‏إظهار الرسائل ذات التسميات مشروع ذو تمويل جماعي .. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات مشروع ذو تمويل جماعي .. إظهار كافة الرسائل

الثلاثاء، 3 فبراير 2015

مهمة ثقافية : تونس المثقفة تنقذ مكتبة من الافلاس وتقدم درسا عربيا مميزا آخر

مهمة ثقافية : تونس المثقفة تنقذ مكتبة من الافلاس وتقدم درسا عربيا مميزا آخر



عن جريدة الحياة .
تونس – خولة العشي


ترفع عبير قامتها النحيلة وتنظر إلى سقف القاعة المليئة بالكتب والخالية من المرتادين. تنظر صاحبة المكتبة الثلاثينية بحيرة إلى الكتب المرصوفة بنظام وتطلق تنهيدة حائرة. أيام قليلة تفصلها عن موعد مغادرة هذا المكان الدافئ والمحبب إلى قلبها. نجحت عبير في تخطي الصعوبات المالية التي واجهتها طيلة السنوات الثلاث الماضية أي منذ إطلاق مشروعها، غير أنها انتهت إلى اليأس والإفلاس.

لم تشذ تونس عن القاعدة في مستوى انخفاض نسب المطالعة في العالم العربي استناداً إلى أرقام قديمة أكدت أن معدل القراءة في البلدان العربية لا يتجاوز 4 في المئة من معدّل القراءة في إنكلترا. وقد زاد اهتمام المواطنين العرب عموماً والتونسيين خصوصاً بمتابعة المواقع الاجتماعية على الإنترنت بعيداً من الكتاب، واستهلك أغلب أوقاتهم التي كان من الممكن أن تخصص للمطالعة. وقد اشتكى عدد من مديري الصحف الورقية في تونس من تراجع نسب المبيعات بسبب اعتماد التونسيين على الأخبار الإلكترونية، ما سبب لبعض المؤسسات الإعلامية أزمة مالية.

في لحظة يأس، أعلنت عبير على صفحتها على «فايسبوك» قرارها إغلاق مكتبتها بعد عجزها عن تسديد ديونها والتخلص من المشاكل المالية العالقة بسبب عدم إقبال التونسيين على شراء الكتب المعروضة أو الاستفادة من التظاهرات التربوية الخاصة بالأطفال التي تنظمها. لم يدر في خلد عبير أن تتحول تدوينتها على «فايسبوك» إلى بارقة أمل جديدة من المحتمل أن تبعث الحياة من جديد في فضائها التجاري- الثقافي، ذاك أن تفاعل مدونين ومثقفين وسياسيين مع أزمة عبير كان سريعاً، فلم تمر ساعات قليلة حتى قام ناشطون بإنشاء صفحة على «فايسبوك» تحت تسمية «ضد غلق المكتبة»، وتحولت الصفحة إلى فضاء للمساندة والتدوين والنقاش حول وضع «الكتاب» في تونس، تضمن نقداً شديداً لإهمال الحكومات المتعاقبة مسألة تنشيط قطاع بيع الكتب، وأيضاً للإقبال الضعيف للتونسيين على المطالعة مقارنة بالبلدان المتقدمة.

الأزمة تحولت بين ليلة وضحاها احتفالية شارك فيها تونسيون من مختلف الأعمار وهدفت، إلى جانب التظاهرات الثقافية، إلى جمع مبالغ مالية بطرق مختلفة لسد العجز المالي الذي أضرّ بالمشروع. وفي حديث مع «الحياة»، روت الصحافية والناشطة المدنية هندة الشناوي مراحل مســاندتها وثلة من الناشطين لعبير خلال أزمتها، فقالت: «في البداية قمنا بالتظاهر داخل المكتبة وأمامها لجعل سكان الحي يحسون بأهمية الحفاظ على هذا المكــسب الثــقافي. ثم شرعنا في دعوة المواطنين إلى شراء الكتب من دون تخفيض، وقد استجاب عدد كـــبير لهذه الدعـــوة وقاموا بدورهم بدعوة أصدقائهم وأقاربهم، الأمر الذي كانت له نتائج إيجابية جداً.

وتحول عدد من الفنانين التشكيليين ورسامي الكاريكاتور الى فضاء المكتبة وقاموا ببيع لوحاتهم وتخصيص إيراداتها لحل الأزمة، إضافة إلى قيام بعضهم برسم بورتريهات لزائري المكتبة وبيعها، ونظمنا عروضاً سينمائية للكبار والأطفال وروايات لقصص الأطفال وغيرها من النشاطات التي عرفت إقبالاً جيداً». ونظم فنانون ملتزمون حفلات موسيقية بعدما عبروا عن رغبتهم في دعم عبير وفي إطلاق رسالة رمزية تفيد بضرورة الاهتمام بجدية بقطاع الثقافة وبيع الكتب من قبل السلطات المختصة وبالاهتمام أكثر بالقراءة من قبل المواطن التونسي.

أكثر من عشرين فناناً من مختلف القطاعات شاركوا في حملة مساندة عبير لمنع إغلاق مكتبتها، من بينهم المناضل اليساري جلبير نقاش والفنان الملتزم ياسر الجرادي والمخرج السينمائي نجيب بالقاضي والكاتب عبد العزيز بلخوجة.

مهمة المساندين لهذه الحملة صعبة ولكنها ليست مستحيلة، فجمع مبلغ مالي لمنع الإفلاس قبل تاريخ 15 شباط (فبراير) المقبل أمر ممكن الحدوث بالنظر إلى حماسة المشاركين في هذه الحملة وإصرارهم على تبني قضية عبير كقضية وطنية، فالأولوية بالنسبة اليهم هي لفت النظر إلى أهمية الكتاب والمطالعة في ظل مطالب شعبية اقتصرت على التركيز على المطالب المادية وأهملت الجانب الفكري والثقافي.