‏إظهار الرسائل ذات التسميات السداسي الأول. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات السداسي الأول. إظهار كافة الرسائل

الأحد، 13 يناير 2013

الاتجاهات الحديثة في إرشاد نزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل



عنوان:الاتجاهات الحديثة في إرشاد نزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل
صنف, فئة:البحوث الإجتماعية
تاريخ:الاحد, 06 يوليو , 2003
المؤلف: -
وصف:الاتجاهات الحديثة في إرشاد نزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل

الاتجاهات الحديثة في إرشاد
نزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل


تأليف
د. أحمد عبد المجيد الصمادي
أستاذ مساعد في قسم علم النفس التربوي
د. عبد القادر عبد الله
مدرس في قسم علم النفس التربوي
والتربية الخاصة ـ جامعة الإمارات

إصدار
مركز البحوث والدراسات

هذا الكتاب
يشهد العالم كل يوم تطوراً جديداً في مجالات العناية بالإنسان في المؤسسات الإصلاحية ومراكز التأهيل المنتشرة في بقاع الدول المتقدمة، حتى لقد تخصصت جملة من المراكز العلمية لمتابعة هذه الشؤون وتسجيل إنجازاتها.
وقد كان مركز البحوث والدراسات الأمنية والاجتماعية منذ بداية تأسيسه يبذل الجهود لمتابعة تأكيد القناعة القائلة بأن الجنوح أو الوقوع في الجريمة مرة واحدة ليس نهاية المطاف بالنسبة لأي فرد من أفراد المجتمع، إيماناً منا بأن توجيه التربية وإعادة التأهيل يمكن أن تحققا الغرض في تمكين الفرد من التخلص من النتائج السلبية التي تترتب على إدانته بارتكاب جرم معين يعاقب عليه القانون.
وإن الدراسات المستفيضة التي هي حصيلة تجارب مجتمعات كثيرة، تؤكد وجهة نظرنا هذه التي ترى أن ما حققه العلم من تقدم قادر على إعادة النظر في التكوين السلوكي لأفراد المجتمع، ومن ثم إمكان العمل على صياغة السلوك الفردي من جديد، بالاعتماد على دراسات وخطط تأخذ على عاتقها مهمة دمج هذا الفرد بمجتمعه بناءً على معطيات جديدة.
فالمجتمع بقوانينه وعاداته وتقاليده مؤهل للنجاح في استيعاب قدرات أبنائه من الأفراد، كما أنه مؤهل لصقلها والتعامل معها بما يؤدي إلى استثمار القدرات الفردية في إقامة الصرح الاجتماعي على أسس راسخة من التكافل والتضامن والإسهام في البناء الحضاري العام.
وقد وقع اختيار المركز على هذا البحث الذي أعده متخصصان يعنيان بالتدريس في قسم علم النفس التربوي بجامعة الإمارات، انطلاقاً من الأهمية التي تستحوذ على مثل هذه الموضوعات في نطاق العمل الشرطي، إضافة إلى حاجة المكتبة العربية إلى تبادل الخبرات حول هذه المسائل.
فالسلوك الجنائي الذي يطالعنا في تصرفات بعض أفراد المجتمع حظي باهتمام في أكثر من دراسة من منجزات مركز البحوث في الإدارة العامة لشرطة أبوظبي، ولكن نعتقد أنه بمتابعة المناقشة في جوانب أخرى متكاملة مع ما تم طرحه يمكن أن نفتح مجالاً واسعاً أمام إبداع طرق مناسبة لإيجاد حلول للمشكلات المحلية في مجتمع الإمارات الذي يضم أعداداً كثيرة من الجنسيات ذات الاتجاهات الاجتماعية والعادات المختلفة.
ولقد أظهرت بحوث هذا الكتاب في تحديد أسباب السلوك الجنائي وعوامله، ومعالجة الجوانب المتعلقة بالوراثة والثقافات والاتجاهات النفسية، أنه لا بد من التسلح بمعلومات نظرية علمية ودقيقة لدى تعامل الجهاز الشرطي مع ظواهر الجنوح، وكذلك بالنسبة لمسألة إعادة التأهيل والحفاظ على التوازن الأمني في المجتمع.
ولذا فإن ما يطرحه المؤلفان من بسط علمي للطرق الحديثة في إرشاد المقيمين داخل مراكز الإصلاح والتأهيل، يضع بين أيدي المشتغلين في هذا القطاع الاجتماعي طرقاً كثيرة تتضمن عدداً من الخيارات التي يمكن اتباعها بحسب الحالة والظرف ووضع الفرد أو المؤسسة الإرشادية.
وإذ نقدم هذا البحث للقارئ العربي، فإننا على ثقة مؤكدة بأنه سيملاً فراغاً في المكتبة العربية، إضافة لتذكيره بضرورة إعادة طرح المشكلات الاجتماعية من منظورات جديدة تبعاً لتقدم العلوم المتخصصة، خلال كل مرحلة من مراحل التطور الاجتماعي.

المقدمـــــــــــة
بدأت العديد من الدول بإعادة النظر في فلسفتها التي ترتكز إليها في التعامل مع السجون والمساجين، لذا بدأت هذه الدول في تغيير المسميات ذات العلاقة، لتستخدم اسم دور الإصلاح والتأهيل أو مراكز الإصلاح، وتسمي المساجين بالنزلاء. جاء هذا التطور والتغير بعد امتداد العناية بالحقوق الإنسانية للنزلاء داخل هذه المؤسسات من جهة، ولثبات عدم جدوى الطرق التقليدية والتي تعتمد العقاب كأساس لها، في تعديل السلوك الجنائي لهؤلاء النزلاء (stumphauzer, 1986) . فقد بدأت العديد من الدول بالبحث عن بدائل ذات فاعلية أكثر وبكلفة اقتصادية أقل، تساعد في التقليل من ظاهرة السلوك الجنائي بمختلف أنماطه وبمساعدة النزلاء على تبني أنماط سلوكية أكثر إيجابية تساعدهم على الاندماج في المجتمع، حيث لاحظ الباحثون أن نسبة العودة إلى مراكز الإصلاح والتأهيل عالية جداً مما يؤكد عدم فاعلية البرامج المستخدمة في فن التعامل مع هؤلاء النزلاء، و يعزز فكرة التجديد والمحاولة في تبني برامج أكثر جدية وأكثر علمية وأكثر فاعلية، وأقل تكلفة اقتصادية، لاسيما أن العديد من هذه الدول بدأت تعاني من ازدحام المراكز مما حدا بها إلى زيادة الموازنة المخصصة لهذه الدور، وبنفس الوقت البحث عن وسائل أكثر فاعلية.
كل هذه العوامل مجتمعة أدت بالمجتمعات المتطورة إلى إعادة النظر في رؤيتها للسلوك الجنائي وبالتالي أساليب التعامل معه، لذا لجأت إلى إحداث كادر وظيفي يكون هدفه مساعدة النزلاء على تعديل سلوكاتهم وإكسابهم سلوكات أكثر إيجابية تساعدهم على الاندماج في المجتمع الكبير. وأطلق على هذه الوظيفية اسم مرشد الإصلاح "Rehabilitaition Counselor" وهو يأخذ على عاتقه مسؤولية تقديم برامج علاجية ووقائية وتأهيلية للنزلاء تمهيداً لدمجهم بالمجتمع وتحويلهم إلى فئة الإنتاج بدلاً من فئة الاستهلاك.
إن إعادة تأهيل نزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل يتطلب توفير الإمكانات المادية والبشرية والتقنية بحيث تتضمن هذه الإمكانات برامج تأهيلية مختلفة يشرف على تنفيذها مرشد محترف ومدرب تدريباً خاصاً في فن مساعدة النزلاء.
حتى ينجح المرشد في تقديم خدمة متميزة وعلى أعلى مستويات الاحتراف لا بد من سن التشريعات والأنظمة التي توفر الجو الإرشادي المناسب من حيث ضمان حد أدنى من السرية وضمان تعاون بقية كادر المؤسسة معه، وضمان توفير الاحتياجات المادية، وضمان حقوق هؤلاء النزلاء بعد مغادرة المركز كحق العمل.
تبحث العديد من الدول العربية عن طرق ومعان لإعادة النظر في طرق تعاملها مع نزلاء هذه المراكز، ونظراً لنقص المكتبة العربية واحتياجها للكتابات التي تساعد في تسليط الضوء على الطرق الجديدة في فن التعامل مع نزلاء دور الإصلاح والتأهيل، يأتي هذا المشروع لسد العجز في المكتبة العربية من جهة، ويهدف إلى تعديل اتجاهات الناس عامة والعاملين في دور الإصلاح والتأهيل نحو النزلاء من جهة ثانية، كما سيساعد في توسيع مدارك العاملين في مجال الإصلاح والتأهيل من حيث وجود طرق أخرى غير ما يمارس حالياً.
تجدر الإشارة إلى أنه في السياق اللاحق ستستخدم كلمة مراكز الإصلاح بدلاً من السجن، والنزلاء بدلاً من المساجين، وكلمة السلوك الجنائي بدلاً من السلوك الإجرامي.
وسنحاول في الصفحات اللاحقة إلقاء الضوء على مفهوم السلوك الجنائي، وأصنافه وعوامله والنظريات الإرشادية في تفسيره، والطرق الإرشادية النفسية الحديثة في فن التعامل معه.
وتجدر الإشارة كذلك أن كلمة المسترشد ستستخدم للدلالة على النزيل، وكلمة النزيل أصلاً تشمل المقيمين داخل دار الإصلاح والتأهيل وهم من صدر بحقهم حكم أو من هم محجوزون على ذمة التحقيق، أحداث جانحون أم راشدون جناة.

الفصل الأول
مفهوم السلوك الجنائي وأنماطه
عند الحديث عن السلوك الجنائي، يصطدم الباحث بمشكلة التعريف المحدد لهذا المفهوم. فهل يجب أن يقتصر التعريف على من يبدي سلوكات يتم بموجبها اعتقاله، وإثبات التهمة عليه، أم يجب أن يقتصر التعريف على هؤلاء الذين يبدون سلوكات معادية لمعايير المجتمع وقيمه، ويعاقب عليها القانون؟ أم يجب أن يقتصر التعريف على هؤلاء الذين ولدوا لأن يكونوا مجرمين ؟
إن مراجعة الأدب العلمي الخاص بالسلوك الجنائي، يشير إلى عدم وجود تعريف واضح محدد جامع شامل، لمفهوم السلوك الجنائي، يتفق عليه معظم الباحثين والمختصين ذوي العلاقة في الميدان. لذلك لا بد لكل باحث من تبني تعريف إجرائي خاص به. لذا فإن الباحثين الحاليين سيتبنيان تعريف تابان "Tappan" والذي يحدد السلوك الجنائي على أنه عمل متعمد لاختراق القانون بدون عذر أو سبب دفاعي، يعاقب عليه من قبل الدولة كجريمة أو كجزاء "Tappan, 1947, p100". فالسلوك الجنائي إذن هو السلوك الذي يخرق القانون بالمفهوم القضائي والذي يتسع ليشمل قطاعاً واسعاً من التصرفات والسلوكات غير القانونية التي تتدرج من القتل إلى مخالفة الإشارة الضوئية.
إن عملية مسح السلوكات الجنائية تشير إلى اتساع مداها، مما حدا بالباحثين إلى تطوير تصانيف عامة تستخدم في أغراض الدراسة، وفي حصر ظاهرة الجناية في وحدات قابلة للملاحظة والمعالجة والرصد، وكذلك تسهل عمليات البحث العلمي، الذي يهدف إلى بناء نظرية معرفية تنظم الحقائق والأفكار التي تخص السلوك الجنائي، وأفضل هذه التصانيف والذي سيتبناه المؤلفان هو تصنيف بارتول (Bartol, 1980). الذي يقسم أنماط السلوك الجنائي إلى:
1 ـ جرائم القتل والاعتداء.
2 ـ الاعتداء الجنسي.
3 ـ جرائم النساء.
4 ـ جرائم ذات علاقة بالمخدرات.
5 ـ جرائم خاصة.
6 ـ جرائم الممتلكات.
ويجب أن لا يغيب عن البال أن هناك بعض الجناة أو المجرمين لا يمكن تصنيفهم ضمن نمط محدد من الجرائم لأن بعضهم يكون قد ارتكب عدة جرائم فيكون في الوقت نفسه مدمناً على المخدرات، ومعتدياً على الممتلكات، ومرتكباً لجرائم الاغتصاب الجنسي.
إن جميع مصادر الحصول على المعلومات عن السلوك الجنائي تتسم بالمحدودية والعجز والنقص. واستعراض أبرز هذه المصادر يؤكد هذه الملاحظة.
تشير المصادر الخاصة بالموضوع أن هناك ثلاثة مصادر تمكن الباحث من الحصول على معلومات عن ظاهرة الجناية أو الجريمة وهي:
1 ـ إحصاءات وتقارير دوائر الأمن العام، والتي تتضمن عمليات البحث والقبض. وعادة هذه الإحصاءات لا تعكس الحجم الحقيقي لظاهرة الجريمة، وإنما تستخدم كمؤشرات فقط.
2 ـ الاستفتاءات التي تعتمد التقرير الذاتي من خلال توزيع الاستبانات التي يتم فيها سؤال الناس عن السلوكات الجنائية التي ارتكبوها، وما حجم هذه السلوكات وطبيعتها وتكرارها؟ هذه التقارير عادة تستخدم لأغراض البحث العلمي، وهي أيضاً محدودة وخاصة في العالم العربي، لطبيعة فهم الناس لأهمية البحث العلمي وثقتهم به، وبمدى سريته، وخاصة في هذا المجال.
3 ـ اتجاه حديث يتم من خلاله توزيع نماذج استبانات على ربات البيوت يسألن فيه عن أنماط الاعتداء الذي يتعرضن له، وتكرار هذه الاعتداءات. وهذه الاستبانات عادة توزع على عينات عشوائية لا تشمل جميع ربات البيوت ولا تشمل جميع أنماط السلوك الجنائي، وإنما تكون الاستبانة حول سلوك جنائي محدد. ونتائج هذه المسوح تستخدم عادة كمؤشرات لدراسة الظاهرة.
ومهما تعددت المصادر وتنوعت تظل الأرقام والإحصاءات الرسمية مؤشرات لحجم ظاهرة السلوك الجنائي، ولا تعكسها حقيقة كما هي، لأن هناك الكثير من السلوكات الجنائية لا يتم ضبطها من قبل الدوائر الأمنية المعنية، حيث أشارت إحدى الدراسات في الولايات المتحدة الأمريكية أن (28%) فقط من الجنايات والجرائم تدخل في الإحصاء الرسمي وأن (72%) لم يتم تسجيلها على الإطلاق. وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن المجتمع الأمريكي مجتمع علمي لديه الإحصاءات الدقيقة والتقنيات والأجهزة المتطورة، بالإضافة إلى الخصائص الثقافية المميزة (Skogan, 1977) فكيف يكون الحال بالنسبة للإحصاءات في دول العالم الثالث.

