كانت فورة الستينيين محاكاة ولكن محاكاة صادقة العواطف ، وهنا يكمن موطن مخاطرها لأن أهواءها الخيالية طمعت بأت تكون فعلاً ، وفعلاً سياسياً بالدرجة الأولى . وإذا كان مفكر أصيل مثل " هادي العلوي " صادقاً وغير محاك ، إلا أن أفكاره التي تسعى إلى الفعل لا تقل خطورة بسبب هذه الأصالة وهذه الصدق ، في الشعر لم أسع إلى شعراء الظاهرة بل انتخبت في المقابل عينات من شعراء الخبر الداخيلة ، شعراء التيار الذى حفر مجراه ضيقاً ولكن عميقاً إلى جوار التيار الأغلب .
في الستينيات كنا نقرأ أعمال دستويفسكي بهوس . داخل هذا الهوس لم نتوقف عند شخوص رواية " الشياطين " لنذعر . كانت تلك الشخوص كفيلة بان تثير الذعر في قراء على هذا القدر من الشبه بها .
شياطين دستويفسكي هم ستينيو روسيا القرن التاسع عشر . جيل اختفى بـ " الفكرة العظمى " التي ورثها عن الجيل الاربعيني ، و ذهب بها ، بطيش الاطفال الحمقى إلى ابعد مدى من التطرف .
كانت ستينيات روسيا القيصرية قبل قرن من ستينيات العراق و العالم الغربي ، تضج بجيل يستحق ان يوصف بـ " الموجة الصاخبة " أو " الروح الحية " . فالثقافة مسيسة لدى الجيلين بصورة تامة و هوية المثقف تكمن في انتمائه العقائدي . و الجيل منقسم بصورة حاسمة إلى تيارين لكل منهما فروع . الاول يستلهم الغرب و حداثته بكل ما ينطوي عليه من تيارات فكرية و سياسية . و الثاني يتشبث بالجذور القومية بكل ما تنطوي عليه من معايير و قيم . و كل منهما يدعي سعة الافق التي لا تضيق باستيعاب حسنات الطرف الاخر . و لكن تسييس هذا الميل الفكري يلغي اية امكانية لسعة الافق المزعومة لأن الفكرة سرعان ما تتحول إلى عقدة عمياء . انتشار الصحافة و فاعليتها في الوسط الثقافي عامة شبه اخر يجمع بين الجيلين المتباعدين و دستويفسكي الروائي نفسه كان مسؤولا عن مجلتين فركيتين : " الزمان " و " العهد " و عبرهما كان كثير الجدل ، كثير الخصام . و للتأكيد على قرابة الادب و السياسية كان يضع تحت عنوانيهما عبارة : " تعني بالادب و السياسية " .
الشبه الاساس الذي يظل الجميع هو اندفاعتهم المتطرفة باتجاه الافكار المجردة دون التفاتة إلى الواقع الارضي و اخضاع الفعل السياسي التاريخي المغير إلى اهوائهم المبدعة في حقل العواطف و المخيلة . في " الشياطين " يقدم لنا المؤلف شخصية ستيفان الرئيسية كمثقف رائد لاحتضان رفعة الافكار المتعالية على الانسان الزائل ابن الارض . و دستويفسكي يقدمه بصورة هجائية ساخرة في احدى مشاهد الرواية الاخيرة : " الافضل ان يمشي في الطريق العام ، الافضل ان يمضي دون ان يفكر في شيء . الطريق العام ... شيء طويل ، طويل جدا ، لا يرى المرء له نهاية ، كالحياة الانسانية ، كالأحلام الانسانية . الطريق العام يتضمن فكرة . اما جوزا السفر في الطريق فأية فكرة يمكن ان يتضمن ؟ جواز السفر نهاية كل فكرة ... عاش الطريق العام ، و على بركة الله ... " . و على لسان احدهم يتحدث عن الثوري شاتوف : " إن شاتوف واحد من أولئك الروس المثاليين الذي متى اشرقت في نفوسهم فكرة قوية كبيرة بهروا بها و تسلطت عليهم تسلطا تاما قد يدوم في بعض الاحيان إلى الابد ، فلا يصلون يوما إلى السيطرة على هذه الفكرة التي اصبحوا يعتنقونها اعتناقا عنيفا . فحياتهم كلها تنقضي بعد ذلك فيما يشبه لتشنجات الكبرى تحت وطأة تلك الصخرة التي سقطت عليهم ذات يوم فحطمتهم نصف تحطيم . "
بيانات الكتاب
الاسم : تهافت الستينيين
المؤلف : فوزي كريم
الناشر : دار المدى
عدد الصفحات : 354
الحجم : 4 ميجا
تحميل كتاب تهافت الستينيين
رابط تحميل فورشيرد
التواصل والإعلان على مواقعنا
قراءة اونلاين
أشترك فى قائمتنا البريدية ليصلك جديد الكتب
تابعنا على الفيسبوك
تابعنا على تويتر
زور موقعنا الجديد – معرفة بلس
زور موقعنا الجديد – عالم الروايات
زور موقعنا – مكتبة دوت كوم
زور موقع ثقف نفسك - حيث الثقافة والمعرفة
مقدمة
في الستينيات كنا نقرأ أعمال دستويفسكي بهوس . داخل هذا الهوس لم نتوقف عند شخوص رواية " الشياطين " لنذعر . كانت تلك الشخوص كفيلة بان تثير الذعر في قراء على هذا القدر من الشبه بها .
