفتتح الشباب وخواتيم الصبا أسود اللون وسيم الطلعة ويبدأ في إنتقاء مجموعة من الكتب وعندما هم بالخروج نده عليه العقاد قائلا:
  - تعال يلا
فذهب معاوية نحوه بثقة واعتداد، فأخذ العقاد من يديه الكتب وقلبها وقال:
  - مين باعتك بالكتب دي؟
أجاب معاوية بهدوء:
 - هذه الكتب لي
- قال العقاد:
) إنت تقرأ للكاتب ده (ولوح بكتاب
قال معاوية وإبتسامة في شفتيه:
 - قرأت له قبلها كتاب كذا وكذا وكذا وكذانظر العقاد الى أحدهم وقال:
) - قوم يا بغل.. إجلس يابني

كما شارك بكتاباته القيمة التي حرص فيها على ان يكون ناقدا متبصرا عير مجامل في العديد من المجلات والصحف المصرية كـــ السياسة الأسبوعية، جريدة مصر، الرسالة، الهلال، والبلاغ الأسبوعي وغيرها كثير، وقد حاول برغم حداثة سنه تأكيد اسمه في الأوساط الفكرية والسياسية، وشكل إحدى العلامات الفارقة في النقد الأدبي بمصر والسودان..

وقد قال عنه الكاتب المصري انور وجدي:
(إنني أتطلع إلى حفل ضخم يقام في الخرطوم من أجل أحياء ذكراه، وطبع آثاره، والتنويه به في العالم العربي كله.)

لأن معاوية محمد نور وللحقيقة اسم سامق، وهو كباقي الأدباء في السودان على شاكلة محمد عبدالحي وعبدالله الطيب وعبدالخالق محجوب والطيب صالح والكثير من الأسماء البارزة الأخرى حتى لا اظلم احدا، في حياته ما يستحق البحث والتنقيب والدراسة، لكن ومن غريب الصدف او سوئها فانه لا يكاد يحظى وهو الاديب الألمعي بالاهتمام اللازم من طرف المثقفين السودانيين

الجمعة، 17 أكتوبر 2014

قراءة في رواية الطريق الى الملح للمبدع عبد الكريم العامري/ نقوس المهدي


مدخل لا بد منه

 نقوس المهدي

تولد رواية ” الطريق الى الملح” للأديب عبد الكريم العامري في النفس العديد من التداعيات الاليمة، وتحرك في اعماق النفس الكثير من الذكريات الدفينة.. هكذ ا وجدتني مشدودا بحبل سري بابطالها كانهم احبابي واهلي.. الحب نفسه الذي اختزنته لسنوات متتالية لكاتبها عبد الكريم العامري. ولصديقي مضر حمد السعيد الفتى البغدادي والشاعر الطموح الذي افتقدته في أتون حرب الخليج الاولى.. لا هو من بين اسماء قوائم الشهداء ولا من عداد المفقودين.. ابتلعته الارض الى يومنا هذا.. والذي تعرفت من خلاله على روايات الحرب لــ ” إيريك ماريا ريماك”.. وادب الواقعية الاشتراكية عند مكسيم غوركي وخورخي أمادو ، وتنظيرات انطونيو غرامشي .. وقرات عن طريقه اشعار حسب الشيخ جعفر وسعدي يوسف.. وعرفني على تاريخ النضال الجماهيري في الخليج.. والمعارك العقائدية والفكرية المحتدمة بين صفوف الطلبة العراقيين.. والاغتيالات والاختطافات التي تطال المناضلين.. وقصيدته الحزينة “شهادة عن مناضل اغتيل ذات مساء عند مدخل البار العتيق” .. واوراقه التي بعثها الي من ساحة المعركة ووسمها باوراق صفراء من زمن الحرب تحدث من خلالها عن ملابسات يومياته في الميدان ومعاناته وآماله العريضة الواسعة المتدفقة الرقراقة التي التهمتها الحرب اللعينة.. وتاريخ الحزب الشيوعي و”الرفيق فهد” وجريدة “الطريق” التي نشرت بها بعض الخربشات المبكرة.. وسلكت بعدها الطريق الشاق لــــ ” أحمد الصالح ” في سبيل البحث عنهما فلم اعثر لصديقي مضر على اثر.. فيما دلني على صديقي الآخر من غرناطة المبدع محسن الرملي..