أسباب السلوك الجنائي وعوامله
إن دراسة السلوك الجنائي يمكن أن تتم من زوايا متعددة، وكل زاوية تسلط الضوء على جانب من جوانب هذه الظاهرة، وتقدم لنا مفهوماً خاصاً مميزاً للظاهرة تحت الدراسة. فدراسة السلوك الجنائي يمكن أن تتم من وجهة نظر علم النفس وتكشف لنا عن الأبعاد النفسية والدوافع والأسباب الداخلية التي تكمن وراء مثل هذا السلوك. كما يمكن أن تتم دراسة السلوك الجنائي من وجهة نظر انثروبولوجية ثقافية وتكشف لنا عن العوامل الثقافية التي تحكم مثل هذه الظاهرة. أما الدراسة الاجتماعية لمثل هذه الظاهرة فتسلط الضوء على البعد الاجتماعي والعلاقات الاجتماعية التي تكمن وراء مثل هذا السلوك. أما الأطباء النفسانيون فسيكون محط تركيزهم على العوامل والأسباب العقلية والفيزيولوجية والوراثية التي تحكم السلوك الجنائي. وحتى عالم الاقتصاد له ما يقوله في دوافع وعوامل وظروف مثل هذا السلوك في ظل مجتمع تسود فيه العوامل الاقتصادية وتحكم معظم ظواهره سواء كانت اجتماعية أم نفسية أم سياسية.
إن اختلاف الرؤية وتعدد الزوايا يسلطان الضوء على جميع جوانب السلوك الجنائي، ويقدمان لنا نظرة شاملة متكاملة حول طبيعته وعوامله وظروفه، لأن هذه المعارف تكمل بعضها البعض وتشكل حلقة متكاملة (Bartol, 1980). وفي هذا الجزء من الموضوع سنتناول جميع العوامل والمتغيرات التي تؤدي إلى ارتكاب السلوك الجنائي.
تجمع المصادر والمراجع إلى تصنيف العوامل والمتغيرات ذات العلاقة بالسلوك الجنائي إلى ثلاث فئات:
1 ـ فئة العوامل الجينية والوراثية.
2 ـ فئة العوامل الثقافية والاجتماعية والاقتصادية.
3 ـ فئة العوامل النفسية التي تكمن داخل الفرد.
تجدر الإشارة إلى أن دراسة السلوك الجنائي كمتغير تابع ناتج عن هذه العوامل والمتغيرات المتفاعلة فيما بينها. حيث تتفاعل الأسباب والعوامل الجينية مع العوامل النفسية لتسمى بالعوامل النفس ـ بيولوجية، كما تتفاعل العوامل الاجتماعية مع العوامل النفسية لتنتج عوامل النفس ـ اجتماعية وتتفاعل كل هذه العوامل مع بعضها البعض لتنتج عوامل جديدة تؤدي إلى جنوح الأحداث أو السلوك العدائي على الآخرين والممتلكات إلى غير ذلك من السلوكات الجنائية.
أولاً: فئة العوامل الجينية والوراثية :
ساد الاعتقاد في أواخر القرن الماضي بأن هناك أشخاصاً يولدون مجرمين، بمعنى أن لديهم سمات وخصائص فيزيولوجية موروثة تجعل منهم جناة. وقد توج هذا الاعتقاد عالم انثروبولوجيا الجريمة الطبيب الإيطالي سيزار لامبروسوا (Cesare Lambroso, (1836-1909)) الذي تأثر إلى حد بعيد بأعمال داروين. لقد اعتقد لامبروسوا أن هناك بعض الأشخاص يولدون ولديهم قوى واستعدادات ومورثات لأن يتصرفوا بطريقة مناهضة للمجتمع. إن الجاني لم يتطور ما فيه الكفاية ليلحق بالإنسان السوي العادي.
ولتأكيد فكرته قام لامبروسوا بجمع معلومات هائلة عن الخصائص الجسمية للمساجين وقارنها مع الأسوياء من أفراد الجيش الإيطالي وتوصل من المقارنة إلى أن الجناة يتميزون بصفات جسمية مثل : أنف مفلطح، سعة الآذان، جمجمة غير متوازنة، عيون منغولية، سعة الفك العلوي، شفاه كبيرة (Savitz, 1972).
ونتيجة للنقد اللاذع الذي تعرضت له نظرية لامبروسوا فقد عدل وجهات نظره ليقول إن (33%) من الجناة ولدوا كذلك. ومع ذلك كان لامبروسوا لا ينكر دور العوامل البيئية التي لها أثر ذو دلالة في نمو وتطور بعض أنواع السلوك الجنائي (Wolfgang, 1972).
إلا أن دراسات أخرى مثل دراسة تشارلز جورينج (Charles Goring, 1972) التي قام فيها بقياسات جسمية لـ (3000) محكوم إنجليزي مقارنة مع (3000) غير محكوم، لم تجد فروقاً ذات دلالة. كما أن بعض الدراسات التي تم إنجازها على التوائم المتماثلة والتوائم المتباينة أكدت وجود علاقة بين السلوك الجنائي والتركيب الجيني للفرد. (Eysenck & Gudjonsson, 1989) لذلك يجب النظر إلى الوراثة كعامل حاسم وقوي في تحديد السلوك الجنائي (Bartol, 1980). على الرغم من دعوة بعض الباحثين إلى اعتبار السلوك الجنائي نتاج تفاعل الوراثة مع البيئة واعتباره سلوكاً كأي سلوك يصدر عن شخصية الفرد (Krech, Crutchfied & livson, 1974) على اعتبار أن شخصية الفرد هي تفاعل دالة الوراثة مع دالة البيئة (سلامة وعبد الغفار، 1980).
ثانياً: فئة العوامل الثقافية والاجتماعية والاقتصادية :
لاحظنا أن العوامل الوراثية والعوامل الفيزيولوجية تلعب دوراً حاسماً في تحديد السلوك الجنائي. وهي كذلك تلعب دوراً مهماً في تحديد إمكانية الفرد على التعلم والاستفادة من الخبرة، بل وتحدد الفروق بين الأفراد في مدى استفادتهم من هذه الخبرات. فالشخص الجاني هو إنسان نشط وقادر على حل مشكلاته، حيث أنه يدرك المتغيرات ويترجمها ويستجيب لها بطريقته الخاصة. وتلعب البيئة دوراً يشمل الظروف المحيطة وفرص التعلم، والأشخاص المهمين في حياة الفرد.
وإذا نظرنا إلى السلوك الجنائي على أنه نمط تكيفي أكثر من أنه سلوك منحرف، فهذا يوفر لنا فرص نجاح أكبر في اكتشاف أسبابه الرئيسة (Bartol, 1980). يمثل السلوك غير القانوني استجابة فاعلة في بعض الظروف البيئية لدى بعض الأفراد. وكذلك السلوك الجنائي قد يمثل الطريقة الوحيدة لبقاء بعض الأفراد ضمن ظروف اقتصادية واجتماعية محددة.
كما يعتقد البعض أن العنف هو الطريقة الوحيدة للدفاع عن الشرف والذات أو لتحقيق غايات وأهداف، فالفرد هو الشخص الوحيد الذي يحدد ما السلوك المناسب للموقف المناسب. لقد ثبت في حقيقة الأمر وفي غالب الأحيان أن بعض الأفراد يتصرفون بعنف لأنهم يعتقدون أن طريقة العنف ولأسباب متعددة أثبتت فعاليتها في مواقف مماثلة لأنفسهم وللآخرين الذين يلاحظونهم في نفس الموقف. إن مثل هؤلاء الأشخاص قد تعلموا من خلال الملاحظة أن العنف والسلوك الجنائي قد يحقق بعض الأهداف الشخصية. كذلك يعتقد هؤلاء الأفراد أن خياراتهم السلوكية محددة في مواقف يغلب عليها الضغط والصراع، ويرون العنف والعدوان كطريقة وحيدة للخروج من هذه  الحالة. فعلى سبيل المثال الأشخاص من ذوي الدخل المتدني أو الذين لم يحصلوا على التعليم قد لا يكون لديهم قدرات لفظية أو المهارات الاجتماعية للتعامل مع المواقف المستجدة والباعثة على الإحباط والضغط والصراع. وفي المقابل لديهم خبرات بدائية ومهارات مباشرة كالضرب مثلاً أو الطعن أو الرمي بالرصاص كطريقة للتعامل مع الآخرين للخروج من المآزق، لذلك ما يبدو غير منطقي ويظهر من مظاهر العنف للبعض منا، يبدو طريقة مثلى في التعامل مع الآخرين لدى الجناة والجانحين. إن جميع السلوكات الجنائية هي متعلمة، ولكن البعض ولسمات وخبرات شخصية يتعلمها أفضل من الآخرين. وإن أنماط التعلم المختلفة تلعب دوراً حاسماً في اكتساب السلوك الجنائي.
ففي التعلم الإجرائي يسلك الفرد حسب مبدأ الإقدام على اللذة وتجنب الألم. فالسلوكات التي تجلب لنا اللذة أو تجنبنا الألم يتم تعلمها وتخزينها وتكرارها. والسلوكات التي تجلب لنا العقاب والألم يتم انطفاؤها واختزالها. فالسلوك محكوم بعواقبه (الخطيب، 1988). فنتائج السلوك قد تكون مادية كالحصول على مكافآت مادية أو نفسية كالشعور بالفرح أو اجتماعية كالترقية من حلقة إلى أخرى. فالسلوكات غير الاجتماعية تخضع لنفس مبدأ السلوكات الاجتماعية وتحكمها نفس القوانين. فالسلوك الجنائي الذي يرتكبه بعض الناس قد يؤدي إلى نتائج مرغوبة من قبلهم. فالفرد قد يسرق حتى يحصل على أشياء مادية أو قد يغش للوصول إلى الهدف بأقصر طريقة، وقد يقتل للحصول على هدف منظور.
وفي التعلم الاجتماعي يسلك الفرد بناء على ثلاث مجموعات من العمليات العقلية والإدراكية التي تتوسط دخول المثير إلى الدماغ وإصدار الاستجابة المناسبة. ضمن هذه العمليات العقلية يدخل ما يعرف بالتوقعات التي تحكم سلوك الفرد عند روتر والتعلم بالملاحظة توقعاً للحصول على التعزيز عند باندورا (Bandura, 1980). إن دراسات باندورا عن تعليم السلوك العدواني عند الأطفال من خلال مشاهدة برامج التلفاز خير مثال على هذا النمط من التعلم.
ثالثاً : فئة العوامل النفسية :
يجب التمييز بين الشخصية السيكوباتية الحقيقية والشخصية الذهانية أو العصابية أو المضطربة عاطفياً. الشخصية السيكوباتية الحقيقية تتصرف بطريقة دافئة، جذابة، تتصف بالعناد والتشبث بالرأي، يتوقع الحصول على ما يريد من المجتمع، يرفض النصيحة، عنيدة، انخفاض في رد الفعل العاطفي والانفعالي، صعبة الانجذاب. وإذا وقعت الشخصية في السلوك الجنائي فإنها تصبح أكثر صعوبة للإصلاح. وتشير الدراسة الفيزيولوجية إلى أن الشخصية السيكوباتية تختلف فيزيولوجياً عن بقية الناس، وتتمتع بصعوبة الاستثارة والانتباه الذي يفسر صعوبة تعلمهم للقوانين الاجتماعية. كذلك لوحظ أن معظم الأشخاص الذين يعانون من شخصيات سيكوباتية لديهم موجات دماغية غير عادية تتسم بالبطء تشبه موجات دماغ الطفل، مما يشير إلى أن الجهاز العصبي لديهم غير مكتمل النمو. كذلك تتضمن موجات الدماغ إشارات ذات علاقة بالعدوان وموجات هجومية مما يشير أن هؤلاء قد يكونون مولدين ولديهم الاستعداد لأن يكونوا كذلك (Bartol, 1980).
تشير الدراسات حول طفولة ذوي الشخصية السيكوباتية إلى أنهم كانوا يتمتعون بالنشاط والحركة الزائدتين. فذوو الشخصية السيكوباتية لا يستجيبون للتهديدات والعقاب مثل زملائهم العاديين. لذلك لا يتعلمون توقعات المجتمع وقوانينه. كذلك إن فقدان أحد الوالدين من العوامل المسببة في تطور الشخصية السيكوباتية، هذا بالإضافة إلى العقاب وخبرات الطفولة المؤلمة ورفض الوالدين للطفل (Cleckley, 1976) وكذلك تدليل الوالدين للطفل.
عوامل تطورية : جنوح الأحداث :
يعرف جنوح الأحداث بأنه سلوك لا يقبله المجتمع يصدر من الفرد دون السن القانونية يؤدي بصاحبه إلى القبض عليه نتيجة سلوكه الجانح.
وتؤكد الدراسات والبحوث أن المجرمين كان في تاريخ حياتهم سلوكات جانحة. فالمجرم له تاريخ في الجنوح، ولكن ليس كل جانح سيصبح  مجرماً (Bartol, 1980).
والسلوكات الجانحة كالتخريب والاعتداء على ممتلكات الغير وسرقة السيارات والهروب. تشير الإحصاءات في بعض الدول وخاصة الولايات المتحدة أن واحداً من كل تسعة أطفال سيحال إلى محكمة الأحداث مرة قبل سن الثامنة عشر على الأقل.
مع نمو الطفل فإنه يتجه نحو اكتساب السلوكات وتخزينها للاستعمال المستقبلي. وقد لوحظ وجود أدلة واضحة على أن سلوك الجنوح تبدأ بوادره مع الطفولة، واتضح بأن الأطفال الذين لديهم استعداد للجنوح يتصفون بأنهم عدوانيون، لا يحترمون من يتعامل معهم، سلبيون ضد رموز السلطة، مندفعون، لا يتحملون المسؤولية.
خلال سنوات المدرسة المتوسطة يتسم تحصيلهم الأكاديمي بالضعف وعادات عمل سيئة، تخطيط سيئ، يبدون سلوكات تهدف إلى جلب الاهتمام. ومع نهاية الصف التاسع يبدون السلوكات التي تدل على الجنوح كالتخريب والهروب، وسرقة السيارات، ويتجهون نحو مخالفة قوانين وتعليمات المدرس.
أبرزت العديد من الدراسات والأبحاث العلاقة بين السلوك الجانح والعديد من المتغيرات كالتصدع المنزلي والأسري، الرسائل المزدوجة المضطربة من الوالدين، تذبذب أساليب التربية من الوالدين، التهور والاندفاعية، والذكاء المتدني. كلها سمات ارتبطت بالسلوك الجانح. كما أشارت الدراسات إلى أن إدمان أحد الوالدين على الكحول، وإهمال الوالدين للطفل، ومشكلات الأسرة المادية. في مثل تلك الأحوال فإن الطفل سيتجه إلى الخارج (الشلة) أو الشخصيات على شاشة التلفاز ليقلدها. كما أثبتت الدراسات أن العقاب الجسدي المؤذي (Button, 1977) له علاقة بجنوح الأحداث.
العلاقة بين المرض العقلي والسلوك الجنائي :
لا شك في أن بعض المرضى العقليين يبدون سلوكات جنائية، كما أن العديد من الجناة يتبين أن لديهم مرضاً عقلياً من نوع ما. لكن لا يعني ذلك أن العلاقة بين السلوك الجنائي والمرض العقلي علاقة سببية، ولكنها قد تكون علاقة ارتباطية (Eysenck & Gudjonsson, 1989).
لخص برنز (Prins, 1980) العديد من الدراسات التي تحاول فحص طبيعة الأمراض العقلية في دور الإصلاح، حيث صنف الدراسات على ضوء المرض العقلي وكشفت تحليلاته تبايناً شاسعاً حسب نسبة كل مرض. فعلى سبيل المثال إن نسبة من يعانون من شخصية سيكوباتية قد تراوح بين (5.6% ـ 70%)، والمدمنون على الكحول (11% ـ 80%)، والعصاب (2% ـ 8%)، الذهان (0.5% ـ 26%). كما كشفت إحدى الدراسات أن ثلث الجناة في مؤسسات الإصلاح والتأهيل يعانون من اضطراب نفسي من نوع معين (Robentson, Dell, and Way, 1978).
ووجدت دراسة حديثة نسبياً أن الجناة الذين يعانون من أمراض عقلية في الولايات المتحدة يشكلون (3.2%) من المقيمين داخل هذه المؤسسات (Monhan & Monhan, 1986).
كما لوحظ أن الجناة الذين يعانون من مرض عقلي ينجذبون نحو السجون والمستشفيات بينما الجناة العاديون على خلاف ذلك (Howells, 1982).
وباختصار تشير معظم الدراسات أنه لا علاقة بين الصحة العقلية والسلوك الجنائي (Eysenck & Gudjonsson, 1989) .

