خلقت الأعمال الروائية الكلاسيكية على يد الروس والأوروبيين عالما فنيا يفوق الواقع التاريخي الاجتماعي ويدل عليه ويقف منه موقفا وجدانيا يكشف تشوهات الروح والبؤس، ويكشف حركة المصير التي لا تعبأ بتطلعات الفرد أو المجتمع، حركة لها قدمان يطآن الرغبة والأمل. لقد أشادت هذه الأعمال النصب العالمي آنذاك وجاءت أعمالا متينة سلسة تمس الوجدان والعاطفة وتخلق فيهما موقفا مضادا للواقع.
ثم كانت الأعمال الحديثة التي لطريقة تركيبها الفني قد كسرت الصيغ الكلاسيكية المألوفة. فلم يعد الحديث فقط مع العاطفة والوجدان بل أضيف إلى ذلك العقل الذي سيساهم في عملية التحليل والتفكيك لإطلاق المعاني المرمزة. هذه المعاني التي لن تحملها الطرائق الكلاسيكية. حيث أن قوة المغزى عميقة مغروسة في أعماق البنية البشرية، والأشكال السطحية المنظمة المضبوطة والتي يشكلها الزمان والمكان معا هي تيارات سطحية لا تشي بمعمار الداخل القابع في القاع.
لقد تزامنت هذه التيارات الجديدة مع الاكتشافات الحديثة للفيزياء والكيمياء اللتين تكشفان في كل مرة أن حقيقة الوجود تظل ناقصة والطريق إلى الحوزة عليها هو طريق توافقي بالمعنى الرياضي أو (تضاعفي)، حيث أن ملايين السنين القادمة لن تكفي للوصول إليها.
ولقد أجادت الرواية العربية الطرائق الكلاسيكية وأمتعتنا بسرديتها وبفنيتها الجميلة (موسم الهجرة، الحرافيش، التيه من مدن الملح.. لا أغفل أيضا أعمال إبراهيم أصلان..) وبظهور التيه وموسم الهجرة كنت قد كونت نظرة عن أن الرواية العربية وصلت إلى المنتهى الكلاسيكي ويجب بالتالي إما أن تكرر نفسها أو أن تستكشف طرائق أخرى- وهذا الكلام لا ينطبق على إبراهيم أصلان مثلا حيث الظاهرة الإبداعية لديه فيها خصوصية عربية مصرية. وربما كانت البدايات على يد إدوار الخراط في رواية "الزمن الآخر" التي سيطر عليها عامل اللغة وأدارها كي يحولها إلى قصيدة نثر طويلة. فالزمان والمكان في هذه الرواية هما في حالة الشعرية وليسا في حالة الروائية. الزمن الآخر قد افتتحت النهج أو الصيغة الحديثة التي ستكتمل عن طريق تحويل قوة الشعر إلى الرواية حيث سيتم فيها إدخال معامل خاص يضمن رؤية مختلفة للمكان والزمان. هذه الرواية، الزمن الآخر، مهدت الطريق لدابادا.
في الواقع البسيط والمباشر أن من مهد الطريق لدابادا هو وليم فوكنر في راوية الصخب والعنف حيث كانت ترجمتها إلى العربية العامل الأكبر لظهور دابادا. لكن هذا الظهور من الوجهة العميقة يدين لرواية الزمن الآخر أو (رامة والتنين) فهي التي ألمحت للنفس العربية المبدعة بضرورة كسر القيد الكلاسيكي للنص الروائي. لذلك لا أخشى في أن أقول إن إدوار الخراط هو الأب أو الجد ( Grandfather) المؤسس للرواية العربية الحديثة. حيث أن هناك رباطا بينه وبين الكلاسيك من جانب وبينه وبين الحديث من جانب آخر.
الحالة الروائية عند إدوار الخراط أو عند حسن مطلك ليست حالة قص أو رواية أحداث كما هي عند بلزاك أو فلوبير، محفوظ أو منيف، بل هي طاقة موسيقية غاضبة تريد أن تخرج بأداة اللغة، ولا تتسع لها القصيدة، ولا تتسع لها الرواية الكلاسيكية التي تبدو أمامها هشة ضعيفة، فتهشمها الطاقة الإبداعية العميقة التي تدفع وتخرق بالصور الفنية المعنى الزماني للمجتمع ذلك كي تدينه وتكشف خطاياه الأبدية.