قراءة في العتبة


العنوان مفتاح تاويل النص.. هكذا يحيلنا عنوان الرواية المكون من جملة اسمية على الطريق وركوب الاهوال وتكبد المشاق من اجل البحث عن الزمن الضائع.. اي على الرحلة.. ذلك ان الرحلة كتابة في المدى، والكتابة رحلة على الورق. اذ “يخيل إلي أن كل كتابة رحلة في الزمان والمكان ( الفضاء). وقبل كل شيء هي رحلة في المساحة اللامتناهية لجغرافية الكلمات” بحد تعبير الناشر الفرنسي الشهير فرانسوا ماسبيرو. ومن جانب اخر على الملح حيث هناك شخص تقاسم معه الراوي الخيز والملح كما نقول في المتخيل الشعبي.. وهو بوابة تتدفق عبرها بشكل لامتناهي جملة من المتتاليات التي تتولد في رحم الغيب.. وتحيلنا على عالم روائي مؤثت بالاحتمال والتوجس والمفاجاة والشوق والحنين المعشش في الحنايا والذكريات الحارقة والتاريخ الضمني لشخوص ينبضون املا ورقة وبساطة.. الأم رمز الارض، والجد رمز التاريخ العريق، ومعتوق الحداد الذي يحيل اسمه على العتق والتحرير، ونازك التي يرمز اسمها الى الرمح انظر لسان العرب ص 498، وما جاء في الحديث ” ان عيسى يقتل الدجال بالنيزك “.. وكل هذه المؤشرات الايقونية تكتسب دلالات تعج بالارادة والاصرار على تحرير مدينة الصبا ومرتع الشباب…. وترمز في نفس الآن للحياة والأمل والإستمرارية.. وتحاول التأريخ بهذه المعطيات لثالوث الانسان والمكان والزمان عبر أوبة الراوي بعد زمن طويل من الغياب القسري الى كنف مدينته المحررة العابقة بجمال مدبنة ” الفــــــاو “. والتي عمدتها دماء 52848 شهيد عدا العديد من الاسرى والمفقودين والمعطوبين .. وهذه احصاءات رسمية تختفي وراءه اكمتها الوجه الحقيقي والسافر للانظمة السنبدة.. والصورة البشعة للحروب، وما تجره من ويلات ومآسي من ترميل النساء وتشريد الاطفال وتشتيت العوائل، وتكبيد البلد العديد من الخسائر الاقتصادية والسياسية الفادحة .. على هذه الصورة تبتدئ الرواية وتبدو المدينة بعد ان يعود اليها البطل وهي محررة من المحتل وفي زمن ” بدأت الارض تخضر… والاشجار تستعيد عافيتها” ص 9.. بعد ان دمرت وحطمت الحرب كل شئ فيها، واقتلعت رؤوس النخيل… وعبر الاستعانة بالتذكر والاسترجاع ” الفلاش باك” يلملم الراوي شتات ذاكرة منهكة وضبابية لرصد حياة “احمد الصالح”، وايام الصبا والشيطنة والعفرتة والجنون والحب والعبقرية والجندية .. مسلطا كاميرته على تحولات المكان وهواجس البطل وجزئيات حياته الشبه الشطارية .. ذكريات جارحة تسربت عبر نافذة السيارة محمولة على هودج الريح الشرقية الملتهبة والحارقة دافعة الراوي الى هوة الماضي السحيقة ص11.. وركوب قطار الذكريات واستحضار سيرة مدينة عزيزة في سبيل البحث عن احمد الصالح مسلحا بالامل والرغبة الاكيدة وصورة الصاحب ومفتاح صندوق الذكريات الجميلة والعديد من الاشارات و المؤشرات الدقيقة.. ذلك لان مصير الرواية اية رواية هو بحث في بعض التفاصيل الصغيرة لنستدل عن طريقها على ما هو اهم.. ذلك أن “ميخائيل باختين” يعتبر الرواية جنينا، لم يكتمل بعد، كجنس أدبي قائم بذاته؟ طبعا ليس بالمعنى التصغيري أو التحقيري؟ على العكس من (الفن الْملحمي) …


المكان في الطريق الى الملح


“بإمكان كاتب أن يُهدي مدينةً شُهرةً عالميّة من خلال كتاب” هكذا تقول احلام مستغانمي .. وفي اقصى الحالات الإجرائية تتحول العديد من الامكنة الروائية في وجداننا الى اماكن حميمية، و الكثير من الشخوص الى اصدقاء ملحميين حميمين من حيث لا نعلم و لا نحتسب كانما تربطنا بهم صلة قرابة قوية.. ونعشق عن طريقهم تلك الاعمال بعوالمها وامكنتها وافضيتها الصغيرة المحدودة المضغوطة بين دفتي الورق والموشومة بالحبر .. و التي تغدو افتراضيا اكبر من حجمها في الواقع.. وننسج معهم علاقات ضمنية اقرب الى الحميمية واقوى من الخيال.. من منا لم تشده قاهرة نجيب محفوظ، واسكندرون حنا مينا، واسكندرية ادوار الخراط ولورنس داريل، وبصرياثا محمد خضير، وسومر حسب الشيخ جعفر، وطنجة محمد شكري وبول بولز، ودبلن جيمس جويس، وبيونس ايرس خورخي بورخيس، وباريس بودلير، ولشبونة فرناندو بيسوا، وبراغ كافكا، واسطنبول باورهان باموك .. ويتجلى ذلك الارتباط عن طريقة حديثهم الاسطوري عنها في كل حين كرد فعل لتاثيرات بصمها ذلك المكان على ارواحهم، واصبحت قطعة من حياتهم.. يكتب كافكا في احدى رسائله لأحد أصدقائه: “لن تخلي براغ سبيلنا، لهذه الأم الصغيرة مخالب، ينبغي الإذعان لها …” .


هكذا تخلق تلك الامكنة و الاشياء الحميمية في نفوسنا ذلك الفضول الآسر لاقتفاء آثارها خارج الحيز الورقي وتدفعنا لمتابعة تطورات الاحداث في رواية “الطريق الى الملح” عبر تتبع معاناة الانا والاخر.. “الانا” الراوي الذي ليس حتما الكاتب الذي يستلهم على مستويات عدة مرجعية السيرة الذاتية في تشكيل الخطاب الروائي.. و”الاخر” الذي يمثله احمد الصالح البطل الايجابي الذي يرمز في بحثه الى الامل واللقاء والمحبة والبساطة وهلم جرا من تلك الاوصاف النبيلة النابعة من اعماق الارض الطيبة المحتضنة لامال واحلام الناس الطيبين..


رؤى حول الرواية


تبتدئ الرواية في منطقة تماس بين زمنين يمتزج عبرهما الماضي بالحاضر الذي يتولد من رحمه المستقبل.. زمن ماض يستدعي التاريخ والمعالم والذكريات والرؤى والاطياف والاخيلة.. و زمن حاضر يستحضر الرغبة في اللقاء ويستنطق السجلات ويتحرى فيهم عن مصير احمد الصالح في دواليب الادارات والدوائر الحكومية وعبر مساءلة رفاق السلاح .. والمستقبل الباسم لكن الضبابي في ظل الخطر الداهم الذي يتهدد البلد ..