الفصل الثاني
نظريات الإرشاد والسلوك الجنائي
ينطلق المرشدون في تعاملهم مع المقيمين داخل دور الإصلاح والتأهيل من نظريات إرشادية تستند إلى افتراضات أساسية حول الطبيعة الإنسانية. وتحتوي مجموعة من المفاهيم الأساسية حول السلوك الإنساني لتفسيره، وترسم أساليب التعامل معه. إن نظريات الإرشاد هذه تشكل لبنة أساسية لعمل المرشد، فهي خريطة العمل الإرشادي، حيث بوساطة الإطار النظري يستطيع تشخيص حالة المسترشد وتحديد نقاط الضعف لديه والاتجاه الذي يجب أن يسلكه كل من المرشد والمسترشد والمدى الذي سيذهبان إليه (الصمادي وآخرون، 1993).
ظهر في تاريخ مهنة الإرشاد النفسي مجموعة كبيرة من الطرق والنظريات الإرشادية بحيث يفوق عددها 120 نظرية إرشادية (Corsini, 1984). كل نظرية تحاول تفسير السلوك الإنساني من زاويتها الخاصة، كما تحدد ملامح وأساليب العملية الإرشادية الخاصة بها، مما يعطيها أسلوباً متفرداً.
إن دراسة بعض من هذه النظريات لا يسد بأي حال ولا يغني عن دراسة المزيد منها، لأن كل هذه النظريات تكمل بعضها البعض وتعطي بعداً جديداً للعملية الإرشادية. ولكن سيقتصر الحديث في هذا الفصل حول أبرز أربع نظريات معاصرة سيطرت على الميدان وربما لعقدين قادمين. سيتم دراسة كل نظرية من حيث المفاهيم الأساسية وتطور الشخصية السوية واللاسوية وتفسير السلوك الجنائي وأهداف العملية الإرشادية. وتشمل هذه النظريات :
أولاً : نظرية التحليل النفسي.
ثانياً : نظرية المدرسة السلوكية.
ثالثاً : نظرية العلاج المتمركز حول الفرد.
رابعاً : نظرية الضبط والعلاج الواقعي.
أولاً : نظرية التحليل النفسي :
صاحب هذه النظرية هو الطبيب النمساوي سيجموند فرويد (Sigmond Frued 1856-1939)، حيث أصبح طبيباً عام 1881، يعمل في مختبرات آرنست فون بروك في معهد الفيزيولوجيا في النمسا. إلا أن فقره المادي دفعه لترك البحث العلمي ليتجه للعمل في الميدان الطبي. حيث غادر المعهد عام 1882 ليعمل طبيباً باطنياً وباحثاً في علم الأعصاب. عام 1885 ذهب إلى فرنسا ليتدرب على يد تشاركوت (Charchot) أستاذ الطب النفسي في باريس، وتعلم على يديه التنويم المغناطيسي. عام 1886 عاد فرويد إلى النمسا ليمارس الطب والعلاج بالتنويم المغناطيسي. عام 1890 بدأ فرويد يمارس طريقته وصديقه جوزيف بروير (Bruer) في العلاج القائم على التفاعل اللفظي بين الطبيب والمريض، ونشر معه دراسات حول الهيستيريا. عام 1900 أسس فرويد ما يعرف بجماعة التحليل النفسي، عام 1905 أصدر فرويد كتاب "تحليل الأحلام" كما أصدر العديد من المؤلفات إلى أن توفي بنوبة قلبية عام 1939 (Corsini, 1984).
مكونات الشخصية :
افترض فرويد أن الشخصية الإنسانية تتكون من ثلاثة عناصر رئيسة هي : الهو والأنا والأنا الأعلى.
فالهو (Id) في رأي فرويد هي مصدر الطاقة النفسية والدوافع الإنسانية، ومقر اللبيدو (Libido) التي يعتبرها مصدر الطاقة الجنسية. كما يعتبرها مصدر غريزتي الحياة والموت، واللتين يعتبرهما فرويد مصدر النشاط الإنساني. فالهو في رأي فرويد تمثل النبضات والدفعات الحيوانية والشهوانية التي لا تعرف حدود الواقع أو المنطقية أو المعقول. والأنا (Ego) وهي مركز الشخصية الإنسانية ومصدرها وهي مقر تحليل المعلومات واتخاذ القرارات، حيث من خلالها يتصل الفرد مع عالم الواقع، فهي مصدر الضبط والشكل الذي يبدو عليه الفرد أمام الآخرين. تنمو الأنا من خلال تفاعل الفرد مع المحيط، حيث يتعرف الفرد على حدوده وطاقاته وإمكاناته وقدراته، وبالتالي يطور مفهوماً لذاته بناءً على تلك القرارات. وتعمل الأنا عادة على ضبط دوافع الهو ونوازع اللبيدو، فهي تمثل الحكومة التي تشرف على تطبيق القوانين والتشريعات لضبط الأمور.
أما الأنا الأعلى (Super Ego) فتمثل مجموع القيم والمثل العليا والمعايير الاجتماعية، التي يكتسبها الفرد من الوالدين، والمؤسسات الدينية التي تعمل على زرع هذه القيم. وفيها ينمو ويستقر ضمير الفرد الذي يحدد مفاهيم الحرام والحلال، ومفاهيم الخطأ والصواب، وما يجوز وما لا يجوز. وفي رأي فرويد تتطور الأنا الأعلى فيما بعد عندما يستطيع الفرد إدراك هذه المفاهيم (Corsini, 1984 ).
تتفاعل هذه المكونات في رأي فرويد على شكل منظومة حيث تزود الهو الشخصية بالدافع والطاقة النفسية لتحقيق الرغبات وتضع الأنا الأعلى الضوابط والقوانين التي تحمي المجتمع من هذه الرغبات، تأتي الأنا لتتوسط فيما بين دوافع الهو ومتطلبات الأنا الأعلى ليحل الصراع بشكل منطقي ومعقول بحيث يرضي الطرفين. لذا تعمل الأنا على خلق حالة التوازن (Corsini, 1984). فعلى سبيل المثال تمد الهو المراهق بالطاقة النفسية للبحث عن لذة الجنس وبأي شكل من الأشكال، عندها تتدخل الأنا الأعلى التي تقول له حرام ولا يجوز وغير مقبول من المجتمع الذي تعيش فيه. وفي هذه اللحظة تتدخل الأنا لتقول للفرد فكر في الزواج الذي بوساطته تشبع حاجاتك الجنسية وترضي شروط المجتمع ومطالبه.
أما فيما يتعلق بالحياة النفسية، فقد تحدث فرويد عن ثلاث مستويات هي : الشعور، وما قبل الشعور، واللاشعور، وقد شبه فرويد هذه المستويات من الوعي على شكل جبل من الجليد يطفو في المحيط كما في الشكل :
ففي الشكل تمثل كمية الجليد التي تطفو فوق سطح ماء المحيط الشعور وهو الذي يمثل الافكار التي نعيها ونتذكرها في أي لحظة نريد وهذه تمثل (4.5%) فقط من مستويات الوعي. أما خط التماس مع سطح الماء فيمثل ما قبل الشعور والذي هو عبارة عن أفكار يمكن تذكرها ولكن ليس في أي لحظة نريد وهذه تمثل أقل من (0.5%) من أفكارنا (Shelling, 1984). أما الباقي من مستويات الوعي، والذي يمثل (95%) فيمثل اللاشعور الذي هو عبارة عن أفكار دفنت في هذه المنطقة نتيجة خبرات الطفولة المنسية، وهي مجرد دوافع أفكار لا يمكن تذكرها إلا بوساطة التحليل النفسي وتظهر أحياناً في زلات اللسان وفي الكوابيس والأحلام الليلية. ويرى فرويد أن (95%) من سلوكاتنا دوافعها لا شعورية، وأن سلوك الإنسان محكوم باللاشعور ولذلك وضعت الإنسان بحتمية خضوعه لللاشعور. ويعتقد فرويد أن الكائن الإنساني يمر خلال حياته بمراحل نمو نفس ـ جنسية كما يلي :
1 ـ المرحلة الفمية والتي تبدأ منذ الولادة حتى نهاية السنة الثانية وفيها يكون مصدر الامتاع بالنسبة للطفل بوساطة الفم. فهو يضع كل شيء إذا أعطيته إياه في فمه.
2 ـ المرحلة الشرجية : وهي تبدأ قبل نهاية السنة الثانية وتستمر حتى السنة الثالثة تقريباً. وفيها يستمتع الطفل بعمليات ضبط الإخراج والشعور بضبط الذات والحس بالنظافة الجسدية.
3 ـ المرحلة القضيبية : وتبدأ من سن الرابعة وتستمر حتى سن الخامسة تقريباً وفيها يكتشف الذكور بأنهم ذكور وتكتشف البنات بأنهن بنات. وفي هذه المرحلة تنتشر عند الذكور عقدة أوديب والتي فيها تنتاب الذكر مشاعر المنافسة مع الأب نحو الأم، وتنتشر عند الإناث عقدة إلكترا وفيها تنتاب الإناث مشاعر المنافسة مع الأم نحو الأب.
4 ـ مرحلة الكمون والتي تستمر من الخامسة حتى سن الحادية عشرة أو الثانية عشرة، وفيها تخمد المشاعر الجنسية عند الطفل ليتفرغ للنواحي الاجتماعية مبتدئاً بالانضمام إلى جماعة اللعب واكتساب عادات ومهارات اجتماعية. فيلعب الصبيان مع الصبيان وتلعب الإناث مع الإناث.
5 ـ مرحلة المراهقة والتي تبدأ من سن الثانية عشرة وتستمر حتى نهاية الثامنة عشرة أو التاسعة عشرة. وفيها ينضج الفرد جنسياً وتعود مشاعر الانجذاب نحو الجنس الآخر، وفيها النزعة للاستقلالية وأزمة تشكل الهوية (Marsella & Corsini, 1982).
ديناميكيات الشخصية :
يرى فرويد أن وظيفة الأنا التوسط بين دوافع الهو وضوابط الأنا الأعلى. كذلك يؤمن فرويد بمبدأ حفظ الطاقة الذي يقول : إن الطاقة لا تفنى ولا تتبدد وإنما تتحول من حالة إلىأخرى، لذلك إذا قامت الأنا بدفع بعض مشاعر الهو إلى اللاشعور فإنها لا تخفت ولا تنتهي وإنما ستتحول إلى نمط آخر من أنماط السلوك. ولتتمكن الأنا من التوسط بين الهو والأنا الأعلى ستستخدم ما يعرف بحيل الدفاع أو ميكانزمات الدفاع وهي :
1 ـ التسويغ : وفيه يحاول الفرد إعطاء مبررات منطقية ومقنعة للآخرين لفشله في تأدية واجبه كأن يبرر عدم دراسته ليلة الامتحان بأنه كان عنده ضيوف.
2 ـ الكبت : وهو محاولة تناسي الدوافع ودفعها إلى عالم اللاشعور كأن يكف الفرد عن مواجهة الطرف الآخر ويحاول تناسي الأمر.
3 ـ الإزاحة : وهو محاولة الفرد توجيه اللوم إلى شخص آخر غير مصدر القلق الحقيقي كأن توجه الأم غضبها إلى أطفالها بدلاً من زوجها.
4 ـ التقمص : وهو محاولة الفرد تقليد شخص يتمتع بصفة محببة لديه ويكون هذا الفرد عاجزاً عن امتلاك تلك الصفة. كأن يحب الفرد أن يكون عادلاً ولعجزه يحاول تقمص شخصية تاريخية.
5 ـ الإسقاط : لعجز الفرد عن مواجهة نفسه بحقيقة ذاته فإنه يلقي ما بنفسه على الآخرين فالبخيل يتهم الناس بالبخل.
6 ـ رد الفعل المعاكس : ليخفي الفرد حقيقة ذاته يلجأ إلى إظهار عكس مشاعره فالبخيل في طبعه قد يتظاهر بالكرم المبالغ فيه.
7 ـ النكوص : وهو العودة إلى مرحلة سابقة من مراحل النمو الجنسي. فالمراهق إذا أحس بالفشل فإنه يتقهقر إلى مرحلة كان فيها سعيداً جداً ألا وهي المرحلة الفمية. فحين الأزمات يلجأ الفرد إلى سلوكات تذكره بالمرحلة الفمية كأن يلجأ إلى التدخين أو الأكل.
8 ـ التسامي : هو تفريغ الفرد للطاقة من مجالات غير مرغوبة أو محمودة في مجالات مرغوبة ومحترمة كتفريغ الطاقة الجنسية من خلال الصيام والرياضة.
9 ـ التعويض : يلجأ الفرد إلى التعويض عن مشاعر النقص لديه من خلال التركيز على نشاط يظهر فيه تفوقه وإبداعه. فمثلاً طه حسين ركز على الجهود العقلية وأبدع في الأدب تعويضاً عن فقدانه البصر.
10ـ الإنكار : عند فشل الفرد في تقبل الحقيقة يحاول عدم تصديقها فينكر حدوثها كالأم التي فقدت ابنها فإنها لا تصدق وفاته في البداية.
11 ـ التخيلات والأوهام : وفيها يميل الفرد إلى تركيب صور وخيالات وهمية يركب فيها أو يتخيل نفسه في مواقف وإشباعات لم يكن بمقدوره أن يحققها في الواقع ومنها أحلام اليقظة والأحلام الليلية.
12 ـ العدوان : وهو نزعة الفرد نحو تدمير الذات أو الآخرين أو الممتلكات كطريقة للتنفيس الانفعالي والتعبير عن الدفعات المكبوتة (Shilling, 1984 , Marsella Consini, 1983).
يرى فرويد أن كل واحد منا يستخدم هذه الحيل بين الحين والآخر للحفاظ على محيط داخلي متزن نسبياً لضمان نجاح الأنا في التوسط بين الهو والأنا الأعلى. ولكن يبدأ الانحراف النفسي عند الفرد عندما تفشل الأنا في التوسط بين الهو والأنا الأعلى، أو عند المبالغة في استخدام إحدى حيل الدفاع آنفة الذكر. فإذا سيطرت الهو فإن الفرد يصبح شهوانياً، حيوانياً، عدوانياً، بهيمياً، وإذا سيطرت الأنا الأعلى وعاش الفرد في المثل فقط فإن في ذلك فناء الشخصية ومخالفة صريحة لمبدأ الكون. إن سيطرة إحدى حيل الدفاع، تعني هروب الفرد من الواقع. فعلى سبيل المثال: إذا حاول الفرد الكبت دائماً فإنه سيعاني من أمراض هستيرية لأن الكبت سيتحول إلى أحد أعضاء الجسد ويظهر على شكل مرض.
أسباب السلوك الجنائي :
تنظر مدرسة التحليل النفسي إلى السلوك الجنائي على أنه اضطراب في الشخصية، حيث تفشل الأنا بالتوسط بين دوافع الهو وتوقعات الأنا الأعلى. إنه شكل من أشكار انهيار الشخصية وفقدان الأنا القدرة على القيام بوظائفها. فالسلوك الجنائي تعبير صارخ لدفعات الهو وشكل من أشكال تحقيق الرغبة المنبثقة من غريزة الموت التي تجد بالعدوان أسلوباً للتعبير عن هذه الغريزة. هذا السلوك العدواني قد يصل إلى حد الاعتداء على الذات أو الآخرين أو الممتلكات. وقد يسلك الفرد طرقاً أخرى كأن يلجأ إلى سلوكات جنسية متطرفة وغير مشروعة من المجتمع بارتكاب جرائم الاغتصاب أو جرائم المخدرات. إنها أساليب تهدف إلى تحقيق الرغبات المنبثقة عن الهو، ولكن بطريقة تعبر عن فقدان الأنا في السيطرة على هذه الدوافع. هذه الانحرافات أو السلوك قد ينبثق عن ضعف الأنا الأعلى وفقدان الضمير.
بشكل عام يمثل السلوك الجنائي طريقة سالبة لتحقيق دفعات الهو، بحيث يسلك الفرد بطريقة مضادة لما يمثله المجتمع من قيم ومعايير ومثل وأخلاق وضمير.
أهداف العملية الإرشادية داخل السجون:
لم يتحدث فرويد عن أساليب واستراتيجيات وأهداف العملية الإرشادية مع المجرمين داخل السجون (Lillyquist, 1980). إلا أن ذلك لا يمنع من اشتقاق أهدافها من خلال النظر إلى البناء العام لنظرية التحليل النفسي.
فالعملية العلاجية كما ترسم معالمها كتابات التحليل النفسي تهدف إلى ما يلي :
1 ـ تقوية الأنا الأعلى وبناء الضمير لدى الجاني.
2 ـ خلق حالة من الوعي الداخلي لطبيعة الدوافع التي تكمن وراء سلوك الجاني.
3 ـ بناء أنا قادرة على ضبط دفعات الهو والتعبير عنها بطرق أكثر إيجابية.
يتم ذلك من خلال علاقة المعالج بالجاني، والتي تتسم بعلاقة الأب بابنه من حيث الألفة والاحترام والتفاهم.
ثانياً : نظرية العلاج المتمركز حول الفرد :
بدأ تاريخ نظرية العلاج المتمركز حول الفرد مع كارل روجرز عندما بدأ الإرشاد والعلاج النفسي وتتضح معالم هذه النظرية بشكل أولي في كتابه "الإرشاد والعلاج النفسي" سنة 1942م. ولد كارل روجرز عام 1902، وحصل على درجة البكالوريوس من جامعة وسكانسن عام 1924، وحصل على شهادة الماجستير عام 1928 والدكتوراه عام 1931 من جامعة كولومبيا. وعمل اختصاصياً نفسياً من عام (1928-1938) في قسم دراسة الطفل في مدينة روشستر في ولاية نيوجرسي. ثم التحق بجامعة أوهايو في الولايات المتحدة بين عام (1940-1945). ثم التحق بجامعة شيكاغو عام 1945 كأستاذ لعلم النفس الإكلينيكي، ثم عام 1957 عمل أستاذاً لعلم النفس العيادي في جامعة وسكانسن. ثم التحق بجامعة ستانفورد بين (1962-1963). حيث انضم إلى جماعة معهد العلوم السلوكية الغربي في كاليفورنيا عام (1968) وأسس مع آخرين مركزاً لدراسات الفرد. وبقي هناك إلى أن توفي عام 1989 (الصمادي وآخرون، 1993).
لقد ألف روجرز العديد من الكتب مثل المعالجة العيادية لمشاكل الأطفال، والإرشاد والعلاج النفسي، والعلاج المتمركز حول العميل، وليصبح شخصاً، وتغيرات الشخصية، والعلاقات العلاجية وآثارها، وروجرز وجماعات المواجهة (Corsini, 1984).
بناء الشخصية :
يعتقد كارل روجرز أن الإنسان يولد مطبوعاً على الخير والانسجام والاتزان ولديه نزعة لتحقيق الذات والصيرورة لأن يكون، كما أنه يولد وهو مزود بعمليات تقييمية. والشخصية الإنسانية تتكون من ثلاثة عناصر رئيسة هي :
أ ـ العضوية : ويقصد بالعضوية الإنسان نفسه بجميع أبعاده وبخاصة البيولوجية ، بشحمه ولحمه ودمه وعظامه. فالعضوية تحاول باستمرار إشباع حاجاتها أثناء تفاعلها مع البيئة الخارجية، وبالأخص حاجاتها الأساسية من مثل تحقيق الذات التي تعتبر في رأي روجرز المحور الرئيس الذي تتمركز حوله جميع ديناميكيات الشخصية الإنسانية في الحياة.
ب ـ الخبرة : يقصد روجرز بذلك عالم البيئة أي عالم الخبرات المتجددة والتي يعيشها الفرد وهي دائماً في حالة تغير مستمر. وهذه الخبرات تشمل خبرات الفرد في عالمه الداخلي والخارجي في نفس الوقت. فالفرد يدرك بعض هذه الخبرات إدراكاً واعياً ملموساً وبعض هذه الخبرات لا يدخل في مجال إحساسه الواعي وخصوصاً تلك الخبرات التي لا تنسجم وحاجات الفرد الأساسية. ويؤكد روجرز على أن ما يدركه الفرد في المجال النفسي هو الشيء الوحيد والجوهري، وليس ما هو قائم وموجود فعلاً في الواقع الخارجي. ففي رأي روجرز لا تهمنا الظاهرة كما هي في الخارج حقيقة، وإنما يهمنا كيفية رؤيتنا لها. لأننا لا ندرك الظواهر كما هي في الواقع وإنما تخضع لعمليات التحريف والحذف والإضافة أثناء مرورها بأدمغتنا. فقد يدرك طفل ما مثلاً المسطرة التي يحملها معلم الحساب على أنها عصاة تبعث على الخوف وبالتالي على البكاء. فنحن لا يهمنا طبيعة المسطرة بل كيف يراها الطفل الذي يجلس على مقعده.
وهناك بعض المواقف التي قد يدركها بعض الأطفال على أنها مخيفة وهي ليست مخيفة فعلاً. ولكن المهم هو كيف يدركها الفرد. فالطفل يتصرف على ضوء إدراكه للأشياء وليس تبعاً لطبيعتها وحقيقتها.
ج ـ الذات : تتكون الذات أثناء تفاعل العضوية مع البيئة، ونلاحظ أنه أثناء تكوينها تقوم باستيعاب مثل وقيم الناس الذين تتفاعل معهم، خصوصاً القيم والمثل التي تنسجم مع حاجات العضوية، وفي نفس الوقت ترفض استيعاب تمثل القيم التي لا تنسجم مع أهداف العضوية أو أنها تقوم بتحريفها وتشويهها لتتمكن العضوية من الاحتفاظ باستمراريتها وثباتها، حيث تعتبر الذات أن الخبرات والقيم التي لا تنسجم معها عبارة عن تهديد لها. ويمكن تعريف مفهوم الذات بأنه تكوين معرفي منظم ومتعلم للمدركات الشعورية والتصورات والتقييمات الخاصة بالذات يبلوره الفرد، ويعتبره تعريفاً نفسياً لذاته، ويتكون مفهوم الذات من أفكار الفرد المنسقة المحددة الأبعاد عن العناصر المختلفة لكينونته الداخلية أو الخارجية كما تنعكس في وصف الفرد لذاته كما يدركها Corsini, 1984)، الصمادي وآخرون، 1993). ووظيفة مفهوم الذات وظيفة دافعية وتكامل وتنظيم وبلورة عالم الخبرة المتغير الذي يوجد الفرد في وسطه، ولذا فإنه ينظم السلوك ويحدده (Corsini, 1984).
تطور الشخصية السوية :
تبدأ الذات وهي جوهر الشخصية في التكون من خلال تفاعل الفرد مع البيئة، وتبدأ الذات في تقييم الافراد الآخرين في البيئة حسب إشباعهم لحاجات العضوية أو حسب إعاقتهم لهذه الحاجات. فنلاحظ أن العضوية تسعى إلى اتباع السلوك الذي يواجه قبولاً واستحساناً من الآخرين المهمين في حياتنا. وأما السلوك الذي يواجه بالرفض والإنكار من أولئك فإن العضوية تسعى إلى رفضه وتجنبه. وهذه العملية تقود الذات إلى بداية تكوين حكم أو تقييم السلوك باستخدام عمليات التقييم (الصمادي وآخرون، 1993، Shelling, 1984).
نحن إذن بين سلوك جيد أو سلوك سيئ، والحكم هنا هو رأي وقيم الأشخاص المهمين في حياة العضوية وليس رأي العضوية نفسها، لدرجة أن الذات تبدأ بمحبة نفسها أو كرهها حسب تقييمات الآخرين. ويفسر روجرز السبب في أن هناك حاجة أساسية لدى الذات وهي احترام الذات واعتبارها. فعندما يتلقى الفرد بشكل دائم الرضى والاستحسان من الآخرين لأنماطه السلوكية، فإن ذلك يساعد الفرد على تطوير شخصية سوية، ولكن قد يحدث أن يقوم الفرد بأنماط سلوكية تستثير غضب الآخرين، وتتوقف النتيجة هنا على موقف الآخرين واستجابتهم لهذا السلوك. فإذا شعر الطفل أن حب الآخرين وتقبلهم له ما زال قائماً بالرغم من عدم موافقتهم على بعض تصرفاته، عند ذلك لن يحدث لديه حساسية تجاه إمكانية اعتباره جرحاً لذاته واحترامها ويعيش الطفل وهو دوماً يتمتع بالاعتبار والاحترام دون تهديد بسحب الثقة والاحترام منه. وفي ظل هذه الأجواء تتكون لدى الفرد شخصية صحية منسجمة ومتكاملة إلى أقصى حد (الصمادي وآخرون، 1993، (Corsini, 1984.
تطور السلوك غير السوي والسلوك الجنائي :
في عام 1955 أدخل روجرز ثلاثة مفاهيم في نظريته للشخصية وهذه المفاهيم هي :
1 ـ الحاجة للاعتبار الإيجابي من قبل الآخرين.
2 ـ الحاجة إلى الاعتبار الذاتي.
3 ـ شروط التقدير أو القيمة وهي الحد الذي يساعد الفرد على تجنب بعض خبرات الذات والسعي وراء بعضها الآخر بناءً على استحقاقها أو عدم استحقاقها لاعتبار الذات.
يؤكد روجرز أن مفهوم الذات هو جوهر الشخصية وأهم عامل فيها، لذا فإن أي إحباط يعوق أو يهدد إشباع الاحتياجات الأساسية للفرد وعلى رأسها تدعيم صورة الذات، ينتج عنه تقييم سيئ للذات، وبالتالي نقص في احترامها. ولا يؤثر الحرمان والإحباط في اضطراب الشخصية، إلا إذا ارتبطا بمفهوم الذات وفكرة الفرد عن نفسه، لذا فإن أكثر ما يؤدي إلى الاضطراب هو التهديد الذي يمكن أن يأخذ أشكالاً مختلفة ولكن يكون موجهاً إلى بناء الذات دائماً. ففي بعض الأحيان عندما يجد الفرد نفسه أمام ظروف لا تتوفر فيها عوامل التكيف السليم تبدأ المتاعب النفسية وسوء التكيف في الظهور. ويحدث ذلك عندما يتشدد الكبار ويقسون على تصرفات الطفل بشكل يهدد تقدير الذات واحترامها. بالإضافة إلى التهديد بفقدان الحب (الصمادي وآخرون، 1993 ، (Corsini, 1984.
عند ذلك تشتد حساسية الطفل نحو ما يسمى باعتبار الذات واحترامها، ويشعر أنها في خطر. وهذا الخطر يجعل الفرد غير قادر على إرضاء العضوية التي تسعى لإشباع حاجاتها أثناء تفاعلها مع المحيط، حيث أن ذلك قد يقود إلى تهديد الذات التي تخاف رأي الآخرين. وهنا تنقسم النفس البشرية على نفسها وتفقد التوازن كما تفقد ميزان تقييم السلوك الصحيح ويعيش الفرد في صراع وتمزق، وهنا يلجأ الفرد إلى حيل الدفاع عند فرويد لتخفيف الوضع (Corsini, 1984).
كذلك يبدأ الانحراف النفسي عند العضوية عندما تبدأ باستشراب سلوكات الآخرين وقيمهم التي لا تنسجم مع طبيعتها لا لسبب إلا لإرضاء الآخرين حتى يسمحوا في إعطائها الحب المشروط. وإذا ما استمرت العضوية على هذا الوضع فإنها ستتمرن على الفصل ما بين الذات والخبرة، وتتخلى عن الخبرات الحقيقية وتتبنى قيم الآخرين، على حساب الذات. مثال: يرى روجرز أن لدى بعض الأطفال حاجة أساسية للبكاء وذلك لتدريب الأحبال الصوتية في الحنجرة، لذلك نجد بعض الأطفال يبكون لا لسبب إلا لتدريب حناجرهم، هنا والدا الطفل سيحاولون بشكل أو بآخر منع الطفل من أن يعيش خبراته ولو تطلب ذلك إيقاف حبهم له. وحتى يستطيع الطفل الحصول على حاجاته الأساسية من الوالدين، كان لا بد من إرضائهم، وليتم ذلك فلا بد للطفل من التخلي عن خبرته وتبني قيم الآخرين وسيلجأ إلى الكبت وبذلك يصبح سلوكه غير منسجم مع ذاته، وغير أصيل. وهذا بداية الانحراف النفسي.
لذا فالسلوك الجنائي يمكن تفسيره بنفس الطريقة، حيث يمثل السلوك الجنائي لدى الجاني شكلاً من أشكال الانحراف النفسي، حيث فيه يلجأ الفرد إلى العدوان على الذات أو الآخرين أو الممتلكات، إما إرضاءً لقيم الآخرين، وإما تعبيراً عن تشوهات في مدركات الفرد الناتجة عن الفصل بين الذات الحقيقية للفرد وعالم الخبرات المتجدد، وإنه التعبير عن حالة الاغتراب النفسي الذي يعيشه الفرد والذي قد يدفعه إلى عالم المخدرات أو العصابات.
أهداف العملية الإرشادية :
تهدف العملية الإرشادية كما تطرحها نظرية العلاج المتمركز حول الفرد إلى ما يلي :
1 ـ مساعدة الفرد على تحقيق ذاته من خلال سلوكات أكثر إيجابية بدلاً من السلوك الجنائي.
2 ـ مساعدة الفرد على التخلص من السلوكات الدفاعية كالسلوك الجنائي والأخذ بيده لتحقيق الانسجام بين الذات والخبرات الجديدة، يتم تحقيق هذه الأهداف من خلال عمليات الإرشاد الفردي والجماعي وغير المباشر الذي اشتهر به كارل روجرز (Rogers) (الصمادي وآخرون، 1993).
ثالثاً: النظرية السلوكية :
تعود جذور النظرية السلوكية إلى العالم الفسيولوجي الروسي إيفان بافلوف (Ivan Pavlov) (1849-1936) الذي اكتشف بأن ارتباط مثير محايد "صوت الجرس" مع مثير غير محايد "الطعام" سوف يعطي المثير المحايد صفة المثير غير المحايد، ويستجر نفس الاستجابة التي يحدثها المثير غير المحايد "الطعام".
ومن العلماء الذين ساهموا في بناء النظرية السلوكية ثورندايك الذي كانت تجاربه على القطط في أمريكا في الوقت الذي كان بافلوف يقوم بتجاربه على الكلاب في روسيا. وكذلك تجارب جون واطسون (J. Watson) على الطفل (ألبوت، Albort) الذي علمه إظهار استجابة الخوف من الأرنب عندما ربط بين مظهر الأرنب وصوت مرعب فتعلم الطفل الخوف وتم تعميم الخوف ليشمل الكلاب وكل شيء على شاكلة جلد الأرنب لدرجة أن الطفل أصبح يخاف أمه وهي ترتدي معطفاً من الفراء.
ويجب أن لا يغفل دور ب. ف. سكنر (B.F. Skinner) الذي ولد عام 1904 في إحدى مدن بنسلفانيا الصغيرة وكان أبوه يمارس المحاماة، يتلقى الإثابة على اجتهاده. لقد قضى سكنر وهو صبي ساعات طوالاً وهو يصمم أدوات وألعاباً يصنعها بنفسه كالعربات وطائرات الورق والبنادق ونماذج الطائرات. لقد حصل سكنر على درجة البكالوريس في الأدب الانجليزي عام 1926 من كلية هاميلتون ثم التحق فيما بعد ببرنامج الدراسات العليا في علم النفس وحصل على درجة الدكتوراه عام 1931م، وعمل مدة خمس سنوات في كلية الطب في جامعة هارفرد. وبدأ عمله في التدريس في جامعة مينيسوتا عام 1936. ونشر عام 1938 كتابه "سلوك الكائنات الحية". ونشر في عام 1948 كتابه "والدن الثانية، "Walden Two وهي بيئة تقوم الحياة فيها بين البشر على مبادئ المدرسة السلوكية.
وكذلك من العلماء المشهورين في هذا المجال ألبرت باندورا (Albert Bandura) الذي ولد عام 1925 في أسرة من الفلاحين ذات أصل بولندي تعيش في كندا، وحصل على درجة البكالوريوس في الآداب عام 1949 ثم التحق بجامعة أيوا في أمريكا وحصل على درجة الدكتوراه في الفلسفة (الخطيب، 1988 ، Corsini, 1984).
النظرة السلوكية للطبيعة الإنسانية :
تعتقد المدرسة السلوكية بأن معظم سلوكيات الإنسان متعلمة وهي بمثابة استجابات لمثيرات محددة في البيئة. فالإنسان يولد محايداً فلا هو خير ولا هو شرير وإنما يولد صفحة بيضاء. ومن خلال علاقته بالبيئة يتعلم أنماط الاستجابات المختلفة سواء أكانت هذه الاستجابات (سلوكات) صحيحة أم خاطئة. يولد الإنسان وهو مزود ببعض الاستعدادات جزئياً، ولذلك يعتبر سلوكه نتاجاً لتفاعل الوراثة مع البيئة.وما يتعلمه الفرد من البيئة يحدد سلوكه. وكذلك يؤمن السلوكيون بالسلوك الظاهر القابل للقياس والملاحظة، فمفاهيم كاللاشعور أو الذات أو الأنا ليس لها معنى في المدرسة السلوكية.Shelling, 1984) ، الخطيب، 1988).
المفاهيم الأساسية للمدرسة السلوكية :
تمثل المدرسة السلوكية جهود مجموعة من العلماء الذين قدموا إسهامات متفرقة على فترات وأماكن مختلفة حيث ساهم كل واحد منهم بجهود خاصة صبت في نفس الاتجاه ليكمل بعضها بعضاً وسنبدأ بهذه المفاهيم مرتبة حسب القدم :
1 ـ الإشراط الكلاسيكي : لقد اكتشف هذا النمط من التعلم العالم الروسي إيفان بافلوف من خلال تجاربه على الكلب. فقد قام هذا العالم بتجارب عديدة لدراسة أثر بعض الأطعمة على سيلان اللعاب من فم الكلب. لقد لاحظ بافلوف أن لعاب الكلب يسيل لمجرد سماعه وقع خطوات بافلوف. وللتأكد من هذه الظاهرة قام بإعادة التجربة حيث أوصل أنبوباً إلى فم الكلب وهذا الأنبوب يؤدي إلى وعاء خاص ليقيس حجم اللعاب السائل من فم الكلب. ثم قام بحرمان الكلب من الطعام لفترة زمنية، ثم قدم الطعام للكلب فلاحظ سيلان اللعاب. ثم قام بقرع جرس خاص وبشكل انفرادي فلم يلاحظ سيلان اللعاب.
طعام (مثير طبيعي)   سيلان اللعاب (استجابة طبيعية)
صوت الجرس وحده (مثير شرطي)     لا استجابة
ثم قام بافلوف بالربط بين الطعام وصوت الجرس حيث :
صوت الجرس (مثير شرطي) مقروناً بالطعام (مثير غير شرطي) يؤدي إلى ظهور الاستجابة (سيلان اللعاب).
قدم الطعام مع صوت الجرس عدة مرات فأصبح صوت الجرس (مثير شرطي) يؤدي إلى سيلان اللعاب (استجابة شرطية). ولكن لاحظ بافلوف أنه إذا تم تقديم صوت الجرس بلا طعام لفترات لاحقة مكررة كثيراً، فإن الرابطة ما بين صوت الجرس وسيلان اللعاب ستختفي واصطلح على هذه الظاهرة بالانطفاء. وعندما قدم صوت الجرس لوحده بعد يومين، ظهرت استجابة سيلان اللعاب. وعرفت هذه الظاهرة بالعودة التلقائية.
2 ـ التعلم الإجرائي : ارتبط هذا المفهوم باسم سكنر الذي وضع حمامة في صندوق مجهز تجهيزاً خاصاً، جوعت الحمامة لمدة أسبوع ووضعت في الصندق الذي فيه وعاء متصل بأنبوب، وحتى تحصل الحمامة على الطعام لا بد لها من النقر على مزلاج خاص فتسقط حبات الحبوب إلى الوعاء. عندها تبدأ الحمامة من شدة الجوع بالقيام بحركات عشوائية كثيرة تظهر من بينها حركة خاصة ألا وهي النقر على القرص لتنزل حبة إلى الصحن فتأكلها. ثم تبدأ الحمامة بإعادة الكرة مرة ثانية وثالثة ورابعة، وهكذا تبدأ أخطاء الحمامة في التناقص تماماً إلى أن تتعلم وبشكل تام النقر على القرص كلما رغبت في الحصول على حبة حبوب. وهنا نقول إنه قد حصل تعلم إجرائي، وتمثل الحبوب مكافأة.
واصطلح على عملية منح المكافأة بالتعزيز الذي عرف بأنه زيادة احتمالية في حدوث الاستجابة مرة ثانية، وعرفت المكافأة بأنها أي شيء يزيد من احتمالية حدوث الاستجابة مرة ثانية. ولذلك وصفت المكافآت بأنها مادية كقطع الحلوى بالنسبة للأطفال، أو معنوية مثل كلمات المديح والشكر والتقدير، كما تم تصنيفها إلى مباشرة كالقطع النقدية أو غير مباشرة كالحصول على قطع معدنية يحصل أصحابها على قطع نقدية أو أشياء عينية مقابلها. وكذلك تم تصنيف المعززات إلى أولية كقطع الحلوى أو ثانوية كالقطع النقدية أو القطع المعدنية التي يمكن أن تستبدل بها بضاعة عينية. (الخطيب، 1988، إبراهيم ، 1993).
كما تم الحديث عن أنماط التعزيز والعقاب كما في الجدول التالي :
غير مرغوب فيه مرغوب فيه
عقاب أولي تعزيز إيجابي إضافة مثير
تعزيز سلبي عقاب ثانوي إزالة مثير
1 ـ فالتعزيز الإيجابي هو إعطاء شيء مرغوب فيه سواء كان مادياً أم معنوياً.
2 ـ التعزيز السلبي : هو إزالة شيء غير مرغوب فيه كأن نرفع عقوبة السجين مقابل تحسن سلوكه.
3 ـ عقاب أولي : تقديم مثيرات مؤلمة بالنسبة للفرد كالضرب.
4 ـ عقاب ثانوي : حرمان الفرد من شيء مرغوب فيه كأن تمنع الطفل من مشاهدة التلفاز لقيامه بسلوك خاطئ. (الخطيب، 1988، إبراهيم وآخرون، 1993).
3 ـ التعلم الاجتماعي : حاول ألبرت باندورا دمج مبادئ علم النفس المعرفي بنظرية التعلم التقليدية في نظام أطلق عليه نظرية التعلم بالملاحظة.
فقد اعتقد كل من بافلوف وسكنر أن التعلم لسلوك ما يحدث بسبب النتائج التي يؤدي إليها ذلك السلوك بمعنى أن التعلم يحدث في حالة حصول السلوك على نتائج طيبة تتمثل بالمعززات فقط. إلا أن ألبرت باندورا اختلف معهما واعتقد بأن الكثير من السلوكات يتعلمها الفرد توقعاً للتعزيز أو أنه يقلد سلوكات الآخرين التي بوساطتها حصلوا على التعزيز. وليدلل على ذلك يسوق باندورا المثال التالي : هناك خادم يعمل في مطعم ما ولا يحصل على "بخشيش" أو"خرجية" مثل غيره من العاملين في المطعم. فجلس هذا النادل على إحدى الطاولات وبدأ يراقب نادلاً آخر يحصل على كمية كبيرة من النقود يقدمها له الزبائن كنوع من التكريم على خدمته الرائعة. فلاحظ النادل الأول أن هذا النادل يبتسم للزبائن ويرحب بهم أجمل ترحيب، وينظف الطاولة ويحضر الماء البارد ويضع وردة جميلة على الطاولة ويحضر بين الحين والآخر ليطمئن على أحوالهم. وفي نهاية الجلسة يترك له الزبائن كمية من النقود (بخشيشاً) شكراً له على خدمته الرائعة. من هذا المشهد تعلم النادل الأول نفس الأسلوب وبدأ يخدم زبائنه مقلداً زميله وحصل على كمية من النقود في اليوم الأول وهكذا حصل تعلم بالمشاهدة أو الملاحظة.
ثم قام باندورا بمجموعة من الدراسات التي أكدت أن الأطفال يتعلمون السلوك العدواني بمجرد مشاهدة الأفلام العدوانية. وهكذا يرى باندورا بأن معظم سلوكاتنا نتعلمها بالملاحظة والمشاهدة سواء لمواقف حقيقية أو لمشاهد متلفزة (الخطيب ، 1985. الصمادي، 1993. إبراهيم وآخرون، 1993).
الشخصية من وجهة نظر المدرسة السلوكية :
لا يهتم السلوكيون ببناء الشخصية لأنه حسب اعتقادهم لا يقدم الشيء الكثير في معالجة مشكلة الفرد. وإنما انصب اهتمامهم على السلوك الظاهر. ولذلك ينظرون إلى الشخصية بأنها مجموعة من الأنماط السلوكية الظاهرة أو مجموعة من العادات السلوكية القابلة للقياس والملاحظة والقابلة للتنبؤ (الصمادي 1993 ، (Shelling 1984.
السلوك السوي وغير السوي:
يعتبر أصحاب هذه المدرسة أن السلوكات السوية والسلوكات غير السوية يتم تعلمها حسب نفس المبادئ والقوانين والإجراءات. ويلجأ السلوكيون إلى مجموعة من المحكات للحكم على درجة السواء وعدم السواء، من هذه المعايير:
1 ـ المعيار الاجتماعي : وهو تبني الفرد سلوكاً يختلف مع المعايير الاجتماعية.
2 ـ المعيار الإحصائي : وهو اختلاف الفرد عن الغالبية العظمى من الناس فهو بسلوكه هذا يقع ضمن الندرة الإحصائية.
3 ـ المعيار النظري : فهو في سلوكه وحسب نظرية معينة يعد منحرفاً.
4 ـ المعيار الذاتي : وهو عدم رضى الفرد عن تصرفه.
5 ـ وهناك معايير خاصة بالسلوك نفسه كدرجة حدوثه وشدته ومدته وشكله والظروف التي يحدث فيها (الخطيب، 1988).
لذا فالسلوك الجنائي هو عبارة عن عادات سلوكية سالبة اكتسبها الفرد للحصول على التعزيز أو الرغبات، وتعلمها الفرد من البيئة بنفس المبادئ التي يتعلم بها السلوك السوي. فإما يكون قد تعلمها بواسطة ملاحظة نماذج سالبة في حياته كما أكد باندورا (Bandura) وإما يكون قد سلك بطريقة سالبة وحصل على التعزيز، وإما يكون قد سلك كرد فعل انفعالي وحصل على تفريغ بعض شحنات نفسية سالبة. عادة هذا السلوك مخالف لمعايير المجتمع وقوانينه.
أهداف العملية الإرشادية :
تهدف العملية الإرشادية كما جاءت في أدب العلاج السلوكي إلى:
1 ـ تعليم سلوكات جديدة مرغوب فيها.
2 ـ التخلص من السلوكات غير المرغوب فيها كالسلوك الجنائي.
3 ـ تعديل سلوكات موجودة لدى المتعلم (الخطيب، 1988).
يتم تحقيق هذه الأهداف باستخدام برامج تعديل السلوك التي يقدمها المعالج الذي يمثل الخبير والمهندس الذي يساعد الجاني على التخلص من السلوكات السالبة وتبين سلوكات أكثر تكيفية. ولتعديل السلوك تقنيات كثيرة (لمزيد من المعلومات راجع الخطيب، 1988).
رابعاً : نظرية العلاج الواقعي :
ولد الطبيب الأمريكي (غلاسر، Glasser) مؤسس هذه النظرية في أوهايو عام 1925 وحصل على درجة البكالوريوس في الهندسة الكيميائية ثم على شهادة الطب عام 1955. ثم التحق بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلس لتسلم مهامه كطبيب نفسي حيث أمضى إقامته في إدارة مستشفى غرب لوس أنجلس. في عام 1975 تسلم غلاسر مركز مدير الأطباء للإشراف على الفتيات الجانحات في مدرسة فانتورا في كاليفورنيا حيث وجد الفرصة مناسبة لتطوير أفكاره فبدأ بتدريب الفتيات على تحمل المسؤولية. نشر غلاسر عام 1961 كتاباً سماه الصحة العقلية أو المرض العقلي. وفي عام 1965 نشر كتاب العلاج الواقعي ثم نشر العديد من الكتب مثل كتاب مجتمع الهوية والمدارس بدون فشل. وأسس معهد العلاج الواقعي عام 1968.
وفي عام 1981 ألف غلاسر محطات العقل الذي تبنى فيه نظرية وليام باورز (William Powers) في الضبط وجاء هذا الكتاب شرحاً وتفصيلاً لمبادئ هذه النظرية في شرح وتفسير كيفية عمل الدماغ الإنساني كنظام ضابط للسلوك الإنساني. وفي عام 1986 ألف غلاسر كتاباً آخر سماه كيف تسيطر على حياتك بشكل فعال (الصمادي 1990).
وبذلك يكون غلاسر قد تبنى نظرية الضبط كنظرية في الشخصية الإنسانية مع الحفاظ على خطوات العلاج الواقعي.
المبادئ العامة لنظرية الضبط :
ترى نظرية الضبط أن دوافع السلوك الإنساني هي دوافع داخلية توجهها حاجات بيولوجية موروثة وموزعة على جميع أجزاء الجسد على شكل جينات في الخلايا. يشترك في هذه الحاجات جميع البشر والحاجات هي : حاجة الإنسان إلى البقاء وتشمل جميع الحاجات الفيزيولوجية كالتنفس والإخراج والطعام والجنس والنوم .. إلخ. وحاجة الانتماء التي تتمثل بالحب والتعاون، وحاجة تقدير الذات التي تتمثل بحب الإنسان للقوة والسيطرة والمنافسة والتملك، وحاجته للاستجمام والحرية. ويعمل الدماغ كنظام ضابط لإشباع هذه الحاجات (الصمادي، 1990 ، Classer, 1981).
خلال عمليات التنشئة الاجتماعية يكتسب الفرد أشياء كثيرة لإشباع هذه الحاجات، وتحفظ هذه الأشياء على خلايا خاصة بالدماغ على شكل صور يتم تصنيفها في العالم الداخلي (ألبوم الصور). هذا العالم الداخلي مقسم على شكل أبواب بعدد الحاجات وفي كل باب فصول تمثل مختلف النشاطات أو الأشياء التي بممارستها يتم إشباع الحاجات (الصمادي، 1990).
عند حرمان حاجة معينة ولفترة زمنية نسبية، فإن الفرد يعيش حالة من التوتر يصاحبها اضطراب عام لحياة الفرد يسعى خلالها لخفض التوتر. وبذلك تقوم الجينات التي تمثل تلك الحاجة بإرسال إشارات بيوكيماوية من خلال الدم إلى الدماغ توحي إليه بضبط عمليات البحث عن الإشباع. عندها يقوم الدماغ بفتح العالم الداخلي (ألبوم الصور) باحثاً عن الصورة التي بوساطتها يتم خفض التوتر وإشباع الحاجة. فعلى سبيل المثال إذا حرم الفرد من الاستجمام ولفترة زمنية طويلة فإنه سوف يحس بنوع من التوتر. وليتمكن الفرد من خفض التوتر المصاحب يقوم دماغه بتقليب فصول باب الاستجمام باحثاً عن أحد النشاطات التي من شأنها خفض التوتر. إن صور الاستجمام تختلف من شخص إلى آخر حسب الثقافة والتنشئة التي يعيشها الفرد. فأنت قد ترى الاستجمام من خلال رحلة ويراها آخر من خلال تسلق الجبال ويراها ثالث من خلال مشاهدة مباراة كرة قدم.
فإذا ما تم تحديد الصورة المطلوبة فإن دماغ الفرد يبعث إشارات كيموكهربائية إلى محطات المقارنة والتي يقدر عددها بالبلايين. في هذه المحطات تتم المقارنة بين الصورة المطلوبة والصورة التي يحصل عليها الفرد من خلال تفاعله مع المحيط (Classer, 1981).
بعد تحديد الصورة يفتح النظام السلوكي لاستخراج سلوك بوساطته تتفاعل مع المحيط للحصول على الصورة المطلوبة. وفي المستودع السلوكي سلوكات تقليدية سبق وأن تعلمها الفرد وخزنها. ونوع آخر من السلوكات وهي طاقات إبداعية إذا ما فشل سلوك تقليدي يضطر الفرد إلى استغلال هذه الطاقة الكامنة. وإذا ما جرب الفرد سلوكاً جديداً اهتدى إليه ولأول مرة فإنه يتحول من الإبداع إلى التقليد. بواسطة هذا السلوك يتفاعل الفرد مع المحيط (Classer, 1981).
ومن خصائص السلوك الإنساني أنه كلي وهو عبارة عن خليط من مكونات عقلية وانفعالية وفيزيولوجية، وجرت العادة على تصنيف السلوك ووسمه بأبرز مكوناته فأنت حينما تلعب كرة القدم يقال هذا سلوك عضلي. وحقيقة الأمر أن هذا السلوك هو مزيج من العمليات العقلية والانفعالية وحركات العضلات وحركات فيزيولوجية تحدث داخل الجسد (Glasser, 1981).
إذن بعد اختيار سلوك معين سواء أكان تقليدياً أم إبداعياً يتفاعل بوساطته مع المحيط سيحصل الفرد على صورة معينة. وبوساطة طرق التغذية الراجعة أو وسائل الإحساس في الجسد والتي ترتبط بالدماغ يدرك الفرد هذه الصورة ويقارنها بالصورة المرتكزة في الدماغ. إذا تطابقت الصورة المدركة مع الصورة المطلوبة فإن الفرد يشعر بالسعادة والرضا ويبحث بعدها عن صورة تشبع حاجة أخرى كانت قد توترت فيما بعد. أما إذا كانت الصورة المدركة تختلف عن الصورة المطلوبة فإن الفرد يفتح النظام السلوكي ويختار سلوكاً جديداً حتى يتمكن من تحقيق الصورة المطلوبة. مثال: لنفترض أن حاجة جسمك إلى السكر قد نقصت عن حدها المطلوب. يشعر جسدك بنوع من التوتر وتشعر معها أنك في حاجة إلى شيء حلو المذاق. تبدأ بتقليب ألبوم الصور في دماغك لتحدد أنك في حاجة إلى كوب من الشاي حلو المذاق. بعدها تفتح مستودع السلوكات وتختار سلوكاً تقليدياً وهو الذهاب إلى المطبخ وعمل كأس شاي. ثم تتذوق الشاي، وحاسة الذوق هذه تمثل طريقة إحساس وتغذية راجعة. فإذا كان الشاي حلواً كما تريد تشعر بنوع من المتعة والرضا (الصمادي ، 1990).
ولنفترض الآن أنك أخطأت السلوك التقليدي ووضعت ملحاً بدل السكر وعند المذاق تبين أن صورة الشاي الذي صنعته تختلف عن صورة الشاي في دماغك. عندها تشعر بنوع من الإحباط وتفتح مستودع السلوك مرة ثانية وتعيد صنع الشاي. إذا ما شربت الشاي وأشبعت الحاجة تكون حاجة أخرى في توتر كالحاجة إلى النوم مثلاً فتختار سلوكاً يؤدي إلى تحقيق الصورة وهكذا يبقى الفرد في حالة تفاعل مع المحيط حتى الموت.
إن عمل كل واحد منا كنظام ضابط يحاول تحقيق الصورة الخاصة أو رغباته التي تؤدي إلى إشباع حاجاته، هذا قد يؤدي بنا إلى حالة من الصراع مع الآخرين أثناء قيامهم بعمليات الضبط لإشباع نفس الحاجات. وللوصول إلى حالة من التعايش السلمي مع الآخرين تطرح نظرية الضبط مفهوم المسؤولية الذي يعني إشباع الفرد لحاجاته مع عدم حرمان الآخرين من فرص إشباع حاجاتهم.
فالفرد المسؤول نفسياً واجتماعياً هو الذي ينجح بضبط سلوكه ويشبع حاجاته مع عدم حرمان الآخرين من فرص إشباع حاجاتهم. والشخصية غير السوية هي تلك الشخصية التي فشلت في ضبط ذاتها لتحقيق صورها الذهنية وهي التي فشلت في تحقيق الشعور بالمسؤولية ومشاركة الآخرين والتعايش معهم بشكل سلمي.
إن كل واحد منا في لحظة ما يكون مدفوعاً بحاجة بيولوجية معينة، باحثاً عن صورة محددة من شأنها خفض التوتر الناتج عن حرمان تلك الحاجة، فيختار سلوكاً محدداً من مستودع السلوكات لديه. وإذا نجح في اختيار السلوك المناسب وأدى إلى تحقيق الصورة فإنه يشعر بالفرح. وإذا فشل في اختيار السلوك المناسب فإنه يعود إلى فتح النظام السلوكي حتى يتم تحقيق الصورة المرتكزة في محطة المقارنة. لذلك تعتبر نظرية الضبط الفرد مسؤولاً في اختيار سلوكه المناسب ويملك الحرية المطلقة في اختيار طرقه لتحقيق صوره فهو صاحب إرادة حرة وعقل ضابط. بذلك تكون نظرية الضبط قد أضافت بعداً إنسانياً وألغت فكرة الحتمية التي جاءت بها مدرسة التحليل النفسي والمدرسة السلوكية (الصمادي، 1990 ، (Calasser, 1987.
تفسير السلوك الجنائي:
يعتبر غلاسر السلوك الجنائي مظهراً من مظاهر عدم المسؤولية في السلوك، حيث يفشل دماغ الفرد في إصدار سلوكات مقبولة اجتماعياً. فالسلوك الجنائي سلوك مصدره الدماغ ومضبوط من قبله يهدف إلى إشباع إحدى الحاجات الأساسية. فهو سلوك تقليدي يلجأ إليه الفرد لتحقيق صورة في الدماغ لأن الفرد قد فشل في اكتساب سلوك مقبول اجتماعياً ومسؤول نفسياً لخلل ما في أنماط التنشئة الاجتماعية. وقد لاحظ غلاسر ذلك في أعمال المبكرة (Classer, 1969). لذا تركزت معالجة غلاسر على تدريب الجاني على تحمل المسؤولية الاجتماعية سواء من خلال الإرشاد الفردي أو الإرشاد الجماعي. إنه يهدف إلى إعادة تربية وتعليم الجاني سلوكات تكيفية ومقبولة اجتماعياً.
أهداف العملية الإرشادية :
يعتبر غلاسر من الأوائل الذين حاولوا الخروج على التحليل النفسي في معالجة السلوك الجنائي بطرق أكثر فاعلية، حيث لاحظ أن تلك الطرق ليست ذات فاعلية وهو يعالج مجموعة من الفتيات الجانحات في أحد مراكز الإصلاح جنوب كاليفورنيا (Glasser, 1965). وفي طريقته الجديدة التي سماها العلاج الواقعي يهدف غلاسر إلى :
1 ـ تعليم الجاني على اكتساب مفهوم المسؤولية والذي يشير إلى مساعدة الفرد على تحقيق أهدافه بطريقة مشروعة تسمح للآخرين بتحقيق حاجاتهم.
2 ـ مساعدة الجاني على التخلص من السلوك الجاني (غير المسؤول) واكتساب سلوكات أكثر مسؤولية.
3 ـ مساعدة الجاني على تحقيق حاجاته بطرق يرضى عنها الفرد والمجتمع.
يتم تحقيق هذه الأهداف من خلال علاقة إرشادية تقوم على الاحترام المتبادل، يقوم فيها المرشد بمساعدة الجاني على التخلص من السلوكات السالبة ويساعده في رسم الخطط لاكتساب سلوكات إيجابية معقولة ومنطقية (الصمادي وآخرون 1993).