شياطين دستويفسكي هم ستينيو روسيا القرن التاسع عشر . جيل اختفى بـ " الفكرة العظمى " التي ورثها عن الجيل الاربعيني ، و ذهب بها ، بطيش الاطفال الحمقى إلى ابعد مدى من التطرف .
كانت ستينيات روسيا القيصرية قبل قرن من ستينيات العراق و العالم الغربي ، تضج بجيل يستحق ان يوصف بـ " الموجة الصاخبة " أو " الروح الحية " . فالثقافة مسيسة لدى الجيلين بصورة تامة و هوية المثقف تكمن في انتمائه العقائدي . و الجيل منقسم بصورة حاسمة إلى تيارين لكل منهما فروع . الاول يستلهم الغرب و حداثته بكل ما ينطوي عليه من تيارات فكرية و سياسية . و الثاني يتشبث بالجذور القومية بكل ما تنطوي عليه من معايير و قيم . و كل منهما يدعي سعة الافق التي لا تضيق باستيعاب حسنات الطرف الاخر . و لكن تسييس هذا الميل الفكري يلغي اية امكانية لسعة الافق المزعومة لأن الفكرة سرعان ما تتحول إلى عقدة عمياء . انتشار الصحافة و فاعليتها في الوسط الثقافي عامة شبه اخر يجمع بين الجيلين المتباعدين و دستويفسكي الروائي نفسه كان مسؤولا عن مجلتين فركيتين : " الزمان " و " العهد " و عبرهما كان كثير الجدل ، كثير الخصام . و للتأكيد على قرابة الادب و السياسية كان يضع تحت عنوانيهما عبارة : " تعني بالادب و السياسية " .
الشبه الاساس الذي يظل الجميع هو اندفاعتهم المتطرفة باتجاه الافكار المجردة دون التفاتة إلى الواقع الارضي و اخضاع الفعل السياسي التاريخي المغير إلى اهوائهم المبدعة في حقل العواطف و المخيلة . في " الشياطين " يقدم لنا المؤلف شخصية ستيفان الرئيسية كمثقف رائد لاحتضان رفعة الافكار المتعالية على الانسان الزائل ابن الارض . و دستويفسكي يقدمه بصورة هجائية ساخرة في احدى مشاهد الرواية الاخيرة : " الافضل ان يمشي في الطريق العام ، الافضل ان يمضي دون ان يفكر في شيء . الطريق العام ... شيء طويل ، طويل جدا ، لا يرى المرء له نهاية ، كالحياة الانسانية ، كالأحلام الانسانية . الطريق العام يتضمن فكرة . اما جوزا السفر في الطريق فأية فكرة يمكن ان يتضمن ؟ جواز السفر نهاية كل فكرة ... عاش الطريق العام ، و على بركة الله ... " . و على لسان احدهم يتحدث عن الثوري شاتوف : " إن شاتوف واحد من أولئك الروس المثاليين الذي متى اشرقت في نفوسهم فكرة قوية كبيرة بهروا بها و تسلطت عليهم تسلطا تاما قد يدوم في بعض الاحيان إلى الابد ، فلا يصلون يوما إلى السيطرة على هذه الفكرة التي اصبحوا يعتنقونها اعتناقا عنيفا . فحياتهم كلها تنقضي بعد ذلك فيما يشبه لتشنجات الكبرى تحت وطأة تلك الصخرة التي سقطت عليهم ذات يوم فحطمتهم نصف تحطيم . "
الاسم : تهافت الستينيين
المؤلف : فوزي كريم
الناشر : دار المدى
عدد الصفحات : 354
الحجم : 4 ميجا
تحميل كتاب تهافت الستينيين
روابط تحميل كتاب تهافت الستينيين
أشترى كتبك الورقية بخصومات كبيرة وتوصيل لباب بيتك
رابط تحميل مباشر - جوجل درايفرابط تحميل فورشيرد
التواصل والإعلان على مواقعنا
قراءة اونلاين
أشترك فى قائمتنا البريدية ليصلك جديد الكتب
تابعنا على الفيسبوك
تابعنا على تويتر
زور موقعنا الجديد – معرفة بلس
زور موقعنا الجديد – عالم الروايات
زور موقعنا – مكتبة دوت كوم
زور موقع ثقف نفسك - حيث الثقافة والمعرفة