الطريق الى الملح من نوع السهل الممتنع بيساطة توليفتها وهرمية نسقها المعماري .. ومؤثثة بالشعر والنوستالجيا والشوق والتشويق واللهفة والاكتشاف لتتبع مجرى نهر الرواية وتتبع مساره ليمضي بنا صعدا لاهثين لمعرفة النهاية الحتمية للاحداث.. واقتناص المصير الغامض لكن المشرق والايجابي للبطل الذي ينبعث من جديد عبر الطفل رمز التجدد والعطاء والاستمرارية والتجدد، وعبر الحكاية اللامتناهية، واغراء القارئ وايهامه باكتشاف الاوراق المرتقبة التي ستنطلق في الفضاء الكبير كسرب حمام “ص112… والتي وعد بها – وهو من سيقترح ذلك بلسانه – في الجزء القادم من الرواية، كما يوحي بذلك آلبرتو مانغويل في أنه ” يعرض أمام القارئ كنزا من الروايات في حالة جنينية، وبذورا لحكايات، ليست في حاجة لتنمو زيادة حتى تمتعنا وتدهشنا.” وآخذا بقول احمد فؤاد نجم ” عشقي للكلام غالب سكوتي وكرهي للسكات جالب شقاي”


خلاصة


عموما الطريق الى الملح جاءت لتعزز المنجز الابداعي للاستاذ عبد الكريم العامري ولعل أول ارتسا نخرج به من اول قراءة لها انها رواية ناضجة بكل المعايير السردية بالرغم من انها باكورة شاعر راكم تجارب ناضجة ومهمة في الكتابة الشعرية والمسرحية، وتتعالق فيها بغبطة الكتابة الروائية بالتجرية الشعرية الناضجة، ذلك أنه حسب ديكارت “قد يبدو من المدهش العثور على أفكار عميقة في كتابات الشعراء وليس في كتابات الفلاسفة. والسبب هو أن الشعراء يكتبون تحت تأثير حماسهم وقوة تخيلهم: ذلك أنه توجد فينا بذرات العلم مثلما توجد شرارات النار في الحجر. الفلاسفة يستخرجونها بالبرهان العقلي أما الشعراء فتنقشع لديهم بفعل تخيلهم وتغدو أكثر لمعانا”..


بهذا السلاح وبتلك الرؤى آثر الشاعر والمسرحي والصحافي عبد الكريم العامري ركوب غمار الكتابة الروائية ببراعة فاتنة عبر الاسلوب الشاعري الذي يشيع داخل النص فيبعث بين ثناياه جمالية ويهاء ورقة، ولغة شفيفة جذابة تتوخى الاقتصاد في الكلام غبر الجمل القصيرة التي تتوغل عميقا داخل اعماق الابطال، وتؤرخ لمرحلة حرجة من تاريخ العراق الحالك الموشوم بالاستبداد والجبروت والتسلط والاحباط والاقصاء الممنهج للانسان.. التاريخ المليء بالبطولات الوهمية والانكسارات والحافل بالاشعار والمفعم باخبار الابطال الحقيقيين في الخليج واهب اللؤلؤ والمحار والردى.. وعبر معانقة الاحزان الدفينة في عراق ما مر عام والا فيه جوع وظلم وتشييء للكائن، ومعانقة الامل في النصر والتحول والاصرار على مواصلة الحياة برغم كل يتعرض له البلد من مكائد وويلات ضحيتها الاولى والرئيسة المواطن العراقي والقادمة من الغرب اساسا تمثلا بقول ابي الطيب

وسوى الروم خلف ظهرك روم = فعلى اي جانبيك تميل


ترى هل نقرا جزءا قادما تقول فيه الام وهي رمز العطاء والولادة المستمرة والخصوبة انه من الغرب جاءت المصائب” ص4..

—————————-

* نقوس المهدي: قاص وناقد من المغرب







الجمعة، 26 سبتمبر 2014

خورخي لويس بورخيس/نقوس مهدي







خورخي لويس بورخيس: - Jorge Luis Borges



عن الصفدي في الوافي بالوفيات عن الجنيد قال " كل الخلق يركضون فإذا بلغوا ميدان أبي يزيد هملجوا.." .. وقول الجنيد هذا عن ابي يزيد البسطامي يصدق تمام الصدق حينما نعرض لحياة بعض الشخصيات العظيمة، ومنهم خورخي لويس بورخيس على سبيل الحصر .. هذا المبدع الذي يستعصي على التصنيف او وضعه ضمن خانة من الخانات لا هو من بين المستشرقين ولا المستغربين لا من زمرة الفلاسفة والعارفين، ولا الشعراء والروائيين والقصاصين، ولا الباحثين والمنظرين والنقاد بجمعه لكل هذه المحاسن دفعة واحدة..
هذا الاعمى البصير الذي طبقت شهرته الامصار حتى اضحى جواب افاق وقاهر عتمات ، وجرب في كل لون وجنس معرفي، واتقن بمعرفة مكينة عدة السن، وانفتح على عدة حضارات شعوب وديانات اقوام ومعتقدات واساطير الاولين، وكتب عن الحضارات المشرقية و الديانات الشرقية بمللها ونحلها وكتبها السماوية والوصعية الشئ الكثير حتى باتت معارفنا نحن كمسلمين ضئيلة جدا بالقياس اليه.. وبثنا نعتقد جازمين ان ضمن كل ما يتعلق بالحضارة المشرقية وما اليها يستشبح فيه قبس من تخرصات وروح بورخيس بكل عنفوانها وصفائها ..
الحقيقة اننا لا نستطيع تحبير اكثر مما قلنا ومما عرفنا عن فكر وحياة هذا الانسان سليل هوميروس وميلتون واعمى المعرة وبشار بن برد وطه حسين، وقافلة مبصرين استشعروا الدنيا بنفاذ مجسات بصيرتهم وعزمهم الذي لا يلين، وحدسهم الذي التي لايخطئ .. والذي يعرف حضارتنا اكثر منا مستضيئين اذا كان يصدق ذلك بقولة احمد بن الحسين المتنبي " اسألوا ابن جني فهو أعرف بشعري مني ."..