الفصل الثالث
الطرق الحديثة في إرشاد المقيمين داخل مراكز الإصلاح والتأهيل
بعد توفير الإمكانات الأساسية في تنفيذ برنامج الإرشاد داخل دار الإصلاح والتأهيل والتي تشمل مكتبة خاصة، قاعة مناسبة الحجم، صالة ألعاب وآلات نشاطات مهنية، جهاز عرض فيديو، أجهزة تسجيل كاسيت، أدوات قياس نفسي مناسبة، ملفات، قرطاسية، برامج كمبيوتر مناسبة للإرشاد المهني، مرشد محترف، وتشريعات تضمن حماية حقوق كل من المرشد والمسترشد، تقدم العديد من الخدمات الإرشادية التي تهدف في مجملها إلى:
1 ـ مساعدة المقيمين داخل دور الإصلاح والتأهيل على فهم ذواتهم من حيث قدراتهم ومواهبهم وحدودهم الشخصية للتصرف بناء على ذلك.
2 ـ مساعدة المقيمين داخل دور الإصلاح والتأهيل على اكتساب مهارات مهنية تساعدهم على دخول معترك الحياة والاندماج مع المجتمع.
3 ـ تنمية الجانب القيمي وتدريبهم على تحمل المسؤولية الاجتماعية وزيادة إحساسهم الذاتي وتدريبهم في كيفية اتخاذ القرار.
4 ـ التخلص من العادات السيئة واكتساب عادات حميدة، كالتخلص من السلوك الجنائي وبناء سلوك يقبل به المجتمع.
5 ـ مساعدة المقيمين على التخلص من مشاعر الذنب وتحرير المشاعر المكبوتة من خلال نشاطات تهدف إلى التنفيس الاجتماعي.
6 ـ تنمية الإحساس بالجماعة وأهميتها في حياة الفرد.
7 ـ تنمية الإرادة الحرة وتدريب المقيم على ممارسة حق تقرير المصير وتحمل المسؤوليات المترتبة على ذلك.
8 ـ تنمية الإحساس بالقيمة الاجتماعية وزيادة الأمل والطموح.
9 ـ مساعدة المقيمين داخل دور الإصلاح والتأهيل على النمو النفسي والوصول إلى أقصى الطاقات، واستغلال الإمكانات بنواحٍ إيجابية.
10 ـ توجيه المقيمين داخل دور الإصلاح والتأهيل لاستغلال وقت الفراغ في عمل يعود على أشخاصهم ومجتمعاتهم بالفائدة.
لتحقيق هذه الأهداف يلجأ المرشدون داخل دور الإصلاح والتأهيل إلى النشاطات التالية:
1 ـ الإرشاد الفردي.
2 ـ الإرشاد الجماعي.
3 ـ الاسترخاء العضلي والعقلي.
4 ـ الإرشاد الترويحي.
5 ـ الإرشاد المهني.
6 ـ الإرشاد التربوي.
7 ـ الإرشاد الأسري.
8 ـ الإرشاد الديني.
9 ـ الإرشاد من خلال الرفيق.
10 ـ الإرشاد بالمواجهة.
11 ـ الإرشاد الأخلاقي.
12 ـ الإرشاد السلوكي.
13 ـ الإرشاد البيئي.
وفي هذا الفصل سنتناول بإيجاز لمحة سريعة عن كل نمط من هذه الأنماط بغرض التثقيف لا بغرض التدريب، لأن اكتساب المهارات الخاصة بكل نشاط يحتاج إلى إعداد وتدريب خاص يعرف بإعداد المرشدين.
1 ـ الإرشاد الفردي:
يعتبر الإرشاد الفردي العملية الرئيسة في البرنامج، وقد ظهر الإرشاد الفردي لمعالجة المشكلات التي يعاني منها المسترشد، والتي لا يستطيع البوح بها إلى كثير من الناس. وهذه المشكلات عادة ما تعيق تكيفه وتمنعه من تحقيق بعض أهدافه. وهو في وضع نفسي غير قادر على حلها وحده. (الصمادي وآخرون، 1993).
ويمكن تعريف الإرشاد الفردي بأنه علاقة مهنية متفاعلة متبادلة وجهاً لوجه بين المرشد المتخصص في الإرشاد النفسي والمسترشد الذي يعاني من مشكلة ما تمنعه من تحقيق بعض من أهدافه بحيث تدفعه للقدوم إلى المرشد طالباً العون والمساعدة. وهي علاقة منظمة تتسم بالسرية التامة وتحكمها قوانين مهنة الإرشاد وأخلاقياتها. (الصمادي وآخرون، 1993).
هناك مواقف لا يجد فيها المرشد مناصاً من استخدام الإرشاد الفردي كطريقة حيث:
1ـ يلجأ إلى المرشد أشخاص لديهم مشكلات خاصة لا يحبون البوح بها لأحد غير المرشد كحالات الانحراف الجنسي والسرقة والإدمان.
2 ـ بعض المسترشدين لديهم مشكلات عميقة تحتاج إلى تركيز شديد، وإلى أساليب إرشادية خاصة يكون المرشد فيها مضطراً لرؤية المسترشد على انفراد.
خصائص الإرشاد الفردي:
يتميز الإرشاد الفردي عن غيره من طرق الإرشاد الجماعي أو الأسري بخصائص هي:
1 ـ الجلسة الإرشادية : في الإرشاد الفردي تتراوح بين (25ـ55) دقيقة في العادة على أنها في الإرشاد الجماعي أو الأسري بين (90ـ150) دقيقة.
2 ـ في الإرشاد الفردي يكون التركيز على شخص واحد فقط بهدف مساعدته.
3 ـ التفاعل في الإرشاد الفردي يتم بين طرفين فقط، بينما في الإرشاد الجماعي والأسري تتعدد أطراف التفاعل.
4 ـ دور المرشد في الإرشاد الفردي مركز على شخص واحد هو المسترشد، بينما في الإرشاد الجماعي أو الأسري يتسع دوره ويتعقد ليشمل أعضاء الجماعة.
5 ـ في الإرشاد الفردي قد يوجه المسترشد العملية الإرشادية ويقودها، بينما في الإرشاد الجماعي أو الأسري يحتفظ المرشد بحق المناورة وقيادة الجلسة الإرشادية.
6 ـ في الإرشاد الفردي السرية تامة ومحفوظة ومضمونة بينما في الإرشاد الجماعي أو الأسري هي أقل بسبب تعدد أطراف التفاعل الاجتماعي.
7 ـ في الإرشاد الفردي تتاح الفرصة للحديث عن مشكلة المسترشد بعمق، أما في طرق الإرشاد الأخرى فالفرصة أقل من ذلك بكثير.
8 ـ في الإرشاد الفردي تسهل إمكانية متابعة المسترشد خارج الجلسة الإرشادية، وفي الإرشاد الجماعي تصبح إمكانية المتابعة أكثر صعوبة.
مراحل الإرشاد الفردي:
تمر عملية الإرشاد الفردي بالمراحل التالية:
1 ـ مرحلة تكوين العلاقة الإرشادية بين المسترشد والمرشد، وتتم هذه العملية من خلال الترحيب بالمسترشد وتحديد مشكلته والأهداف التي جاء من أجلها وتعريفه بطبيعة الخدمة الإرشادية وإمكاناتها وحدودها وشروطها ودرو كل من المرشد والمسترشد فيها. يكون معظم التركيز في هذه المرحلة على استخدام المرشد مهارات محددة لتكوين العلاقة، كأن يتحدث مع المسترشد عن أشياء مشتركة بينهما. ويقوم كذلك بدعم المسترشد وتشجيعه وتعزيزه من خلال إشعاره بأنه لا يجري تقييمات، وأنه يقبله بغض النظر عن مشكلته، وأن مشكلته طبيعية سبق للمرشد أن عالج الكثير مثلها. وعلى المرشد الإصغاء الجيد لحديث المسترشد، ومحاولة سماع الرسائل التي تخرج من أعماقه، وأن يتنبه إلى أن تكون لغته مفهومة لدى المسترشد ويفضل أن يتحدث لغته.
2 ـ مرحلة الإرشاد أو المعالجة: بعد تكوين العلاقة الإرشادية وتحديد مشكلة المسترشد وتحديد أهداف العملية الإرشادية، وفهم المسترشد طبيعة الخدمة الإرشادية ودوره ومسؤولياته فيها، يبدأ كل منهما العمل لتحقيق الأهداف من خلال مساعدة المرشد للمسترشد في التركيز على مشكلته وإمكاناته وطاقاته وتجاربه السابقة وإمكاناته المتاحة وفرصه وخياراته وعاداته وأنماطه، وموازنة هذه الفرص والخيارات لتحديد أفضل السبل والطرائق للتعامل مع المشكلة ولتحقيق أهدافها التي جاء من أجلها. ويستند المرشد في العملية الإرشادية إلى نظرية محددة مستخدماً مختلف الاستراتيجيات التي تسمح بها نظريته لمساعدة المسترشد على تحقيق أهدافه. وقد تستغرق هذه المرحلة فترة طويلة قد تصل سنوات. إن مستوى التحسن الذي سيحققه المسترشد هو مسؤوليته الخاصة، فعلى المرشد توفير فرص النمو والتحسن وعلى المسترشد استغلالها.
3 ـ مرحلة الإنهاء والمتابعة: قبل انتهاء العملية الإرشادية بأسبوعين أو أسبوع يبدأ التحضير لهذه المرحلة، ويجب أن لا تأتي فجاءة. إذ على المرشد إبلاغ المسترشد بأن الوقت يقترب من إنهاء اللقاءات بينهما، وعليه محاولة تحديد الأشياء والقضايا التي يجب أن يستغل الوقت المتبقي في التعامل معها. وبعد الانتهاء من التعامل مع هذه القضايا، قد يخصص المرشد الجلسة الأخيرة لتقييم نتائج العملية الإرشادية وماذا استفاد المسترشد وتعلم من اللقاءات، وكيف له أن يعمم الدروس المستفادة خارج الجلسة الإرشادية. وفي نهاية الجلسة الإرشادية يقف المرشد ليودع المسترشد معلماً إياه بأن الباب مفتوح أمامه للعودة متى شاء. وبعض المرشدين ينهي الجلسات الإرشادية على فترات حيث يقلل لقاءه بالمسترشد بدلاً من اللقاء أسبوعياً إلى اللقاء بعد أسبوعين ثم بعد ذلك كل شهر وبعد ذلك كل ستة أشهر وحسب طبيعة الحالة (الصمادي وآخرون، 1993).
شروط الإرشاد الفردي:
هناك مجموعة من الشروط للإرشاد الفردي:
1 ـ شروط تتعلق بالزمان من حيث طول الجلسة والتي تتراوح بين (45 ـ 55) دقيقة، ومن حيث تكرار الجلسة والتي قد تتكرر يومياً من مرتين إلى مرة في الأسبوع.
2 ـ شروط تتعلق بالمكان من حيث هدوء الغرفة الإرشادية مناسبة الإضاءة وخلوها من المشتتات وتوفر مقاعد مريحة.
3 ـ شروط تتعلق بالمرشد من حيث إعداده النظري والعملي وطريقة جلوسه وشروط ترخيصه وطريقة لباسه.
2 ـ الإرشاد الجماعي:
نشأ الإرشاد الجماعي بعد الحرب العالمية الثانية وتطور بعد الستينات للتعامل مع مشكلات التمييز العنصري في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث شكلت الجماعات الإرشادية للتخلص من مشاعر الحقد والتمييز العنصري بين السود والبيض.
والإرشاد الجماعي عبارة عن مجموعة من العمليات التفاعلية الاجتماعية بين مجموعة من الأشخاص يقودها شخص مدرب ومحترف في الإرشاد الجماعي بهدف مساعدة أعضاء الجماعة على التخلص من مشكلاتهم.
يتراوح أعضاء الجماعة بين (6 ـ 12) شخصاً بما في ذلك القائد (المرشد). وأفضل عدد لأعضاء الجماعة (6 ـ 9). وهناك نمطان في المجموعات:
1 ـ مجموعات يتشابه فيها أعضاء الجماعة من حيث طبيعة المشكلة التي يعانون منها كقضية الاغتراب أو الإدمان على الكحول .. إلخ.
2 ـ مجموعات يختلف فيها أعضاء الجماعة من حيث طبيعة المشكلات التي يعانون منها. فقد يكون أحدهم يعاني من الإدمان على الكحول، وآخر يعاني من الاغتراب، ويعاني ثالث من مشكلة الاكتئاب، ورابع من مشكلة الوزن الزائد.
إن لكل نمط ميزات، ففي النمط الأول يسود نوع من الملل لأن المشكلات مكررة لذلك عمر تلك المجموعات قصير إذا ما قورن بالنمط الثاني الذي يتميز بالتجدد والحيوية.
في الإرشاد الجماعي يقوم المرشد (القائد) بقيادة الجلسات الإرشادية وتوجيهها، فهو يقوم ببناء الجماعة، إذ يقوم بتطوير وتنفيذ أنشطة من شأنها تعريف أعضاء الجماعة بعضهم ببعض، كأن يطلب من كل عضو قضاء خمس دقائق مع كل فرد من أعضاء المجموعة. ثم يقوم بنشاطات أخرى تهدف إلى زيادة التعارف والتلاحم بين الأعضاء وتستمر هذه النشاطات حتى يصبح كل عضو على علاقة متينة مع بقية أعضاء المجموعة. وبعدها يأتي دور التعامل مع القضايا الفردية باستخدام أسلوب "كرسي الاعتراف" الذي فيه تخصص جلسة إرشادية لكل عضو يكون في هذه الجلسة محط أنظار الجماعة، فيدور النقاش حول هذا العضو، وما الذي يرونه فيه، وما هي أبرز مشكلاته، وكيف يمكنه التخلص من المشكلة ويعقد التعاقدات مع بقية الأعضاء للبدء في حل المشكلة التي يعاني منها. وفي الجلسة التالية يكون عضو آخر على كرسي الاعتراف. (الصمادي وآخرون، 1993).
تتراوح جلسة الإرشاد الجماعي من (90ـ150) دقيقة ولمرة واحدة في الأسبوع بوجه عام، ولكن قد تكون هناك اتفاقات على تكرار الجلسة أكثر من مرة أو إطالتها حتى تصل إلى ثماني ساعات أو أكثر، كما هو معروف بجماعات المارثون وجماعات المواجهة (Encounter group) (الصمادي وآخرون، 1993).
خصائص الإرشاد الجماعي:
يتميز الإرشاد الجماعي عن غيره من طرق الإرشاد، كالإرشاد الفردي أو الإرشاد الزوجي بما يلي :
1 ـ تنوع المشكلات وتنوع وجهات النظر حول هذه المشكلات.
2 ـ لا بد لقائد المجموعة من العمل على تعريف الأعضاء بعضهم ببعض.
3 ـ السرية محدودة لحد ما.
4 ـ تعدد العلاقات الاجتماعية وتنوعها. وقد تظهر موجات رفض وعدوانية وانسحابية بين أعضاء المجموعة.
5 ـ الجسات أطول مما هي عليه في الإرشاد الفردي أو الأسري (الصمادي وآخرون، 1993).
ضرورات الإرشاد الجماعي:
هناك مواقف لا بد فيها من اللجوء إلى الإرشاد الجماعي وهي:
1 ـ إذا كان المسترشد في حاجة إلى الدعم الاجتماعي، وإلى مجموعة من الأعضاء لإخراجه من عزلته واكتئابه.
2 ـ إذا كان المسترشد في حاجة إلى تعلم مهارات التفاعل الاجتماعي والتعامل مع الآخرين.
3 ـ إذا كان المسترشد في حاجة لأن يعرف كيف يراه الآخرون.
4 ـ إذا كان المسترشد في حاجة إلى التدريب بأساليب التدعيم وتوكيد الذات والجرأة.
5 ـ إذا أراد الفرد تعلم أساليب اجتماعية مقبولة للتنفيس الانفعالي وللاتصال مع الآخرين. (الصمادي وآخرون، 1993).
مراحل الإرشاد الجماعي:
لا بد للجماعات الإرشادية من المرور بالمراحل التالية:
1 ـ مرحلة تكوين الجماعة: في هذه المرحلة يكون التركيز على تعريف أعضاء المجموعة بعضهم ببعض، تحديد المكان والزمان، وتحديد شروط العضوية، وقوانين الجماعة، والتأكيد على السرية وتوقيع عقودها. تتضمن هذه المرحلة نشاطات التعارف والتلاحم بحيث يصبح كل عضو على معرفة وصداقة تامتين مع بقية الأعضاء. وفي هذه المرحلة تظهر أدوار الأعضاء داخل الجماعة فالمنسق للرأي، وبياع الحكم، والمبدع .. إلخ.
2 ـ المرحلة الثانية: مرحلة العمل في القضايا الفردية باستخدام التمثيل النفسي وكرسي الاعتراف. وفي هذه المرحلة يمكن للمشاركين الاستفادة من كافة الأساليب والوسائل الإرشادية المتاحة وتجريبها، وفي هذه المرحلة يتم تشريح شخصية الفرد ومشكلاته ويشارك الجميع في صياغة الحلول والمقترحات، وتشهد هذه المرحلة إنجاز العقود الشخصية بين المسترشد على كرسي الاعتراف وبقية أعضاء الجماعة، إلى أن يتم التعامل مع بقية الأعضاء. في التمثيل النفسي قد يطلب من أحد الأعضاء تمثيل موقف في حياته أو لعب دور شخص آخر وذلك للتعرف على كيفية رؤيته لذلك الموقف.
3 ـ المرحلة الثالثة: وهي مرحلة تأتي بعد الانتهاء من التعامل مع قضايا الأعضاء الفردية على كرسي الاعتراف وهي جلسة تقييمية شاملة للعملية الإرشادية. (الصمادي وآخرون، 1993، (Gazda, 1978 .

