مقدمة :
لماذا إصبع غاليليو ؟ يمثل غاليليو معلما لنقطة انعطاف اتخذ فيها البحث العلمى اتجاهاً جديداً , فعندها نهض العلماء – وهذا مصطلح كان , فى ذلك الوقت ينطوى على مفارقة تاريخية بالطبع – من على كراسيهم يتساءلون عن فعالية المحاولات السابقة لتعرف طبيعة العالم بواسطة الفكر والمحاكمة النظرية , وليمشوا أولى خطواتهم المضطربة فى مسار العلم الحديث.
وإذ ذاك , صاروا يرفضون كل الحجج النظرية التى لا تدعمها التجربة ومع أنهم لم يبتعدوا كلياً عن تخميناتهم النظرية وتأملاتهم الداخلية فقد عقدوا تحالفاً جديداً , أكثر قوة مع تقنية النهج التجريبي الذى يمكن التحقق من صحته علانية .
نحن نرى هذه السمة لإصبع غاليليو بارزة فى جميع مياديننا العلمية الحالية .
نراها فى الفيزياء التى كانت اول موضوع ظهرت فيه تلك السمة , وفى الكيمياء التى وجدت السمة طريقها فيها في بواكير القرن التاسع عشر , وفى البيولوجيا وبخاصة منذ أن توقفت البيولوجيا عن مجرد كونها مصدراّ لإثارة الدهشة والتعجب خلال القرنين التاسع عشر والعشرين .
واختصاراً فإن هذا الكتاب يمجد فعالية الإصبع الرمزية لغاليليو لأنها استطاعت أن تستل الحقيقة من بين ركام من الدعاوى . هذا وإن كون الإصبع الفيزيائية لغاليليو هى وحدها التى بقت على حالها فى حين اذدهر ما تحدر من تقنياته , فإن هذا أيضاً رمز لكون الوجود الشخصي حدثاً عابراً خلافاً لخلود المعرفة .
لذا فإن إصبع غاليليو وحده لم يكن الاول فى تقديم هذه الطريقة فى استكشاف المعرفة , لكنه كان بارزاً جداً فى تاريخ الأفكار , وهذا يجعل من المعقول أن نتبناه بوصفه رمز للنهج العلمى الحديث . إن إحدى السمات لهذا النهج الذى يتصف بفعالية مثيرة للدهشة فى استخراج الحقيقة المتعلقة بالعالم , والذى يميز العلم من منافسه الرئيسى – الذى يعبر عنه في النهاية بأنه المحاكمة النظرية البليدة – هى مركزية التجربة .
إن الدخول الى العالم وإجراء ملاحظات فيه ضمن شروط يمكن التحكم فيها بدقة يقلل إلى الحد الأدنى من المكون الذاتى – غير الموضوعى – لفهمنا , ويخضع من وجهة المبدأ , تلك الأرصاد للتدقيق والتمحيص من قبل الجميع .
ابتكر غاليليو , أيضاً فن التبسيط وعزل العناصر الجوهرية فى مسألة ما و إنعام النظر فى أفكاره عبر الغيوم التى تخفي البساطة الكامنة فى النظم الحقيقة تماما مثلما فعل عندما نظر عبر مثرابة telescope الحقيقى وشاهد تعقيدات السماوت .
وقد نحى جانبا العربة التى يجرها حصان والتى يسمع صرير دواليبها خلال إخراجها من الوحل واختار بدلاً من بساطة كرة تتدحرج على مستوى مائل وبندولا pendulum يتأرجح حول نقطة تعليق عالية .
هذا العزل للظاهرة الأساسية عن الفوضى التى تكمن فيها الحقيقة . جزء رئيسي من المنهج العلمى , فالعلماء يرون اللؤلؤة فى الصدفة والجوهرة فى التاج .
وبالطبع سيدعي البعض أنه يوجد ضعف فى هذا . فهم يدعون أن الفهم الصحيح ينتج عنه من القبول بصخب الحقيقة من عجز العربة عن التقدم في الوحول ومن نحيب العاشق ومن ارتفاع القبرة فى الهواء . وهم يدعون أن فحص العلماء لفراشة بغية دراسة آليتها إن هو الا تخل عن الفهم .
وعلينا أن ننظر هذا الاعتراض فى موقعه الصحيح , لا أن نرفضه حالاً . ويقبل معظم العلماء لكونهم بشراً , أن التفكير العاطفي هو مكون رائع لتفاعلنا مع العالم , لكن القليل منهم يقبلونه بوصفه طريقاً موثوقاً لبلوغ الحقيقة .
إنهم يؤثرون تجزئة التعقيد المروع للعالم , وفحص كل جزء بمعزل عن الجزء الذى يليه ثم تركيبه ثانية بأكبر قدر من الفهم .
هم يدرسون سلوك كرة على سطح مائل ليفهموا حركة عربة موجودة على تلة . ويدرسون البدال ليفهموا تأرجح ساق الرياضي . أما معارضوهم فسيصيحون بأعلى صوتهم مدعين أن فهم فيزياء الاهتزاز vibration لا توضح التتمتع بالموسيقي وأن تحويل سيمفونية إلى مجموعة من النغمات الموسيقية notes يخرب فهمنا لتأليفها .
ويجيب العالم أنه يتعين علينا اولاً فهم ما هى النغمة الموسيقية ثم الأنتقال الى سبب كون بعض النغمات متآلفة وبعضها الآخر متنافرة ثم – ربما لن يستغرق ذلك عقوداً – محاولة فهم الأثر النفسي والفنى لمتتالية من النغمات .
ويتطلع العلم الى بلوغ الكمال فى الفهم دون إغفال الهدف النهائى ودون الاندفاع الى هذا الفهم بتسرع دون ان يكون مدروساً جيداً . وسواء أدرك العلماء سعادتنا بفهم العالم وبحياتنا فيه وبفهم جميع الأسئلة العظيمة الأخرى التى يعتبرها الفلاسفة والفنانون والأنبياء وعلماء اللهوت واقعة فى مجالاتهم , أم لم يدركوا ذلك فإن هذه مسألة محاكمة عقلية بليدة ونحن نعرف جميعاً حجم الفائدة التى نجمت عن ذلك .
المحتويات
- التطور : بروز التعقيد
- عقلنة البيولوجيا
- الطاقة : عولمة المحاسبة
- الإنتروبيا : حيوية التغير
- الذرات : اختراع ( ارجاع ) المادة
- التناظر : تكميم الجمال
- الكموم : تبسيط الفهم
- الكوسمولوجيا (علم الكون ) : علولمة الواقع
- الزمان : ميدان الفعل
- علم الحساب : حدود العقل
- خاتمة : مستقبل الفهم
معلومات الكتاب
ألأسم : إصبع غليليو
المؤلف : بيتر أتكيز
الناشر : أكاديميا
المترجم : د. خضر الأحمد
التصنيف : علمى
الحجم : 13 ميجا
تسوق اونلاين وتخفيضات هائلة