تحية
نقوس المهدي

الاثنين، 22 سبتمبر 2014

رسائل الأدباء/ نقوس المهدي







الرسائل كما لايخفى على أحد هو جنس ادبي قائم بذاته ومتميز بصياغته الخالصة والخاصة مثله مثل ضروب الآداب الاخرى التي تنبش في سحيق الذات الانسانية وتحاول توثيقها والقبض على الاحاسيس البشرية، والمشاعر الحميمية الاعمق رقة في نفس الانسان، وتنقب بين تلافيف الذاكرة بحثا عن ذكرى آبقة، وفكرة شاردة، وتقبض على طيف حنين عابر..


والمراسلات الادبية تبحث في علاقات الانسان ومحيطه.. مثله مثل أدب البحر وأدب السجون وأدب الحرب وادب الطفل وأدب المناجم، والأدب الإيروسي والأدب الشطاري، والادب السوريالي او ما هو قائم على التحقيب مثل ادب النهضة والادب الجاهلي أو الاندلسي الى غير ذلك من صنوف الاداب وضروب المعرفة التي سنخصص لها ملفات موازية.. وهي فوق هذا كله مادة ادبية تطالعنا فيها حياة الادباء وعلاقاتهم واسرارهم وهواجسهم وسياحة فكرية ومعرفية لاتضاهى في الجمال ..


الرسائل هي الوسائل.. وادب الترسل فن من فنون التواصل عرف واشتهر منذ القدم، واستخدمت له وسائط كان اهمها "الرقاص" وكان "الحمام الزاجل" وكان السعاة وكان البريد، وسخر له الكتاب والنساخ في الدواوين السلطانية، وهي معروفة منذ القدم وحتى قبل توثيق الكتابة وقبل مقولة "بدأت الكتابة بعبد الحميد وانتهت بابن العميد" ولعل اول نبإ جاء فيه ذكر الرسائل هو الذي ورد في الكتب السماوية عن خطاب سليمان الملك لبلقيس بنت شراحيل ملكة سبأ، [( قال تعالى: اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ (28) قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31)] .. قبل ان ينقطع ادب الرسائل او يكاد في زمن العولمة، وتلتهمه التقنية المتطورة للاتصالات والمواصلات..


بقلم نقوس المهدي.














الأحد، 21 سبتمبر 2014

وليمة سقراط الأخيرة






حتى اللحظات التي لفظ فيها انفاسه الاخيرة في تلك الصبيحة من الصباحات الربيعية ظل المعلم سقراط محافظا على صفائه والعهدة على الرسام جاك-لوي دافيد، الذي خلده في احدى اشهر لوحاته الفنية مادا يسراه عن طيب خاطر وبثبات وعزم مكين الى قدح الشكران

كان في قمة صفائه الروحي ورباطة الجأش نفسه والسخرية اللاذعة ذاتها التي واجه بها القضاة الخمسمائة بقيادة الرجال الثلاثة "ميليتوس" و"أنيتوس" و"بوليقراط" الذين لم يشفع لهم كبر سن الرجل ووهن عظمه، ولا ليونة انامل الداية "فيناريت" على طراوة أجسادهم ساحبة اياهم من ظلمات ارحام أمهاتهم، الام/ امه التي ظل طول حياته يبرهن من خلالها على عدم عقم الفلسفة. الصفاء الروحي نفسه ورباطة الجأش والسخرية اللاذعة ذاتها وهو يصب السائل السام في جوفه دفعة واحدة كانه يعب خمرا، ساخرا من ايسكولاب، اله الطب، في ذلك الصباح من الصباحات الربيعية 

فيما كانت يسراه معلقة في الهواء تشرح احدى نظرياته التي ألبت عليه الاكليروس، ومنتهرا طلابه الذين أخفوا سحناتهم في أطراف قمصانهم مستغرقين في بكاء مرير.
افلاطون الذي كتب على باب أكاديميته " من لم يكن مهندسا فلا يدخلن علينا ". 
وارسطو ابن نيكوماخوس الذي ابتدع فيما بعد فلسفته المشائية، وكتب الكتاب الفريد سر الاسرار.
و كريتون أقرب الطلاب الى نفسه، والذي أمره بدفع ثمن ديك لايسكولاب دون مفاصلة، حتى وهو يعالج السكرات الاخيرة من الموت قبل ان يغمض عينيه في تلك الصبيحة من صباحات اثينا الربيعية

حتى وهو في اللحيظات الاخيرة من الحياة لم يكف سقراط عن التامل والدفاع عن الفضيلة والسخرية والتفكير عن مال الفلسفة، وفي حساء العدس المحبب الى نفسه، شئ وحيد لم يستحمله المعلم وهو في ارذل العمر، لا مآل الفلسفة، أبدا، لأنه يعرف اي الرجال هم الذين لقنهم خلود المعرفة، ولا مستقبل اثينا لان الديكتاتوريات تدول وتزول، بل عويل ونواح اكزانتيب التي كانت دائمة السخرية من تخريفاته، وهي تذرو على راسها التراب وتتمرغ في الوحل خارج أسوار السجن، والذي ظل يتناهى الى مسامعه ويمزق نياط قلبه حتى اللحيظات التي لفظ خلالها أنفاسه الاخيرة، مسلما الروح في ذلك الصباح من صباحات فصل الربيع

نقوس المهدي

السبت، 20 سبتمبر 2014

خير جليس / عن القراءة / نقوس المهدي

 خير جليس .