شروط الإرشاد الجماعي:
لتشكيل جماعية إرشادية لا بد من توافر الشروط التالية:
1 ـ وجود راغبين بالانضمام إلى جماعة إرشادية، ولديهم روح التعاون وحب الاستفادة الحقيقية من الجلسات الإرشادية.
2 ـ أن تتسم الجلسات بروح الجدية والمرح والتقبل غير المشروط والتعاون والابتعاد عن أساليب العدوان اللفظي أو الجسدي وهذه الشروط يجب توضيحها أثناء تشكيل الجماعة وطرح قوانينها.
3 ـ وجود قائد مدرب ومحترف ولديه الخبرة في قيادة الجماعات الإرشادية.
4 ـ إجراء عمليات التقييم قبل الجلسات الإرشادية وأثناءها.
5 ـ اليقظة من جانب المرشد وحفاظه على دوره القيادي واحتفاظه بحقه في المناورة.
6 ـ إنجاز ما يعرف بعقد الانضمام إلى الجماعة وهذا يشمل شروط التفاعل وحدود السرية ومجموعة من القوانين التي تنظم الجلسات الإرشادية تحدد المحرمات والمباحات في الجماعة.
3 ـ الاسترخاء العضلي والعقلي:
الاسترخاء العضلي والعقلي أسلوبان منفصلان، إلا أنهما يكملان بعضهما بعضاً، حيث يفضل تدريب المسترشد على الاسترخاء العضلي أولاً، وبعد القيام بالأنشطة الضرورية، كالشعور بالاسترخاء العضلي، يبدأ المرشد بمساعدة المسترشد على الدخول في عملية الاسترخاء العقلي بعدئذٍ.
أ ـ الاسترخاء العضلي:
يعود الفضل في اكتشاف هذا الأسلوب وتطويره إلى العالم جاكوبسون (Jacobson)، يستخدم هذا الأسلوب لمساعدة المسترشدين على تخفيض القلق وزيادة مستوى ضبط الذات، فقد أثبتت بحوث علماء النفس أن الناس يستجيبون للاضطرابات الانفعالية الناجمة عن التغيرات في الأنشطة العضلية. لذا يعرف الاسترخاء بالمعنى العلمي، بأنه توقف كامل لكل التقلصات العضلية المصاحبة للتوتر. لأن إيقاف انقباضات العضلات يؤدي إلى التقليل من الانفعالات المصاحبة لهذه التوترات.
ويستغرق تدريب المسترشدين على الاسترخاء العضلي المنظم في مراكز الإرشاد والعيادات النفسية ست جلسات إرشادية في كل منها يجب أن تخصص عشرون دقيقة على الأقل لتدريب الاسترخاء، وبنفس الوقت يطلب من المسترشد ممارسة التدريبات على الاسترخاء العضلي مدة خمس عشرة دقيقة يومياً بنفسه (إبراهيم، 1988).
وقبل البداية في التدريب على الاسترخاء يعطى المسترشد تطوراً عاماً لطبيعة اضطرابه النفسي (أي القلق)، وأن يبين له أن الاسترخاء العضلي ما هو إلا طريقة من طرق التخفيف من التوترات النفسية والقلق. لهذا نجد أن مجرد الاسترخاء العادي بالرقاد على أريكة (أو سرير) يؤدي إلى آثار مهدئة ملحوظة.
والسبب في هذا يعود إلى علاقة واضحة بين مدى استرخاء العضلات وحدوث تغيرات انفعالية ملطفة أو مضادة للقلق. ولا يوجد ترتيب محدد للأعضاء التي يجب البدء باسترخائها، ولكن من الضروري أن يبدأ التدريب على الاسترخاء لبعض أعضاء الجسم، حتى يتمكن الشخص بالتدريج وبنجاح من ضبط قدرته على استرخاء عضلات الجسم كله. (الصمادي وآخرون، 1993).
ويفضل المعالجون البدء بالتدريب على استرخاء عضلات الذراعين عادة لسهولة ذلك من ناحية، ولتعلم المريض بشكل واضح معنى الاسترخاء العضلي ونتائجه من ناحية أخرى. ثم يتم الانتقال بعد ذلك إلى منطقة الرأس لأن كثيراً من العوامل المهدئة للتوتر تتركز في القدرة على السيطرة على عضلات الوجه ومنطقة الرأس بشكل عام. وهكذا يمكن تلخيص عملية التدريب بالنقاط التالية:
1 ـ يبين المرشد للمسترشد أنه تعلم كيف يكون متوتراً، وأن بإمكانه تعلم الاسترخاء والهدوء ودور المرشد تعليمه كيفية ذلك وهذه خبرة جديدة.
2 ـ ينصح المرشد المسترشد بأن تكون أفكاره مركزة في تلك اللحظة على عملية الاسترخاء وذلك للمساعدة على تعميق الإحساس به.
3 ـ يبين المرشد للمسترشد بأنه نتيجة لهذا، قد يشعر ببعض المشاعر المصاحبة الغريبة كالتنميل في أصابع اليد أو إحساس أقرب إلى السقوط، وعليه أن لا يخشى ذلك، وهذا دليل على أن عضلات الجسم بدأت بالاسترخاء.
4 ـ كتوصية يجب المحافظة على كل عضلات الجسم في حالة ارتخاء تام أثناء الاسترخاء، مع تغميض العينين بخاصة لمنع المشتتات البصرية التي قد تعوق الاسترخاء التام.
5 ـ على المرشد طمأنة المسترشد لأن بعضهم لديه مخاوف من عملية الاسترخاء بحضور المرشد.
6 ـ يبدأ تدريب العضلات من الأطراف إلى المركز.
إجراءات الاسترخاء العضلي:
تتفاوت إجراءات الاسترخاء من حيث الطول فبعض التدريبات قد تستغرق نصف ساعة والبعض الآخر قد يستغرق عشر دقائق، ولممارسة الاسترخاء إليك الخطوات التالية:
1 ـ استلق في وضع مريح وتأكد من هدوء المكان وخلوه من المشتتات.
2 ـ المكان الذي سترقد عليه يجب أن يكون مريحاً يخلو من الأجزاء النافرة أو الضاغطة على بعض أجزاء الجسم.
3 ـ ليس بالضرورة أن تكون راقداً بل يمكن البدء بالتدريبات وأنت جالس في وضع مريح.
4 ـ إبدأ بتدريب عضو واحد في البداية على الاسترخاء وابدأ بالذراع.
5 ـ أغلق راحة يدك اليسرى بإحكام وقوة. لاحظ أن عضلات اليد ومقدمة الذراع اليسرى تنقبض وتتوتر وتشتد.
6 ـ إفتح راحة يدك اليسرى بعد عشر ثوانٍ وأرخها وضعها في مكان مريح، لاحظ أن العضلات أخذت تسترخي وتثقل.
7 ـ كرر هذا التمرين عدداً من المرات حتى تدرك الفرق بين التوتر والشد العضلي في الحالة الأولى والاسترخاء الناتج عن فرد راحة يدك اليسرى.
8 ـ كرر هذا التمرين (الشد والإرخاء) مع بقية العضلات الأخرى، إبدأ من الأطراف وبالتدريج إلى المركز. كأن تبدأ براحة القدم إلى الكاحل فالركبة فالفخذ فالجذع ثم الصدر ثم الرقبة ثم الشفتين ثم العينين .. إلخ.
9 ـ بعد تمكنك من الاسترخاء العضلي يمكنك المكوث في الاسترخاء فترات أطول. مارس هذا النشاط يومياً لمدة (10 ـ 15) دقيقة وكلما اقتضت الحاجة أي عندما تشعر بالتوتر.
ب ـ الاسترخاء العقلي :
يعتبر الاسترخاء العقلي أسلوب علاج نفسي يستخدمه المرشدون والأطباء لمساعدة المسترشدين في الوصول إلى حالة من الوعي والإدراك الداخلي بحيث يكون المسترشد ذا قابلية لرسائل واقتراحات المرشد. ولتحقيق ذلك لا بد للمسترشد من أن يكون في حالة استرخاء جسدي تام وأن يكون في حالة وعي تام وانتباه مركز ويملك قدرة على التخيل.
الاسترخاء العقلي ليس حالة من النوم وإنما هو حالة وعي داخلي ذاتي كاملة، ولا يمكن دخول الفرد في الاسترخاء العقلي إلا بموافقته المسبقة وبمحض إرادته، كما لا يمكن دفع الفرد إلى عمل ما لا يرغب، وفي أثناء الاسترخاء العقلي يكون الدماغ في سيطرة تامة، ويمكنه الخروج منه متى شاء.
الاسترخاء العقلي حالة تحدث عندما نخلق الواقع من الخيال بوساطة قدراتنا العقلية على التصور والتخيل، وباختصار إذا استطعت أن أنقلك من عالمك الواقعي إلى عالم من صنع الخيال باستخدام قدرتك على التخيل، وباستخدام تعليماتها. ونجحت أنت في الانتقال إلى عالم الخيال ونسيت عالمك الواقعي والغرفة التي تجلس فيها والوقت الذي أنت فيه، نكون قد نجحنا في إدخالك إلى مرحلة مهمة من مراحل الاسترخاء العقلي. يعود الفضل في هذا الأسلوب إلى العالم السويسري مسمر (Mesmer) في القرن الثامن عشر. إن تدريب الفرد على الوصول إلى هذا المستوى من الوعي والإدراك الداخلي يزوده بوسيلة قوية وقدرات هائلة تسمح للعقل بأن يشفي الجسد ويغير مجرى حياة الفرد. لذلك يستخدم الاسترخاء العقلي كوسيلة لعلاج الكثير من المشكلات النفسية. (الصمادي وآخرون، 1993).