"... بحلول الخريف حيث تجاهد الأشجار للتخلص من أوراقها الميتة، قامت هاجر ثم اتجهت إلى المطبخ المنفرد لكي توقد ما تبقى من أحطابها وتعد أصباغا من عروق الشوك لقربة اللبن. قامت هاجر. يقول شاهين وهي أمه.
وفي كل خريف تتجدد ذكرى ضياع الأب في البراري بسبب أرنب مبقع"
ما سبق هو افتتاحية رواية دابادا التي كتبها الراحل حسن مطلك وصدرت طبعتها الأولى على نفقته عن الدار العربية للموسوعات في بيروت العام 1988. ويقوم ويشاد في هذه الافتتاحية الأساس الذي سيبنى عليه المعمار الروائي التشكيلي الغامض، حيث الافتتاحية في هذا النوع من الأعمال ليست مقدمة للتوضيح بل هي من مرة واحدة غرف اليد عميقا في سريان الباطن كي تمسك على المنبع الذي يغذي العمل الروائي كله. فالتيمة التي تقص ضياع الأب هي أساس الرواية. وكما هو الحال في رواية "بيدرو بارامو" التي يفتتحها خوان رولفو " جئت إلى كومالا لأنهم قالوا لي إن والدي يعيش هنا" فالبحث عن الوالد أيضا هنا هو قوام الرواية. ويتضح ذلك أيضا في رواية الزمن الآخر حيث تقول الأسطر الأولى منها " كانت رامة تقف بالباب، في الدفء المخامر، ندية، نظرة، ثقيلة بجناحين كبيرين مطويين إلى جانبها" فالرواية كلها عن رامة الحبيبة الشرقية المستحيلة.
إن حالة ضياع الأب في البراري تتوافق مع حالة البحث عن الأب في "بيدرو بارامو" وتتوافق أيضا مع الصورة الهائلة للحبيبة رامة التي تستحضرها لنا رواية الزمن الآخر. فعمل المقدمة هنا هو عمل يضع القارئ في بطن السيالة الفنية التي تشكل العمل الفني كله. إنها الدفقة الأساس، الدفقة النووية التي لم تنفجر بعد.
إن كان بلزاك (ديكنز) وفلوبير قد أمسكا الطرف الأول من العصا فإن جيمس جويس وفرجينيا وولف أمسكا بالطرف الآخر منها حيث نظر الأولان إلى الخارج بينما التاليان نظرا إلى الداخل وهم مجتمعين لم يخرجوا عن الصيغ الكلاسيكية للرواية بينما فولكنر وخوان رولفو كانا بعيدين وحرين وهما من أخرجا الرواية إلى المدى البعيد الرحب حيث سيتم تشكيل العالم وترميزه كي يحمل ثقلا أضافيا.
دابادا جاءت كصراع بين الخير والشر ( بين البلاهة والخبث)، ورغم أنها قد استعارت أبله فوكنر (بنجمان= شاهين) إلا أنها قريبة أكثر في تركيبها لراوية "بيدرو بارامو" منها ل "الصخب والعنف" حيث دابادا كانت قد كتبت قبل دخول ترجمة "بيدرو بارامو" العراق. وهذه واحدة لها تقول لنا إن الراحل حسن مطلك حاول التجاوز والتخلص من تأثير وليم فولكنر وافتتح بهذه المحاولة رواية كونية حديثة.