عرفت الكتاب خارج حدود كراس المقرر المدرسي في حدود سن العاشرة تقريبا حين اشترى والدي كناشا صغيرا يتضمن قصيدة شعبية لمحاورة غنائية بين رجل وزوجته حول " أضحية العيد " للشيخ عبد الكريم الفيلالي كي أقراها له لشدة اعجابه بماثور القول الشعبي ..
واكتشفت المكتبة في سن الثانية عشرة حين أقام أستاذ اللغة العربية " السي محمد أغزاف " اطال الله عمره طاولة في ركن من القسم أسماها المكتبة المدرسية، وضع فوقها مجموعة من القصص المدرسية لمحمد عطية الإبراشي وأحمد سعيد العريان وكامل كيلاني، اقتناها من ماله الخاص ليزرع في نفوسنا حب القراءة والكتاب، توزع علينا مساء كل يوم سبت، لنعيدها في متم الأسبوع الموالي ملخصة في ورقة ونأخذ غيرها، كانت تلك القصص العجيبة اول صلة لنا بحكايات الجنيات وعالم الخوارق والملاحم العجيبة والخيال، لم نكن قد وصلتنا بعد قولة الحكيم الفرعوني التي تقول: ( الكتاب أفضل من لوحة رائعة النحت... أقوى من حائط متين البنيان .... انه بديل الهرم والمعبد في اعلاء اسمك) او تلك القائلة " ليتني أجعلك تحب الكتب أكثر مما تحب أمك"، ولا تلك التي جعلت اروع كاتب في القرن العشرين يقول بتواضع زائد في مديح القراءة: "فليفخر الآخرون بالصفحات التي كتبوا، أما أنا فأفتخر بتلك التي قرأت" [ بورخيس: أسطورة الأدب/ ص 108]. كنا فقط نفترس تلك القصص افتراسا لما توفره لنا من متع زائدة تغنينا عن دروس النحو والصرف والتربية الوطنية والحساب والعقاب، ومن لعب نهاية الأسبوع، لما تحملنا إليه من عوالم غريبة وفضاءات ساحرة لم نكن نألفها في قريتنا الفوسفاطية الصغيرة المغمورة المنسية، المنقطعة عن العالم المبتوتة في هضبات الكنتور، وبديلا عن حكايات آبائنا التي يحشون بها اذهاننا - وكانهم يرهبوننا نفسيا من الشغل الشاق المنتظر - عن أهوال وأخطار العمل بالمنجم والجنازير وبرودة المياه، وعن امراض الحساسية والمفاصل والربو والشيخوخة المبكرة والانكيلوستومياز وحوادث الشغل المميتة، وفظاظة المهندس وتقارير اعوانه، والماء البارد الذي يقطر من السقف، والمياه الجوفية العائمة التي تغمر لحد الحزام، والحزام الآلي النقال الذي يلتهم في غفلة أعضاء العمال او يعجن اجسادهم المنهكة كالطحين وأشياء أخرى اكثر رهبة تقع في جوف الجبل، تحت الأغوار السحيقة لباطن الأرض، تذكرني بالقرابين التي كان يتزلف بها قدماء المصريين للنيل خلال سخائه السنوي على الحقول .
الان وبعد مضي حوالي نصف قرن أسررت لأستاذي السي محمد أغزاف خلال حفل التكريم الذي أقمناه لثلة من أساتذتنا القدامى الكرام بجود كرمه وبفضل تلك المكتبة العظيمة علينا، والتي نمت في نفوسنا منذ تلك الفترة القصية علاقة وطيدة بالكتاب، انبجست من عينيه وهو على تلك الهيئة المهيبة من الوقار والشيخوخة دمعتان، لا ادري إن كانتا من فرط التأثر أو من شدة الفرح والابتهاج ..



نقوس المهدي .  