طريقة الاسترخاء العقلي:
يبدأ الاسترخاء العقلي بأن يلقي الفرد بجسده على أريكة كبيرة بشكل مريح بحيث يصل الدم إلى جميع أجزاء الجسد بسهولة ويسر، ويقوم المرشد (المنوم) بتوجيه المسترشد نحو الدخول في حالة من الاسترخاء العقلي، حيث يبدأ المرشد بالطلب من المسترشد أن يرفع يده اليمنى أمام عينيه، أو أن يمعن النظر على نقطة أو موضوع في الغرفة ثم يعلمه بأنه سيقوم بالعد التنازلي الذي بانتهائه يجب أن يغلق عينيه ويرخي يديه ويدخل في الاسترخاء العقلي، وعند حدوث ذلك ينتقي المرشد إيحاء يتناسب وحاجات المسترشد بحيث يكون الإيحاء المطلوب تخيله مريحاً ويبعث على الفرح والسعادة ويطمئن النفس ولا يثير أي قلق أو اضطراب. كأن يقول له تخيل نفسك في حديقة جميلة فيها مختلف ألوان الزهور، وفي الحديقة جدول ماء يجري، الوقت صيف والشمس حارة، والسماء صافية، تخلع نعليك، وتضع رجليك بالجدول الجاري وتخيل نفسك طيراً في السماء تطلق له العنان وتطير حراً في الفضاء .. إلخ.
وبعد الانتهاء من الاسترخاء الذي قد يستغرق (20) دقيقة يطلب من المسترشد العودة للواقع.
وهناك علامات لدخول الفرد في الاسترخاء العقلي التام وهي:
1 ـ يفقد الفرد حدود الزمان والمكان ويعيش مع تعليمات المرشد.
2 ـ يحس المسترشد بتدفق الدم في عروقه.
3 ـ يحس المسترشد بتنميل في يديه وقدميه.
4 ـ يشعر الفرد برغبة في الاستمرار ولا يحب الاستيقاظ.
5 ـ يتذكر كل ما قاله المرشد. (الصمادي وآخرون، 1993).
بعدها يبدأ المعالج بإعطاء المسترخي تعليمات وإيحاءات تؤكد ضرورة إعطاء السلوك المناسب في حالات اليقظة، وتنمية ذات إيجابية فاعلة بناءة.
4 ـ الإرشاد الترويحي:
مع زيادة الوعي الثقافي وزيادة الاهتمام بالحقوق الإنسانية للمساجين أدخلت مختلف الألعاب دور الإصلاح والتأهيل من خلال إنشاء صالات خاصة واسعة مزودة بكافة الإمكانات لممارسة اللعب الجماعي مثل كرة الطائرة أو كرة السلة أو كرة القدم، أو اللعب الفردي من قبل مختلف ألعاب القوى كالمصارعة والملاكمة والقفز والرسم وبرامج التسلية، أو اللعب الثنائية كلعب الشطرنج أو تنس الطاولة.
كل هذه النشاطات تهدف إلى:
1 ـ تحرير المشاعر المكبوتة لدى المقيم داخل دار الإصلاح والتأهيل.
2 ـ قتل وقت الفراغ واستغلاله في زيادة البناء الجسمي والعقلي والنمو النفسي لدى المقيم.
3 ـ تنمية روح التعاون والحس الاجتماعي واكتساب قوانين التفاعل الاجتماعي وقوانين التعايش مع الآخرين.
4 ـ المساهمة في تغيير مفهوم الذات لدى المقيمين داخل دار الإصلاح والتأهيل.
شروط الإرشاد الترويحي:
1 ـ أن يكون المقيم غير خطر على نفسه أو على الآخرين.
2 ـ أن يكون المرشد قد نجح في إقامة علاقة ودية مهنية مع المقيمين.
3 ـ أن تتم تحت إشراف السلطات داخل دار الإصلاح والتأهيل.
4 ـ أن يعاون المرشد مساعدون يشرفون على جميع اللعب.
مراحل الإرشاد الترويحي:
قبل توزيع المقيمين على مختلف النشاطات يجب على المرشد اتباع ما يلي:
1 ـ عقد جلسة توجيه جماعي يشرح من خلالها قوانين اللعب وشروطه.
2 ـ تحديد خيارات كل مقيم بحيث لا يحدث تصادم أو تضارب بين حاجات المقيمين.
3 ـ تحديد مدة النشاط زمنياً.
4 ـ اطلاع المقيمين على كافة النشاطات التي بإمكانهم ممارستها وشروط وفوائد وقوانين كل لعبة.
5 ـ توزيع المقيمين على كافة النشاطات.
6 ـ تفقد كل نشاط يقوم به المقيمون.
7 ـ بعد انتهاء النشاط يعود الجميع إلى جلسة إرشاد جماعي.
8 ـ إجراء مناقشات جماعية حول فوائد كل لعبة وقد تستغرق هذه عدة جلسات.
9 ـ مراجعة كل مقيم على انفراد لمناقشة المكاسب الشخصية التي حققها كل فرد. لماذا اختار النشاط المحدد، وما الدروس المستفادة من ذلك، ماذا سيختار في الجلسة القادمة.
10 ـ الاتفاق على حدود وقوانين يتحمل الأفراد المسؤولية بالتعايش ضمنها.
11 ـ كتابة فوائد النشاط على السبورة وتحديد مدى استفادة كل فرد من هذا النشاط على مقياس متدرج من (1 ـ 5).
قوانين اللعب والنشاط:
على المرشد أن يشرح قوانين المشاركة في النشاطات التي تحدث داخل المركز مثل:
1 ـ الالتزام بالوقت المحدد للنشاط.
2 ـ لا يجوز امتلاك المواد أو الأشياء إلا إذا كانت طبيعة النشاط تقتضي ذلك.
3 ـ لا يجوز تكسير الأدوات.
4 ـ لا يجوز التدخل في شؤون الآخرين.
5 ـ لا يسمح بنقل الأشياء إلى الغرف.
6 ـ إبعاد المواد الضارة والسكاكين والقطع الحادة.
7 ـ إعادة الأشياء إلى مكانها.
المهارات الإرشادية الأساسية:
على المرشد مراعاة الأسس الإرشادية التالية (Axlin, 1980):
1 ـ على المرشد أن لا يجيب على الأسئلة الشخصية.
2 ـ على المرشد ترجمة أفعال النزيل إلى تعليقات.
3 ـ على المرشد الاستمرار في بناء علاقة ودية مع النزيل.
4 ـ عدم المزاح مع النزيل أو العكس.
5 ـ على المرشد تقبل النزيل غير المشروط.
6 ـ على المرشد عكس مشاعر النزيل وشرحها والتعليق عليها.
7 ـ على المرشد أن يتابع تحركات النزيل لا توجيهه.
8 ـ على المرشد إشعار النزيل بقرب انتهاء النشاط قبل الموعد المحدد بـ 5 دقائق.
5 ـ الإرشاد المهني:
تعتبر نسبة العائدين لدور الإصلاح عالية نسبياً وسبب ذلك هو عدم اندماجهم في المجتمع، وفشلهم في الحصول على عمل يوفر لهم دخلاً اقتصادياً كافياً، وذلك لعدم امتلاكهم المهارات الفنية التي ترتبط بمهنة معينة. لذا يهدف الإرشاد المهني داخل دار الإصلاح إلى مساعدة المقيم على اتخاذ قرار بخصوص مهنة المستقبل، وتوظيف الإمكانات المتاحة لاكتساب المهارات الفنية التي ترتبط بالمهنة التي يختارها الفرد. لذلك بدأت العديد من الدول بتزويد دور الإصلاح بورش العمل والتجهيزات الفنية المرتبطة بها كأن تحتوي دار الإصلاح "محددة"، منجرة، معملاً للغزل والنسيج، صناعة الفخار، أعمال التطريز، أعمال البناء، أعمال الزراعة .. إلى غير ذلك من المهن التي توصل الفرد إلى الدخول في سوق العمل وبالتالي الاندماج في المجتمع.
يقدم المرشد خدمة الإرشاد المهني داخل مؤسسة الإصلاح لتحقيق الأهداف التالية:
1 ـ التعرف على الميول المهنية لدى النزيل.
2 ـ التعرف على القدرات العامة والخاصة لدى النزيل.
3 ـ التعرف على السمات الشخصية الخاصة بالنزيل.
4 ـ توظيف المعلومات التي تم الحصول عليها لتحديد الخيارات المهنية لكل نزيل والاطلاع عليها.
5 ـ اتخاذ القرار المناسب بخصوص مهنة المستقبل.
6 ـ اكتساب المهارات الفنية المرتبطة بالمهنة التي يختارها النزيل.
ولتحقيق هذه الأغراض يلجأ المرشد إلى العديد من مصادر المعلومات والوسائل التي تساعد في الكشف عن جوانب شخصية النزيل مثل:
1 ـ إعطاء اختبار الميول المهنية.
2 ـ إعطاء اختبار الشخصية.
3 ـ إعطاء اختبار قدرات عامة وخاصة.
4 ـ المقابلة الإرشادية.
5 ـ كتابة التقرير النفسي.
6 ـ رسم البرنامج التدريبي الذي يضمن تحقيق القرار المهني.
لقد سبق وأن لخص فرانك بارسونز "Frank Parsons" خطوات الإرشاد المهني فيما يلي:
1 ـ جمع معلومات عن المسترشد أو النزيل، قدراته، ميوله، سماته، وقيمة مشكلاته.
2 ـ جمع معلومات عن عالم العمل من حيث متطلبات المهنة وشروط الإعداد فيها ومستقبلها، مسؤولياتها، احتياجاتها، معدل دخل الفرد فيها، وحجم الطلب عليها.
3 ـ المواءمة بين شخص المسترشد (النزيل) وبين شروط المهنة الواردة في (2) (سليمان، 1986).
كما ظهرت طريقة أخرى وحديثة نسبياً للإرشاد المهني في جامعة مينيسوتا في الولايات المتحدة الأمريكية على يد عالم النفس وليامسون "Williamson" عندما كان يعمل في مركز الإرشاد مع طلبة  للعمل مع نزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل لأنه تم تطويرها مع طلبة الجامعات العاديين وتتلخص هذه الطريقة بالخطوات التالية:
1 ـ التحليل: أي جمع المعلومات المفصلة عن النزيل ومشكلاته وتحليل البيانات التي تم الحصول عليها من الاختبارات والمقاييس.
2 ـ التركيب: وهي عملية تنظيم المعلومات وتبويبها، ثم تلخيصها بشكل يعطي معنى جديداً.
3 ـ التشخيص: أي تحديد المشكلة وأسبابها وأعراضها وحجمها وشدتها وتكرارها ومدتها.
4 ـ التنبؤ: ويتضمن تحديد مآل المشكلة من خلال توقعات المرشد حول التطورات المستقبلية للنزيل على ضوء درجة تعقيد مشكلته وصعوبتها وجديتها.
5 ـ الإرشاد الفردي: ويشمل الخطوات التي يتخذها المرشد لمساعدة النزيل في الوصول إلى قرار لحل المشكلة، وتتضمن هذه الخطوات التي أشرنا إليها مبكراً والتي من خلالها يجرب البدائل والحلول.
6 ـ المتابعة: وتعني متابعة تطور الحالة بعد انتهاء العملية الإرشادية (الصمادي، 1993).
6 ـ الإرشاد التربوي:
انطلقت فكرة الإرشاد التربوي من الاعتقاد السائد بأن تعليم الفرد حقائق ومعارف علمية في مجال ما، وإعداده إعداداً تربوياً سيؤدي حتماً إلى تغير في مفهوم الذات وأسلوب الفرد في التعامل مع المواقف الجنائية. حيث لوحظ أن معظم المجرمين والمنحرفين والمخالفين للأنظمة والقوانين هم ممن حرموا من فرص التعليم وخاصة التعليم العالي. لذا بدأت الدول الحديثة في نقل التعليم إلى واقع دور الإصلاح والتأهيل ولا يغيب عن البال أن الكثير من الدول المتقدمة والنامية بدأت في سن التشريعات تضمن نقل الأحداث الجانحين إلى المدارس بوساطة وسائل نقل خاصة أو فتح صفوف دراسية داخل المركز انطلاقاً من أن التعليم إلزامي للجميع.
إلا أن فكرة الإرشاد التربوي انتقلت لتشمل الكبار الجناة أو المجرمين، حيث تضمنت بعض البرامج الرائدة توفير فرص التعليم الثانوي والتعليم العالي للمقيمين داخل دور الإصلاح حتى يتسنى لهم الحصول على تعليم أعلى وبالتالي تغيير أسلوب الحياة الذي تتطلبه الشهادات العليا. فعلى سبيل المثال قامت جامعة مينيسوتا بطرح مساقات للسجناء على مستوى مرحلة البكالوريوس بحيث يذهب أحد المدرسين إلى دار الإصلاح لتدريس مجموعة من الطلبة مساقاً ما ضمن خطة دراسية. إن البرنامج يؤدي بالدارسين للحصول على درجة البكالوريوس في بعض التخصصات وخاصة المسارات التي لا تحتاج إلى مختبرات وتجهيزات كبيرة. وأثمرت هذه الجهود إلى نتائج واعدة.
في هذا النمط من الإرشاد يقوم المرشد في دار الإصلاح بتحديد الاحتياجات التربوية لدى النزلاء (هذا يحدث في دور الإصلاح الكبرى) التي يكون عدد النزلاء بها مئات. ثم يقوم بالاتصال مع المؤسسات التنموية في الدولة لتلبية احتياجاتهم التربوية. إن عملية إعداد برنامج تربوي يتضمن مجموعة من الشروط:
1 ـ وجو نزلاء لديهم الرغبة الحقيقية في الدراسة.
2 ـ وجود تشريعات تضمن تقديم مثل هذه الخدمات.
3 ـ توفر الإمكانات المادية والتقنية لتنفيذ مثل هذه البرامج.
4 ـ وجود حوافز لضمان تشجيع الدارسين.
دور المرشد:
في الإرشاد التربوي يمثل المرشد قلب العملية فهو حلقة الوصل والاتصال بين الجهاز التربوي في دار الإصلاح، وبين النزيل. حيث بالتعاون مع المدرسين وهيئة المركز يضع برنامجاً لتعديل السلوك يشرف هو على تنفيذه. يتضمن كذلك إعداد وتدريب المعلمين على تنفيذ البرنامج وعقد جلسات مشتركة مع المعلمين وهيئة المركز لوضع خطة تنمية شاملة لدى المقيمين داخل المركز.
كما يقوم المرشد بعقد ورش العمل التربوية والأكاديمية وعقد السيمنارات لتدريب المقيمين على:
1 ـ مهارات الإصغاء.
2 ـ مهارات القراءة المركزة.
3 ـ مهارات إدارة الوقت.
4 ـ مهارات حل المشكلات.
5 ـ مهارات نمائية تربوية للتغلب على نقاط الضعف لدى بعض النزلاء في المهارات التربوية الأساسية.
7 ـ الإرشاد الأسري:
تستند فكرة الإرشاد الأسري إلى أن السلوك المنحرف أو الجانح أو الجنائي هو مجرد عرض لمرض اجتماعي داخل الأسرة، باعتبار أن الأسرة نظام اجتماعي يتكون من مجموعة من العناصر التي تربطها علاقات وظيفية. وأي خلل في أي عنصر سيؤدي إلى فشل النظام وخلله، وبالتالي يفرز سلوكات تظهر على شكل انحراف (Lillyquist, 1980). بناء على ذلك فإنه يمكن النظر إلى الطفل الجانح على أنه مرض للأسرة الفاشلة والذي سمته فرجنيا ساتير "Virginia Satir" بالمريض المميز "Identified Patient" والذي إذا ما تمت معالجته فردياً وأرسل إلى الأسرة فإنه لا تغير جذري قد يحدث، وربما يزيد الموقف سوءاً لأنه يعتقد أن السلوك الجانح الذي يبديه الحدث إنما هو دور داخل الأسرة عليه أن يؤديه. وهو تحقيق الاتزان، ربما يعود ذلك لخلافات زوجية داخل الأسرة. إذ أن انحراف الحدث يجعل الزوجان بعيدين عن مناقشة مشكلاتهما الزوجية والانشغال بمشكلات الطفل الجانح. لذا ركزت ساتير على الوالدين باعتبارهما مهندسي الأسرة. حيث لوحظ أن بعض الأسر تحاول البقاء على أن يظل الجانح جانحاً. أو في حالة تحسن الجانح تتحول الأسرة إلى عضو جديد لتبقى الأسرة باتزان. في التعامل مع أسر الجانحين والنزلاء يحاول المرشد تحسين وسائل وسبل الاتصال بين عناصر الأسرة، والتي عادة ما تكون غير واضحة وفيها تقاطع وغير مكتمل أو حتى اتصال مزدوج له معنيان، وفي الجلسات الإرشادية يحاول المرشد توضيح الاتصال وتعزيز مبدأ "هات ـ خذ".
تنوعت طرق الإرشاد الأسري ليشمل العلاج الأسري الذي يشمل عدة مرشدين في نفس الوقت.
يعيش نزلاء دور الإصلاح والتأهيل في نظام اجتماعي سيعودون إليه حال قضاء محكوميتهم. لسوء الحظ، عدة عائلات تستعيب ممن ألقي عليه القبض بتهمة ما كسبب لتدمير العائلة وعلاقاتها الأسرية والاجتماعية (Lillyquist, 1980).
هناك العديد من المحاولات للعمل مع أسر النزلاء لتحسين الجو الأسري، وبالتالي تحقيق تعاون أكثر مع النزيل.
في مثل هذه البرامج يرتب المرشد زيارات الأسرة أيام العطلات للعمل على تحسين علاقات الأسرة والسماح لجميع أفراد الأسرة التعبير عن انفعالاتهم وأفكارهم. في مثل هذا الإرشاد يحاول المرشد تحديد المشكلة وكيف يراها كل فرد، وذلك من خلال:
1 ـ سماع رأي كل فرد ورؤيته للمشكلة.
2 ـ إعادة ترتيب نظام الأسرة بحيث يكون:
 أ ـ نظام الزوجين أولاً.
 ب ـ نظام الأبوة ثانياً.
 ج ـ نظام الأخوة ثالثاً.
3 ـ توضيح أساليب وطرق الاتصال داخل الأسرة وزيادة التفاهم بين أعضائها.
4 ـ تدريب الأسرة على الديمقراطية في عملية اتخاذ القرار.
5 ـ توزيع المسؤوليات والأدوار كل حسب طاقته وإمكاناته.
6 ـ حل المشكلات الزوجية والتي تؤثر على بقية النظام.
7 ـ تدريب الأبناء على احترام نظام الأبوة وقوانين الأسرة.
8 ـ تدريب بقية أعضاء الأسرة على توفير الدعم النفسي والاجتماعي للنزيل.
9 ـ تنسيق الجهود وخلق التفاهم والتعاون للقيام بوظائف النزيل.
10 ـ مساهمة الجميع في معالجة مشكلة النزيل.
8 ـ الإرشاد الديني:
تفسر العديد من الشعوب السلوك الجنائي بأنه ناتج عن ضعف الإيمان لدى مرتكبي هذه السلوكات، حيث لا توجد قوى داخلية تردع الفرد عن ارتكاب الجنايات والجرائم. وهذا الضعف ناتج عن عدة عوامل ومتغيرات تتعلق بضعف خبرات الفرد ونقص في عوامل التنشئة الاجتماعية، أو تعرض الفرد لخبرات حياتية لا تتناسب والقيم الدينية للمجتمع الذي يعيش فيه. يرى أصحاب هذا الاتجاه أن الفرد عندما يرتكب أول سلوك جنائي قد يعاني من صراع داخلي وبعذاب الضمير الناتج عن الشعور بالذنب. إلا أنه مع تكرار مثل هذه السلوكات، فإن شعور الفرد بالذنب والناتج عن ارتكاب مثل هذه السلوكات يتناقص تدريجياً إلى أن يدمن الفرد على ارتكاب مثل هذه السلوكات الجنائية. وقد يصطلح على الفرد بأن معاناته ناتجه عن ضعف الضمير المتمثل بضعف القيم الدينية التي تشكل دوافع وموجهات لسلوكات حياة الفرد.
لذا يهدف هذا النمط من الإرشاد إلى إيقاظ الضمير وإحداث الصحوة الإيجابية لدى الفرد. وبعث الإيمان من جديد لدى الشخص المنحرف أو الجاني. إنه يهدف إلى إعادة تشكيل نظام قيم بحيث تصبح القيم الدينية هي القيم المركزية لدى بناء الفرد النفسي. إنه محاولة لإعادة إحساس الفرد بالذنب من خلال بناء القوى الإيجابية الداخلية التي تعمل على ضبط الفرد وتوجيه سلوكه وجهة يرضى عنها الله والمجتمع.
لتحقيق مثل هذه الأهداف يقوم المرشدون الدينيون بعقد الندوات والمحاضرات والورش وتوزيع الكتب والمنشورات وعقد اللقاءات والقيام بالعبادات داخل دور الإصلاح والتأهيل. إما من خلال استضافة الأعلام الدينية البارزة في المجتمع والتي لها فعل التأثير في سلوك الآخرين. وإما من خلال شخص المرشد الديني المعين في دار الإصلاح والمؤهل في مجال الوعظ الديني والإرشاد التربوي.
تقدم خدمات الإرشاد الديني من خلال الإرشاد الفردي أو الجماعي، وتعقد الجلسات مرة كل أسبوع على الأقل، وتقام الشعائر الدينية داخل مؤسسة الإصلاح. لذا تخصص غرف خاصة كمكان لممارسة مثل هذه الشعائر، ويلحق بها مكتبة خاصة بالموضوع.
يخطط المرشد للنشاط التوجيهي والإرشادي لمدة شهر على الأقل، حيث يصمم برنامجاً خاصاً بعقد الندوات والمحاضرات والورش الدينية وإحياء الليالي بالعبادات، محدداً الأهداف والموضوعات والوقت بالضبط لإنجاز مثل هذه البرامج وعليه إجراء الاتصالات الضرورية اللازمة عبر قنوات الاتصال الرسمية وغير الرسمية، موظفاً حاجات النزلاء كأساس لمثل هذه البرامج من خلال المسوح التي يجب إجراؤها في البداية.
يجري المرشدون في مؤسسات الإصلاح والتأهيل الاختبارات البعدية اللازمة للتأكد من فعالية برامجهم لتقديم الدلائل لدى المسؤولين عن دار الإصلاح حتى ينظروا إلى مثل هذه الخدمات بجدية، وليجدوا الدعم اللازم، يحتاج تنفيذ مثل هذه البرامج إلى وسائل تعليمية وتقنيات أساسية مثل قاعة دراسية ولوح وطباشير، جهاز عرض فيديو وأشرطة تسجيل وكتب. يجب توفير مثل هذه الاحتياجات كأساس وكجزء من تنفيذ البرنامج.
9 ـ الإرشاد من خلال الرفيق:
في نماذج الإرشاد التقليدية يمكن وسم العلاقة التي تحكم المرشد أو المعالج النفسي بالنزيل المسترشد بأنها علاقة الأب بابنه الطفل، والذي عادة ما يوحي لولده بأنه يعرف ما هو الأمثل لابنه الشقي. أما في الإرشاد من خلال الرفيق فإن طبيعة العلاقة بينهما تعتبر علاقة متعادلة كعلاقة صديقين.
وصف كريش (Kerish, 1975) برنامجاً لإرشاد الزملاء مستفيداً من هذه العلاقة. حيث تم تدريب عدد من النزلاء في دار الإصلاح في مبادئ التفاعل الإنساني الإيجابي، وفي المهارات الإرشادية الأساسية مع الجماعة، وفي المساعدة في تعليم الزملاء. وتتضمن هذه المرحلة (100) ساعة من التدريب في هذه المهارات الأساسية. أما المرحلة الثانية وهي قيادة جماعات إرشادية، حيث يتضمن التدريب (100) ساعة زمنية في قيادة وتدريب الجماعات الجديدة في المهارات الإرشادية الأساسية ومهارات الاتصال ومهارات قيادة المجموعة. بعدها يصبح النزيل قادراً على قيادة متدربين جدد، حيث يصرفون (40) ساعة زمنية في قيادة هذه المجموعات. لوحظ بعد تطبيق البرنامج أن جميع المتدربين قد تحسنت سلوكاتهم ولم يرتكبوا أية مخالفات مع قوانين وأنظمة السجن. كما لاحظ كريش أن إرشاد الزميل له عدة فوائد منها:
1 ـ التوفير بعدد المرشدين.
2 ـ تقليل حجم التكاليف.
3 ـ يتيح المجال للأشخاص التدرب على تحمل المسؤولية.
4 ـ زيادة فرص التفاهم بين الأعضاء.
5 ـ توفير أعضاء أكثر حساسية لحاجات بعضهم البعض (Kerish, 1975).
10 ـ الإرشاد بالمواجهة:
شاعت هذه الطريقة في الثمانينات من هذا القرن، وهي طريقة تقوم على أساس مساعدة كل من الجاني والمجني عليه أو أولياء أمورهم. ففي هذه الطريقة يقوم المرشد بترتيب لقاء بين الجاني والمجني عليه أو أولياء أمورهم إما بوساطة التقنيات الحديثة أي من خلال التلفون أو جهاز التسجيل (كاسيت) أو بوساطة استخدام جهاز كاميرات الفيديو وجهاز العرض.
هذا الأسلوب الإرشادي يتيح للمجني عليهم أو أولياء أمورهم التعبير عن انفعالاتهم وأحاسيسهم وإيصال وجهات نظرهم والحصول على إجابات للأسئلة التي تدور بأذهانهم مباشرة من فم الجاني، مما يتيح لهم فرصة تحقيق الاتزان المعرفي والاتزان النفسي. كما يتيح مجالاً للجاني للتعبير عن مشاعر الذنب لديه والاعتذار للمجني عليه أو لأهله وطرح تصوراته ووجهة نظره. وقد بلغ الأمر بأن أجرى المرشد ترتيباً بين الجاني (سارق) والمجني عليه (صاحب المسروقات) بأن اجتمع الاثنان بحضور المرشد وتعهد السارق برد المسروقات إلى المجني عليه على شكل مردود عملي بحيث يعمل لدى المجني عليه بحيث يقوم بحرث الحديقة وتقطيع الخشب للموقدة بقيمة التلفاز المسروق. وقبل المجني عليه بهذا العرض وتعلم الجاني مذاق العمل الشريف وتخلص من مشاعر الذنب واكتسب مفهوماً جديداً للعمل الحر الذي يؤدي إلى الكسب الشريف. قبل القاضي بهذا العرض لأنه وجد في ذلك توفيراً على موازنة الدولة، لأنه لو تم حبس الجاني لكلف ذلك الدولة كثيراً.
يجب الإشارة إلى أن هذا النمط من الإرشاد يجب أن يستخدم بمنتهى الحذر، وذلك حسب شدة الجناية. وتمر العملية الإرشادية بالمراحل التالية:
1 ـ تقديم الفكرة وتسويغها لدى:
 أ ـ الجاني.
 ب ـ المجني عليه.
 ج ـ أسرة المحكمة (القاضي بشكل خاص).
 د ـ أسرة دار الإصلاح والتأهيل.
2 ـ الحصول على موافقات خطية من جميع الأطراف.
3 ـ تحديد القوانين والأنظمة حول عمليات التفاعل المتوقع حدوثها موثقة كتابياً.
4 ـ الاتفاق على طرق الاتصال:
 أ ـ بواسطة الهاتف.
 ب ـ بواسطة أجهزة التسجيل الصوتي أو المرئي.
 ج ـ بواسطة المقابلة الشخصية وجهاً لوجه.
5 ـ ترتيب الخطة الزمنية وتحديد المكان.
6 ـ تنفيذ العملية الإرشادية وتحديد مآلها.
7 ـ كتابة التقرير ورفع التوصيات.
8 ـ مناقشة النتائج مع القاضي وأسرة السجن.
11 ـ الإرشاد الأخلاقي :
لورانس كولبرغ (Lawrence Kohlberg) اختصاصي في علم نفس النمو ومن أكبر المنظرين في مجال النمو الأخلاقي عند الأطفال، أظهرت دراساته وجود علاقة بين تقدم العمر وتنوع القدرة على التعليل الأخلاقي. مع نمو الطفل فإنه يصبح قادراً على صناعة قرارات أخلاقية ناضجة. ومؤخراً صمم كولبرغ مجتمع مركز للإصلاح والتأهيل يؤدي إلى تحسن حقيقي في مهارات النزلاء في مجال التعليل الأخلاقي.
على عكس مدارس التحليل النفسي التي تهدف إلى خلق الوعي الداخلي، والمدارس السلوكية التي تهدف إلى إطفاء سلوكات غير مرغوبة وتعليم سلوكات جديدة، فإن كولبرغ يحاول تغيير صورة العالم التي يراها نزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل. حيث أن معظمهم يرفض القوانين لأنهم لا يدركون أهميتها ودورها في تسهيل التفاعل الاجتماعي، بل يعتقدون أنهم بعيدون عنها كل البعد.
لذلك يجب أن تركز مهمة مراكز الإصلاح والتأهيل على تطبيق وممارسة الأخلاق والقانون، لأنه يعتقد أن معظم المراكز الحالية بدائية إلى حد ما حيث تمارس العقاب بسهولة وبشكل قسري. يرى معظم النزلاء هذه المراكز على أنها أطلال مهجورة وغابات موحشة حيث لا معايير تنظم الصراع داخلها.
لقد قدم كولبرغ وجهة نظره القانونية في ست مراحل أخلاقية يمر بها الناس، وعلى النزلاء النمو من خلالها:
 (1) كسر القانون يجلب وبشكل آلي العقاب.
(2) القانون هو ما يقوله أصحاب السلطة ويعرفونه.
(3) القانون هو نتاج إجماع الأغلبية.
(4) ينبع القانون من الحاجة إلى الحفاظ على النظام الاجتماعي.
(5) يمثل القانون عقداً اجتماعياً يبقى ما دام يخدم وظيفة اجتماعية.
(6) السمة الأساسية للقانون هي وجود قوانين عادلة أو قوانين غير عادلة والفرد غير مجبر على إطاعتها أخلاقياً.
ولتحقيق النمو الأخلاقي لا بد من أن تتوافر الصفات التالية في مركز الإصلاح والتأهيل:
1 ـ بشكل موضوعي يجب عرض الإجراءات الرسمية وغير الرسمية على النزلاء. يجب أن يتوصل النزلاء وإدارة مركز الإصلاح والتأهيل على القوانين التي تحكم الدار وكيفية الحفاظ عليها.
2 ـ يجب تصميم الخبرات التي تساعد على النمو الأخلاقي داخل مركز الإصلاح والتأهيل من خلال مشاركة النزلاء في صياغة هذه الخبرات التي تجبرهم على التفاعل الإيجابي والصراع البناء مع زملائهم النزلاء.
3 ـ توفير الجو المناسب للنزلاء وتوفير الدعم اللازم من قبل النزلاء بعضهم لبعض لتبني خطط حياة أكثر إيجابية بعد إطلاق سراحهم.
يجب أن يتم ذلك من خلال خلق جو التفاهم والتلاحم بين أعضاء المركز نزلاء وموظفين.
يتحول المركز إلى إدارة ذاتية، حيث يعمل النزلاء وإدارة المركز على صياغة القوانين التي تنظم عمل المركز وطرق ضبط السلوك من خلال الاجتماعات.
وفي الدراسات التقيمية أشارت التقارير إلى أن (75%) من النزلاء يؤكدون أن المركز كان عادلاً ويرون أنفسهم أصحاب القوانين التي يعيشون بموجبها.
وقد تبين أن النزلاء قد تحركوا من المرحلة الثانية إلى المرحلة التي تليها بعد خمسة أشهر. وبعد سنتين تبين أن (16%) فقط من النزلاء لم يحققوا النمو الكافي أخلاقياً (Lillyquist, 1980).
12 ـ الإرشاد السلوكي :
يعتبر هذا الأسلوب من أقدم النماذج الإرشادية المستخدمة في مراكز الإصلاح والتأهيل، وهو عبارة عن مجموعة من الاستراتيجيات والأساليب التي ترتكز إلى مبادئ المدرسة السلوكية التي سبق وأن نوقشت بشيء من التفصيل في الفصل السابق وتشمل هذه الاستراتيجيات بالإضافة إلى الاسترخاء العضلي ما يلي:
أ ـ الاستراتيجيات التي ترتكز إلى نظرية الإشراط الكلاسيكي والمتمثلة بالعقاب والمعالجة بالتنفير وسحب المعززات عند قيام النزيل بسلوك غير مرغوب فيه.
ب ـ الاستراتيجيات التي ترتكز إلى نظرية الإشراط الإجرائي والمتمثلة بإعطاء الثواب حالما يقوم النزيل بسلوك مرغوب فيه كبرامج التعزيز الرمزي.
ج ـ الاستراتيجيات التي ترتكز إلى نظرية التعلم المعرفي أو ما يعرف بالتعلم بالتقليد والمتمثلة بعرض نماذج إيجابية على النزيل كي يتأثر بها ويقلدها من خلال السينما والتلفاز والقصص. (لمزيد من المعلومات راجع جمال الخطيب، 1988).
13 ـ الإرشاد البيئي (Milieu Therapy) :
تستند فكرة العلاج البيئي إلى فكرة تحويل بيئة مركز الإصلاح والتأهيل إلى بيئة علاجية تساعد في إنجاح الجهود الإرشادية التي يقدمها المختصون داخل المركز من خلال تبني مراكز الإصلاح نظام قيم جديد يساعد في نمو الأفراد مما يساعد في بناء الانتماء لدى النزلاء. إن هذا النظام القيمي الجديد للمؤسسة سينتقل إلى الأفراد النزلاء بفعل ضغوط الجماعة.
يعود الفضل في تطوير هذا النظام العلاجي إلى الطبيب البريطاني ماكسويل جونز (Maxwell Jones) الذي مارسه مع أسرى الحرب البريطانيين، ثم شاع الأسلوب في أمريكا في الستينات وخاصة في معالجة مدمني المخدرات. في كتابه "ما وراء المجتمع العلاجي" قدم جونز أساسيات هذا النظام وهي :
1 ـ فتح قنوات الاتصال بين إدارة المركز والنزلاء.
2 ـ يجب أن يشترك جميع من في المركز في صناعة القرار على مختلف المستويات.
3 ـ يجب نشر الثقافة العلاجية من خلال تبني قيم جديدة واتجاهات جديدة.
4 ـ يجب أن يشتمل المركز على عدة شخصيات قيادية اجتماعية.
5 ـ جميع القرارات داخل المركز يجب التوصل إليها بالإجماع والمشاركة.
6 ـ يجب التركيز على تجديد التعلم.
بناءً على هذه الأسس انطلق العديد من البرامج، وفي العديد من مراكز الإصلاح والتأهيل نجد نماذج جديدة من العلاج البيئي، ففي بعض المراكز تم تشكيل حكومة ذاتية لإدارة المركز، وبعضها شكل مجلس نيابي لاتخاذ القرارات وصياغة العقوبات، وفي مراكز أخرى تتم لقاءات جماعية يومياً لمناقشة قضية ما، تساعد في تحقيق النمو النفسي لدى الأعضاء نزلاء وإداريين (Lillyquist, 1980).