تقص الرواية كيف مختار القرية (حلاب) أغتصب السلطة من الشيخ عبد المجيد الذي مات مسموما بمؤامرة من حلاب؛ وأزاح أيضا عن طريقه أبا شاهين محمود الصياد الذي ضاع في البراري خلف أرنب مبقع. كان لشاهين من العمر سبع سنوات حينذاك حيث سيعتزل في غرفته العلوية لعشرين عاما حزنا أو استسلاما. بعد ذلك يخرج منها كما يخرج الفرخ من بيضة، أبله بالطبع ومع أن أمه هاجر تحاول أن تجعل منه رجل البيت بعد اختفاء أبيه إلا أنها تفشل. فهي أمام أبله لم ينم جسده بشكل طبيعي فقد كان سبيعي، سبعة اشهر وليس تسعة، في ولادته. ثم يحاول المختار حلاب أن يجعله احد أتباعه وأحد خدمه فيمنحه حمارا كي يرعاه لكنه في البرية يطعن الحمار بمدية أمسكها بالمقلوب فيدمي يديه بدلا من قتل الحمار. ويظن انه قتل الحمار فيهرب نحو الجبل للاختفاء. يساعده في الاختفاء عارف الذي يقوده نحو المخبأ الآمن، لكن الأخير سيعود إليه ليقول أن الحمار بخير. وما فعله شاهين لم يكن سوى طعن نفسه... هناك أيضا مركز أو كتلة قص تدور حول صديق شاهين الفنان الرسام عواد وموديله عزيزة التي يقع في غرامها. والحياة العاطفية لشاهين، إن كان هناك حياة عاطفية، تتردد بين عزيزة وبين محاولات أم عواد (40 عاما) التي حاولت لفت انتباهه لأنها بحاجة إلى رجل يعوض لها نفور زوجها المتدين عنها. الصفحات الأولى من الرواية تبين مشهدا خارجيا غامضا. بعض الأشخاص في غرفة بعيدة يبدون من خلال نافذة غرفة شاهين منهمكين في عمل ما يبعث سعادة في نفوسهم فيضحكون. ويكتشف شاهين في نهاية الرواية أنهم إنما يقومون بوضع مساميرا في النار حتى الاحمرار ثم يلقونها في الماء لتصدر صريرا " كش" فيضحكون على هذا وكان شاهين يظن أن ضحكهم لسعادة ما.
لقد انعزل شاهين لعشرين عاما! تظهر لنا هذه العزلة ثم الخروج منها، تظهر أحيانا بأنها غير مبررة فنيا، فهو أصلا يعيش في عزلة وذلك إن كان قد انعزل في غرفته لعشرين عاما أم لا، فهي العزلة حاضرة في كيانه وروحه. فكأن هناك كما يبدو لي في بعض المقاطع تحضيرا مسبقا للصناعة ودفعا عقلانيا للصيغ الفنية: ينعزل عشرين عاما ثم يخرج. حيث كما أرى أن هذا الدفع والتخطيط المسبق له لا يصلح لهذا النوع من الأعمال الروائية، لسبب واحد وهو وجوب أن يكون التضافر بين الدفقات الشعرية والبناء الحكائي تضافرا نابعا من موطن واحد وهو ساحة ما تحت الشعور الخفي الذي يعرفه الشعراء جل معرفة. وهذا الموطن لا يسمح للوعي بالتدخل، أي أن عناصره لا تبنى ولا تصمم مسبقا بطريقة الوعي بل تحضر بشكل غامض، تدركها البصيرة وتحس بقوتها والتي يخمنها الكاتب ويقدرها فيقرر بالتالي إن كان دفعها يصلح لعمل روائي أم لا.
"بحلول الخريف... قامت هاجر. يقول شاهين وهي أمه". قامت أمه كي تفتح له الفجوة فيخرج بعد عزلة دامت عشرين عاما. وجاءت الجملتان في مقطع افتتاحية العمل: "قامت هاجر. يقول شاهين وهي أمه." جاءت غريبة عن الصياغة العربية. حيث في حوار مع حسن مطلك قال مرة "المهم أن نجرب كيف نخطئ في اللغة بعد أن نتقن الإعراب". تلك الجملتان، أو في الواقع جملة واحدة، هي جملة غير سليمة من حيث التركيب. كان يجب أن تكون على سبيل المثال كما يلي: ("قامت هاجر" يقول شاهين). لكن أدوات الترقيم هنا ليست أدوات جملة القواعد، أي حين تنتهي الجملة (الفكرة) توضع نقطة أو فاصلة الخ. بل الترقيم في هذا العمل هو ترقيم مولف على الدفقات (والتي لا شان لها مع الفكرة) التي تخرج من النفس واحدة بعد أخرى ولا يحدها ويفرقها عن بعض سوى أداوت الترقيم. (قامت هاجر) كانت هذه الدفقة الأول. ثم الدفقة النفسية الثانية (يقول شاهين وهي أمه). إننا ندخل هنا في خضم العمق ونؤلف لغة تعرفها النفس وتشعر بها، وهي بطريقة ما مستهجنة من اعتياد العقل ومن قواعده المألوفة. (قامت هاجر. يقول شاهين) هذه هي جملة وليم فوكنر حيث تتوقف هنا، إلا أن حسن مطلك مدها مضيفا إليها(وهي أمه). والجملة السليمة في العربية ستكون: قال شاهين: قامت أمه هاجر. فتأت في الماضي (قال، قامت) لكن دابادا لم تأخذ هذه الصيغة بل جعلت شاهين حاضرا في الصيرورة فهو "يقول" وليس "قال" حيث أن استعمال كلمة "يقول" سينقل الصورة من الحكاية أو من الماضي المحكي إلى صورة حاضرة في الصيرورة. وأن جملة (وهي أمه) تدل على انفصام وتخلي عن الملكية وإيغال في الهجر فستكون (هي= الأم) ضمير غائب. وهي، هاجر، الحاضرة في جملة (قامت هاجر)، كي تغيب في جملة (وهي أمه)، يغيبها الراوي، الذي ليس سوى شاهين نفسه. فتظهر الأم في جملة (قامت هاجر) وتغيب في جملة ( يقول شاهين وهي امه)! وهنا يترأرأ الزمن (الصيرورة) بين الماضي والحاضر (قامت. يقول)، وبين الشاهد والغائب (هاجر. أمه).