الخميس، 11 سبتمبر 2014

رامون غوميس دي لاسيرنا شذرات ترجمة وتقديم عبد الله كرمون​

رامون غوميس دي لاسيرنا
شذرات
ترجمة وتقديم عبد الله كرمون​



اختارها : نقوس المهدي .
ثمة اهتمام جديد بإعادة اكتشاف الكاتب الإسباني الأصل المولود بمدريد سنة 1888 وعاش لزمن في باريس ليموت في منفاه ببوينس إيريس سنة 1963 ليتم نقل جثمانه إلي مدريد. صحيح أنه قد نُسي لزمن بعد أن نفدت أغلب كتبه وترجماتها. وها اليوم يعيد الكثيرون الاعتبار لشخصه الخلاق. منذ زمن كتب عنه المعجب به ومواطنه خوان مانويل دي برادا في أقنعته كما وضع هذا الأخير كذلك كتاب الفروج وفاء لذكري نهود دي لاسيرنا. كما أصدر الفرنسي جان غيرشيي مؤخرا كتابين عن النهود علي غراره وجسد هو أيضا كل هذا الاهتمام الذي راح الرجل يحظي به في أيامنا. وقد خصصت له مجلة لونوفيل أتيلا ملف عددها الرابع، هذا المنشور من القطع الكبير الذي يشرف عليه كل من بونوا فيرو ويان بيرنال وغيرهما.
يقول دي لاسيرنا عن نفسه أنه لا يريد أن يعيش طويلا ولا يرغب أن يسافر كثيرا وإنما الذي يستأثر به أكثر هو أن يرفع نظره جهة الأشياء.
يبدو لي أحيانا بعض وجه شبه بين دي لاسيرنا والبرتغالي بيسوا، ذلك أن ثمة شرهاً نحو الحياة قد غذاهما وطبع نزوعهما الحاد إلي التأمل. كذلك بعض خوف وحذر وكثير من الشغب والفوضي. كلاهما يفرط في شرب الخمر بل في عشقها مثلما كتب أحدهم.
ففي حياتهما كثير من الفوضي إذ اللاطمأنينة هو الكتاب الذي أنجزه الرجلان في حياتهما سواء ظهرت الكلمة في عنوان أحد كتب الثاني فإن دي لاسيرنا ظل متأرجحا طول حياته بين الأفكار التي تسوقه إلي مراعي الفكرة العميقة والتي تسوق حيوانات الرأس والروح إلي اللاطمأنينة، ما دامت الرأس، كما كتب بنفسه، هي أكواريوم أفكار!
غني عن الذكر أن كتاب النهود هو أجمل كتبه علي الإطلاق، وإن كان قد كتب الكثير من الروايات مثل الأرملة وغيرها كما كتب عن بعض أعضاء الجسد الأخري. دي لاسيرنا بهذا المعني متعدد المشاغل وطرائق الكتابة، فقد اشتغل بالصحافة مراسلا لزمن وعمل بالإذاعة. غير أنه كان من أشد أعداء كل ما هو أكاديمي وكان يعادي السجن والظلم الاجتماعي (لونوفيل أتيلا). أو ليس ثمة بعض سخرية واستهتار في أن يلقي محاضرته الشهيرة سنة 1928 في سيرك بباريس وهو راكب علي ظهر فيل؟!
أما شذراته التي ننشر اليوم أجملها في نظري فقد نشر فاليري لاربو بعضا منها منذ 1919. غير أن جان فرانسوا غارسولان وجورج تيراس قد قاما بنشر طبعة وافية عن Greguerias في العام الماضي، ولهي بحق طبعة أنيقة بغلاف أسود، تقرأ بشكل عمودي.
غريغورياس هي إذن الضجيج أو الصخب الذي يثيره سرب أو جماعة، مثل أطفال وغيرهم. غير أن دي لاسيرنا يقصد بها ذلك الضجيج الذي تثيره بعض الأفكار في رؤوسنا سواء كانت جيدة أو تافهة. لذلك نلاحظ في أغلب شذراته هاته ذلك العنصر المفارق وغير المتوقع، تلك اللمحة الذكية وذلك البحث السيكولوجي المضني عن معني ما. أفكاره هذه إذن جديرة بأن نقتسمها كما اقتسمها معنا الرجل منذ زمن. أليس هو من قال قبل أن يموت وقد أورده م. س. ت لقد حققت المثال الإسباني، الإسباني القح، ألاّ تكون شيئا وتبدو علي أنك شيء ، ألا تكون شيئا وتحيا وكأنك كل شيء، متمتعا بنصف قرن من حرية في كل نوع بدون معلم يقودني .