الخاتــمــــة
لقد تمت معالجة مفهوم السلوك الجنائي، وتم تحديد أصنافه، ونوقشت العوامل البيولوجية والاجتماعية والنفسية، من حيث دورها في تحديد السلوك الجنائي. كما تم استعراض نظرية التحليل النفسي، ونظرية العلاج المتمركز حول الفرد. ونظرية المدرسة السلوكية، ونظرية العلاج الواقعي. ثم استعراض هذه النظريات من حيث بنيتها المعرفية، وكيفية تفسيرها لنمو الشخصية الإنسانية السوية وغير السوية. وكيفية تفسيرها للسلوك الجنائي، وأهداف العملية الإرشادية. وأخيراً تم استعراض أبرز الاتجاهات الإرشادية المعاصرة في محاولة التعامل مع السلوك الجنائي بأسس علاجية حضارية تستند إلى أسس إنسانية.
نجاح وفشل مثل هذه الأساليب يعتمد إلى حد كبيرة على توفير الجو التشريعي والقانوني المناسب، والذي يضمن توفير الإمكانات الفنية والمادية والتقنية والتجهيزات المناسبة. وأهم من ذلك ضمان السرية النسبية للمرشد الذي يتعامل مع السلوك الجنائي. وتعني النسبية هنا أن المرشد قد يصبح شريكاً بالجناية إذا علم بها من خلال بوح الجاني المسترشد بأسراره للمرشد. لذلك لا بد من ضمان حق السرية وعدم استجواب المرشد في المحكمة أولاً. وإذا لم يتم ضمان ذلك للمرشد فعلى المرشد أن يشعر المسترشد بحدود السرية لديه ولا يشجعه على الإدلاء بأي معلومات قد تهدد قضيته بالمحكمة.
وكمساهمة فاعلة من الجانب التشريعي والتنفيذي، يدمج الجناة الذين ثبت تفاعلهم مع المرشد، وحققوا نجاحات عملية، يشهد بها المرشد. ولدمجهم بالمجتمع يجب إعطاؤهم الفرص المناسبة للعمل سواء في المؤسسات الرسمية أو غير الرسمية. ويجب كذلك ضمان عدم المساءلة عن "عدم المحكومية" عند التقدم بطلب وظيفة لأن من عوقب على جناية قد نال حقه ولا يجوز معاقبته مرتين.
لتنهض الشعوب، لا بد من إعادة النظر سنوياً في نظرتها لفنون التعامل مع السلوك الجنائي، وتوفير أدنى مستوى من الحقوق الإنسانية، بحيث يساعد على إعطاء الدول الوجه الحضاري من جهة. ولتقليل التكاليف المالية ثانياً حيث إن إيداع الجاني في دار الإصلاح والتأهيل قد يكلف الدولة المبالغ الطائلة والمتزايدة يومياً. لذلك لا بد من توجيه هذه المبالغ في مشاريع أكثر فاعلية وتضمن الجودة في الإنتاج لتقليل نسبة العودة إلى الجناية.
ويجب التذكير بأن التقنيات والأساليب الإرشادية والتي هي الأساليب الشائعة والمنتشرة حالياً في دول الغرب عامة. ولا يعني ذلك بأي حال من الأحوال أنه تصلح لكل زمان ومكان. وأن هناك أساليب جديدة يتم تجريبها كل يوم، ولكل مكان خصائصه ولكل زمان أساليبه ولكل موقف معالجاته، لذلك ما يصلح مع هذا المسترشد قد لا يصلح مع غيره. وما يصلح لهذا المركز قد لا يصلح لآخر. وما كان صالحاً بالأمس قد لا يصلح اليوم. لذا على القائمين على مراكز الإصلاح والعاملين فيها وخاصة المرشدين إن وجدوا يومياً تجريب وتوظيف الأساليب المستجدة، حتى يتمكنوا من تقديم خدمات متميزة تعطي ثماراً لا يستهان بها.