والعالم بشكل عام سيكون هو "الآخر" فيظهر بصورة الغائب متخفيا ضبابيا لا ملمس واضح له. حتى أناه- أنا شاهين، هي ليست "أنا" بل "هو".
اللعب في الرواية على الضمائر والزمن يفتح أبواب الخيال على حالات قصوى غير مألوفة في الأعمال الكلاسيكية.
وهناك في الرواية صورة لم تكتمل أو حركة لم يتممها الروائي حسن مطلك، ربما قد نسي إتمامها أو انه وضعها عن قصد ناقصة من دون تتمة وإغلاق ألا وهي "ذكرى المعذب صابر يوم الأربعاء بعد المطر". فمن هو صابر وماهي ذكراه ولماذا يوم الأربعاء؟ تتكرر هذه الجملة في أكثر من مكان. حيث سيظن القارئ حين يواجه هذه الجملة في الصفحات الأولى أنه سيعثر في الصفحات القادمة على لغز العذاب وعلى شرح واف لقصة صابر. لكنه لن يعثر على كلمة تدله على الجواب. هل ولدت هذه الصورة سبيعية أيضا لا تتمة لها أو هل ماتت في رحمها كجنين لم يكتمل؟
ليس هناك شرط كي تـُغلق القصص الجزئية وتكتمل، كما هو الحال في تقنية الرواية المألوفة والتي تورد مقاطعا من صورة جزئية غامضة في البداية كي تفسر ويحل غموضها في الصفحات المقبلة. لكن العمل الذي نحن بصدده ليس عملا يهدف الحكاية بل هو عمل يستند على الحكاية كي يقول ماهو خارج الحكاية، يقولها بوجه يحمل أكثر من تفسير. فالرواية هنا ليست قص.
ويلزم على الأقل قراءتان لرواية دابادا، حيث في القراءة الأولى تلعب الفقرات دور قوة نابذة للفهم وللوعي بها. كأنك تحس أن هناك تحديا مقصودا يقيمه الكاتب في وجه القارئ وهو الذي قال في حوار معه " يجب أن يكون الكاتب أكبر من القارئ كي يحمي نفسه منه دائما" وهذه القوة النابذة إن صح التشبيه تدفع بالقارئ إلى الملل والتشوش والشعور بقصر القامة حيث الأدب يجب أخيرا أن يرفع قامة القارئ ويغذي وعيه بالطاقة الروحية لا العكس.
وللتخلص من هذا التباعد أو التعالي الذي تقيمه اللغة يجب قراءة الرواية مرة أخرى للإمساك بالخيوط الضائعة. وعندها ستلتئم الهوة وسينكشف المعنى- تظهر تضاريس الرواية ويبان تلالها ووديانها.