ـ القارئ مثل المرأة يفضل دائما الذي خدعه كثيرا!
ـ لو كان الحمار آكل لحم لصار من أشرس حيوانات الأرض.
ـ كم هي غريبة هذه الحياة، ثمة دائما شيء يلزم محوه، غير أنا لا ندرك أبدا أين هي الممحاة!
ـ النخاع الشوكي عكاز نبتلعه لدي ولادتنا.
ـ مصباح التي تفتح لنا الباب يدعُ بقعة ضوء فوق بدلتنا.
ـ سنابل القمح تدغدغ الريح.
ـ الدجاجة هي الطباخة الوحيدة التي تستطيع أن تصنع من ذُرة قليلة بدون بيض بيضا بدون ذرة.
ـ الأربعاء يوم طويل بامتياز.
ـ الأهم في الحياة هو ألا نكون موتي.
ـ ربما يلزم أن يوجد منظار شمّي لتلقي روائح الحدائق البعيدة.
ـ يبدو أن المكواة الكهربائية تقدم القهوة للقمصان.
ـ يحتاج القمر إلي قطط غير أنه غير قادر أن يجذبها كي تصل إليه.
ـ لا نستمتع أبدا بغناء العندليب لأنا لا ندرك قط هل يتعلق الأمر فعلا بعندليب.
ـ الطاووس أسطورة متقاعدة.
ـ الكاتب الجيد لا يدرك أبدا هل يحسن حقا الكتابة.
ـ ثمة بطيخ يشبه جبنا غير أنه يظل بطيخا.
ـ أن تكون في مدينة البندقية هو أن تعتقد أنك فيها. أن تحلم بالبندقية هو أن تكون فيها.
ـ يصعد الدخان إلي السماء في الوقت الذي كان عليه أن يهبط فيه إلي الجحيم.
ـ الأهم لدي السماء هو أنها لا يمكن أن يداهمها النمل.
ـ إنه يوم من تلك لأيام التي يخيل فيها إلينا أن الريح ترغب أن تتكلم.
ـ تكون الواجهة الزجاجية أجمل لما تكسر علي شكل شبكة العنكبوت.
ـ لا يجب أن ننتحر، فالحياة تستحق أن تعاش، و إن فقط من أجل رؤية الذباب يطير.
ـ نتساءل أحيانا إن لم يكن أكبر خطأ في الحياة هو أن نعتقد بأن الرأس قد خلقت كي تفكر.
ـ أن نسافر عبر المترو يجعل منا فئرانا.
ـ رافعة النهد هي ذئب الصدر.
ـ عندما يري الطفل قطع سكر يدرك لحظتها أن اليوم يوم حفل.
ـ المشنقة موسي حلاقة ميكانيكي اخترعته الثورة الفرنسية.
ـ لقد نبت نابُ وحيدِ القرن حيث لا يلزم.
ـ ندرك مسبقا أن ثمة في لحم الكتف عظماً، غير أنا نظل منزعجين دوما من عظم الكتف.
ـ كبرياء الضفدع فظيعة: فهو يهدي غناءه للنجوم.
ـ لماذا يرفع زميلنا منظاره إلي عينيه فقط في اللحظة التي نهمّ فيها أن نستعيره منه؟ ـ لأنه أبصر نفس المرأة مثلنا.
ـ يوم الأحد: كلب يجلب إلينا الحجر الذي نرميه.
ـ أية ملامح لدي الذي يتلذذ بشرب كأس كحول وكأنه يتذكر شخصا ما. لكن من يتذكره بالذات؟
ـ لو لم يكن المصعد مربوطا إلي العمارة بالحبل السري لفرّ.
ـ هل تبكي الأسماك؟ إنها ليست بحاجة إلي البكاء لأن البحر ليس سوي دمعة هائلة ومالحة.
ـ الرأس أكواريوم أفكار.
ـ عندما تنظف المرأة قفازها الأبيض فقط تجدد ثمة نقاءها.
ـ لقنينة الشمبانيا شيء من ارستقراطية في رفضها أن يعاد لها وضع السدادة ثانية.
ـ الذين يعارضون أن ندخن داخل عربة القطار لا يريدون أن يفهموا أن القطار لن يتقدم لو لم تدخن القاطرات.
ـ عيون الموتي تنظر إلي غيوم لن ترجع أبدا.
ـ قشرة الأشجار المجعدة تؤكد أن الطبيعة امرأة مسنة.
ـ في الليل تبكي القطط لأنها كانت تود لو تولد أطفالا عوض قطط.
ـ الشيء الوحيد الذي نملكه حقيقة هو عظامنا.
ـ لو أخطأنا في الأمر؟ وكانت الأرض هي القمر وكان القمر هو الأرض.
ـ هل توجد أسماك في الشمس؟ نعم، غير أنها مقلية.
ـ تنازل: أن نضع التاج علي الطاولة ونمضي في سفر.
ـ ثمة شيء محزن لدي القطارات هو أن نوافذها اليمني ليست تصير أبدا نوافذ يسري.
ـ النائم الذي يفيق من قيلولته في المساء يحس وكأن نهاره قد سرق منه أثناء نومه.
ـ الوسادة تظل دوما في نقاهة.
ـ الطحالب التي نجد علي الشاطئ هي الشعر الذي يسقط من الحوريات لما يمشطن.
ـ من الصعب أن يظل الفارس جالسا علي ظهر فرسه في الصورة التي تعكس له المياه.
ـ ليس للماء ذاكرة لذلك فهو جد نقي.
ـ أول شيء تقدم عليه الشمس هو أن تعلق ملصق النهار علي الجدار.
ـ نهار واحد يكفي الموز كي يشيخ.
ـ لا يصلح صفير القطار سوي لأن يزرع الكآبة في الحقول.
ـ المشكلة مع المروحة هي أنها تشبه دوما اللُّعب.
ـ تحديد مهم: الصرصار هو خَالٌ رمزي لليل.
ـ في كل الآحاد تخرج لورا، الشابة والجميلة بعد، من القداس.أما بيترارك فقد اختفي نهائيا.
ـ نباح الكلاب عضات حقيقية.
ـ القبلة: عَدَمٌ بين قوسين.
ـ الضجر قبلة تُمنح للموت.
ـ يتحدث المتعجرفون عن العمود الفقري والمتواضعون عن النخاع الشوكي .
ـ إذا كان عود الثقاب يرتعد، لما تشعلون سيجارة لامرأة، فأنتم ضائعون.
ـ المغارة تثاؤب الجبل.
ـ لا يفهم القرد قط أي شيء غير أنه يسعي دوما أن يفهم كل شيء.
ـ الخرشوف خشن في مظهره غير أن له قلباً ليّناً.
ـ يجد القطب دوما كل ما يلزمه كي يتناول الويسكي.
ـ ينسدل الضباب علي المدينة كي ُينسي الناس الواقع لحظة.
ـ امرأة ما ليست هي كل النساء وكل النساء لسن امرأة ما. إنها كل تراجيديا الحياة.
ـ رغبة البرق هي أن يزرع علي الأرض شجرة كهربائية.
ـ الأنبياء يخاطبون الله عبر الهاتف.
ـ نعتقد دوما أن الملح سيبقي طويلا، لكننا ننهيه سريعا لأن الحياة ينقصها الطعم بشكل فظيع.
ـ يصيبنا المطر بالحزن لأنه يذكرنا بالزمن الذي كنا فيه أسماكا.