قائمة المراجع
ـ (ابراهيم، عبد الستار (1988). العلاج النفسي الحديث. الكويت. سلسلة عالم المعرفة. دار القلم.
ـ إبراهيم، عبد الستار، الدخيل عبد العزيز وإبراهيم، رضوي ( 1993). العلاج السلوكي للطفل: أساليبه ونماذج من حالاته. الكويت. سلسلة عالم المعرفة. دار القلم.
ـ الخطيب، جمال (1988). تعديل السلوك: القوانين والإجراءات. عمان. جمعية عمال المطابع الأردنية.
ـ سلامة، أحمد، وعبد الغفار، عبد السلام (1980). علم النفس الاجتماعي. القاهرة. دار النهضة العربية.
ـ سليمان، عبد الله (1986). الإرشاد النفسي: (تطور مفهومه وتمييزه). جامعة الكويت. حوليات كلية الآداب الحولية رقم 36.
ـ الصمادي، أحمد (1990). المدرسة كما تتصورها نظرية الضبط. المجلة العربية للتربية. (1ـ2) ص51ـ73.
ـ الصمادي، أحمد، وفرح، عدنان، وحداد، عفاف، والشيباني، محمد (1993). مبادئ الإرشاد والتوجيه. صنعاء، اليمن. وزارة التربية والتعليم.
- Axelin, v. (1970) Dips. in search for the self. New York : Ballantine.
- Bartol, C. (1980). Criminal begavior: A Pyychological approach . Englewood cliffs,  NJ: prentice hall.
- Button, A (1973) Some antecedents of felonious and delinquent behavior, Journal of  child clinical psychology. (2). 35-37.
- Cleckley, H, (1976). The mask of sanity. (5ht ed). St louis: mosby.
- Corsini, R. (1984) Current psychotherapies (6th. ed.) itasca, Ill: peacock.
- Eysenck, H. (1973) The inequality of man. san Diagoi, ca: Edits.
- Eysenck, H. and Gudjonsson, G. (1989). The causes and cures of criminality. New  York: Pleenum.
- Gazda, G. (1978). group counseling: Adevloment. approach (2nd ed). Boston: Allyn  & Bacon.
- Glasser, w. (1969) Reality Themapy: New approach to psychiatry. Now York:  Harper.
- Glasser, w. (1981) Stations of the mind: A new direction for reality therapy. New  York: Harper & row.
- Glasser, W. (1987) Taking effective control over your life. New York: Harper &  Row.
-  Goring, C. (1972) The english convict: A statistical study. Montclair, NJ: patterson.
- Gunn, J, Robertson, C. Dell, S., and way, C. (1978). psychiatric aspects of  imprisonment. London: Academic Press.
- Howells, K. (1982) Mental disorder and violent behavior, In P. feldman (Ed),  Development in the study of criminal behavior, violence (vol 2) Chichester: wiley.
- Lillegyuist, M. (1980) Vnder standing understanding and changing criminal begavior.
 Englewoud cliffs, NJ: prentice-Hall.
- Kerish, B. (1975) peer counseling In. R. Hosford and C.moss (Eds), The crumbling  walls: treatment and counseling of prisoners. Urbana, U. of Illinois.
- Krech, D, Crutchfield, R. f Livson, N. (1974). Elements of psychology (3rd ed).  New York: Knopf.
- Mersella, S. of Corsini, R. (1982). Personality theories. Itasca, Ill: peacok.  research  of assessment ceds).
- Monhan, J. and Monhan, B. (1986). Police and montally disordered. In J. Yuille  (Ed), Police Selection and training. Boston: Martinus.
- Prins, H. (1980) Offender, deviants, or patients. London, tavistock.
- Savitz, L. (1972) Introduction. In G. Lombroso, Crimina man. Montclair, NJ:  patterson smity.
- Shilling, L. (1984). Perspective of counseling theories. Englewood clitts, NJ:  prentice-Hall.
- Skogan, W. (1977) Dimensions of the dark figure of unreported crime. Crime and delinquency, 23, (41-50).
- Stumphauzer, J. (1986). Helping dlinquents chrnge: A treatment manual of social  Learning approaiohes. New York: Haworth.
- Tappan, P. (1947). Who is the Criminal. American sociological review. 12, (100- 110).
- Wolfgang, M. (1972) Cesare Lombroso. In H. Mannheim. (cd). pioneers in  Criminality. Montclair, NJ: patterson smith.

المحتوى
المقدمة
الفصل الأول: مفهوم السلوك الجنائي وأنماطه  
ـ أسباب السلوك الجنائي وعوامله
ـ عوامل جينية ووراثية
ـ عوامل ثقافية واجتماعية واقتصادية
ـ عوامل نفسية
ـ عوامل تطورية
ـ جنوح الأحداث
ـ العلاقة بين المرض العقلي والسلوك الجنائي
الفصل الثاني : نظريات الإرشاد والسلوك الجنائي
ـ نظرية التحليل النفسي
ـ نظرية العلاج المتمركز حول
ـ نظرية المدرسة السلوكية
ـ نظرية العلاج الواقعي
الفصل الثالث : الطرق الحديثة في إرشاد المقيمين داخل
مراكز الإصلاح والتأهيل
ـ الإرشاد الفردي
ـ الإرشاد الجماعي
ـ الإرشاد العضلي والعقلي
ـ الإرشاد الترويحي
ـ الإرشاد المهني
ـ الإرشاد التربوي
 الإرشاد الأسري
 الإرشاد الديني
 الإرشاد من خلال
 الإرشاد
 الإرشاد الأخلاقي
 الإرشاد السلوكي
 الإرشاد البيئي
الخاتمة