ومثلما كان إدوار الخراط في الزمن الآخر: ثقل اللغة يقف عائقا أمام اكتمال ونمو العمل، كان حسن مطلك كذلك أيضا، يستمع إلى نبض وينجذب إلى بعد وحيد، يبدو بشكل ظاهر أنه بعد غامر كلي لكنه بالتدقيق والتأني يظهر لنا أنه الطاقة الشعرية (الظاهراتية phenomenalism؟!) الهائلة التي غمرت النصوص والفقرات واجتاحت في طوفانها النظام العقلي- والذي في النهاية يجب الاعتماد عليه، ليست هذه الطاقة الشعرية سوى إعاقة للنمو الذي نكتشف إنكساراته في الصيرورة الداخلية للعمل. على سبيل المثال لقد جاءت صورة إمساك المدية بالمقلوب حين طعن شاهين الحمار، فكان يطعن يده بضربات متلاحقة ويظهر الدم من يده وهو يظن انه دم الحمار الذي يطعنه، جاءت غير مقنعة ولا توازي قوة الشعر في نصوص الفقرات، ثم الهروب إلى الجبل من جراء هذا الفعل! إن رمز الحمار في الرواية غير مقنع. وكذلك أيضا حالة انعزال شاهين. ثم نهاية الرواية التي تكشف لنا زيف الضحك بتسخين المسامير ثم رميها في الماء، جاءت في غير مكانها حيث يفرض القارئ أن تكون أوسع وفيها تعبير آخر يستعير ملامح القرية، ميثولوجية المكان، ليوظفها الكاتب التوظيف الملائم.إنها رواية قد فتحت فمها لجذب الصور والقصص والأفكار العالمية المختلفة ذلك بسبب طوفان الوعي وعدم ثباته فلا تعرف هل تقرأ حلما أم تحلم أم تتوهم.
بالطبع الرواية تمتلئ بالجمل الصادمة المكتوبة لأول مرة: " دقيقة صمت، بل دقيقة وقوف لأن الصمت مستمر" "أن حضورهم شبيه بغسل الأحجار قبل رميها في النهر"
ويصور الكاتب كيف الأم هاجر تحمل الفانوس وتدخل غرفة ابنها شاهين المظلمة: " ثم تصير الغرفة مضيئة مليئة بالباب. الباب هو الغرفة، والغرفة هي الباب. باب من ضوء. شاهين يا ولدي لماذا تركتني وهربت؟" "فكر بأنه مختلف لأنه يحس بألم المسمار؛ المطرقة من طرف وصعوبة الاختراق من الطرف الآخر". وفي حفل الطهور تصور الرواية كيف كانت النساء تزغرد والبنادق تطلق: " كانت الزغاريد تخرج من أنابيب البنادق، أما النساء فيطلقن الرصاص من أفواههن بهجة" ويقول الكاتب في إحدى الفقرات كأنه يتوقع موته وأزمته "أتدرين سأموت في الثلاثين أو أتعرض لأزمة" ثم في منطقة الصيد يفاجأ شاهين بالذئب القادم ف "يتبادلان حروف اسميهما، هو وهي؛ شاهين وهيروشيما، لأنه كان يحلم بتلك المرأة الفاتنة من اليابان لحظة هجوم الذئب" وفي مكان آخر " هناك فقط شيئان؛ عمود الحياة وحفرة الموت".
أظن في النهاية أن الطاقة والقوة الهائلة الموجودة في رواية دابادا جاءت بسبب الحالة غير المعقولة التي عاشها الروائي الراحل، عاشها ويعيشها العراق، إنها رواية غضب، غضب فلسفي وديني غضب إنساني عارم تحمله أداة الأدب.
يبقى أخير أن نقول أن تسمية دابادا جاءت دليلا على محاولة التخطي أو التجاوز الذي أراده حسن مطلك. فما هو معنى دابادا؟ إنها الكلمة التي لا تحتويها لغة بالمعنى الذي أراده الروائي- من الممكن العثور عليها هنا أو هناك، لكن الكاتب أرادها كلمة تنبع من الأعماق حيث لا لغة ولا حروف، فقط هناك أصوات أزلية بدئية، أصوات خام منها تتكون اللغة وتتشكل. دادادادا بابابا دادادا. بداية الصوت- صوت اللغة الإنساني، كان دابادا.
تبقى هذه الدراسة دراسة غير مشبعة فكثير من الآراء التي وردت فيها تريد تروية حيث قوة العمل يريد قوة رؤية وهنا قوة الرؤية تتشوه بسبب ضيق اللغة
حسن مطلك (1961-1990) روائي عراقي كتب القصة والرواية.
للإطلاع على أعمال الراحل حسن مطلق أو تحميل دابادا يرجى مراجعة الوصلة التالية:
الحقوق الفكرية
انشرت في الحوار المتمدن.