ـ هذه اللؤلؤة التي تسقط بين النهدين وكأنها معين كتاب، تشبه علامة ندرك بها عند أي النهدين توقفنا.
ـ عندما غرقتْ صعد نهداها إلي السماء مثل فقاعتين مثاليتين.
ـ الحلم مخزن أشياء مفقودة.
ـ العندليب هو هاملت الطيور.
ـ الأهم لدي الفجر هو أنه يجهل كل شيء عن اليوم السابق.
ـ لا أحد يحسن تذوق الماء سوي العصفور.
ـ تفاحة آدم الجمل توجد علي ظهره.
ـ ولأن الخطاف قوس وسهم في الآن نفسه لذلك يأتي من بعيد.
ـ الحلم سبق صغير يقدمه لنا الموت كي يسهل علينا تحمل الحياة.
ـ علي سكة الحديد تنبت أزهار انتحار.
ـ الدخان هو صلاة النار.
ـ ليس ينقص خلية النحل كي تصير مصنعا حقيقيا سوي قوارير لبيع عسلها.
ـ البراغي دود حديدي.
ـ تغادر الأشباح عبر مرآة وتعود من خلال أخري.
ـ تبحث اليراعة بدون جدوي عن سيجارة تشعلها.
ـ ينقطع المطر عن السقوط لأنه ينسي أن يسقط. لكنه يتذكر أحيانا ويستأنف هطوله بشدة.
ـ عندما تنفصل الرأس عن المطرقة تقهقه المسامير.
ـ لم يلمحه البواب لما دخل لكنه رآه لما خرج (إنه الموت).
ـ التثاؤب: مسودة التنفس.
ـ المصعد شديد الجدية.
ـ في بعض الليالي يتزين القمر بنجمة ورثها عن جدته.
ـ فقط الرماد وحده يستطيع أن يحتفظ بسر ما.
ـ لو لم يعن أن تعيش أن تموت، لكانت الحياة رائعة!
ـ عيب الموسوعات هو أنها تعاني من الزائدة الدودية.
ـ لقد ولد فيكتور هيغو كي يصير تمثالا.
ـ الأخطبوط يد تبحث عن كنز في أعماق البحار.
ـ القمر مليء بأشياء مفقودة.
ـ لا يلزم أن نقلق لدي شحوب المرأة. منذ قرون والقمر يبدو علي وشك التلاشي غير أنه لا يزال هنا.
ـ يكتفي البحر بمراقبة الآخرين يسافرون أما هو فلم يسافر قط.
ـ ليس ثمة لحفظ غبار القرون، ماديا ومعنويا، سوي الكتب.
ـ الطفل ذو السروال الممزق يُظهر من خلف خدين مثل خدي وجهه.
ـ يدرك الضفدع جيدا أنه بشع لدرجة أنه لا يخرج إلا بالليل.
ـ أجمل ما في الدراجة ظلها.
ـ القمر مليء بأرانب بيضاء.
ـ الزمن ينهك أركان الحي.
ـ مذ بدأ الإنسان يسافر عبر المترو لم يعد يخشي الموت كثيرا وكأنه تآلف مع دود الأرض.
ـ الهاتف هو منبه الأشخاص المستيقظين.
ـ يضع السلطان عمامة ضد صداع الرأس.
ـ القمر: صيدلية حراسة في عزلة الريف.
ـ يا للسرعة التي نستطيع أن نعد فيها حقائبنا في فيلم!
ـ آلة الخياطة هي الآلة السينماتوغرافية للأغطية البيضاء.
ـ القمصان التي تضيق علينا تعيدنا إلي الطفولة.
ـ أية تراجيديا: تشيخ يداها ولا تشيخ خواتمها!
ـ العندليب. لا. لا نستطيع ولا يلزم أن نقول أي شيء عن العندليب.
ـ من الخطير أن نبصر أكثر مما يوجد من نجوم.
ـ إذا لم يكن الموت يشبه كثيرا النوم فسيكون من السهل عليه أن يباغتنا.
ـ في منزل الشارب تختبئ الزجاجات خائفة تحت المائدة.
ـ كارثة بعض الأفلام أن البطلة تنسي أن توصد النوافذ فنبصر كل شيء من الشارع والحديقة.
ـ يحسد الخلود كل ما هو فان.
ـ لا يمكننا أن نستشهد بالمحار علي أنه نموذج الضجر لأنه ينتظر دائما أن تنبت له لؤلؤة.
ـ ملصقات السينما تحرض علي الجريمة وعلي الحب.
ـ إذا أردت أن تفقد مفتاحا ارمه بعيدا وإلا فإنه يمكن أن يعود إليك.
ـ هل نحلم أثناء الموت؟ هذا هو المشكل الأكبر.
ـ تعشش فئران الموت في مجرات الهيكل العظمي.
ـ ينقر الدجاج الأرض وكأنه يأكل قطع نجوم سقطت من السماء.
ـ السيارة المطلية بالأبيض ليست سيارة بل حمّاما.
ـ الذين يقتلون امرأة وينتحرون بعد ذلك، يلزم أن يغيروا طريقتهم: أن ينتحروا أولا ثم فليقتلوها بعد ذلك.
ـ الفرق بين الأموات والأحياء أن هؤلاء لم يكونوا قط أمواتا.
ـ قد يكون حالم رودان في آخر الأمر هو الرجل الذي قعد طويلا علي مقعد المرحاض.
ـ يحتفظ الخالق بمفتاح كل سُرّة.
ـ الزهور المقطوعة والمهملة علي قبر تتفهم الموت لأنها تحس أيضا أنها ميتة.
ـ في المكتبات يتحد الزمن أكثر مع الغبار.
ـ القط من اختراع صيني ما.
ـ المروحة بِزال طائر.
ـ الكلب الذي يفيق من قيلولة لم يعد يدرك أهو كلب أم إنسان!
ـ النباح هو صدي نفسه.
ـ تفتش الشجرة الأرض بجذورها المتوترة كي تجد ثمة قلبا.
ـ لقد وضعت السرة كي يرشح منها الماء من غريق غير أنها لم تؤد أبدا مهمتها.
ـ كم هو خشن هذا الغطاء! (إنها شاهدة قبره).
ـ qهو p عائد من نزهة.
ـ يدوم النباح طالما لم يغير الكلب رأيه.
ـ البحر يجذب الأنهار من شعرها.
ـ الذباب هو الحيوان الوحيد الذي يقرأ الجريدة.
ـ هل نساء بيكاسو جميلات بارتدائهن قبعة أم بدونها؟
ـ تلطم الريح الكلسونات المنشورة.
ـ لا تكتفي المرآة بعكس صورتنا بل تسعي إلي إصدار أحكام علينا.
ـ النوم امرأة ذات شعر طويل تنادينا كي نذهب إلي السرير.
ـ الركبتان سفرجل الكائن البشري.
ـ إذا عثرنا علي البالون الذي مكث طويلا علي السطوح سوف نعود إلي الطفولة.
ـ المؤسف أن أول شعرة بيضاء تعدي الأخريات.
ـ السعال نباح الرئتين.
ـ كحول الروم: الأرنب الذي نخرج من تحت الوسادة منديل!
ـ تنظر إلينا المرأة بعيني كلب لطيف، في لحظة تالية ترمقنا بنظرات كلب مسعور.
ـ نهود الحسناء مغطاة بقُبَل مثل فراشات.